الحجة في القراءات السبع ومن سورة الواقعة
قوله تعالى: وَحُورٌ عِينٌ «3». يقرأ بالرفع والخفض. فالحجة
لمن رفع: أنه قال:
الحور لا يطاف بهن، فقطعهنّ من أول الكلام، وأضمر لهن رافعا
معناه: ومع ذلك حور عين. والحجة لمن خفض: أنه أشركهن في الباء
الداخلة في قوله: يَطُوفُ عَلَيْهِمْ «4» بكأس من معين وبحور
عين، فقطعهن بالواو. ولم يفرق بين أن يطاف به، وبين أن يطوف
بنفسه.
قوله تعالى: عُرُباً «5». إجماع القراء على ضم الراء إلّا ما
تفرّد به «حمزة» و «أبو بكر» عن «عاصم» من إسكانها. فالحجة لمن
ضم: أنه أتى بالكلمة على أصلها ووفّاها ما أوجبه القياس لها،
لأنها جمع «عروب» وهي: الغنجة «6» المحبة لزوجها. والحجة لمن
أسكن: أنه استثقل الجمع بين ضمتين متواليتين، فخفف بإسكان
إحداهما.
__________
أن اللهب لا يكون من الدخان، إلا على حيلة واعتذار. والذي في
ذلك من الحيلة: هو قول أبي العباس محمد بن يزيد أنه لما كان
اللهب والدخان جميعا من النار كان كلّ واحد منهما مشتملا على
الآخر. انظر: (إعراب القرآن لأبي جعفر النحاس 3 ورقة 316).
مخطوط.
(1) الرحمن: 74.
(2) الرحمن: 78.
(3) الواقعة: 22.
(4) الواقعة: 17، وفي الأصل: «يطاف عليهم».
(5) الواقعة: 37.
(6) الغنجة: بفتح النون وكسرها، وهي المرأة حسنة الدّل
«اللسان: غنج».
(1/340)
قوله تعالى: أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا
تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا «1»، يقرأ بالاستفهام والإخبار وقد
تقدّم ذكره «2».
قوله تعالى: بِمَواقِعِ النُّجُومِ «3». يقرأ بالجمع والتوحيد.
وقد ذكرت علله فيما سلف «4».
والاختيار هاهنا: الجمع، لأنه يراد به: مواقع نجوم القرآن،
ونزوله نجوما من السماء الدنيا على محمّد عليه السلام.
قوله تعالى: شُرْبَ الْهِيمِ «5» يقرأ بفتح الشين وضمها.
فالحجة لمن فتح: أنه أراد به: المصدر. والحجة لمن ضم: أنه
أراد: الاسم. وقيل هما لغتان، معناهما واحد.
والهيم: جمع أهيم، وهيماء. وهن: العطاش.
قوله تعالى: نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ «6» أجمع
القراء على التشديد للدّال إلّا (ابن كثير) فإنه خفف. وقد ذكر
الفرق بينهما «7».
ومن سورة الحديد
قوله تعالى: وَقَدْ أَخَذَ مِيثاقَكُمْ «8». يقرأ بفتح الهمزة
ونصب ميثاقكم، وبضم الهمزة ورفع ميثاقكم. فالحجة لمن فتح: أنه
جعله فعلا لفاعل فنصب «ميثاقكم» بتعدّي الفعل إليه. والحجة لمن
ضمّ: أنه بنى الفعل لما لم يسمّ فاعله، فدلّ بالضمة عليه، ورفع
«ميثاقكم» باسم ما لم يسم فاعله. والألف في الوجهين ألف أصل.
قوله تعالى: وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى «9» يقرأ
بالنصب والرفع. فالحجة لمن نصب
__________
(1) الواقعة: 47.
(2) انظر: 161 عند قوله تعالى: قالُوا إِنَّ لَنا لَأَجْراً.
(3) الواقعة: 75.
(4) انظر: 104 - 105 عند قوله تعالى: وَكُتُبِهِ وقوله:
فَرِهانٌ.
(5) الواقعة: 55.
(6) الواقعة: 60.
(7) انظر: 207: عند قوله تعالى: إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنا.
(8) الحديد: 8.
(9) الحديد: 10.
(1/341)
«كلا»: أنه أعمل فيه «وعد» مؤخرا كما
يعملها مقدّما. والحجة لمن رفع: أنه ابتدأ «كلّا» وجعل الفعل
بعده خبرا عنه، وعدّاه إلى الضمير بعده. يريد: وكل وعده الله
الحسنى، ثم خزل الهاء تخفيفا لأنها كناية عن مفعول، وهو فضلة
في الكلام. قال الشاعر:
ثلاث كلّهنّ قتلت عمدا ... فأخزى الله رابعة تعود
«1» أراد: قتلتهنّ.
قوله تعالى: فَيُضاعِفَهُ «2». يقرأ بإثبات الألف والتخفيف،
وبحذفها والتشديد.
فالحجة لهما مذكورة فيما تقدم «3».
قوله تعالى: انْظُرُونا «4» يقرأ بوصل الألف، وضم الظّاء،
وبقطعها وكسر الظاء.
فالحجة لمن وصل: أنه جعله من الانتظار. والحجة لمن قطع: أنه
جعله بمعنى التأخير.
قوله تعالى: وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ «5». يقرأ بالتشديد
والتخفيف. وقد ذكر فيما مضى «6» قوله تعالى: إِنَّ
الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ «7». يقرءان بتشديد الصاد
وتخفيفها. فالحجة لمن شدد: أنه أراد: المتصدقين فأسكن التاء
وأدغمها في الصاد، فالتشديد لذلك. والحجة لمن خفف: أنه حذف
التاء تخفيفا واختصارا.
قوله تعالى: فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ «8»
«9». يقرأ بإثبات «هو». بين الاسم والخبر، وبطرحه. فالحجة لمن
أثبته: أنه جعله فاصلة عند البصريين وعمادا عند الكوفيين،
ليفصل بين النعت والخبر، وله وجه آخر في العربية، وهو: أن يجعل
«هو» اسما مبتدأ «والغنيّ» خبر، فيكونا جملة في موضع رفع خبر
إنّ، ومثله إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ «10».
__________
(1) قال الأعلم: استشهد به سيبويه على رفع «كل» مع حذف الضمير.
من الفعل. وقال البغدادي: هذا البيت
(2) لا يعرف ما قبله، ولا ما بعده ولا قائله. انظر: (الخزانة
1: 177، والكتاب 1: 44).
(3) الحديد: 11.
(4) انظر: 98.
(5) الحديد: 13.
(6) الحديد: 16.
(7) انظر: 84.
(8) الحديد: 18.
(9) الحديد: 24.
(10) الكوثر: 3.
(1/342)
وما ورد عليك من أمثال هذا، فأجره على أحد
هذين الوجهين. والحجة لمن طرحه.
أنه جعل «الغنيّ» خبر «إنّ» بغير فاصلة و «الحميد» نعتا له.
قوله تعالى: لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ «1». أجمع القراء
فيه على الياء إلا (ابن عامر) فإنه قرأه بالتّاء. وقد ذكرت
علله فيما تقدم «2».
قوله تعالى: بِما آتاكُمْ «3» بالمدّ والقصر. فالحجة لمن مدّ
وهو الأكثر: أنه جعله من الإعطاء. والحجة لمن قصر وهو اختيار
(أبي عمرو): أنه لما تقدّم قبله: «ما فاتَكُمْ» ردّ عليه ولا
تفرحوا بما جاءكم، لأنه بمعناه أليق.
ومن سورة المجادلة
قوله تعالى: الَّذِينَ يُظاهِرُونَ «4» مذكوران بوجوه
قراءاتهما، وعللهما في سورة الأحزاب «5».
قوله تعالى: يَتَناجَوْنَ بِالْإِثْمِ «6». يقرأ بالنون قبل
التاء وطرح الألف «7»، وبالتاء قبل النون وإثبات الألف.
فالأول، وزنه: يفتعلون. والثاني وزنه: يتفاعلون، وكلاهما من
المناجاة. ومعناها: الحديث والكلام.
قوله تعالى: فِي الْمَجالِسِ «8». أجمع القراء فيه على التوحيد
إلّا (عاصما) فإنه قرأه بالجمع. فالحجة في التوحيد: أنه أريد
به: في مجلس النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فيكون الخطاب خاصّا
للصحابة. والحجة في الجمع: أنه أريد به: مجلس العلم والذّكر،
فيكون الخطاب عامّا لكافة المؤمنين.
__________
(1) الحديد: 15.
(2) انظر: 96 عند قوله تعالى: وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ.
(3) الحديد: 23.
(4) المجادلة: 2.
(5) انظر: 288.
(6) المجادلة: 8.
(7) هي قراءة حمزة: ينتجون على وزن «ينتهون»: التيسير: 209.
(8) المجادلة: 11.
(1/343)
قوله تعالى: وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا «1». يقرأ بضم
الشين وكسرها وهما لغتان، مثل يلمزون، ويلمزون، وقد ذكر «2».
وأصل النشوز: التحرّك، والارتفاع، والتحوّل.
ومن سورة الحشر
قوله تعالى: يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ «3» يقرأ بإسكان الخاء
والتخفيف، وبفتحها والتشديد.
فالحجة لمن خفف: أنه أراد: يرحلون ويخلونها. تقول العرب:
أخربنا المنزل إذا هم ارتحلوا عنه، وإن كان صحيحا. والحجة لمن
شدّد: أنه أراد: يهدمونها، وينقضونها تقول العرب: خرّبنا
المنزل إذا هم هدموه وإن كانوا فيه مقيمين.
قوله تعالى: أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ «4». يقرأ بكسر الجيم
وإثبات الألف بين الدال والراء على التوحيد، وبضم الجيم والدال
وحذف الألف على الجمع. ومعناه: من وراء حائط.
وقد ذكرت علل التوحيد والجمع «5». |