[الانعام: 54]
اختلفوا في فتح الألف وكسرها من قوله [جلّ وعزّ]: «1» إنه
من عمل ... فإنه غفور رحيم [الأنعام/ 54].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائيّ: إنه من عمل فإنه
غفور رحيم مكسورة «2» الألف فيهما.
وقرأ عاصم وابن عامر أنه من عمل فإنه بفتح الألف فيهما.
وقرأ نافع الرحمة أنه [الأنعام/ 54] بفتح الألف فإنه غفور
رحيم كسرا «3».
من كسر فقال: الرحمة إنه من عمل منكم جعله تفسيرا للرّحمة،
كما أنّ قوله: لهم مغفرة وأجر عظيم [المائدة/ 9] تفسير
للوعد.
فأمّا كسر إنّ من «4» قوله: فإنه غفور رحيم فلأنّ ما بعد
الفاء حكمه الابتداء، ومن ثمّ حمل «5» قوله: ومن عاد
فينتقم الله منه [المائدة/ 95] على إرادة المبتدأ بعد
الفاء، وحذفه.
وأمّا من فتح أنّ في قوله: أنه فإنّه جعل أن* الأولى بدلا
من الرّحمة، كأنّه: كتب ربّكم على نفسه أنّه من عمل منكم.
__________
(1) سقطت من (ط).
(2) في (ط): بكسر.
(3) في (ط): مكسورا. وانظر السبعة ص 258.
(4) في (ط): في.
(5) كذا ضبطه في (ط) بالبناء للمفعول وفي (م) ضبطه بالبناء
للفاعل.
(3/311)
وأمّا فتحها بعد الفاء من قوله: «1» فأنه
غفور رحيم [الأنعام/ 54]، فعلى أنّه أضمر له خبرا تقديره:
فله أنّه غفور رحيم، أي: فله غفرانه، أو أضمر مبتدأ يكون
أنّ خبره، كأنّه، فأمره أنّه غفور رحيم. وعلى هذا التقدير
يكون الفتح في قول من فتح: ألم يعلموا أنه من يحادد الله
ورسوله فأن له نار جهنم [التوبة/ 63] تقديره: فله أنّ له
نار جهنّم، إلّا أنّ إضماره هنا «2»
أحسن لأنّ ذكره قد جرى في صلة أن ... ، وإن شئت قدّرت،
فأمره
أنّ له نار جهنّم، فيكون خبر هذا المبتدأ المضمر.
ومثل البدل في هذا قوله: وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين
أنها لكم [الأنفال/ 7] المعنى: وإذ يعدكم الله كون إحدى
الطائفتين، مثل قوله: وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره
[الكهف/ 63].
ومن ذهب في هذه الآية إلى أنّ أنّ «3» التي بعد الفاء
تكرير من
الأولى لم يستقم قوله وذلك أنّ من ... لا تخلو من أن تكون
للجزاء
الجازم الذي اللفظ عليه، أو تكون موصولة، ولا «4» يجوز أن
يقدّر التكرير مع الموصولة، ولو كانت موصولة لبقي المبتدأ
بلا خبر. ولا يجوز ذلك في الجزاء الجازم، لأنّ الشرط يبقى
بلا جزاء، فإذا لم يجز ذلك، ثبت أنّه على ما ذكرنا، على
أنّ ثبات الفاء في قوله:
فأن له، يمنع من أن يكون بدلا، ألا ترى أنّه لا يكون بين
البدل
__________
(1) سقط من (ط): من قوله.
(2) في (ط) هاهنا.
(3) سقطت: (أنّ) من (م).
(4) في (ط): «فلا».
(3/312)
والمبدل منه الفاء العاطفة، ولا التي
للجزاء؟ فإن قلت: إنّها زائدة، بقي الشرط بلا جزاء، فلا
يجوز إذا تقدير زيادتها هنا «1»، وإن جاءت زائدة في غير
هذا الموضع.
وأمّا قراءة نافع كتب أنه ... فإنه! فالقول فيها أنّه أبدل
من الرحمة واستأنف ما بعد الفاء.
قال سيبويه «2»: بلغنا أنّ الأعرج قرأ: أنه من عمل منكم
سوءا بجهالة ... فإنه غفور رحيم [الأنعام/ 54] قال: ونظيره
البيت الذي أنشدتك «3» يعني بالبيت الذي أنشده «4»:
قول ابن مقبل «5».
وعلمي بأسدام المياه فلم تزل ... قلائص تخدى في طريق طلائح
وأنّي إذا ملّت ركابي مناخها ... فإنّي على حظّي من الأمر
جامح
يريد أنّ قوله: وأني إذا ملّت ركابي محمول على ما قبله،
__________
(1) في (ط): هاهنا.
(2) في الكتاب 1/ 467.
(3) في (ط): أنشد.
(4) في (ط): أنشد.
(5) وهذه رواية سيبويه وفي ص 45 - 49 من الديوان كما يلي:
وعاودت أسدام المياه ولم تزل ... قلائص تحتي في طريق طلائح
وإني إذا ملّت ركابي مناخها ... ركبت ولم تعجز عليّ
المنادح
ورواية (ط) هي رواية سيبويه ما عدا: «تخدى» فإنّه ضبطها
بالبناء للفاعل. ورواية (م) محرفة إلى: «تحدا- طلانح-
جانح».
(3/313)
كما أنّ قوله: من عمل محمول على ما قبله،
وما بعده «1» من قوله: «فإنّي على حظّي من الأمر» مستأنف،
كما أنّ قوله: فإنه غفور رحيم مستأنف به «2» منقطع مما
قبله.
[الانعام: 55]
اختلفوا في الياء والتاء والرّفع والنصب من قوله [جلّ
وعزّ]: ولتستبين سبيل المجرمين [الأنعام/ 55].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر: ولتستبين بالتاء، سبيل
رفعا.
وقرأ نافع: ولتستبين بالتاء أيضا «3»، سبيل المجرمين نصبا.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائيّ وليستبين
بالياء سبيل رفعا حفص عن عاصم مثل أبي عمرو «4».
وجه قراءة ابن كثير وأبي عمرو وابن عامر ولتستبين بالتاء
«5» سبيل رفعا، أنهم جعلوا السبيل فاعل الاستبانة «6»،
وأنّث السبيل كما قال: قل هذه سبيلي أدعوا [يوسف/ 108] وقد
ذكّر السبيل أيضا في قوله: وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه
سبيلا [الأعراف/ 146].
فالسّبيل على هذا فاعل الاستبانة. قال سيبويه: استبان
__________
(1) في (م) بعد.
(2) سقطت به من (ط).
(3) سقطت أيضا من (ط).
(4) السبعة ص 258.
(5) زيادة من (ط).
(6) ما بين المعقوفين في (ط). فالسبيل على هذا فاعل
الاستبانة.
(3/314)
الشيء واستبنته «1». وقراءة نافع: ولتستبين
سبيل التاء فيها ليس على ما تقدّم ولكنّها لك أيّها
المخاطب ففي الفعل ضمير المخاطب. والفعل في القراءة الأولى
«2» فارغ لا ضمير فيه، والتاء تؤذن بأنّ الفاعل المسند إلى
الفعل مؤنث.
ومثل هذا في أنّ تفعل يحتمل الأمرين، الخطاب والتأنيث،
قوله: يومئذ تحدث أخبارها بأن ربك أوحى لها [الزلزلة/ 4]،
أي: يومئذ تحدّث الأرض، يريد: أهل الأرض، ويكون تحدّث أنت
أيّها الإنسان، فأمّا قول الهذليّ «3»:
زجرت لها طير الشمال فإن تكن ... هواك «4» الذي يهوى يصبك
اجتنابها
فالفعل للغائبة على حد قولك: هند تهوى كذا.
وقول الأعشى «5»:
فآليت لا أرثي لها من كلالة ... ولا من حفى حتى تلاقي
محمّدا
يكون تلاقي فيه: مرة للخطاب وأخرى «6» للغيبة،
__________
(1) الكتاب 2/ 237 وعبارة سيبويه كاملة: ويقال: أبان الشيء
نفسه وأبنته، واستبان واستبنته، والمعنى واحد.
(2) في (ط): الأخرى.
(3) هو أبو ذؤيب ويريد: إن صدق هذا الطير السنيح سيصيبك
اجتنابها أي:
تجنبها وتبعدها. انظر شرح السكري 1/ 42.
(4) ضبطه في (ط) بالكسر وفي (م) بالفتح وفي السكري كما في
(م) إلا أنه ضبط: «زجرت» بفتح التاء.
(5) سبق في 1/ 94.
(6) في (ط): ومرة.
(3/315)
فالخطاب: على أن تكون الياء في تلاقي ضمير
المؤنّث على الرجوع من الغيبة إلى الخطاب، كقوله تعالى:
الحمد لله ثمّ قال: إياك نعبد [الفاتحة/ 5].
وأمّا الغيبة فإنّه على حدّ قولك: هند تفعل، إلّا أنّه
أسكن الياء للضرورة كما قال:
سوّى مساحيهنّ تقطيط الحقق «1» فالتاء في قراءة نافع
للخطاب دون التأنيث على قولك:
استبنت الشيء.
وقراءة «2» حمزة والكسائي: وليستبين بالياء سبيل رفعا.
فالفعل على هذا مسند إلى السبيل إلّا أنّه ذكّر السبيل على
قوله: يتخذوه سبيلا [الأعراف/ 146].
والمعنى: وليستبين سبيل المجرمين وسبيل المؤمنين، فحذف
لأنّ ذكر أحد السبيلين «3» يدل على الآخر، ومثله: سرابيل
تقيكم الحر [النحل/ 81] ولم يذكر البرد لدلالة الفحوى
عليه.
قرأ عاصم في رواية أبي بكرخفية* بكسر الخاء هاهنا
__________
(1) لرؤبة وبعده:
تفليل ما قارعن من سمرة الطّرق وصف حوافر حمر الوحش- أي
أنّ الحجارة سوت حوافرها كأنّما قططت تقطيط الحقق.
والتقطيط: قطع الشيء. ديوانه/ 106 - وسيبويه 2/ 55 واللسان
(حقق وقطط).
(2) في (ط): وقرأ.
(3) في (ط): القبيلين.
(3/316)
[الأنعام/ 63] وفي الأعراف عند قوله: ادعوا
ربكم تضرعا وخفية [الآية/ 55].
وقرأ الباقون خفية بضم الخاء هاهنا، وفي الأعراف.
وروى حفص عن عاصم خفية بضم الخاء أيضا في الموضعين.
قال «1» أبو عبيدة: خفية: تخفون في أنفسكم «2».
وحكى غيره: خفية، وخفية وهما لغتان.
وروي عن الحسن: التضرّع: العلانية، والخفية بالنية.
وأمّا «3» قوله تعالى: تضرعا وخيفة فخيفة «4» فعلة من
الخوف، وانقلبت الواو للكسرة والمعنى: ادعوا خائفين وجلين،
قال «5»:
فلا تقعدنّ على زخّة ... وتضمر في القلب وجدا وخيفا
__________
(1) كذا في (ط) وسقطت من (م).
(2) في مجاز القرآن 1/ 194.
(3) في (ط): «فأمّا».
(4) سقطت كلمة «فخيفة» من (ط). وبعدها: ففعلة، بدل: فعلة.
(5) البيت لصخر الغي من قصيدة أبياتها (27) بيتا في شرح
أشعار الهذليين 1/ 299 ويقع البيت الشاهد السابع عشر منها.
قال السكري: زخة: غيظ، ولم أسمعه في شيء من كلام العرب ولا
في أشعارها إلّا في هذا البيت.
والخيف: جمع الخيفة. ويروى: غيظا وخيفا، أي مخافة. ويروى
على زكّة، والزكّة: الغمّ والبيت في اللسان (زخخ).
(3/317)
[الانعام: 57]
اختلفوا في الضاد والصاد من قوله [جلّ وعزّ]: يقضي «1»
الحق [الأنعام/ 57].
فقرأ ابن كثير ونافع وعاصم: يقص الحق بالصاد.
وقرأ أبو عمرو وحمزة وابن عامر والكسائيّ: يقضي «1» الحق
بالضّاد «3».
حجّة من قرأ يقضي* أنّهم زعموا أنّ في حرف ابن مسعود يقضي
بالحق، بالضاد «4» وذكر عن أبي عمرو أنّه استدلّ على يقضي
بقوله: وهو خير الفاصلين [الأنعام/ 57] قال «5»: والفصل في
القضاء ليس في القصص.
ومن حجّتهم قوله تعالى: والله يقضي بالحق وهو يهدي السبيل
[الأحزاب/ 4].
وحجّة من قال يقص الحق قوله: نحن نقص عليك أحسن القصص
[يوسف/ 3] وإن هذا لهو القصص الحق [آل عمران/ 62].
وأمّا ما احتجّ به من قرأ: يقضي* من قوله: وهو خير
الفاصلين [الأنعام/ 57] في أنّ الفصل في الحكم لا في
القول، فإنّهم قالوا: قد جاء الفصل في القول أيضا في نحو
قوله: إنه لقول فصل [الطارق/ 13] وقال: أحكمت آياته ثم
فصلت
__________
(1) في (ط) رسمها «يقض» في الموطنين.
(3) السبعة ص 259.
(4) سقطت من (م).
(5) في (ط): قالوا.
(3/318)
[هود/ 1]، وقال: نفصل الآيات [الأنعام/
55]، فقد حمل الفصل على القول، واستعمل معه كما جاء مع
القضاء، وقال:
لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثا يفترى،
ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء [يوسف/ 111]، فقد
ذكر في القصص أنّه تفصيل. فأمّا الحقّ في قوله: يقضي الحق
[الأنعام/ 57] فيحتمل أمرين: يجوز أن يكون صفة مصدر محذوف،
يقضي القضاء الحقّ، أو يقصّ القصص الحقّ. ويجوز أن تكون
مفعولا به مثل يفعل الحق كقوله:
قضاهما داود «1» كلّهم قرأ بالغداة والعشي [الأنعام/ 52]
بألف، غير ابن عامر، فإنّه قرأ: بالغدوة والعشي في كل
القرآن بواو «2».
الوجه: الغداة، لأنّها تستعمل نكرة وتتعرف بالألف واللام
«3».
وأمّا غدوة فمعرفة، وهو علم صيغ له.
قال سيبويه: غدوة وبكرة، جعل كلّ واحد منهما اسما للحين،
كما جعلوا أمّ حبين اسما لدابة معروفة «4».
__________
(1) هذه قطعة من بيت لأبي ذؤيب الهذلي ونصه:
وعليهما مسرودتان قضاهما ... داود أو صنع السوابغ تبّع
انظر شرح السكري 1/ 39 وفيه: وعليهما ماذيتان،
والمسرودتان: درعان تعاورهما بالطعن، والسرد: الخرز في
الأديم. وقضاهما: فرغ من عملهما.
والصّنع: الحاذق بالعمل. والصنع هاهنا تبّع.
(2) السبعة 258.
(3) في (م) باللام.
(4) أم حبين: دويبّة على خلقة الحرباء عريضة الصدر عظيمة
البطن وقيل: هي أنثى الحرباء انظر اللسان (حبن).
(3/319)
قال: وزعم يونس عن أبي عمرو، وهو قوله:-
وهو القياس- أنّك إذا قلت: لقيته يوما من الأيام: غدوة أو
بكرة، وأنت تريد المعرفة لم تنوّن «1»، فهذا يقوي قراءة من
قرأ: بالغداة والعشي*.
ووجه ذلك قراءة ابن عامر أن سيبويه قال: زعم الخليل أنّه
يجوز أن تقول: أتيتك اليوم غدوة وبكرة، فجعلهما بمنزلة
ضحوة «2».
ومن حجّته أن بعض أسماء الزمان جاء معرفة بغير ألف ولام
نحو ما حكاه أبو زيد من قولهم: لقيته فينة، غير مصروف،
والفينة بعد الفينة، فألحق لام المعرفة ما استعمل
معرفة.
ووجه ذلك أنه يقدّر فيه التنكير والشّياع، كما يقدّر فيه
ذلك إذا ثني، وذلك مستمرّ في جميع هذا الضرب من المعارف.
ومثل ذلك ما حكاه سيبويه «3» من قول العرب: هذا يوم اثنين
مباركا فيه «4» وأتيتك يوم اثنين مباركا فيه. فجاء معرفة
بلا ألف ولام كما جاء بالألف واللّام، ومن ثمّ انتصب
الحال، ومثل ذلك قولهم: هذا ابن عرس «5» مقبل.
إمّا أن يكون جعل عرسا نكرة، وإن كان علما، وإنّما أن يكون
أخبر عنه بخبرين.
__________
(1) انظر سيبويه 2/ 48.
(2) المصدر السابق.
(3) في المصدر السابق.
(4) كذا في (ط) وسقطت من (م).
(5) ابن عرس: دويبة معروفة دون السنور أشتر- أصلم أصك له
ناب والجمع بنات عرس ويجوز أن تقول: هذا ابن عرس مقبلا.
(3/320)
كلّهم قرأ: توفته رسلنا [الأنعام/ 61]
بالتاء غير حمزة فإنّه قرأ: توفاه «1» حجّة من قال «2»:
توفته بالتاء قوله: كذبت رسل من قبلك [الأنعام/ 34]،
وقوله: إذ جاءتهم الرسل من بين أيديهم [فصلت/ 14].
جاءتهم رسلهم بالبينات فردوا أيديهم في أفواههم وقالت
رسلهم: أفي الله شك [إبراهيم/ 9].
وحجّة حمزة أنّه فعل متقدّم مسند إلى مؤنّث غير حقيقي،
وإنّما التأنيث للجمع، فهو مثل قوله: وقال نسوة في المدينة
[يوسف/ 30]، وما أشبه ذلك ممّا تأنيثه تأنيث الجمع.
وإن كان الكتاب في المصحف بسينة «3»، فليس ذلك بخلاف له،
لأنّ الألف الممالة قد كتبت ياء.
[الانعام: 64، 63]
واختلفوا «4» في التخفيف والتّشديد من قوله [جلّ وعزّ]:
قل من ينجيكم .... قل الله ينجيكم [الأنعام/ 63، 64].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر قل من ينجيكم
مشدّدة قل الله ينجيكم مخففة «5».
__________
(1) السبعة ص 259 وأضاف ابن مجاهد: «ممالة الألف».
(2) في (ط): قرأ.
(3) أي بياء غير منقوطة، والسينة: شعبة من شعب حرف السين
الثلاثة، انظر الصحاح واللسان (سين).
(4) في (ط): اختلفوا.
(5) في (ط): خفيفة.
(3/321)
وروى عليّ بن نصر عن أبي عمرو قل من ينجيكم
خفيفة «1»، قل الله ينجيكم مثله مخفّفة «1».
وقرأ عاصم وحمزة والكسائيّ قل من ينجيكم .. قل الله ينجيكم
مشدّدتين.
وقرأ الكوفيون: عاصم وحمزة والكسائيّ: لئن أنجانا بألف.
وقرأ الحجازيون وأهل الشام: ابن كثير ونافع وابن عامر:
لئن أنجيتنا [يونس/ 22] وأبو عمرو مثلهم لئن أنجيتنا.
وكان حمزة والكسائيّ يميلان الجيم وغيرهما لا يميل «3».
وجه التشديد والتخفيف في ينجيكم وينجيكم أنّهم قالوا:
نجا زيد، قال «4»:
نجا سالم والنّفس منه بشدقه فإذا نقل الفعل فحسن نقله
بالهمزة في أفعل كحسن نقله بتضعيف العين، ومثل ذلك: أفرحته
وفرّحته، وأغرمته وغرّمته، وما أشبه ذلك. وفي التنزيل:
فأنجاه الله من النار [العنكبوت/ 24]، فأنجيناه والذين معه
[الأعراف/ 64]
__________
(1) في (ط): خفيفا.
(3) انظر السبعة ص 259 - 260.
(4) صدر بيت من قصيدة لحذيفة بن أنس الهذلي وعجزه:
ولم ينج إلّا جفن سيف ومئزرا «النفس بشدقه» أي: كادت تخرج
فبلغت شدقه، أي: إنما نجا بجفن سيف.
انظر السكري 2/ 558 اللسان مادة (نجا) وفيه عامر بدل سالم.
(3/322)
وفيه «1» ونجينا الذين آمنوا [فصلت/ 18]
ولئن أنجيتنا من هذه [يونس/ 22]، فلما أنجاهم [يونس/ 23]،
فإذا جاء التنزيل باللغتين جميعا تبينت من ذلك استواء
القراءتين في الحسن.
فأمّا حجّة من قرأ لئن أنجانا [الأنعام/ 63] فهي أنّه حمله
على الغيبة، وذلك قوله: تدعونه لئن أنجانا، وكذلك ما بعده
قل الله ينجيكم قل هو القادر [الأنعام/ 65]، فهذه كلّها
«2» أسماء غيبة، فأنجانا أولى من أنجيتنا، لكونه على ما
قبله وما بعده من لفظ الغيبة، وإذا كان مشاكلا لما قبله
وما بعده كان أولى وموضع تدعونه نصب على الحال، تقديره: قل
من ينجّيكم داعين وقائلين: لئن أنجانا. وكذلك من قرأ: لئن
أنجيتنا تقديره داعين وقائلين «3»: لئن أنجيتنا، فواجهوا
بالخطاب، ولم يراعوا ما راعاه الكوفيون من المشاكلة.
ويقوّي قول من خالف الكوفيين قوله في أخرى لئن أنجيتنا من
هذه لنكونن من الشاكرين [يونس/ 22]. قل الله ينجيكم، فجاء
أنجيتنا على الخطاب وبعده اسم غيبة.
فأمّا إمالة حمزة والكسائي في أنجانا فمذهب حسن، لأنّ هذا
النحو من الفعل إذا كان على أربعة أحرف. استمرت فيه
__________
(1) سقطت من (م).
(2) في (ط): فهذا كلّه.
(3) في (ط) قائلين. بحذف الواو.
(3/323)
الإمالة لانقلاب الألف إلى الياء في
المضارع، وإذا كانت الإمالة قد حسنت في «غزا» مع أنّه «1»
على ثلاثة أحرف لأنّ الياء تثبت فيه إذا بني الفعل
للمفعول، مع أنّ الواو تصحّ فيه في فعلت، فلا إشكال في
حسنها في أنجا وأغزا ونحو ذلك.
كلّهم قرأ وإما ينسينك الشيطان [الأنعام/ 68] بتسكين النون
الأولى، وتشديد الثانية غير ابن عامر فإنّه قرأ ينسينك
بفتح النون وتشديد السين مع النون الثانية «2».
الحجّة لهم في قراءتهم وإما ينسينك قوله: وما أنسانيه إلا
الشيطان أن أذكره [الكهف/ 63] فجاء في التنزيل: على أفعل.
ووجه قول ابن عامر أنّك تقول: نسيت الشيء، فإذا أردت أن
غيرك أنساكه جاز أن تنقل الفعل بتضعيف العين كما تنقله
بالهمزة، وعلى هذا قالوا: غرّمته وأغرمته، ففعّل وأفعل
يجري كل واحد منهما مجرى الآخر، وفي التنزيل: فمهل
الكافرين أمهلهم رويدا [الطارق/ 17].
كلّهم قرأ: استهوته الشياطين [الأنعام/ 71] بالتاء غير
حمزة فإنّه قرأ: استهواه بألف [و] «3» يميلها.
__________
(1) في (ط): أنها.
(2) السبعة ص 260.
(3) سقطت الواو من (م) وهي في (ط) والسبعة ص 260.
(3/324)
قال «1» أبو عبيدة: كالذي استهوته الشياطين
أي:
استمالته، أي: ذهبت به «2».
وقرأ حمزة استهواه الشياطين. على قياس قراءته توفاه رسلنا
[الأنعام/ 61] وكلا المذهبين حسن.
قال الشاعر: «3»
وكنّا ورثناه على عهد تبّع ... طويلا سواريه شديدا دعائمه
وأرى قولهم: استهواه كذا، إنّما هو من قولهم: هوى من حالق:
إذا تردّى منه، ويشبّه به الذي يزلّ عن الطريق المستقيم،
كما أنّ زلّ إنّما هو من العثار في المكان كقوله «4».
قام إلى منزعة زلخ فزلّ ثمّ يشبّه به المخطئ في طريقته.
وتقول: أزلّه غيره، كما قال: فأزلهما الشيطان عنها
[البقرة/ 63]، فكذلك: هوى «5» هو، وأهواه غيره، قال:
والمؤتفكة أهوى [النجم/ 53]، فتقول: أهويته واستهويته، كما
قال: فأزلهما الشيطان وإنّما استزلّهم الشيطان، فكما أنّ
استزلّه بمنزلة أزلّه. كذلك استهواه
__________
(1) زيادة من (ط).
(2) لم نجده بنصه في مجاز القرآن 1/ 196 عند تفسيره للآية.
(3) البيت للفرزدق وقد ورد في ديوانه كما يلي:
قديما ورثناه على عهد تبع ... طوالا سواريه شدادا دعائمه
انظر ديوانه 2/ 765 - وسيبويه 1/ 238.
(4) سبق في 2/ 17 وأنشده ثعلب في مجالسه ص 581 وقبله:
يا عين بكّي عامرا يوم النهل ... ربّ العشاء والرشاء
والعمل.
(5) سقطت كلمة: «هوى» من (ط).
(3/325)
بمنزلة أهواه، كما أنّ استجابه بمنزلة
أجابه في قوله «1»:
فلم يستجبه عند ذاك مجيب
[الانعام: 76]
واختلفوا «2» في فتح الراء والهمزة وكسرهما من قوله تعالى:
رأى كوكبا [الأنعام/ 76].
فقرأ ابن كثير وعاصم في رواية حفص، رأى بفتح الراء
والهمزة.
وقرأ نافع: بين الفتح والكسرة «3».
وقرأ أبو عمرو: رأى كوكبا بفتح الراء وكسر الهمزة.
وروى القطعيّ «4» عن عبيد بن عقيل عن أبي عمرو: بكسر الراء
والهمزة جميعا.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وابن عامر وحمزة والكسائيّ
__________
(1) عجز بيت لكعب بن سعد الغنوي من الأصمعية رقم 25 ص 96.
وصدره:
وداع دعا يا من يجيب إلى النّدى وانظر شرح أبيات المغني 5/
167 - وأمالي ابن الشجري 1/ 62 وسبق البيت 1/ 352 و 2/
152.
(2) في (ط): اختلفوا.
(3) في (ط): الكسر.
(4) القطعي: محمد بن يحيى بن مهران، أبو عبد الله القطعي
البصري، إمام مقرئ مؤلف متصدر، أخذ القراءة عرضا عن أيوب
بن المتوكل، وهو أكبر أصحابه وروى الحروف سماعا عن أبي زيد
الأنصاري وعبيد بن عقيل ...
روى القراءة عنه أحمد بن علي الخزاز والفضل بن شاذان ...
ذكره أبو أحمد الحاكم وقال: هو من زبيد من اليمن، وروى عنه
أبو داود، ووهم فيه أبو العزّ فسمّاه علي بن محمد. انظر
طبقات القراء 2/ 278 للجزري.
(3/326)
رأى* بكسر الراء والهمزة «1».
وجه قول ابن كثير وعاصم في إحدى الروايتين عنه أنّهما لم
يميلا، كما أنّ من قال: رعى ورمى لمّا لم يمل الألف لم يمل
الفتحة التي قبلها، كما يميلها من يرى الإمالة ليميل الألف
نحو الياء.
قال: وقرأ نافع بين الفتح والكسر [قوله: بين الفتح والكسر]
«2» لا يخلو من أن يريد الفتحتين اللتين على الراء
والهمزة، أو الفتحة التي على الهمزة وحدها، فإن كان يريد
فتحة الهمزة فإنّما أمالها نحو الكسرة لتميل الألف التي في
رأى نحو الياء، كما أمال الفتحة التي على الدّال من هدى*
والميم من رمى*.
وإن كان يريد أنّه أمال الفتحتين جميعا، الّتي على الراء،
والتي على الهمزة، فإمالة فتحة الهمزة على ما تقدّم ذكره.
وأمّا إمالة الفتحة التي على الراء، فإنّما أمالها لاتباعه
إياها إمالة فتحة الهمزة، كأنّه أمال الفتحة لإمالة
الفتحة، كما أمال الألف لإمالة الألف في قولهم: رأيت
عمادا، فأمال ألف النصب لإمالة الألف في عماد «3»،
والتقديم والتأخير في ذلك سواء، والفتحة الممالة منزلة
منزلة الكسرة، فكما أملت الفتحة في قولك «4» من عمرو،
لكسرة الراء، كذلك أملت فتحة الراء من رأى* لإمالة الفتحة
التي على الهمزة.
__________
(1) انظر السبعة ص 260.
(2) ما بين المعقوفين ساقط من (ط).
(3) في (ط): لإمالة ألف عماد.
(4) سقطت من (م).
(3/327)
قال: وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وابن عامر
وحمزة والكسائيّ رأي* بكسر الراء والهمزة.
قال «1»: وجه قراءتهم أنّهم كسروا الراء من رأى، لأنّ
المضارع منه على يفعل، وإذا كان المضارع على «يفعل» فكأنّ
الماضي على «فعل»، ألّا ترى أنّ المضارع في الأمر العام
إذا كان على يفعل كان الماضي على «2» فعل؟ وعلى هذا قالوا:
أنت تينا، فكسروا حرف المضارعة كما كسروه في نحو: تعلم
وتفهم، وكسروا الياء أيضا في هذا الحرف فقالوا: ييبا، ولم
يكسروه في يعلم، وإذا كان الماضي كأنّه على فعل فيما
ينزّل، كسرت «3» الراء التي هي فاء لأنّ العين همزة، وحروف
الحلق إذا جاءت في كلمة على زنة فعل* كسرت فيها الفاء
لكسرة العين في الاسم والفعل، وذلك قولهم: عير نعر «4»،
ورجل جئز، ومحك «5»، وماضغ لهم.
وكذلك الفعل نحو: شهد ولعب ونعم، وكسرة الراء على هذا كسرة
مخلّصة محضة، وليست بفتحة ممالة.
وأمّا كسر «6» الهمزة فإنّه يراد به إمالة فتحها إلى
الكسر، لتميل الألف نحو الياء وذلك قولك: رأي كوكبا.
__________
(1) سقطت من (م). والقائل هنا أبو علي.
(2) سقطت من (ط).
(3) كذا في (ط) وفي (م): كسر.
(4) قال سيبويه في الكتاب 2/ 184: النعر: داء يأخذ الإبل
في رءوسها.
(5) في اللسان: جئز بالماء: إذا غص به فهو جئز. ورجل محك
إذا كان لجوجا في الخصومة.
(6) في (ط): كسرة.
(3/328)
فإن قلت: إنّ الفاء إنّما تكسر لتتبع
الكسرة في العين في نحو شهد* والهمزة في رأى* مفتوحة، فكيف
أجيزت كسرة الراء.
مع أنّ بعدها حرفا مفتوحا؟. فالقول في ذلك أنّه فيما
نزّلناه بمنزلة الفتح، فأتبع الفتحة الكسرة «1» المقدّرة،
لمّا نزّلناه بمنزلة الكسرة تبعته فتحة الراء، كما أنّ
ضمّة ياء يعفر لما كان في تقدير الفتحة ترك صرف الاسم
معها، كما ترك مع فتحة الياء في يعفر، وترك صرفه مع ضمّة
الياء حكاه أبو الحسن، وكما أنّ الفتحة في يطأ، ويسع لما
كانت في تقدير الكسرة حذفت معها الفاء، كما حذفت في: يزن
ويعد.
ومثل تنزيلهم الفتحة في رأى ... منزلة الكسرة، تنزيلهم لها
أيضا منزلة الكسرة في قولهم: هما يشأيان في يفعلان، من
الشأو، لمّا قالوا: يشأى، نزّلوا «2» الماضي على فعل،
فقالوا في المضارع:
يشأيان، كما قالوا: يشقيان.
[الانعام: 77]
واختلفوا فيها إذا لقيها ساكن.
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والكسائيّ وابن عامر: رأى
القمر [الأنعام/ 77] ورأى الشمس [الأنعام/ 78] ورأى
المجرمون [الكهف/ 53] ورأى الذين أشركوا [النحل/ 86]، وما
كان مثله بفتح الراء والهمزة.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة: رأى القمر ورأى الشمس
بكسر الراء وفتح الهمزة في كل القرآن.
__________
(1) سقطت من (م).
(2) في (ط): أنزلوا.
(3/329)
وذكر خلف عن يحيى بن آدم عن أبي بكر عن
عاصم:
رأى القمر ورأى الشمس بكسر الراء والهمزة معا «1».
قال بعض أصحاب أحمد: قوله: بكسر الراء والهمزة، خطأ «2»،
وإنّما هو بكسر الراء وإمالة الهمزة.
قال أبو علي: تحقيق هذا: وإمالة فتحة الهمزة.
وروى حفص عن عاصم: بفتح الراء والهمزة في رأى* في كل
القرآن «3».
وجه إزالتهم الإمالة عن فتحة الهمزة في رأى*: أنّهم إنّما
كانوا أمالوا الفتحة لتميل الألف نحو الياء، فلمّا سقطت
الألف بطلت إمالتها لسقوطها، ولمّا بطلت إمالتها لسقوطها
بطلت إمالة الفتحة نحو الكسرة لسقوط الألف التي كانت
الفتحة الممالة يميلها نحو الياء.
وأمّا موافقة ابن عامر والكسائيّ وعاصم في رواية أبي بكر
«4» وابن كثير نافعا «5» وأبا عمرو، في رأى المجرمون،
وفتحهم الراء، وقد كانوا كسروها في رأى كوكبا فلأنّهم
آثروا الأخذ باللغتين، كسر الراء وفتحها، فكسرها لما ذكر،
وفتحها لأنّهم جعلوها بمنزلة الراء في رمى ورعى «6»
ولأنّهم أعلّوا الرّاء
__________
(1) انظر السبعة ص 261.
(2) في (ط): غلط.
(3) السبعة ص 261.
(4) في هامش (ط): الصواب في رواية حفص.
(5) في (ط) «ونافعا» وليس بسديد.
(6) رسمهما في (م) بالألف اليابسة (رما- رعا).
(3/330)
وقدّروا فيه ما قدّروا لإعلال الهمزة
بإمالة فتحتها [فلمّا غيّروها] «1»، غيّروا الراء أيضا ألا
ترى أنّهم «2» لما أعلّوا اللّام بالقلب في عصي، وعتي «3»
ونحوهما «4» أعلّوا الفاء أيضا بالكسر في عصيّ؟ ولمّا
أعلّوا الاسم بحذف التاء منه في النسب إلى:
ربيعة، وحنيفة: ألزموه في الأمر العام الإعلال والتغيير،
بحذف الياء منه أيضا، فقالوا: ربعيّ، وحنفيّ.
ووجه قراءة عاصم في رواية أبي بكر وحمزة رأى القمر ورأى
الشمس بكسر الراء وفتح الهمزة في كل القرآن: فلأنّ كسر
الرّاء إنّما هو للتنزيل الذي ذكرنا، وهو معنى منفصل من
إمالة فتحة الهمزة، ألا ترى أنّه يجوز أن يعمل هذا المعنى
من لا يرى الإمالة، كما يجوز أن يعمله من يراها؟ فإذا كان
كذلك، كان انفصال أحدهما من الآخر سائغا غير ممتنع.
وأمّا رواية خلف عن يحيى عن أبي بكر عن عاصم: رأي القمر
ورأي الشمس بكسر الرّاء والهمزة معا، يريد بكسر الهمزة
إمالة فتحتها، فوجه كسر الرّاء قد ذكر، وأمّا إمالة فتحتها
مع زوال ما كان يوجب إمالتها من حذف الألف، فلأنّ الألف
محذوفة لالتقاء الساكنين، وما يحذف لالتقاء الساكنين، فقد
ينزّل تنزيل المثبت، ألا ترى أنّهم قد أنشدوا «5»:
__________
(1) في (ط): فلما غيروا الفتحة بالإمالة.
(2) في (ط): بأنهم.
(3) ضبطهما في (م) بضم فاء الكلمة وفي (ط) بكسرهما،
وكلاهما صحيح.
(4) في (ط): ونحوه.
(5) عجز بيت لأبي الأسود الدؤلي سبق في 3/ 141 وصدره:
فألفيته غير مستعتب
(3/331)
ولا ذاكر الله إلّا قليلا فنصب الاسم بعد
ذاكر، وإن كان النون قد حذفت «1» لمّا كان الحذف لالتقاء
الساكنين، والحذف لهما في تقدير الإثبات من حيث كان
التقاؤهما غير لازم ومن ثمّ لم تردّ الألف في نحو: رمت
المرأة.
وممّا يشهد لذلك أنّهم قالوا: شهد* فكسروا الفاء لكسرة
العين، ثمّ أسكنوا فقالوا: شهد*، فبقّوا الكسرة في الفاء
مع زوال ما كان اجتلبها، وعلى هذا ينشد قول الأخطل: «2»
إذا غاب عنّا غاب عنّا فراتنا ... وإن شهد أجدى فضله
ونوافله
ويشهد لذلك أيضا أنّهم قالوا: صعق، ثم نسبوا إليه، فقالوا
صعقي فأقرّوا كسرة الفاء مع زوال كسرة العين التي لها كسرت
الفاء، فكذلك تبقية إمالة فتحة الهمزة في قراءة حمزة رأى
القمر.
وزعم أبو الحسن أنّ ذلك لغة مع ما ذكرنا من وجوه المقاييس
فيه، وأنّها قراءة: في القتلى الحر.
[الانعام: 80]
واختلفوا «3» في تشديد النون وتخفيفها من قوله تعالى:
أتحاجوني في الله [الأنعام/ 80] وتأمروني [الزمر/ 64].
__________
(1) في (ط): وإن كان النون قد حذف.
(2) سبق في 1/ 386.
(3) في (ط): اختلفوا.
(3/332)
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وحمزة
والكسائيّ:
أتحاجوني، وتأمروني مشدّدتين. وقرأ نافع وابن عامر
مخفّفتين «1».
لا نظر في قول من شدّد.
فأمّا وجه التخفيف: فإنّهما حذفا النون الثانية لالتقاء
النونين، والتضعيف يكره، فيتوصّل إلى إزالته تارة بالحذف
نحو:
«علماء بنو فلان» وتارة بالإبدال نحو «2»:
لا أملاه حتّى يفارقا ونحو: «ديوان وقيراط» فحذفا «3»
الثانية من المثلين كراهة التضعيف، ولا يجوز أن يكون
المحذوف: النون «4» الأولى لأنّ الاستثقال يقع بالتكرير في
الأمر الأعمّ، والأولى «5» أيضا فيها أنّها دلالة الإعراب،
وإنّما حذفت الثانية كما حذفتها من ليتي في قوله «6»:
.. إذ قال ليتي ... أصادفه وأفقد بعض مالي
__________
(1) السبعة ص 261.
(2) بعض بيت تمامه:
فآليت لا أشريه حتى يملني ... بشيء ولا أملاه حتى يفارقا
سبق في 1/ 208.
(3) في (ط): فحذفوا.
(4) سقطت من (ط).
(5) في (ط): وفي الأولى.
(6) قائل البيت- زيد الخيل الذي سمّاه النبي صلى الله عليه
وسلم، زيد الخير وتمام البيت.
كمنية جابر إذ قال ليتي ... أصادفه وأفقد بعض مالي
انظر سيبويه 1/ 386 حاشية الصبان 1/ 123. الخزانة 2/ 446.
(3/333)
وكقوله «1»:
تراه كالثّغام يعلّ مسكا ... يسوء الفاليات إذا فليني
فالمحذوفة المصاحبة للياء ليسلم سكون لام الفعل وما يجري
مجراها أو حركتها، ولا يجوز أن تكون المحذوفة الأولى،
فيبقى الفعل بلا فاعل «2»، كما لا تحذف الأولى في
أتحاجوني، لأنّها «3» الإعراب، ويدلّك على أنّ المحذوف
الثانية أنّها قد حذفت مع الجارّ أيضا في نحو قوله «4».
قدني من نصر الخبيبي قدي وقد جاء حذف هذه النون في كلامهم
قال «5»:
أبالموت الّذي لا بدّ أنّي ... ملاق لا أباك تخوّفيني
__________
(1) البيت لعمرو بن معد يكرب.
في شرح أبيات المغني 7/ 297 فانظر تخريجه هناك.
(2) عبارة (ط) هنا: ولا يجوز أن يكون الأولى، لأن الفعل
يبقى بلا فاعل.
(3) في (ط) لأنه.
(4) شطر من الرجز لحميد بن مالك الأرقط وبعده:
ليس الإمام بالشحيح الملحد وهو من شواهد سيبويه 1/ 387
والخزانة 2/ 449، وشرح أبيات المغني 4/ 83 وقد استوفينا
فيه تخريجه.
ومعنى قدني: حسبي- وأراد بالخبيبين: خبيب بن عبد الله بن
الزبير وأباه عبد الله.
(5) البيت لأبي حية النميري. في الكامل 487 - 953 والمقتضب
4/ 375 وأمالي ابن الشجري 1/ 362 وابن يعيش 2/ 105
والخصائص 1/ 345
(3/334)
وزعموا أنّ المفضّل أنشد «1»:
تذكرونا إذ نقاتلكم ... إذ لا يضرّ معدما
«2» عدمه وزعم بعض البصريين في حذف هذه النون أنّها لغة
لغطفان. وحكى سيبويه هذه القراءة، فزعم أنّ بعض القراء،
قرأ أتحاجوني واستشهد بها في حذف النونات لكراهة التضعيف
«3».
قرأ الكسائيّ وحده «4» هداني* [الأنعام/ 80] بإمالة
الدّال.
وقرأ الباقون بالفتح «5».
الإمالة في هداني* حسنة لأنّه من هدى يهدي، فهو من الياء،
وإذا كانوا قد أمالوا نحو: غزا، ودعا، لأنّه قد يصير إلى
الياء في: غزي، ودعي «6» فلا إشكال في حسنها، فيما كان
الأصل فيه الياء.
[الانعام: 83]
اختلفوا في الإضافة والتنوين من قوله تعالى «7»: نرفع
درجات من نشاء [الأنعام/ 83].
__________
والخزانة 2/ 118 والتصريح 2/ 26 واللسان مادة (أبى) والهمع
1/ 145 والدرر 1/ 125 والبيت ينسب للأعشى وليس في ديوانه.
(1) البيت لطرفة بن العبد في ديوانه ص 76 وفيه: «تذكرون»
بدل «تذكرونا».
وقوله: تذكرون أراد: أتذكرون، وقوله: لا يضر معدما عدمه،
أي: يقاتلكم الغني منا ليدفع عن ماله، ويقاتلكم الفقير
المعدم منا ليغنم.
(2) في (ط): «عادما».
(3) انظر الكتاب 2/ 154 باب أحوال الحروف التي قبل النون
الخفيفة والثقيلة.
(4) سقطت من (ط).
(5) السبعة ص 261.
(6) زادت (ط) هنا: في هذا المكان.
(7) في (ط): عز وجل.
(3/335)
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر
نرفع درجات من نشاء بالنون «1» مضافا، وكذلك في سورة يوسف
الآية/ 76].
وقرأ عاصم وحمزة والكسائيّ: درجات من نشاء منونا، وكذلك في
يوسف «2».
قوله: ورفع بعضهم درجات [البقرة/ 253] يدلّ على قراءة من
نوّن، ألا ترى أنّه في ذكر الرّسل قال: تلك الرسل فضلنا
بعضهم على بعض منهم من كلم الله، ورفع بعضهم درجات
[البقرة/ 253].
فأمّا قوله تعالى: ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم
بعضا سخريا [الزخرف/ 32] فإنّه في الرّتب وارتفاع الأحوال
في الدنيا واتضاعها. يدلّك على ذلك قوله: نحن قسمنا بينهم
معيشتهم في الحياة الدنيا [الزخرف/ 32].
ويقوّي قراءة من أضاف، قوله: تلك الرسل فضلنا بعضهم على
بعض، فمن فضّل على غيره فقد رفعت درجته عليه، فقوله: فضلنا
بمنزلة قولك «3» رفعنا درجته.
__________
(1) في (ط) تقديم للنون على درجات.
(2) السبعة ص 261 - 262.
(3) كذا في (ط) وسقطت من (م).
(3/336)
[الانعام: 86]
اختلفوا في زيادة اللّام ونقصانها في قوله تعالى «1»:
واليسع [الأنعام/ 86].
فقرأ ابن كثير ونافع وعاصم وأبو عمرو وابن عامر بلام
واحدة.
وقرأ حمزة والكسائيّ: والليسع بلامين وفي «صاد» مثله «2».
[قال أبو علي]: «3» اعلم أن لام المعرفة تدخل الأسماء على
ضربين: أحدهما للتعريف، والآخر زيادة زيدت، كما تزاد
الحروف، فلا تدلّ على المعاني التي تدلّ عليها إذا لم تكن
زائدة.
والتعريف الذي يحدث بها على ضروب: منها: أن يكون إشارة إلى
معهود بينك وبين المخاطب نحو: الرجل والغلام، إذا أردت بها
رجلا وغلاما عرفتماه بعهد كان بينكما.
والآخر أن يكون إشارة إلى ما في نفوس الناس من علمهم
للجنس، فهذا الضرب، وإن كان معرفة، كالأول، فهو مخالف له
من حيث كان الأول قد علمه حسا، وهذا لم يعلمه كذلك، إنّما
يعلمه معقولا.
فأمّا نحو: مررت بهذا الرجل، فإنّما أشير به إلى الشاهد
الحاضر لا إلى غائب معلوم «4» بعهد، ألا ترى أنّك تقول ذلك
فيما
__________
(1) في (ط): عزّ وجل.
(2) السبعة 262.
(3) سقطت من (ط).
(4) في (ط): الغائب المعلوم.
(3/337)
لا عهد «1» فيه بينك وبين مخاطبك. وممّا
يدلّ على ذلك قولك «2» في النداء، يا أيّها الرجل، فتشير
به إلى المخاطب الحاضر، وهما يجريان مجرى الاسم الواحد،
كما أنّ ماذا من قوله تعالى: ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا
[النحل/ 30]، يجريان مجرى الاسم الواحد، فلا يجوز أن يكون
الاسم معرّفا بتعريفين مختلفين أحدهما حاضر والآخر غائب.
ويدلّك على أنّهما يجريان مجرى الاسم الواحد أنّه لا يوصف
بالمضاف نحو: مررت بهذا ذي المال، ولا يوصف بالأسماء
المفردة، إذا ثنّيت، فلا يجوز مررت بهذين، الطويل والقصير،
كما تقول: مررت بالرجلين القائم والقاعد، وذلك أنّه قد صار
مع الأول كالشيء الواحد، ويبيّن ذلك من جهة المعنى، وهو
«3» أنّك تستفيد بهما ما تستفيد «4» من الاسم المفرد من
معنى الجنس.
فأمّا الأسماء الأعلام، فلا تدخل عليها الألف واللام، وذلك
«5» أنّ تعليقها على من تعلّق عليه، وتخصيصه بها يغني عن
الألف واللام، وذلك نحو التسمية: بجدار، وحمار، وثور،
وأسد، وكلب، وزيد، وزياد، وبشر، وحمد.
__________
(1) سقطت من (م).
(2) سقطت من (ط).
(3) سقطت من (ط).
(4) في (ط): تستفيده.
(5) في (ط): وذاك.
(3/338)
فأمّا نحو العبّاس، والحارث، والقاسم،
والحسن، فإنّما دخلت الألف واللام فيها على تنزيل أنّها
صفات جارية على موصوفين، وهذا يعني الخليل بقوله: جعلوه
الشيء بعينه، فإن لم ينزّل هذا التنزيل، لم يلحقوها «1»
الألف واللام، فقالوا: حارث وعباس وقاسم وعلى كلا المذهبين
جاء ذلك في كلامهم، قال الفرزدق «2»:
تقعّدهم أعراق حذلم بعد ما ... رجا الهتم إدراك العلى
والمكارم
وقال «3»:
ثلاث مئين للملوك وفى بها ... ردائي وجلّت عن وجوه الأهاتم
__________
(1) في (ط): يلحقوه.
(2) لم نعثر على البيت في ديوانه.
(3) البيت للفرزدق في النقائض 1/ 371 وديوانه 2/ 853 من
قصيدة طويلة يمدح بها سليمان بن عبد الملك ويهجو قيسا
وجريرا، وروايته فيه:
فدى لسيوف من تميم وفى بها ... ردائي وجلّت عن وجوه
الأهاتم
وجاء البيت برواية المصنف في المقتضب 2/ 170، وأمالي ابن
الشجري 2/ 24، 64، وابن يعيش 6/ 21، 23 وشرح الرضي على
الكافية 3/ 302 (ط- الفاتح) والخزانة 3/ 302 والعيني 4/
480. اهـ. والظاهر أن هذه رواية النحاة الذين استشهدوا
بالرواية المذكورة على استعمال «ثلاث مئين» أما رواية
الديوان والنقائض فلا شاهد فيها .. ولكنّ الفارسي هنا
استشهد ببيتي الفرزدق على استعمال: «الهتم، والأهاتم» قال
ابن حبيب شارح المناقضات: قوله:
الأهاتم: يعني الأهتم بن سنان بن خالد بن منقر بن عبيد بن
الحارث بن عمرو بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم»
النقائض 1/ 371 قال البغدادي فعرف أنّ الأهتم ليس لقبا
لسنان بن خالد ولا سنان هو ابن سمي كما تقدّم، ومشى عليه
العيني. انظر الخزانة 3/ 303.
(3/339)
فجعله مرة بمنزلة: أضحاة، وأضاح، ومرّة
بمنزلة أحمر وحمر.
وجمع الأعشى بين الأمرين في بيت وذلك قوله «1»:
أتاني وعيد الحوص من آل جعفر ... فيا عبد عمرو لو نهيت
الأحاوصا
وأنشد الأصمعيّ «2»:
أحوى من العوج وقاح الحافر والعوج نسب إلى أعوج كما أنّ
الحوص نسب إلى أحوص، فإذا حذفت ياءي النسب، جعلتها «3» بعد
التسمية به بمنزلته، وهو صفة لم يسمّ بها، فكسّر الصفة،
وهذا يدلّ على صحّة قول من لم يصرف أحمر، إذا نكّره بعد أن
سمّى به.
فإذا كسّره تكسير الاسم نحو: الأفاكل، والأرامل، قال:
الأحاوص، وعلى هذا القياس تقول: الأعاوج، كما تقول:
الأهاتم، ومثل هذا قولهم: الفرس في جمع فارسي، [حذفت منه
ياءً النسب كما حذفتا] «4» من الأعوجي، وكسّر فاعل «5»،
على فعل. كبازل وبزل، وعائط وعيط، وحائل وحول، وهذا مما
__________
(1) انظر ديوان الأعشى/ 149 الأحاوصا: هم بنو الأحوص.
(2) ذكره اللسان في مادة (عوج) ولم ينسبه، أحوى: أسود،
حافر وقاح:
صلب.
(3) في (ط): ياء النسب، جعلته ..
(4) في (ط): «حذف ياءي النسب كما حذفهما».
(5) في (ط): «وكسّر فاعلا».
(3/340)
يقوّي العوج، ألا ترى أنّه جمعه جمع الصفات
وإن كانت ياءً النسب فيه محذوفتين «1»؟. قال ابن مقبل «2».
طافت به الفرس حتّى بذّ ناهضها فأما قوله «3»:
والتّيم ألأم من يمشي وألأمهم ... ذهل بن تيم بنو السود
المدانيس
فإنّه يحتمل أمرين: يجوز أن يكون بمنزلة العباس، وذلك أن
التيم مصدر، والمصادر قد أجريت مجرى أسماء الفاعلين، ألا
ترى أنّه قد وصف بها كما وصف بأسماء الفاعلين. وجمع جمعها
في نحو: نور ونوّار، وسيل، وسوائل؟ فلمّا كانت مثلها
أجراها مجراها، وعلى هذا قالوا: الفضل، في اسم رجل، كأنّهم
جعلوه الشيء الذي هو خلاف النقص.
والآخر أن يكون تيميّ وتيم، كزنجيّ وزنج، ويهودي،
__________
(1) في (ط): «منه محذوفة. و».
(2) صدر بيت له في ديوانه ص 92 برواية «بها» بدل به.
وعجزه:
عمّ لقحن لقاحا غير مبتسر.
وطافت بها: أي تولتها بالرعاية- وبذّ: غلب- وناهضها،
الناهض: هو الرجل الذي يصعد النخلة ليلقحها- ونخل عمّ: أي
طويل، والمبتسر: من لقح النخلة قبل أوان التلقيح. انظر
اللسان (بسر- فرس) والجمهرة 1/ 255.
(3) البيت لجرير من قصيدة له في ديوانه 2/ 131 يهجو فيها
التيم وروايته في الديوان: «أولاد ذهل» بدل «ذهل بن تيم».
(3/341)
ويهود، وفي التنزيل وقالت اليهود [البقرة/
113]، واليهود إنّما هو جمع يهوديّ، ولو لم يكن جمعا لم
تدخل اللام، لأنّ يهود جرت عندهم اسما للقبيلة، فصارت
بمنزلة مجوس عندهم. أنشدنا علي بن سليمان «1»:
فرّت يهود وأسلمت جيرانها ... صمّي لما فعلت يهود صمام
وفي حديث القسامة: «تقسم يهود .. » «2».
ومن الصفات الغالبة التي تجري مجرى، الحارث والقاسم قولهم:
النابغة، فالنابغة له اسم يجري مجرى الأعلام، وغلب عليه
هذا الوصف، كما أنّ الحارث ونحوه قد نزل تنزيل من له اسم
__________
(1) البيت للأسود بن يعفر (اللسان: صمم). وصمّي صمام: يضرب
للرجل يأتي الداهية أي: احترسي يا صمام.
(2) حديث القسامة هذا أخرجه مسلم برقم (1669) والإمام أحمد
4/ 2 من حديث سهل بن أبي حثمة، ومن حديثه في مسلم وحديث
رافع بن خديج وبشير بن يسار. والحديث عند أبي داود 4/ 655
برقم (4520 - 4521) وسبب هذا الحديث أنّ عبد الله بن سهل
بن زيد وجد مقتولا في خيبر، فاتهموا اليهود في قتله، فجاء
أخوه عبد الرحمن وابنا عمّه حويّصة ومحيّصة إلى النبي صلى
الله عليه وسلم ... فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
«يقسم خمسون منكم على رجل منهم فيدفع برمته»؟ قالوا: أمر
لم نشهده، كيف نحلف؟ قال: «فتبرئكم يهود بأيمان خمسين
منهم»؟ قالوا يا رسول الله! قوم كفار! قال: «فوداه رسول
الله صلى الله عليه وسلم من قبله» اهـ ملخصا من مسلم.
ويلاحظ أن الحديث جاء على لفظ «فتحلف لكم يهود» و «فتبرئكم
يهود» ولا ضير في ذلك فإن الحلف والقسم شيء واحد، ويبقى
موطن الاستشهاد بكلمة «يهود» هو المراد.
(3/342)
علم فغلب عليه هذا الوصف، فجرى هذا الوصف
الغالب مجرى العلم، وسدّ مسدّه، حتى صار يعرف به كما يعرف
بالعلم، فلمّا سدّ مسدّه وكفى منه أجراه مجرى العلم نحو:
جعفر وثور فقال «1»:
ونابغة الجعديّ بالرّمل بيته ..........
ومن ذلك قولهم في اسم اليوم: الاثنان، لما جرى مجرى العلم،
استجيز حذف اللام فيه «2» كما استجازوا حذف اللّام من
النابغة، وذلك فيما حكاه سيبويه «3» من قولهم: هذا يوم
اثنين مباركا فيه.
فأمّا قولهم الغدوة والفينة، فدخول لام التعريف فيهما «4»
على وجه آخر وهو: أن غدوة، وفينة كانا معرفتين، كما تكون
الأسماء التي للألقاب معارف، فأزيل هذا التعريف عنهما ...
كما أزيل التعريف عن الاسم الموضوع وضع الأعلام، وذلك في
أحد تأويلي سيبويه في قولهم: هذا ابن عرس مقبل، فلما أزيل
هذا
__________
(1) صدر بيت للشاعر مسكين الدارمي وعجزه:
عليه تراب من صفيح موضّع وجاءت روايته في الخزانة: «عليه
صفيح من رخام موضع» وأراد بالرمل: رمل بني جعدة وهي رمال
ذراء من طريق البصرة إلى مكة. انظر الخزانة 2/ 117 -
سيبويه 2/ 24. اللسان: مادة «نبغ».
(2) في (ط): منه.
(3) في الكتاب 2/ 48.
(4) في (ط): فيه.
(3/343)
التعريف عنهما عرّفا «1» بالألف واللام،
فقرأ من قرأ بالغدوة [على هذا] «2».
وحكى أبو زيد: لقيته فينة، والفينة بعد الفينة.
ومثل إزالة هذا الضرب من التعريف عن هذه الأسماء إزالتهم
إياه في قولهم: أمّا البصرة فلا بصرة لك، وأمّا خراسان فلا
خراسان لك: وعلى هذا قوله:
ولا أميّة بالبلاد «3» و «قضيّة ولا أبا حسن» «4».
ومثل هذا زوال تعريف العلم عن «5» الأعلام المثنّاة
__________
(1) في (ط): عنه، عرف.
(2) سقطت من (ط).
(3) جزء من بيت لابن الزّبير الأسدي، وتمامه:
أرى الحاجات عند أبي خبيب ... نكدن ...
في سيبويه 1/ 355 والمقتضب 4/ 362 وأمالي ابن الشجري 1/
239 وشرح المفصل لابن يعيش 2/ 102 والخزانة 2/ 100 ونقل
صاحب الخزانة في 2/ 451 عن ابن المستوفي في شرح أبيات
المفصل نسبة البيت لفضالة بن شريك والد عبد الله.
وفي الأغاني 10/ 66 نسبه إلى عبد الله بن فضالة بن شريك في
قصة وفوده على عبد الله بن الزبير. ثمّ نقل عن ابن حبيب في
ص 69 - 70 أن الشعر وقصته كانت مع فضالة وابن الزبير لا مع
ابنه، وقد ذكر ذلك البغدادي في الخزانة أيضا 2/ 100 - 102.
قال ابن يعيش في شرح المفصل 2/ 103.
وابن الزبير هو عبد الله بن زبير بن فضالة بن شريك الوالي،
من أسد خزيمة.
اهـ والزبير: بوزان أمير، هو المذكور، وعبد الله بن الزبير
بن العوام: بضم الزاي. انظر القاموس المحيط (زبر).
(4) يراد بأبي الحسن علي بن أبي طالب رضي الله عنه كما في
سيبويه 1/ 355 والمعنى: لا أمثال عليّ لهذه القضية.
(5) في (ط): من.
(3/344)
والمجموعة نحو: الجعفران والعمران، فزال
تعريف العلم عن الجعفرين، كما زال تعريف العدل عن العمرين،
والقثمين، ولو لم يزل لم يجز دخول لام المعرفة عليه، كما
لم يجز دخولها قبل التثنية، ولا تدخل لام المعرفة على
المعدول.
واستدلّ أبو عثمان على أنّ الثلاثاء والأربعاء غير معدولين
بدخول لام المعرفة عليهما، وقال: المعدول لا تدخل عليه
الألف واللام، فأمّا أبانان، وعرفات فلم تدخلهما اللّام
لأنّ التسمية وقعت بالجمع والتثنية، كما وقعت بالمفرد، فلم
تدخل اللّام، كما لم تدخل على المفرد.
فأمّا الألف واللّام في اليسع، فلا يخلو من أن تكون على
حدّ الرجل إذا أردت المعهود أو الجنس نحو: إن الإنسان لفي
خسر [العصر/ 2]، أو على حدّ دخولها في العباس، فلا يجوز أن
يكون على واحد من ذلك، ولا يجوز أن يكون على حدّ العبّاس،
لأنّه لو كان كذلك كان صفة، كما أنّ العباس كذلك، ولو كان
كذلك لوجب أن يكون فعلا، ولو كان فعلا: لوجب أن يلزمه
الفاعل، ولو لزمه الفاعل لوجب أن يحكى من حيث كان جملة،
ولو كان كذلك لم يجز لحاق اللّام له، ألا ترى أنّ اللّام
لا تدخل على الفعل؟ وليس بإشارة كقولك: هذا الرجل، فإذا لم
يجز فيه شيء من ذلك ثبت أنّه زيادة، ومثل ذلك فيما جاءت
اللّام فيه زائدة قول الشاعر: «1»
__________
(1) البيتان مع ثالث لهما في الإنصاف ص 318، وأنشدها في
اللسان (أبل) ونسبها لابن عبد الجن، وهو تحريف «عبد الحق»
لأنّه نسب البيت الأوّل في مادة (مور) لعبد الحق، والبيت
الثالث وهو قوله:
(3/345)
أما ودماء لا تزال كأنّها ... على قنّة
العزّى وبالنسر عند ما
وما سبّح الرهبان في كل بيعة ... أبيل الأبيلين المسيح بن
مريما
فتعلم زيادة اللّام فيه بما في التنزيل من قوله: ولا يغوث
ويعوق ونسرا [نوح/ 23] فأمّا انتصاب عندم في البيت فيأخذ
شيئين: أحدهما بما «1» في كأنّ من معنى الفعل والآخر أن
تجعل «على قنّة العزّى» مستقرا، فيكون الحال عنه، فإن نصبت
بالأول:
فذو الحال الضمير الذي في كأنها ... ، وإن نصبته عن
المستقرّ،
فذو الحال الذكر الّذي في المستقرّ، والمعنى على حذف
المضاف، كأنّه مثل. عندم، فحذف «2». ومثل ذاك ما أنشده
محمد بن السّريّ للمرّار الفقعسي «3»:
إذا نهلت بسفرتها وعلّت ... ذنوبا مثل لون الزّعفران
المعنى: ماء ذنوب مثل لون الزعفران، ولو جعلت العندم هو
الدم لموافقته إياه في اللون لكان مذهبا، ولو رفعت مثل لون
__________
لقد ذاق منّا عامر يوم لعلع ... حساما إذا ما هزّ بالكف
صمّما
نسبه لحميد بن ثور في مادة (لعع) وليس في ديوانه، وذكره
الميمني في زيادة ديوانه ص 31 عن اللسان وفي أمالي ابن
الشجري 1/ 154 الشطر الثاني من البيت الأول.
والعندم: قيل دم الأخوين وقيل غير ذلك.
(1) في (ط): «ما».
(2) في (ط): فحذفت.
(3) هو المرار بن سعيد بن حبيب بن خالد بن فقعس- شاعر
إسلامي كثير الشعر انظر معجم الشعراء للمرزباني/ 337.
(3/346)
الزعفران جاز، ويكون «1» التقدير: ذنوبا
لونه مثل لون الزعفران، فحذفت المبتدأ، والجملة في موضع
نصب، ومثل ذلك قوله «2»:
وهي تنوش الحوض نوشا من علا المعنى على ماء الحوض، ألا ترى
أنّها تتناول ماءه لا نفس الحوض؟
ومثل ذلك قول الآخر «3»:
لا عيش إلّا كلّ حمراء غفل ... تناول الحوض إذا الحوض شغل
ومما جاءت اللام فيه زيادة ما أنشده أبو عثمان «4»:
باعد أمّ العمر من أسيرها وأنشد أحمد بن يحيى:
__________
(1) في (ط): جاز على أن يكون.
(2) بيت من مشطور الرجز نسبه فى اللسان إلى غيلان بن حريث
وبعده:
نوشا به تقطع أجواز الفلا وقد ذكره سيبويه ولم ينسبه-
وتنوش الحوض: تتناول ملأه- يريد أن الإبل عالية الأجسام
طوال الأعناق- وذلك النوش الذي تناله هو الذي يعينها على
قطع الفلوات.
انظر اللسان مادة/ نوش/- سيبويه 2/ 123 - الخزانة 4/ 125 -
261.
(3) ذكره اللسان في مادة/ غفل/ ولم ينسبه.
(4) شطر بيت لأبي النجم العجلي وبعده:
حراس أبواب على قصورها انظر المقتضب 4/ 49 وشرح شواهد
المغني للبغدادي 1/ 302 وانظر تخريجه هناك. 60.
(3/347)
يا ليت أمّ العمر كانت صاحبي ... مكان من
أنشا على الرّكائب
«1» فأما قوله: «2»
ولقد جنيتك أكمؤا وعساقلا ... ولقد نهيتك عن بنات الأوبر
فإنّه يحتمل أمرين: يجوز أن يكون قد اعتقب عليه تعريفان،
كما اعتقب على غدوة، والغدوة، واثنين والاثنين، من قولهم:
اليوم يوم الاثنين، فيكون التعريف الذي وضع له في أول أمره
في تقدير الزوال عنه، كما قدّر سيبويه ذلك في أحد تأويلية
في قولك «3»: هذا ابن عرس مقبل «4».
وممّا جاء فيه الألف «5» واللام زائدة قولهم: الخمسة العشر
درهما، حكاه أبو الحسن الأخفش. ألا ترى أنّهما اسم واحد،
ولا يجوز أن يعرّف «6» اسم واحد بتعريفين، كما لا يجوز أن
يتعرّف بعض الاسم دون بعض، فإذا كان كذلك، علمت
__________
(1) رجز غير منسوب وقد ذكر في شرح المفصل 1/ 44 والإنصاف
11/ 316 برواية «أشتى» بدل «أنشا» وفي المخصص 1/ 168
والمنصف 3/ 134 كلاهما عن أبي علي.
(2) البيت غير منسوب وهو من شواهد المغني- انظر شرح أبياته
للبغدادي 1/ 310 وابن عقيل 1/ 156 - والعيني 1/ 498 -
ومجالس ثعلب 556 - الإنصاف 1/ 319 الصبان 1/ 182 - واللسان
مادة (وبر).
(3) في (ط): قولهم.
(4) انظر سيبويه 1/ 265.
(5) سقطت (الألف) من (ط).
(6) في (ط): يتعرف.
(3/348)
زيادة اللام في الخمسة العشر درهما، ويذهب
أبو الحسن في اللات في قوله: أفرأيتم اللات والعزى [النجم/
19]، إلى أنّ اللام في اللات زائدة، وذلك صحيح لأنّ اللات
معرفة. أما «1» العزى فبمنزلة العبّاس، فإذا كانت اللات
معرفة ولم تكن بمنزلة العباس، ثبت أن اللام فيها زائدة،
وقياس قول أبي الحسن هذا أن تكون اللام في اليسع* أيضا
زائدة، لأنه علم مثل اللات وليس بصفة كما أن اللات ليست
بصفة.
فإن قلت: فلم لا تكون اللات صفة، ويكون مأخوذا من: لوى «2»
على الشيء: إذا عطف عليه، ومن قول الشاعر «3»:
........ فإنّني ... ألوي عليك لو انّ لبّك يهتدي
ويؤكد هذا قوله «4»: واصبروا على آلهتكم [ص/ 6]
__________
(1) في (ط): فأما.
(2) في (ط): لوى به.
(3) جزء من بيت لابن أحمر، وتمامه:
عمّرتك الله الجليل فإنني ... ألوي عليك لو انّ لبّك يهتدي
قوله: عمرتك الله: ذكرتك به، وجوابه في بيت بعده.
انظر سيبويه 1/ 163. المقتضب 2/ 329 المنصف 3/ 132 أمالي
ابن الشجري 1/ 349.
(4) في (ط): قولهم.
(3/349)
فهذا من العطف عليها والتمسّك بعبادتها،
فإن ذلك لا تقوله، ألا ترى أنه يلزم أن يكون قد وصفت باسم
على حرفين ثالثه تاء «1» التأنيث، وهذا مما لم نعلمه جاء
في الصفات، فإذا كان كذلك وجب أن يكون مطّرحا.
ومما جاءت اللام فيه زائدة ما أنشده بعض البغداديّين:
وجدنا الوليد بن اليزيد مباركا ... شديدا بأحناء الخلافة
كاهله
«2» فأمّا قول من قال: الليسع، فإنه تكون اللام فيه على
حدّ ما «3» في الحارث ألا ترى أنه على وزن الصفات؟ فهو
كالحارث، إلّا أنه، وإن كان كذلك، فليس له مزيّة على القول
الآخر، ألا ترى أنّه لم يجيء في الأسماء الأعجميّة
المنقولة في حال التعريف، نحو: إسماعيل وإبراهيم شيء على
هذا النحو، كما لم يجيء فيها شيء فيه لام التعريف؟
فإذا كان كذلك، كان الليسع بمنزلة: اليسع في أنّه خارج عما
كان «4» عليه الأسماء الأعجمية المختصة المعربة.
[الانعام: 90]
اختلفوا في إثبات الهاء في [قوله تعالى]: «5» اقتده
[الأنعام/ 90] في الوصل، فقرأ ابن كثير
__________
(1) في (م): ياء، وهو تصحيف.
(2) البيت لابن ميادة انظر شرح أبيات المغني 1/ 304 -
الخزانة 1/ 323.
الإنصاف/ 317 وفيها وفي (ط) بأعباء الخلافة.
(3) في (ط): حدّها.
(4) سقطت من (ط).
(5) سقطت من (ط).
(3/350)
وأهل مكّة ونافع وأبو عمرو وأهل المدينة
وعاصم: فبهداهم اقتده قل، يثبتون الهاء في الوصل ساكنة.
وقرأ حمزة والكسائيّ: فبهداهم اقتد قل بغير هاء في الوصل،
ويقفان بالهاء.
وقرأ عبد الله بن عامر: فبهداهم اقتده، قل يكسر الدال،
ويشمّ الهاء الكسر من غير بلوغ ياء. وهذا غلط، لأن هذه «1»
الهاء هاء وقف لا تعرب في حال من الأحوال، وإنّما تدخل
لتبيّن «2» بها حركة ما قبلها «3».
قال أبو علي: الوجه: الوقف «4» على الهاء لاجتماع الكثرة،
والجمهور على إثباته، ولا ينبغي أن يوصل، والهاء ثابتة،
لأن هذه الهاء في السكت بمنزلة همزة الوصل في الابتداء، في
أنّ الهاء للوقف، كما أنّ همزة الوصل للابتداء بالساكن،
وكما لا تثبت الهمزة في الوصل «5»، كذلك ينبغي أن لا تثبت
الهاء.
قال أبو الحسن: وكذلك قوله: قل هو الله أحد [الإخلاص/ 1]،
ولتركبن طبقا عن طبق [الانشقاق/ 19]، وكلا لينبذن في
الحطمة [الهمزة/ 4]. يسكتون عنده
__________
(1) سقطت من (ط).
(2) في (ط): ليبيّن.
(3) السبعة 262.
(4) في (ط): فالوجه الوقوف.
(5) في (ط): الصلة.
(3/351)
أجمع، وقوله: الذي جمع مالا وعدده [الهمزة/
2]. هكذا تكلّم به العرب على الوقف.
قال: وكان أبو عمرو يقرأ: قل هو الله أحد «1» الله
[الإخلاص/ 1] على السكون «2». وقول حمزة والكسائيّ القياس
«3»، وفي ترك قول الأكثر ضرب من الاستيحاش، وإن كان الصواب
والقياس ما قرآ به «4».
وقراءة «5» ابن عامر بكسر الدال وإشمام الهاء الكسرة «6»
من غير بلوغ ياء ليس بغلط، ووجهها: أن تجعل الهاء كناية عن
المصدر لا التي تلحق للوقف، وحسن إضماره لذكر الفعل
الدّالّ عليه «7». ومثل ذلك قول الشاعر: «8»
فجال على وحشيّه وتخاله ... على ظهره سبّا جديدا يمانيا
كأنه قال: تخاله خيلانا على ظهره سبّا جديدا يمانيا.
__________
(1) وقفت (م) عند أحد.
(2) في (م): السكوت.
(3) سقطت كلمة (القياس) من (م).
(4) سقطت «به» من (م).
(5) في (م): وقرأه.
(6) في (ط): الكسر.
(7) سقطت عليه من (م).
(8) وهو العبدي، والسّب: الثوب الرقيق انظر شرح المفصل
لابن يعيش 1/ 124.
(3/352)
فعلى متعلّق بمحذوف، وعلى هذا قول الشاعر
«1»:
هذا سراقة للقرآن يدرسه ... والمرء عند الرّشا إن يلقها
ذيب
فالهاء كناية عن المصدر، ودلّ يدرسه على الدرس، ولا يجوز
أن يكون ضمير «2» القرآن لأنّ الفعل قد تعدّى إليه باللام،
فلا يجوز أن يتعدى إليه وإلى ضميره، كما أنّك إذا قلت:
أزيدا ضربته، لم تنصب زيدا بضربت لتعديه إلى ضميره «3».
ومثل ذلك ما حكاه أبو الحسن من قراءة بعضهم: ولكل وجهة هو
موليها [البقرة/ 148]، فاللام متعلّقة «4» بمولّ على هذه
القراءة «5».
والهاء كناية عن التولية، ودلّ عليه «6» قوله: مول فعلى
هذا أيضا قراءة ابن عامر: فبهداهم اقتده قل: وقياسه: إذا
وقف عليه أن يقول: اقتده فيسكن هاء الضمير، كما تقول:
اشتره، في الوقف. وفي الوصل: اشترهي يا هذا، واشترهو «7»
قبل.
__________
(1) سبق في 2/ 241.
(2) ضبطها في (م) بالضم، أي: ضمير.
(3) في (ط): الضمير.
(4) سبقت القراءة في 2/ 240.
(5) في (ط): متعلق.
(6) في (ط): عليها.
(7) في (ط): أو اشترهو.
الحجة ج 3 م/ 32
(3/353)
[الانعام: 91]
اختلفوا في التّوحيد والجمع من قوله جلّ وعزّ:
وأزواجهم وذرياتهم [غافر/ 8] في غير هذا الموضع. ولم
يختلفوا في هذا الموضع [أنه بالجمع] «1».
قد قلنا فيما تقدم في الذرية، وأنه يكون واحدا وجمعا،
فيغني ذلك عن الإعادة هنا. فأما قوله «2»: أزواجهم*
فواحدها زوج، وهو الأكثر «3»، ولغة التنزيل قال: اسكن أنت
وزوجك الجنة [البقرة/ 35]، وإن هذا عدو لك ولزوجك [طه/
117] وقد قالوا: زوجة، قال «4»:
فبكى بناتي شجوهنّ وزوجتي
[الانعام: 91]
واختلفوا في التاء والياء من قوله جلّ وعزّ: تجعلونه
قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا [الأنعام/ 91].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: يجعلونه قراطيس يبدونها، ويخفون
كثيرا بالياء جميعا.
__________
(1) ما بين معقوفين زيادة من السبعة ص 262 والملاحظ أن
المصنف استشهد هنا بآية غافر، بدلا من آية الأنعام رقم 87:
ومن آبائهم وذرياتهم التي يأتي ترتيبها في هذا المكان.
(2) في (ط): قولهم.
(3) في (ط): أكثر.
(4) صدر بيت لعبدة بن الطبيب وعجزه:
والطامعون إليّ ثم تصدّعوا انظر النوادر لأبي زيد/ 23 -
الخصائص 3/ 295 والمفضليات/ 148.
(3/354)
وقرأ نافع وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائيّ
كلّ ذلك بالتاء «1».
من قرأ بالياء فلأنّهم غيب، يدلّك على ذلك قوله: وما قدروا
الله حق قدره، إذ قالوا، وقوله «2»: من أنزل الكتاب ...
يجعلونه [الأنعام/ 91] فيحمله على الغيبة، لأنّ ما قبله
كذلك أيضا.
ومن قرأ بالتاء فعلى الخطاب، قل لهم: تجعلونه قراطيس
تبدونها وتخفون كثيرا.
ومعنى: تجعلونه قراطيس: تجعلونه ذوات «3» قراطيس أي:
تودعونه إياها، وتخفون أي: تكتمونه كما قال: إن الذين
يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى [البقرة/ 159].
وقوله تبدونها وتخفون كثيرا يحتمل موضعه ضربين:
أحدهما: أن يكون صفة للقراطيس، لأن النكرة توصف بالجمل.
والآخر: أن تجعله حالا من ضمير الكتاب في قوله:
يجعلونه على أن تجعل الكتاب القراطيس في المعنى، لأنه
مكتتب فيها.
ويؤكد قراءة من قرأ بالتاء قوله: وعلمتم ما لم تعلموا أنتم
[الأنعام/ 91]،
__________
(1) السبعة: 263.
(2) في (ط): «قل» بدل: «وقوله» وهي موهمة أنها من الآية
نفسها وليست كذلك، بل المراد بها التفسير والتقدير.
(3) في (ط): ذا قراطيس.
(3/355)
فجاء على الخطاب، وكذلك «1» يكون ما قبله
من قوله: تجعلونه قراطيس تبدونها.
[الانعام: 92]
واختلفوا في الياء والتاء في قوله: ولتنذر أم القرى
[الأنعام/ 92].
فقرأ عاصم وحده في رواية أبي بكر: ولينذر أم القرى بالياء.
وقرأ الباقون: ولتنذر أم القرى بالتاء، وكذلك روى حفص عن
عاصم بالتاء أيضا «2».
وجه من قرأ «3» بالتاء قوله: إنما أنت منذر [الرعد/ 7]،
وإنما أنت منذر من يخشاها [النازعات/ 45]، وو أنذر به
الذين يخافون [الأنعام/ 51].
ومن قرأ بالياء جعل الكتاب هو المنذر، لأن فيه إنذارا، ألا
ترى أنه قد خوّف به في نحو «4» قوله: هذا بلاغ للناس
ولينذروا به [إبراهيم/ 52]. وو أنذر به الذين يخافون
[الأنعام/ 51]. و: قل إنما أنذركم بالوحي [الأنبياء/ 45]،
فلا يمتنع أن يسند الإنذار إليه على الاتساع.
[الانعام: 94]
اختلفوا في رفع النّون ونصبها من قوله: عزّ وجل «5»:
__________
(1) في (ط): فكذلك.
(2) السبعة 262.
(3) في ط: وجه قراءة من قرأ.
(4) سقطت من (ط).
(5) زيادة من (ط).
(3/356)
لقد تقطع بينكم [الأنعام/ 94].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم. في رواية أبي بكر، وابن
عامر وحمزة: لقد تقطع بينكم رفعا.
وقرأ نافع والكسائيّ بينكم نصبا. وكذلك روى حفص عن عاصم
بالنّصب أيضا «1».
[قال أبو علي] «2»: البين مصدر بان يبين إذا فارق، قال
«3»:
بان الخليط برامتين فودّعوا ... أو كلّما ظعنوا لبين تجزع
وقال «4» أبو زيد: بان الحيّ بينونة وبينا: إذا ظعنوا،
وتباينوا تباينا: إذا كانوا جمعا «5»، فتفرقوا. قال:
والبين: ما ينتهي إليه بصرك من حائط وغيره «6».
واستعمل هذا الاسم على ضربين: أحدهما أن يكون اسما متصرفا
كالافتراق. والآخر: أن يكون ظرفا. فالمرفوع «7» في
__________
(1) السبعة 263.
(2) سقطت من (م).
(3) البيت لجرير من قصيدة يهجو فيها الفرزدق. وقد ورد في
الديوان برواية:
«رفعوا» بدلا من «ظعنوا» انظر الديوان/ 340.
(4) في (ط): قال.
(5) في (ط): جميعا.
(6) في (ط): أو غيره.
(7) في (ط): والمرفوع.
(3/357)
قراءة من قرأ لقد تقطع بينكم هو «1» الذي
كان ظرفا ثم استعمل اسما.
والدليل على جواز كونه اسما قوله: ومن بيننا وبينك حجاب
[فصلت/ 5]، و: هذا فراق بيني وبينك [الكهف/ 78]، فلما
استعمل اسما في هذه المواضع. جاز أن يسند إليه الفعل الذي
هو تقطع* في قول من رفع. ويدلّ على أن هذا المرفوع هو الذي
استعمل ظرفا أنّه لا يخلو من أن يكون الذي هو ظرف اتسع
فيه، أو يكون الذي هو مصدر، فلا يجوز أن يكون هذا القسم،
لأن التقدير يصير: لقد تقطّع افتراقكم. وهذا، مع بعده عن
القصد، خلاف المعنى المراد، ألا ترى أنّ المراد: لقد تقطّع
وصلكم وما كنتم تتألفون عليه.
فإن قلت: كيف جاز أن يكون بمعنى «2» الوصل، وأصله الافتراق
والتباين، وعلى هذا قالوا:
بان الخليط «3» ....
إذا فارق،
وفي الحديث «4»
«ما بان من الحيّ فهو ميتة».
قيل: إنه لما استعمل مع الشيئين المتلابسين في نحو:
__________
(1) سقطت من (ط).
(2) في (م): المعنى.
(3) انظر الصفحة السابقة.
(4) رواية الحديث، في صحيح البخاري كتاب الذبائح/ 4: (إذا
ضرب صيدا فبان منه يد أو رجل لا تأكل الذي بان، وتأكل
سائره ... ).
ورواه ابن ماجة في- كتاب الصيد برقم/ 3216. وأحمد في
المسند 5/- 218 برواية- «ما قطع من البهيمة وهي حية فهي
ميتة».
(3/358)
بيني وبينه شركة، وبيني وبينه رحم وصداقة،
صارت لاستعمالها في هذه المواضع بمنزلة الوصلة على «1»
خلاف الفرقة، فلهذا جاء: لقد تقطع بينكم بمعنى: لقد تقطّع
وصلكم.
ومثل بين في أنه يجري في الكلام ظرفا، ثم يستعمل اسما:
«وسط» الساكن العين، ألا ترى أنّك تقول: جلست وسط القوم،
فتجعله ظرفا، لا يكون إلّا كذلك، ثم استعملوه اسما في نحو
قول القتّال «2»:
من «3»
وسط جمع بني قريط بعد ما ... هتفت ربيعة يا بني جوّاب
وقال آخر «4»:
أتته بمجلوم كأنّ جبينه ... صلاءة ورس وسطها قد تفلّقا
فجعله مبتدأ وأخبر عنه، كما جرّه الآخر «5» بالحرف الجارّ.
وحكى سيبويه: هو أحمر بين العينين.
فأمّا من قال: لقد تقطع بينكم بالنصب ففيه مذهبان:
__________
(1) في (ط): وعلى.
(2) هو القتال الكلابي وقريط: بطن من كلاب. والبيت في
ديوانه ص 36 والخصائص 2/ 369 وقد سبق في 1/ 251.
(3) في (ط): في.
(4) البيت للفرزدق وقد سبق انظر 1/ 39 و 252.
(5) في (ط): والآخر.
(3/359)
أحدهما: أنه أضمر الفاعل «1» في الفعل ودلّ
عليه مما «2» تقدّم في «3» قوله: وما نرى معكم شفعاءكم
الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء [الأنعام/ 94]، ألا ترى أن
هذا الكلام فيه دلالة على التقاطع والتهاجر؟ وذلك أن «4»
المضمر هو الوصل كأنّه قال: لقد تقطّع وصلكم بينكم.
وقد حكى سيبويه: أنّهم قالوا: إذا كان غدا فائتني، فأضمر
ما كانوا «5» فيه من بلاء أو رخاء، لدلالة الحال عليه،
فصار «6» دلالة الحال عليه بمنزلة جري الذكر وتقدّمه.
والمذهب الآخر: انتصاب البين في «7» قوله: لقد تقطع بينكم
على شيء يقوله «8» أبو الحسن، وهو أنه يذهب إلى أن قوله:
لقد تقطع بينكم إذا نصب يكون معناه معنى المرفوع، فلمّا
جرى في كلامهم منصوبا ظرفا، تركوه على ما يكون عليه في
أكثر الكلام وكذلك يقول في قوله: يوم القيامة يفصل بينكم
[الممتحنة/ 3]، وكذلك يقول في قوله: وإنا منا الصالحون
ومنا دون ذلك [الجن/ 11]، فدون في موضع
__________
(1) في (ط): أضمر الاسم الفاعل.
(2) في (ط): ما تقدم.
(3) في (ط): من.
(4) سقطت من (ط) (أن).
(5) في (ط): ما كان كانوا. «وكأنه ضرب على كان».
(6) في (ط): وصار.
(7) في (ط): من.
(8) في (ط): يراه.
(3/360)
رفع عنده، وإن كان منصوب اللفظ، ألا ترى
أنك تقول: منا الصّالح ومنّا الطّالح فترفع.
[الانعام: 96]
اختلفوا في إدخال الألف وإخراجها من قوله [عز وجل] «1»:
وجاعل الليل سكنا [الأنعام/ 96].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر: وجاعل الليل
سكنا بألف.
وقرأ عاصم وحمزة والكسائيّ: وجعل الليل سكنا بغير ألف «2».
وجه قول من قال: جاعل* أن قبله اسم فاعل: إن الله فالق
الحب والنوى ... فالق الإصباح وجاعل، ليكون فاعل المعطوف
مثل، فاعل المعطوف عليه، ألا ترى أنّ حكم الاسم أن يعطف
على اسم مثله، لأن الاسم بالاسم أشبه من الفعل بالاسم.
وقد رأيتهم راعوا هذه المشاكلة في كلامهم، وذلك نحو ما جاء
في قوله: يدخل من يشاء في رحمته، والظالمين أعد لهم عذابا
أليما [الإنسان/ 31]، وقوله: وكلا ضربنا له الأمثال
[الفرقان/ 39]، وفريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة
[الأعراف/ 30]، نصبوا كلّ هذه الأسماء التي اشتغل عنها
الفعل، ليكون القارئ بنصبها كالعاطف جملة من فعل
__________
(1) سقطت من (م).
(2) السبعة: ص 263.
(3/361)
وفاعل على جملة من فعل وفاعل، وكما أن
الفعل بالفعل أشبه من المبتدأ بالفعل، كذلك الاسم بالاسم
أشبه من الفعل بالاسم، وإذا كان كذلك كان جاعل الليل أولى
من جعل، ويقوي ذلك قولهم «1»:
للبس عباءة وتقرّ عيني «2» ...
وقوله «3»:
ولولا رجال من رزام أعزّة ... وآل سبيع أو أسوءك علقما
ومن قرأ: وجعل فلأن اسم الفاعل الذي قبله بمعنى المضيّ،
فلما كان (فاعل) بمنزلة (فعل) في المعنى عطف عليه فعل
لموافقته إياه «4» في المعنى، ويدلّك على أنه بمنزلة (فعل)
__________
(1) صدر بيت منسوب لميسون بنت بحدل زوج معاوية عجزه:
أحبّ إلي من لبس الشفوف انظر سيبويه 1/ 426 - المقتضب 2/
27 المحتسب 1/ 326 أمالي ابن الشجري 1/ 280 - الخزانة 3/
562 - 621 - وشرح أبيات المغني.
الشاهد رقم/ 422/.
(2) «تقر عيني» سقطت من (م).
(3) البيت للحصين بن الحمام، والشاهد فيه نصب أسوءك بإضمار
أن ليعطف اسم على اسم وهو رجال. وبعد البيت في المفضليات:
لأقسمت لا تنفكّ مني محارب ... على آلة حدباء حتى تندّما
انظر سيبويه 2/ 181 - المحتسب 1/ 326 - المفضليات 66 رقم
المفضلية 12 العيني 4/ 411.
(4) في (ط): له.
(3/362)
أنه نزل منزلته فيما عطف عليه، وهو قوله:
والشمس والقمر حسبانا [الأنعام/ 96] ألا ترى أنه لما كان
المعنى فعل، حمل المعطوف على ذلك، فنصب الشمس والقمر على
فعل كما «1» كان فاعل كفعل. ويقوي ذلك قولهم: هذا معطي زيد
درهما أمس. فالدرهم محمول على أعطى، لأن اسم الفاعل، إذا
كان لما مضى، لم يعمل عمل الفعل، فإنما جعل معط بمنزلة
أعطى فكذلك جعل: فالق الإصباح [الأنعام/ 96] بمنزلة فلق،
لأنّ اسم الفاعل لما مضى، فعطف عليه فعل، لمّا كان بمنزلته
فأما «2» قول الشاعر «3»:
قعودا لدى الأبواب طلّاب حاجة ... عوان من الحاجات أو حاجة
بكرا
فليس يوافق «4» الآية لأنّ طلاب جمع اسم فاعل، الذي يراد
به الحال، وإنّما حذف التنوين مستخفّا، وحمل حاجة على اسم
الفاعل الذي للحال، واسم الفاعل في الآية لما مضى.
__________
(1) في (ط): لما.
(2) في (ط): وأما.
(3) البيت للفرزدق من قصيدة قالها لما أراد زياد أن يخدعه
ليقع في يده- انظر ديوانه 1/ 227، والمقتضب 4/ 152 وفيه
قعود، وطلاب بالرفع. والشاهد في البيت عطف «حاجة بكرا» على
محل «حاجة عوان».
في الأضداد- لابن الأنباري ص 330: حاجة عوان: طلبت مرة بعد
مرة، وأنشد البيت.
(4) في (ط): بوفق.
(3/363)
[الانعام: 98]
اختلفوا في كسر القاف وفتحها من قوله تعالى «1»:
فمستقر [الأنعام/ 98].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: فمستقر بكسر القاف.
وقرأ نافع وابن عامر وعاصم وحمزة والكسائيّ:
فمستقر بفتح القاف «2».
قال سيبويه: قالوا: قرّ في مكانه واستقرّ، كما قالوا:
جلب الجرح وأجلب، يريد بهما «3» شيئا واحدا. فكما بني هذا
على فعلت، بني هذا على استفعلت «4»، فمن كسر القاف كان
المستقرّ بمعنى القارّ.
وإذا كان كذلك وجب أن يكون خبره المضمر منكم، أي: منكم
مستقرّ، كقولك: بعضكم مستقرّ، أي: مستقرّ في الأرحام،
وقال: يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق [الزمر/ 6]،
كما قال: وقد خلقكم أطوارا [نوح/ 14].
ومن فتح مستقر* «5» فليس «6» على أنه مفعول به. ألا ترى
أنّ استقرّ لا يتعدى؟، وإذا لم يتعدّ لم يكن «7» منه اسم
__________
(1) في (ط): عز وجل.
(2) السبعة 263.
(3) في (ط): بهما جميعا شيئا.
(4) سيبويه 2/ 240 باب استفعلت.
(5) سقطت من (ط) مستقر.
(6) سقطت من (م) فليس.
(7) في (ط): يبن.
(3/364)
مفعول به، وإذا لم يكن مفعولا به كان اسم
مكان، فالمستقرّ بمنزلة المقرّ كما أن «1» المستقرّ بمنزلة
القارّ، وإذا كان كذلك لم يجز أن يكون خبره المضمر منكم،
كما جاز ذلك في قول من كسر القاف، فإذا لم يجز ذلك جعلت
الخبر المضمر لكم، فيكون التقدير: لكم مقرّ.
وأما «2» المستودع فإن استودع فعل يتعدى إلى مفعولين،
تقول: استودعت زيدا «3»، وأودعت زيدا ألفا، فاستودع مثل
أودع كما أن استجاب بمنزلة «4» أجاب والمستودع «5» يجوز أن
يكون الإنسان الذي استودع ذلك المكان ويجوز أن يكون المكان
نفسه، فمن قرأ: فمستقر بفتح القاف، جعل المستودع مكانا
ليكون مثل المعطوف عليه، أي: فلكم مكان استقرار ومكان
استيداع.
ومن قرأ: فمستقر فالمعنى: منكم مستقرّ في الأرحام، ومنكم
مستودع في الأصلاب، فالمستودع اسم المفعول به فيكون مثل
«6» المستقرّ في أنه اسم لغير المكان فعلى هذا يوجّه.
__________
(1) في (ط): كان.
(2) في (ط): فأما.
(3) في (ط): زيدا ألفا.
(4) في (ط): مثل.
(5) في (ط): فالمستودع.
(6) في (م): «ليكون مثل» بالوقع.
(3/365)
[الانعام: 141،
99]
واختلفوا في الثاء، والميم من قوله «1»: انظروا إلى ثمره
[الأنعام/ 99]، ومن ثمره [الأنعام/ 141]، و «2» ليأكلوا من
ثمره [يس/ 35]، في الفتح فيها والضم.
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم بالفتح في
ذلك «3» كلّه.
وقرأ حمزة والكسائيّ بالضم في ذلك «4».
وجه قول من فتح فقال: من ثمره:
أن سيبويه «5» يرى: أن الثّمر جمع ثمرة، ونظيره «6» فيما
قال: بقرة وبقر وشجرة وشجر، وجزرة وجزر، ويدل على أن واحد
الثمر ثمرة قوله: ومن ثمرات النخيل والأعناب [النحل/ 67]،
وقد كسّروه على فعال فقالوا ثمار، كما قالوا:
أكمة وإكام، وجذبة وجذاب «7»، ورقبة ورقاب.
وأما قول حمزة والكسائيّ: من ثمره*، فإنه يحتمل وجهين:
الأبين أن يكون جمع ثمرة على ثمر، كما جمعوا «8»
__________
(1) في (ط): قوله عز وجل.
(2) سقطت من (ط).
(3) سقطت من (ط).
(4) في (ط): كلّ القرآن. وانتهى نقله عن السبعة ص 263 -
264 باختصار يسير.
(5) انظر الكتاب 2/ 183.
(6) في (ط): فنظيره.
(7) الجذبة: جمارة النخل.
(8) في (ط): جمع.
(3/366)
خشبة على خشب في قوله «1»: كأنهم خشب مسندة
[المنافقون/ 4] وكذلك أكمه وأكم، في نحو قوله «2»:
نحن الفوارس يوم ديسقة ال ... مغشو الكماة غوارب الأكم
ونظيره من المعتل: ساحة وسوح، وقارة وقور، ولابة «3» ولوب،
وناقة ونوق. قال أبو عمر «4»: أنشدنا الأصمعيّ لرجل من
هذيل «5».
وكان سيّان أن لا يسرحوا نعما ... أو يسرحوه بها واغبرّت
السوح
والآخر أن يكون جمع ثمارا على ثمر فيكون: ثمر جمع الجمع،
وجمعوه على فعل، كما جمعوه على فعائل في
__________
(1) في (ط): قولهم.
(2) وهو النابغة الجعدي. قوله: ديسقة: اسم موضع، وغارب كل
شيء:
أعلاه.
انظر اللسان (دسق) وشعره/ 235/.
(3) اللابة: الحرّة أو الأرض التي كسيت بحجارة سود.
(4) في (ط): أبو عمرو.
(5) هذا بيت ملفق من بيتين لأبي ذؤيب الهذلي وهما:
وقال ماشيهم: سيان سيركم ... أو أن تقيموا به واغبرّت
السّوح
وكان مثلين ألا يسرحوا نعما ... حيث استرادت مواشيهم
وتسريح
انظر شرح السكري 1/ 122 - وقد سبق في 1/ 266.
(3/367)
قولهم: جمال «1» وجمائل قال «2»:
وقرّبن بالزّرق الجمائل بعد ما ... تقوّب عن غربان أوراكها
الخطر
ولم أعلم سيبويه ذكر تكسيره على فعل، وإن كان قد حكى
تكسيره على فعائل، ولا يمتنع في القياس، ألا ترى أن فعلا
«3» جمع للكثير كما أن فعائل جمع له، وجمعوه بالألف
والتّاء أيضا في قول من قرأ: كأنه جمالات صفر [المرسلات/
33].
وأنشد بعض البغداديين «4»:
أحبّ كلب في كلابات الناس ... إليّ نبحا كلب أمّ العبّاس
فأما قول الشاعر «5»:
كنّا بها إذ الحياة حيّ فليس حيّ بجمع حياة: كبدنة وبدن،
وقارة وقور، إنما الحيّ مصدر كالعيّ، ولو كان جمعا على فعل
لجاز في فائه
__________
(1) في (ط): تكررت كلمة جمال.
(2) البيت لذي الرمّة- وقد سبق.
(3) في (م) فعل.
(4) ورد هذا البيت في اللسان في مادة (كلب) دون أن ينسبه.
(5) شطر بيت من الرجز للعجاج في ديوانه 1/ 486 وروايته
فيه:
وقد نرى إذ الحياة حيّ.
وبعده:
وإذ زمان الناس دغفليّ.
وانظر اللسان مادة/ حيا/.
(3/368)
الضمّ والكسر، كما قالوا: قرن ألوى، وقرون
ليّ وليّ.
قال: اختلفوا «1» في سورة الكهف، فقرأ ابن كثير ونافع وابن
عامر وحمزة والكسائيّ، وكان له ثمر [الكهف/ 34]، وأحيط
بثمره [الكهف/ 42] بضمتين.
وقرأ أبو عمرو: بثمره بضمّة واحدة وأسكن الميم.
وقرأ عاصم: وكان له ثمر، وأحيط بثمره، بفتح الثاء والميم
فيهما «2».
أمّا حمزة والكسائيّ فقراءتهما في ذلك كقراءتهما فيما
تقدّم، وابن كثير ونافع وابن عامر أخذوا بذلك في هذا
الموضع لأن اللفظتين جميعا للجمع، ألا ترى أن الثمر جمع
كما كان «3» الثمر كذلك.
ووافقهم أبو عمرو في الأخذ بالجمع الذي هو: فعل، إلّا أنه
خفّف العين، كما خفف في بدنه وبدن، قال: والبدن جعلناها
لكم [الحج/ 36] وكما قالوا: الأكم، في جمع أكمة في قوله
«4»:
ترى الأكم منه سجّدا للحوافر وعلى هذا قالوا: أسد وأسد.
وقد فسّر الثّمر في سورة الكهف أنّه من تثمير المال.
__________
(1) في (ط): واختلفوا.
(2) السبعة 264.
(3) في (ط): كما أن.
(4) عجز بيت ورد في اللسان مادة (سجد) ولم ينسبه.
(3/369)
وروي عن مجاهد: وكان له ثمر قال: ذهب وورق.
قال أبو علي: وكأنّ «1» الذهب والورق، قيل له ثمر على
التفاؤل، لأن الثمر نماء في ذي الثمر، ولا يمتنع أن يكون
الثّمر جمع ثمرة، كما قدّمنا، ويدلّ على ذلك أن عاصما قرأ:
وكان له ثمر في الموضعين في الكهف. وكأنّ الثمر الذي هو
الجنا أشبه في التفسير من الذهب والورق «2» لأنّه أشدّ
مشاكلة بالمذكور معه. ألا ترى أنه قال: واضرب لهم مثلا
رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب، وحففناهما بنخل ...
وفجرنا خلالهما نهرا، وكان له ثمر، فقال لصاحبه [الكهف/
32، 34] فالثمر الذي «3» هو الجنا أشبه بالنخيل والأعناب،
من الذهب والورق منهما «4» وأشدّ مشاكلة، ويقوّي ذلك قوله
في الأخرى في وصف جنّة: أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل
وأعناب ... له فيها من كل الثمرات [البقرة/ 266].
فكما أنّ الثمرات في هذه لا تكون إلّا الجنا، كذلك في
الأخرى يكون إياه. ويقوي أن الثمر ليس بالذهب والورق هنا
قوله: وأحيط بثمره، والإحاطة به إهلاك له، واستئصال بالآفة
التي حلت بها كما حلّت بالأخرى في قوله: فأصابها إعصار فيه
نار فاحترقت [البقرة/ 266]، وكما قال: فأصبحت كالصريم
[القلم/ 20]
__________
(1) في (م): وكان.
(2) في (ط): والفضة.
(3) الذي سقطت من (م).
(4) في (ط): بهما.
(3/370)
أي: سوداء كسواد الليل بالاحتراق، ويقوي
«1» ذلك قوله فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها [الكهف/
42]، والإنفاق في الأمر العام إنّما يكون من الورق لا من
الشجر.
قال: وقرأ عاصم: وكان له ثمر وأحيط بثمره بفتح الثاء
والميم فيهما لأنّ «2» ثمر* «3» جمع، كما أنّ ثمر كذلك.
ويدلّك على أن الثّمر ونحوه جمع قوله: وينشئ السحاب الثقال
[الرعد/ 12]، وقوله: كأنهم أعجاز نخل خاوية [الحاقة/ 7].
وإنما «4» جاء التأنيث لمعنى الجمع، كما جاء التذكير في
نحو «5»: من الشجر الأخضر [يس/ 80]، وأعجاز نخل منقعر
[القمر/ 20]، على تذكير اللفظ، وإن كان المعنى الجمع.
وقد يجوز أن يكون ثمر* «6» جمع ثمر، لأن سيبويه قد حكى:
ثمر، وجاز أن يكون ثمر جمع على ثمر كما جمع فعل على فعل
وذلك قولهم: نمر ونمر قال «7»:
__________
(1) في (م): يقوي.
(2) في (ط): فهذا لأن.
(3) في (ط): ثمرا.
(4) في (ط): فإنما.
(5) سقطت «نحو» من (م).
(6) ضبطت في (ط) بفتحتين.
(7) هذا البيت لحكيم بن معية الربعي يصف قناة نبتت في موضع
محفوف بالجبال والشجر وقبله:
(3/371)
فيه «1» عياييل أسود ونمر والأول الوجه
لأنه الأكثر كما رأيت.
[الانعام: 100]
اختلفوا في تشديد الراء وتخفيفها في «2» قوله تعالى «3»:
وخرقوا له [الأنعام/ 100].
[فقرأ ابن كثير وعاصم وابن عامر وأبو عمرو وحمزة
والكسائيّ: وخرقوا له بنين وبنات، خفيفة] «4».
وقرأ «5» نافع وحده وخرقوا له مشددة الراء.
[قال أبو علي: قال] «6» أبو عبيدة: وخرقوا له بنين وبنات
أي: جعلوا له وأشركوه.
__________
حفّت بأطواد جبال وسمر ... في أشب الغيطان ملتفّ الخطر
وعياييل جمع عيّل وهو الذي يلتمس الشيء.
انظر سيبويه 2/ 179 والمقتضب 2/ 203، وشرح المفصل: 10/ 92
وشرح شواهد الشافية 376 والعيني 4/ 586. واللسان مادة نمر
وعيل*.
(1) في (ط): فيها.
(2) في (ط): من.
(3) في (ط): عز وجل.
(4) ما بين معقوفين لم يرد في (ط) بهذا التفصيل بل استبدله
بقوله في آخر الكلام عن الحرف: «وقرأ الباقون: (وخرقوا
خفيفة الراء». والمؤدّى واحد، وهو الموافق لما في السبعة
264.
(5) في (ط): فقرأ.
(6) سقطت العبارة من (ط).
(3/372)
اخترق واختلق، وابتشك سواء. وقال أحمد بن
يحيى:
خرّق واخترق. وقال أبو الحسن: الخفيفة أعجب إليّ، لأنها
أكثر وبها أقرأ.
وقيل: إن المعنى أن المشركين ادّعوا الملائكة: بنات الله
«1»، والنّصارى: المسيح، واليهود: عزيرا.
ومن شدّد، فكأنه ذهب إلى التكثير.
[الانعام: 105]
اختلفوا في إدخال الألف وإخراجها من قوله عزّ وجلّ «2»:
دارست [الأنعام/ 105].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: دارست بألف.
وقرأ نافع وعاصم وحمزة والكسائيّ درست ساكنة السين بغير
ألف.
وقرأ ابن عامر درست مفتوحة السين ساكنة التاء بغير ألف
«3».
قال أبو زيد: درست، أدرس، دراسة، وهي القراءة قال:
وإنما يقال ذلك إذا قرأت على غيرك، قال «4» الأصمعي:
أنشدني ابن ميادة «5»:
__________
(1) سقطت من (م).
(2) زيادة من (ط).
(3) السبعة 264.
(4) في (ط): وقال.
(5) شطران من الرجز في شعره ص 179 ضمن أبيات وهما في السمط
ص 656.
(3/373)
يكفيك من بعض ازديار الآفاق ... سمراء ممّا
درس ابن مخراق
قال: درس يدرس، مثل داس يدوس، وقال بعضهم:
سمراء: ناقته، ودرسها: رياضتها «1»، قال: ودرس السورة من
هذا. أي يدرسها لتخفّ على لسانه.
وجه من قرأ: دارست. أي «2»: دارست أهل الكتاب وذاكرتهم،
ويقوي ذلك «3»: إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم
آخرون [الفرقان/ 4].
فإن قيل: ليس في المصحف ألف، فإن الألف قد تحذف في المصحف
في نحو هذا، ويقوي ذلك قوله: وقالوا أساطير «4» الأولين
اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا [الفرقان/ 5].
ووجه درست في «5» حجّة هذه القراءة: أن أبيّا، وابن مسعود
فيما زعموا قرآ درس «6» وأسندا «7» الفعل فيه إلى الغيبة،
كما أسندا «8» إلى الخطاب وهو فعل، من:
درست، كما أنّ دارست فاعلت منه.
__________
(1) وقيل: السمراء: الحنطة، ودرس على هذا: داس- وازديار من
الزيارة.
انظر اللسان: مادة (سمر).
(2) سقطت من (ط).
(3) في (ط): ذلك قولهم.
(4) رسمها في الأصل: «أساطير» والاستشهاد فيها على ما
أثبتناه من المصحف.
(5) في (م): فمن.
(6) في (ط): وليقولوا درس.
(7) في (ط): فأسندا.
(8) في (ط): أسند.
(3/374)
وقراءة ابن عامر درست مفتوحة السين ساكنة
التاء فهو من الدّروس الذي هو: تعفّي الأثر، وامّحاء
الرّسم «1».
قال أبو عبيدة: درست: امّحت «2»، فأما اللام في قوله:
وليقولوا درست فعلى ضربين: من قال: درست فالمعنى في:
ليقولوا لكراهة أن يقولوا، ولأن لا يقولوا: درست. أي:
فصّلت الآيات وأحكمت لئلا يقولوا إنّها أخبار وقد «3»
تقدّمت وطال العهد بها، وباد من كان يعرفها، كما قالوا:
أساطير الأولين [الفرقان/ 5].
لأنّ تلك الأخبار، لا تخلو من خلل، فإذا «4» سلم الكتاب
منه لم يكن لطاعن موضع طعن. وأما من قرأ:
دارست، ودرست فاللام على قولهم كالتي في قوله «5»:
ليكون لهم عدوا وحزنا [القصص/ 8]، ولم يلتقطوه لذلك، كما
لم تفصّل الآيات ليقولوا: درست، ودارست ولكن لمّا قالوا
ذلك أطلق هذا عليه «6» في الاتساع.
[الانعام: 109]
اختلفوا في فتح الألف وكسرها من قوله [جلّ وعزّ] «7»: وما
يشعركم إنها [الأنعام/ 109].
فقرأ ابن كثير: وما يشعركم إنها مكسورة الألف، قرأ
__________
(1) في (ط): الرسوم.
(2) مجاز القرآن 1/ 203 وفيه: امتحنت. وهو تحريف.
(3) في (ط): أخبار قد تقدمت.
(4) في (ط): وإذا.
(5) في (ط): قولهم.
(6) سقطت من (ط).
(7) سقطت من (ط).
(3/375)
أبو عمرو بالكسر أيضا، غير أنّ أبا عمرو
كان يختلس حركة الراء من يشعركم.
وقرأ نافع وعاصم في رواية حفص وحمزة والكسائيّ- وأحسب ابن
عامر- أنها* بالفتح.
وأما أبو بكر بن عياش: فقال يحيى عنه: لم نحفظ عن عاصم كيف
قرأ: أفتحا أم كسرا «1»؟.
وقال حسين الجعفي عن أبي بكر عن عاصم إنها* مكسورة، أخبرني
به موسى بن إسحاق «2» عن هارون بن حاتم عن حسين الجعفي
بذلك. وحدثني موسى بن إسحاق عن أبي هشام «3» محمد بن يزيد
قال: سمعت أبا يوسف الأعشى: قرأها على أبي بكر: إنها*
كسرا، [لا يؤمنون بالياء] «4». وكذلك روى داود الأودي أنه
سمع عاصما يقرؤها إنها* كسرا «5».
قال سيبويه: سألته: يعني الخليل «6» عن قوله عز وجل «7»:
وما يشعركم إنها إذا جاءت لا يؤمنون ما منعها أن تكون
كقولك: ما يدريك أنه لا يفعل؟ فقال: لا يحسن ذلك
__________
(1) في (ط): فتحا أو كسرا.
(2) في (ط): أيضا عن هارون.
(3) في (م) هاشم والصواب ما في (ط) وقد سبقت ترجمته في أول
هذا الجزء ص 5.
(4) ما بين المعقوفتين سقط من (ط) ومن السبعة.
(5) السبعة 265.
(6) في (ط): سألت الخليل.
(7) زيادة من (ط).
(3/376)
في هذا الموضع، إنما قال: وما يشعركم؟ ثم
ابتدأ فأوجب فقال: إنها إذا جاءت لا يؤمنون. ولو قال: وما
يشعركم أنها كان ذلك عنه «1» عذرا لهم، وأهل المدينة
يقولون: أنها* فقال الخليل: هي بمنزلة قول العرب: ائت
السوق أنك تشتري لنا شيئا. أي: لعلّك، فكأنه قال: لعلّها
إذا جاءت لا يؤمنون «2».
قوله «3»: وما يشعركم ما* فيه استفهام، وفاعل يشعركم ضمير
ما*، ولا يجوز أن يكون نفيا، لأن الفعل فيه يبقى بلا فاعل.
فإن قلت: يكون نفيا ويكون فاعل يشعركم ضمير اسم الله تعالى
«4»: قيل: ذلك لا يصحّ، لأن التقدير يصير: وما يشعركم الله
انتفاء إيمانهم، وهذا لا يستقيم.
ألا ترى أن الله تعالى «5» قد أعلمنا أنهم لا يؤمنون
بقوله:
ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم
كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله [الأنعام/
111]، فالمعنى: ما «6» يدريكم إيمانهم إذا جاءت، فحذف
المفعول، وحذف المفعول كثير والتقدير: ما «7» يدريكم
إيمانهم إذا
__________
(1) سقطت من (ط). ومن سيبويه.
(2) انظر سيبويه 1/ 462، 463.
(3) وسقطت من (م).
(4) في (ط): عز وجل.
(5) في (ط): سبحانه.
(6) في (ط): وما.
(7) في (ط): وما.
(3/377)
جاءت: أي: هم لا يؤمنون، مع مجيء الآية
إياهم.
فأما يشعركم، فإنك تقول: شعرت بالشيء كما تقول:
دريت به، وقال: دريته، فيجوز أن يكون شعرت مثله في أنه
يتعدّى مرة بحرف، ومرّة بلا حرف كدريت، فمن عدّاه بالحرف
جاز أن يكون أنّ في قول من لم يجعله بمعنى: لعلّ، في موضع
جر، لأن الكلام لما طال صار كالبدل منه «1» وجاز أن يكون
في موضع نصب.
فأما قراءة ابن كثير وأبي عمرو: فالتقدير فيها: وما يشعركم
إيمانهم. فحذف المفعول، أي: لو جاءت الآية التي اقترحوها
لم يؤمنوا، ثم قال: إنها إذا جاءت لا يؤمنون [الأنعام/
109]، كما قال: ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله
[الأنعام/ 111] [أي: إلّا أن يشاء إجبارهم على الإيمان]
«2».
ولو فتح أنّ، وجعلها التي في نحو: بلغني أن زيدا منطلق،
لكان عذرا لمن أخبر عنهم أنهم لا يؤمنون، لأنه إذا قال
القائل: إنّ زيدا لا يؤمن، فقلت: ما يدريك أنه لا يؤمن،
فالمعنى أنه: يؤمن، وإذا كان كذلك كان عذرا لمن نفى
الإيمان عنه.
فأما وجه قراءة من فتح أنّ، فإن في فتحها تأويلين:
أحدهما: أن يكون بمعنى لعلّ كقوله «3»:
__________
(1) في (ط): منها.
(2) سقط ما بين معقوفين من (ط).
(3) البيت لأبي النجم وقد ورد شطره الثاني عند سيبويه 1/
460 وفي
(3/378)
قلت لشيبان ادن من لقائه ... أنّا نغدّي
القوم من شوائه
أي: لعلنا. وقال آخر «1»:
أريني جوادا مات هزلا لأنني ... أرى ما ترين أو بخيلا
مخلّدا
وقال الفرزدق «2»:
هل انتم عائجون بنا لأنّا ... نرى العرصات أو أثر الخيام
«3»
__________
الإنصاف 2/ 591 برواية: كما تغدّي الناس من شوائه.
على أن كما هنا معناها لعل.
(1) البيت سبق في 2/ 225 وانظر اللسان (أنف).
(2) في (م): وقال آخر.
(3) ديوان الفرزدق 835 مطلع قصيدة مدح بها هشام بن عبد
الملك وهجا جريرا، وروايته فيه «لعنا» بدل «لأنا».
وفي الإنصاف 224 ورواية صدره فيه: ألا يا صاحبي قفا لغنا
قال ابن الأنباري: تلعبت العرب بهذه الكلمة فقالوا: لعلّ،
ولعلن، ولعنّ- بالعين غير المعجمة- ولغن- بالغين معجمة-
ورعنّ، وعن، وغن، ولغلّ، وغلّ. أهـ منه. ولم يورد فيها
اللغة التي أوردها الفارسي، والتي هي من إبدال العين همزة.
وانظر التصريح على التوضيح 1/ 192 وشرح شواهد الشافية 466،
واللسان (لغن).
وقد ورد البيت مفردا. برواية المصنف في ديوان جرير (ط
الصاوي) ص 565 وفي اللسان (أنن) كذلك.
(3/379)
فالمعنى: وما يشعركم لعلها إذا جاءت لا
يؤمنون، وهذا ما «1» فسّره الخليل في قوله: ائت السوق أنّك
تشتري لنا شيئا، أي: لعلّك، وقال عديّ بن زيد «2»:
أعاذل ما يدريك أن منيّتي ... إلى ساعة في اليوم أو في ضحى
الغد
وفسّر على «3»: لعل منيّتي. ويدل على صحة ذلك وجودته في
المعنى: أنه قد جاء في التنزيل لعل بعد العلم، وذلك قوله:
وما يدريك لعله يزكى [عبس/ 3]، وما يدريك لعل الساعة قريب
[الشورى/ 17]، فكما جاء لعلّ بعد العلم، كذلك يكون «4»
أنها إذا جاءت بمنزلة: لعلّها إذا جاءت.
والتأويل الآخر لم يذهب إليه الخليل وسيبويه، وهو أن يكون
أنّها في قوله: أنها إذا جاءت لا يؤمنون أنّ الشديدة التي
تقع بعد الأفعال التي هي عبارات عن ثبات الشيء وتقرّره
نحو: علمت، وتبينت، وتيقنت، على أن تكون لا زائدة فيكون
التقدير: وما يشعركم أنّها إذا جاءت يؤمنون «5».
والمعنى على هذا «6» أنها: لو «7» جاءت لم يؤمنوا. ومثل
__________
(1) سقطت ما من ط.
(2) انظر اللسان مادة/ أنن/.
(3) سقطت «على من (ط).
(4) في (ط): تكون.
(5) في (م): لا يؤمنون، والوجه ما في (ط).
(6) سقطت من (م).
(7) في (م): «إذ» بدل: «لو».
(3/380)
لا هذه في أنها تكون في تأويل: زائدة، وفي
أخرى: غير زائدة. قول الشاعر «1»:
أبا جوده لا البخل واستعجلت به ... نعم من فتى لا يمنع
الجود قاتله
ينشد: أبا جوده لا البخل، ولا البخل، فمن نصب البخل جعلها
زائدة، كأنه قال: أبا جوده البخل، ومن قال: لا البخل، أضاف
«لا» إلى البخل «2».
ومثل هذه الآية في أنّ لا فيها زائدة قوله: وحرام على قرية
أهلكناها أنهم لا يرجعون [الأنبياء/ 95] فهذه تحتمل
تأويلين: تكون لا في أحدهما زيادة «3»، وأنّ في موضع رفع
بأنّه خبر المبتدأ الذي هو: حرام* والمعنى: وحرام على قرية
أنهم لا يرجعون، أي: أنّهم يرجعون، والتقدير: وحرام على
قرية مهلكة رجوعهم إلى أهلهم كما قال:
فلا يستطيعون توصية، ولا إلى أهلهم يرجعون [يس/ 50]، فلا*
على هذا التأويل زيادتها كزيادتها في قوله:
لئلا يعلم أهل الكتاب [الحديد/ 29]، وكزيادتها في قول
الشاعر «4»:
__________
(1) سبق في 1/ 69 وانظر معاني القرآن للأخفش، ص 294.
(2) قال الأخفش: أراد أبى جوده «لا» التي هي للبخل، لأن
«لا» قد تكون للجود والبخل، لأنه لو قال: امنع الحق، أو:
لا تعط المساكين، فقال:
لا، كان هذا جودا منه.
(3) في (ط): زائدة.
(4) سبق في 1/ 164.
(3/381)
أفعنك لا برق كأنّ وميضه ... غاب تسنّمه
ضرام مثقب
والوجه الآخر: أن تكون لا غير زائدة، ولكنها متصلة
بأهلكنا، كأنه قال «1»: وحرام على قرية أهلكناها بأنّهم لا
يرجعون، أي: أهلكناهم بالاصطلام والاستئصال بأنّهم «2»
إنما لا يرجعون إلى أهليهم للاستئصال الواقع بهم والإبادة
لهم.
وخبر المبتدأ على هذا محذوف تقديره: وحرام على قرية
أهلكناها بالاستئصال بقاؤهم أو حياتهم، ونحو ذلك، مما يكون
في الكلام دلالة عليه، فهذه في أحد التأويلين مثل قوله:
أنها إذا جاءت لا يؤمنون وأنت تريد به يؤمنون.
[الانعام: 109]
اختلفوا في الياء والتاء من قوله تعالى «3»: لا يؤمنون.
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والكسائيّ: لا يؤمنون
بالياء. وروى حفص عن عاصم، وحسين الجعفي «4» عن أبي بكر عن
عاصم بالياء أيضا.
وقرأ ابن عامر وحمزة: لا تؤمنون بالتاء «5».
وجه القراءة بالياء: أن قوله: وأقسموا بالله جهد أيمانهم
لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها [الأنعام/ 109] إنّما يراد به
قوم
__________
(1) سقطت من (ط).
(2) في (ط): لأنهم.
(3) سقطت من (ط).
(4) سقطت من (م).
(5) السبعة ص 265.
(3/382)
مخصوصون. يدلّك على ذلك قوله: ولو أننا
نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى [الأنعام/ 111]، وليس
كل الناس بهذا الوصف فالمعنى: وما يشعركم أيها المؤمنون،
لعلّهم «1» إذا جاءت «2» الآية التي اقترحوها «3» لم
يؤمنوا، قال: وجه «4» الياء في قوله: لا يؤمنون أنّ «5»
المراد بمن نفى عنه الإيمان، هم الغيب المقسمون، والوجه
على هذا: لا يؤمنون، أي: لا يؤمن هؤلاء الغيب المقسمون،
وليس الخطاب للمؤمنين فيكون قوله:
لا تؤمنون بالتاء.
ووجه القراءة بالتاء: أنه انصراف من الغيبة إلى الخطاب،
والمراد بالمخاطبين في يؤمنون هم الغيب المقسمون الذي أخبر
عنهم أنهم لا يؤمنون مثل قوله الحمد لله [الفاتحة/ 1]، ثم
قال: إياك نعبد ونحو ذلك مما يصرف إلى الخطاب بعد الغيبة.
[الانعام: 111]
اختلفوا في ضمّ القاف وكسرها من قوله تعالى «6»: كل شيء
قبلا [الأنعام/ 111].
فقرأ نافع وابن عامر: كل شيء قبلا، والعذاب قبلا [الكهف/
55] بكسر القاف فيهما «7»، وفتح الباء.
__________
(1) في (ط): لعله.
(2) في (ط): جاءتهم.
(3) في (ط): اقترحوا.
(4) في (م): فالوجه.
(5) في (م): يؤمنون لأن.
(6) في (ط): عز وجل.
(7) في (ط): منهما.
(3/383)
وقرأ عاصم وحمزة والكسائي: كل شيء قبلا «1»
والعذاب قبلا.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو: كل شيء قبلا مضمومة القاف،
والعذاب قبلا مكسورة القاف «2».
قال أبو زيد: يقال: لقيت فلانا قبلا، ومقابلة، وقبلا،
وقبلا، وقبليّا، وقبيلا، وكلّه واحد وهو المواجهة «3»،
فالمعنى في القراءتين على ما قاله أبو زيد واحد وإن اختلفت
الألفاظ.
وقال أبو عبيدة: وحشرنا عليهم كل شيء قبلا جماعة قبيل أي:
أصناف، أو يأتيهم العذاب قبلا [الكهف/ 55] أي معاينة «4».
فوجه قراءة نافع وابن عامر كل شيء قبلا والعذاب قبلا: أن
المعنى: لو حشرنا عليهم كلّ شيء معاينة، أو أتاهم العذاب
معاينة، لم يؤمنوا. كأنّهم من شدّة عنادهم وتركهم الإذعان،
والانقياد للحق يشكّون في المشاهدات التي لا شكّ فيها.
ومثل قوله: أو يأتيهم العذاب قبلا أي: معاينة، قوله:
فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم، قالوا هذا عارض ممطرنا بل
هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم [الأحقاف/ 24]،
__________
(1) في (ط): مضمومة القاف.
(2) السبعة ص 265 - 266.
(3) النوادر ص 569 - 570 (ط. الفاتح).
(4) مجاز القرآن 1/ 204 والنقل عنه بتصرف.
(3/384)
وقوله: وإن يروا كسفا من السماء ساقطا
يقولوا سحاب مركوم [الطور/ 44].
وقراءة عاصم. وحمزة، والكسائي: كل شيء قبلا، يحتمل ثلاثة
أضرب:
يجوز أن يكون قبلا جمع قبيل، الذي يعنى به الكفيل، ويجوز
أن يكون جمع قبيل الذي يعنى به الصنف، كما فسّره أبو
عبيدة، ويجوز أن يكون قبلا بمعنى قبل، كما فسّره أبو زيد.
فليس بالسهل أن يحمل على القبيل الذي هو الكفيل لأنهم إذا
لم يؤمنوا مع إنزال الملائكة إليهم، وأن يكلّمهم الموتى،
مع أن ذلك «1» مما يبهر ظهوره، ويضطرّ مشاهدته، فأن لا
يؤمنوا بالكفالة التي هي قول لا يبهر ولا يضطرّ، ويجوز أن
لا يصدّق، أجدر.
فإن قلت: إن موضع الآية الباهرة في قول من حمل قبلا على
أنه جمع قبيل الذي هو الكفيل، هو حشر كلّ شيء. وفي الأشياء
المحشورة ما ينطق وما لا ينطق، فإذا نطق بالكفالة من لا
«2» ينطق، كان ذلك موضع بهر الآية فهو قول.
وأمّا إذا حملت قوله: قبلا على أنّه جمع القبيل الذي هو
الصنف، كما قال أبو عبيدة، فإنّ موضع إبانة الآية حشر جميع
الأشياء جنسا جنسا، وجميع الأشياء ليس في العرف أن تجتمع
__________
(1) في (ط): ذاك.
(2) في (ط): ما لا ينطق.
(3/385)
وتنحشر إلى موضع، فموضع ما يبهر هو
اجتماعها، مع أنّ ذلك ليس في العرف.
وإن حملت قوله: قبلا على أنّه بمعنى، قبل، أي:
مواجهة، كما فسره أبو زيد، فإن قبلا حال من المفعول به،
والمعنى: حشرناه مواجهة ومعاينة، وهو في المعنى كقراءة
نافع وابن عامر قبلا*: معاينة.
فأما قراءة عاصم وحمزة والكسائي أو يأتيهم العذاب قبلا
[الكهف/ 55] فمعناه: مواجهة، ولا يجوز أن يكون القبيل الذي
يراد به الكفيل، ولا يمتنع أن يكون جمع قبيل الذي هو
الصنف، فيكون المعنى: أو يأتيهم العذاب صنفا صنفا، فمما
«1» جاء القبل فيه بمعنى المقابلة قوله: إن كان قميصه قد
من قبل [يوسف/ 26] ألا ترى أنه قد قوبل به قوله: قد من دبر
[يوسف/ 27].
فأما قوله: أو تأتي بالله والملائكة قبيلا [الإسراء/ 92]
فلا يخلو من أن يكون بمعنى الكفيل، أو يكون معناه معاينة،
كما حكاه أبو زيد. فإذا حملته على المعاينة كان القبيل
مصدرا كالنذير والنكير، وهو في موضع حال من المفعول به،
ولو أراد به الكفيل لكان خليقا أن يجمع على: فعلاء كما
قالوا: كفلاء، لأنّه في الأصل صفة، وإن كان قد استعمل
استعمال الأسماء.
ويدلّ على أن المراد بالقبيل: المعاينة لا الكفيل قوله:
وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو
نرى ربنا
__________
(1) في (ط): ومما.
(3/386)
[الفرقان/ 21] وكما اقترح ذلك غيرهم في
قوله: أرنا الله جهرة [البقرة/ 55].
وأما قراءة ابن كثير وأبي عمرو: وحشرنا عليهم كل شيء قبلا
ما كانوا ليؤمنوا «1» [الأنعام/ 111]. فعلى الأضرب الثلاثة
التي مضى ذكرها.
وقراءتهما: العذاب قبلا [الكهف/ 55]، فعلى المعاينة كما
قال أبو زيد وأبو عبيدة.
[الانعام: 114]
وقرأ ابن عامر وحفص عن عاصم: إنه منزل من ربك [الأنعام/
114] مشدّدة الزاي، وخفّفها الباقون، وأبو بكر عن عاصم
أيضا «2».
حجّة التشديد: تنزيل الكتاب من الله [الجاثية/ 2]، وحجة
التخفيف: وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم [النحل/
64] و: لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه [النساء/
166].
[الانعام: 115]
اختلفوا في التوحيد والجمع في قوله «3»: وتمت كلمات ربك
[الأنعام/ 115]، في أربعة مواضع:
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وتمت كلمات ربك جماعا، وفي يونس
حقت عليهم كلمت ربك في الموضعين [33 - 96]، وفي حم* المؤمن
[6] كلمة ربك*. على واحدة.
__________
(1) قوله: ما كانوا ليؤمنوا سقط من (م).
(2) السبعة 266.
(3) في (ط) من قوله عز وجل.
(3/387)
وقرأ نافع وابن عامر هذه المواضع الأربعة
كلّها كلمات* جماعة.
وقرأهنّ عاصم وحمزة والكسائيّ بالتوحيد كلمة*، ولم يختلفوا
في غير هذه المواضع الأربعة «1».
الكلمة والكلمات- والله أعلم- ما جاء من «2» وعد، ووعيد،
وثواب، وعقاب، فلا تبديل فيه ولا تغيير له، كما قال:
ما يبدل القول لدي [ق/ 29]، وقال: لا مبدل لكلماته [الكهف/
27]. فكأنّ «3» التقدير، وتمّت ذوات الكلمات، ولا يجوز أن
يعنى بالكلمات الشرائع هنا، كما عني بقوله: وإذ ابتلى
إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن [البقرة/ 124]، وقوله:
وصدقت بكلمات ربها [التحريم/ 12]، لأنه قد قال: لا مبدل
لكلماته، والشرائع يجوز فيها النسخ والتبديل.
وصدقا، وعدلا مصدران ينتصبان على الحال من الكلمة، تقدير
ذلك: صادقة وعادلة، وقد قدّمنا شيئا من القول فيما تقدم من
هذا الكتاب.
ووجه قراءة ابن كثير وأبي عمرو: وتمت كلمات ربك جماعا، وفي
سورة يونس حقت عليهم كلمت ربك في الموضعين، وفي حم* «4»
المؤمن: حقت كلمة ربك على
__________
(1) السبعة 266.
(2) في ط: في.
(3) في (م): وكان.
(4) سقطت من (م).
(3/388)
واحد. وقرأ نافع وابن عامر هذه المواضع
كلّها: كلمات* جماعة. وجه جميع «1» ذلك: أنّه لما كان جمعا
كان في المعنى جمعا.
ووجه الإفراد أنهم قد قالوا: الكلمة، يعنون «2» الكثرة
كقولهم: قال زهير في كلمته، يعني: قصيدته، وقال قسّ في
كلمته، يعني: خطبته، فقد وقع المفرد على الكثرة، فلما كان
كذلك أغنى عن الجمع، وممّا جاء على ذلك قوله: وتمت كلمت
ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا [الأعراف/ 137]،
فإنما هو، والله أعلم، قوله: ونريد أن نمن على الذين
استضعفوا في الأرض ... إلى آخر الآية [القصص/ 5]. فسمي هذا
القصص كلّه كلمة.
وقال مجاهد [في قوله] «3»: وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق
بها [الفتح/ 26]، قال: لا إله إلّا الله. فإذا وقعت الكلمة
على الكثرة، جاز أن يستغنى بها عن لفظ الجميع «4»، وجاز أن
يجمع على المعنى من حيث كان في المعنى جمعا.
وأما قراءة عاصم وحمزة والكسائي بالتوحيد «5»، فهو على ما
ذكرنا من أنّ الكلمة قد جاءت يراد بها الكثرة والجمع،
__________
(1) في (ط): جمع.
(2) في (م) يعني.
(3) سقطت من (م).
(4) سقطت من (ط).
(5) في (ط): بالتوحيد كله فهو ...
(3/389)
ويؤكد ذلك أمر آخر وهو أن المضاف قد يقع
على الكثرة في نحو قوله: وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها
[إبراهيم/ 34].
[الانعام: 119]
اختلفوا في ضمّ الفاء والحاء من قوله عز وجل «1»: وقد فصل
لكم ما حرم عليكم [الأنعام/ 119] ونصبهما.
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر: وقد فصل لكم ما حرم
عليكم. مرفوعتان جميعا.
وقرأ نافع، وعاصم في رواية حفص: وقد فصل لكم ما حرم عليكم
بنصبهما جميعا.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائيّ: وقد فصل بفتح
الفاء، ما حرم عليكم بضم الحاء «2».
حجة من ضمّ الحاء من حرم* و [الفاء من] «3» فصل* قوله:
حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير [المائدة/ 3]: فهذا
تفصيل هذا العام المجمل بقوله: حرم* فكما أن الاتفاق هاهنا
على حرمت .. الميتة كذلك يكون الذي أجمل فيه في قوله: وقد
حرم عليكم على ما فصّل «4»، وكما وجب حرم بضم الحاء لقوله:
حرمت عليكم الميتة، كذلك ضمّ فصل* لأنّ هذا المفصّل هو ذلك
المحرّم الذي قد أجمل في هذه الآية ذكره. وقال: وهو الذي
أنزل إليكم الكتاب
__________
(1) سقطت من (م).
(2) السبعة 267.
(3) سقط ما بين معقوفين من (ط) وفيها حرّم وفصّل.
(4) عبارة (ط): في قوله: وقد فصل لكم ما حرم عليكم.
(3/390)
مفصلا [الأنعام/ 114]؛ فمفصلا يدل على
فصّل.
وحجة نافع وعاصم في إحدى الروايتين عنه في: فصل لكم ما حرم
عليكم قوله: قد فصلنا الآيات [الأنعام/ 97] وحجّتهما في
حرم* قوله: قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم [الأنعام/
151]، الذين يشهدون أن الله حرم هذا [الأنعام/ 150].
ويدلّ على الفتح قوله: وما لكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم
الله عليه وقد فصل لكم ما حرم عليكم [الأنعام/ 119] ينبغي
أن يكون الفعل مبنيا للفاعل لتقدم ذكر اسم الله تعالى «1».
ووجه قراءة عاصم في إحدى الروايتين وحمزة والكسائيّ وقد
فصل لكم ما حرم بضم الحاء وفتح الفاء قوله: قد فصلنا
الآيات.
ووجه حرم* قوله: حرمت عليكم الميتة [المائدة/ 3]، وهو
تفصيل المحرّم في قوله «2»: ما حرم عليكم* ومعنى وقد فصل
لكم ما حرم عليكم هو ما فصّله في قوله: حرمت عليكم الميتة
والدم الآية ... [المائدة/ 3] ومعنى إلا ما اضطررتم إليه
[الأنعام/ 119]. إلّا «3» ما أباحه عند الضرورة من الميتة
وغيرها من المحرّمات بقوله: فمن اضطر غير باغ ولا عاد
[البقرة/ 173]، وقوله: فمن اضطر
__________
(1) في (ط): عزّ وجلّ.
(2) في (ط): بقوله.
(3) سقطت من (م).
(3/391)
في مخمصة غير متجانف لإثم، فإن الله غفور
رحيم [المائدة/ 3].
[الانعام: 199]
اختلفوا في ضمّ الياء وفتحها «1» في قوله [جلّ وعزّ] «2»:
وإن كثيرا ليضلون [الأنعام/ 119] في ستة مواضع.
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو ليضلون، هاهنا. وفي يونس [88]:
ربنا ليضلوا عن سبيلك وفي سورة إبراهيم [30]:
أندادا ليضلوا وفي سورة الحج [9]: ثاني عطفه ليضل عن سبيل
الله، وفي لقمان [6]: ليضل عن سبيل الله بغير علم، وفي
الزّمر [8] أندادا ليضل عن سبيله بفتح الياء في هذه
المواضع الستة.
وقرأ نافع وابن عامر ليضلون بأهوائهم بغير علم وفي يونس
ربنا ليضلوا بفتح الياء فيهما، وفي الأربعة التي بعد هذين
الموضعين يضمان الياء.
وقرأ عاصم وحمزة والكسائيّ في الستة المواضع بضم الياء
«3».
قال أبو زيد: أبرمت الرّجل إبراما، وأضللته إضلالا حتى برم
برما وضلّ ضلالة. قال: وتقول: ضللت الطريق، والدّار أضلّها
ضلالا، وأضللت الفرس والناقة والصبيّ إضلالا، وكذلك كلّ ما
ضلّ عنك فذهب.
__________
(1) في (ط): «من» بدل «في».
(2) سقطت من (ط).
(3) السبعة 267.
(3/392)
وإذا كان الحيوان مقيما فأخطأت مكانه، فهو
بمنزلة ما لا يبرح. مثل الدار والطريق؛ فهو كقولك: ضللت
ضلالة.
وقال أبو عبيدة «1» في قوله: فإنما يضل عليها [يونس/ 108]؛
فإنما ضلاله لنفسه وهداه لنفسه «2».
وقال «3» أبو عبيدة «4» في قوله: أن تضل إحداهما [البقرة/
282] أي: تنسى «5»، يقال: ضللت أي: نسيت قال:
فعلتها إذا وأنا من الضالين [الشعراء/ 20] أي: نسيت، وضللت
وجه الأمر.
وقال أبو الحسن «6» في قوله: في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى
[طه/ 52] تقديره: ولا يضلّ عن ربي، ففاعل يضل* على تقدير
أبي الحسن (كتاب) «7» المتقدم ذكره، وكان الأصل:
لا يضلّ عن ربّي، لأن الضلال يتعدى «8» بعن، يدلّك على ذلك
قوله: وضلوا عن سواء السبيل [المائدة/ 77]. فلما حذف عن،
وصل الفعل إلى المفعول به.
__________
(1) مجاز القرآن 1/ 284.
(2) في (ط): لها.
(3) في (ط): قال.
(4) سقطت من (ط).
(5) مجاز القرآن 1/ 83.
(6) هو سعيد بن مسعدة الأخفش الأوسط. ولم يرد النقل في
معاني القرآن المطبوع.
(7) في (ط): الكتاب.
(8) عبارة (ط): لأن الضلالة تتعدى.
(3/393)
قال أبو علي: يقال «1»: ضلّ زيد عن قصد
الطريق، وأضلّه غيره عنه، وقال «2»: ولا تتبعوا أهواء قوم
قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل
[المائدة/ 77]، وقال: أضل أعمالهم [محمد/ 1]، فهذا كقوله:
فأحبط الله أعمالهم [الأحزاب/ 19] وكقوله: والذين كفروا
أعمالهم كسراب بقيعة ... إلى قوله لم يجده شيئا [النور/
39]، وكقوله: لا يقدرون على شىء مما كسبوا [البقرة/ 264]
أي: على جزاء شيء مما كسبوا من الخير لبطوله بالإحباط.
وقال: أين ما كنتم تدعون من دون الله قالوا ضلوا عنا
[غافر/ 74]، فهذا في الآلهة التي كانوا يعبدونها كقوله:
فزيلنا بينهم [يونس/ 28]، فزيّلنا «3»: إنما هو فعّلنا من
زال يزيل.
وقولهم: زلته فلم ينزل، وفي غير الآلهة قوله: يوم القيامة
يفصل بينكم [الممتحنة/ 3]. وقوله: ويوم تقوم الساعة يومئذ
يتفرقون [الروم/ 14].
وأما «4» قراءة ابن كثير وأبي عمرو وإن كثيرا ليضلون
بأهوائهم [الأنعام/ 119] أي: يضلّون باتّباع أهوائهم، كما
قال: واتبع هواه [الأعراف/ 176]. أي: يضلّون في أنفسهم
__________
(1) سقطت من (ط).
(2) في (ط): قال.
(3) سقطت من (ط).
(4) في (ط): فأما.
(3/394)
من غير أن يضلّوا غيرهم من أتباعهم
بامتناعهم من أكل ما ذكر اسم الله عليه، وغير ذلك مما «1»
يتبعونه، ويأخذون به ممّا لا شيء يوجبه من شرع ولا عقل؛
نحو السائبة والبحيرة، وغير ذلك ممّا كان يفعله أهل
الجاهلية.
وأما قراءتهما في سورة «2» يونس [88]: ربنا ليضلوا عن
سبيلك، فالذي قاله «3» أبو الحسن أن اللام في ليضلوا* إنما
هو لما يؤول إليه الأمر؛ فالمعنى إنك آتيت فرعون وملأه
زينة ليضلّوا عن سبيلك، فلا يؤمنوا، فقوله: فلا يؤمنوا
[يونس/ 88] عطف على النصب الحادث مع اللام في ليضلوا* وما
بين ذلك من قوله: ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم
[يونس/ 88]، اعتراض بين (آتيت) وما يتّصل به، كما كان
قوله: قل إن الهدى هدى الله [آل عمران/ 73] كذلك. وهذا
الضّرب من الاعتراض كثير، وقد جاء بين الصّلة والموصول في
قوله: والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها، وترهقهم ذلة
[يونس/ 27].
فالمعنى: ربّنا إنّك آتيت فرعون وملأه زينة فضلّوا، كما أن
معنى: فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا [القصص/ 8].
أي: فكان كذلك، فالفتح في قوله: ليضلوا* أحسن لهذا المعنى،
لأنهم هم ضلّوا وطغوا لما أوتوه من الزينة والأموال.
__________
(1) في (م): ما.
(2) سقطت من (ط).
(3) في (ط): يراه.
(3/395)
وقراءتهما في إبراهيم [10]: وجعلوا لله
أندادا ليضلوا عن سبيله أي لم ينتفعوا بما اتخذوا من
الأنداد، إلّا ليزيغوا عن الطريق المستقيم الذي نصبت
الأدلة عليه، فقوله: ليضلوا* فتح الياء فيه حسن «1» لذلك.
وقوله في الحج [9]: ثاني عطفه ليضل عن سبيل الله، أي:
يجادل في الله بغير علم مستكبرا ثاني عطفه، ولاويا عنقه،
ليضلّ عن سبيل الله، ويذهب عنه، لا أنّ له على ذلك حجّة أو
لديه فيه بيان «2». ومثل ذلك في هذا المعنى إذا فريق منهم
بربهم يشركون، ليكفروا [الروم/ 33] فيمن جعل اللام
الجارّة، أي: أشركوا ليكفروا بما بيناه لهم، لا لأن لهم
على ذلك حجّة ولا بيانا.
وفي لقمان [6]: ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن
سبيل الله بغير علم، أي: يذهب عنه، وقيل في لهو الحديث:
أنه سماع الغناء، روينا ذلك عن الكندي عن المؤمّل عن ابن
عليّة عن ليث عن مجاهد.
وفي الزّمر [8]: وجعل لله أندادا، ليضل عن سبيله وقد «3»
تقدم القول فيه.
قال: وقرأ عاصم وحمزة والكسائيّ في المواضع الستة بضم
الياء. ومن حجة من ضمّ الياء في هذه المواضع أنه يدلّ
__________
(1) في (ط): أحسن.
(2) في (ط): بيانا.
(3) في (م): قد بإسقاط الواو.
(3/396)
على أنّ الموصوف بذلك يكون في الضلال أذهب،
ومن الهدى أبعد، ألا ترى أن كلّ مضلّ ضالّ، وليس كلّ ضالّ
مضلا، لأن الضالّ قد يكون ضلاله مقصورا عليه «1» نفسه لا
يتعداه إلى سواه، والمضلّ «2» أكثر استحقاقا للذم، وأغلظ
حالا من الضال، لتحمّله إثم من أضلّه، كما قال: ليحملوا
أوزارهم كاملة يوم القيامة، ومن أوزار الذين يضلونهم بغير
علم [النحل/ 25]. وقوله: وليحملن أثقالهم وأثقالا مع
أثقالهم [العنكبوت/ 13]. والمواضع التي فتح فيها الياء من
فتح، يسوغ فيها تقدير الإضلال ويستقيم. فقوله: وإن كثيرا
ليضلون [الأنعام/ 119]. على تقدير: ليضلّون أشياعهم؛ فحذف
المفعول به، وحذف المفعول به كثير. ويقوي ذلك قوله: وما
أضلنا إلا المجرمون [الشعراء/ 99] وقال: ربنا هؤلاء أضلونا
[الأعراف/ 38]، وكذلك في يونس [88] ربنا ليضلوا عن سبيلك
أي: ليضلّوا أشياعهم، ألا ترى أن «3» في قصّتهم وأضلهم
السامري [طه/ 85]، وكذلك أندادا ليضلوا [إبراهيم/ 30] أي
ليضلّوا أشياعهم، وكذلك في المواضع الأخر، هذا التقدير
سائغ «4» فيها، وغير ممتنع من هذا التقدير.
فأما قراءة نافع وابن عامر ليضلون بأهوائهم
__________
(1) في (ط): على.
(2) في (ط): فالمضل.
(3) سقطت من (ط).
(4) عبارة (م): وكذلك هذا التقدير في الموضع الآخر، هذا
التقدير سائغ.
(3/397)
[الأنعام/ 119]، وفي يونس: ربنا ليضلوا عن
سبيلك فحجتهما في فتح الياء حجة ابن كثير وأبي عمرو وقد
تقدم القول فيه. وحجتهما في الأربعة المواضع: حجة عاصم
وحمزة والكسائي.
[الانعام: 122]
قرأ نافع وحده أو من كان ميتا مشدّدة.
[الأنعام/ 122].
وقرأ الباقون: ميتا بالتخفيف «1».
أبو عبيدة الميتة* مخففة، وهو تخفيف: ميّتة، بالتشديد «2»
ومعناهما واحد ثقّل أو خفّف «3» قال ابن الرّعلاء الغساني:
ليس من مات فاستراح بميت ... إنّما الميت ميّت الأحياء
إنّما الميت من يعيش كئيبا ... كاسفا باله، قليل الرّجاء
«4» وقد وصف الكفار بأنهم أموات في قوله: أموات غير أحياء
وما يشعرون أيان يبعثون [النحل/ 21]، وكذلك قوله:
أومن كان ميتا فأحييناه أي: صادفناه حيّا بالإسلام من بعد
الكفر، كالكافر المصرّ على كفره!؟.
__________
(1) السبعة 269.
(2) بالتشديد زيادة من (ط).
(3) في (ط): ثقّل أو خفّف، وفي مجاز القرآن: ثقلت أو خففت.
(4) سبق الأول في ص 27 من هذا الجزء. قال أبو عبيدة: واسم
ابن الرعلاء: كوتي. والكؤتي والكوتي يهمز ولا يهمز،
والكوتي من الخيل
(3/398)
فأما «1» قوله: وجعلنا له نورا يمشي به في
الناس [الأنعام/ 122]، فيحتمل أمرين: أحدهما أن يراد به
النور المذكور في قوله: يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى
نورهم بين أيديهم وبأيمانهم [الحديد/ 12]، وقوله يوم يقول
المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم
[الحديد/ 13]، ويجوز أن يراد بالنور: الحكمة التي يؤتاها
المسلم بإسلامه، لأنه إذا جعل الكافر لكفره في الظلمات،
فالمؤمن بخلافه.
والتخفيف مثل التشديد، والمحذوف من الياءين الثانية
المنقلبة عن الواو «2»، وأعلّت «3» بالحذف كما أعلّت
بالقلب.
[الانعام: 125]
اختلفوا في تشديد الياء وتخفيفها «4» من قوله عز وجل «5»:
ضيقا [الأنعام/ 125].
فقرأ ابن كثير وحده: ضيقا* ساكنة الياء، وفي الفرقان [13]
مكانا ضيقا خفيفتين «6».
وقرأ الباقون التي في سورة الأنعام: ضيقا مشدّدة.
__________
والحمير القصار، قال: فلا أدري أيكون في الناس أم لا؟ ولا
أدري الرعلاء أبوه أو أمه. انظر مجاز القرآن 1/ 148، 149.
(1) في (ط): وأما.
(2) وأصلها: ميوت.
(3) في (ط): أعلّت.
(4) في (ط): والتخفيف.
(5) سقطت من (م).
(6) في (م): خفيفتان.
(3/399)
وكذلك روى حجّاج بن محمد الأعور عن عقبة بن
سنان عن أبي عمرو ضيقا* خفيفا. أخبرني بذلك أبو بكر «1»
محمد بن عبد الله المقري، قال: حدثنا عبد الرزّاق بن الحسن
قال: حدثنا أحمد بن جبير مقرئ أنطاكيّة، قال: حدثنا حجّاج
الأعور، عن عقبة، عن أبي عمرو أنّه قرأ: ضيقا* خفيفا «2».
الضّيق والضّيّق: مثل: الميت والميّت، في أن المحذوف مثل
المتمّ في المعنى، والياء مثل الواو في الحذف، وإن لم
يعتلّ بالقلب، كما اعتلّت الواو به، وأتبعت «3» الياء
الواو في هذا كما أتبعتها في قولهم: اتّسر. قالوا في اتسار
الجزور:
اتّسروها، فجعلت بمنزلة اتعد.
[الانعام: 125]
واختلفوا «4» في فتح الراء وكسرها من قوله عزّ وجلّ «5»:
حرجا [الأنعام/ 125].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي:
حرجا مفتوحة الراء.
وقرأ نافع وعاصم في رواية أبي بكر: حرجا* مكسورة الراء.
__________
(1) سقطت من (م).
(2) السبعة 268.
(3) في (ط): اتبعت.
(4) في (ط): اختلفوا. وجاء على هامش (ط) كلمة: (بلغت).
(5) سقطت من (م).
(3/400)
وروى حفص عن عاصم حرجا مثل أبي عمرو «1».
قال أبو زيد: حرج عليه السحور، يحرج حرجا: إذا أصبح قبل أن
يتسحّر، وحرم عليه حرما، وهما واحد، وحرمت على المرأة
الصلاة تحرم حرما، وحرجت عليها الصلاة تحرج حرجا، وهما
واحد.
وقال أبو زيد: حرج فلان يحرج حرجا، إذا هاب أن يتقدم على
الأمر، أو قاتل فصبر وهو كاره.
من فتح الراء كان وصفا بالمصدر، مثل: قمن وحرى «2»، ودنف،
ونحو ذلك من المصادر التي يوصف بها، ولا يكون «3» كبطل،
لأن اسم الفاعل في الأمر العامّ من فعل إنما يجيء على فعل.
ومن قرأ: حرجا* فهو مثل دنف، وفرق، ومعنى الكلمة فيما فسّر
أبو زيد: الضّيق والكراهة.
[الانعام: 125]
واختلفوا في تشديد العين وتخفيفها، وإدخال الألف وإخراجها
من قوله عزّ وجلّ: كأنما يصعد في السماء [الأنعام/ 125].
فقرأ ابن كثير وحده: كأنما يصعد في السماء. ساكنة الصاد
بغير ألف خفيفة.
__________
(1) السبعة ص 268.
(2) قمن: بفتح الميم، يقال: أنت قمن أن تفعل كذا، أي خليق
وجدير لا يثنّى ولا يجمع ولا يؤنق، فإن كسرت الميم أو قلت:
قمين، ثنيت وجمعت. ومثلها حرى.
(3) في (ط): تكون.
الحجة ج 3 م/ 26.
(3/401)
وقرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر وحمزة
والكسائي:
يصعد مشدّدة العين بغير ألف.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر: يصاعد بألف مشدّدة الصاد.
وروى حفص عن عاصم مشدّدة بغير ألف يصعد مثل حمزة «1».
قراءة ابن كثير يصعد في السماء من الصعود، والمعنى أنه في
نفوره من «2» الإسلام وثقله عليه بمنزلة من تكلّف «3» ما
لا يطيقه، كما أن صعود السماء لا يستطاع.
ومن قال: يصّعّد أراد: يتصعّد، فأدغم، ومعنى يتصعّد:
أنه كأنه يتكلف ما يثقل عليه وكأنه «4» يتكلف شيئا بعد
شيء، كقولهم «5»: يتفوّق ويتجرّع ونحو ذلك مما يتعاطى فيه
الفعل شيئا بعد شيء، ويصّاعد مثل: يتصعّد في المعنى مثل:
ضاعف وضعّف وناعم ونعّم.
فإن قلت: هل يجوز أن يكون فاعل يشرح صدره الضمير، العائد
إلى من* كأنّ المهديّ «6» يشرح صدر نفسه؟
__________
(1) السبعة 269.
(2) في (ط): عن.
(3) في (ط): يكلّف.
(4) في (ط): فكأنه.
(5) في (ط): كقوله.
(6) في (ط): المهتدي.
(3/402)
فإن ذلك صحيح في المعنى، والأشبه أن يكون
الضمير الذي فيه عائدا «1» إلى اسم الله عزّ وجلّ «2»
لقوله: أفمن شرح الله صدره للإسلام [الزمر/ 22]، وقوله:
ألم نشرح لك صدرك [الانشراح/ 1] وكذلك يكون الضمير الذي في
قوله يشرح صدره لاسم الله تعالى «3»، والمعنى أنّ الفعل
مسند إلى اسم الله تعالى «3» في اللفظ، وفي المعنى:
للمنشرح «5» صدره، وإنّما نسبه إلى ضمير اسم الله لأنّه
بقوته كان وتوفيقه كما قال: وما رميت إذ رميت ولكن الله
رمى [الأنفال/ 17]، ويدلّك على أن المعنى لفاعل الإيمان
إسناد هذا الفعل إلى الكافر في قوله: ولكن من شرح بالكفر
صدرا فعليهم غضب من الله [النحل/ 106]، فكما أسند الفعل
إلى فاعل الكفر كذلك يكون إسناده في المعنى إلى فاعل «6»
الإيمان. ومعنى شرح الصدر: اتساعه للإيمان أو الكفر
وانقياده له، وسهولته عليه، يدلّك على ذلك وصف خلاف المؤمن
بخلاف الشرح الذي «7» هو اتساع وهو قوله: ومن يرد أن يضله
يجعل صدره ضيقا حرجا [الأنعام/ 125] كأنما يفعل ما يعجز
عنه، ولا يستطيعه لثقله عليه وتكاؤده له.
فأما قوله: كأنما يصاعد في السماء: فمن قال: يصّاعد
__________
(1) في (م): عائد.
(2) سقطت من (م).
(3) سقطت من (ط).
(5) في (م) المنشرح.
(6) في (ط): الفاعل الإيمان.
(7) في (ط): والذي.
(3/403)
ويصّعّد، فهو من المشقّة وصعوبة الشيء ومن
«1» ذلك قوله:
يسلكه عذابا صعدا [الجن/ 17]. وقوله: سأرهقه صعودا
[المدثر/ 17]. أي: سأغشّيه عذابا صعودا، أي عقوبة «2»
صعودا أي: شاقا. ومن ذلك قول عمر «3»: «ما تصعّدني شيء كما
تصعّدتني «4» خطبة النكاح»، أي: ما شق عليّ شيء «5»
مشقّتها، وكأنّ «6» ذلك لما يتكلفه الخطيب في مدحه وإطرائه
للمملك، وربما لم يكن كذلك، فتحتاج إلى تطلّب المخلص،
فلذلك شقّ «7». ومن ذلك «8» قول الشاعر «9»:
وإن سيادة الأقوام فاعلم ... لها صعداء مطلبها شديد
فكأنّ معنى يصعد ... يتكلّف
«10» مشقة في ارتقاء
__________
(1) في (ط): من.
(2) في (ط): وعقوبة.
(3) انظر- النهاية لابن الأثير 3/ 30 واللسان (صعد).
(4) في (ط): تصعدني.
(5) سقطت من (م).
(6) في (م): وكان.
(7) في (ط): يشق.
(8) في (ط): ومنه.
(9) رواية اللسان (صعد) لهذا البيت هي:
وإن سياسة الأقوام فاعلم ... لها صعداء مطلعها طويل
ولم ينسبه.
(10) في (م): تصعّد: تتكلف ..
(3/404)
صعدا «1»، وعلى هذا قالوا: عقبة عنوت
وعنتوت «2»، وعقبة كئود، ولا تكون السماء في هذا القول
المظلّة للأرض، ولكن كما قال سيبويه: القيدود: الطويل في
غير سماء، يريد به «3» في غير ارتفاع صعدا «4»، وعلى هذا
قوله: قد نرى تقلب وجهك في السماء [البقرة/ 144].
فأما قوله: يجعل صدره ضيقا حرجا فعلى تأويلين:
أحدهما: التسمية في قوله «5»: وجعلوا الملائكة الذين هم
عباد الرحمن إناثا [الزخرف/ 19]، أي: سمّوهم بذلك، فكذلك
«6» يسمى القلب ضيّقا بمحاولة الإيمان وحرجا عنه.
والآخر: الحكم كقولهم: اجعل البصرة بغداد، وجعلت حسني
قبيحا، أي: حكمت بذلك، ولا يكون هذا من الجعل الذي يراد به
الخلق، ولا الذي يراد به «7» الإلقاء كقولك:
جعلت متاعك بعضه «8» على بعض، وقوله: .. ويجعل الخبيث بعضه
على بعض [الأنفال/ 37].
__________
(1) في (م): صعداء.
(2) معناها: العقبة الشاقة والصعبة (انظر اللسان عنت).
(3) سقطت من (ط).
(4) في (م): صعداء.
(5) في (ط): كقوله.
(6) في (ط): وكذلك.
(7) سقطت من (ط).
(8) ضبطت في (م) بضم الضاد.
(3/405)
[الانعام: 128]
[قوله: ويوم بحشرهم [الأنعام/ 128].
حفص عن عاصم ويوم يحشرهم بالياء.
وقرأ الباقون بالنون «1».
أما الياء فلقوله: لهم دار السلام عند ربهم [الأنعام/
127]، ويوم يحشرهم، والنون كالياء في المعنى، والذي يتعلق
به اليوم: هو القول المضمر. ويقوي النون قوله:
وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا [الكهف/ 47]، وقوله:
ونحشره يوم القيامة أعمى [طه/ 124].
[الانعام: 135]
اختلفوا في: الجمع والتوحيد في «2» قوله تعالى «3»:
على مكانتكم [الأنعام/ 135].
فقرأ الجميع: على «4» مكانتكم على الواحد، واختلف عن عاصم؛
فروى أبو بكر علي مكاناتكم جماع في كلّ القرآن.
وروى حفص عن عاصم، وشيبان النحوي عن عاصم:
مكانتكم واحدة في كلّ القرآن. حدثني موسى بن إسحاق قال:
حدّثنا هارون بن حاتم قال: حدّثنا عبيد الله بن موسى عن
شيبان عن عاصم أنه قرأ: على مكانتكم واحدة،
وكذلك قرأ الباقون على التوحيد أيضا «5».
__________
(1) السبعة 269 وما بين معقوفين منه.
(2) في (ط): من.
(3) في (ط): عزّ وجلّ.
(4) سقطت من (م).
(5) السبعة ص 269.
(3/406)
قال أبو زيد: يقال «1»: رجل مكين عند
السلطان من قوم مكناء «2»، وقد مكن مكانة، وقال أبو عبيدة:
على مكانتكم، أي: على حيالكم [وناحيتكم] «3»، وما جاء في
التنزيل من قوله: إنك اليوم لدينا مكين أمين [يوسف/ 54]،
وقوله:
مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم [الأنعام/ 6]؛ يدلّ «4»
على أن المكانة: المنزلة والتّمكّن، كأنه: اعملوا على قدر
منزلتكم، وتمكّنكم من «5» دنياكم، فإنّكم لن تضرّونا بذلك
شيئا، كما قال: لن يضروكم إلا أذى [آل عمران/ 111]، ومثل
هذا قوله: وقل للذين لا يؤمنون اعملوا على مكانتكم إنا
عاملون [هود/ 21].
ووجه الإفراد: أنه مصدر، والمصادر في أكثر الأمر مفردة.
ووجه الجمع أنها قد تجمع كقولهم: الحلوم والأحلام.
قال «6»:
__________
(1) في (م) قال.
(2) في (م): مكنّا.
(3) مجاز القرآن 1/ 206 وما بين معقوفين زيادة منه.
(4) في (م): فدلّ.
(5) في (ط): في.
(6) البيت للأعشى من قصيدة يمدح فيها قيس بن معديكرب
ورواية الديوان:
إذا ما هم جلسوا بالعشي ... فأحلام عاد وأيدي هضم
واليد الهضوم: هي التي تجود بما لديها، وجمعها هضم.
وانظر ديوانه/ 41 - واللسان مادة (هضم).
(3/407)
فأمّا إذا جلسوا بالعشيّ ... فأحلام عاد
وأيد هضم
والأمر العام على الوجه الأول.
[الانعام: 135]
اختلفوا في الياء والتاء من قوله [جلّ وعزّ] «1»: من تكون
له عاقبة الدار [الأنعام/ 135]، هاهنا وفي القصص [الآية/
37].
فقرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وعاصم وابن عامر «2» من
تكون له* بالتاء. وكذلك قراءتهم في سورة القصص.
وقرأ حمزة والكسائيّ: يكون له* في الموضعين بالياء «3».
العاقبة: مصدر كالعافية، وتأنيثه غير حقيقي، فمن أنّث
فكقوله «4»: وأخذت الذين ظلموا الصيحة «5» [هود/ 94]، ومن
ذكّر فكقوله: وأخذ الذين ظلموا الصيحة [هود/ 67].
وكقوله: قد جاءتكم موعظة من ربكم [يونس/ 57]، فمن جاءه
موعظة من ربه فانتهى [البقرة/ 275]، وكلا الأمرين حسن
كثير.
__________
(1) سقطت من (ط).
(2) سقطت من (م).
(3) السبعة 270.
(4) في (ط): فكقولهم.
(5) في (ط): فأخذتهم الصيحة [الحجر/ 73].
(3/408)
[الانعام: 136]
اختلفوا في فتح الزاي في قوله تعالى: بزعمهم [الأنعام/
136] وضمّها «1».
فقرأ الكسائيّ وحده بزعمهم* مضمومة الزاي.
وقرأ الباقون: بزعمهم مفتوحة «2» الزاي «3».
القول فيه «4» أنهما لغتان.
وقرأ ابن عامر وحده: وما ربك بغافل عما تعملون [النمل/ 93]
بالتاء، وقرأ الباقون بالياء «5».
[الانعام: 137]
اختلفوا في قوله [جلّ وعزّ] «6»، وكذلك زين لكثير من
المشركين قتل أولادهم شركاؤهم [الأنعام/ 137].
فقرأ ابن عامر وحده وكذلك زين* برفع الزاي لكثير من
المشركين قتل برفع اللام، أولادهم* بنصب الدال، شركايهم*
بياء.
وقرأ الباقون: زين بفتح «7» الزاي لكثير من المشركين قتل
بنصب اللام، أولادهم خفض شركاؤهم رفع «8».
__________
(1) عبارة (ط): اختلفوا في ضم الزاء وفتحها من قوله عزّ
وجلّ بزعمهم*.
(2) في (ط): بفتح.
(3) السبعة 270.
(4) في (ط): فيهما.
(5) ذكر هذا الحرف سابق لمكانه هنا. وسيتكلم المصنف عنه في
موضعه من السورة. ولعله من إقحام الناسخ.
(6) سقطت من (ط).
(7) في (ط): بنصب.
(8) السبعة 270.
(3/409)
الشركاء على قول العامة فاعل زين وهو مثل:
لا ينفع نفسا إيمانها [الأنعام/ 158]، لمّا تقدم ذكر
المشركين كنّى عنهم في قوله: شركاؤهم كما أنه لما تقدم ذكر
النفس وإبراهيم في قوله لا ينفع نفسا إيمانها وإذ ابتلى
إبراهيم ربه [البقرة/ 124] كنّى عن الاسمين المتقدم
ذكرهما. وقتل أولادهم مفعول زين، وفاعل زين شركاؤهم، ولا
يجوز أن يكون الشركاء فاعل المصدر الذي هو القتل كقوله:
ولولا دفاع الله الناس [البقرة/ 251]، لأنّ زين حينئذ يبقى
بلا فاعل، ولأن الشركاء ليسوا قاتلين، إنما هم مزيّنون
القتل للمشركين، وأضيف المصدر الذي هو القتل إلى المفعولين
الذين هم الأولاد، كقوله: لا يسأم الإنسان من دعاء الخير
[فصلت/ 49] ونحو ذلك مما يحذف معه الفاعلون والمعنى:
قتلهم أولادهم، فحذف المضاف إليه الذي هو الفاعل، كما حذف
ضمير الإنسان في قوله من دعاء الخير. والمعنى: من دعائه
الخير. وأما «1» قول ابن عامر: وكذلك زين لكثير من
المشركين قتل أولادهم شركائهم، فإن الفعل المبنيّ للمفعول
به، أسند إلى القتل فاعمل المصدر عمل الفعل، وأضافه إلى
الفاعل، ونظير ذلك قوله: ولولا دفاع الله الناس بعضهم ببعض
فاسم الله فاعل، كما أنّ الشركاء فاعلون، والمصدر مضاف إلى
الشركاء الذين هم فاعلون، والمعنى: قتل شركائهم أولادهم،
ففصل بين المضاف والمضاف إليه، بالمفعول به،
__________
(1) في (ط): فأما.
(3/410)
والمفعول به «1» مفعول المصدر، وهذا قبيح
قليل في الاستعمال، ولو عدل «2» عنها إلى غيرها كان أولى،
ألا ترى أنه لم «3» يفصل بين المضاف والمضاف إليه بالظرف
في الكلام وحال السعة، مع اتساعهم في الظروف حتى أوقعوها
مواقع لا يقع فيها غيرها نحو: إن فيها قوما جبارين
[المائدة/ 22].
ونحو «4»:
.. للهجر حولا كميلا «5» ونحو قوله:
فلا تلحني فيها فإنّ بحبّها ... أخاك مصاب القلب جمّ
بلابله
«6»
__________
(1) سقطت من (ط).
(2) في (ط): (عدل).
(3) في (ط): أنه إذا لم.
(4) سقطت من (م): نحو.
(5) هذه قطعة من بيت للعباس بن مرداس وتمامه:
على أنّني بعد ما قد مضي ... ثلاثون للهجر حولا كميلا
وبعده:
يذكرنيك حنين العجول ... ونوح الحمامة تدعو هديلا
انظر سيبويه 1/ 292 وشرح أبيات المغني 7/ 203، والخزانة 1/
573.
(6) هو من شواهد سيبويه الخمسين التي لم يعرف قائلها.
انظر سيبويه 1/ 280. الخزانة 3/ 572 شرح أبيات المغني 8/
105.
(3/411)
ألا ترى أنه قد فصل بين أنّ واسمها «1» بما
يتعلق بخبرها، ولو كان بغير الظرف لم يجز ذلك، ألا ترى
أنهم لا يجيزون: إن زيدا عمرا ضارب، إذا نصبت زيدا بضارب،
فإذا لم يجيزوا الفصل بين المضاف والمضاف إليه بالظرف في
الكلام، مع اتساعهم في الظرف في الكلام، وإنما جاز «2» في
الشعر كقوله «3»:
كما خطّ الكتاب بكفّ يوما ... يهوديّ ...
كان لا يجوز في المفعول به الذي لم يتّسع «4» فيه بالفصل،
به أجدر.
ووجه ذلك على ضعفه وقلة الاستعمال أنه قد جاء في الشعر
الفصل على حدّ ما قرأه، قال الطّرمّاح «5»:
__________
(1) في (ط): أن وبين اسمها.
(2) في (ط): جاء.
(3) جزء من بيت لأبي حية النميري وتمامه:
كما خطّ الكتاب بكفّ يوما ... يهوديّ يقارب أو يزيل
وهو يصف رسم الدار التي وقف عليها ويشبهه بالكتابة- وكانت
الكتابة يتعاطاها اليهود، وقوله: يقارب أي: يدني بعض خطه
من بعض. وقوله:
يزيل أي: يميز بين الحروف ويباعد بينها- انظر الخصائص 2/
405 - شواهد العينى 3/ 470 - اللسان: مادة/ عجم/ وفيه:
كتحبير الكتاب.
(4) في (ط): يتّسع.
(5) سبق في ص 118 من هذا الجزء.
(3/412)
يطفن بحوزيّ المراتع لم يرع ... بواديه من
قرع القسيّ الكنائن
«1» وزعموا أن أبا الحسن أنشد «2»:
زجّ القلوص أبي مزادة وهذان البيتان مثل قراءة ابن عامر،
ألا ترى أنه قد فصل فيهما «3» بين المصدر والمضاف إليهما
«4»، كما فصل ابن عامر بين المصدر، وما حكمه أن يكون مضافا
إليه؟ وذكر سيبويه في هذه الآية قراءة أخرى، وهي: وكذلك
زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم، وحمل الشركاء
فيها على فعل مضمر غير هذا الظاهر «5».
[كأنه لما قيل: وكذلك زين لكثير من المشركين] «6».
قيل: من زيّنه؟؛ فقال: زيّنه شركاؤهم. قال: ومثل ذلك قوله
«7»:
__________
(1) في (م): الكتائب وهو تحريف.
(2) عجز بيت وصدره:
فزججتها بمزجّة.
زجّه: طعنه بالرمح- انظر الخصائص 2/ 406 - العيني 3/ 468.
الخزانة 2/ 251 ابن يعيش 3/ 19.
(3) في (ط): فيما.
(4) في (ط): إليه.
(5) انظر سيبويه 1/ 146.
(6) ما بين المعقوفين ساقط من (م).
(7) البيت من مقطعة اختلف في نسبتها، وقد بسط ذلك الخلاف
البغدادي في الخزانة 1/ 152. وانظر ديوان لبيد/ 361 (ط
الكويت) - وسيبويه 1/ 145 - ونسبه للحارث بن نهيك-
والخصائص 2/ 353.
(3/413)
ليبك يزيد ضارع لخصومة ... ومختبط ممّا
تطيح الطوائح
كأنّه لما قال: ليبك يزيد، دلّ على أن له باكيا، فقال:
يبكيه ضارع، ومثل هذه الآية على هذه القراءة قوله: يسبح له
فيها بالغدو والآصال رجال [النور/ 36]، كأنّه لما قال:
يسبح* فدلّ على يسبح «1» فقيل له «2»: من يسبحه؟ قال:
يسبّحه رجال.
[الانعام: 139]
اختلفوا في الياء والتاء من قوله [جلّ وعزّ]: «3» [وإن يكن
ميتة في الرفع والنصب] «4» [الأنعام/ 139].
فقرأ ابن كثير: وإن يكن بالياء ميتة* رفعا خفيفا.
وقرأ ابن عامر: وإن تكن بالتاء، ميتة* رفعا.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر [وإن تكن] «5» بالتاء، ميتة
نصبا، وروى حفص عنه بالياء ميتة نصبا.
وقرأ نافع، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائيّ: يكن بالياء، ميتة
نصبا «6».
__________
(1) في (ط): مسبح.
(2) سقطت من (م).
(3) سقطت من (ط).
(4) ما بين المعقوفتين ورد في (ط) كما يلي: وإن تكن وفي
الرفع والنصب من قوله (ميتة).
(5) سقطت من (ط).
(6) السبعة 270 - 271.
(3/414)
قراءة ابن كثير: وإن يكن بالياء، ميتة*
رفعا، أنه لم يلحق الفعل علامة التأنيث لمّا كان الفاعل
المسند إليه تأنيثه غير حقيقي، ولم يجعل في يكن شيئا.
والمعنى: وإن وقع ميتة، أو حدث ميتة.
وألحق ابن عامر الفعل علامة التأنيث، لما كان الفاعل في
اللفظ مؤنثا، وأسند الفعل إلى الميتة، كما فعل ذلك ابن
كثير.
وأما قراءة أبي عمرو ومن تبعه وإن يكن ميتة فإنه «1» ذكّر
الفعل لأنه مسند إلى ضمير ما تقدم في «2» قوله: ما في بطون
هذه الأنعام [الأنعام/ 139]، وهو مذكّر، وانتصب الميتة لما
كان الفعل مسندا إلى الضمير، ولم يسنده إلى الميتة، كما
فعل ابن كثير وابن عامر.
وأما قراءة عاصم في رواية أبي بكر، تكن* بالتاء.
ميتة فإنّه أنّث، وإن كان المتقدم مذكرا لأنه حمله على
المعنى، وما في بطون «3» الأنعام حوران فحمل على المعنى
كما قالوا: ما جاءت حاجتك، فأنث الضمير لمّا كان في المعنى
حاجة.
ورواية حفص يكن بالياء، ميتة على لفظ المتقدم الذي هو
مذكر.
__________
(1) في (ط): فكأنّه.
(2) في (ط): من.
(3) في (ط): وما في بطون هذه الأنعام.
(3/415)
[الانعام: 140]
اختلفوا في التخفيف والتشديد في التاء في «1» قوله [جلّ
وعزّ]: «2» قد خسر الذين قتلوا أولادهم [الأنعام/ 140].
فقرأ ابن كثير وابن عامر قتلوا* مشددة التاء.
وقرأ الباقون قتلوا «3» خفيفة التاء «4».
التشديد للتكثير مثل: مفتحة لهم الأبواب [ص/ 50]، والتخفيف
يدلّ على الكثرة «5».
[الانعام: 141]
اختلفوا في فتح الحاء وكسرها من قوله عزّ وجلّ: «6» يوم
حصاده [الأنعام/ 141].
فقرأ ابن كثير، ونافع، وحمزة، والكسائيّ حصاده بكسر الحاء.
وقرأ عاصم، وأبو عمرو، وابن عامر حصاده مفتوحة الحاء «7».
قال سيبويه: جاءوا بالمصادر حين أرادوا انتهاء الزمان على
مثال: فعال وذلك الصّرام، والجرام «8»، والجذاذ «9»،
__________
(1) في (ط): من.
(2) سقطت من (ط).
(3) سقطت من (ط).
(4) السبعة 271. وانظر ما سبق في سورة آل عمران آية 169.
(5) قال مكي بن أبي طالب: لأن التخفيف للتقليل والتكثير،
فهو كالتشديد في أحد وجهيه، وهو الاختيار لإجماع القراء
عليه. الكشف 1/ 364. وانظر.
ما سبق في سورة آل عمران آية 169.
(6) سقطت من (م).
(7) السبعة 271.
(8) في (ط): الجزاز، وكذلك هي في سيبويه، والجرام: من جرم
النخل وهو قطعة.
(9) في (ط): وسيبويه: الجداد بدالين: وهما بمعنى.
(3/416)
والقطاع، والحصاد، وربّما دخلت اللغة في
بعض هذا، فكان فيه فعال، وفعال «1». فقد «2» تبيّنت مما
قال: أن الحصاد والحصاد لغتان، فأما قول النابغة «3»:
يمدّه كلّ واد مزبد لجب ... فيه ركام من الينبوت والحصد
فإن محمّد بن السّريّ روى فيه: الحصد، وذكر أن بعضهم رواه:
الخضد، وفسّر الخضد: ما تكسّر من الشجر.
قلل أبو علي: ويجوز أن يكون الحصد الذي يفسره «4» ابن
السرّي: الحصاد حذف الألف منه، كما يقصر الممدود، وكأن
المحصود سمّي الحصاد باسم المصدر، كالخلق، والصيد، وضرب
الأمير، ونسج اليمن، ونحو ذلك، ويدلّك «5» على ذلك قول
الأعشى «6»:
__________
(1) سيبويه 2/ 217.
(2) في (ط): وقد.
(3) رواية البيت في ديوانه ص 27:
يمده كلّ واد مترع لجب ... فيه ركام من الينبوت والخضد
واللجب: المصوّت لشدة جريه- والينبوت: شجر الخرّوب.
(4) في (ط): لم يفسره.
(5) في (ط): ويدلّ.
(6) البيت من قصيدة طويلة في ديوانه ص 99 يمدح فيها هوذة
بن علي الحنفي ورواية الديوان: لها جرس. يصف صوت الدروع في
الحرب.
(3/417)
له زجل كحفيف الحصا ... د صادف بالليل ريحا
دبورا
والحفيف إنما يكون للمحصود، ومثل ذلك قول العجّاج «1»:
هذّ الحصاد بغروب المنجل
[الانعام: 143]
اختلفوا في فتح العين وإسكانها من المعز [الأنعام/ 143].
فقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر، من المعز بفتح
العين.
وقرأ نافع وعاصم وحمزة والكسائيّ من المعز ساكنة العين
«2».
من قرأ: المعز فإن المعز جمع، يدلّ على ذلك قوله: ومن
المعز اثنين «3» ومن الضأن اثنين ولو كان واحدا لم يسغ فيه
هذا، فأما انتصاب اثنين فمحمول على أنشأ، التقدير:
__________
(1) شطر بيت من الرجز جاءت روايته في ديوانه 1/ 311:
سوق الحصاد بغروب المنجل وقبله:
خضمّة الذّراع هذّ المختلي وقد جاءت «هذّ» في (م) و (ط)
بإثبات الألف بعدها، وهو سبق قلم من النساخ. والهذ: القطع.
والغروب: جمع غرب، وغرب كل شيء:
حدّه. وسوق في الرواية الثانية: جمع سارق. والرجز في وصف
سيف قاطع.
(2) السبعة 269.
(3) سقط من (ط): (ومن المعز اثنين) وكتبت في (م) على هامش
النسخة.
(3/418)
أنشأ ثمانية أزواج، أنشأ من كذا اثنين.
فأمّا المعز في جمع ماعز، فهو: مثل خادم، وخدم، وطالب،
وطلب، وحارس، وحرس، وحكى أحمد بن يحيى:
رائح وروح، وقال أبو الحسن: هو جمع على غير واحد، وكذلك
المعزى، وحكى أبو زيد: الأمعوز، وأنشد «1»:
كالتيس في أمعوزه المتربّل وقال «2»: المعيز، كالكليب
والضئين، قال «3»:
ويمنحها بنو شمجى بن جرم ... معيزهم حنانك ذا الحنان
فأما من قال: المعز بإسكان العين: فهو على هذا جمع أيضا،
كما كان في قول من فتح العين جمعا أيضا، وجمع ماعز عليه،
كما قالوا: صاحب وصحب وتاجر وتجر، وراكب وركب.
وأبو الحسن «4» يرى هذا الجمع مستمرا فيردّه في التصغير
إلى
__________
(1) عجز بيت لربيعة بن مقروم الضبي وصدره:
أخلصته صنعا فآض محملجا والمتربّل: الذي قد أكل الرّبل
(ضرب من الشجر)، والأمعوز: القطيع من الظباء. انظر النوادر
297 (ط. الفاتح). والمحملج: يقال للعير الذي دوخل خلقه
اكتنازا (اللسان).
(2) في ط: وقالوا.
(3) البيت لامرئ القيس. والمعيز اسم لجماعة المعز- وحنانك
ذا الحنان:
يعني رحمتك يا ذا الرحمة. انظر ديوانه/ 143.
(4) في (ط): الحسين والأظهر ما في (م).
(3/419)
الواحد فيقول في تحقير ركب: رويكبون، وفي
تجر:
تويجرون، وسيبويه يراه اسما من أسماء الجمع، وأنشد أبو
عثمان في الاحتجاج لقول سيبويه «1»:
بنيته بعصبة من ماليا ... أخشى ركيبا أو رجيلا غاديا
فتحقيره له على لفظه من غير أن يردّه إلى الواحد الذي هو
فاعل، ويلحق الواو والنون أو الياء، يدل على أنه اسم
للجمع. وأنشد أبو زيد «2»:
وأين ركيب واضعون رحالهم ... إلى أهل [بعل من مقامة أهودا]
«3» وقال أبو عثمان: البقرة عند العرب: نعجة، والظبية
عندهم ما عزة، والدليل على أن ذلك كما ذكره قول ذي الرمة
«4»:
__________
(1) الشاهد في المنصف 2/ 101. شرح المفصل 5/ 77 شرح شواهد
الشافية/ 150 ولم ينسب.
(2) البيت لعبد القيس بن خفاف البرجمي ورواية عجزه في
النوادر ص 114:
إلى أهل نار من أناس بأسودا وقبله عنده:
إذا ما اتصلت قلت يال تميم ... وأين تميم من مقامة أهودا
(3) ما بين معقوفين سقط من «م».
(4) في ديوانه 1/ 231 (إذا ما رآها) بدلا من (إذا ما
علاها) وكذلك (أو يثيرها).
(3/420)
إذا ما علاها راكب الصّيف لم يزل ... يرى
نعجة في مرتع ويثيرها
مولّعة خنساء ليست بنعجة ... يدمن أجواف المياه وقيرها
فقوله: لم يزل يرى نعجة يريد به «1» بقرة ألا ترى أنّه
قال: مولّعة خنساء، والخنس والتوليع: إنما يكونان في البقر
دون الظباء، وقوله: ليست بنعجة، معناه: أنه «2» ليست بنعجة
أهلية، يدلك على ذلك أنه لا يخلو من أن يريد أنه «3» ليست
بنعجة أهلية، أو ليست بنعجة، فلا يجوز أن يحمل على أنها
ليست بنعجة، لأنك إن حملته على هذا، نفيت ما أوجبه من
قوله: لم يزل يرى نعجة، فإذا لم يجز ذلك، علمت أنه يريد
بقوله: ليست بنعجة، ليست بنعجة أهلية.
والدّلالة على أنّ الظبية ما عزة قول أبي ذؤيب «4».
__________
ومعنى البيتين: هذه الرملة مأوى الوحش فلا يزال راكبها
بالصيف يرى نعجة، وهي نعجة وحشية لا إنسية تألف أجواف
المياه أولادها- وسيزيد المصنف ذلك إيضاحا وبسطا.
(1) ساقط من (ط).
(2) في (ط): أنها.
(3) في (ط): أنها.
(4) من قصيدة في 41 بيتا. يرثي فيها نشيبة بن محرث، والبيت
هو التاسع والثلاثون من أبياتها. انظر شرح السكري 1/ 86
قوله: عادية: رجال يعدون، والمحص بالصاد المهملة: عدو
شديد، وانبتارها: في شرح السكري: وانبتارها، يقول: تنبتر
من الخيل فتسبق وتمضي.
(3/421)
وعادية تلقي الثياب كأنّها ... تيوس ظباء
محصها وانبتارها
وقوله: تيوس ظباء، كقوله: تيوس معز، ولو كانت عندهم ضائنة،
ولم تكن ماعزة لقال: كأنّها كباش ظباء.
ويدلّ على أن نعجة في قوله: ليست بنعجة، يريد به النعجة
الأهلية قوله «1»:
يدمن أجواف المياه وقيرها «2» والوقير: الشاء يكون فيها
كلب وحمار «3» فيما روي عن الأصمعي
[الانعام: 145]
واختلفوا «4» في الياء والتاء من قوله عزّ وجلّ «5»: إلا
أن يكون ميتة [الأنعام/ 145].
فقرأ ابن كثير وحمزة: إلا أن تكون* بالتاء، ميتة نصبا.
وقرأ نافع، وأبو عمرو، وعاصم، والكسائيّ: إلا أن يكون
بالياء، ميتة نصبا، وقد روى نصر بن علي عن أبيه قال: سمعت
أبا عمرو يقرأ: إلا أن يكون وإلا أن تكون* بالياء والتاء.
__________
(1) في (م): بقوله.
(2) سبق قريبا.
(3) سقطت من (م).
(4) في (ط): اختلفوا.
(5) سقطت من (م).
(3/422)
وقرأ ابن عامر وحده: إلا أن تكون* بالتاء،
ميتة* رفعا «1».
قول ابن كثير وحمزة محمول على المعنى، كأنّه قال: إلّا أن
تكون العين أو النفس أو الجثّة ميتة، ألا ترى أن المحرّم
لا يخلو من جواز العبارة عنه بأحد هذه الأشياء؟، وليس
قوله:
إلا أن يكون كقولك: ما جاءني القوم لا يكون زيدا، وليس
زيدا، في أن الضمير الذي يتضمّنه في الاستثناء، لا يظهر
ولا يدخل الفعل علامة تأنيث، لأنّ الفعل إنما يكون عاريا
من علامة ومن أن يظهر معه الضمير، إذا لم يدخل عليه أن،
وأمّا «2» إذا دخله أن فعلى حكم سائر الأفعال.
وقول أبي عمرو ومن معه: إلا أن يكون ميتة نصبا، فإنه جعل
فيه ضميرا مما تقدّم، وهو أقيس من الأول، كأنّه قال «3»:
إلّا أن يكون الموجود ميتة، ويجوز أن يكون أضمر مؤنثا، كما
أضمره ابن كثير وحمزة، إلّا أنه ذكر الفعل لمّا تقدّم.
ويؤكد ذلك «4» ما روي عن أبي عمرو من «5» أنه قرأ بالتاء
والياء، وقول ابن عامر على: إلّا «6» أن تقع ميتة، أو تحدث
__________
(1) السبعة: 272.
(2) في (ط): فأما.
(3) سقطت من (ط).
(4) سقطت من (م).
(5) سقطت من (ط).
(6) عبارة (ط): على أن لا.
(3/423)
ميتة، فألحق علامة التأنيث الفعل كما لحق
في نحو: قد جاءتكم موعظة من ربكم [يونس/ 57].
[الانعام: 152]
واختلفوا «1» في تشديد الذّال وتخفيفها من قوله تعالى «2»:
يذكرون* [الأنعام/ 57].
واختلوا «1» في تشديد الذّال وتخفيفها من قوله تعالى «2»:
يذكرون* [الأنعام/ 152].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: يذكرون*، وتذكرون*، ويذكر
الإنسان [مريم/ 67]، وأن يذكر [الفرقان/ 62]، وليذكروا
[الإسراء/ 41 - الفرقان/ 50]، مشددا ذلك كله.
وقرأ نافع وعاصم في رواية أبي بكر وابن عامر: كلّ ذلك
بالتشديد إلّا قوله: أولا يذكر الإنسان [مريم/ 67]، فإنهم
خفّفوها.
وروى عليّ بن نصر بن علي عن أبيه عن أبان عن عاصم: تذكرون
خفيفة الذال في كل القرآن، وكذلك روى حفص عن عاصم.
وقرأ حمزة والكسائيّ: يذكرون* مشدّدا إذا كان بالياء،
وتذكرون «5» مخففا إذا كان بالتاء.
واختلفوا في سورة الفرقان في قوله: لمن أراد أن يذكر
[الآية/ 62]، فقرأ حمزة وحده: أن يذكر* مخفّفة، وقرأ
الكسائي: أن يذكر مشدّدة، واتفقا على تخفيف الذّال في
__________
(1) في (ط): اختلفوا.
(2) في (ط): عزّ وجلّ.
(5) ضبطها في (م): (تذكرون) بتسكين الذال وضم الكاف.
(3/424)
بني إسرائيل [41] والفرقان [50] في قوله:
ليذكروا خفيفة، وشدّدها الباقون.
واتّفقوا على تخفيف ذال قوله «1»: وما يذكرون ورفع الكاف
في المدثر [56].
فقرأ نافع: وما تذكرون بالتاء ورفع الكاف. وقرأ الباقون
بالياء «2».
قال سيبويه قالوا «3»: ذكرته ذكرا، كحفظته حفظا، وقالوا:
ذكرا مثل: شربا، وذكر: فعل متعد إلى مفعول واحد، قال:
فاذكروني أذكركم [البقرة/ 152]، واذكروا نعمة الله عليكم
[الأحزاب/ 9]، فإذا ضاعفت العين تعدى إلى مفعولين نحو:
ذكّرت زيدا أمره، قال «4»:
يذكّرنيك حنين العجول ... ونوح الحمامة تدعو هديلا
ونقله بالهمزة في القياس كتضعيف العين، وتقول: ذكّرته
__________
(1) عبارة (ط): على تخفيف الذال من قوله.
(2) السبعة 272 - 273.
(3) سقطت من (م).
(4) البيت للعباس بن مرداس- انظر مجالس ثعلب 424 والإنصاف
308 وابن يعيش 4/ 130 والخزانة 1/ 573 و 3/ 119 وشرح أبيات
المغني 7/ 203 وقد جاء في سيبويه 1/ 292 مع آخر قبله بغير
نسبة.
والعجول من الإبل: الواله التي فقدت ولدها. والهديل: الذكر
من الحمام.
(3/425)
فتذكّر تفعّل، لأن تذكّر مطاوع فعّل، كما
أن تفاعل «1» مطاوع فاعل، قال: إذا مسهم طيف «2» من
الشيطان تذكروا [الأعراف/ 201]، وقد تعدّى تفعّلت، قال
«3»:
تذكّرت أرضا بها أهلها ... أخوالها فيها وأعمامها
وأنشد أبو زيد «4»:
تذكّرت ليلى لات حين ادّكارها ... وقد حني الأصلاب ضلّا
بتضلال
فقال: ادّكارها، كما قال: وتبتل إليه تبتيلا [المزمل/ 8]،
ونحو ذلك مما لا يجيء المصدر فيه على فعله، وجاء المصدر
على ذكرى بألف التأنيث، كما جاء على فعلى، نحو: الدعوى
والعدوى، وتترى فيمن لم يصرف، وعلى فعلى نحو: شورى، وقالوا
في الجمع: الذّكر فجعلوه بمنزلة سدرة وسدر، كما جعلوا
العلى مثل الظلم، وقالوا: الدكر، بالدال، حكاه سيبويه،
والقياس: الذّكر بالذال المعجمة،
__________
(1) في (م): (يفاعل) وهو خطأ.
(2) طيف: قراءة ابن كثير وأبي عمر والكسائي، وستأتي في
موضعها.
(3) البيت لعمرو بن قميئة وهو من شواهد سيبويه، أورده
شاهدا على نصب أعمامها وأخوالها بإضمار فعل انظر سيبويه 1/
144 - والخصائص 2/ 427 - المحتسب 1/ 116.
(4) البيت لعمرو بن شأس- أدرك الإسلام. وهو أول مقطّعة.
انظر النوادر 225 (ط الفاتح) واللسان (ضلل) وذكر أن هذه
العبارة «ضلا بتضلال» تقال للباطل.
(3/426)
وكذلك روي بيت ابن مقبل «1»:
من بعض ما يعتري قلبي من الدّكر لما كثر تصرف الكلمة «2»
بالدّال، نحو ادكر [يوسف/ 45]، وهل من مدكر [القمر/ 15]،
وقال «3»:
وبدّلت شوقا بها وادّكارا أشبهت تقوى، وتقيّة، وتقاة، وهذا
أتقى من هذا، وفي التنزيل: وادكر بعد أمة [يوسف/ 45]،
وفيه: فهل من مدكر، ويجوز في القياس أن يكون ادّكرت متعديا
مثل: شويته، واشتويته، وحفرته واحتفرته، وعرّوته،
واعتريته، وفي التنزيل: إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا
[هود/ 54]، وكذلك: عرّه، واعترّه، ويقوي ذلك قول الشاعر
«4»:
تذكرت ليلى لات حين «5» ادّكارها فأضاف المصدر إلى المفعول
به.
فأما قوله: واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض
__________
(1) صدر البيت:
يا ليت لي سلوة يشفى الفؤاد بها انظر ديوانه/ 81.
(2) عبارة (ط): لمّا كثر تصرّف بالكلمة بالدال.
(3) عجز بيت للأعشى في ديوانه ص 45:
وبانت بها غربات النّوى
(4) تقدم ذكره قريبا.
(5) في (ط): حين لات حين، بزيادة حين قبل لات وهو خطأ.
(3/427)
[الأنفال/ 26]، فمن الذكر الذي يكون عن
النسيان، والمعنى: قابلوا أحوالكم «1» التي أنتم عليها
الآن، بتلك الحال المتقدمة ليتبيّن لكم موضع النعمة
فتشكروا عليه، وهذا قريب من قوله: واذكروا إذ كنتم قليلا
فكثركم [الأعراف/ 86]، فقوله «2»: ذلكم وصاكم به لعلكم
تذكرون [الأنعام/ 152].
أي: ذلك الذي تقدم ذكره في «3» ذكر مال اليتيم، وأن لا
يقرب إلّا بالتي هي أحسن، وإيفاء الكيل، واجتناب البخس،
والتطفيف فيهما، وتحرّي الحقّ على مقدار الطاقة والاجتهاد،
ولذلك «4» أتبع بقوله: لا نكلف نفسا إلا وسعها [الأنعام/
152]، والقول بالقسط والحقّ، ولو كان المقول فيه، والمشهود
له، والمحكوم «5» له، ذا قربى، والوفاء بالعهد، لينجز ما
وعد عليه من قوله: ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه
أجرا عظيما [الفتح/ 10].
هذا كلّه مما وصّى به، ليتذكروه، ويأخذوا به، ولا «6»
يطرحوه، فيتذكرون، هو الوجه والمعنى عليه، لأنه أمر نافذ
بأخذ بعد أخذ، ووقت «7» بعد وقت، فهو من باب التفوّق
والتجرّع، وكذلك التذكّر من قوله: أولا يذكر الإنسان أنا
__________
(1) في (ط): حالكم.
(2) في (ط): وقوله.
(3) في (ط): من.
(4) في (م): وكذلك.
(5) في (ط): أو المحكوم.
(6) في (ط): فلا.
(7) في (م): ووقتا بعد وقت.
(3/428)
خلقناه من قبل [مريم/ 67]، إنما «1» هو حضّ
على الشكر على خلقه وإحيائه وتعريضه للنعيم الدائم والخلود
فيه.
فأما قوله: وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن
يذكر [الفرقان/ 62] أي أن «2» يتفكّر، فيتبيّن «3» شكر
الله، وموضع النعمة، وإتقان الصنعة، فيستدلّ منه على
التوحيد، فيستوجب بذلك المنزلة الرفيعة، وقوله تعالى «4»:
ولقد صرفناه بينهم ليذكروا [الفرقان/ 50]، أي: صرفنا هذا
الماء المنزل بينهم في مراعيهم ومزارعهم وشربهم، ليتفكروا
في ذلك في مكان النعمة به.
قال أحمد «5»: وقرأ عاصم في رواية أبي بكر ونافع وابن عامر
«6» كلّ ذلك بالتشديد إلّا قوله: أو لا يذكر الإنسان
[مريم/ 67]، فإنّهم خفّفوها، كأنهم ذهبوا في تخفيف ذلك،
إلى أنّ إيجاده وإنشاءه هو «7» دفعة واحدة، فحضّ على ذكر
تلك النعمة، فلم يلزم عندهم أن يكون على لفظ التكثير، وما
يحدث مرّة بعد مرّة، والباقون كأنهم ذهبوا إلى أنّه ينبغي
أن يتذكّر ذلك مرّة بعد مرّة، وإن كان دفعة كما يتذكر
الأشياء الأخر
__________
(1) في (ط): وإنما.
(2) سقطت من (ط).
(3) في (م) فيبين. وعليها فإن ضبط ما بعدها يختلف من الفتح
إلى الضم.
(4) سقطت من (ط).
(5) سقطت من (م).
(6) عبارة (ط): وقرأ نافع وعاصم في رواية أبي بكر وابن
عامر.
(7) في (ط): أي هو دفعة واحدة.
(3/429)
المتكرّرة، ليكون شكره للنعمة بمكان ذلك
متتابعا. كما يكون ذلك في الحال المتكررة.
قال: أحمد «1» وروى نصر بن علي عن أبيه عن أبان عن عاصم
«2» تذكرون خفيفة الذّال في كلّ القرآن، وكذلك روى حفص عن
عاصم.
والقول في ذلك أن التخفيف مثل التشديد في المعنى، إنما هو
تتذكرون فحذف لاجتماع المتقاربة بالحذف كما خفّفه غيره
بالإدغام، ويمكن أن يقال: إنّ الحذف أولى لأنه أخفّ في
اللفظ، والدلالة على المعنى قائمة.
قال أحمد «3»: وقرأ حمزة والكسائيّ يذكرون* مشدّدا إذا كان
بالياء، يتذكّرون، مخففا إذا كان بالتاء، هذا مثل رواية
أبان وحفص عن عاصم «4».
فأما تشديد حمزة والكسائي يذكرون*، إذا كان بالياء،
وتخفيفها «5» إذا كان بالتاء، فإنهما ثقّلا يذكرون*
بالياء، لأنه لم تجتمع المتقاربة مع الياء، كما اجتمعت مع
التاء، ألا ترى أن الياء ليست بمقاربة للتاء، كما أن التاء
مثل له «6» في
__________
(1) سقطت من (م).
(2) في (ط): نصر عن أبيه عن عاصم.
(3) سقطت من (م).
(4) في (ط): عنه. بدل عن عاصم.
(5) في (ط): وتخفيفهما.
(6) في (ط): لها.
(3/430)
يتذكّرون، فلما لم تجتمع المقاربة ولا
الأمثال مع الياء، إنّما ولم يحذفا، وحذفا في: يتذكرون*
لاجتماع التاءين، وكون الدال معهما «1» مقاربة لهما. وهذا
اعتبار حسن، وهو كاعتبار عاصم في رواية أبان وحفص عنه.
فأمّا اختلافهم في سورة الفرقان في قوله: لمن أراد أن يذكر
[الفرقان/ 62]، وقرأ «2» حمزة وحده أن يذكر* مخفّفة، وقرأ
«2» الكسائي: أن يذكر مشدّدة، والتشديد على أن «4» يتذكر
نعم الله تعالى «5» ويذكّر ليدرك العلم بقدرته، ويستدل على
توحيده كما قال: أولم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله
السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق [الروم/ 8]، أولم
ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء
[الأعراف/ 185] وتخفيف حمزة على أنّه يذكر ما نسيه في أحد
هذين الوقتين في الوقت الآخر، وهو «6» فيما زعموا قراءة
الأعمش، ويجوز أن يكون على: يذكر تنزيه الله وتسبيحه، أي:
يذكر ما ندب إليه من «7» قوله عزّ من قائل «8»: يا أيها
الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا، وسبحوه بكرة وأصيلا
[الأحزاب/ 41]، ويجوز أن يكون على: أراد أن يذكر نعم الله
__________
(1) سقطت من (م).
(2) في (ط): وقراءة.
(4) في (ط): أنه.
(5) سقطت من (ط).
(6) في (ط): وهي.
(7) في (ط): في.
(8) سقطت من (ط): عز من قائل.
(3/431)
عليه، فيشكر «1» لها، كما قال: اذكروا نعمت
الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم
عنكم [المائدة/ 11]، واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه
[المائدة/ 7]، أي: تلقّوها بالشكر.
قال أحمد: واتفقا على تخفيف الدال في بني إسرائيل وفي
الفرقان في قوله: ليذكروا* خفيفة، وشدّدها الباقون.
أما في بني إسرائيل فقوله: ولقد صرفنا في هذا القرآن
ليذكروا، وما يزيدهم إلا نفورا [الإسراء/ 41]، فمعنى صرفنا
في هذا القرآن: صرّفنا ضروب القول فيه من الأمثال وغيرها
مما يوجب الاعتبار به والتفكّر فيه، كما قال: ولقد وصلنا
لهم القول لعلهم يتذكرون [القصص/ 51]، وقال:
وصرفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون [طه/ 113]. وقال «2»:
وما يزيدهم إلا نفورا أي وما يزيدهم تصريف القول إلّا
نفورا، أضمر الفاعل لدلالة ما تقدّم عليه، كما قال: فلما
جاءهم نذير ما زادهم [فاطر/ 42]، أي: ما زادهم مجيئه إلّا
نفورا، ومعنى: ما زادهم إلا نفورا أراد: زادهم «3» نفورا
عند مجيئه، فنسب ذلك إلى السورة، والنذير. أو الآية على
الاتساع لمّا ازدادوا هم عند ذلك نفورا وعنادا، كما قال:
رب إنهن أضللن كثيرا من الناس [إبراهيم/ 36]، وإنما ضلّ
الناس، ولم تضلّهم الأصنام، وكذلك: فزادتهم رجسا إلى رجسهم
__________
(1) في (ط): فيشكرها.
(2) سقطت من (ط).
(3) في (م) زادوهم.
(3/432)
[التوبة/ 125]. وأما ما في الفرقان مما
اتّفق حمزة والكسائيّ على تخفيفه، وشدّدهما غيرهما «1»
فقوله: ولقد صرفناه بينهم [الفرقان/ 50]، أي: الماء المنزل
من السماء سقيا لهم وغيثا، ليذكروا موضع النعمة فيشكروه،
ويتقبّلوه «2» بالشكر، فأبى أكثر الناس الشكر لمكانه،
وكفروا بالنعمة «3» به، وقد يقال: إن كفر النعمة به قولهم:
مطرنا بنوء كذا، وكذلك قوله: وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون
[الواقعة/ 82] فكأنّه على هذا تجعلون شكر رزقكم التكذيب،
ومثل ذلك ما أنشده أبو زيد:
فكان ما ربحت تحت «4» الغيثرة ... وفي الزّحام أن وضعت
عشره
«5» قال [أحمد] «6» واتفقوا على تخفيف ذال قوله: وما
يذكرون ورفع الكاف في المدّثر [56]. فقرأ نافع: وما تذكرون
بالتاء ورفع الكاف. وقرأ الباقون بالياء.
__________
(1) في (ط): وشدده غيرهما.
(2) في (ط): فيشكروا ويتقبلوه.
(3) في (ط): النعمة.
(4) في (ط): وسط، وفي النوادر: ما أصبت وسط.
(5) من رجز ذكر أبو زيد في نوادره ص 407 (ط الفاتح) سبب
وروده ولم ينسبه.
والغيثرة: الجماعة من الناس المختلطون من الناس الغوغاء
(اللسان غثر عن أبي زيد) ووضع في تجارته: غبن وخسر فيها
(اللسان وضع وأورد الرجز).
(6) سقطت من (ط).
(3/433)
وروي عن الحسن في قوله: كلا إنها تذكرة
[المدثر/ 54]، قال: القرآن، فأما قوله: فمن شاء ذكره
[المدثر/ 55]، فتقديره أن ذلك ميسّر له كما قال: ولقد
يسرنا القرآن للذكر [القمر/ 17]، أي: لأن يحفظ ويدرس،
فيؤمن عليه التحريف والتبديل الذي جاز على غيره من الكتب
لتيسيره للحفظ، ودرس الكثرة له وخروجه بذلك عن الحدّ الذي
يجوز معه التبديل له، والتغيير، وقال: إنا نحن نزلنا الذكر
وإنا له لحافظون [الحجر/ 9]، فأما قوله: إنا سنلقي عليك
قولا ثقيلا [المزمل/ 5]، فليس على ثقل الحفظ له، واعتياصه،
ولكن كما قال الحسن: إنّهم ليهذّونه هذّا «1»، ولكن العمل
به ثقيل.
ويجوز أن يكون المراد به ثقيل على من عانده، فردّه ولم
ينقد له، كما قال: وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم
لما سمعوا الذكر ويقولون [القلم/ 51]، وقوله «2»:
وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات تعرف في وجوه الذين كفروا
المنكر [الحج/ 72]، وكقوله: ثم عبس وبسر. ثم أدبر واستكبر.
فقال إن هذا إلا سحر يؤثر. إن هذا إلا قول البشر [المدثر/
22 - 25].
فأما وجه الياء فلأن قبله ما يدل عليه الياء، وهو قوله:
كلا بل لا يخافون الآخرة [المدثر/ 53]، وما يذكرون
__________
(1) هذّ القرآن يهذّه هذّا: أي سرده سردا.
(2) سقطت من (ط).
(3/434)
[المدثر/ 56] ووجه آخر، وهو: أنه يجوز أن
يكون فاعل يذكرون قوله: فمن شاء ذكره [المدثر/ 55]، وقوله:
فمن شاء ذكره، لا يخلو من أن يكون صلة أو جزاء، وكيف كان
لم يمتنع أن يكون فاعل هذا الفعل.
ووجه التاء أنه يجوز أن يعنى به الغيب، والمخاطبون، فغلّب
الخطاب «1» ويجوز أن يكون على: قل لهم: وما تذكرون مثل:
وما تشاءون.
[الانعام: 153]
اختلفوا في فتح الألف وكسرها وتخفيف النون وتشديدها
[وتحريك الياء وإسكانها] من قوله تعالى «2»: وأن هذا صراطي
مستقيما [الأنعام/ 153].
فقرأ ابن كثير، ونافع، وعاصم، وأبو عمرو، وأن هذا صراطي
مستقيما، مفتوحة الألف مشدّدة النون، صراطي ساكنة الياء.
وقرأ ابن عامر: وأن هذا مفتوحة «3» الألف ساكنة النون،
صراطي مفتوحة الياء.
وقرأ حمزة والكسائي وإن* مكسورة الألف مشددة النون، صراطي
ساكنة الياء.
وقرأ ابن كثير وابن عامر: سراطي بالسين.
__________
(1) في (م): له الخطاب.
(2) في (ط): عزّ وجلّ.
(3) في (م): ساكنة مفتوحة.
(3/435)
وقرأ حمزة بين الصاد والزاي، واختلف عنه
وقد ذكر.
وقرأ «1» الباقون بالصّاد «2».
من فتح أن* فقياسه «3» قول سيبويه «4»: أنه حمله «5» على
فاتبعوه لأنّه قال في قوله: لإيلاف قريش [قريش/ 1]، وقوله:
وأن هذه أمتكم أمة واحدة، وأنا ربكم فاتقون «6» [المؤمنون/
52]، وقوله «7»: وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا
[الجن/ 18]، أن المعنى: لهذا فليعبدوا، ولأن هذه أمّتكم،
ولأن المساجد لله فلا تدعوا، فكذلك لأن هذا صراطي مستقيما
فاتّبعوه.
ومن خفّف فقال: وأن هذا صراطي فإنّ المخففة في قوله يتعلّق
بما يتعلّق به المشدد «8»، وموضع هذا* رفع بالابتداء،
وخبره: صراطي وفي أن* ضمير القصة، والحديث، وعلى هذه
الشريطة يخفّف، وليست المفتوحة كالمكسورة إذا خففت، وعلى
هذا قول الأعشى «9»:
__________
(1) سقطت من (م).
(2) السبعة 273 وما بين معقوفين زيادة منه.
(3) في (ط): القياس.
(4) انظر سيبويه 1/ 464 في «باب آخر من أبواب أن».
(5) في (ط): حملها.
(6) في الأصل: «فاعبدون» وهي من سورة الأنبياء/ 92، وهو
خلاف ما عند سيبويه، الذي أثبتناه.
(7) سقطت من (ط).
(8) في (ط): تتعلق بما تتعلق به المشددة.
(9) ورد عجز البيت في ديوانه ص 59 برواية:
أن ليس يدفع عن ذي الحيلة الحيل
(3/436)
في فتية كسيوف الهند قد علموا ... أن هالك
كلّ من يحفى وينتعل
والفاء التي «1» في قوله: فاتبعوه، مثل الفاء التي «1» في
قوله: بزيد فامرر.
ومن كسر إن* استأنف بها، والفاء في قوله فاتبعوه على قوله
عاطفة جملة على جملة، وعلى القول الأول زيادة.
[الانعام: 158]
اختلفوا في الياء والتاء من قوله تعالى «3»: تأتيهم
الملائكة [الأنعام/ 158].
فقرأ ابن كثير، ونافع، وعاصم، وأبو عمرو، وابن عامر:
تأتيهم بالتاء.
وقرأ حمزة والكسائيّ: يأتيهم* بالياء «4».
وقد تقدّم «5» هذا النحو في غير موضع.
[الانعام: 159]
اختلفوا في تشديد الراء وتخفيفها، وإدخال الألف وإخراجها
من قوله تعالى «6»: فرقوا «7» دينهم [الأنعام/ 159].
فقرأ ابن كثير ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وعاصم:
__________
انظر: شرح أبيان المغني للبغدادي 1/ 147 وانظر تخريجه فيه.
(1) سقطت من (ط).
(3) في (ط): عزّ وجلّ.
(4) السبعة 273، 274.
(5) في (ط): وقد تقدم القول في هذا النحو.
(6) في (ط) عزّ وجلّ.
(7) في (م): فارقوا.
(3/437)
فرقوا دينهم مشدّدة وكذلك في الروم [32].
وقرأ حمزة والكسائيّ ب فارقوا بألف، وكذلك في الروم «1».
من قال: فرقوا فتقديره: يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض، كما
قال: أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض [البقرة/ 18]، فهم
خلاف المسلمين الذين وصفوا بالإيمان به كلّه، في قوله:
وتؤمنون بالكتاب كله [آل عمران/ 119].
وقال: إن الذين يكفرون بالله ورسله، ويريدون أن يفرقوا بين
الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض [النساء/ 150].
ويجوز أن يكون المعنى في قوله: [يريدون أن يفرّقوا بين دين
الله ودين رسله: لا يؤمنون بجميعه] «2» كمن وصف بذلك في
قوله: وتؤمنون بالكتاب كله [آل عمران/ 119].
ومن قرأ: فارقوا فالمعنى: باينوه، وخرجوا عنه. وإلى معنى:
فرّقوا «3»، يؤول، ألا ترى أنّهم لمّا آمنوا ببعضه وكفروا
ببعضه فارقوه كلّه، فخرجوا عنه ولم يتبعوه.
وأما قوله: يومئذ يتفرقون [الروم/ 14] فالمعنى:
__________
(1) السبعة: 274.
(2) في (ط) جاء ما بين معقوفين كما يلي: ويريدون أن يفرقوا
بين دين الله ورسله يفرقون بين دين الله ودين رسله أيؤمنون
بجميعه.
(3) في (ط): فرقوه.
(3/438)
يصيرون فرقة فرقة من قوله: فريق في الجنة
وفريق في السعير [الشورى/ 7].
[الانعام: 161]
اختلفوا في قوله عزّ وجلّ «1» دينا قيما [الأنعام/ 161].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: دينا قيما مفتوحة القاف
مشدّدة الياء «2».
وقرأ عاصم وابن عامر، وحمزة والكسائي دينا قيما مكسورة
القاف خفيفة الياء. «3».
حجة من قرأ: دينا قيما قوله: وذلك دين القيمة [البينة/ 5]،
كأنه دين الملة القيّمة، فعلى هذا يكون وصفا للدّين، إذا
كانت نكرة كما كان وصفا للملّة، لأنّ الملّة هي الدين،
وزعموا أنه في قراءة أبيّ وهذا صراطي ... دينا قيما.
قال أبو الحسن: قال أهل المدينة: دينا قيما وهي حسنة، ولم
نسمعها من العرب، قال: وهي في معنى المستقيم.
فأما قيما* فهو مصدر كالشّيع «4»، ولم يصحّح كما صحّح عوض،
وحول، وقد كان القياس، ولكنه شذّ عن القياس، كما شذّ أشياء
من نحوه عن القياس نحو: ثيرة،
__________
(1) سقطت من (ط).
(2) سقطت من (م).
(3) السبعة 274.
(4) في (ط): مثل الشيع.
(3/439)
ونحو قولهم: جياد في جمع جواد، وكان القياس
الواو، كما قالوا: طويل وطوال، قال الأعشى:
جيادك في الصّيف في نعمة ... تصان الجلال وتنطى الشعيرا
«1» فأما انتصاب دينا، فيحتمل نصبه ثلاثة أضرب:
أحدها: أنه لما قال: قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم
[الأنعام/ 161]، استغني بجري ذكر الفعل عن ذكره فقال: دينا
قيما، أي: هداني دينا قيما، كما قال: اهدنا الصراط
المستقيم. وإن شئت نصبته على: اعرفوا، لأن هدايتهم إليه
تعريف، فحمله على: اعرفوا دينا قيما. وإن شئت حملته على
الاتّباع كأنه قال: اتّبعوا دينا قيما، والزموه، كما قال:
اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم [الزمر/ 55].
[الانعام: 162]
قال: كلّهم «2» قرأ: محياي [الأنعام/ 162]، محرّكة الياء
ومماتي ساكنة الياء غير نافع، فإنه أسكن الياء في محياي
ونصبها في مماتي «3».
إسكان الياء في محياي شاذّ عن القياس والاستعمال، فشذوذه
عن القياس أن فيه التقاء ساكنين، لا يلتقيان على هذا الحد
في محياي، وأما شذوذه عن الاستعمال، فإنك لا تكاد
__________
(1) البيت في ديوان الأعشى 99 من قصيدة يمدح فيها هوذة
الحنفي. وفيه:
وتعطى بدل وتنطى، والجلال: ج جل وهو ما تلبسه الدابة لتصان
به.
(2) في (ط): وكلهم.
(3) السبعة: 274.
(3/440)
تجده في نثر ولا نظم، ووجهها مع ما وصفنا،
وبعض البغداديين، قد حكى أنه سمع، أو حكي له:
التقت حلقتا البطان «1» بإسكان الألف مع سكون لام المعرفة،
وحكى غيره: له ثلثا المال، وليس هذا مثل قوله:
حتى إذا اداركوا فيها جميعا [الأعراف/ 38] لأن هذا في
المنفصل مثل دابّة في المتصل، ومثل هذا ما جوّزه يونس في
قوله: اضربان زيدا، واضربنان زيدا، وسيبويه ينكر هذا من
قول يونس.
[الانعام: 44]
قرأ ابن عامر وحده فتحنا عليهم* [الأنعام/ 44].
مشدّدة، وقرأها الباقون مخفّفة «2».
حجة التشديد مفتحة لهم الأبواب [ص/ 50]، وحجة التخفيف قوله
«3»:
ما زلت أفتح أبوابا وأغلقها «4»
__________
(1) من أمثال العرب التي تضرب للأمر إذا اشتد.
انظر الأمثال لابن سلّام/ 343 واللسان (بطن).
(2) السبعة 257 وقد ذكرنا فيما تقدم أن مكان هذه الآية
متأخر الذكر.
(3) صدر بيت للراعي من قصيدة في ديوانه ص 28 وعجزه:
دوني وأفتح بابا بعد إرتاج انظر الكامل 1/ 242.
(4) هنا ينتهي الجزء الثاني من نسخة (ط) لابن غلبون في حين
تتابع (م) الكلام في سورة الأعراف.
(3/441)
[انتهى بحمد الله الجزء الثالث من الكتاب
ويتلوه في الجزء الرابع: اختلافهم في سورة الأعراف]
(3/443)