الحجة في القراءات السبع ومن سورة النازعات
قوله تعالى: أَإِذا كُنَّا عِظاماً «3» مذكور في نظائره «4».
قوله تعالى: نَخِرَةً «5». يقرأ بإثبات الألف وحذفها، فالحجة
لمن أثبت: أنه أراد: عظاما عارية من اللحم مجوّفة. والحجة لمن
حذف: أنه أراد: بالية، قد صارت ترابا. وقيل هما لغتان: مثل:
طمع، وطامع. والأجود إثبات الألف ليوافق اللفظ ما قبلها وبعدها
من رءوس الآي.
قوله تعالى: طُوىً اذْهَبْ «6». يقرأ بالتنوين، وكسره لالتقاء
الساكنين. وبحذف التنوين، وإسكان الياء. وقد ذكرت علله في سورة
«طه» مستقصاة «7».
قوله تعالى: إِلى أَنْ تَزَكَّى «8». يقرأ بالتشديد والتخفيف
على ما ذكرناه في نظائره.
ومعنى التخفيف هاهنا: أن يكون زاكيا. ومعنى التشديد: أن يتفعل
من الزكاة أي يتصدق.
وموسى لا يدعو فرعون مع علمه بكفره إلى أن يتصدق «9». ودليله
قوله: أقتلت نفسا زاكية «10» وزكية، ولم يقل: متزكية «11».
قوله تعالى: أَإِنَّا «12» يقرأ بهمزتين محققتين وتشديد النون،
وبهمزة وياء ونون مشددة وبهمزة ونونين، الأولى: مشددة. وقد
ذكرت علله فيما سلف بما يغني عن إعادة قول فيه في هذا الموضع
«13».
__________
(1) النبأ: 37.
(2) النبأ: 36.
(3) النازعات: 11.
(4) انظر: 161.
(5) النازعات: 11.
(6) النازعات: 16، 17.
(7) انظر: 230.
(8) النازعات: 18
(9) دفاع ابن خالويه عن قراءة التخفيف.
(10) الكهف: 74.
(11) لأن «متزكّية» فعلها زكّى، وهو رباعي.
(12) النازعات: 10.
(13) انظر: 161.
(1/362)
ومن سورة عبس
قوله تعالى: فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى «1» الرفع فيه إجماع إلّا
ما روى من نصبه عن «عاصم» وقد ذكر في سورة الْمُؤْمِنُ «2».
قوله تعالى: فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى «3». يقرأ بالتشديد
والتخفيف. وقد تقدّم ذكر علته «4».
ومعناه: فتتعرض له. ومعنى تلهّى: تعرض عنه.
قوله تعالى: أَنَّا صَبَبْنَا «5» يقرأ بكسر الهمزة وفتحها.
فالحجة لمن كسر: أنه جعل الكلام تامّا عند قوله: «إلى طعامه».
ثم استأنف فكسرها للابتداء بها. والحجة لمن فتح:
أنه أراد: إعادة الفعل، وإدخال حرف الخفض. و «الحدائق»: جمع
حديقة وهي:
البساتين و «الغلب»: الملتفة بالشجر والنبات، و «الأب»:
المرعى.
ومن سورة التكوير
قوله تعالى: وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ: «6»، يقرأ بالتخفيف
والتشديد، فالحجة لمن خفّف: أنه أراد به: ملئت مرّة واحدة
ودليله قوله: وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ «7» والحجة لمن شدّد:
أنه أراد: أنها تفتح، فيفضي بعضها إلى بعض، فتصير بحرا واحدا.
والفرق بين الخلف في هذا، والاتّفاق على تخفيف: وَإِذَا
الْوُحُوشُ حُشِرَتْ «8»:
أن حشر الوحوش إنما هو موتها وفناؤها، أو حشرها لتقتص لبعضها
من بعض، ثم يقال لها كوني ترابا والتشديد إنما هو للمداومة،
وتكرير الفعل. ولا وجه لذلك في حشر الوحوش.
قوله تعالى: نُشِرَتْ «9». يقرأ بالتّشديد والتخفيف. فالحجة
لمن شدّد: أنه أراد:
نشر كلّ صحيفة منها، فقد دام الفعل وتكرّر ودليله قوله: أَنْ
يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً «10».
__________
(1) عبس: 4.
(2) انظر 315: عند قوله تعالى: فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى
وفي الأصل: «المؤمنين» وهو تحريف.
(3) عبس: 6.
(4) انظر ص: 245 عند قوله تعالى: فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ
غَضَبِي.
(5) عبس: 25.
(6) التكوير: 6.
(7) الطور: 6.
(8) التكوير: 10.
(9) التكوير: 10.
(10) المدثر: 52.
(1/363)
والحجة لمن خفّف أنه أراد: نشرها مرّة
واحدة. ودليله قوله: فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ «1». والحجة في قوله:
وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ «2» كالحجة فيما تقدم.
قوله تعالى: وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ «3». يقرأ
بالضاد، والظاء، فوجه الضاد:
يراد به: ما هو بخيل، ووجه الظّاء يراد به: ما هو بمتّهم.
والغيب هاهنا: ما غاب عن المخلوقين، واستتر مما أوحى الله عز
وجل إليه وأعلمه به. وأما قوله: يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ «4»
قيل بالله عز وجل، وقيل بما غاب عنهم مما أنبأهم به الرسول
عليه السلام من أمر الآخرة والبعث والنشور. وقيل بيوم القيامة.
والغيب عند العرب: الليل لظلمته، وستره كلّ شيء بها.
ومن سورة الانفطار
قوله تعالى: إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ «5». وما أشبهها مما
أخبر فيه عن مستقبل بلفظ الماضي فمعناه: أنه كائن عنده لا
محالة، وواقع لا شكّ فيه.
والفعل الماضي يأتي بلفظه ومعناه الاستقبال في ثلاثة مواضع:
فيما أخبر الله عز وجل به، وفي الشّرط، وفي الدعاء، فما أتاك
في هذه الثلاثة بلفظ الماضي فمعناه: الاستقبال ودليله واضح
بيّن.
قوله تعالى: فَعَدَلَكَ «6» يقرأ بالتشديد والتخفيف فوجه
التشديد فيه: قوّمك وساوى بين ما ازدوج من أعضائك، ووجه
التخفيف: أنه صرفك إلى أيّ صورة شاء: من طويل، وقصير وحسن،
وقبيح.
فأمّا قوله: هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ
كَيْفَ يَشاءُ «7» فمعناه: أن النطفة إذا قامت أربعين يوما
صارت علقة أربعين يوما، ومضغة أربعين يوما، ثم يرسل الله تعالى
إليها ملكا معه تراب من تربة العبد، فيعجنه بها، ثم يقول يا
رب: طويل أم قصير؟ غني
__________
(1) الطور: 3.
(2) التكوير: 12.
(3) التكوير: 24.
(4) البقرة: 3.
(5) الانفطار: 1.
(6) الانفطار: 7.
(7) آل عمران: 6.
(1/364)
أم فقير؟ شقيّ أم سعيد؟. فهذا معنى قوله:
«كيف يشاء».
قوله تعالى: وَما أَدْراكَ «1». يقرأ بالإمالة والتفخيم، وبين
ذلك. وقد ذكرت الحجة «2» فيه.
وما كان في كتاب الله تعالى من قوله: وَما أَدْراكَ فقد أدراه،
وما كان فيه من قوله: وَما يُدْرِيكَ فلم يدره بعد.
قوله تعالى: فَالْيَوْمَ لا يَمْلِكُ «3». يقرأ بالرفع والنصب.
فالحجة لمن رفع: أنه جعله بدلا من اليوم الأول، وأضمر له «هو»
إشارة إلى ما تقدّم وكناية عنه، فرفعه به. والحجة لمن نصب: أنه
جعله ظرفا للدين، والدّين: الجزاء.
فإن قيل: فما معنى قوله: وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ «4»،
وكل الأمور له تعالى في ذلك اليوم وغيره؟ فقل: لما كان الله
تعالى قد استخلف قوما فيما هو ملك له، ونسب الملك إليهم
مجازا عرّفهم أنه لا يملك يوم الدين أحد، ولا يستخلف فيه من
عباده سواه.
ومن سورة المطفّفين
قوله تعالى: بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ «5». اتفق القرّاء على
إدغام اللّام في الراء، لقربها منها في المخرج إلّا ما رواه
(حفص) عن (عاصم) من وقوفه على اللام وقفة خفيفة ثم يبتدئ «ران
على قلوبهم» ليعلم بانفصال اللام من الرّاء، وأن كل واحدة
منهما كلمة بذاتها فرقا بين ما ينفصل من ذلك فيوقف عليه، وبين
ما يتصل فلا يوقف عليه كقولك:
«الرحمن الرحيم».
فأمّا الإمالة فيه والتفخيم فقد ذكرت علل ذلك في عدة مواضع
«6».
قوله تعالى: خِتامُهُ مِسْكٌ «7». إجماع القرّاء فيه على كسر
الخاء وكون التاء قبل
__________
(1) الانفطار: 17.
(2) انظر: 180 عند قوله تعالى: وَلا أَدْراكُمْ بِهِ.
(3) الانفطار: 19.
(4) الانفطار: 19.
(5) المطففين: 14.
(6) انظر: 68. عند قوله تعالى: فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً
وغيرها.
(7) المطففين: 26.
(1/365)
الألف. يراد به: آخر شرابهم مسك، أي: مختوم
بمسك. والختام: اسم ما يطبع عليه الخاتم من كل مختوم عليه إلّا
ما اختاره «الكسائي»: من فتح الخاء، وتأخير التاء مفتوحة بعد
الألف. يريد به: آخر الكأس التي يشربونها مسك، كما تقول:
خاتمته مسك.
وكسر التاء أيضا جائز. وقد ذكر في الأحزاب «1».
قوله تعالى: إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ «2» يقرأ بالإمالة
والتفخيم. وقد ذكر مع نظائره «3».
قوله تعالى: فَكِهِينَ «4» يقرأ بإثبات الألف، وحذفها والحجة
فيه كالحجة في قوله: فارِهِينَ «5» ولابِثِينَ «6». والمعنى
فيه: معجبين. ومنه الفكاهة، وهي المزاح والدعابة.
ومن سورة الانشقاق
قوله تعالى: وَيَصْلى سَعِيراً «7». يقرأ بضم الياء وفتح
الصّاد وتشديد اللام، وبفتح الياء وإسكان الصاد وتخفيف اللام.
فالحجة لمن شدّد: أنه أراد بذلك: دوام العذاب عليهم. ودليله
قوله: وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ «8» لأن وزنها: «تفعلة»، وتفعلة لا
تأتي إلا مصدرا ل «فعّلته» بتشديد العين كقولك: عزّيته تعزية.
والحجة لمن خفف: أنه أخذه من: صلى يصلي فهو صال. ودليله قوله
تعالى: إِلَّا مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ «9». والسعير في
اللغة: شدّة حرّ النار، وسرعة توقّدها.
فأما قوله: زِدْناهُمْ سَعِيراً «10»، فقيل: وقودا وتلهّبا.
وقيل: قلقا كالجنون.
__________
(1) انظر: 290 عند قوله تعالى: وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ.
(2) المطففين: 18.
(3) انظر: 66 ومواضع الإمالة والتفخيم المتكرّرة في الكتاب.
(4) المطففين: 31.
(5) الشعراء: 149.
(6) النبأ: 23.
(7) الانشقاق: 12.
(8) الواقعة: 94.
(9) الصافات: 163.
(10) الإسراء: 97.
(1/366)
قوله تعالى: لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ
طَبَقٍ «1». يقرأ بضم الباء وفتحها. فالحجة لمن قرأه بالضم:
أنه خاطب بالفعل جمعا. وأصله: لتركبونّ، فذهبت الواو لسكونها،
وسكون النون المدغمة، فبقيت الباء على أصلها الذي كانت عليه.
والحجة لمن قرأه بالفتح: أنه أفرد النبي عليه السلام بالخطاب،
وأراد به: لتركبنّ يا محمد طبقا من أطباق السماء بعد طبق،
ولترتقينّ حالا بعد حال.
وهذه اللام دخلت للتأكيد، أو لجواب قسم مقدّر، والنون للتأكيد
أيضا. وهي تدخل في الفعل ثقيلة، وخفيفة في مواضع قد ذكرت في
يونس «2».
وكان المحمدان «ابن مجاهد» «3» و «ابن الأنباري» «4» يتعمّدان
الوقف إذا قرآ بهذه السورة في صلاة الصبح على قوله:
فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ «5» ثم يبتدئان بقولك: إِلَّا
الَّذِينَ آمَنُوا فسئلا عن ذلك فقالا: الاستثناء هاهنا منقطع
مما قبله، غير متّصل به، وإنما هو بمعنى «لكن» الذين آمنوا.
وإذا كان الاستثناء منقطعا مما قبله كان الابتداء مما يأتي
بعده وجه الكلام.
ومن سورة البروج
قوله تعالى: ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ «6». يقرأ بكسر الدال
وضمّها. فالحجة لمن قرأه بالخفض: أنه جعله وصفا «للعرش» ومعنى
«المجيد»: الرفيع. ودليله قوله تعالى:
رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ «7». والحجة لمن قرأه
بالرفع: أنه جعله نعتا لله عز وجل مردودا على قوله: وَهُوَ
الْغَفُورُ الْوَدُودُ «8» المجيد ذو العرش، فأخره ليوافق رءوس
الآي. ودليله
__________
(1) الانشقاق: 19.
(2) انظر: 183، عند قوله تعالى: وَلا تَتَّبِعانِّ.
(3) أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد التميمي، الحافظ،
الأستاذ: أبو بكر بن مجاهد البغدادي، شيخ الصنعة، وأوّل من
سبّع السّبعة. ولد سنة 245 ببغداد، وتوفي يوم الأربعاء وقت
الظهر في العشرين من شعبان سنة أربع وعشرين وثلاثمائة رحمه
الله تعالى (غاية النهاية: 1 - 142).
(4) انظر: 215.
(5) الانشقاق: 24.
(6) البروج: 15.
(7) غافر: 15.
(8) البروج: 14.
(1/367)
قوله: إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ «1». وأمّا
قوله: بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ «2» فلا خلاف في رفعه.
قوله تعالى: فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ «3» إجماع القرّاء على
قراءته بالخفض إلّا ما اختاره «نافع» من الرفع فيه، والعلّة في
الوجهين كالعلة في «المجيد».
ومن سورة الطارق
قوله تعالى: لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ «4». يقرأ بتشديد الميم
وتخفيفها. فالحجة لمن شدّد:
أنه جعل إن بمعنى «ما» الجاحدة، وجعل «لمّا» بمعنى «إلّا»
للتحقيق، والتقدير:
ما كل نفس إلّا عليها حافظ من الله تعالى. والحجة لمن خفّف:
أنه جعل «إن» خفيفة من الثقيلة وجعل «ما» صلة مؤكدة والتقدير:
إن كلّ نفس لعليها حافظ.
ولإن المكسورة الخفيفة أقسام: تكون خفيفة من الشديدة، وبمعنى
ما، وحرف شرط، وزائدة، وبمعنى إذ، وبمعنى قد، وبمعنى لم.
ولأن المخففة المفتوحة أقسام أيضا: تكون خفيفة من الشديدة،
وحرفا ناصبا للفعل المضارع، وتكون زائدة، وتكون بمعنى: أي.
ومن سورة الأعلى
كل ما كان من أواخر آي هذه السورة فإنه يقرأ بالإمالة
والتفخيم، وبين ذلك وقد ذكرت علله فيما سلف «5».
قوله تعالى: وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى «6». يقرأ بالتشديد
والتخفيف. فالحجة لمن شدد:
قوله تعالى: وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً
«7». والحجة لمن خفف: أنه طابق بين اللفظين فجعل «قدر» ك
«هدى». وقيل، معناه: فهدى وأضل، فحذف «أضل» للدلالة عليه،
ولموافقة رءوس الآي كما قال: عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ
قَعِيدٌ «8» يريد:
__________
(1) هود: 73.
(2) البروج: 21.
(3) البروج: 22.
(4) الطارق: 4.
(5) انظر: 71 عند قوله تعالى: بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ
تِجارَتُهُمْ.
(6) الأعلى: 3
(7) الفرقان: 2.
(8) ق: 17.
(1/368)
قعيدان. وقيل: قدر الذكر للأنثى وهداه
لإتيانها.
قوله تعالى: بَلْ تُؤْثِرُونَ «1» يقرأ بالياء والتاء
وبالإظهار والإدغام، وقد ذكر ذلك فيما مضى، وأوضحت الحجة فيه
بما يغنى عن إعادته هاهنا «2»
ومن سورة الغاشية
قوله تعالى: تَصْلى ناراً حامِيَةً «3». يقرأ بضم التاء
وفتحها. فالحجة لمن قرأه بالضم:
أنه طابق بذلك بين لفظه ولفظ قوله: «يسقى». والحجة لمن فتح:
أنه أتى بالفعل على أصله وبناه لفاعله.
قوله تعالى: لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً «4» يقرأ بالتاء
والياء، وضمّها والرفع، ويقرأ بالتاء مفتوحة والنصب. فالحجة
لمن قرأه بضم الياء والتاء: أنه جعله مبنيّا لما لم يسمّ
فاعله، ورفع الاسم بعده. والحجة لمن قرأه بفتح التاء: أنه قصد
النبيّ صلى الله عليه وسلم بالخطاب، ونصب: «لاغية» بتعدّي
الفعل اليها.
قوله تعالى: لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ «5» يقرأ بالصاد،
والسين، وإشمام الزاي. وقد ذكرت علل ذلك في الطور «6».
ومن سورة الفجر
قوله تعالى: وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ «7». يقرأ بفتح الواو
وكسرها. فالحجة لمن كسر: أنه جعل الشفع: الزوج، وهما آدم
وحواء. والوتر: الفرد، وهو: الله عز وجل: وقيل:
بل الشفع: ما ازدوج من الصلوات، كالغداة، والظهر، والعصر.
والوتر: ما انفرد منها كصلاة المغرب وركعة الوتر. والحجة لمن
فتح: أنه طابق بين لفظ الشفع ولفظ الوتر.
وقيل الفتح والكسر، فيه- إذا كان بمعنى الفرد- لغتان فصيحتان
فالفتح لأهل الحجاز،
__________
(1) الأعلى: 16.
(2) انظر: 84 عند قوله تعالى: بَلْ طَبَعَ اللَّهُ.
(3) الغاشية: 4.
(4) الغاشية: 11.
(5) الغاشية: 22.
(6) انظر: 335.
(7) الفجر: 3.
(1/369)
والكسر لتميم، فأمّا من التّرة والذحل
فبالكسر لا غير. وهو: المطالبة بالدم ولا يستعمل في غيره قوله
تعالى: إِذا يَسْرِ «1». يقرأ بإثبات الياء وصلا ووقفا،
وبحذفها كذلك وبإثباتها وصلا وحذفها وقفا. وقد تقدّم «2»
الاحتجاج لذلك بما يغني عن إعادته هاهنا. ومثله قوله بِالْوادِ
«3».
قوله تعالى: فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ «4». يقرأ بتشديد
الدال وتخفيفها. وقد تقدّمت «5» الحجة في ذلك مستقصاة في غير
موضع.
قوله تعالى: أَكْرَمَنِ «6» وأَهانَنِ «7». يقرأ بإثبات الياء
فيهما وصلا، وحذفها وقفا، وإسكان النون من غير كسر. واحتج قارئ
ذلك بقول الأعشى:
ومن شانئ ظاهر غمره ... إذا ما انتسبت له أنكرن
«8» قوله تعالى: كَلَّا بَلْ لا تُكْرِمُونَ «9» الْيَتِيمَ
«10»، وَلا تَحَاضُّونَ «11» وتَأْكُلُونَ «12» وَتُحِبُّونَ
«13» يقرأن كلهن بالياء والتاء إلّا ما قرأه أهل الكوفة «وَلا
تَحَاضُّونَ» بزيادة ألف بين الحاء والضاد. فالحجة لمن قرأه
بالياء أنه ردّه على ما قبله. والحجة لمن قرأه بالتاء:
__________
(1) الفجر: 4.
(2) انظر: 218 عند قوله تعالى: لَئِنْ أَخَّرْتَنِ. و 204 عند
قوله تعالى: وَتَقَبَّلْ دُعاءِ.
(3) النازعات: 16.
(4) الفجر: 16.
(5) انظر: 207 عند قوله تعالى: إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنا
وغيرها.
(6) الفجر: 15.
(7) الفجر: 16.
(8) ومن رواية أخرى: «ومن شانئ كاسف وجهه» وهي رواية الديوان.
الشانى: المبغض، والغمر بالكسر:
الحقد والغل. انظر: إعراب ثلاثين سورة لابن خالويه: 211. شرح
المفصل 4: 83. انظر: ديوان الأعشى الكبير: 2.
(9) في الأصل: «كلا بل تكرمون»، وهو تحريف.
(10) الفجر: 17.
(11) الفجر: 18.
(12) الفجر: 19.
(13) الفجر: 20.
(1/370)
أنه دلّ بذلك على أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم خاطبهم به.
والحجة للكوفيين في زيادة الألف: قرب معنى: فاعلته من فعلته.
قوله تعالى: فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ «1»
وَلا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ «2». يقرءان بكسر الذال والثاء
وفتحهما. فالحجة لمن كسرهما: أنه جعلهما، فعلين لفاعل هو الله
عز وجل.
ومعناه: لا يعذّب عذاب الله أحد ولا يوثق وثاق الله أحد كما
كانوا يعهدون في الدنيا.
فالهاء كناية عن الله عز وجل في موضع خفض. والحجة لمن فتح: أنه
جعلهما فعلين لم يسم فاعلهما، ورفع: «أحدا» لأنه أقامه مقام
الفاعل. والهاء في موضع خفض لأنها للمعذّب. |