الحجة في القراءات السبع

ومن سورة الحاقة
قوله تعالى: وَمَنْ قَبْلَهُ «5». يقرأ بكسر القاف وفتح الباء، وبفتح القاف وسكون الباء. فالحجة لمن كسر القاف: أنه جعلها بمعنى «عنده» و «معه». والحجة لمن فتحها:
أنه أراد: ومن تقدّمه من أهل الكفر والضلال.
قوله تعالى: لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ «6». يقرأ بالياء والتاء فأما قوله: خافية فقيل:
أراد: نفس خافية، وقيل: أراد: فعلة خافية.
قوله تعالى: قَلِيلًا ما تُؤْمِنُونَ «7»، قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ «8» يقرءان بالياء والتاء و «قليلا» منصوب بما بعده.
فإن قيل: ما هذا الإيمان القليل وهم في النار؟! قيل: إقرارهم بأن الله تعالى خلقهم، فهذا إيمان، وكفرهم بنبوة محمد عليه السلام أبطل إيمانهم بالله عز وجلّ، وأوجب النّار لهم.
__________
(1) القلم: 14.
(2) انظر: 161 عند قوله تعالى: فَإِذا أَمِنْتُمْ.
(3) القلم: 51.
(4) القلم: 42.
(5) الحاقة: 9.
(6) الحاقة: 18.
(7) الحاقة: 41.
(8) الحاقة: 42.

(1/351)


ومن سورة السائل (المعارج)
قوله تعالى: سَأَلَ سائِلٌ «1». يقرءان بإثبات الهمز وطرحه. فالحجة لمن همز: أنه أتى به على الأصل. والحجة لمن ترك الهمز: أنه أراد: التخفيف، ويحتمل أن يكون أراد الفعل الماضي من «السيل» فلم يهمزه، وهمز الاسم، لأنه جعله اسم الفاعل أو اسم واد في جهنم كما قال تعالى: فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا «2» فيكون الباء في القراءة الأولى بمعنى: «عن» وفي الثانية بمعنى: «الباء» لإيصال الفعل فأما همز «سائل» فواجب من الوجهين.
قوله تعالى: نَزَّاعَةً لِلشَّوى «3» يقرأ بالرفع والنصب. فالحجة لمن رفع: أنه جعله بدلا من «لظى» أو أضمر لها ما يرفعها به. والحجة لمن نصب: أنه نصب على الحال أو القطع. ومعناه: أنّ «لظى» معرفة و «نزاعة» نكرة، وهما جنسان، فلمّا لم تتبع النكرة المعرفة في النعت قطعت منها فنصبت. ومعنى الحال: أنها وصف هيئة الفاعل والمفعول في حال اتصال الفعل طال أو قصر. ودليلها: إدخال «كيف» على الفعل والفاعل فيكون الحال الجواب كقولك: كيف أقبل زيد؟ فتقول: ماشيا أو راكبا وما أشبه ذلك.
فأما الشّوى: فالأطراف، وجلدة الرأس.
قوله تعالى: لِأَماناتِهِمْ «4» وبِشَهاداتِهِمْ «5». يقرءان بالتوحيد والجمع. وقد ذكرت علله في المؤمنين «6».
قوله تعالى: يَوْمَ يَخْرُجُونَ «7». يقرأ بضم الياء وفتحها. وقد ذكرت علله في غير موضع.
قوله تعالى: إِلى نُصُبٍ «8» يقرأ بضم النون وفتحها، وإسكان الصاد وضمّها.
__________
(1) المعارج: 1.
(2) مريم: 59.
(3) المعارج: 16.
(4) المعارج: 32.
(5) المعارج: 33.
(6) انظر: 255 عند قوله تعالى: لِأَماناتِهِمْ.
(7) المعارج: 43.
(8) المعارج: 43.

(1/352)


فالحجة لمن قرأه بضمتين: أنه أراد: جمع «نصب» و «نصب» كرهن ورهن. والحجة لمن فتح: وأسكن: أنه جعله ما نصب لهم كالعلم أو الغاية المطلوبة. ومعنى يوفضون:
يسرعون.

ومن سورة نوح عليه السلام
قوله تعالى: أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ «1». يقرأ بضم النون وكسرها. وقد ذكر فيما تقدم «2».
قوله تعالى: مالُهُ وَوَلَدُهُ «3». يقرأ بضم الواو وإسكان اللام، وبفتحهما معا، فالمفتوح واحد، والضم جمع، كما قالوا: أسد وأسد. وقيل: هما لغتان في الواحد كما قالوا:
عدم وعدم. ومنه المثل «ولدك من دمّى عقبيك» «4» أي من ولدته.
قوله تعالى: وَدًّا «5». يقرأ بفتح الواو والضمّ. وهما لغتان في اسم الصنم. وقيل الضمّ في المحبة، والفتح في اسم الصنم.
قوله تعالى: مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ «6» إجماع القراء على جمع السلامة إلّا (أبا عمرو) فإنه قرأه «خطاياهم» على جمع التكسير وقال: إنّ قوما كفروا ألف سنة لم يكن لهم إلّا خطيّات «7» بل خطايا. واحتج أصحاب القراءة الأولى بأن الألف والتاء قد تأتي على الجمع القليل والكثير. ودليله قوله تعالى: ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ «8» ولا يقال: هذا جمع قليل.
قوله تعالى: دُعائِي إِلَّا «9». يقرأ بالمدّ، وفتح الياء وإسكانها. ومثله الياء في بَيْتِيَ «10».
__________
(1) نوح: 3.
(2) انظر: 92 عند قوله تعالى: فَمَنِ اضْطُرَّ.
(3) نوح: 21.
(4) مجمع الأمثال 2: 363.
(5) نوح: 23.
(6) نوح: 25.
(7) لأن جمع المؤنث السالم من جمع، القلة.
(8) لقمان: 27.
(9) نوح: 6.
(10) نوح: 28.

(1/353)


ومن سورة الجن
قوله تعالى: أَنَّهُ اسْتَمَعَ «1» وأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا «2» وأَنَّ الْمَساجِدَ «3» وأَنَّهُ لَمَّا قامَ «4». هذه الأربعة تقرأ بالفتح، وباقي ما قبلها «5» بالكسر. فالفتح بالعطف على قوله قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ، والكسر بالعطف على قوله: فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا «6». فأما إذا جاءت «أنّ» بعد الفاء التي في جواب الشرط كانت بالكسر لا غير.
قوله تعالى: نَسْلُكُهُ «7» يقرأ بالياء والنون. فالحجة لمن قرأه بالياء: أنه ردّه على قوله: وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ ربه. والحجة لمن قرأه بالنون: أنه أراد به:
إخبار الله تعالى عن نفسه عز وجل.
قوله تعالى: قُلْ إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي «8». يقرأ بإثبات الألف على وجه الإخبار «9» وبطرحها على الأمر. فالحجة لمن أثبت: أنه أراد: الأمر أولا، فلما فعل أخبر بذلك عنه. والحجة لمن طرحها: أنه أتى بلفظ ما خاطبه الله به من الأمر له.
قوله تعالى: لِبَداً «10» يقرأ بكسر اللام، وضمّها. فالحجة لمن كسر: أنه جعله جمع لبدة ولبد كما قالوا قربة وقرب. والحجة لمن ضم: أنه جعله جمع لبدة ولبد، كما قالوا: غرفة وغرف. ومعناهما: اجتماع الجنّ على أكتاف النبي صلى الله عليه وسلم لاستماع القرآن. وهو مأخوذ من الشّعر المتكاثف بين كتفي الأسد.

ومن سورة المزمل
قوله تعالى: هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً «11». يقرأ بكسر الواو، وفتح الطّاء والمدّ، وبفتح الواو وإسكان الطّاء والقصر. فالحجة لمن مدّ: أنه جعله مصدر: واطأ يواطئ مواطأة. ووطاء ومعناه: يواطئ السمع القلب، لأن صلاة الليل أثقل من صلاة النهار، لما يغشى الإنسان من النعاس. ومعناه: أشد مكابدة. ومنه قوله عليه السلام (اللهم أشدد وطأتك على مضر) «12».
__________
(1) الجن: 1.
(2) الجن: 16.
(3) الجن: 18.
(4) الجن: 19.
(5) أي المواضع التي دخلت عليها أن في السورة.
(6) الجن: 1.
(7) الجن: 17.
(8) الجن: 20.
(9) في «قال».
(10) الجن: 19.
(11) المزمّل: 6.
(12) انظر: «النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير 5: 200.

(1/354)


قوله تعالى: رَبُّ الْمَشْرِقِ «1». يقرأ بالرفع والخفض. وقد ذكر في الدخان «2» قوله تعالى: وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ «3». يقرءان بالنصب والخفض. فالحجة لمن نصب: أنه أبدله من قوله: تَقُومُ أَدْنى «4» أو أضمر له فعلا مثله. والحجة لمن خفض: أنه ردّه على قوله: مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ «5».

ومن سورة المدّثّر
قوله تعالى: وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ «6». يقرأ بكسر الراء وضمّها. فمن كسر، أراد:
الشرك. ومن ضمّ: أراد اسم الصنمين: «إساف» و (نائلة). وقيل: «الرّجز» بالكسر:
العذاب، لأنه عن الشرك يكون. وقيل: أصل الزاي في الرجز السين، كما تقول العرب:
«الأزد» و «الأسد». فأما الرّجس: فما يعاف من المطعم والمشرب والمعبودات من دون الله عزّ وجلّ.
قوله تعالى: وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ «7». يقرأ بإسكان الذّال، وقطع الألف بعدها وبفتح الذّال والوقوف على الألف بعدها، وحذف الهمزة من «أدبر». فالحجة لمن قرأه بقطع الألف. أنه زواج بذلك بين لفظ «أدبر» و «أسفر». والحجة لمن حذف الهمزة: أنه أراد به: معنى: ولّى وذهب. والعرب تقول: أدبر عنّي أي ولّى، ودبر: جاء خلفي.
وقيل: هما لغتان بمعنى واحد: أدبر ودبر، وأقبل وقبل.
قوله تعالى: كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ «8». يقرأ بكسر الفاء وفتحها. فالحجة لمن كسر:
أنه جعل الفعل لها. وأنشد:
اربط حمارك إنّه مستنفر ... في إثر أحمرة عمدن لغرّب
«9» *
__________
(1) المزمل: 9.
(2) انظر: 324.
(3) المزمل: 20.
(4) المزمل: 20.
(5) المزمل: 20.
(6) المدثر: 5.
(7) المدثر: 33.
(8) المدثّر: 50.
(9) في تفسير الطبري 29: 168. مطبعة عيسى الحلبي: أمسك مكان «اربط». وتتفق رواية اللسان مع رواية

(1/355)


فلا يجوز فتح الفاء هاهنا، لأن الفعل له ولم يفعل ذلك أحد به. والحجة لمن فتح:
أنه جعلهن مفعولا بهن، لم يسم فاعلهن.
وسمع أعرابي قارئا يقرأ: «كأنهن حمر مستنفرة» بفتح الفاء فقال: طلبها قسورة فلما سمع «فرت من قسورة» قال: مستنفرة إذن. فالقسورة: الرّماة. والقسورة: الأسد، فأما قول امرئ القيس:
وعمرو بن درماء الهمام إذ مشى ... بذي شطب عضب كمشية قسورا
«1» فإنه أراد: «قسورة» ثم رخم الهاء. وأتى بألف القافية.
قوله تعالى: كَلَّا بَلْ لا يَخافُونَ «2». يقرأ بالياء والتاء. فالحجة لمن قرأه بالياء: أنه ردّه على قوله: بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ «3». والحجة لمن قرأه بالتاء: أنه جعلهم مخاطبين فدلّ عليهم بالتاء.
قوله تعالى: وَما يَذْكُرُونَ «4». يقرأ بالياء إجماعا إلّا ما تفرّد به (نافع) من التاء على معنى الخطاب. فأما تخفيفه فإجماع.

ومن سورة القيامة
قوله تعالى: لا أُقْسِمُ «5». يقرأ بالمدّ والقصر. فالحجة لمن مدّ: أنه أراد: دخول (لا) على (أقسم) وفي دخولها غير وجه:
قال قوم: هي زائدة صلة للكلام، والتقدير: أقسم بيوم القيامة.
__________
ابن خالويه. وتتفق رواية أبي حيان في البحر مع رواية الطبري. وغرّب بضم أوله، وتشديد ثانيه وفتحة موضع تلقاء «السّتار». وقال علقمة بن عبدة:
لليلى،، فلا تبلى نصيحة بيننا ... ليالي حلّوا بالسّتار فغرّب
انظر: (البحر المحيط لأبي حيان: 3808، ومعجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع 3: 994).
(1) قال في اللسان: القسورة اسم جامع للرّماة، ولا واحد له من لفظه. وقال ابن الأعرابي: القسورة: الرّماة.
والقسورة: الأسد (اللسان: مادة: قسر) وعمرو بن درماء: هو: عمرو بن عدي، ودرماء: أمّه ونسب إليها.
ذو شطب: سيف فيه جزور. العضب: القاطع. القسور: الأسد (ديوان امرئ القيس: 349).
(2) المدثر: 53.
(3) المدثر: 52.
(4) المدثر: 56.
(5) القيامة: 1.

(1/356)


وقال من يردّ ذلك: العرب لا تزيد (لا) في أول الكلام، ولكنها هاهنا ردّ لقول من أنكر البعث، وكفر بالتنزيل، فقيل له: (لا) ليس كما تقول: أقسم بيوم القيامة.
والحجة لمن قصر: أنه جعلها لام التأكيد، دخلت على «أقسم». والاختيار لجاعلها لام التأكيد، أن يدخل عليها النون الشديدة كقوله: لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً «1». واحتجّ أن الله عزّ وجلّ أقسم بيوم القيامة ولم يقسم بالنفس اللوامة.
قوله تعالى: فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ «2». إجماع القراء على كسر الراء إلا (نافعا) فإنه فتحها. فالحجة لمن كسر: أن الكسر لا يكون إلّا في التحيّر. وأنشد:
لما أتاني ابن صبيح طالبا ... أعطيته عيساء منها فبرق
«3» أي تحيّر. فأما الفتح فلا يكون إلا الضّياء وظهوره كقولهم: برق الصبح والبرق إذا لمعا وأضاءا. وقال أهل اللغة: برق، وبرق، فهما بمعنى واحد، وهو: تحيّر الناظر عند الموت،. والعرب تقول: «لكل داخل برقة»: أي دهشة وحيرة.
قوله تعالى: بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ وَتَذَرُونَ «4» يقرءان بالياء والتاء. فالحجة لمن قرأهما بالياء: أنه ردّهما على معنى قوله: يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ «5» لأنه بمعنى: الناس. والحجة لمن قرأهما بالتاء: أنه أراد،: قل لهم يا محمد: بل تحبون العاجلة وتذرون الآخرة.
قوله تعالى: مَنْ راقٍ «6» أجمع القراء على قراءتها بالوصل، والإدغام إلّا ما رواه (حفص) عن «عاصم» بقطعها، وسكتة عليها، ثم يبتدئ: «راق». ومعنى راق:
فاعل من الرقية. وقيل من: الرقيّ بالروح إلى السماء. وكان أبو بكر بن مجاهد «7» رضي الله عنه يقرأ بهذه السورة في صلاة الصبح، فيتعمّد الوقف على الياء من قوله: «التراقي» ويبين الياء.
__________
(1) النّمل: 21.
(2) القيامة: 7.
(3) في الطبري: «راعيا» مكان «طالبا» وقد ضبط المحقق الكلمة الأخيرة من البيت «فبرق» بفتح الرّاء.
(4) القيامة 20، 21.
(5) القيامة: 13.
(6) القيامة: 27.
(7) أحمد بن موسى بن العباس. انظر: (غاية النهاية 1 - 142).

(1/357)


قوله تعالى: مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى «1» أجمع القراء فيه على التاء ردا على المعنى «2» إلّا ما رواه (حفص) عن عاصم» بالياء ردّا على «النطفة» «3».، ومثله، يَغْشى طائِفَةً «4» ويَغْلِي «5» بالياء والتاء.

ومن سورة الإنسان
قوله تعالى: سَلاسِلَ «6». يقرأ بالتنوين وتركه. فالحجة لمن نوّن: أنه شاكل به ما قبله من رءوس الآي، لأنها بالألف، وإن لم تكن رأس آية، ووقف عليهما، بالألف «7».
والحجة لمن ترك التنوين: قال: هي على وزن «فعالل». وهذا الوزن لا ينصرف إلا في ضرورة شاعر، وليس في القرآن ضرورة، وكان أبو عمرو يتبع السّواد في الوقف، فيقف بالألف، ويحذف عند الإدراج.
قوله تعالى: كانَتْ قَوارِيرَا قَوارِيرَا «8» يقرءان معا بالتنوين، وبالألف في الوقف، وبطرح التنوين فيهما، والوقف على الأول وعلى الثاني بغير ألف، إلا ما روي عن «حمزة» أنه كان يقف عليهما بغير ألف. فالحجة لمن قرأهما بالتنوين: أنه نوّن الأولى، لأنها رأس آية، وكتابتها في السواد بألف وأتبعها الثانية لفظا لقربها منها وكراهية للمخالفة بينهما، وهما «سيّان» كما قال الكسائي: أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِثَمُودَ «9»، فصرف الثاني لقربه من الأول «10» والحجة لمن ترك التنوين: أنه أتى بمحض قياس العربية، لأنه
__________
(1) القيامة: 37.
(2) لأن المني نطفة تمنى.
(3) لأن النطفة الماء انظر هذا الموضع في: (إعراب القرآن للعكبري 2: 275).
(4) آل عمران: 154.
(5) الدخان: 45.
(6) الإنسان: 4.
(7) إن صرف ما لا ينصرف يجيء لغير ضرورة، بل إن المقام البلاغي قد يتطلب ذلك وقد جاء في أفصح كلام عربي منثور، نقل إلينا تنوين سلاسل لغير ما حاجة لأن الثقل، خصوصية في اللفظ يدركها الذوق، ولو ترك قارئ التنوين في الآية لاختل أيضا حسن الرصف كما لا يخفى على ذي ذوق. انظر: (فلسفة اللغة العربية وتطورها: 151 لجبر ضومط.
(8) الإنسان: 15، 16.
(9) هود: 68.
(10) وقد قال أبو القاسم الزجاجي:

(1/358)


على وزن فواعيل. وهذا الوزن نهاية الجمع المخالف لبناء الواحد، فهذا ثقل، وهو مع ذلك جمع والجمع فيه ثقل ثان، فلما اجتمع فيه ثقلان منعاه من الصّرف.
فأمّا الوقف عليه في هذه القراءة بالألف فاتّباع للخط، ولأن من العرب من يقول:
رأيت عمرا، فيقف على ما لا ينصرف بالألف. ولزم حمزة القياس وصلا ووقفا.
وأراد بقوله: مِنْ فِضَّةٍ «1» صفاء لونها، وأنها تؤدّي ما داخلها كما يؤدّي الزّجاج.
قوله تعالى: عالِيَهُمْ «2». يقرأ بفتح الياء وسكونها. فالحجة لمن فتح: أنه جعله ظرفا من المكان، لأن الثاني فيه غير الأول كما تقول: فوقك السّقف، وأمامك الخير. والحجة لمن أسكن: أنه جعله اسما وأراد به: أنّ الأول هو الثاني كما تقول: فوقك رأسك، وأمامك طهرك، فهذا فرق ما بين الظّرف والاسم في هذا القبيل وما أشبهه. فمن فتح الياء ضم الهاء، ومن أسكنها كسر الهاء.
قوله تعالى: خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ «3». يقرءان بالرفع والخفض. فالحجة لمن رفع: أنه جعل «الخضر» نعتا للثياب، وعطف «الإستبرق» عليها ودليله قوله يَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً «4» على النعت. والحجة لمن خفض: أنه جعل «الخضر» نعتا للسندس «5»، وجعل «الإستبرق» عطفا على سندس. وأصله بالعجمية «استبره»، فعرّبته العرب، فقالت: استبرق، وهو: الديباج الغليظ.
قوله تعالى: وَما تَشاؤُنَ «6». يقرأ بالياء والتاء. وقد تقدّم ذكره فيما سلف.
__________
وكثير من العرب، لا يمتنع من صرف شيء في ضرورة شعر ولا غيره، ..
وعلى هذه اللغة قرئ «قواريرا من فضة» «بتنوينها جميعا،، فإذا نوّن فإنما يردّ إلى أصله.
انظر: (الأمالي: لأبي القاسم الزجاجي: 55) مطبعة الاستقامة.
(1) الإنسان: 16.
(2) الإنسان: 21.
(3) الإنسان: 21.
(4) الكهف: 31.
(5) في الأصل نعتا للثياب، (وهذا تحريف).
(6) الإنسان: 30.

(1/359)


ومن سورة المرسلات
قوله تعالى: عُذْراً أَوْ نُذْراً «1». يقرءان بضم الذّالين، وإسكانهما، وبإسكان الذال الأولى وضم الثانية. فالحجة لمن ضم: أنه أراد: جمع «عذير» و «نذير». ودليله:
فَما تُغْنِ النُّذُرُ «2». والحجة لمن أسكن الأولى وحرك الثانية: أنه أتى باللغتين ليعلم جوازهما، وإجماعهم على تخفيف الأولى يوجب تخفيف الثانية.
قوله تعالى: أُقِّتَتْ «3» يقرأ بالهمزة وبالواو. فالحجة لمن همز: أنه استثقل الضمة على الواو، فقلبها همزة كما يستثقلون كسرها فيقلبونها همزة في قولهم «وشاح» و «إشاح» والقلب شائع في كلامهم. والحجة لمن قرأ بالواو: أنه أتى بالكلام على أصله، لأن وزن «وقّتت» «فعّلت» من الوقت. ودليله قوله تعالى: وَوُفِّيَتْ «4» بالواو إجماع.
قوله تعالى: فَقَدَرْنا «5» بالتشديد والتخفيف. فالحجة لمن خفّف: أنه أتى بالفعل على ما أتى به اسم الفاعل بعده في قوله: «القادرون» لأن وزن اسم الفاعل من فعل «فاعل» ومن أفعل «مفعل» ومن فعّل «مفعّل» ومن فعل «فعيل» ومن فعل «فعل». والحجة لمن شدد: أنه أتى باللغتين معا. ودليله قوله تعالى: فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ «6»، ولم يقل مهّلهم. والعرب تقول: قدرت الشيء مخفّفا بمعنى: قدّرته مشدّدا.
قوله تعالى: كَأَنَّهُ جِمالَتٌ «7». يقرأ «جمالة» بلفظ الواحد، و «جمالات» بلفظ الجمع. فالحجة لمن قرأه بلفظ الواحد: أنه عنده بمعنى الجمع لأنه منعوت بالجمع في قوله: «صفر». والحجة لمن قرأه جمالات: أنه أراد به: جمع الجمع كما قالوا:
رجال ورجالات.
والهاء في قوله: «كأنه» كناية عن الشرر. و «القصر» هاهنا، قيل: شبه
__________
(1) المرسلات: 6.
(2) القمر: 5.
(3) المرسلات: 11.
(4) آل عمران: 25.
(5) المرسلات: 23.
(6) الطارق: 17.
(7) المرسلات: 33.

(1/360)


الشرر في عظمه بالقصر المبنىّ، وقيل: كأصول الشجر العظام، والصّفر هاهنا: السّود.
فأمّا في البقرة «فصفر» لقوله: فاقِعٌ لَوْنُها «1».

ومن سورة عمّ يتساءلون
قوله تعالى: كَلَّا سَيَعْلَمُونَ في الموضعين «2». يقرءان بالياء، إلّا ما رواه «ابن مجاهد» عن «ابن عامر» من التاء. والاختيار الياء، لقوله تعالى: الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ «3» ولم يقل: أنتم.
قوله تعالى: وَفُتِحَتِ السَّماءُ «4» يقرأ بالتشديد والتخفيف. وقد ذكر وجه ذلك في الزمر «5».
وقوله تعالى: وَغَسَّاقاً «6» يقرأ بالتشديد والتخفيف. وقد ذكرت علته في لَبِالْمِرْصادِ «7».
قوله تعالى: لابِثِينَ فِيها «8». يقرأ بإثبات الألف إلا «حمزة» فإنه حذفها. فالحجة لمن أثبت أنه أتى به على القياس كقولهم: عالم وقادر. والحجة لمن حذف: أنه أتى به على وزن فرح وحذر. ومعنى اللّبث: طول الإقامة.
قوله تعالى: لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا كِذَّاباً «9». يقرأ بالتشديد والتخفيف. فالحجة لمن شدد: أنه أراد: المصدر من قوله: «وكذّبوا» وهو على وجهين: تكذيبا وكذّابا، فدليل الأولى قوله: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً «10»، ودليل الثاني: وَكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّاباً «11» والحجة لمن خفف: أنه أراد: المصدر من قولهم: كاذبته مكاذبة وكذابا، كما قالوا:
قاتلته مقاتلة وقتالا.
__________
(1) البقرة: 69.
(2) النبأ: 4، 5
(3) النبأ: 3، وفي الأصل: «الذين هم مختلفون» وهو تحريف.
(4) النبأ: 19.
(5) انظر: 311.
(6) النبأ: 25.
(7) انظر: 306
(8) النبأ: 23.
(9) النبأ: 35.
(10) النساء: 164.
(11) النبأ: 28.

(1/361)


قوله تعالى: رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الرَّحْمنِ «1» يقرأ «ربّ» و «الرحمن» بالرفع والخفض فيهما، وبخفض «رب» ورفع «الرحمن». فالحجة لمن رفعهما:
أنه استأنفهما مبتدئا ومخبرا فرفعهما. والحجة لمن خفضهما: أنه أبدلهما من قوله تعالى:
جَزاءً مِنْ رَبِّكَ «2» ربّ السموات والأرض الرّحمن، والحجة لمن خفض الأول: أنه جعله بدلا، ورفع الثاني مستأنفا، والخبر قوله: «لا يملكون منه»، لأن الهاء التي في «منه» عائدة عليه.