الحجة في القراءات السبع

ومن سورة الفتح
قوله تعالى: لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ «6». يقرأ ذلك بالياء على طريق الغيبة، وبالتاء دلالة على المخاطبة.
قوله تعالى: عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ «7». يقرأ بضم السّين وفتحها. فالحجة لمن ضمّ: أنه أراد: «الإثم» أو «الشّرّ» أو «الفساد». والحجة لمن فتح: أنه أراد: المصدر.
قوله تعالى: فَسَيُؤْتِيهِ «8». يقرأ بالياء والنون. وقد تقدّم القول في أمثاله «9».
قوله تعالى: بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ «10». إجماع القرّاء على كسر الهاء، لمجاورة الياء إلا
__________
(1) محمد: 26.
(2) محمد: 31.
(3) محمد: 31.
(4) محمد: 35.
(5) انظر: 95.
(6) الفتح: 9.
(7) الفتح: 6.
(8) الفتح: 10.
(9) انظر: 96.
(10) الفتح: 10.

(1/329)


ما رواه (حفص) عن (عاصم) من ضمّها على أصل ما يجب من حركتها بعد الساكن.
قوله تعالى: إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا «1». يقرأ بضم الضاد وفتحها. وقد تقدّم ذكر علّتها «2».
قوله تعالى: بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً «3». إجماع القراء على الياء بمعنى الغيبة إلّا ما اختاره (أبو عمرو) من التاء بمعنى الحضرة.
قوله تعالى: أَخْرَجَ شَطْأَهُ «4». يقرأ بإسكان الطاء وفتحها. والحجة فيه كالحجة في قوله رَأْفَةٌ «5» في إسكانها وتحريكها. ومعناه: فراخ الزرع.
قوله تعالى: فَآزَرَهُ «6». يقرأ بالمدّ والقصر، فالمد بمعنى: أفعله، والقصر: بمعنى فعله، فالألف في الممدود قطع، وفي المقصور أصل.
قوله تعالى: عَلى سُوقِهِ «7». يقرأ بالهمز وتركه. وقد تقدّم ذكر علته فيما مضى «8».
والله أعلم.

ومن سورة الحجرات
قوله تعالى: فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ «9». يقرأ بالياء والتاء. فالحجة لمن قرأه بالياء:
أنه ردّه على اللفظ لا على المعنى. والحجة لمن قرأه بالتاء: أنه ردّه على المعنى، لا على اللفظ.
قوله تعالى: لا يَلِتْكُمْ «10». يقرأ بالهمز «11» وتركه. فالحجة لمن همز: أنه أخذه:
__________
(1) الفتح: 11.
(2) انظر: 88.
(3) الفتح: 24.
(4) الفتح: 29.
(5) النور: 2.
(6) الفتح: 29.
(7) الفتح: 29.
(8) انظر: 272 عند قوله تعالى: وَكَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها.
(9) الحجرات: 10.
(10) الحجرات: 14.
(11) قراءة أبي عمرو بهمزة ساكنة بعد الياء، وإذا خفف أبدلها ألفا. (انظر: التيسير: 202).

(1/330)


من ألت يألت. والحجة لمن ترك الهمز: أنه أخذه: من «لات» يليت. ومعناهما:
لا ينقصكم.
قوله تعالى: لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً «1». يقرأ بالتّشديد والتخفيف. وقد تقدّم القول فيه، ومعناه: إن ذاكر أخيه بالسوء في غيبته، وهو لا يحس به كآكل لحمه ميتا.
قوله تعالى: وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ «2». إجماع القرّاء على التاء خطابا للحاضرين إلّا (ابن كثير) فإنه قرأه بالياء على معنى: الغيبة.

ومن سورة ق
قوله تعالى: يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ «3». يقرأ بالياء إخبار من الرسول عن الله عزّ وجلّ وبالنون إخبار من الله تعالى عن نفسه عزّ وجلّ.
ونصب «يوم» يتوجه على وجهين: أحدهما: بقوله ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ «4» يوم نقول، أي: في يوم قولنا. والثاني: بإضمار فعل، معناه: «واذكر» يوم نقول.
فأما قول جهنم، فعند أهل السنة بآلة وعقل يركّبه الله فيها على الحقيقة. وعند غيرهم، على طريق المجاز، وأنها لو نطقت لقالت ذلك.
قوله تعالى: وَأَدْبارَ السُّجُودِ «5». يقرأ بفتح الهمزة على الجمع، وبكسرها على المصدر.
قوله تعالى: الْمُنادِ «6» يقرأ بالياء وحذفها على ما تقدّم من «7» القول في نظائره.
والمنادى هاهنا: إسرافيل. والمكان القريب: بيت المقدس.
قوله تعالى: يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ «8» يقرأ بالتشديد والتخفيف. فالحجة لمن شدد:
__________
(1) الحجرات: 12.
(2) الحجرات: 18.
(3) ق: 30.
(4) ق: 29.
(5) ق: 40.
(6) ق: 41.
(7) انظر: 204 عند قوله تعالى: دُعائِي.
(8) ق: 44.

(1/331)


أنه أراد: تتشقق، فأسكن التاء الثانية وأدغمها في الشين فشدّد لذلك. والحجة لمن خفف:
أنه أراد أيضا: تتشقق، فحذف إحدى التاءين تخفيفا.
قوله تعالى: فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ «1». يقرأ بالتشديد والتخفيف. فالحجة لمن شدد:
أنه دلّ بذلك على مداومة الفعل وتكراره. والحجة لمن خفف: أنه أراد المرة الواحدة.
وأصله: التطواف في البلاد.

ومن سورة الذّاريات
قوله تعالى: لَحَقٌّ مِثْلَ ما «2». يقرأ بالرفع والنصب. فالحجة لمن رفع: أنه جعله صفة للحق. والحجة لمن نصب: أنه بناه مع «ما» بناء «لا رجل عندك».
فإن قيل: كيف جعل نطقهم حقّا، وهم كفرة؟ فقل: معناه: إنه لحق مثل نطقكم، كما تقول: إنه لحقّ كما أنك هاهنا.
قوله تعالى: الصَّاعِقَةُ «3». يقرأ بإثبات الألف بين الصاد والعين، وحذفها. فالحجة لمن أثبت: أنه أراد: الاسم من الفعل. والحجة لمن حذف: أنه أراد: المصدر أو المرّة من الفعل.
قوله تعالى: وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ «4». يقرأ بالنصب والخفض. فالحجة لمن نصب:
أنه ردّه على قوله: فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ «5»، أي: وأغرقنا قوم نوح، أو أهلكنا قوم نوح. والحجة لمن خفض: أنه ردّه على قوله: وَفِي ثَمُودَ «6».
__________
(1) ق: 36.
(2) الذاريات: 23.
(3) الذاريات: 44.
(4) الذاريات: 46.
(5) الذاريات: 40.
(6) الذاريات: 43.

(1/332)


ومن سورة والطّور
قوله تعالى: وَأَتْبَعْناهُمْ «1». يقرأ بالنّون والألف، وبالتّاء في موضع النون، وحذف الألف. ذُرِّيَّتُهُمْ «2» يقرأ بالتوحيد والجمع فيهما، «3» وبالرفع في الأولى والنصب. فالحجة لمن قرأه بالتاء: أنه جعله فعلا للذريّة سواء أفرد، أو جمع، فرفعها بفعلها. والحجة لمن قرأ بالنون: أنه جعل الفعل لله تعالى فنصب «الذريّة» في الإفراد والجمع لتعدّي الفعل إليها.
فأما الذريّة الثانية فلا خلف في نصبها بقوله: (ألحقنا). فالحجة لمن وحّد أنه اجتزأ بالواحد من الجمع، وعلامة النصب فيه فتحة التاء. والحجة لمن جمع: أنه أتى باللفظ على ما أوجبه المعنى. وعلامة النصب في الجمع كسرة التاء، لأنها نابت في جمع المؤنث مناب الياء في جمع المذكر، فاعتدل النصب والخفض في جمع المؤنث بالكسر، كما اعتدل
في جمع المذكر بالياء.
وأصل «ذريّة» في الوزن «فعلولة» «4» من «الذّر» فقلبوا من الواو ياء وأدغموها في الياء، فصارت في وزن «فعليّة» «5».
ومعنى الآية: أن الله تعالى يبلغ الولد في الجنة مرتبة والده، وإن لم يستحقها بعمله، ويبلغ الوالد في الجنة مرتبة ولده، وإن لم يستوجبها بعمله إذا تساويا في الدخول إليها نسأل الله فوزا بها برحمته وفضله. ودليله قوله تعالى: آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً «6».
قوله تعالى: وَما أَلَتْناهُمْ «7». أجمع القرّاء على فتح اللام إلّا ما قرأ به (ابن كثير)
__________
(1) الطّور: 21.
(2) الطّور: 21.
(3) أي في قوله تعالى: وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ. وفي قوله تعالى: أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ.
(4) في الأصل: فعولة ولا وجه له، والصواب إذا لم تكن مهموزة الأصل أن يكون أصلها ذرورة على وزن فعلولة، ولكن التضعيف لما كثر أبدل الراء الأخيرة ياء. ثم أدغمت الواو في الياء فصارت ذريّة.
(5) في الأصل: فعليّة، والصواب: أن تكون فعليّة (اللسان ذرر).
(6) النساء: 11.
(7) الطّور: 21.

(1/333)


من كسرها. وقد علّل ذلك في الحجرات «1».
قوله تعالى: لا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ «2». يقرأ بالنصب وطرح التنوين، والرفع والتنوين.
فالحجة لمن نصب: أنه بنى الاسم مع «لا» كبناء «خمسة عشر» فحذف التنوين، وبناه على الفتح. والحجة لمن رفع: أنه لم يعمل «لا» وأعمل معنى «الابتداء» وجعل الظرف الخبر.
ومعنى يتنازعون هاهنا: يتعاطون ويتداولون. ومنه قول الأخطل:
نازعته طيّب الراح الشّمول وقد ... صاح الدّجاج وحانت وقعة السّاري
«3» قوله تعالى: إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ «4». يقرأ بفتح الهمزة وكسرها. فالحجة لمن فتح:
أنه أراد: حرف الجر، فلما حذفه تعدى الفعل فعمل. والحجة لمن كسر: أنه جعل تمام الكلام عند قوله: «ندعوه»، ثم ابتدأ «إن» بالكسر على ما أوجبه الابتداء لها.
قوله تعالى: يُصْعَقُونَ «5». يقرأ بفتح الياء وضمّها. فالحجة لمن فتح: أنه جعل الفعل لهم، ولم يعدّه إلى غيرهم، فالواو ضمير الفاعلين، والنّون علامة رفع الفعل. والحجة لمن ضم: أنه جعل الفعل لما لم يسمّ فاعله، فرفع المفعول بذلك.
فإن قيل: ما وجه رفع المفعول هاهنا بعد ما كان النصب أولى به؟ فقل: لأنه أشبه الفاعل في المعنى، لأن الفعل الذي كان حديثا عن الفاعل صار حديثا عن المفعول، فقام مقامه، فأعرب بإعرابه.
فإن قيل: فعلامة الإعراب إنما تقع في آخر الفعل بغير حائل، كوقوعها على آخر حروف الاسم، فلم جعلت النون في الفعل المضارع إعرابا، وقد حالت الألف والواو بينهما
__________
(1) انظر: 331.
(2) الطور: 23.
(3) من قصيدة أولها:
تغيّر الرّسم من سلمى بأحفار ... واقفرت من سليمى دمنة الدّار
والدجاج هنا: الديوك: يريد وقت السحر، لأنه يقال للديك: هذا دجاجة، فإن أردت الأنثى قلت: هذه.
(وقعة): يقال: وقعت الإبل إذا بركت. انظر: (ديوان الأخطل: 16). وانظر أيضا: الشعر والشعراء:
483).
(4) الطور: 28.
(5) الطور: 45.

(1/334)


وبين الفعل؟ فقل: لأنه لما كنّى عن الفاعل في الفعل مثنّى ومجموعا اختلط بالفعل اختلاطا لا يمكن فصله فصار كبعض حروفه، فكأنك لم تحل بين الفعل وعلامة الرفع بشيء.
قوله تعالى: أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ «1». يقرأ بالصاد والسين، وإشمام الزّاي هاهنا وفي الْغاشِيَةِ «2». وقد ذكرت علل ذلك فيما سلف «3».
ومعنى المصيطر: المسلّط، فأمّا لفظ مسيطر، ومبيقر، ومبيطر «4»، ومهيمن «5»، وكميت «6»، وثريّا «7» فمصغّرات جاءت عن العرب لا مكبّر لهن، فاعرفهن.

ومن سورة النجم
قوله تعالى: إِذا هَوى «8»، وغَوى «9»، وما أشبه ذلك من أواخر آي هذه السورة.
يقرأ بالإمالة والتفخيم وبين ذلك. وقد ذكرت وجوه علله، وعلل رَأى «10» فيما تقدم، فأغني ذلك عن الإعادة «11» قوله تعالى: أَفَتُمارُونَهُ «12». يقرأ بضم التاء وإثبات ألف بين الميم والراء، وبفتح التاء وحذف الألف. فالحجة لمن أثبت: أنه أراد: «أفتجادلونه». ووزنه: «تفاعلونه» من المماراة. والمجادلة بالباطل. ومنه قوله عليه السّلام: «لا تماروا بالقرآن فإن مراء فيه كفر» «13». والحجة لمن حذفها: أنه أراد: «أفتجحدونه».
__________
(1) الطور: 37.
(2) الغاشية: 22.
(3) انظر: 62 عند قوله تعالى: الصِّراطَ.
(4) من صنعته البيطرة، والبيطرة: معالجة الدواب.
(5) هيمن على كذا: صار رقيبا عليه وحافظا. والمهيمن من أسماء الله تعالى.
(6) الكميت من الخيل بين الأسود والأحمر.
(7) الثّريا: النجم.
(8) النجم: 1.
(9) النجم: 2.
(10) النجم: 11.
(11) انظر: 78 عند قوله تعالى: أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً.
(12) النجم: 12.
(13) انظر: النهاية في غريب الحديث لابن الجزري 4: 322.
وفي الأصل: فإن مراء (به).

(1/335)


قوله تعالى: وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى «1». يقرأ بالقصر من غير همز، وبالمدّ والهمز.
فالحجة لمن قصر: أن الأصل فيها: منوة، فلمّا تحرّكت الواو وقبلها فتحة انقلبت ألفا، وذلك حقّها وقياسها. والحجة لمن مدّ: أنه جعل الألف زائدة لا منقلبة، وأتى بالهمزة بعدها لئلا يجمع بين ألفين، «فاللات» اسم صنم كان ل «ثقيف» «2»، و «العزى»:
اسم «سمرة» «3». كانت ل «غطفان» «4» و «مناة»: اسم صخرة كانت ل «خزاعة» «5».
فأمّا الوقف على «اللات» فبالتاء إجماع إلّا ما تفرد به (الكسائي) من الوقوف عليها بالهاء. والاختيار التاء، لأن الله تعالى لما منعهم أن يحلفوا بالله، قالوا: «اللات» ولما منعهم أن يحلفوا «بالعزيز» قالوا: «العزّى».
قوله تعالى: قِسْمَةٌ ضِيزى «6». يقرأ بالهمز «7»، وتركه. وهما لغتان: ضأز، وضاز. ومعناهما: جار. والأصل: ضم الضّاد. فلو بقّوها على الضم، لانقلبت الياء واوا فكسروا الضاد، لتصبح الياء كما قالوا في جمع أبيض: بيض، لتصح الياء.
فأما من كسر أوّلها وهمز فإن كان أراد: أن يجعلها اسما ك «ذكرى» و «شعرى» فقد أصاب، وإن كان جعلها وصفا فلا وجه لذلك، لأنه لم يأت عن العرب وصف لمؤنث على وزن فعلى بكسر الفاء.
قوله تعالى: كَبائِرَ الْإِثْمِ «8». يقرأ بالتوحيد والجمع. وقد ذكرت وجوهه في عسق «9».
__________
(1) النجم: 20.
(2) ثقيف: قبيلة منازلها في جبل الحجاز، بين مكّة والطائف، وعلى الأصح بينه وبين جبال الحجاز وتنقسم إلى بطون عدة.
انظر: معجم قبائل العرب: 1 - 147.
(3) السّمرة بضم الميم: من شجر الطّلح.
(4) غطفان بن سعد: بطن من حرام بن جذام بن كهلان، من القحطانية وهم: بنو غطفان بن سعد بن مالك بن جذام. انظر: (معجم قبائل العرب: 3 - 889).
(5) خزاعة: قبيلة من الأزد من القحطانية وهم: بنو عمرو بن ربيعة: كانوا بأنحاء مكة في مرّ الظهران وما يليه.
من جبالهم: الأبواء، والشام. ومن مياههم: بيضان، الوتيرة، المريسيع، وفيهم بطون كثيرة.
انظر: (معجم قبائل العرب: 1 - 238).
(6) النجم: 22.
(7) وهي قراءة ابن كثير، «ضئزى» (التيسير: 204).
(8) النجم: 32.
(9) انظر: 319.

(1/336)


قوله تعالى: وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً الْأُولى «1». يقرأ بالتنوين مكسورا، وإسكان اللام وهمزة بعدها، وبطرح التنوين والهمزة وتشديد اللّام «2». فالحجة لمن نوّن وأسكن اللام، وحقّق الهمزة: أنه أتى بالكلام على أصله، ووفّى اللفظ حقيقة ما وجب له، وكسر التنوين لالتقاء الساكنين. والحجة لمن حذف التنوين والهمزة وشدّد اللام: أنه نقل حركة الهمزة إلى اللام الساكنة قبلها ثم حذفها، فالتقى سكون التنوين وسكون اللام، فأدغم التنوين في اللام فالتشديد من أجل ذلك. ومثله من كلامهم: «زياد العجم» «3» وروي عن (نافع): الإدغام وهمزة الواو، فإن صحّ ذلك عنه فإنما همز ليدل بذلك على الهمزة التي كانت في الكلمة قبل الإدغام.
قوله تعالى: وَثَمُودَ فَما أَبْقى «4». يقرأ بالإجراء وتركه. وقد تقدّم القول في علة ذلك وغيره من الأسماء الأعجمية «5».

ومن سورة القمر
قوله تعالى: يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ «6» ومُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ «7». يقرءان بإثبات الياء وحذفها.
وقد ذكرت علله. ومعنى مهطعين: مسرعين.
قوله تعالى: إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ «8». يقرأ بضم الكاف وإسكانها. والاختيار الضم لموافقة رءوس الآي، ولأنه الأصل، وإن كان الإسكان تخفيفا.
قوله تعالى: خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ «9». يقرأ بضم الخاء وتشديد الشين من غير ألف، وبفتح الخاء وألف بعدها، وتخفيف الشين وكسرها. فالحجة لمن ضم الخاء وحذف الألف:
أنه أراد: جمع التكسير على خاشع فقال: خشّع كما قال تعالى في جمع راكع: وَالرُّكَّعِ
__________
(1) النجم: 50.
(2) وهي قراءة نافع وأبي عمرو: بضم اللام بحركة الهمزة وإدغام النون فيها. (التيسير: 204).
(3) أصله: زياد الأعجم.
(4) النجم: 51.
(5) انظر: 188.
(6) القمر: 6.
(7) القمر: 8.
(8) القمر: 6.
(9) القمر: 7.

(1/337)


السُّجُودِ «1». والحجة لمن فتح الخاء وأثبت الألف: أنه أراد باللفظ: التوحيد، وبالمعنى:
الفعل؛ للمضارعة التي بينهما، لأن ما بعده مرتفع به كما قال الشاعر:
وشباب حسّن أوجههم ... من إياد بن نزار بن معدّ
«2» فأما النصب في قوله خاشعا وخشّعا فعلى الحال.
قوله تعالى: فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ «3». يقرأ بالتخفيف إجماع إلّا ما اختاره (ابن عامر) من التشديد فوجه التخفيف: أن الفتح إنما كان في وقت واحد. ووجه التشديد:
أن التفتح من السماء كان كالتّفجير من الأرض شيئا بعد شيء، ودام وكثر.
قوله تعالى: سَيَعْلَمُونَ غَداً «4». يقرأ بالتاء والياء. وقد تقدّم القول فيه.
و (غد) هاهنا يوم القيامة وإنما كنى عنه ب «غد» لقوله عز وجل: وَما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ «5» عند الله تعالى من ذلك.

ومن سورة الرحمن
قوله تعالى: وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ «6». إجماع القرّاء على الواو إلا (ابن عامر) فإنه قرأه بألف والنصب. فالحجة لمن قرأه بالواو: أنه ردّه على قوله: فِيها فاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذاتُ
الْأَكْمامِ
«7» وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ. والحجة لمن قرأه بالألف والنصب: أنه ردّه على قوله: وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ وأنبت الحب ذا العصف.
قوله تعالى: وَالرَّيْحانُ «8». يقرأ بالرفع والخفض، فوجه الرفع بالرّدّ على قوله:
والحبّ والريحان. ووجه الخفض بالردّ على قوله: ذو العصف والرّيحان، لأن العصف:
التبن، والريحان: ما فيه من الرزق، وهو: الحبّ.
__________
(1) البقرة: 125، الحج: 26.
(2) انظر: شروح سقط الزند: 982.
(3) القمر: 11.
(4) القمر: 26.
(5) النحل: 77.
(6) الرحمن: 12.
(7) الرحمن: 11.
(8) الرحمن: 12.

(1/338)


قوله تعالى: يَخْرُجُ مِنْهُمَا «1». يقرأ بفتح الياء وضم الراء، وبضم الياء وفتح الراء.
فالحجة لمن فتح الياء: أنه جعل الفعل للؤلؤ والمرجان. والحجة لمن ضم الياء: أنه دل بذلك وبفتح الراء على بناء الفعل لما لم يسمّ فاعله.
قوله تعالى: سَنَفْرُغُ لَكُمْ «2». يقرأ بالنون مفتوحة وضم الراء، وبالياء مضمومة وفتح الراء. وقد تقدّم القول في أمثاله ما يدل عليه.
فأمّا ضم الراء وفتحها مع النون فلغتان فصيحتان، فأمّا الضم فعلى الأصل، وأمّا الفتح، فلأجل الحرف الحلقي. والفراغ هاهنا: القصد. قال جرير «3»:
الآن وقد فرغت إلى نمير ... فهذا حين كنت لها عذابا
«4» فأما الفراغ من الشغل فوجهه غير هذا الذي ذكرناه.
قوله تعالى: الْمُنْشَآتُ «5». يقرأ بفتح الشين وكسرها. فالحجة لمن فتح: أنه أراد:
اسم المفعول الذي لم يسم فاعله. والحجة لمن كسر: أنه أراد بذلك: اسم الفاعل كما تقول: أكرمن فهن مكرمات. وهن: السفن. والأعلام هاهنا: الجبال، واحدها:
علم.
قوله تعالى: شُواظٌ «6» يقرأ بضم الشين وكسرها. وهما لغتان والمراد بهما: اللهب الذي لا دخان فيه.
قوله تعالى: وَنُحاسٌ «7». يقرأ بالرفع والخفض «8». فالحجة لمن رفع: أنه ردّه على
__________
(1) الرحمن: 22.
(2) الرحمن: 31.
(3) جرير بن عطية بن الخطفي، واسمه حذيفة، والخطفي لقبه. كان من فحول الشعراء، وكانت بينه وبين الفرزدق مهاجاة ونقائض، وكانت وفاته في سنة إحدى عشرة ومائة: انظر: (وفيات الأعيان: 1 - 286).
(4) لم أعثر على هذا البيت في (ديوان جرير).
(5) الرحمن: 24.
(6) الرحمن: 35.
(7) الرحمن: 35.
(8) في رأي أبي جعفر النحاس: أن الرفع أبين في العربية لأنه لا إشكال فيه، ويكون معطوفا على «شواظ» وإن خفضت عطفته على نار، واحتاج إلى الاحتيال وذلك أن أكثر أهل التفسير، منهم ابن عباس يقولون: الشواظ:
اللهب. والنحّاس: الدخان. فإذا خفضت، فالتقدير: شواظ من نار ومن نحاس، والشواظ لا يكون من النحاس،

(1/339)


قوله: «شواظ، ونحاس». والحجة لمن خفض: أنه ردّه على قوله «من نار ونحاس».
والنحاس هاهنا: الدخان.
قوله تعالى: لَمْ يَطْمِثْهُنَّ «1». يقرأ بضم الميم وكسرها، وهما لغتان معناهما:
الافتضاض للابكار، وهذا دليل على أن الجنّ تنكح.
قوله تعالى: تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ «2». إجماع القرّاء هاهنا على الياء إلّا ما تفرّد به (ابن عامر) فيه من الواو، لأنه جعله وصفا للاسم، وجعله الباقون وصفا لقوله:
«ربك» والوصف تابع للموصوف كالبدل، والتوكيد، وعطف البيان.