الحجة في القراءات السبع ومن سورة الممتحنة
قوله تعالى: يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ «6». يقرأ بضم الياء وفتح
الصّاد، وبفتح الياء وكسر الصاد، وبالتشديد فيهما والتخفيف.
فالحجة لمن فتح الياء وكسر الصاد وخفف: أنه أراد: يفصل الله
بينكم. ودليله قوله: وَهُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ «7». والحجة
لمن قرأه بضم الياء وفتح الصاد والتخفيف: أنه جعله فعل ما لم
يسم فاعله، وكذلك القول في التشديد فابنه عليه.
قوله تعالى: وَلا تُمْسِكُوا «8». إجماع القراء على التخفيف
إلّا ما انفرد به (أبو عمرو) من التشديد. وقد ذكر الاحتجاج في
ذلك بما يغني عن إعادته «9».
__________
(1) المجادلة: 11.
(2) انظر: 100 عند قوله تعالى: كَيْفَ نُنْشِزُها.
(3) الحشر: 2.
(4) الحشر: 14.
(5) انظر: 105، 148
(6) الممتحنة: 3.
(7) الأنعام: 57.
(8) الممتحنة: 10.
(9) انظر: 166 عند قوله تعالى: وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ
بِالْكِتابِ.
(1/344)
قوله تعالى: قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ
حَسَنَةٌ «1». يقرأ بضم الهمزة وكسرها. وقد تقدّم ذكر علل ذلك
في سورة الأحزاب «2».
ومن سورة الصف
قوله تعالى: مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ «3». يقرأ بفتح
الياء وإسكانها. فالحجة لمن فتح:
التقاء الساكنين: سكونها، وسكون السين. والحجة لمن أسكنها:
استثقال الحركة فيها.
وأحمد هاهنا: نبينا صلى الله عليه وسلم. ومن الأنبياء من له
اسمان أتى بهما القرآن خمسة «محمد وأحمد»، و «إسرائيل ويعقوب»،
و «ذو النون ويونس»، و «عيسى والمسيح»، و «إلياس وذو الكفل».
قوله تعالى: مُتِمُّ نُورِهِ «4». يقرأ بالتنوين والنصب، وبحذف
التنوين والخفض.
وقد ذكرت علته في غير موضع «5».
قوله تعالى: تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ «6». إجماع
القراء على التخفيف إلّا (ابن عامر) فإنه شدّد. ومعناهما قريب.
وهما لغتان. فالدليل على التخفيف قوله: أَنْجَيْنَا الَّذِينَ
يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ
«7»، والدليل على التشديد قوله تعالى: وَنَجَّيْناهُ
وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ «8».
قوله تعالى: كُونُوا أَنْصارَ اللَّهِ «9» يقرأ بالتنوين على
أنه نكرة «10». وبطرح التنوين وإضافته إلى اسم الله تعالى على
أنه معرفة.
__________
(1) الممتحنة: 4.
(2) انظر: 289.
(3) الصف: 6.
(4) الصف: 8.
(5) انظر: 83 عند قوله تعالى: فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ.
(6) الصف: 10.
(7) الأعراف: 165.
(8) الصافات: 76. وفي الأصل: «فنجيناه» وهو تحريف.
(9) الصف: 14.
(10) القراء ما عدا الكوفيين وابن عامر يقرءون بالتنوين ولام
مكسورة في أول اسم الله عز وجل. (انظر التيسير: 210).
(1/345)
ومن سورة الجمعة
لا خلف فيها إلا التفخيم والإمالة في قوله تعالى: كَمَثَلِ
الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً «1».
وقد ذكر «2».
ومن سورة (المنافقون)
قوله تعالى: كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ «3». يقرأ بإسكان
الشين وضمها. فالحجة لمن أسكن: أنه شبهه في الجمع: ببدنة وبدن،
ودليله قوله: وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ «4» أو يكون أراد
الضم، فأسكن تخفيفا. والحجة لمن ضم الشين: أنه أراد جمع الجمع
كقولهم:
ثمار وثمر.
قوله تعالى: لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ «5». يقرأ بالتشديد والتخفيف.
وقد ذكرت علله «6».
ومعناه: حرّكوها كالمستهزءين بالقرآن.
قوله تعالى: وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ «7». يقرأ بإثبات
الواو والنصب، وبحذفها والجزم. والإجماع على الجزم إلا ما
تفرّد به (أبو عمرو) من النصب. فالحجة لمن جزم:
أنه ردّه على موضع الفاء وما اتصل بها قبل دخولها على الفعل،
لأن الأصل كان «لولا أخرتني أتصدّق وأكن» كما قال الشاعر:
فأبلوني بليّتكم لعلّي ... أصالحكم وأستدرج نويّا
«8»
__________
(1) الجمعة: 5.
(2) انظر: ظواهر الإمالة: 42، 45، 81، 119.
(3) المنافقون: 4.
(4) الحج: 36.
(5) المنافقون 5.
(6) انظر: 127 عند قوله تعالى: وَإِنْ تَلْوُوا.
(7) المنافقون: 10.
(8) نسبة ابن جني في الخصائص إلى أبي داود، ونسبة ابن هشام في
المغنى 2: 97 إلى الهذلي.
وفي حاشية اللسان: فسره الدسوقي فقال: أبلوني: أعطوني.
والبلية: الناقة تعقل على قبر صاحبها الميت بلا طعام ولا شراب
حتى تموت. ونويّ بفتح الواو كهويّ، وأصله: نواي كعصاي قلبت
الألف ياء على لغة هذيل.
انظر: اللسان: مادة: علل. والخصائص: 1: 176. ومعاني القرآن
للفراء 1: 88. ومغنى ابن هشام 2: 97.
وشرح شواهد المغنى للبغدادي الشاهد: 669.
(1/346)
فجزم و «استدرج» عطفا على موضع «أصالحكم»
قبل دخول (لعل) عليه، ومعناه: فأبلوني بليّتكم أصالحكم. والحجة
لمن نصب: أنه ردّه على قوله «أصدق» «1» لأن معنى «لولا» هاهنا
معنى: «هلا» وهي للاستفهام والتحضيض، والجواب في ذلك بالفاء
منصوب وفيما شاكله من الأمر والنهي، والتمنّي، والجحد، والعرض،
فعطف لفظا على لفظ، ليكون الكلام فيه من وجه واحد. فاعرف ذلك
إن شاء الله.
ومن سورة التغابن
قوله تعالى: يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُدْخِلْهُ «2».
يقرءان بالياء والنون. فالحجة لمن قرأه بالياء: تقديم اسم الله
عز وجل في أول الكلام عند قوله: وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ
«3». والحجة لمن قرأه بالنون: أن الله تعالى أخبر بذلك عن
نفسه.
قوله تعالى: يُضاعِفْهُ «4». يقرأ بإثبات الألف والتخفيف،
وبحذفها والتشديد.
وقد تقدّم ذكر العلة فيه فأغنى عن إعادته «5».
ومن سورة الطّلاق
قوله تعالى: إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ
«6». يقرأ بكسر الياء وفتحها، وقد ذكر في النساء «7».
قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ بالِغُ أَمْرِهِ «8». يقرأ بالتنوين
والنصب. وبحذفه والإضافة. وقد ذكر «9».
__________
(1) يقول السمين الحلبي: «وقرأ أبو عمرو: «فأصدق وأكون» بنصب
الفعل مطلقا على «فأصدق» وفأصدق منصوب على جواب التمني من
قوله: «لَوْلا أَخَّرْتَنِي» انظر: «إعراب القرآن للسمين ج 8
مخطوط.
(2) التغابن: 9.
(3) التغابن: 9.
(4) التغابن: 17.
(5) انظر: 98.
(6) الطلاق: 1.
(7) انظر: 121.
(8) الطلاق: 3.
(9) انظر: 82. عند قوله تعالى: فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ.
(1/347)
قوله تعالى: وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً
«1». يقرأ بضم الكاف وإسكانها على ما قدمناه من القول في سورة
(القمر) «2». والاختيار هاهنا: الإسكان، وهناك: التحريك، ليوفق
بذلك ما قبله من رءوس الآي.
قوله تعالى: وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ «3». يقرأ بالهمز
والتشديد للياء بعد الهمز، وبألف ممدودة قبل الهمزة ونون ساكنة
بعدها. ومعناها: معنى كم. وقد ذكرنا الحجة فيها فيما مضى «4».
قوله تعالى: يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ «5». يقرأ بالياء والنون. وقد
تقدم القول في أمثاله بما يدل عليه.
ومن سورة التحريم
قوله تعالى: عَرَّفَ بَعْضَهُ «6». يقرأ بتشديد الراء
وتخفيفها. فالحجة لمن خفف:
أنه أراد: عرف بعضه من نفسه وغضب بسببه، وجازى عليه بأن طلق
«حفصة» «7» تطليقة لاذاعتها ما ائتمنها عليه من سرّه. والعرب
تقول لمن يسيء إليها: أما والله لأعرفنّ لك ذلك. والحجّة لمن
شدّد: أنه أراد: ترداد الكلام في محاورة التعريف فشدّد لذلك.
ومعناه: عرف بعض الحديث وأعرض عن بعضه. واحتج بأنه لو كان
مخفّفا لأتى بعده بالإنكار، لأنه ضده لا بالإعراض.
قوله تعالى: وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ «8». يقرأ بتشديد الظاء
وتخفيفها. وقد ذكرت علل ذلك في عدة مواضع، فأغنى عن الإعادة
«9».
__________
(1) الطلاق: 8.
(2) انظر: 337.
(3) الطلاق: 8.
(4) انظر: 114.
(5) الطلاق: 11
(6) التحريم: 3.
(7) حفصة: بنت عمر بن الخطاب وهي من امهات المؤمنين. انظر:
(الإصابة: 8 - 51).
(8) التحريم: 4.
(9) انظر: 278.
(1/348)
قوله تعالى: تَوْبَةً نَصُوحاً «1». يقرأ
بضم النون وفتحها. فالحجة لمن ضم: أنه أراد:
المصدر من قولهم: نصح نصوحا كما قالوا: صلح صلوحا. والحجة لمن
فتح: أنه جعله صفة للتوبة وحذف الهاء، لأنها معدولة عن أصلها،
لأن الأصل فيها ناصحة، فلما عدلت من فاعل إلى فعول حذفت الهاء
منها دلالة على العدل.
والتوبة النصوح: التي يعتقد فاعلها أنه لا يعاود فيما تاب منه
أبدا.
قوله تعالى: أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً «2». يقرأ بالتشديد
والتخفيف. وقد ذكرت وجوه علله في سورة الكهف «3».
قوله تعالى: وَكُتُبِهِ وَكانَتْ «4» يقرأ بالتوحيد والجمع.
وقد ذكرت علله فيما تقدم «5».
فإن قيل ما وجه قوله تعالى: مِنَ الْقانِتِينَ «6» ولم يقل من
القانتات فقل: أراد من القوم القانتين. ومعنى القانت هاهنا:
المطيع، وفي غير هذا: الساكن، والداعي، والمصلي. ومعنى التذكير
في قوله: «فَنَفَخْنا فِيهِ» أراد في جيب درعها «7» فذكّر
للمعنى.
ومن سورة الملك
قوله تعالى: مِنْ تَفاوُتٍ «8». يقرأ بإثبات الألف والتخفيف،
وبحذفها والتشديد.
فالحجة لمن أثبت الألف وخفف: أنه جعله مصدرا لقولهم: تفاوت
الشيء تفاوتا. والحجة لمن حذفها وشدّد: أنه أخذه من تفوّت
الشيء تفوّتا مثل تكرّم تكرّما. وقيل: هما لغتان بمعنى واحد
كقولهم: تعاهد وتعهّد. ومعناهما: الاختلاف.
قوله تعالى: هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ «9» وفَهَلْ تَرى لَهُمْ
مِنْ باقِيَةٍ «10» يقرءان بالإدغام
__________
(1) التحريم: 8.
(2) التحريم: 5.
(3) انظر: 229 عند قوله تعالى: فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما.
(4) التحريم: 12.
(5) انظر: 105 عند قوله تعالى: وَكُتُبِهِ.
(6) التحريم: 12.
(7) درع المرأة: قميصها.
(8) الملك: 3.
(9) الملك: 3.
(10) الحاقة: 8.
(1/349)
والإظهار. وقد ذكرت علله فيما تقدم «1».
فإن قيل: فإن (أبا عمرو) لم يدغم من أمثال هذين سواهما فقل:
أحبّ أن يعرف جواز اللغتين، ليعلمك أنهما مستعملتان.
قوله تعالى: أَأَمِنْتُمْ «2» يقرأ بهمزتين وبهمزة ومدة. وقد
تقدمت العلة في ذلك آنفا «3».
قوله تعالى: فَسُحْقاً «4». يقرأ بضم الحاء وإسكانها، وقد تقدم
ذكره «5». فأما نصبه ففيه وجهان: أحدهما: بالدعاء، يريد به:
ألزمهم الله ذلك. والآخر: على المصدر وإن لم يتصرف من فعل
كقولك: سقيا ورعيا وويحا وويلا. ولو رفع لجاز رفعه. يريد:
ثبت لهم ذلك ولزمهم. ومنه قول الشاعر:
* فترب لأفواه الوشاة وجندل «6» * قوله تعالى: إِنْ
أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ «7». يقرءان بالفتح معا
والإسكان، وبإسكان الأولى وفتح الثانية على ما قدّمناه من
القول في
أمثاله «8».
قوله تعالى: فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ
«9». يقرأ بالتاء على معنى المخاطبة، وبالياء على معنى الغيبة.
ومن سورة ن (القلم)
قوله تعالى: ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ «10». يقرأ
بالإدغام والإظهار. وقد تقدّم ذكر علله في يس «11».
__________
(1) انظر: 77.
(2) الملك: 16.
(3) انظر: 161.
(4) الملك: 11.
(5) انظر: 85.
(6) قال الشنقيطي: الشاهد فيه رفع: «ترب» و «جندل» ولم أعثر
على قائله. انظر: (الدّرر اللوامع 1: 166، شروح سقط الزند:
1166، 1883. والكتاب لسيبويه. 1: 155.
(7) الملك: 28.
(8) انظر: 267.
(9) الملك: 29.
(10) القلم: 1.
(11) انظر: 297.
(1/350)
قوله تعالى: أَنْ كانَ ذا مالٍ «1». يقرأ بهمزتين، وبهمزة
ومدة، وبهمزة واحدة على لفظ الإخبار. وقد ذكرت علله فيما سلف
«2».
قوله تعالى: لَيُزْلِقُونَكَ «3». يقرأ بضم الياء وفتحها.
فالحجة لمن ضمّ: أنه مأخوذ من فعل رباعي. والحجة لمن فتح: أنه
مأخوذ من فعل ثلاثي. ومعناهما: ليصيبونك بأبصارهم لا بأعينهم.
وكان أحدهم إذا أراد ذلك من شيء تجوّع له ثلاثا ثم مرّ عليه
متعجّبا منه فبلغ ما يريده، ففعلوا ذلك بالنبي صلى الله عليه
وسلم، فوقاه الله شرهم.
قوله تعالى: عَنْ ساقٍ «4». يقرأ بألف إجماع إلّا ما روى من
الهمز عن (ابن كثير). |