الحجة للقراء السبعة بسم الله [الرحمن الرحيم عونك يا رب] «1»
ذكر اختلافهم في سورة الأعراف
[الاعراف: 3]
اختلفوا في تشديد الذال وتخفيفها وزيادة ياء «2» في قوله تعالى
«3»: قليلا ما تذكرون [الأعراف/ 3].
فقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، ونافع، وعاصم في رواية أبي بكر
قليلا ما تذّكّرون مشدّدة الذال والكاف.
وقرأ حمزة، والكسائي، وعاصم في رواية حفص:
تذكرون خفيفة الذال شديدة الكاف.
وقرأ ابن عامر: قليلا ما يتذكّرون بياء وتاء. وقد روي عنه
بتاءين «4».
من قرأها: تذكّرون أراد: تتذكرون، فأدغم تاء تفعّل في الذال،
وإدغامها فيه حسن، لأن التاء مهموسة، والذال مجهورة، والمجهور
أزيد صوتا، وأقوى من المهموس، فحسن
__________
(1) ما بين المعقوفتين زيادة من (ط).
(2) في (م): تاء.
(3) في (ط): عز وجل.
(4) السبعة 278.
(4/5)
إدغام الأنقص في الأزيد، ولا يسوغ إدغام
الأزيد في الأنقص ألا ترى أن الصاد وأختيها لم يدغمن في
مقاربهنّ لما فيهنّ من زيادة الصفير.
و (ما) في قوله: ما تذكّرون «1» موصولة بالفعل، وهي معه بمنزلة
المصدر، والمعنى: قليل «2» تذكّركم. ولا ذكر في الصلة يعود
إليها كما لا يكون في صلة أن ذكر.
وقراءة عاصم وحمزة والكسائي في المعنى مثل قراءة من تقدم ذكره،
إلّا أنّهم حذفوا التاء، التي أدغمها هؤلاء، وذلك حسن لاجتماع
ثلاثة أحرف متقاربة. ويقوي ذلك قولهم:
اسطاع يسطيع «3»، فحذفوا أحد الثلاثة المتقاربة.
وقول ابن عامر: تتذكّرون بتاءين كقراءة من قرأ:
تذّكّرون، وتذكّرون إلا أنه أظهر ما أدغمه من قال: تذّكّرون
وما حذفه من قال: تذكرون.
وقول ابن عامر: يتذكّرون بياء وتاء، وجهه أنه مخاطبة للنبي
صلّى الله عليه وسلّم «4» أي: قليلا تذكّر هؤلاء الذين ذكّروا
بهذا الخطاب.
[الاعراف: 10]
وكلّهم «5» قرأ: (معايش) [الأعراف/ 10] بغير همز.
__________
(1) في (م): ما يذكّرون.
(2) في (ط): قليلا.
(3) في (م): استطاع يستطيع.
(4) عبارة (م): أنه وجهه أنه مخاطبة النبي.
(5) في (ط): كلهم بإسقاط الواو.
(4/6)
وروى خارجة عن نافع: (معايش) ممدود مهموز
«1»، وهذا غلط «2».
قوله: وجعلنا لكم فيها معايش.
معايش فيه جمع معيشة، واعتل معيشة لأنه على «3» وزن يعيش،
وزيادته زيادة تختصّ الاسم دون الفعل، فلم يحتج إلى الفصل بين
الاسم والفعل، كما احتيج إليه فيما كانت «4» زيادته مشتركة نحو
الهمزة في: أجاد، وهو أجود منك. وموافقة الاسم لبناء الفعل،
يوجب في الاسم الاعتلال، ألا ترى أنّهم أعلّوا بابا ودارا ويوم
راح لمّا كان على وزن الفعل، وصحّحوا نحو:
حول، وعيبة ولومة لما لم يكن على مثال الفعل، فمعيشة موافقة
للفعل في البناء، ألا ترى أنه مثل: يعيش، في الزّنة، وتكسيرها
يزيل مشابهته، في البناء؛ فقد علمت بذلك زوال المعنى الموجب
للإعلال «5» في الواحد في الجمع «6»، فلزم التصحيح في التكسير
لزوال المشابهة في اللفظ، ولأن «7» التكسير معنى لا يكون في
الفعل، إنما يختصّ به الاسم وإذا كانوا قد صححوا نحو الجولان
والهيمان والغثيان «8»، مع قيام
__________
(1) في (ط): ممدودا مهموزا.
(2) السبعة 278.
(3) سقطت من (م).
(4) في (ط): كان.
(5) في (ط): للاعتلال.
(6) في (ط): في الجميع.
(7) في (ط): لأن بسقوط الواو.
(8) سقطت من (ط).
(4/7)
بناء الفعل فيه لما لحقه من الزيادة التي
يختصّ بها الاسم؛ فتصحيح قولهم (معايش) الذي قد زال مشابهة
الفعل عنه في اللفظ والمعنى لا إشكال في تصحيحه، وفي وجوب
العدل عن إعلاله، ومن أعلّ فهمز؛ فمجازه على وجه الغلط، وهو أن
معيشة على وزن: سفينة، فتوهّمهما: فعيلة؛ فهمز كما يهمز «1»
مصائب، ومثل ذلك ممّا «2» يحمل على الغلط قولهم في جمع مسيل:
أمسلة، وقد جاء ذلك في شعر هذيل. قال أبو ذؤيب «3»:
وأمسلة مدافعها خليف فتوهموه فعيلة. وإنّما هو مفعلة؛ فالميم
في أمسلة على هذا ميم مفعل، وقد حكى يعقوب وغيره مسيل ومسل،
فالميم على هذا فاء، ومسيل: فعيل وليس بمفعل من سال.
ومن همز: مداين، لم يجعله: مفعلة، من دان «4» ولكنّه
__________
(1) في (ط): فهمزها كما همز.
(2) في (م): ما.
(3) عجز بيت وصدره:
بواد لا أنيس به يباب وقبله:
فقال له أرى طيرا ثقالا ... تخبّر بالغنيمة أو تخيف
ويباب: قفر ليس فيه أحد- ومدافعها: التي تدفع إلى الأودية.
وخليف: الطريق في أصل الجبل. انظر شرح أشعار الهذليين للسكري
1/ 185.
(4) في (ط): دان يدين.
(4/8)
فعلية، يدل على ذلك: مدن ولا يجوز أن يكون:
مفعلة، من دان يدين، ومن أخذه من ذلك، كان مدينة مفعلة عنده،
وجمعها: مداين بتصحيح الياء.
[الاعراف: 25]
واختلفوا في ضم التاء [وفتحها من قوله] «1»: ومنها تخرجون
[الأعراف/ 25].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو، ونافع، وعاصم ومنها تخرجون، بضم
التاء وفتح الراء هاهنا، وفي الروم: وكذلك تخرجون، ومن آياته
[الآية/ 19] مثله. وفي الزخرف [11]:
كذلك تخرجون، مثله، وفي الجاثية [35]: فاليوم لا يخرجون منها،
وقرأ في: سأل سائل: يوم يخرجون [المعارج/ 43]، وفي الروم [25]:
إذا أنتم تخرجون؛ ففتح «2» التاء والياء في هذين، ولم يختلف
الناس فيهما.
وقرأ حمزة والكسائي: ومنها تخرجون في الأعراف، بفتح التاء وضم
الراء، وفي الروم: وكذلك تخرجون مثله، وفي الجاثية: فاليوم لا
يخرجون منها مثله وكذلك «3» الزخرف [11] يخرجون.
وفتح ابن عامر التاء في الأعراف فقط «4». وضمّها في
__________
(1) سقط من (م) ما بين معقوفين.
(2) في (ط): بفتح.
(3) في (ط): وفي الزخرف كذلك.
(4) سقطت من (م).
(4/9)
الباقي. وأما قوله: يخرج منهما اللؤلؤ
[الرحمن/ 22]؛ فقرأ ابن كثير، وعاصم، وحمزة، والكسائيّ، وابن
عامر: يخرج منهما بنصب الياء وضم الراء.
وقرأ نافع وأبو عمرو: يخرج منهما بضم الياء وفتح الراء، وروى
أبو هشام عن حسين الجعفي، عن أبي عمرو (نخرج منهما) بنون
مضمومة (اللّؤلؤ والمرجان) نصبهما.
حدثني محمد بن عيسى المقرئ، عن أبي هشام «1»، عن حسين الجعفي،
عن أبي عمرو: (نخرج) بنون مضمومة «2».
ومن قرأ: (يخرجون) بضم الياء فحجّته قوله: أيعدكم أنكم إذا متم
وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون «3» [المؤمنون/ 35]. وقوله:
كذلك نخرج الموتى [الأعراف/ 57].
وحجّة من قال: (تخرجون) اتفاق الجميع في قوله: ثم إذا دعاكم
دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون [الروم/ 25] بفتح التاء.
ومن حجّته قوله: إلى ربهم ينسلون [يس/ 51]؛ فأسند الفعل إليهم.
ومن حجته أنه أشبه بما قبله من قوله: قال فيها تحيون
__________
(1) كذا في (ط) وفي (م): عن أبي هاشم.
(2) السبعة 279.
(3) في (م) قطع الآية وقال: إلى قوله: أنكم مخرجون.
(4/10)
وفيها تموتون ومنها تخرجون [الأعراف/ 25]،
ومن حجّتهم قوله: كما بدأكم تعودون [الأعراف/ 29].
فأمّا قوله: يخرج منهما اللّؤلؤ والمرجان [الرحمن/ 22]، فمن
قال: (تخرج منهما) «1» فعلى أنه أسند الفعل «2» إلى الله تعالى
«3»، كما قال: فأخرجنا به من كل الثمرات [الأعراف/ 57]، ومن
قال: (يخرج) جعله مطاوع أخرج، كما تقول: أخرجته فخرج، والأوّل
أدخل في الحقيقة، وقال:
يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان، واللؤلؤ «4» يخرج من الملح.
وزعم أبو الحسن: أن قوما قالوا: إنّه يخرج منهما جميعا، ويجوز
أن يكون: يخرج منهما في المعنى «5»: يخرج من الملح، فقال: يخرج
منهما على أنه يخرج من أحدهما، فحذف المضاف، ومثل ذلك في حذف
المضاف قوله: وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين
عظيم [الزخرف/ 31].
والرجل «6» إنما يكون من قرية واحدة، كما أنّ اللؤلؤ يخرج من
الملح، وإنما المعنى: على رجل من رجلي
__________
(1) سقط من (ط). منهما.
(2) كذا في (ط) وسقطت من (م).
(3) في (ط): عز وجل.
(4) في (ط): واللؤلؤ إنما.
(5) في (ط): والمعنى.
(6) في (ط): فالرجل.
(4/11)
القريتين عظيم «1»، والقريتان: مكة والطائف
«2».
[الاعراف: 26]
اختلفوا في رفع السين ونصبها من قوله تعالى «3»:
ولباس التقوى [الأعراف/ 26].
فقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وعاصم، وحمزة: ولباس التقوى رفعا.
وقرأ نافع وابن عامر والكسائيّ: (ولباس التّقوى) نصبا «4».
أما النصب: فعلى أنه حمل على (أنزل) من قوله: (قد أنزلنا عليكم
لباسا ولباس التّقوى) [الأعراف/ 26]، وأنزلنا هنا كقوله:
وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد [الحديد/ 25]، وكقوله: وأنزل لكم
من الأنعام ثمانية أزواج [الزمر/ 6]، أي: خلق، وقوله «5»:
(ذلك) على هذا: مبتدأ، وخبره (خير).
ومن رفع فقال: ولباس التقوى ذلك خير قطع اللباس من الأول
واستأنف «6» به فجعله مبتدأ.
وقوله (ذلك) صفة أو بدل أو عطف بيان، ومن قال: إنّ (ذلك) لغو،
لم يكن على قوله دلالة، لأنه يجوز أن يكون على ما
__________
(1) سقطت من (م).
(2) في (ط) بعدها: «والرجلان ينص الشيخ» ولم يذكر شيئا بعدها.
(3) سقطت من (ط).
(4) السبعة 280.
(5) في (ط): فقوله.
(6) في (ط): فاستأنف.
(4/12)
ذكرنا «1»، و (خير) خبر للباس «2» والمعنى:
لباس التقوى خير لصاحبه إذا أخذ به وأقرب له إلى الله مما خلق
له من اللباس والرياش الذي يتجمّل «3» به، وأضيف اللباس إلى
التقوى، كما أضيف في قوله «4»: فأذاقها الله لباس الجوع والخوف
[النحل/ 112] إلى الجوع «5».
[الاعراف: 32]
اختلفوا في رفع التاء ونصبها من قوله «6»: خالصة يوم القيامة
[الأعراف/ 32].
فقرأ نافع وحده (خالصة) رفعا.
وقرأ الباقون: خالصة نصبا «7».
قال أبو الحسن: أخرج لعباده في الحياة الدنيا، [قال أبو علي]
«8»: لا يخلو القول في قوله في الحياة الدنيا [الأعراف/ 32] من
أن يتعلق ب (حرّم) أو: ب (زينة)، أو:
ب (أخرج)، أو: ب (الطيبات)، أو: ب (الرّزق) من قوله: من الرزق
[الأعراف/ 32] أو بقوله: آمنوا [الأعراف/ 32]؛ فلا يمتنع من أن
يتعلّق ب (حرّم) فيكون التقدير: قل من حرّم في
__________
(1) العبارة في (ط): على واحد مما ذكرنا.
(2) في (ط): خبر اللباس.
(3) في (ط): يتحمل، بالحاء المهملة. وهو تصحيف.
(4) في (ط): عزّ وجل.
(5) في (ط): الجوع والخوف.
(6) في (ط): قوله عز وجل.
(7) السبعة ص 280.
(8) سقطت من (م).
(4/13)
الحياة الدنيا، ويكون «1» المعنى: قل من
حرّم ذلك وقت الحياة الدنيا زينة، ولا يجوز أن يتعلّق بزينة
لأنّه مصدر، أو جار مجراه، وقد وصفتها «2»، فإذا وصفتها «2»،
لم يجز أن يتعلّق بها شيء بعد الوصف، كما لا يتعلق به بعد
العطف عليه، ويجوز أن يتعلق بأخرج لعباده في الحياة الدنيا.
فإن قلت: فهلّا «4» لم يجز تعلّقه بقوله: أخرج لعباده لأنّ فيه
فصلا بين الصلة والموصول بقوله: قل هي للذين آمنوا [الأعراف/
32]، وهو كلام مستأنف ليس في الصلة؟
قيل: لا يمتنع الفصل به لأنّه ممّا يسدّد القصة، وقد جاء:
والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها، وترهقهم ذلة [يونس/
27] [فقوله: وترهقهم] «5» معطوف على كسبوا، فكذلك: قل هي للذين
آمنوا، ويجوز أيضا أن يتعلق بالطيبات، تقديره: والمباحات من
الرزق. ويجوز أن يتعلق بالرزق أيضا، وإن كان موصولا، ويجوز أن
يتعلق بآمنوا، الذي هو صلة الذين أي: آمنوا في الحياة الدنيا،
فكلّ ما ذكرنا من هذه الأشياء يجوز أن يتعلق به هذا الظرف.
فأمّا «6» قوله: (خالصة) فمن رفعه «7» جعله خبرا للمبتدإ
__________
(1) في (ط): أو يكون.
(2) في (ط): وصفناها.
(4) في (ط): هلّا بسقوط الفاء.
(5) سقطت من (م).
(6) في (ط): وأما.
(7) في (ط): رفع.
(4/14)
الذي هو هي، ويكون للذين آمنوا تثبيتا
للخلوص، ولا شيء فيه على هذا «1»، ومن قال: هذا حلو حامض، أمكن
أن يكون (للذين آمنوا) خبرا، و (خالصة) خبر آخر، ويكون الذكر
فيه على ما تقدّم وصفه في هذا الكتاب.
ومن نصب خالصة كان: حالا ممّا في قوله: للذين آمنوا، ألا ترى
أنّ فيه ذكرا يعود إلى المبتدأ الذي هو هي؟
فخالصة حال عن ذلك الذكر، والعامل في الحال ما في اللام من
معنى الفعل، وهي متعلقة بمحذوف، وفيه الذكر الذي كان يكون في
المحذوف، ولو ذكر ولم يحذف، وليس متعلقا بالخلوص، كما تعلق به
في قول من رفع.
قال سيبويه: وقد قرءوا هذا الحرف على وجهين: (قل هي للّذين
آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة) بالرفع والنصب «2»،
فجعل اللام الجارّة لغوا في قول من رفع، (خالصة) ومستقرا في
قول من نصب (خالصة).
والقول فيما ذهب إليه أبو الحسن «3» من أن المعنى: التي أخرج
لعباده في الحياة الدنيا، أنّه إن علّق في الحياة الدنيا، ب
(حرّم)، أو (أخرج)، فلا يخلو من أن تنصب (خالصة) أو ترفعه «4»،
فإن رفعته فصلت بين الابتداء والخبر بالأجنبي، ألا
__________
(1) في (ط): ولا شيء على هذا فيه.
(2) انظر الكتاب 1/ 262.
(3) عبارة (ط): والقول فيما ذهب إليه سيبويه أبو الحسن. وهذا
سهو من الناسخ.
(4) في (ط): فلا يخلو من أن ينصب خالصة أو يرفعه.
(4/15)
ترى أن قوله: في الحياة الدنيا إذا لم يكن
متصلا ب (آمنوا) كان أجنبيا من الابتداء والخبر، وإن نصبت
(خالصة)، فصلت بين الحال وذي الحال بأجنبي منهما، كما فصلت بين
الابتداء والخبر؟ فإذا «1» كان كذلك لم يحسن، وليس باعتراض
فيكون فيه تسديد.
ومن حجة أبي الحسن أن يقول: إن المفصول به في هذا الموضع بين
ما لا «2» يحسن الفصل بينهما بالأجنبي، ظرف، ولا يمتنع الفصل
بالظرف، وإن كان أجنبيا مما يفصل به «3» بينهما. ألا ترى أنّهم
لم يجيزوا: كانت زيدا الحمّى تأخذ؟
ولم يفصلوا بين الفاعل وفعله بالمفعول به، ولو كان مكان
المفعول به ظرف، لأجازوا ذلك، وذلك «4» قولهم: إنّ في الدار
زيدا قائم، فأجازوا الفصل بالظرف، وإن كان أجنبيا من العامل
والمعمول فيه، وعلى هذا جاء «5»:
فلا تلحني فيها فإنّ بحبّها ... أخاك مصاب القلب جمّ بلابله
وحجة من رفع «خالصة» أنّ المعنى: هي تخلص للّذين آمنوا يوم
القيامة، وإن شركهم فيها غيرهم من الكافرين في الدنيا.
__________
(1) في (ط): وإذا.
(2) في (م): بين لا يحسن الفصل.
(3) سقطت من (م).
(4) في (م) وذلك إن.
(5) سبق في 3/ 411.
(4/16)
ومن نصب، فالمعنى عنده: هي ثابتة للذين
آمنوا في حال خلوصها يوم القيامة لهم. وانتصاب (خالصة) على
الحال، وهو أشبه لقوله: إن المتقين في جنات وعيون آخذين
[الذاريات/ 15 - 16]، ونحو ذلك مما انتصب فيه الاسم على الحال
بعد الابتداء وخبره وما يجري مجراه إذا كان فيه معنى فعل.
[الاعراف: 38]
اختلفوا في التاء والياء «1» في قوله تعالى «2»: ولكن لا
تعلمون [الأعراف/ 38].
فقرأ عاصم وحده في رواية أبي بكر (لكلّ ضعف، ولكن لا يعلمون)
بالياء.
وروى حفص عن عاصم بالتاء. وكذلك قرأ الباقون بالتاء «3».
وجه القراءة بالتاء في «4» قوله: ولكن لا تعلمون أن المعنى:
لكلّ ضعف، أي: لكلّ فريق من المضلّين والمضلّين ضعف ولكن لا
تعلمون أيّها المضلّون والمضلّون. ومن قرأ بالياء: حمل الكلام
على كلّ، لأنّه، وإن كان للمخاطبين، فهو اسم ظاهر موضوع
للغيبة، فحمل على اللفظ دون المعنى،
__________
(1) في (ط) من.
(2) في (ط): عز وجل.
(3) السبعة ص 280.
(4) كذا في (ط): وسقطت من (م).
(4/17)
ومثل هذا في المعنى: قالوا ربنا من قدم لنا
هذا فزده عذابا ضعفا في النار [ص/ 61].
[الاعراف: 40]
اختلفوا في التخفيف والتشديد في قوله تعالى «1»:
(لا تفتح لهم) [الأعراف/ 40].
فقرأ ابن كثير، ونافع، وعاصم، وابن عامر: لا تفتح بالتاء مشددة
التاء الثانية.
وقرأ أبو عمرو (لا تفتح) بالتاء خفيفة ساكنة الفاء.
وقرأ حمزة والكسائيّ: (لا يفتح) بالياء خفيفة «2».
حجة من قال «3»: تفتح قوله: جنات عدن مفتحة لهم الأبواب [ص/
50]؛ فقياس مفتحة: تفتّح، وقوله: (وفتّحت السماء فكانت أبوابا)
[النبأ/ 19]، لأن المعنى «4» في فتّحت السماء على أبوابها،
والمعنى: فكانت ذات أبواب.
وحجّة من خفف قوله: ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر [القمر/
11]، وقوله: فتحنا عليهم أبواب كل شيء [الأنعام/ 44]، و
(فتحنا) قد يقع على التكثير كما يقع (فتّحنا)، ومن قال: (لا
يفتح) بالياء، فلتقدّم الفعل، ويشهد للتأنيث قوله: مفتحة لهم
الأبواب [ص/ 50]. ألا ترى أنّ
__________
(1) في (ط): في الياء والتخفيف والتاء والتشديد من قوله عز
وجل. وما في (ط) موافق للسبعة.
(2) السبعة ص 280.
(3) في (ط) من قرأ.
(4) كذا في (ط) وسقطت من (م).
(4/18)
اسم الفاعل يجري مجرى الفعل، وقد أنّث،
وكذلك الفعل ينبغي أن يؤنّث، وأما قوله: حتى إذا فتحت يأجوج
ومأجوج [الأنبياء/ 96] فإنّما خفّف؛ لأنّ المعنى: فتح سدّ
يأجوج ومأجوج «1»؛ فأجرى التأنيث على لفظ يأجوج، وإن كان
المعنى على السدّ، أو يكون: فتحت أرض يأجوج، لأنّ فتح سدّها
فتح أرضهم؛ فهو فتح واحد لا تكرير فيه، فيحسن التشديد.
ومعنى: (لا تفتح لهم أبواب السماء)، أي: لا تصعد أعمالهم
إليها.
وروي في تفسير قوله: فما بكت عليهم السماء والأرض [الدخان/
29]، أنّ موضع المؤمن الذي كان يرتفع إليه عمله الصالح، يبكي
عليه إذا مات، وقال [الله عزّ وجلّ] «2»: إليه يصعد الكلم
الطيب والعمل الصالح يرفعه [فاطر/ 10].
[الاعراف: 44]
كلّهم قرأ: قالوا نعم [الأعراف/ 44] بفتح العين والنون في كلّ
القرآن غير الكسائي؛ فإنّه قرأ: (نعم) بفتح النون وكسر العين
في كلّ القرآن «3».
قال أبو الحسن: (نعم، ونعم) لغتان، قال: وفي القراءة: الفتح.
__________
(1) زيادة من (ط).
(2) ما بين المعقوفين سقط من (ط).
(3) السبعة ص 281.
(4/19)
قال «1» سيبويه: نعم: عدة وتصديق، قال:
وإذا استفهمت أجبت بنعم «2»، ولم يحك سيبويه فيها الكسر.
والذي يريده بقوله: عدة وتصديق أنّه يستعمل عدة، ويستعمل
تصديقا، وليس يريد أن التصديق يجتمع مع العدة، ألا ترى أنّه
إذا قال: أتعطيني؟، فقال: نعم، كان عدة، ولا تصديق في هذا،
وإذا قال: قد كان كذا وكذا «3»؛ فقلت:
نعم، فقد صدّقته ولا عدة في هذا.
فليس قوله في نعم أنّه عدة وتصديق؛ كقوله في إذا:
إنّها جواب وجزاء «4»، لأنّ إذا، يكون جوابا في الموضع الذي
يكون فيه جزاء، يقول: أنا آتيك، فتقول: إذا أكرمك، فيكون جوابا
لكلامه.
ويكون جزاء أيضا في هذا الموضع؛ فقد علمت أنّ قوله في نعم عدة
وتصديق ليس كقوله في إذا: إنّها جواب وجزاء، وقوله: إذا
استفهمت أجبت بنعم، تريد: استفهمت عن موجب أجبت بنعم، تقول:
أيقوم زيد؟ فتقول: نعم «5»، ولو كان مكان الإيجاب نفي لقلت:
بلى، ولم تقل: نعم، كما تقول في جواب الإيجاب.
__________
(1) في (ط) وقال.
(2) الكتاب 2/ 312.
(3) سقطت من (م).
(4) قاله سيبويه في 2/ 312.
(5) جاء هنا على هامش (ط) كلمة (بلغت) دلالة على المقابلة.
(4/20)
قال تعالى «1»: ألست بربكم قالوا بلى
[الأعراف/ 172] [ولم يقل: نعم] «2»، وقال: أيحسب الإنسان أن لن
نجمع عظامه بلى [القيامة/ 3] «3».
ويجوز في القياس على قول من قال: شهد، أن تكسر النون من نعم في
لغة من كسر العين، كما كسرت الفاء في شهد.
فإن قلت: إنّ ذلك إنّما جاء في الأسماء والأفعال، فالقول أنّ
نعم، وإن كان حرفا، فإنّه: إذا «4» كان على لفظ الأسماء جاز أن
تجرى «5» في القياس مجراها، ألا ترى أنّهم أمالوا «بلى» وإن
كان حرفا لما كان على لفظ «6» الأسماء؟
[الاعراف: 44]
اختلفوا في تشديد النون وتخفيفها «7» في قوله عز وجل «8»: أن
لعنة الله [الأعراف/ 44].
فقرأ ابن كثير في رواية قنبل، ونافع، وأبو عمرو، وعاصم: أن
لعنة الله خفيفة النون ساكنة.
__________
(1) سقطت من (ط).
(2) ما بين المعقوفين سقط من (ط).
(3) انظر للاستزادة في هذا الموضوع رسالة: شرح كلّا وبلى ونعم،
والوقف على كل واحدة منهن في كتاب الله عزّ وجلّ لمكي، بتحقيق
الدكتور فرحات، ومن منشورات دار المأمون للتراث.
(4) في (ط): لما.
(5) في (ط): يجرى.
(6) في (ط): ألفاظ.
(7) في (ط) من.
(8) سقطت من (م).
(4/21)
حدثني نصر «1» بن محمد القاضي عن البزّي
عنهم (أنّ لعنة الله) نصبا.
وقرأ ابن عامر، وحمزة، والكسائيّ: (أنّ لعنة الله) نصبا، (على
الظالمين) مشددة النون.
حدثني الحسين بن بشر الصوفي، عن روح بن عبد المؤمن، عن محمد بن
صالح المرّي عن شبل عن ابن كثير مثله (أنّ) مشدّدة، وكذلك روى
خلف والهيثم عن عبيد عن شبل عن ابن كثير مثله (أنّ لعنة الله)
نصبا.
وكلّهم قرأ التي في سورة «2» النّور: أن لعنة الله [الآية/ 7]،
وأن غضب الله [الآية/ 9] بالتشديد، غير نافع فإنّه قرأ: (أن
لعنة الله)، و (وأن غضب الله) «3» مخففتين «4».
__________
(1) في السبعة: مضر، بدل، نصر، وأظنه الصواب وما في الأصل
تصحيف، ومضر هذا هو الذي روى القراءة سماعا عن أحمد بن محمد
البزي كما في طبقات القراء للجزري 2/ 299، أما نصر فلم أجد أنه
روى عن البزي. وقال الجزري هو: مضر بن محمد بن خالد بن الوليد
أبو محمد الضبي الأسدي الكوفي، معروف وثقوه.
(2) سقطت من (م).
(3) كذا الأصل وهو الصواب، وفي السبعة ص 282: «أن غضب الله»
بالمصدر وهذه القراءة في سيبويه واستشهد بها في 1/ 480 على
قراءة من خفف «أن» ورفع «غضب» وهي قراءة يعقوب، ونسبها أبو
حيان في البحر المحيط 6/ 434 إلى أبي رجاء، وقتادة، وعيسى،
وسلام، وعمرو بن ميمون، والأعرج، والحسن أيضا، انظر فهرس
سيبويه ص 34 صنعة الأستاذ أحمد راتب النفاخ.
(4) السبعة ص 281، 282، وفي الكلام تقديم وتأخير، واختلاف يسير
في
(4/22)
أذن مؤذن [الأعراف/ 44]، بمنزلة أعلم.
قال سيبويه: أذّنت: إعلام بتصويت «1»، فالتي تقع بعد العلم
إنّما هي المشددة أو المخفّفة عنها، والتقدير «2»: أعلم معلم
أنّ لعنة الله. ومن خفّف (أن) كان على إرادة إضمار القصة
والحديث، تقديره: أنّه لعنة الله، ومثل ذلك قوله: وآخر دعواهم
أن الحمد لله رب العالمين [يونس/ 10]، التقدير:
(أنّه)، ولا تخفّف (أن) هذه إلّا وإضمار القصة والحديث يراد
معها، ومن ثقّل نصب بأنّ ما بعدها، كما ينصب بالمشددة
المكسورة، فالمكسورة «3» إذا خففت لا يكون ما بعدها على إضمار
القصة والحديث، كما تكون المفتوحة كذلك. والذي فصل بينهما أنّ
المفتوحة موصولة، والموصولة تقتضي صلتها، فصارت لاقتضائها «4»
الصلة أشدّ اتصالا بما بعدها من المكسورة، فقدّر بعدها الضمير
الذي هو من جملة صلتها، وليست المكسورة كذلك. ومن المفتوحة قول
الأعشى «5»:
في فتية كسيوف الهند قد علموا ... أن هالك كلّ من يحفى وينتعل
__________
العبارة، ولكن المؤدى واحد.
(1) الكتاب 2/ 236، وعبارة سيبويه: «وأذّنت: النداء والتصويت
بإعلان».
(2) في (ط): فالتقدير.
(3) في (ط): والمكسورة.
(4) عبارة (م): والموصول يقتضي صلتها لاقتضائها.
(5) سبق انظر 3/ 437.
(4/23)
وأمّا «1» قراءتهم في النور أن غضب الله
فإنّ (أنّ) في موضع رفع بأنّه «2» خبر المبتدأ؛ فأمّا تخفيف
نافع أن لعنة الله فحسن، وهو بمنزلة قوله وآخر دعواهم أن الحمد
لله رب العالمين [يونس/ 10].
وأمّا «3» تخفيفه (أن غضب الله)، فإن قال قائل: فهلّا «4» لم
يستحسن هذا، لأنّ المخففة من المشدّدة «5» لا يقع بعدها الفعل،
حتى يدخل عوض من حذف أن، ومن أنّها تولى ما لا يليه من الفعل،
يدلّ على ذلك قوله: علم أن سيكون منكم [المزمل/ 20]، وقوله:
أفلا يرون أن لا يرجع إليهم قولا [طه/ 89] وقوله: لئلا يعلم
أهل الكتاب أن لا يقدرون على شيء من فضل الله [الحديد/ 29].
قيل: استجاز هذا، وإن لم يدخل معه شيء من هذه الحروف، لأنّه
«6» دعاء، وليس شيء من هذه الحروف يحتمل الدخول معه، ونظير هذا
في أنّه لمّا كان دعاء لم يلزمه العوض. قوله: نودي أن بورك من
في النار ومن حولها [النمل/ 8]؛ فولي قوله: (نودي) أن، وإن لم
يدخل معها عوض، كما لم يدخل في قراءة نافع (أن غضب الله عليها)
__________
(1) في (ط): فأما.
(2) في (ط): لأنه.
(3) في (ط): فأما.
(4) في (ط): هلّا.
(5) في (ط): الشديدة.
(6) في (م): فلأنه.
(4/24)
[النور/ 9]. والدعاء قد استجيز معه ما لم
يستجز مع غيره، ألا ترى أنّهم قالوا: «أما إن «1» جزاك الله
خيرا» وحمله سيبويه «2» على إضمار القصة في «إن» المكسورة، ولم
يضمر القصة مع المكسورة إلّا في هذا الموضع؟!
[الاعراف: 43]
كلّهم قرأ: وما كنا لنهتدي [الأعراف/ 43]. بواو غير ابن عامر؛
فإنّه قرأ ما كنا بغير واو، وكذلك هي في مصاحف أهل الشام «3».
وجه الاستغناء عن حرف العطف في قوله: وما كنا لنهتدي أنّ
الجملة ملتبسة بما قبلها، فأغنى التباسها به عن حرف العطف. وقد
تقدّم ذكر ذلك، ومثل ذلك قوله:
سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم [الكهف/ 22]، فاستغنى عن الحرف
العاطف بالتباس إحدى الجملتين بالأخرى.
[الاعراف: 42]
قرأ «4» ابن كثير ونافع وعاصم وابن عامر أورثتموها [الأعراف/
42] غير مدغمة وكذلك في الزخرف [72].
وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائيّ أورثتموها «5» مدغمة، وكذلك في
الزخرف «6».
[قال أبو علي] «7» من ترك الإدغام فلتباين المخرجين،
__________
(1) في (ط): أن.
(2) انظر الكتاب 1/ 482.
(3) السبعة ص 280. ومكان الكلام عن هذا الحرف جاء متأخرا عن
موضعه كما هو ملحوظ.
(4) في (ط): وقرأ.
(5) جاء رسمها في السبعة: (أورثّموها) كلفظها.
(6) السبعة ص 281.
(7) سقطت من (م).
(4/25)
وأن الحرفين في حكم الانفصال، وإن كانا في
كلمة واحدة.
ألا ترى أنّهم لم يدغموا ولو شاء الله ما اقتتلوا [البقرة/
253]، وإن كانا مثلين لمّا لم يكونا لازمين، ألا ترى أن تاء
«افتعل» قد يقع بعدها غير التاء؟، فكذلك «أورث» قد يقع بعدها
غير التاء فلا يجب الإدغام.
ووجه الإدغام أن الثاء والتاء مهموستان متقاربتان فاستحسن
الإدغام «1» من أدغم. وقد جعل قوم تاء المضمر «2» بمنزلة
غيرها، مما يتصل بالكلمة؛ لأنّ الفعل لا يقدّر منفصلا من
الفاعل، بل يقدّر متصلا «3» بدلالة قولهم فعلت، وإسكانهم اللام
في قولهم: يفعلن «4» ومجيئهم بالإعراب بعد الفاعل، وقد قال
قوم: فحصط برجلي، فأبدلوا تاء الضمير طاء، وقالوا:
فزد، فأبدلوا منها الدال كما أبدلوا في نحو: اذدكر، ونحو اصطبر
«5»؛ فعلى هذا يحسن الإدغام في أورثتموها.
[الاعراف: 54]
واختلفوا في تشديد الشين وتخفيفها في قوله جلّ وعزّ «6»: يغشي
الليل النهار [الأعراف/ 54].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع وابن عامر يغشى ساكنة الغين
خفيفة، وكذلك في الرعد [3].
__________
(1) في (م): ضبط الجملة بالبناء للمفعول، وليس بالوجه.
(2) في (ط): الضمير.
(3) في (ط): متصلا به.
(4) عبارة (م): وقولهم يفعلون.
(5) في (ط): ازدجر واصطبر.
(6) في (ط): من قوله. وسقطت: عزّ وجلّ، وهي كذلك في السبعة.
(4/26)
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة
والكسائيّ (يغشّي) مفتوحة الغين مشددة «1»، وكذلك في الرّعد.
وروى حفص عن عاصم يغشي ساكنة الغين خفيفة «2» فيهما.
وأمّا قوله: (إذ يغشاكم النّعاس) «3» [الأنفال/ 11]، فقرأ ابن
كثير وأبو عمرو إذ يغشاكم النّعاس رفعا، وقرأ ابن عامر وعاصم
وحمزة والكسائي يغشيكم بضم الياء وفتح الغين وتشديد الشين،
النعاس نصبا.
وقرأ نافع: (إذ يغشيكم) من أغشى (النعاس) نصبا «4».
قولهم: غشي، فعل متعدّ «5» إلى مفعول واحد يدلّ على ذلك قوله
«6»: وتغشى وجوههم النار [إبراهيم/ 50]، وغشيهم من اليم ما
غشيهم [طه/ 78]، فإذا نقلت الفعل المتعدي إلى المفعول الواحد
بالهمزة أو بتضعيف العين تعدى إلى مفعولين.
وقد جاء التنزيل بالأمرين جميعا؛ فمما «7» جاء بتضعيف
__________
(1) في السبعة: مشدّدة الشين.
(2) في (ط): مخففة، والسبعة بدون «فيهما».
(3) في (م) زيادة كلمة رفعا وليست ضرورية.
(4) السبعة ص 282 مع اختلاف يسير في العبارة.
(5) في (ط) يتعدى وكتب فوق الكلمة متعد.
(6) سقطت قوله من (م) وتكررت في (ط).
(7) في «م»: «بالأمرين فيما جاء»
(4/27)
العين قوله: فغشاها ما غشى [النجم/ 54]،
فما في موضع نصب بأنّه المفعول الثاني، ومما جاء بنقل الهمزة،
قوله:
فأغشيناهم فهم لا يبصرون [يس/ 9]، فهذا منقول بالهمزة،
والمفعول الثاني محذوف، والمعنى: فأغشيناهم العمى عنهم أو فقد
الرؤية. فإذا جاء التنزيل بالأمرين؛ فكل واحد من الفريقين ممّن
قرأ: (يغشي، ويغشّي) أخذ بما جاء في التنزيل، وكذلك إن أخذ آخذ
بالوجهين جميعا كما روي عن عاصم الأمران جميعا، وكذلك من قرأ:
إذ يغشيكم النعاس، [الأنفال/ 11]، (ويغشيكم النعاس) [الكاف
والميم مفعول أول] «1»، وهذا كقولهم فرّحته وأفرحته، وغرّمته
وأغرمته، قال: يغشي الليل النهار [الأعراف/ 54] ولم يقل: ويغشي
النهار الليل، كما قال: سرابيل تقيكم الحر [النحل/ 81]، ولم
يذكر تقيكم البرد للعلم بذلك من الفحوى، ومثل هذا لا يضيق،
وكلّ واحد من اللّيل والنهار منتصب بأنّه مفعول به.
والفعل قبل النقل: غشي الليل النهار، فإذا نقلت قلت:
أغشى الله اللّيل النّهار وغشّى الله «2»، فصار ما كان فاعلا
قبل النقل مفعولا أول «3».
[الاعراف: 54]
وقرأ ابن عامر وحده: والشمس والقمر والنّجوم مسخّرات بأمره
[الأعراف/ 54]. رفعا كلها، ونصب الباقون هذه الحروف كلّها «4».
__________
(1) زيادة في (ط).
(2) في (ط): وغشى الله الليل النهار.
(3) في (م): أولا.
(4) السبعة 282.
(4/28)
حجّة من نصب، قوله: ومن آياته الليل
والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر، واسجدوا لله
الذي خلقهن [فصلت/ 37]، فكما أخبر في هذه أنّه خلق الشمس
والقمر، كذلك يحمل على خلق في قوله: إن ربكم الله الذي خلق
السموات والأرض والشمس والقمر والنجوم مسخرات [الأعراف/ 54].
وحجة ابن عامر قوله: وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض
[الجاثية/ 13]، وممّا في السماء: الشمس والقمر. فإذا أخبر
بتسخيرها حسن الإخبار عنها به، كما أنّك إذا قلت: ضربت زيدا
«1»، استقام أن تقول: زيد مضروب.
[الاعراف: 55]
قرأ عاصم وحده في رواية أبي بكر (تضرّعا وخفية) [الأعراف/ 55]
بكسر الخاء هاهنا وفي الأنعام [63].
وقرأ الباقون: خفية مضمومة الخاء جميعا «2».
وروى حفص عن عاصم خفية مضمومة الخاء فيهما «3».
القول في ذلك: أن خفية و (خفية) «4» لغتان فيما حكاهما أبو
الحسن.
__________
(1) في (ط): ضرب زيد.
(2) في (ط): فيها.
(3) السبعة 283.
(4) في (م) خيفة: والصواب ما في (ط). وفي القاموس «خفا»: وخفيت
له،
(4/29)
قال: والخفية: الإخفاء، والخيفة «1»: الخوف
والرهبة.
قال أبو علي: فالهمزة في الإخفاء منقلبة عن الياء، بدلالة
الخفية، كما أنّ الألف في الغنى منقلبة عن الياء بدلالة ما
حكاه أبو زيد من قولهم: أدام الله لك الغنية «2» وفي التنزيل
ما نخفي وما نعلن [إبراهيم/ 38] فمقابلة الإخفاء له فيها «3»
بالإعلان، [ويدلك أنّ الإخفاء والإعلان] «4» كالإسرار
والإجهار. قال: وأسروا قولكم أو اجهروا به [الملك/ 13] قالوا
«5»: خفيت الشيء إذا أظهرته، قال «6»:
يخفي التراب بأظلاف ثمانية ... في أربع مسّهنّ الأرض تحليل
فيمكن أن يكون: أخفيت الشيء: أزلت إظهاره، وإذا
__________
كرضيت، خفية بالضم والكسر: اختفيت. وقال في مادة «خاف»: يخاف
خوفا وخيفا ومخافة، وخيفة بالكسر وأصلها خوفة وجمعها خيف: فزع.
(1) في (ط) الخفية، وصوابه ما أثبتناه.
(2) في (م): الغيّة.
(3) سقطت من (م).
(4) عبارة ما بين معقوفين في (ط): يدلك على الإخفاء والإعلان
سواء.
(5) في (ط): وقالوا.
(6) البيت من مفضلية طويلة برقم 26 ص 140 وبشرح ابن الأنباري ص
282 لعبدة بن الطبيب، واسمه يزيد بن عمرو، قالها بعد القادسية،
يصف فيه ثورا وحشيا، قال ابن الأنباري في شرحه: يخفي التراب:
يستخرجه لشدة عدوه.
ويقال: خفيت الشيء إذا استخرجته، قال أبو زيد يقول: إذا عدا
فلا تمسّ قوائمه الأرض إلّا بقدر تحلّة اليمين.
وانظر الخصائص 3/ 81 ونوادر أبي زيد ص 154.
(4/30)
أزلت إظهاره، فقد كتمته، ومثل ذلك قولهم:
أشكيته: إذا أزلت شكواه، قال «1» وأنشد أبو زيد:
تمدّ بالأعناق أو تلويها ... وتشتكي لو أنّنا نشكيها
«2» فأما «3» قوله: ادعوا ربكم تضرعا وخفية [الأعراف/ 55] فمما
يدل على أن رفع الصوت بالدّعاء، لا يستحبّ، والخوف لله ممّا
أمر به، ومدح عليه من قوله:
(وخافوني) «4» [آل عمران/ 175] وقوله: يخافون ربهم من فوقهم
[النحل/ 50]، والمعنى: خافوا عقابي، كما قال:
ويرجون رحمته ويخافون عذابه [الإسراء/ 57].
[الاعراف: 57]
اختلفوا في قوله «5»: وهو الّذي يرسل الرّياح نشرا بين يدي
رحمته [الأعراف/ 57]، فقرأ ابن كثير: وهو الّذي يرسل الرّيح
واحدة، (نشرا) مضمومة النون والشين.
وقرأ أبو عمرو، ونافع: (الرياح) جماعة (نشرا) مضمومة النون
والشين أيضا «6». وقرأ ابن عامر: (الرّياح) جماعة «7» (نشرا)
مضمومة النون ساكنة الشين.
__________
(1) كذا في (ط) وسقطت من (م).
(2) ورد الرجز في الخصائص دون أن يذكر قائله. وهو في وصف إبل
قد أتعبها السير فهي تمد أعناقها. انظر الخصائص 3/ 77. الخزانة
4/ 530.
(3) في (ط): وأما.
(4) في (ط) «وخافون».
(5) في (ط): عز وجل.
(6) سقطت من (م).
(7) سقطت من (م).
(4/31)
وقرأ عاصم: الرياح جماعة. بشرا بالباء.
ساكنة الشين منونة.
وقرأ حمزة والكسائيّ: (الريح) على التوحيد، (نشرا) بفتح النون
ساكنة الشين منونة «1».
القول في إفراد الريح وجمعها «2»:
اعلم أنّ الريح اسم على فعل، والعين منه واو، فانقلبت في
الواحد للكسرة.
فأمّا في الجمع القليل: أرواح، فصحّت لأنّه لا شيء فيه يوجبها
«3» الإعلال، ألا ترى أن الفتحة لا توجب إعلال هذه الواو في
نحو قوم، وقول، وعون؟
وأمّا «4» في الجمع الكثير فرياح، فانقلبت «5» الواو ياء
للكسرة التي قبلها، وإذا كانت قد انقلبت في نحو ديمة، وديم،
وحيلة وحيل، فأن تنقلب في رياح أجدر لوقوع الألف بعدها، والألف
تشبه الياء «6»، والياء إذا تأخّرت عن الواو أوجبت فيها
الإعلال؛ فكذلك الألف لشبهها بها، وقد يجوز أن يكون (الريح)
على لفظ الواحد، ويراد بها الكثرة. كقولك: كثر
__________
(1) سقطت من (ط). وانظر السبعة ص 283.
(2) بين (ط) و (م) تقديم وتأخير في عدة صفحات ولكن الكلام
مستقيم.
(3) في (ط): يوجب.
(4) في (ط): فأما.
(5) في (ط) انقلبت؛ بسقوط الفاء.
(6) في (ط): التاء وهو تصحيف.
(4/32)
الدينار والدرهم، والشاء والبعير، وإن
الإنسان لفي خسر [العصر/ 2]، ثم قال: إلا الذين آمنوا [العصر/
3]، فكذلك من قرأ: (الريح- نشرا)، فأفرد، ووصفه «1» بالجمع،
فإنّه حمله على المعنى وقد أجازه أبو الحسن. «2» وقد «3» قال:
فيها اثنتان وأربعون حلوبة ... سودا ....
«4».
فمن نصب حمله على المعنى لأن المفرد يراد به الجمع، وهذا وجه
«5» قراءة ابن كثير. ألا ترى أنّه أفرد الريح، ووصفه بالجمع في
قوله: (نشرا بين يدي رحمته) [الأعراف/ 57]، فلا تكون الريح على
هذا إلّا اسم الجنس «6».
__________
(1) في (م) وصفه.
(2) في (ط): وقد أجاز أبو الحسن ذلك.
(3) سقطت من (ط).
(4) جزء من بيت لعنترة وتمامه:
فيها اثنتان وأربعون حلوبة ... سودا كخافية الغراب الأسحم
وهو من معلقته.
والأسحم: الأسود- وصف رهط عشيقته بالغنى والتمول.
انظر الديوان ص 193 وشرح المعلقات السبع للزوزني/ 139 والخزانة
3/ 310.
(5) في (ط): فهذا وجه.
(6) كذا في (ط)، وعبارة (م) اسما الجنس.
(4/33)
وقول من جمع الريح، إذا وصفها بالجميع «1»
الذي هو (نشرا) أحسن، لأنّ الحمل على المعنى ليس بكثرة الحمل
على اللفظ، ويؤكد ذلك قوله: الرياح مبشرات فلمّا وصفت بالجمع
جمع الموصوف أيضا.
ومما جاء فيه الجمع القليل بالواو قول ذي الرّمّة «2»:
إذا هبّت الأرواح من نحو جانب ... به آل ميّ هاج شوقي هبوبها
وليس ذلك كعيد وأعياد، لأنّ هذا بدل لازم، وليس البدل في الريح
كذلك. فأمّا ما
جاء في الحديث من أنّ النبي، صلّى الله عليه وآله وسلّم «3»
كان يقول إذا هبّت ريح: «اللهمّ اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا»
«4»
، فلأنّ عامّة ما جاء في التنزيل، على لفظ الرياح للسقيا
والرحمة كقوله: [عزّ من قائل] «5»: وأرسلنا الرياح لواقح
[الحجر/ 22]. وكقوله «6»: ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات
[الروم/ 46] وقوله «7» الله الذي يرسل الرياح فتثير
__________
(1) في (ط): بالجمع.
(2) انظر ديوانه 2/ 694.
(3) سقطت من (ط).
(4) ذكره الخطابي في شأن الدعاء ص 190 وغريب الحديث 1/ 679
والهيثمي في مجمع الزوائد 10/ 135 وابن حجر في المطالب العالية
3/ 238 والإمام النووي في الأذكار، انظر شرحها لابن علان 4/
276، 277.
(5) سقطت من (ط).
(6) في (ط): وقوله.
(7) سقطت من (م).
(4/34)
سحابا فيبسطه في السماء [الروم/ 48].
وما «1» جاء بخلاف ذلك جاء على الإفراد كقوله: وفي عاد إذ
أرسلنا عليهم الريح العقيم [الذاريات/ 41]، وقوله:
وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر [الحاقة/ 6]، بل هو ما استعجلتم
به، ريح فيها عذاب أليم تدمر كل شيء بأمر ربها [الأحقاف/ 24]،
فجاءت في هذه المواضع على لفظ الإفراد وفي خلافها على لفظ
الجميع «2».
أبو عبيدة «3»: (نشرا) أي متفرقة من كلّ جانب، وقال أبو زيد:
قد أنشر الله الريح إنشارا، إذا بعثها، وقد أرسلها نشرا بعد
الموت.
قال أبو علي: أنشر الله الريح إنشارا «4» مثل أحياها، فنشرت
هي، أي: حييت، والدليل على أنّ إنشار الريح إحياؤها قول
المرّار الفقعسي «5»:
__________
(1) في (ط): ومما جاء.
(2) في (ط): الجمع.
(3) في (ط): وقال أبو عبيدة. وعبارته في مجاز القرآن 1/ 217،
أي:
«متفرقة من كل مهب وجانب وناحية». وما عندنا هو في بعض روايات
نسخة في هامش المجاز.
(4) كذا في (ط) وسقطت من (م).
(5) هو المرار بن سعيد بن حبيب الفقعسي أبو حسان، شاعر إسلامي
من شعراء الدولة الأموية انظر الأعلام 7/ 199 فقد أحال على
مواطن ترجمته.
ورواية اللسان للبيت:
وهبت له ريح الجنوب وأنشرت ... له ريدة يحيي الممات نسيمها
والريدة: الريح اللينة. انظر اللسان مادة/ ريد/.
(4/35)
وهبّت له ريح الجنوب وأحييت ... له ريدة
يحيي المياه نسيمها
وكما «1» جاء أحييت كذلك ما حكاه أبو زيد من قولهم:
أنشر الله الريح، معناه: الإحياء. وممّا يدلّ على ذلك «2» أنّ
الريح قد وصفت بالموت، كما وصفت بالحياة: قال «3».
إني لأرجو أن تموت الريح ... فأقعد اليوم وأستريح
فقال: تموت الريح. بخلاف ما قاله الآخر:
وأحييت له ريدة ...
والرّيدة: الريح، قال «4»:
أودت به ريدانة صرصرّ وقراءة «5» من قرأ (نشرا) يحتمل ضربين:
يجوز أن يكون جمع ريح نشور، وريح ناشر. ويكون «6»: ناشر على
معنى
__________
(1) في (ط): فكما.
(2) سقطت من (م).
(3) ذكره اللسان في مادة/ موت/ ولم ينسبه ويروى (فأسكن اليوم).
(4) عجز بيت لابن ميادة في شعره ص 122 وتمامه:
أهاجك المنزل والمحضرّ ... أودت به ريدانة صرصرّ
وانظر المنصف 2/ 11 وقد جاءت القافية في شعره مخففة.
(5) في (ط): فقراءة.
(6) في (ط): ويكون ريح ناشر.
(4/36)
النسب؛ فإذا جعلته جمع نشور احتمل أمرين:
أحدهما: أن يكون النشور بمعنى المنتشر، كما أنّ الركوب بمعنى
المركوب.
قال «1»:
وما زلت خيرا منك مذ عضّ كارها ... بلحييك عاديّ الطريق ركوب
وقال أوس:
تضمّنها وهم ركوب كأنّها «2» * إذا ضمّ جنبيه المخارم رزدق «3»
كأنّ المعنى: ريح أو رياح منشرات «4».
ويجوز أن يكون نشرا: جمع نشور يراد به الفاعل، كأنّه كطهور
ونحوه من الصفات.
ويجوز أن يكون نشرا: جمع ناشر، كشاهد وشهد، وبازل وبزل، وقاتل
وقتل، وقال الأعشى «5»:
إنا لأمثالكم يا قومنا قتل
__________
(1) سبق في 3/ 243.
(2) في (ط): كأنه.
(3) الوهم: الطريق الواضح- والركوب: الذي قد ذلّله كثرة الوطء
مرة بعد مرة، والمخارم: ج مخرم وهو منقطع أنف الجبل والرزدق في
اللسان:
السطر من النخيل والصف من الناس، وهو معرب. انظر ديوانه/ 77.
(4) في (ط): منشرة.
(5) صدر البيت:
كلا زعمتم بأنّا لا نقاتلكم انظر ديوانه/ 61.
(4/37)
وقول ابن عامر: نشرا يحتمل الوجهين: أن
يكون جمع فعول وفاعل، فخفّف العين، كما يقال: كتب ورسل، ويكون
جمع فاعل كبازل وبزل وعائط وعيط.
وأمّا قراءة حمزة والكسائيّ نشرا فإنه «1» يحتمل ضربين:
يجوز أن يكون المصدر حالا من الريح فإذا جعلته حالا منها احتمل
أمرين: أحدهما أن يكون النّشر الذي هو خلاف الطيّ، كأنّها كانت
«2» بانقطاعها كالمطويّة، ويجوز على تأويل أبي عبيدة «3»، أن
تكون متفرقة في وجوهها.
والآخر: أن يكون النشر، الذي هو الحياة في قوله «4»:
يا عجبا للميّت الناشر فإذا حملته على ذلك وهو الوجه، كان
المصدر يراد به الفاعل كما تقول: أتانا ركضا، أي: راكضا، ويجوز
أن يكون المصدر يراد به المفعول، كأنّه يرسل الرياح إنشارا،
أي: محياة؛ فحذف الزوائد من المصدر كما قالوا: عمرك الله، وكما
قال «5»:
فإن يهلك فذلك كان قدري أي: تقديري.
__________
(1) كذا في (ط) وسقطت من (م).
(2) كذا في (ط) وسقطت من (م).
(3) سبق قول أبي عبيدة قريبا.
(4) عجز بيت للأعشى وصدره:
حتى يقول الناس ممّا رأوا انظر ديوانه/ 141
(5) سبق في 2/ 129.
(4/38)
والضرب الآخر: أن يكون نشرا على قراءتهما
ينتصب انتصاب المصادر من باب صنع الله [النمل/ 88].
لأنه إذا قال يرسل الرياح دلّ هذا الكلام على: ينشر الريح نشرا
أو تنشر نشرا، من قوله «1»:
كما تنشّر بعد الطية الكتب ... ومن نشرت الريح مثل نشر الميت.
وقراءة عاصم: بشرا؛ فهو جمع بشير، وبشر من قوله:
يرسل الرياح مبشرات [الروم/ 46]. أي تبشّر بالمطر والرحمة،
وجمع بشيرا على بشر، ككتاب وكتب «2».
[الاعراف: 59]
اختلفوا في الرفع والخفض في قوله تعالى «3»:
من إله غيره [الأعراف/ 59].
فقرأ الكسائي وحده ما لكم من إله غيره* خفضا، وقرأ الباقون:
[ما لكم من إله غيره] رفعا في كلّ القرآن.
وقرأ حمزة والكسائيّ: هل من خالق غير الله [فاطر/ 3] خفضا.
__________
(1) هو عجز بيت لذي الرّمّة وصدره:
أم دمنة نسفت عنها الصبا سفعا الدمنة: واحدة الدمن وهو ما سوّد
بالرماد. والسفعة ما خالف لون الأرض وهو يضرب إلى السواد. انظر
ديوانه 1/ 15. واللسان/ طوى/ وفيه: من دمنة.
(2) إلى هنا ينتهي التقديم والتأخير المشار إليه في الصفحة 32.
(3) في (ط): من قوله عز وجل. وفي السبعة: «ومن قوله».
(4/39)
وقرأ الباقون: غير الله رفعا «1».
وجه قراءة الكسائي في: ما لكم من إله غيره* بالجرّ أنّه جعل
غيرا صفة لإله على اللفظ، وجعل لكم مستقرا، أو جعله غير مستقر،
وأضمر الخبر، والخبر: ما لكم في الوجود أو العالم، ونحو ذلك،
لا بدّ من هذا الإضمار «2»، إذا لم يجعل لكم «3» مستقرا لأنّ
الصفة والموصوف، لا يستقلّ بهما كلام.
وحجة من قرأ ذلك رفعا ما لكم من إله غيره قوله: وما من إله إلا
الله [آل عمران/ 62]، فكما أنّ قوله إلّا الله بدل من قوله: ما
من إله كذلك قوله: غير الله يكون بدلا من قوله من إله وغيره
يكون بمنزلة الاسم الذي «4» بعد إلّا، وهذا الذي ذكرنا أولى أن
يحمل عليه من أن يجعل غير صفة لإله على الموضع.
فإن قلت: ما تنكر أن يكون إلا الله صفة لقوله: من إله على
الموضع. كما كان قوله: لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا
[الأنبياء/ 22]. صفة لآلهة.
فالقول أنّ «إلّا» بكونها استثناء أعرف، وأكثر من كونها صفة،
وإنّما جعلت صفة على التشبيه بغير؛ فإذا كان بالاستثناء أولى
حملنا: هل من خالق غير الله على الاستثناء من المنفي
__________
(1) السبعة ص 284 وما بين معقوفين منه.
(2) كذا في (ط). وفي (م): والإضمار.
(3) سقطت من (م).
(4) في (م): الأسماء الذي.
(4/40)
في المعنى، لأنّ قوله: هل من خالق غير الله
بمنزلة: ما من خالق غير الله، ولا بدّ من إضمار الخبر، كأنّه:
ما من خالق للعالم غير الله، ويؤكّد ذلك قوله: لا إله إلا الله
[محمد/ 19] فهذا استثناء من منفي مثل: لا أحد في الدار إلّا
زيد.
فأمّا قراءة حمزة والكسائيّ: هل من خالق غير الله فعلى أن جعلا
غير* صفة للخالق، وأضمر الخبر كما تقدّم.
والباقون جعلوه استثناء بدلا من المنفي، وهو الأولى عندنا لما
تقدّم من الاستشهاد عليه من قوله: وما من إله إلا الله [آل
عمران/ 62].
[الاعراف: 62]
واختلفوا «1» في تشديد اللّام وتخفيفها من قوله تعالى:
أبلغكم [الأعراف/ 62].
فقرأ أبو عمرو وحده: أبلغكم* ساكنة الباء خفيفة اللّام مضمومة
الغين في كلّ القرآن.
وقرأ الباقون: أبلغكم بفتح الباء وتشديد اللّام في كلّ القرآن
«2».
القول: إنّ بلغ* فعل يتعدى إلى مفعول واحد «3» في
__________
(1) في (ط): اختلفوا.
(2) السبعة ص 284 مع اختلاف يسير.
(3) سقطت من (ط).
(4/41)
نحو: بلغني خبرك «1»، وبلغت أرضك جريبا
«2».
فإذا نقلته تعدى إلى مفعولين. والنقل تارة يكون بالهمز وأخرى
بتضعيف العين، وكلا الأمرين قد جاء به التنزيل، قال:
فإن تولوا فقد أبلغتكم [هود/ 57].
فهذا. نقل بالهمزة، والنّقل بالتضعيف، يا أيها الرسول بلغ ما
أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالاته [المائدة/ 67]،
فكلا الأمرين في التنزيل، وكلّ واحدة من اللغتين مثل الأخرى في
مجيء التنزيل بهما،
وفي الحديث: «اللهم هل بلّغت» «3».
[الاعراف: 81، 80]
واختلفوا في الاستفهامين يجتمعان، فاستفهم فيها «4» بعضهم،
واكتفى بعضهم بالأول من الثاني.
فممن استفهم بهما جميعا عبد الله بن كثير، وأبو عمرو، وعاصم في
رواية أبي بكر، وحمزة «5» كانوا يقرءون: ولوطا إذ قال لقومه
أتأتون الفاحشة ... أئنكم لتأتون الرجال
__________
(1) في (ط): خبركم.
(2) الجريب من الأرض مقدار معلوم من الذراع والمساحة وهو عشرة
أقفزة، انظر اللسان/ جرب/.
(3) من حديث طويل في مسلم برقم (901) باب صلاة الكسوف.
(4) كذا الأصل «فيها» وفي السبعة «بهما» وقال محققه في الحاشية
عن الأصل وت وش: «فيهما». ولعل هذه الأخيرة هي المرادة عندنا
وسقط الميم من الناسخ، بدليل ما جاء بعدها من قوله: فممن
استفهم بهما ..
(5) قراءة العبارة في (ط): أبي بكر عنه وحمزة.
(4/42)
[الأعراف/ 80، 81]، أإذا كنا ترابا [الرعد/
5]، وما كان مثله في كلّ «1» القرآن باستفهام.
وروى حفص عن عاصم: إنكم في الأعراف. مثل نافع، وكذلك في
العنكبوت [28 - 29] غير أنّهم اختلفوا في الهمز.
وقرأ عاصم بهمزتين، وكذلك حمزة، ولم يهمز ابن كثير، وأبو عمرو
إلّا واحدة.
وممّن اكتفى بالاستفهام الأول من الثاني: نافع والكسائيّ؛
فكانا يقرءان: أءذا كنا ترابا إنا لفي خلق جديد [الرعد/ 5]،
أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما إنا لمبعوثون [الصافات/ 16]، وما
كان مثله في القرآن كلّه، إلّا أن الكسائيّ همز همزتين ونافع
لم يهمز إلّا واحدة.
وخالف نافع الكسائي في قصة لوط، فكان نافع يمضي على ما أصّل
«2»، وكان الكسائيّ يقرأ بالاستفهامين جميعا في قصة لوط، ثم
اختلفا في العنكبوت «3»: أئنكم لتأتون الرجال [الآية/ 29]؛
فكان نافع يستفهم بالثاني ولا يستفهم بالأول، وكان الكسائيّ
يستفهم بهما جميعا.
اختلفوا «4» في سورة النمل في قوله: وقال الذين كفروا
__________
(1) سقطت من (ط).
(2) في (ط): أصله.
(3) في (ط): واختلفا في قوله في العنكبوت.
(4) في (ط): واختلفوا.
(4/43)
أئذا كنا ترابا وآباؤنا أئنا [67]
باستفهام.
فقرأ «1» الكسائيّ أإذا كنا ترابا بهمزتين. وو آباؤنا إننا
بنونين من غير استفهام.
وقرأ ابن عامر ضد قراءة نافع والكسائي «2» في عامّة ذلك، فكان
لا يستفهم بالأول ويستفهم بالثاني، وهمز «3» همزتين في كلّ
القرآن إلّا في حرفين؛ فإنه خالف فيهما هذا الأصل؛ فقرأ في
الواقعة: أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا [الآية/ 47]، جمع
بين الاستفهامين. وفي النازعات: أئنا لمردودون في الحافرة
[الآية/ 10] بالاستفهام، إذا كنا عظاما* [الآية/ 11] بغير
استفهام، وقرأ في النمل غير ذلك:
وقال الذين كفروا أئذا كنا ترابا وآباؤنا إننا لمخرجون [الآية/
67] كقراءة الكسائي، ومضى في العنكبوت على الأصل الذي أصّل من
ترك الاستفهام في الأول «4».
قوله: أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها [الأعراف/ 80] إنكم لتأتون
الرجال [الأعراف/ 81]. كل واحد من الاستفهامين كلام مستقل لا
حاجة بواحد من الكلامين إلى الآخر فيما يستقل به.
__________
(1) في (ط): «وقرأ».
(2) في (ط): ضد قراءة الكسائي.
(3) في (ط): ويهمز.
(4) انظر السبعة ص 285، 286 ففي النص اختلاف عمّا هنا من حيث
بسط المسألة والتقديم والتأخير.
(4/44)
فلو قال: إنّ قوله: إنكم لتأتون الرجال
تقرير؛ فهو بمنزلة الإخبار، وإن كان على لفظ الاستفهام «1»
وإذا «2» كان كذلك جعلت: أئنكم «3» لتأتون الرجال تفسيرا
للفاحشة، كما أن قوله: للذكر مثل حظ الأنثيين [النساء/ 176]
تفسير للوصية؛ لكان «4» قولا.
فأمّا قوله: أئذا كنا ترابا وآباؤنا إننا [النمل/ 67] فليس مثل
قوله: أتأتون الفاحشة [الأعراف/ 80] أئنكم لتأتون الرجال
[الأعراف/ 81]، لأنّ الاستفهامين هنا قد استثقلا وليس كذلك
قوله: أئذا كنا ترابا وآباؤنا أئنا، ألا ترى أنّ قوله: إذا* في
قوله: إذا كنا ترابا، ظرف من الزمان يقتضي أن يكون متعلقا
بشيء، وليس في الكلام ما يتعلق به.
فإن قلت: فلم لا يتعلق إذا* بقوله: كنا*؟ قيل: لا يجوز ذلك،
لأنّ كنّا مضاف إليه، ألا ترى أنّ إذا مضاف إلى كنّا، والمضاف
والمضاف إليه لا يكون منهما كلام مستقل، كما لا يكون من الصفة
والموصوف.
فإن قلت: فاجعل الفعل في موضع جزم بإذا لتكون إذا معمولة. فإنّ
ذلك لم يجيء في الكلام، إنّما يجيء في الشعر،
__________
(1) كذا في (ط) وسقطت من (م).
(2) في (ط): فإذا.
(3) في (ط): إنكم.
(4) جملة «لكان قولا» جواب لقوله: «فلو قال».
(4/45)
فإذا كان كذلك، فلا بدّ من تعليق إذا بشيء
يكون معمولا، ويستقلّ به الكلام، وذلك نبعث أو نحشر، التقدير:
أنبعث إذا كنا ترابا. فحذف نبعث في اللفظ لدلالة: أئنا
لمبعوثون عليه- ولا يجوز أن يتعلق إذا في «1» قوله: أإذا كنا
ترابا بقوله:
مبعوثون لأنّ ما قبل الاستفهام لا يعمل فيه ما بعد الاستفهام،
ولكن يتعلق بالمضمر الذي ذكرنا.
ومثل ذلك قوله: يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين
[الفرقان/ 22]، فقوله: يوم يرون الملائكة متعلق بما دلّ عليه
هذا الكلام من قوله: يحزنون، ولا يتعلق بشيء مما بعد لا* من
قوله: لا بشرى يومئذ للمجرمين.
قال: روى «2» حفص عن عاصم إنكم* في الأعراف مثل نافع؛ وكذلك في
العنكبوت، غير أنّهم اختلفوا في الهمز.
فقرأ عاصم بهمزتين، وكذلك حمزة، ولم يهمز ابن كثير، وأبو عمرو،
إلّا واحدة، يريد أحمد بن موسى بقوله: إلّا واحدة، أنهم خففوا
إحدى الهمزتين، ولم يحقّقوهما كما حقّقهما عاصم وحمزة.
قال: وممّن اكتفى بالاستفهام الأول من الثاني نافع
__________
(1) في (ط): من قوله.
(2) في (ط): وروى.
(4/46)
والكسائيّ، وكانا يقرءان: أئذا كنا ترابا،
إنا لفي خلق جديد [الرعد/ 5] أءذا متنا وكنا ترابا .. إنا
لمبعوثون [الواقعة/ 47] وما كان مثله في القرآن كلّه، إلّا أنّ
الكسائيّ همز همزتين ونافع لم يهمز إلّا واحدة.
يريد أحمد بقوله: إلّا أنّ الكسائيّ همز همزتين، أنّه حقّقهما
كما يحقّقهما عاصم وحمزة، وخفّف نافع إحداهما «1».
والقول في قوله: أءذا كنا ترابا، إنا لفي خلق جديد:
أنّ إذا متعلق بفعل مضمر يدلّ عليه قوله: إنا لفي خلق جديد*
تقديره: أإذا كنّا ترابا نبعث أو نحشر أو نعاد، لأنّ قوله:
إنا لفي خلق جديد*، يدلّ على هذا الضرب من الفعل، ولا يجوز أن
يتعلق إذا بجديد؛ لأنّ ما بعد إن لا تعمل «2» فيما قبلها، كما
أنّ ما بعد لام الابتداء، لا يعمل فيما قبلها، وكذلك القول في
«3» قوله: أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما إنا لمبعوثون
[المؤمنون/ 82].
قال أحمد: وخالف نافعا الكسائيّ في قصة لوط، فكان نافع يمضي
على ما أصّل، وكان الكسائيّ يقرأ بالاستفهامين جميعا في قصة
لوط: وقد «4» تقدم ذكر ذلك.
قال أحمد: واختلفا في قوله في العنكبوت: أئنكم
__________
(1) في (م) احديهما.
(2) في (ط): لا يعمل.
(3) سقطت في من (ط).
(4) في (ط): قد تقدم.
(4/47)
لتأتون الرجال، فكان نافع يستفهم بالثاني
ولا يستفهم بالأول، وكان الكسائيّ يستفهم بهما جميعا.
كل واحد من الاستفهامين جملة مستقلة لا تحتاج في تمامها إلى
شيء، فمن ألحق حرف الاستفهام جملة نقلها به من الخبر إلى
الاستخبار، ومن لم يلحقها بقّاها على الخبر.
واختلفا «1» في سورة النمل في قوله: وقال الذين كفروا أئذا كنا
ترابا وآباؤنا أئنا [الآية/ 67].
فقرأ نافع وقال الذين كفروا إئذا كنا ترابا وآباؤنا أئنا
باستفهام.
وقرأ الكسائيّ: أئذا كنا ترابا بهمزتين، وآباؤنا إننا بنونين
من غير استفهام.
وجه قراءة نافع: إذا كنا ترابا وآباؤنا أئنا أن إذا* لا بدّ من
أن يحمل على فعل، يدلك على ذلك أنّه لا يخلو من أن يترك الكلام
على ظاهره؛ فلا يضمر شيء، أو يضمر الفعل؛ ليحمل إذا عليه، فلا
يجوز إن ترك «2» على ظاهره، لأنّ ما بعد الاستفهام. لا يعمل
فيما قبله، وكذلك ما بعد إن لا يعمل فيما قبلها، وقد اجتمع
الأمران في قوله: إذا كنا ترابا أئنا.
فإذا لم يجز حمل إذا على شيء من هذا الكلام ظاهر،
__________
(1) في (ط): قال: واختلفا. وفي السبعة: واختلف الكسائي ونافع-
انظر ص 286.
(2) في (ط): يترك.
(4/48)
فلا بدّ من إضمار الفعل وتقدير ذلك الفعل:
أنبعث أو نحشر، أو نخرج، ودلّك «1» قوله: إنا لمبعوثون* على
ذلك، وكذلك قراءة الكسائي: أإذا كنا ترابا، وآباؤنا بهمزتين
أيضا، وينبغي أن يقدر فعل في الكلام، يتعلق إذا به، يدلّ على
ذلك أنّ إذا لا يجوز تعلّقها بشيء قبلها، لأنّ ما في حيّز
الاستفهام ينقطع مما قبله، فلا يتعلق به، ولا يجوز أن يتعلق
[ما بعد إنّ من قوله] «2»: إنّنا، لأنّ إنّ لا يعمل ما بعدها
فيما قبلها، كما أنّ الاستفهام، ولام الابتداء، كذلك. ومثلهما
في هذا لا* النافية التي تبنى مع المفرد المنكور على الفتح،
نحو: لا رجل؛ فإذا لم يجز تعلّقها بما قبلها، ولا بما بعدها
فلا بدّ من فعل مضمر يتعلق به إذا، وهو الفعل الذي تقدّم ذكره،
ولا يجوز تعلّق إذا بالفعل الذي بعدها، لأنّها مضافة إليه، ولو
جاز ذلك لجاز:
القتال زيدا حين يأتي، يريد: القتال حين يأتي زيدا.
وأمّا قراءته: إننا* بنونين؛ فلأنّه جاء به على الأصل، ومن
قرأ: إنا* حذف من النونات واحدة كراهة اجتماع الأمثال
والمحذوفة، وهي الوسطى، لأن علامة الضمير لا تحذف.
فإن قلت: إن التكرير إنّما وقع بالتي هي علامة الضمير، فهي
لذلك أولى بالحذف. قيل: إنه* وإن كان كذلك لم يحذف، لأنّها لم
تحذف في موضع، ونظير ذلك في أن الحذف وقع في غير الآخر قولهم:
في تحقير ذا* ذيّا حذف
__________
(1) في (ط): ويدلك.
(2) ما بين معقوفين ورد في (ط): بما بعد إن في قوله.
(4/49)
الأول من الأمثال، وكان أصله: ذييّا، فلم
تحذف الياء للتحقير، ولم تحذف التي هي لام لما كان يلزم من
تحريك ياء التحقير، وهي لم تحرّك في موضع.
قال «1»: وقرأ ابن عامر ضدّ قراءة نافع والكسائي في عامة ذلك،
فكان لا يستفهم بالأول ويستفهم بالثاني، ويهمز همزتين في كلّ
القرآن إلّا في حرفين.
[قال أبو علي] «2»: إلحاق حرف الاستفهام الأول نحو:
أءذا كنا ترابا ... إنا لمبعوثون أحسن لأمرين:
أحدهما: أنّ قوله: لمبعوثون* «3»، لمّا كان يدلّ على يبعث
ونحوه مما يتعلق إذا* به صار كجزء من الكلام الذي دخل عليه حرف
الاستفهام.
والآخر: أنّ الكلام الأول إذا دخل عليه الاستفهام قد ذكر حرفه،
وأريد في الكلام الثاني كان أحسن لأنّه على الاستفهام أدلّ.
ووجه قول ابن عامر: أنّ الدلالة مما تذكر بعد قد يكون
كالدّلالة فيما يذكر قبل، ألا ترى أنّ من قرأ: ولا تحسبن الذين
يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم [آل عمران/ 180]
إنما يريد: لا تحسبنّ بخل الذين يبخلون؛
__________
(1) سقطت من (ط).
(2) سقطت من (ط).
(3) في (ط): إنا لمبعوثون.
(4/50)
فأضمر البخل لدلالة ما يجيء من بعد عليه في
«1» قوله:
يبخلون فكذلك الاستفهام إذا ذكر حرفه بعد، يدل على إرادته فيما
تقدمه.
ووجه قراءة ابن عامر في الواقعة: أإذا متنا وكنا ترابا أئنا
[الآية/ 47]. فعلق إذا* بالمضمر على ما تقدّم، وقراءته في
النازعات: أئنا لمردودون في الحافرة. إذا كنا [الآية/ 10 - 11]
فإنّ قوله إذا* إذا لم يدخل عليه حرف الاستفهام، جاز تعلقه
بقوله: مردودون، وإذا «2» ألحق إذا حرف الاستفهام، لم يكن بدّ
من إضمار فعل.
قال: وقرأ في النمل غير ذلك: وقال الذين كفروا أئذا كنا ترابا
وآباؤنا إننا لمخرجون [الآية/ 67]، كقراءة الكسائي، ومضى في
العنكبوت على ما أصّل من ترك الاستفهام في «3» الأول.
قوله: إذا كنا ترابا* ينبغي أن يتعلق بمضمر على نحو «4» ما
تقدّم به القول في نحوه.
[الاعراف: 75]
قرأ ابن عامر في الأعراف [75] في قصة صالح: وقال الملأ الذين
استكبروا بإثبات الواو، وكذلك هي في مصاحفهم.
__________
(1) في (ط): من.
(2) في (ط): ولو وفي (م) كانت لو فشطب عليها وصححها على الهامش
وإذا.
(3) في (م): (من) وما أثبته من (ط) وموافق للسبعة.
(4) سقطت نحو من (ط).
(4/51)
وقرأ الباقون بغير واو، وكذلك هي في
مصاحفهم «1».
قد قلنا فيما تقدّم في نحو هذه الواو أنّ إثباتها حسن وحذفها
حسن.
[الاعراف: 96]
كلّهم قرأ لفتحنا عليهم [الأعراف/ 96] خفيفة غير ابن عامر،
فإنّه قرأ لفتحنا عليهم مشددة التاء «2».
قد تقدّم القول في هذا.
[الاعراف: 98]
اختلفوا في فتح الواو وإسكانها من قوله تعالى «3»: أوأمن
[الأعراف/ 98].
فقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر: أو أمن بإسكان «4» الواو.
وروى ورش عن نافع أو امن «5» يفتح «6» ويدع الهمزة، ويلقي
حركتها على الواو.
وقرأ عاصم وأبو عمرو وحمزة والكسائي: أو أمن بتحريك الواو، غير
أن ابن كثير كان ينصب الواو في الصافات [17] والواقعة [48].
وكان نافع وابن عامر يقفانها في الثلاثة المواضع «7».
__________
(1) السبعة 284.
(2) السبعة ص 286.
(3) في (ط): عز وجل.
(4) في (ط) بسكون.
(5) رسمها في (ط): (أو من).
(6) سقطت «يفتح» من (ط).
(7) السبعة ص 287.
(4/52)
[قال أبو علي] «1»: أو: حرف استعمل على
ضربين:
أحدهما: أن يكون بمعنى أحد الشيئين أو الأشياء في الخبر
والاستفهام.
والآخر: أن يكون للإضراب عمّا قبلها في الخبر والاستفهام، كما
أنّ «أم» المنقطعة في الاستفهام، والخبر كذلك.
فأمّا «أو» «2» التي تكون لأحد الشيئين أو الأشياء، فمثاله في
الخبر: زيد أو عمرو جاء، وزيد أو عمرو ضربته كما تقول:
أحدهما جاء، وأحدهما ضربته، وهي إذا كانت للإباحة، كذلك أيضا،
وذلك قولك: جالس الحسن أو ابن سيرين، ويدلّك على أنّها ليست
بمعنى الواو أنّه إذا جالس أحدهما؛ فقد ائتمر للأمر، ولم
يخالفه، وإنّما جاز له الجمع بين مجالستهما من حيث كان كلّ
واحد منهما مجالسته بمعنى مجالسة الآخر، ليس من حيث كانت «أو»
بمعنى الواو، وقول الشاعر «3»:
وكان سيّان أن لا يسرحوا نعما ... أو يسرحوه بها واغبرّت
«4» السّوح إنّما حسن له استعمال أو، مع أنّه لا يجوز: سيّان
__________
(1) سقطت من (م).
(2) سقطت من (ط).
(3) سبق انظر 1/ 266.
(4) في (ط): فاغبرّت.
(4/53)
أحدهما؛ أنّه رأى نحو: جالس الحسن أو ابن
سيرين؛ فيجوز له أن يجمع بين مجالستهما.
وأمّا «أو» التي تجيء للإضراب بعد الخبر والاستفهام، فكقولك:
أنا أخرج، ثم تقول: أو أقيم، أضرب «1» عن الخروج وأثبت
الإقامة، كأنّك قلت: لا بل أقيم، كما أنّك في قولك: «إنّها
لإبل أم شاء» مضرب عن الأول، ولا تقع بعد أو هذه إلّا جملة،
كما لا تقع «2» بعد «أم» إذا كانت للإضراب إلّا جملة.
ومن ثمّ قال سيبويه: في قوله «3»: ولا تطع منهم آثما أو كفورا
[الإنسان/ 24]، إنّك لو قلت: أو لا تطع كفورا، انقلب المعنى
«4»، وإنّما كان ينقلب المعنى لأنّه إذا قال: لا تطع آثما أو
كفورا، فكأنّه قال: لا تطع هذا الضّرب، ولا تطع هؤلاء، وإنّما
لزمه أن لا يطيع أحدا «5» منهما، لأنّ كلّ واحد منهما في معنى
الآخر في وجوب ترك الطاعة له، كما جاز له أن يجمع بين مجالسة
الحسن وابن سيرين، لأنّ كلّ واحد منهما أهل للمجالسة، ومجالسة
كلّ واحد منهما كمجالسة الآخر، ولو قال: لا تطع آثما أو لا تطع
كفورا، كان بقوله: أو لا تطع، قد
__________
(1) في (ط): أضربت.
(2) في (ط): يقع.
(3) في (ط): قوله عز وجل.
(4) انظر سيبويه 1/ 489 - 491.
(5) في (ط): واحدا.
(4/54)
أضرب عن ترك طاعة الأوّل، فكان يجوز أن
يطيعه، وفي جواز ذلك انقلاب المعنى.
فوجه قراءة من قرأ: أو أمن، أنّه جعل أو للإضراب لا على أنّه
أبطل الأوّل، ولكن كقوله «1»: الم، تنزيل الكتاب لا ريب فيه
[السجدة/ 1 - 2]، ثم قال: أم يقولون افتراه [السجدة/ 3]، فجاء
هذا ليبصّروا ضلالتهم، فكأنّ المعنى:
أأمنوا هذه الضروب من معاقبتهم، والأخذ لهم، وإن شئت جعلته أو
التي في قولك: ضربت زيدا أو عمرا، كأنّك أردت:
أفأمنوا إحدى هذه العقوبات؟
ووجه قراءة من قرأ: أوأمن أهل القرى [الأعراف/ 98] أنّه أدخل
همزة الاستفهام على حرف العطف، كما دخل في نحو قوله: أثم إذا
ما وقع [يونس/ 51].
وقوله: أوكلما عاهدوا عهدا [البقرة/ 100].
ومن حجة من قرأ ذلك: أنّه أشبه بما قبله وما بعده، ألا ترى أنّ
قبله: أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا وبعده أفأمنوا مكر الله
[الأعراف/ 99] أولم يهد للذين يرثون الأرض [الأعراف/ 100]،
فكما أنّ هذه الأشياء، حروف عطف دخل عليها حرف الاستفهام، كذلك
يكون قوله: أوأمن.
[الاعراف: 105]
اختلفوا في تشديد الياء وتخفيفها من قوله جلّ وعزّ:
حقيق علي أن لا أقول [الأعراف/ 105].
__________
(1) في (ط): كقوله عز وجل.
(4/55)
فقرأ نافع وحده: حقيق على أن لا أقول
بتشديد الياء ونصبها.
وقرأ الباقون بتخفيف الياء وهي مرسلة «1».
حجة نافع «2» في قوله عزّ وجلّ «3»: حقيق علي وإيصاله له بعلي*
أنّه يسوغ من وجهين:
أحدهما: أنّ «حقّ» الذي هو «4» فعل، قد تعدّى بعلى، قال: فحق
علينا قول ربنا [الصافات/ 31]، وقال: فحق عليها القول
[الإسراء/ 16]، فحقيق يتصل بعلى من هذا الوجه.
والوجه «5» الآخر: أنّ حقيق بمعنى واجب، فكما أنّ وجب يتعدى
بعلى، كذلك تعدى حقيق به إذا أريد به ما أريد بواجب.
وأمّا من قرأ: حقيق على فجاز تعدّيه «6» بعلى من الوجهين
اللّذين ذكرنا.
وقد قالوا: هو حقيق بكذا، فيجوز على هذا أن يكون «7»
__________
(1) السبعة ص 287 وفي العبارة اختلاف يسير والمؤدى واحد.
(2) في (م): نافع وغيره.
(3) «عز وجل» زيادة في (ط).
(4) سقطت من (م).
(5) سقطت من (ط).
(6) في (ط): تعديته.
(7) في (ط): تكون.
(4/56)
على بمنزلة الباء تقول: «حقيق على أن».
فتضع على موضع الباء.
قال أبو الحسن: قال «1»: ولا تقعدوا بكل صراط توعدون [الأعراف/
86]، فكما وقعت الباء في قوله: بكل صراط توعدون موقع على، كذلك
وقعت على موقع الباء في قوله: حقيق على أن لا.
قال: والأول أحسنهما عندنا «2»، يعني: حقيق على أن لا بالألف
غير مضاف إلى المتكلم.
قال: لأنّ حقيق على، معناها الباء، أي حقيق بذا، قال:
وليس ذلك بالمقيس لو قلت: ذهبت على زيد، وأنت تريد بزيد؛ لم
يجز، قال «3»: وجاز في علي* «4» لأنّ القراءة قد وردت به.
[الاعراف: 111]
اختلفوا في الهمز وإسقاطه من قوله تعالى «5»: قالوا أرجه وأخاه
[الأعراف/ 111].
فقرأ ابن كثير أرجئهو وأخاه مهموز بواو بعد الهاء في اللّفظ،
وقرأ أبو عمرو مثله، غير أنّه كان يضم الهاء ضمة من غير أن
يبلغ بها الواو، وكانا يهمزان مرجئون [التوبة/ 106] وترجئ من
تشاء [الأحزاب/ 51].
__________
(1) في (ط): كما قال عز وجل.
(2) انظر معاني القرآن 2/ 307.
(3) سقطت من (ط).
(4) في (ط): «الآية» بدل: «علي».
(5) في (ط): عز وجل.
(4/57)
وقرأ نافع [وحده] «1» أرجه وأخاه بكسر
الهاء، ولا يبلغ بها الياء، ولا يهمز. هذه رواية المسيّبي
وقالون.
وروى ورش عنه: أرجهي وأخاه يصلها بياء، ولا يهمز بين الجيم
والهاء، وكذلك قال إسماعيل بن جعفر عن نافع.
وقال خلف وابن سعدان عن إسحاق عن نافع أنّه وصل «2» الهاء
بياء.
وقرأ ابن عامر: أرجئه وأخاه في رواية هشام بن عمار مثل أبي
عمرو.
وفي رواية ابن ذكوان: كسرها بالهمز، وكسر الهاء «3» أرجئه،
وهمز مرجئون وترجئ، وهذا غلط، لا يجوز كسر الهاء مع الهمز «4»،
وإنما يجوز إذا كان قبلها ياء ساكنة أو كسرة.
واختلف عن عاصم فروى هارون بن حاتم عن حسين الجعفيّ عن أبي بكر
عن عاصم أنّه قرأ مثل أبي عمرو أرجئه مهموزا.
وقال خلف عن يحيى عن أبي بكر أنه ربما كان همزها ورفع الهاء.
__________
(1) زيادة من (ط) وليست في (م) ولا في السبعة.
(2) في (م): يصل. وما أثبتناه من (ط) والسبعة.
(3) في السبعة: «بالهمز وكسر الهاء».
(4) في (ط): الهمزة.
(4/58)
وحدّثني محمد بن الجهم عن ابن أبي أميّة عن
أبي بكر عن عاصم أرجئه مهموز «1» ساكنة الهاء.
وقال محمد بن الجهم فيما نحسب- شكّ ابن الجهم-:
بهمز «2» الألف التي قبل الراء.
وقال إبراهيم بن أحمد الوكيعي عن أبيه عن يحيى عن أبي بكر عن
عاصم: أرجئه مهموز «3» جزم. حدّثني موسى بن إسحاق القاضي، عن
أبي هشام عن يحيى عن أبي بكر عن عاصم: أرجه جزم «4» بغير همز.
وكذلك روى خلف عن يحيى عنه جزم «4».
وكذلك حدثني عبد الله بن شاكر عن يحيى عن أبي بكر:
بجزم الهاء، والكسائي عن أبي بكر [عن عاصم] «6»: بجزم الهاء،
ولم يذكر هو «7» الهمز.
[قال الأعشى عن أبي بكر عن عاصم أرجه بغير همز، ويهمز مرجئون
ولا يهمز ترجي أبو البحتري عن يحيى عن أبي بكر عنه أنه لا يهمز
ترجي ولا مرجون] «8».
__________
(1) في (ط): مهموزا. وفي السبعة: مهموزة.
(2) في السبعة: هي بهمز.
(3) في (ط): مهموزا.
(4) في (ط): جزما.
(6) سقطت من (ط).
(7) في السبعة: هؤلاء.
(8) ما بين معقوفين زيادة من السبعة.
(4/59)
و «1» قال هبيرة عن حفص عن عاصم: أنه جزم
الهاء في الأعراف، وجرّها في الشعراء [36].
وقال غير هبيرة عن حفص: أرجه جزم «2» ولا يهمز مرجون وترجى وفي
الشعراء أرجه جزم «2»، وكذلك قال وهيب [بن عبد الله] «4» عن
الحسن بن مبارك عن أبي حفص عمرو بن الصباح «5» عن أبي عمر عن
عاصم.
وقرأ حمزة والكسائي أرجه وأخاه.
واختلفا في الهاء؛ فأسكنها حمزة مثل عاصم، ووصلها الكسائي بياء
فقال «6» أرجهي وأخاه «7».
قال أبو زيد: أرجأت الأمر إرجاء: إذا أخّرته، فقوله:
أرجئه. أفعله من هذا، وضمّ الهاء مع الهمزة لا يجوز غيره، وأن
لا يبلغ الواو أحسن لأنّ الهاء خفيّة، فلو بلغ بها الواو لكان
كأنّه قد جمع بين «8» ساكنين، ألا ترى أنّ من قال: ردّ يا فتى،
__________
(1) سقطت من (م).
(2) في (ط) جزما.
(4) سقطت من (ط) ومن السبعة.
(5) هو عمرو بن الصباح بن صبيح أبو حفص البغدادي الضرير مقرئ
حاذق.
وقد ورد اسمه في (م) عمر بن الصباح وهو خطأ. انظر طبقات القراء
1/ 601.
(6) سقطت من (م).
(7) انظر السبعة ص 287، 288 ففي النص اختلاف يسير غير الزيادة
التي أشرت إليها.
(8) عبارة (م): كأنه جمع ساكنين.
(4/60)
فضمّ، فإنّه إذا وصل بالدّال الضمير «1»
المؤنث قال: ردّها، ففتح، كما تقول: ردّا، لخفاء الهاء، فكذلك
أرجئه لا ينبغي أن يبلغ بها الواو، فيصير كأنّه جمع بين
ساكنين.
ومن قال: أرجئهو فألحق الواو، فلأنّ الهاء متحركة ولم يلتق
ساكنان، لأنّ الهاء فاصل، فقال: أرجئهو كما تقول:
اضربهو قبل، ولو كان مكان الباء حرف لين لكان وصلها بالواو
أقبح، نحو: عليهو «2»، لاجتماع حروف متقاربة مع أن الهاء، ليس
بحاجز قوي في الفصل، واجتماع المتقاربة في الكراهة كاجتماع
الأمثال.
قال: وقرأ نافع: أرجه وأخاه بكسر الهاء، ولا يبلغ بها الياء،
ولا يهمز. هذه رواية المسيّبي وقالون.
وروى ورش: أرجهي يصلها بياء، ولا يهمز بين الجيم والهاء.
وكذلك قال إسماعيل بن جعفر.
[قال أبو علي] «3»: وصل الهاء بياء إذا قال: أرجهي لأنّ هذه
الهاء توصل في الإدراج بواو أو ياء، نحو: بهو أو «4» بهي
وضربهو، ولا تقول في الوصل: به، ولا به، ولا ضربه
__________
(1) في (ط): الدال بضمير.
(2) في (ط): عليهمو.
(3) سقطت من (م).
(4) في (ط): و.
(4/61)
حتّى. تشبع فتقول: بهو فاعلم، وبهي داء،
أو: بهو داء، إلّا في ضرورة شعر كقوله «1»:
وما له من مجد تليد قال «2»: وقرأ «3» ابن عامر: أرجئه وأخاه
في رواية هشام ابن عمّار مثل أبي عمرو، وفي رواية ابن ذكوان
كسرها بالهمز.
[قال أبو علي] «4»: كسر الهاء مع الهمز غلط، لا يجوز، وإنّما
يجوز إذا كان قبلها ياء ساكنة أو كسرة، ولو خفّف الهمزة فقلبها
ياء فقال: أرجيه، فكسر الهاء؛ لم يستقم، لأنّ هذه الياء في
تقدير الهمزة؛ فكما لم يدغم نحو: رؤيا، إذا خفّفت «5» الهمزة،
لأنّ الواو في تقدير الهمزة، كذلك لا يحسن «6» تحريك الهاء
بالكسر مع الياء المنقلبة عن الهمز «7».
وقياس من قال: ريّا، فأدغم، أن يحرّك الهاء أيضا بالكسر، وعلى
هذا المسلك قول من قال: أنبيهم [البقرة/ 33] إذا كسر الهاء مع
قلب الهمزة ياء.
__________
(1) صدر بيت للأعشى في ديوانه ص 115 تقدم ذكره في الجزء الأول
ص 205.
(2) جاء على هامش (ط): بلغت. دلالة على المقابلة.
(3) في (ط): قرأ.
(4) سقطت من (م).
(5) ضبطها في «م» بالبناء للفاعل.
(6) في (ط): لا يجوز.
(7) في (ط): الهمزة.
(4/62)
قال: واختلف عن عاصم، فروى هارون بن حاتم
عن حسين الجعفي عن أبي بكر عن عاصم أنّه قرأ مثل قراءة «1» أبي
عمرو أرجئه مهموز «2».
وقال خلف عن يحيى عن أبي بكر عن عاصم «3» أنه كان «4» ربّما
همزها ورفع الهاء.
وروى أبان عن عاصم: أرجه جزم «5»، [قال أبو علي] «6»: وهذا
لأنّه قد جاء في أرجأت لغتان: أرجأت، وأرجيت، وإذا «7» قال:
أرجه كان من أرجيت.
[الاعراف: 112]
اختلفوا في قوله جلّ وعزّ: يأتوك بكل ساحر عليم [الأعراف/
112].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو، وعاصم، وابن عامر في الأعراف
وفي يونس [79]: بكل ساحر عليم بالألف «8» قبل الحاء. وقرءوا في
[الشعراء/ 37] سحار* بألف بعد الحاء.
__________
(1) كذا في (ط) وسقطت من (م).
(2) في (ط): مهموزا.
(3) سقطت من (ط).
(4) كذا في (ط) وسقطت من (م).
(5) في (ط): جزما.
(6) كذا في (ط) وسقطت من (م).
(7) في (ط): فإذا.
(8) في (ط) بألف.
(4/63)
وقرأ حمزة والكسائيّ ثلاثتهنّ سحار* بألف
بعد الحاء «1».
[قال أبو علي] «2»: من حجة من قال: ساحر قوله:
ما جئتم به السحر [يونس/ 81]، والفاعل من السّحر، ساحر يدلّك
«3» على ذلك قوله: فألقي السحرة ساجدين [الأعراف/ 120]. ولعلنا
نتبع السحرة إن كانوا هم ..
[الشعراء/ 40].
والسّحرة جمع ساحر، ككاتب وكتبة، وفاجر وفجرة.
ومن حجّتهم: سحروا أعين الناس [الأعراف/ 116]، واسم الفاعل على
سحروا: ساحر.
ومن حجّة من قال: سحار*، أنّه قد وصف بعليم، ووصفه به يدلّ على
تناهيه فيه، وحذقه به؛ فحسن لذلك أن يذكروا بالاسم الدّالّ على
المبالغة في السحر.
[الاعراف: 113]
اختلفوا في الاستفهام والخبر «4» في قوله: أئن لنا لأجرا
[الأعراف/ 113].
فقرأ ابن كثير ونافع وعاصم في رواية حفص هاهنا إن لنا لأجرا
مكسورة الألف على الخبر، وفي الشعراء: آين لنا
__________
(1) السبعة ص 289.
(2) كذا في (ط) وسقطت من (م).
(3) في (ط): ويدل.
(4) في (ط): من قوله. وقد تكررت في (ط).
(4/64)
[الآية/ 41] ممدودة مفتوحة الألف غير أنّ
حفصا روى عن عاصم في الشعراء أئن لنا لأجرا بهمزتين.
وقرأ أبو عمرو آئن لنا ممدودة في السورتين.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وابن عامر فيما أرى وحمزة والكسائي
بهمزتين. في الموضعين جميعا «1».
[قال أبو علي] «2»: الاستفهام أشبه في هذا الموضع «3»، لأنّهم
يستعلمون «4» عن الأجر، وليس يقطعون على أنّ لهم الأجر.
ويقوي ذلك إجماعهم في الشعراء، وربّما حذفت همزة الاستفهام.
قال أبو الحسن في قوله عزّ وجلّ «5» وتلك نعمة تمنها علي أن
عبدت بني إسرائيل [الشعراء/ 22]، أنّ من الناس من يذهب إلى
أنّه على الاستفهام، وقد جاء ذلك في الشعر قال «6»:
__________
(1) السبعة ص 289.
(2) كذا في (ط) وسقطت من (م).
(3) عبارة (ط): الاستفهام في هذا الموضع أشبه.
(4) في (ط): يستعملون، وهو سهو من الناسخ.
(5) سقطت من (ط).
(6) البيت من أبيات ستة في أمالي القالي 1/ 66 تنسب لحضرمي بن
عامر الأسدي واستشهد به البغدادي في شرح أبيات المغني 1/ 35،
على حذف ألف الاستفهام دون دليل في اللفظ عليها إلّا بما يعطيه
معنى الكلام.
(4/65)
أفرح أن أرزأ الكرام وأن ... أورث ذودا
شصائصا نبلا
وهذا أقبح من قوله «1»:
وأصبحت فيهم آمنا لا كمعشر ... أتوني فقالوا من ربيعة أم
«2» مضر لأنّ أم قد تدلّ على الهمزة.
[الاعراف: 117]
كلّهم قرأ: تلقف* بتشديد القاف إلّا عاصما؛ فإنّه قرأ:
تلقف ساكنة اللّام خفيفة القاف «3» [الأعراف/ 117].
أبو عبيدة: تلقف، وتلقم واحد، قال: ما يأفكون ما يسحرون «4».
وما روي عن عاصم من «5» قراءته: تلقف ينبغي أن يكون مضارع لقف*
مثل لقم يلقم.
وروى ابن أبي بزّة وعبد الوهاب بن فليح، بإسنادهما عن ابن كثير
فإذا هي تلقف* مشددة التاء.
وكان قنبل يروي عن القواس بإسناده عن ابن كثير أنّه قرأ
__________
(1) البيت لعمران بن حطان كما في الكامل للمبرد 3/ 172 رابع
أبيات سبعة وفي الخصائص 2/ 281، وأمالي ابن الشجري 1/ 267.
(2) في (م): أو. وما أثبتناه يتمشى مع ما أراده المؤلف.
(3) السبعة ص 290.
(4) مجاز القرآن 1/ 225 وعبارته فيه: «تلقف ما يأفكون» أي تلهم
ما يسحرون ويكذبون، أي: تلقمه».
(5) في (ط): في.
(4/66)
تلقف* «1» خفيفة التاء مشددة القاف في هذه
وأخواتها، في كلّ القرآن «2».
كأنّه لفظ بها بألف ولام، هي تلقف*، فإذا ابتدأت تلقف* ابتدأت
بها خفيفة التاء، ولا يمكن غير ذلك.
[قال أبو علي] «3» وجه ما روي عن ابن كثير: فإذا هي تلقف* أنّه
أدغم بالتاء «4»، فسكنت المدغمة ولو كان هذا في الماضي،
لاجتلبت له همزة الوصل مثل: فادارأتم فيها «5» [البقرة/ 72]،
وازينت [يونس/ 24]، ولكن همزة الوصل، لا تجتلب في المضارع
لمشابهتها «6» اسم الفاعل، وإن آخره معرب.
فإذا ابتدأ بها قال «7»: تلقف* يثبت «8» التاء التي للمضارعة،
ويحذف التاء التي للمطاوعة في تفعّل، وليس القياس أن تجتلب في
المعرب همزة الوصل، والأسماء التي
جاء ذلك فيها وليست بجارية على الأفعال شاذّة في «9» القياس
قليلة.
__________
(1) كذا في (ط) وسقطت من (م).
(2) انظر السبعة، ص 290.
(3) زيادة من (ط).
(4) سقطت من (م).
(5) وردت في الأصل. ادّارأتم وراد في (م): كلمة: به.
(6) في (ط): لمشابهته.
(7) في (م): قلت.
(8) كذا في (ط) وسقطت من (م).
(9) في (ط): عن.
(4/67)
[الاعراف: 123]
اختلفوا في قوله جلّ وعزّ: قال فرعون آمنتم به [الأعراف/ 123].
فقرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر أآمنتم به بهمزة ومدة على
الاستفهام «1».
قياس قول أبي عمرو: أآمنتم بهمزة مفتوحة بعدها ألف، والألف
التي بعدها هي الألف التي تفصل بها بين الهمزتين، كما يفصل بين
النونات في «اخشينانّ» والهمزة الثانية التي بعد هذه الألف هي
همزة أفعل في قولك: أأمن، والألف بعدها هي المنقلبة عن الفاء
التي هي همزة لاجتماع همزتين في: أأمن أوقعت الألف بعد الهمزة
المخففة، كما وقعت بعد الهمزة. [إذا قلت] «2»: اقرأ آية «3»
فحققت الهمزتين جميعا، هذا «4» قياس قوله، إلّا أنّه يشبه أن
يكون ترك قياس قوله هاهنا؛ لما كان يلزم من «5» اجتماع
المتشابهة؛ فترك الألف التي تدخل بين الهمزتين في نحو: «آأنت»
«6». وخفف الهمزة الثانية، التي هي همزة أفعل من أأمن «7»،
وبعدها الألف المنقلبة عن الهمزة التي هي فاء، يدلّ على ذلك
قولهم فيما ترجموا عنه بهمزة ومدّة على الاستفهام، وكذلك ما
ترجموا عنه من قولهم.
__________
(1) السبعة ص 290، وقد أوردت (ط) الكلام عن الحرف جميعه الوارد
في السبعة، ثم فصلت الكلام عن القراءات. في حين اقتصرت (م) على
الكلام عن الحرف حين وروده. والنسختان متفقتان في هذا.
(2) كذا في (ط) وسقطت من (م).
(3) في (م): «اقرأ انّه».
(4) في (ط): هذا هو.
(5) في (ط): في.
(6) جاء رسمها في (الأصل): أاأنت.
(7) في (م): أآمن.
(4/68)
وكذلك في طه [71]، والشعراء [49] في تقدير
همزة بعدها ألفان.
فالهمزة همزة الاستفهام، والألفان الأولى منهما: الهمزة
المخففة التي هي في أفعلتم والثانية المنقلبة عن الفاء.
قال: وقال البزيّ عن أبي الإخريط «1» عن ابن كثير قال فرعون
وآمنتم [الأعراف/ 123]. بواو بعد النون بغير همزة «2».
القول فيه: أنّه أبدل من همزة الاستفهام اللاحقة لأفعلتم، واوا
لانضمام ما قبلها، وهي النون المضمومة في قوله: فرعون، وهذا في
المنفصل كالمتصل في تودة، فقوله:
.. ن وا .. مثل: تود من تودة «3»، وقوله: بغير همزة يريد بغير
همزة بعد الواو المنقلبة عن همزة الاستفهام، يريد أنّه خفّف
همزة أفعلتم، من آمنتم فجعلها بين الهمزة والألف، وهذا على قول
أهل الحجاز؛ لأنّهم يخفّفون الهمزتين إذا اجتمعتا، كما يخففون
الواحدة.
قال أحمد بن موسى: قال قنبل عن القواس مثل رواية البزيّ عن أبي
الإخريط، غير أنّه كان يهمز بعد الواو «4».
__________
(1) هو: وهب بن واضح أبو الإخريط ويقال أبو القاسم المكي مقرئ
أهل مكة وروى عنه أحمد بن محمد البزي وغيره. انظر طبقات القراء
2/ 361.
(2) السبعة ص 290.
(3) جاءت في (م) مهموزة جميعها.
(4) السبعة ص 290. وقد زاد بعد الواو (قال فرعون وآمنتم به):
وأحسبه وهم.
وفي (ط): وأحسبه غلط.
(4/69)
قال أبو علي: همز بعد الواو لأنّ هذه الواو
هي منقلبة عن همزة الاستفهام وبعد همزة الاستفهام همزة أفعلتم،
فحقّقها ولم يخفّفها كما خفّف في القول الأول لمّا خفف الأولى
حقّق الثانية.
ووجهه [أن الأول لما زال عن لفظة الهمزة] «1» بانقلابها واوا
حقّق الهمزة بعدها، لأنّه لم يجتمع همزتان.
ووجه القول الأول أنّ الواو لمّا كان انقلابها عن الهمزة في
تخفيف قياسي كان في حكم الهمزة، فلم تحقّق معها الثانية، كما
لا تحقق مع الهمزة نفسها، لأنّ الواو في حكمها، كما أنّها لما
كانت في حكمها في قولهم: رويا* في تخفيف رؤيا* لم يدغموها في
الياء، كما لم تدغم الهمزة فيها، وكما جعلوا الواو في حكم
الهمزة في رويا، فلم «2» تدغم كذلك جعل «3» الواو في قوله نوا*
من قوله «4» قال فرعون وامنتم في حكم الهمزة؛ فخفف الهمزة
الثانية التي «5» في أفعلتم.
قال أحمد: وقال قنبل في طه: ءامنتم [71] بلفظ الخبر من غير مدّ
«6».
[قال أبو علي] «7»: وجه الخبر فيه أنّه يخبرهم بإيمانهم على
وجه التقريع لهم بإيمانهم والإنكار له عليهم.
__________
(1) في (ط): الأولى لما زالت عن لفظ الهمز.
(2) في (ط): فلم تكن.
(3) في (ط): جعلوا.
(4) كذا في (ط) وعبارة (م) هنا: «قوانوا».
(5) سقطت «التي» من (م).
(6) السبعة ص 290 - 291.
(7) سقطت من (ط).
(4/70)
ووجه الاستفهام أنّه استفهام على وجه
التقرير «1»، يوبّخهم به وينكره «2» عليهم.
قال قنبل في الشعراء: قال: أآمنتم مثل أبي عمرو ويمدّ.
[قال أبو علي] «3»: يريد أنّه يزيد الاستفهام، فألحق همزة
الاستفهام وخفف همزة أآمنتم وهي الهمزة التي بعد همزة
الاستفهام، وتخفيفها أن تجعل بين بين.
وقرأ حمزة والكسائيّ في المواضع الثلاثة: أآمنتم بهمزتين،
الثانية ممدودة «4».
[قال أبو علي] «5»: حقّقا الهمزتين على ما يريانه من تحقيقهما،
والهمزة الثانية ممدودة لأنّ الهمزة الثانية تتصل بها الألف
المنقلبة عن الهمزة التي هي فاء في الأمر.
وما بعد هذا روايات لا عمل فيها.
[الاعراف: 127]
اختلفوا في التخفيف والتشديد من قوله عز وجل «6»:
سنقتل أبناءهم [الأعراف/ 127] ويقتلون أبناءكم [الأعراف/ 141].
فقرأ ابن كثير: سنقتل خفيفة، ويقتلون مشددة؛
__________
(1) في (ط): التقريع لهم ويوبخهم به.
(2) في (ط): وينكر.
(3) كذا في (ط) وسقطت من (م).
(4) السبعة 291.
(5) كذا في (ط) وسقطت من (م).
(6) سقطت من (ط).
(4/71)
وشدّدهما جميعا أبو عمرو وعاصم وابن عامر،
وحمزة، والكسائيّ، وخفّفهما جميعا نافع، يقتلون* وسنقتل
[بالتخفيف] «1» «2».
[قال أبو علي] «3» التثقيل حسن. لأنّه يراد به الكثير «4»،
والتثقيل لذا المعنى أخصّ، والتخفيف يقع على التكثير، وغيره؛
فمن خفّف فلأنّه يصلح للتكثير أيضا، ومن جمع بين التخفيف
والتثقيل كان آخذا بالوجهين.
[الاعراف: 128]
وقرأ ابن كثير ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وحمزة، والكسائيّ:
يورثها [128] ساكنة الواو خفيفة الراء، وكذلك في مريم [63].
واختلف عن عاصم فروى أبو بكر عنه: يورثها خفيفة مثل حمزة.
وأخبرني الخزّاز-[أحسبه] «5» أحمد بن علي- عن هبيرة عن حفص عن
عاصم يورثها مشدّدة الراء، ولم يروها [عن عاصم] «6» عن حفص غير
هبيرة، وهو غلط، والمعروف عن عاصم «7» يورثها خفيفة. وفي سورة
مريم لم يختلفوا في قوله: تلك الجنة التي نورث [الآية/ 62]،
أنّها خفيفة «8».
__________
(1) زيادة من (ط).
(2) السبعة ص 292.
(3) كذا في (ط) وسقطت من (م).
(4) في (ط): التكثير.
(5) سقطت من (ط).
(6) سقطت من (ط).
(7) في السبعة: عن «حفص».
(8) السبعة ص 292.
(4/72)
قال أبو علي: حجة «1» التخفيف قوله:
وأورثكم أرضهم وديارهم [الأحزاب/ 27]، وقوله: كذلك وأورثناها
قوما آخرين [الدخان/ 28]، وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون
[الأعراف/ 137].
ووجه التشديد أنّك تقول: ورث زيد مالا، وفي التنزيل:
وورثة أبواه [النساء/ 11]؛ فهو متعدّ فنقول «2» في نقله
بالهمزة وبتضعيف العين والتخفيف أولى لمجيء التنزيل عليه.
قال أبو زيد: ورث الرجل أباه يرثه وراثة، وميراثا، وورثا،
وأورث الرجل ابنه مالا إيراثا حسنا، وورّث الرجل بني فلان ماله
توريثا، وذلك إذا أدخل في ماله على ورثته من ليس منهم، فجعل له
نصيبا.
قال أبو علي: فالقراءة بالتثقيل على وجه ما حكاه أبو زيد،
وحملها عليه بعيد، ولكنّه يكون على قول الأعشى «3»:
مورّثة مالا وفي الحي رفعة
[الاعراف: 137]
واختلفوا «4» في ضمّ الراء وكسرها من قوله تعالى «5»:
__________
(1) كذا في (ط) وسقطت من (م).
(2) (م): فيقول.
(3) صدر بيت عجزه:
لما ضاع فيها من قروء نسائكا والقرء: الحيض- أو هو ما بين
الحيضتين.
انظر ديوانه/ 91 وفيه الحمد بدل الحي.
(4) في (ط): اختلفوا.
(5) سقطت من (ط).
(4/73)
يعرشون [الأعراف/ 137]-[النحل/ 68].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم
يعرشون بكسر الراء، وفي النحل مثله.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وابن عامر بضم الراء فيهما.
[الاعراف: 138]
واختلفوا «1» في ضم الكاف وكسرها من قوله عز وجل:
يعكفون [الأعراف/ 138] فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم
وابن عامر يعكفون بضم الكاف.
وروى عبد الوارث عن أبي عمرو يعكفون بكسر الكاف.
وقرأ حمزة والكسائي: يعكفون «2».
[قال أبو علي] «3»: كل واحد من الضمّ والكسر؛ في عيني الكلمتين
لغة، ومثل: يعكف، ويعكف، ويعرش، ويعرش، قولهم: يحشر ويحشر،
ويفسق، ويفسق.
قال أبو عبيدة: يعرشون* أي يبنون «4»، والعرش في هذا الموضع:
البناء، ويقال: عرش مكة أي: بناؤه «5».
__________
(1) في (م): اختلف.
(2) السبعة ص 292.
(3) سقطت من (م).
(4) مجاز القرآن 1/ 227 وفيه: وعريش مكة: خيامها.
(5) في (ط): بناؤها.
(4/74)
وقال أبو الحسن: يعرشون ويعرشون لغتان،
وكذلك يبطش ويبطش، ويحشر ويحشر، ويعكف ويعكف، وينفر وينفر.
[الاعراف: 143]
واختلفوا «1» في المدّ والقصر [في قوله جلّ وعزّ] «2»:
دكا [الأعراف/ 143].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو، وابن عامر: جعله دكا منونة
مقصورة هاهنا «3» وفي الكهف [98] مثله «4».
وقرأ عاصم في الأعراف: دكا منونة مقصورة، [وقرأ في] «5» الكهف
[98]: دكاء ممدودة غير منونة.
وقرأ حمزة والكسائي: دكاء في الموضعين ممدودة غير منوّنة «6».
قال أبو زيد: دككت على الميّت التراب أدكّه دكّا: إذا دفنته،
وهلت عليه التراب أهيله هيلا، وهما واحد، ودككت الرّكيّة دكا:
إذا دفنتها، ودكّ الرجل فهو مدكوك: إذا مرض.
قال «7» أبو عبيدة: جعله دكا أي: مندكا، والدّكّ والدكّة مصدر،
وناقة دكّاء ذاهبة السّنام، والدك: المستوي، وأنشد للأغلب:
__________
(1) في (ط): اختلفوا.
(2) في (ط): من قوله.
(3) سقطت من (م).
(4) سقطت من (ط) «مثله».
(5) كذا في (ط)، وفي (م): وفي الكهف. وما أثبتناه موافق للسبعة
أيضا.
(6) السبعة: ص 293.
(7) سقطت من (م).
(4/75)
هل غير غار دكّ غارا فانهدم «1» قال «2»
أبو الحسن: جعله دكا لأنّه لمّا قال: جعله كأنّه قال: دكّه، أو
أراد جعله ذا دكّ، ويقال: دكّاء: جعلوها كالناقة «3» الدكّاء
التي لا سنام لها «4»؛ فكأنّه «5» بقي أكثره، قال «6»: والأوّل
أكثر القراءتين.
[قال أبو علي] «7»: والمضاف محذوف على قول «8» أبي الحسن.
وفي التنزيل: وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة [الحاقة/
14]، وفيه: كلا إذا دكت الأرض دكا دكا [الفجر/ 21].
[الاعراف: 144]
اختلفوا في الجمع والتوحيد من قوله تعالى «9»:
برسالاتي [الأعراف/ 144].
__________
(1) مجاز القرآن 1/ 228 وفي النقل اختلاف يسير. والرجز من
أشطار.
وانظر السمط ص 801.
(2) في (ط): وقال.
(3) انظر معاني القرآن 2/ 309 للأخفش.
(4) في (ط): مثل الناقة.
(5) في (ط): وكأنه.
(6) سقطت من (م).
(7) سقطت من (م).
(8) في (ط): تقدير.
(9) في (ط): عز وجل.
(4/76)
فقرأ ابن كثير ونافع برسالتي واحدة، وقرأ
الباقون برسالاتي جماعة «1».
الرسالة تجري مجرى المصدر، فتفرد في موضع الجمع، وإن لم يكن
المصدر من «أرسل» يدلّك على أنّه جار مجراه قول الأعشى «2».
غزاتك بالخيل أرض العدوّ* وجذعانها كلفيظ العجم فإعماله إيّاه
إعمال المصدر، يدلّك على ذلك أنّه يجري مجراه، والمصدر قد يقع
لفظ الواحد منه، والمراد به الكثرة.
قال «3»:
فقتلا بتقتيل وضربا بضربكم* جزاء العطاس لا ينام من اتّأر
[فكان المعنى على الجميع] «4» لأنّه مرسل بضروب من الرسالة،
والمصادر قد تجمع مثل الحلوم والألباب «5».
وقال عزّ وجل «6»: إن أنكر الأصوات لصوت الحمير
__________
(1) السبعة ص 293.
(2) رواية الديوان: مقادك بالخيل. ولفيظ أي ملفوظ، والعجم:
النّوى. انظر ديوانه/ 37.
(3) سبق انظر 2/ 291.
(4) في (ط): وكأن المعنى على الجمع.
(5) عبارة (ط): مثل الحلوم والأشغال والألباب.
(6) كذا في (ط) وسقطت من (م).
(4/77)
[لقمان/ 19]، فجمع الأصوات لمّا أريد بها
أجناس مختلفة صوت الحمار بعضها، وأفرد صوت الحمار، وإن كان
المراد به الكثرة؛ لأنّه ضرب واحد.
[الاعراف: 146]
اختلفوا في التخفيف والتثقيل من قوله [جلّ وعزّ] «1»:
وإن يروا سبيل الرشد [الأعراف/ 146].
فقرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وعاصم، وابن عامر سبيل الرشد
بضم الراء خفيفة.
وقرأ حمزة والكسائيّ: سبيل الرشد مثقّلة بفتح الراء والشين.
وقرأ ابن كثير ونافع وحمزة والكسائيّ في الكهف: مما علمت رشدا
[الآية/ 66] مضمومة الراء خفيفة.
وقرأ أبو عمرو رشدا* مفتوحة الراء خفيفة.
وقرأ ابن عامر رشدا* مضمومة الراء والشين ثقيلة.
هكذا في كتابي عن ابن ذكوان رشدا* بضم الراء والشين.
ورأيت في رواية غيره رشدا* خفيفة الشين موقوفة أخبرني بذلك
أحمد بن يوسف [التغلبي] عن عبد الله بن ذكوان عن أيوب بن تميم
عن يحيى بن الحارث عنه.
وروى هشام بن عمار بإسناده عن ابن عامر رشدا بضم الراء موقوفة
الشين خفيفة «2».
__________
(1) سقطت من (ط).
(2) السبعة ص 294 وفي النص اختلاف يسير وما بين معقوفين زيادة
منه.
(4/78)
قال أبو علي: الرشد، والرّشد؛ حكي أنّ أبا
عمرو فرّق بينهما، فقال الرّشد: الصلاح، والرّشد: الدين، مثل
قوله مما علمت رشدا [الكهف/ 66].
قال [أبو علي] «1»: وقد جاء: فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا
[الجن/ 14]، فهذا في الدين وكذلك: هل أتبعك على أن تعلمني مما
علمت رشدا [الكهف/ 66]، وهيئ لنا من أمرنا رشدا [الكهف/ 10]؛
فهذا كله في الدين، وهذه التي في الأعراف يجوز أن يكون «2»
يعني به الدين. كأنّ المعنى: وإن يروا سبيل الخير زاغوا عنه،
وعدلوا فلم يتخذوه سبيلا، أي لم يأخذوا به. وإن يروا سبيل الغي
يتخذوه سبيلا، ألا تراه يقول: ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا،
ومقابلته بالغيّ يدلّ على الضلالة والزيغ عن طريق الدين
والهدى.
وقال: إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين
[الحجر/ 42]، والتي في سورة «3» النساء في قوله: فإن آنستم
منهم رشدا، فادفعوا إليهم أموالهم [الآية/ 6] فمن إصلاح المال
والحفظ له، وقد جاء الرّشد في غير الدين. قال «4»:
__________
(1) سقطت من (ط).
(2) سقطت من (ط).
(3) كذا في (ط) وسقطت من (م).
(4) البيت لذي الرمة من قصيدة يمدح فيها هلال بن أحوز التميمي
والدهناء موضع ببلاد تميم، يمدّ ويقصر. انظر الديوان 1/ 175.
(4/79)
حنّت إلى نعم الدّهنا فقلت لها ... أمّي
هلالا على التوفيق
«1» والرّشد ويدلّ على تقوية قول أبي عمرو في فصله بين الرّشد
والرّشد، وأنّه ليس بلغتين على حدّ العجم والعجم، والعرب
والعرب، ونحو ذلك: أن سيبويه قال: بعضهم يقول: البخل كالفقر،
والبخل كالفقر، وبعضهم يقول: البخل كالكرم، فلم يحمل البخل
والبخل على مثال «2»: العجم والعجم والثّكل والثّكل، وكذلك «3»
الرّشد والرّشد.
[الاعراف: 148]
واختلفوا «4» في ضمّ الحاء وكسرها من قوله تعالى «5»:
من حليهم [الأعراف/ 148].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم من حليهم بضم
الحاء.
وقرأ حمزة والكسائي: من حليهم بكسر الحاء، وكلّهم شدّد الياء
«6».
الواحد من الحليّ: حلي، وجمعه: حليّ، ومثله: ثدي وثديّ، ومن
الواو: حقو وحقيّ قال «7»:
__________
(1) في (م): الإقصاد.
(2) في (ط): مثل.
(3) في (ط): فكذلك.
(4) في (ط): اختلفوا.
(5) في (ط): عز وجل.
(6) انظر السبعة ص 294.
(7) البيت للنابغة الذبياني من قصيدة يعتذر فيها إلى النعمان
والسليم: اللديغ
(4/80)
يسهّد من نوم العشيّ سليمها ... لحلي
النّساء في يديه قعاقع
قال: لحلي النساء على أحد أمرين: إمّا على حدّ قوله «1»:
كلوا في بعض بطنكم تعفّوا وقوله: «2» قد عضّ أعناقهم جلد
الجواميس «3» أو يكون على حدّ قوله: وإن تعدوا نعمة الله لا
تحصوها [إبراهيم/ 34 - النحل/ 18] فيريد به الكثرة، [أمّا فعول
فإنّه يكون مفردا، ويكون جمعا. فإذا كان مفردا. جاء على ضربين:
أحدهما أن يكون مصدرا وهو العام الكثير، مثل:
القعود والدخول والمضيّ.
وقد جاء اسما في قولهم: الأتيّ والسّدوس «4».
__________
قلب عن معناه، والحلي: الخلاخل ويعلق عليه لئلا ينام، وكانوا
يقولون:
إنه إذا نام دب السّمّ فيه. انظر ديوانه/ 46.
(1) صدر بيت عجزه في الكتاب 1/ 108:
فإنّ زمانكم زمن خميص
(2) في (م): وقولهم.
(3) عجز بيت لجرير من قصيدة يهجو بها التّيم وصدره:
تدعوك تيم وتيم في قرى سبأ انظر ديوانه/ 325 شرح الصاوي. وانظر
ابن الشجري 2/ 38، 343، والمخصص 1/ 31.
(4) السدوس: الطيلسان.
(4/81)
وإذا كان جمعا كان على ضربين: أحدهما أن
يكون جمعا للثلاثة مثل: كعب وكعوب، والآخر أن يكون لما زاد على
الثلاثة نحو: شاهد وشهود، وحاضر وحضور؛ فإذا كان جمعا للثلاثة،
فالثلاثة المجموع بها على ضربين: صحيح ومعتل، ومن المعتل:
المجموع على فعول ما كان لامه حرف علة وذلك نحو: ثدي وثدي،
وحقو وحقيّ، مما كان من الياء نحو قولهم: حليّ في جمع حلي،
فواو فعول قلبت ياء لوقوعها قبل الياء التي هي لام، كما أبدلت
واو مفعول من مرميّ لذلك، وأبدلت من ضمة عين فعول كسرة، كما
أبدلت ضمّة عين مفعول في: مرميّ، وإن كانت اللام واوا أبدلت
منها الياء وذلك نحو: حقو وحقيّ] «1»، وقال الشاعر «2»:
بريحانة من بطن حلية نوّرت ... لها أرج ما حولها غير مسنت
فإن كان هذا المكان سمّي بواحد حلي، كتمرة، وتمر، كان حلي
جمعا، ويكون قوله: لحلي النساء جمعا قد أضيف إلى جمع.
__________
(1) ما بين المعقوفتين سقط من (ط) وكتب على هامش (م).
(2) البيت للشنفرى الأزدي من قصيدة قالها يوم قتل حرام بن جابر
قاتل أبيه قوله: بريحانة، يريد: طيب ريحها. يقول: ما حولها غير
مسنت فهو أطيب لها وأحسن.
وقد سبق في 2/ 372، وانظر اللسان (روح).
(4/82)
وقال: أو من ينشأ في الحلية [الزخرف/ 18]،
وقال:
وتستخرجون حلية تلبسونها [فاطر/ 12]، فيجوز أن تكون الحلية
إنّما كسرت مع علامة التأنيث، وفتح بلا هاء فقال «1»:
حلي، كما قالوا: البرك للصدر، والبركة قال «2»:
ولوح ذراعين في بركة وقالوا: كان زياد أشعر «3» بركا. فأمّا
«4» وجه قول من ضمّ من حليهم؛ فإنّ حليا لا يخلو من أن يكون
جمعا على حدّ نخل وتمر، أو مفردا فيكون: حلي وحليّ، كقولهم:
كعب وكعوب وفلس وفلوس، إلّا أنّه لما جمع أبدل من الواو الياء؛
لإدغامها في الياء وأبدل من الضمة كسرة كما أبدلت في «5» مرميّ
ومخشيّ، ونحو ذلك. فأمّا الحاء التي هي فاء في الحلي، فإنّها
بقيت مضمومة كما كانت مضمومة في: كعوب وفلوس، ويجوز أن يكون
جمعا كتمر، وجمع على فعول كما جمع صفا على صفيّ في نحو «6»:
مواقع الطّير على الصّفيّ
__________
(1) في (ط): فقيل.
(2) صدر بيت للنابغة الجعدي وعجزه:
إلى جؤجؤ رهل المنكب والبركة: الصدر، ورهل: مسترخ من السمن لا
من الضعف- والجؤجؤ:
الصدر أو مجتمع رءوس عظام الصدر، انظر شعره/ 21.
(3) في (م): أسعر.
(4) في (ط): وأما.
(5) في (ط): من.
(6) عجز بيت منسوب إلى الأخيل الطائي وصدره:
(4/83)
وممّا يحتمل أن تكون الضمة أبدلت فيه كسرة
قولهم:
بكيت، والمحتزن البكيّ «1» فالبكيّ يجوز أن يكون فعيلا، ويكون
باك وبكيّ، كعالم وعليم، وشاهد وشهيد، فالكسرة من «2» العين
على هذا كسرة فعيل، ويجوز أن يكون فعولا، أبدلت الواو منها «3»
ياء، وأبدلت من ضمّتها الكسرة «4» كقولهم: أدحيّ النّعام،
وآريّ الدابة «5» هما فاعول، إلّا أنّ اللام من أدحيّ واو قلبت
ياء، ومن آريّ ياء والكسرة في البناء «6» مبدلة ضمة.
ووجه قول حمزة والكسائي في كسرهما الحاء من حليهم، هو أنّ
المكسر من المجموع «7» قد غيّر «8» عمّا كان الواحد عليه في
اللفظ والمعنى، كما أن الاسم المضاف إليه كذلك، ألا ترى أنّ
الاسم المكسر في الجمع يدلّ بالتكسير
__________
كأنّ متنيه من النّفيّ ومواقع الطير: مواضع وقوعها التي اعتادت
إتيانها- والصّفيّ ج صفا والصفا: ج صفاة وهي الحجر الصلد الضخم
لا ينبت شيئا.
انظر الجمهرة 3/ 153 - ومجالس ثعلب 1/ 207، واللسان (صفا).
(1) البكيّ: كثير البكاء. انظر ما سبق 1/ 74.
(2) في (ط): في.
(3) في (ط): منه.
(4) في (ط): كسرة.
(5) أدحي النعام: مبيضها في الرمل، والآري: محبس الدابّة
(اللسان: دحي- أري).
(6) عبارة (ط): في البناءين مبدلة من ضمة.
(7) في (ط) الجموع
(8) في (ط): غيره.
(4/84)
على الكثرة، وأن الفاء قد غيّر في التكسير
كما أن الاسم المضاف إليه كذلك؟ وذلك أنّه بالنّسب صار صفة،
وكان قبل اسما، وقد تغيّر في اللفظ بما «1» لحقه من الزيادة؛
فلمّا تغيّر الاسم تغييرين وهو: إبدال الواو ياء وإبدال الضمة
كسرة كما غيّر في الإضافة تغييرين، قوي هذا التغيير على تغيير
الفاء، كما قوي النسب للتغييرين على حذف الياء من «2» نحو:
حنفي، وجدلي في النسب إلى حنيفة، وجديلة «3»، وكذلك حليّ
وعصيّ.
فإن قلت: فهلّا لزم هذا التغيير في الجمع هاهنا «4»، كما لزم
في النسب؟.
قيل: إنّ النسب قد جاء منه ما لم يغيّر «5»، وترك على أصله،
وذلك قولهم في الإضافة إلى سليقة: سليقي، وإلى عميرة كلب:
عميري، فجاء غير مغيّر مع التغييرين اللاحقين للاسم في النسب؛
فكذلك جاء حليّ على الأصل مع هذين «6» التغييرين اللاحقين
للاسم.
وأما «7» نحو: عصيّ وقنيّ فقد لحقه مع هذين التغييرين اللذين
ذكرنا تغيير ثالث، وهو إبدال الواو ياء، وكذلك ما كان
__________
(1) في (ط): لما.
(2) في (ط): في.
(3) عبارة (ط): وفي النسب إلى حنيفة وجديلة فكذلك.
(4) ساقطة من (م).
(5) في (ط): يغيره.
(6) سقطت من (ط).
(7) في (ط): فأما.
(4/85)
من ذلك جمعا، الآخر منه واو، فإنّه يلزم
بدل الواو منه ياء نحو عصيّ وحقي ودليّ؛ فهذا مستمر، إلّا أن
يشذّ منه شيء، فيجيء على الأصل نحو ما حكاه من قولهم: إنّكم
لتنظرون في نحو كثير «1»، ونحو ما أنشده «2» أحمد بن يحيى «3»:
وأصبحت من أدنى حموّتها حما فجاءت الواو في الحموّة مصححة،
وكان القياس أن تنقلب ياء من حيث كان جمعا. فأمّا إلحاق «4»
تاء التأنيث له فعلى حدّ عمومة وخيوطة «5»، وليس لحاق هذه
التاء ممّا يمنع القلب، ألا ترى أن الذي يوجب القلب فيه هو
أنّه جمع، وما كان من هذا النحو واحدا كالمضيّ والصّلي، مصدر
صلي فإنّ الفاء منه، لا تكسر كما كسر في الجموع، لأنّ الواحد
لم يتغيّر فيه المعنى كما تغيّر في الجمع.
وحكى أبو عمر عن أبي زيد آوى إليه إويّا، وممّا يؤكد
__________
(1) في (ط): كثيرة.
(2) في (م): أنشد.
(3) عجز بيت أورده اللسان دون أن ينسبه وكان لقائله امرأة
فطلقها وتزوجها أخوه فقال:
لقد أصبحت أسماء حجرا محرما ... وأصبحت من أدنى حموّتها حما
أي: أصبحت أخا زوجها بعد ما كنت زوجها.
انظر اللسان مادة/ حما/.
(4) في (ط): لحاق.
(5) جمع خيط، مثل فحولة؛ زادوا الهاء لتأنيث الجمع (اللسان:
خيط).
(4/86)
كسر الفاء في هذا النحو من الجمع قولهم:
قسيّ في «1» جمع قوس، ألا ترى أنّا لا نعلم أحدا يسكن إلى
روايته حكى فيه غير الكسر في الفاء؛ فهذا ممّا يدل «2» على
تمكن الكسرة في هذا الباب الذي هو الجمع، وربما أبدلت اللّامات
إذا كانت واوات من الأسماء، وليس ذلك على حدّ الإبدال في عصيّ
وحقيّ، لو كان على هذا الحدّ للزم هذا الضرب من الآحاد كما لزم
الجموع، وإنّما ألزمت الآحاد التغيير، كما لزمت أدل وأحق وأجر،
وذلك أنّه لما قرب من الطّرف أبدلت كما أبدل هذا الضرب، وعلى
هذا قالوا: مسنيّة «3»، ومعدي، ومن ذلك قولهم: العتوّ قال
تعالى «4»: وعتوا عتوا كبيرا [الفرقان/ 21]؛ فصحّحت، وأبدلت في
قوله: أيهم أشد على الرحمن عتيا [مريم/ 69]، وقد بلغت من الكبر
عتيا [مريم/ 8]؛ فهذا مصدر، ولو كان اسما على حد: شاهد، وشهود،
للزم فيه البدل كقولهم: الجثيّ في جمع جاث لأنّه من يجثو،
ولكنّه أبدل على حدّ مسني ومعديّ، وقالوا «5»: أنا أجوؤك
وأنبؤك، وهو منحدر من الجبل، فأتبعوا الحركة الحركة، فإن «6»
لم يكن في الكلمة تغييران، فهذا التغيير في الجمع على ما قرأه
حمزة والكسائي أقوى.
__________
(1) سقطت من (ط).
(2) في (ط): يدلك.
(3) أرض مسنية: أي مرويّة.
(4) سقطت من (ط).
(5) في (ط): وقد قالوا.
(6) في (ط): وإن.
(4/87)
وأمّا قولهم في جمع: الفتى فتوّ؛ فهو على
قول أبي الحسن من باب نحوّ وحموّة «1»، لأنّه يرى أنّه من
الواو وفي «2» قول غيره أذهب في باب الشذوذ.
ألا ترى أنّه إذا قلب ما كان من الواو إلى الياء نحو:
حقي وعصي، فالذي من الياء «3» أجدر أن يترك على ما هو عليه،
فإذا أبدل منها الواو في الجمع مع أنّها من الياء كان على خلاف
ما جاء عليه الجمهور والكثرة.
[الاعراف: 149]
اختلفوا في الياء والتاء من قوله جلّ وعزّ: لئن لم يرحمنا ربنا
ويغفر لنا [الأعراف/ 149]، وفي الرفع والنصب من قوله تعالى
«4»: ربنا*.
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع وابن عامر وعاصم: لئن لم يرحمنا
ربنا ويغفر لنا بالياء والرفع، وقرأ حمزة والكسائي لئن لم
ترحمنا ربنا وتغفر لنا بالتاء ونصب ربنا «5».
القول في ذلك أنّ من قرأ: لئن لم يرحمنا ربنا جعل الفعل
للغيبة، وارتفع ربنا به، وكذلك: ويغفر لنا فيه ضمير ربنا وهو
مثل يرحمنا في الإسناد إلى الغيبة.
ومن قرأ: لئن لم ترحمنا ربنا وتغفر لنا جعل تغفر لنا
__________
(1) في (ط): حمو.
(2) في (ط): في.
(3) في (م): والذي من الواو.
(4) سقطت من (ط).
(5) السبعة ص 294. وفي (م): (ربّنا) نصب.
(4/88)
للخطاب، وفيه ضمير الخطاب وربنا* نداء.
والذي «1» كان في قراءة من قدمنا قوله فاعلا، وحذف حرف التنبيه
معه لأنّ عامة ما في التنزيل من ذلك، يحذف حرف التنبيه منه
«2»، كقوله:
ربنا انك آتيت فرعون وملأه زينة .. ربنا ليضلوا .. ربنا اطمس
[يونس/ 88]، ربنا إني أسكنت من ذريتي [إبراهيم/ 37]، ربنا
وآتنا ما وعدتنا على رسلك [آل عمران/ 194].
[الاعراف: 150]
اختلفوا في كسر الميم وفتحها من قوله جلّ وعزّ: قال ابن أم
[الأعراف/ 150].
فقرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وحفص عن عاصم قال ابن أم
نصبا، وفي طه [94] مثلها.
وقرأ ابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائيّ: قال
ابن أم بكسر الميم، فأما «3» الهمزة فمضمومة «4».
[قال أبو علي] «5» من قال: يا ابن أمّ؛ فقال سيبويه:
قالوا: يا ابن أمّ، ويا ابن عمّ؛ فجعلوا ذلك بمنزلة اسم واحد
لأن هذا أكثر في كلامهم من يا ابن أبي، ويا غلام غلامي.
قال أبو علي: جعلوهما بمنزلة اسم واحد، ولم يرفضوا
__________
(1) في (ط): وهو الذي.
(2) سقطت من (ط).
(3) في (ط): وأما.
(4) السبعة ص 295.
(5) سقطت من (ط).
(4/89)
الأصل الذي هو إضافة الأول إلى الثاني كما
رفضوا الأصل في خطايا، والتصحيح للعين، في: قال، وباع وخاف.
ونحو ذلك مما يرفض فيه الأصل؛ فلا يستعمل، ألا ترى قول أبي
زبيد «1»:
يا ابن أمّي ويا شقيّق نفسي ... أنت خلّيتني لأمر شديد
«2» فهذا بمنزلة القصوى الذي استعمل فيه الأصل الذي رفض في
غيره، فكذلك قولهم: يا ابن أمي.
ومن قال: يا ابن أمّ، فبنى الاسمين على الفتح، والفتحة «3» في:
ابن، ليست النصبة التي كانت تكون في الاسم المضاف المنادى،
ولكن بني على الحركة التي كانت تكون للإعراب، كما أنّ قولهم:
لا رجل كذلك، وكما «4» أن:
مكانك، إذا أردت به الأمر لا تكون الفتحة فيه الفتحة التي كانت
فيه وهو ظرف، ولكنّه على حدّ الفتحة التي كانت «5» في رويدك.
__________
(1) في (م): زيد. وهو تحريف.
(2) أبو زبيد: هو أبو زبيد الطائي، والبيت في سيبويه 1/ 318،
وأمالي ابن الشجري 2/ 74، وشرح المفصل 2/ 12.
(3) في (ط): فالفتحة.
(4) في (ط): فكما.
(5) سقطت من (ط).
(4/90)
فإن قلت: لم «1» لا نقول: إنها نصبة؟،
فالمراد «2» يا ابن أمّا، فحذف الألف كما حذفت «3» ياء الإضافة
في غلامي [في النداء] «4».
قيل: ليس مثله، ألا ترى أنّ من حذف الياء من: يا غلام، أثبتها
في يا غلام غلامي؟ فلو كانت الألف مقدرة في:
يا ابن أمّ «5»، لم يكن يحذف، كما لم يحذف في قوله «6»:
يا بنت «7» عمّا لا تلومي واهجعي فالألف لا تحذف حيث تحذف
الياء، ألا ترى أن من قال ذلك ما كنا نبغ [الكهف/ 64]، والليل
إذا يسر [الفجر/ 4]، فحذف الياء من الفواصل، وما أشبه الفواصل
من الكلام التام، لم يكن عنده في نحو قوله «8»: والليل إذا
__________
(1) في (ط): فلم.
(2) في (ط): والمراد يابن.
(3) كذا في (ط) وفي (م) حذف.
(4) كذا في (ط) وسقطت من (م).
(5) في (م): أما.
(6) من أرجوزة لأبي النجم العجلي يخاطب امرأته أم الخيار، وهي
ابنة عمه ولها يقول:
قد أصبحت أم الخيار تدعي* علي ذنبا كله لم أصنع انظر سيبويه 1/
318 المحتسب 4/ 238 شرح المفصل 2/ 12، 13 وانظر شرح أبيات
المغني 6/ 159 - 161.
(7) رسمها في (م) (عمى) بالألف المقصورة.
(8) سقطت من (ط).
(4/91)
يغشى والنهار إذا تجلى [الليل/ 1]، إلّا
الإثبات.
فإن قلت: فقد حذفت الألف في نحو:
رهط «1» مرجوم، ورهط ابن المعلّ «2» وهو يريد المعلّى، وقد
أنشد أبو الحسن «3»:
فلست بمدرك ما فات مني ... بلهف ولا بليت ولا لو أنّي
يريد بلهفى فحذف الألف.
فالقول: إن ذلك في الشعر ولا يجوز «4» في الاختيار وحال
السّعة؛ فلا «5» ينبغي أن يحمل قوله: يابن أم على هذا.
وقياس من أجاز ذلك أن تكون فتحة الابن نصبة، والفتحة في أمّ
ليست كالتي في عشر من خمسة عشر، ولكن مثل الفتحة التي في الميم
من: يا بنت عمّا.
وحجة من قال: يا بن أم لا تأخذ أن سيبويه قال: وقد
__________
(1) في (ط): من رهط. وهو خطأ.
(2) سبق البيت في 1/ 79، وهو من ملحقات قصيدة لبيد اللامية في
ديوانه ص 99 ط. الكويت.
(3) معاني القرآن 1/ 65، 72 وهو من شواهد الخصائص 3/ 135،
والمحتسب 1/ 277 و 323 والأمالي الشجرية 2/ 74 والإنصاف 390
والعيني 4/ 248 والخزانة (عرضا) 1/ 63 واللسان مادة (لهف). ولم
ينسب.
(4) في (ط): ولا يكون.
(5) في (ط): ولا.
(4/92)
قالوا أيضا: يا بن أمّ ويا بن عمّ، كأنهم
جعلوا الأول والآخر اسما واحدا ثم أضافوه كقولك: يا أحد عشر
أقبلوا. قال «1» وإن شئت قلت: حذفوا هذه الياء لكثرة هذا في
كلامهم وعلى ذا قال الشاعر:
يا بنت عمّا لا تلومي واهجعي «2»
[الاعراف: 157]
اختلفوا في كسر الألف وفتحها من قوله تعالى «3»:
إصرهم [الأعراف/ 157].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائي إصرهم
بكسر الألف.
وقرأ ابن عامر: آصارهم ممدودة الألف على الجمع «4».
[قال أبو علي] «5» الإصر: مصدر يقع على الكثرة مع إفراد لفظه،
يدلك «6» على ذلك قوله: ويضع عنهم إصرهم [الأعراف/ 157]، فأضيف
وهو مفرد إلى الكثرة، ولم يجمع، وقال: ربنا ولا تحمل علينا
إصرا [البقرة/ 286]، ولو شاء
__________
(1) سقطت من (م).
(2) انظر سيبويه 1/ 318.
(3) في (ط) عز وجل.
(4) السبعة ص 295.
(5) كذا في (ط) وسقطت من (م).
(6) في (ط): يدل.
(4/93)
الله لذهب بسمعهم وأبصارهم [البقرة/ 20]،
وقال: لا يرتد إليهم طرفهم [إبراهيم/ 43]، وقال: ينظرون من طرف
خفي [الشورى/ 45].
فالوجه الإفراد كما أفرد في غير هذا الموضع.
وجمع ابن عامر كأنّه أراد ضروبا من المآثم مختلفة، فجمع
لاختلافها، والمصادر قد تجمع إذا اختلفت ضروبها كما تجمع سائر
الأجناس، وإذا كانوا قد جمعوا ما يكون ضربا واحدا كقوله «1»:
هل من حلوم لأقوام فتنذرهم ... ما جرّب النّاس من عضّي وتضريسي
فأن يجمع ما يختلف من المآثم أجدر.
فجعل إصرا وآصارا، بمنزلة عدل، وأعدال، ويقوي ذلك قوله:
وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم [العنكبوت/ 13] والثقل
مصدر كالشّبع والصّغر والكبر.
[الاعراف: 161]
اختلفوا في قوله [جلّ وعزّ] «2»: نغفر «3» لكم خطاياكم
[الأعراف/ 161].
فقرأ ابن كثير وعاصم، وحمزة، والكسائيّ: نغفر لكم
__________
(1) البيت سبق في 1/ 299.
(2) سقطت من (ط).
(3) في (ط): يغفر.
(4/94)
خطيئاتكم بالتاء مهموزة على الجمع.
وقرأ أبو عمرو: نغفر لكم بالنون، خطاياكم* من غير «1» همز،
مثل: قضاياكم، ولا تاء فيها.
وقرأ نافع: تغفر لكم* بالتاء مضمومة، خطيئاتكم بالهمز، وضم
التاء على الجمع، وكذلك روى محبوب عن أبي عمرو: تغفر لكم*
[بالتاء مضمومة] «2» خطيئاتكم بالهمز، وضم التاء، وتابعه ابن
عامر على التاء من تغفر لكم وضمّها، وقرأ: خطيئتكم واحدة
مهموزة مرفوعة «3».
من قرأ: نغفر لكم، فهو على «4»: وإذ قيل لهم ... ادخلوا ...
نغفر لكم. والتي في البقرة: نغفر والنون هناك أحسن لقوله: وإذ
قلنا [البقرة/ 58]. وفي الأعراف: وإذ قيل لهم [الآية/ 161]،
والمعنى فيمن قرأ في الأعراف:
نغفر لكم، كأنّه قيل لهم: ادخلوا نغفر. أي: إن دخلتم غفرنا،
فأمّا خطيئاتكم فجمع خطيئة، صححها في الجمع، كما كسّرت على
خطايا، وكلا الأمرين شائع وحسن «5»، فخطايا في اللفظ مثل قضايا
إلّا أنّ الألف في قضايا منقلبة عن ياء هي لام الفعل، والألف
في خطايا منقلبة عن ياء منقلبة عن همزة وهي لام الفعل.
__________
(1) في (ط): بغير.
(2) سقطت من (ط).
(3) السبعة ص 296.
(4) كذا في (ط) وسقطت من (م).
(5) في (ط): سائغ حسن.
(4/95)
فإن قلت: فهلّا رددت الهمزة في خطايا،
لأنّك إنّما كنت قلبتها ياء لاجتماع الهمزتين وقد زال
اجتماعهما، فهلّا قلت:
خطايأكم*؟.
فإن ذلك لا يستقيم لأنّ الياء في خطايا منقلبة عن همزة فعيلة،
فحكمها حكم ما انقلب عنها، ألا ترى أنّ حكم الهمزة في حمراء
حكم ما انقلب «1» عنها من الألف، وحكم هرق، حكم أرق؟ فلو سمّيت
بها لم تصرف كما لا تصرف أرق، وكذلك حكم الهمزة في علباء، حكم
الياء في درحاية «2»، فكذلك حكم الياء في خطايا، حكم الهمزة
التي انقلبت عنها، وإذا كان كذلك، فاجتماع الهمزتين في الحكم
قائم، وإن لم يكن اللفظ عليه.
فأمّا «3» قراءة نافع: تغفر بالتاء مضمومة فلأنّه «4» أسند
إليها خطيئاتكم، وهو مؤنث، فأنّث وبنى الفعل للمفعول فقال:
تغفر*، ولم يقل نغفر لأنّ بناءه للمفعول أشبه بما قبله، ألا
ترى أنّ قبله: وإذ قيل لهم وليس هذا مثل ما في البقرة، لأنّ
__________
(1) عبارة (ط): حكم ما انقلبت عنه في الألف.
(2) رجل درحاية: كثير اللحم قصير سمين ضخم البطن لئيم الخلقة
وقد وردت هذه الكلمة في بيت للراجز:
إمّا تريني رجلا دعكاية ... عكوّكا إذا مشى درحاية
انظر اللسان/ درح/.
(3) في (ط): وأما.
(4) في (ط): فلأنه قد أسند.
(4/96)
في البقرة: وإذ قلنا، ف نغفر لكم في
البقرة، إنّما «1» هو على: قلنا.
وممّا يقوي قراءة من قرأ: نغفر بالنون ما بعده من قوله: وسنزيد
المحسنين.
[الاعراف: 164]
اختلفوا في الرفع والنصب من قوله تعالى «2»: معذرة إلى ربكم
[الأعراف/ 164].
فقرأ ابن كثير ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وحمزة، والكسائي
معذرة رفعا.
واختلف عن عاصم؛ فروى أبو بكر في رواية يحيى بن آدم عنه، وغيره
معذرة رفعا مثل حمزة وروى الحسين «3» بن علي الجعفي عن أبي بكر
وحفص عن عاصم معذرة نصبا «4».
قال أبو زيد: عذرته. أعذره عذرا، ومعذرة وعذرى.
فعلى «5». حجة «6» من رفع: أن سيبويه قال: ومثله [في
__________
(1) في (ط): إنّما.
(2) سقطت من (ط).
(3) في (ط): وروى حسين بن علي.
(4) السبعة ص 296.
(5) كذا في (ط) وسقطت من (م).
(6) في (ط): وحجة.
(4/97)
قراءته] «1» على الابتداء ويريد مثل حنان
في «2» قوله:
فقالت: حنان ما أتى بك هاهنا «3» ومثله في أنّه على الابتداء،
وليس على فعل قوله:
قالوا: معذرة إلى ربكم [الأعراف/ 164] لم يريدوا أن يعتذروا
اعتذارا مستأنفا من أمر ليموا عليه، ولكنّهم قيل لهم:
لم تعظون قوما؟ فقالوا: معذرة. أي: موعظتنا معذرة إلى ربكم.
وحجة من نصب معذرة: أن سيبويه قال: لو قال رجل لرجل معذرة إلى
الله، وإليك من كذا وكذا لنصب.
[الاعراف: 165]
واختلفوا في قوله جل وعز «4»: بعذاب بئس [الأعراف/ 165].
فقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي:
بئيس على وزن فعيل، الهمزة بين الباء والياء «5» منون.
وقرأ نافع بعذاب بيس بما بكسر الباء من غير همز وينوّن.
__________
(1) سقطت من (ط).
(2) عبارة (ط): في أنه على الابتداء يريد مثل حنان في قوله.
(3) أنشده سيبويه عن بعض العرب الموثوق بهم وعجزه:
أذو نسب أم أنت بالحي عارف انظر سيبويه 1/ 161 - 175 - اللسان
مادة (حنن). الخزانة 1/ 277.
(4) سقطت من (ط).
(5) في (م): بين الياء والباء.
(4/98)
وروى أبو قرّة عن نافع بئيس على وزن فعيل
مثل حمزة.
وروى خارجة عن نافع بيس* بفتح الباء من غير همز منون على وزن
فعل.
وقرأ ابن عامر: بعذاب بئس بما على وزن فعل مثل نافع غير أنه
مهموز؛ فكذلك «1» ما روي عن نافع من قوله: بعذاب بئس.
وروى حفص عن عاصم [بئيس] مثل حمزة.
وروى حسين الجعفي عن أبي بكر عن عاصم بيأس «2» على وزن فيعل
بفتح الهمزة «3»، أخبرني «4» موسى بن إسحاق عن هارون بن حاتم
عنه. وحدثني أبو البختريّ عن يحيى بن آدم عن أبي بكر قال: كان
حفظي عن عاصم بيأس بما على وزن فيعل ثم دخلني منها «5» شك،
فتركت روايتها عن عاصم وأخذتها عن الأعمش بئيس بما مثل حمزة.
حدثني محمد بن الجهم قال: حدثني ابن أبي أمية عن أبي بكر قال:
كان حفظي عن عاصم بيئس على وزن فيعل «6»
__________
(1) في (ط): وكذلك.
(2) جاء رسمها في (ط): (بيئس).
(3) في (م) الباء.
(4) في (ط): وأخبرني.
(5) في (ط): فيها.
(6) ورد في حاشية (ط) التعليقة التالية: في الأصل بئيس على وزن
فعيل.
(4/99)
ثم دخلني منها شك فتركت روايتها عن عاصم،
وأخذتها عن الأعمش بعذاب بئيس [على وزن فعيل] «1» قال أبو زيد:
قد بؤس الرجل يبؤس بأسا «2»، إذا كان شديد البأس، وقال في
البؤس: قد «3» بئس يبأس بؤسا وبيسا وبأسا، والبأساء الاسم.
[قال أبو علي] «4»: يحتمل قول من قال: بئيس أمرين:
أحدهما أن يكون فعيلا من بؤس يبؤس، إذا كان شديد البأس مثل: من
عذاب شديد [إبراهيم/ 2]، والآخر أن يكون من عذاب بئيس، فوصف
بالمصدر، والمصدر على فعيل وقد جاء كثيرا كالنذير، والنكير،
والشحيح. وعذير الحي، والتقدير: من عذاب ذي بئيس، أي عذاب ذي
بؤس.
وأما ما روي عن نافع من قوله: بعذاب بيس، فإنه جعل بيس الذي هو
فعل اسما فوصف به، ومثل ذلك
قوله «5»: «إنّ الله ينهى عن قيل وقال» و «عن قيل وقال»
وقال «6»:
أصبح الدهر وقد ألوى بهم ... غير تقوالك من قيل وقال
__________
(1) زيادة من (ط). السبعة ص 297. وما بين معقوفين غير ما أشير
إليه منه.
(2) في (م): بأسا شديدا.
(3) زيادة من (ط).
(4) كذا في (ط) وسقطت من (م).
(5) نص الحديث كما
جاء في صحيح البخاري: «إنّ الله حرم عليكم عقوق الأمهات، ومنع
وهات، ووأد البنات، وكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة
المال» البخاري. كتاب الأدب 8/ 4.
(6) ذكره اللسان في مادة (لوى) دون أن ينسبه. وفي (ط): قال.
بسقوط الواو.
(4/100)
ومثل ذلك: «من شبّ إلى دبّ»، و «من شبّ إلى
«1» دبّ» «2»، فكما استعملت هذه الألفاظ أسماء وأفعالا، كذلك
بئس* جعله اسما بعد أن كان فعلا فصار وصفا. ونظيره من الصفة:
نقض، ونضو، وهرط «3».
وما روي عن نافع من قوله: بعذاب بيس بفتح الباء من غير همز،
فهو أيضا فعل في الأصل، وصف، كما أن بيس كذلك.
وأمّا «4» إبداله من الهمزة الياء، فإنّ سيبويه حكى أنّه سمع
بعض العرب يقول: بيس* فلا يحقّق الهمزة، ويدع الحرف على الأصل،
يريد على الأصل الذي هو فعل، كأنّه «5» يسكن العين، كما يسكن
في «6» علم، ويقلب الهمزة ياء، لأنّه لمّا أسكنها لم يجز فيها
أن تجعل بين بين، فأخلصها ياء.
وقراءة ابن عامر: بعذاب بئس بالهمز، فهي قراءة
__________
(1) كذا عبارة (م) وفي (ط): مذ شبّ في الموطنين.
(2) من أمثال العرب وتمامه: أعييتني من شبّ إلى دبّ أي من
الصبا إلى الهرم، وورد في (ط): مذ شبّ إلى دبّ ومذ شب إلى دب.
انظر المستقصى في أمثال العرب 1/ 257 - اللسان مادة/ شبب/
والأمثال لابن سلام/ 122.
(3) الهرط: النعجة الكبيرة المهزولة- والهرط أيضا: لحم مهزول.
اللسان مادة/ هرط/.
(4) في (ط): فأما.
(5) في (ط): فكأنه.
(6) في (ط): من.
(4/101)
نافع «1» بعذاب بيس إلّا أنّ ابن عامر حقّق
الهمزة. وما رواه أبو بكر عن عاصم بعذاب بيأس فإنه يكون وصفا
مثل ضيغم، وحيدر، وهو بناء كثير في الصفة، ولا يجوز كسر العين
في «2» بيأس، لأنّ فيعل «3» بناء اختصّ به ما كان عينه ياء، أو
واوا، مثل: سيد وميت وطيب ولين، ولم يجيء مثل ضيغم، وقد جاء في
المعتل فيعل، حكى سيبويه عيّن، وأنشد لرؤبة «4»:
ما بال عيني «5» كالشّعيب العيّن «6» فينبغي أن يحمل بيأس على
الوهم ممّن رواه عن عاصم والأعمش.
[الاعراف: 170]
اختلفوا في التخفيف والتشديد «6» في قوله جلّ وعزّ:
والذين يمسكون بالكتاب [الأعراف/ 170].
فقرأ عاصم وحده في رواية أبي بكر: والذين يمسكون
__________
(1) في (ط): فهو مثل قراءة نافع
(2) في (ط): من. وانظر اللسان مادة (بأس)، فقد ذكر أن من
القراء من كسر العين.
(3) في (ط) فيعلا.
(4) سقطت من (م).
(5) في (م): عين.
(6) بيت له من مشطور الرجز وبعده:
وبعض أعراض الشجون الشّجّن وهو من شواهد سيبويه 2/ 372.
والشّعيب: القربة الصغيرة. والعين البالية. شبه عينه لبكائه
بالقربة القديمة التي يسيل الماء من خرزها.
انظر أدب الكاتب 598 (ط. الرسالة) - الاقتضاب/ 472 - الخصائص
2/ 485 - 3/ 214، شواهد الشافية/ 59، ديوانه/ 160 وفيه
«العيّن» بالكسر.
(4/102)
خفيفا، وكذلك قرأ «1»: ولا تمسكوا بعصم
الكوافر [الممتحنة/ 10] خفيفا «2».
وروى عنه حفص: يمسكون مشدّدة، ولا تمسكوا خفيفا.
وقرأ ابن كثير ونافع، وابن عامر، وحمزة، والكسائيّ، والذين
يمسكون مشددة ولا تمسكوا خفيفة.
وقرأ أبو عمرو: والذين يمسكون وو لا تمسكوا مشدّدتين مضمومة
التاء.
انفرد أبو عمرو بقوله: ولا تمسكوا أنّها مشدّدة، والباقون
يخفّفونها «3».
[قال أبو علي] «4» حجة من قرأ: يمسكون بتخفيف السين قوله:
فإمساك بمعروف [البقرة/ 229].
وقوله: أمسك عليك زوجك، [الأحزاب/ 37]، وكلوا مما أمسكن عليكم
[المائدة/ 4].
وقول الجميع: يمسكون بالكتاب أولى من الرواية التي انفرد بها
من قال: يمسكون بالكتاب عن عاصم، وذلك أنّ التشديد هاهنا إذا
أريد به الكثرة كان أولى من التخفيف لقوله:
__________
(1) سقطت من (م).
(2) سقطت من (م).
(3) السبعة ص 297 مع اختلاف يسير.
(4) سقطت من (م).
(4/103)
وتؤمنون بالكتاب كله [آل عمران/ 119]، أي
لا تؤمنون ببعض الكتاب «1» وتكفرون ببعض، فأنتم خلاف «2» من
حكي عنهم: ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض [النساء/ 150] واتفاق
الجماعة غير أبي عمرو في قوله: ولا تمسكوا بالتخفيف حسن، لأنّ
ذلك في إمساك المرأة، وقد قال فيه:
فإمساك بمعروف، وقال: أمسك عليك زوجك [الأحزاب/ 37]، وقال:
فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف [البقرة/ 231]. وقال:
فأمسكوهن في البيوت [النساء/ 15]، وقال: ولا تمسكوهن ضرارا
[البقرة/ 231]، فعلى هذا قول الجماعة: ولا تمسكوا بعصم الكوافر
[الممتحنة/ 10] وقول أبي عمرو: إنّ أفعل، وفعّل قد «3» يكونان
بمعنى واحد.
[الاعراف: 172]
اختلفوا في الجمع والتوحيد في قوله جلّ وعزّ «4»: من ظهورهم
ذرياتهم [الأعراف/ 172].
فقرأ ابن كثير وعاصم وحمزة والكسائي من ظهورهم ذريتهم واحدة.
وقرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر: ذرياتهم* جماعة «5».
__________
(1) سقطت من (ط).
(2) في (ط): بخلاف.
(3) سقطت من (ط).
(4) عبارة (ط): من قوله.
(5) السبعة ص 298.
(4/104)
[قال أبو علي] «1» قولهم: الذريّة تكون
جمعا وتكون واحدا، فمما جاء فيه «2» ذرية يراد به الواحد قوله:
هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لى من لدنك ذرية طيبة، ...
فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب إن الله يبشرك بيحيى
[آل عمران/ 39].
فهذا مثل قوله: فهب لي من لدنك وليا، يرثني [مريم/ 5]، يا
زكرياء إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى [مريم/ 7].
وممّا جاء فيه جمعا قوله: وكنا ذرية من بعدهم [الأعراف/ 173]،
ومنه قوله: ألا تتخذوا من دوني وكيلا ذرية من حملنا مع نوح
[الإسراء/ 2 - 3]، فمن أفرد جعله جمعا؛ فاستغنى عن جمعه بوقوعه
على الجميع. ومن جمع فمن حجته أن يقول: لا يخلو من أن يكون
واحدا، أو جمعا؛ فإن كان واحدا، فلا إشكال في جواز الجمع فيه،
وإن كان جمعا فجمعه أيضا حسن، لأنّك قد رأيت الجموع المكسّرة
قد جمعت نحو: الطرقات، والجزرات «3»، وصواحبات يوسف.
ومن حجة من أفرد فلم يجمع، أنّ الذريّة قد وقع على
__________
(1) سقطت من (م).
(2) زيادة من (ط).
(3) جزر وجزرات: جمع الجمع كطرق وطرقات، وهي جمع جزر والجزر
جمع الجزور وهي الناقة المجزورة أي المعدة للذبح. انظر اللسان/
جزر/.
(4/105)
الواحد والجميع «1» بدلالة ما تقدم ذكره،
كما أنّ قوله:
بشر تقع «2» على الواحد والجميع، فالجميع كقوله: أبشر يهدوننا
[التغابن/ 6]، وإن أنتم إلا بشر مثلنا [إبراهيم/ 10]، والواحد
كقوله: ما هذا بشرا إن هذا [يوسف/ 31]، ولئن أطعتم بشرا مثلكم
... أيعدكم أنكم [المؤمنون/ 33 - 34]، فكما لم يجمع بشر بتصحيح
ولا تكسير، كذلك لا تجمع الذريّة. فأمّا مثال ذرية من الفعل
فيجوز أن يكون فعلولة من الذرّ، فأبدلت من الراء التي هي
اللّام الأخيرة ياء كما أبدلت من دهديّة؛ يدلّك على البدل فيه
قوله «3»:
دهدوهة «4» ويحتمل أن يكون فعّيلة منه، فأبدلت من الراء الياء،
كما تبدل من هذه الحروف للتضعيف، وإن وقع فيها الفصل، ويحتمل
أن يكون فعليّة نسبا إلى الذرّ، إلّا أنّ الفتحة أبدلت منها
الضمة، كما أبدلوا في الإضافة إلى الدهر دهري، وإلى السهل:
سهلي، ويجوز أن تكون فعّيلة من ذرأ الله الخلق، اجتمع على
تخفيفها، كما اجتمع على تخفيف البرية*. ويجوز أن تكون فعّيلة
من قوله: تذروه الرياح [الكهف/ 45]، [أبدلت
__________
(1) في (ط): الجمع.
(2) في (ط): يقع.
(3) في (ط): قولهم.
(4) الدهدوهة: كالدحروجة وهو ما يجمعه الجعل من الخرء وفي
الحديث:
«كما يدهده الجعل النتن بأنفه».
ودهدهت الحجر إذا دحرجته، انظر اللسان/ دهده/.
(4/106)
من الواو الياء لوقوع ياء قبلها] «1»،
ويقوي ذلك أنّ في بعض الحروف ذرية من حملنا [الإسراء/ 3].
[الاعراف: 173، 172]
اختلفوا في الياء والتاء من قوله تعالى «2»: أن يقولوا يوم
القيامة أو تقولوا [الأعراف/ 172 - 173].
فقرأ أبو عمرو وحده: أن يقولوا* أو يقولوا بالياء جميعا، وقرأ
الباقون جميعا بالتاء «3».
حجة أبي عمرو: أنّ الذي تقدّم من الكلام على الغيبة، وذلك
قوله: وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم، وأشهدهم على
أنفسهم [الأعراف/ 172] كراهة أن يقولوا أو لئلا يقولوا «4»،
ويؤكد ذلك ما جاء بعد من الإخبار عن الغيبة وهو قوله: قالوا
بلى [الأعراف/ 172].
وحجة من قرأ بالتاء: أنّه قد جرى في الكلام خطاب فقال «5»:
ألست بربكم، قالوا: بلى شهدنا [الأعراف/ 172]، وكلا الوجهين
حسن، لأنّ الغيب هم المخاطبون في المعنى.
[الاعراف: 180]
واختلفوا «6» في ضمّ الياء وفتحها من قوله تعالى «7»:
يلحدون [الأعراف/ 180].
__________
(1) في (م): «أبدلت من الواو والياء لوقوع ما قبلها»، والوجه
ما في (ط).
(2) سقطت من (ط).
(3) السبعة ص 298.
(4) قراءة (ط): ولئلا يقولوا.
(5) في (ط): قال.
(6) في (ط): اختلفوا.
(7) سقطت من (ط).
(4/107)
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن
عامر:
يلحدون بضمّ الياء، وكذلك في سورة النحل [103]، والسجدة [40].
وقرأ حمزة الأحرف الثلاثة بفتح الياء والحاء.
وقرأ الكسائي في النحل: لسان الذي يلحدون إليه بفتح الياء
والحاء وفي الأعراف والسجدة «1» يلحدون [بضم الياء] «2».
[قال أبو علي] «3» حجة من قرأ: يلحدون قوله: ومن يرد فيه
بإلحاد [الحج/ 25]، ويدلّ على أن ألحد أكثر، قولهم: ملحد كما
قال:
ليس الإمام بالشحيح الملحد «4» ولا تكاد تسمع لاحدا. وزعم أبو
الحسن وغيره: أنّ ألحد ولحد لغتان: فمن جمع بينهما في قراءته،
فكأنّه أراد الأخذ بكلّ واحد «5» من اللغتين، وكأنّ «6»
الإلحاد: العدول عن الاستقامة والانحراف عنها، ومنه اللحد:
الذي يحفر في جانب القبر خلاف الضريح الذي يحفر في وسطه.
__________
(1) يريد بالسجدة هنا (فصلت) وقد ورد في نسخة في السبعة عند
فصلت تسميتها بالسجدة، انظر ص 576.
(2) ما بين قوسين سقط من (ط) والسبعة وانظر السبعة ص 298.
(3) زيادة من (ط).
(4) عجز بيت لحميد الأرقط وهو من شواهد سيبويه 1/ 387، وانظر
السمط ص 649.
(5) في (ط): واحدة.
(6) في (م): وكان.
(4/108)
[الاعراف: 186]
اختلفوا في الياء والنون. والرفع والجزم في قوله «1»:
ويذرهم [الأعراف/ 186].
فقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر ونذرهم بالنون والرفع.
وقرأ أبو عمرو: ويذرهم بالياء والرفع، وكذلك قرأ عاصم في رواية
أبي بكر وحفص عن عاصم: ويذرهم بالياء والرفع.
[وقرأ حمزة والكسائي: ويذرهم بالياء مع الجزم خفيفة.
وكذلك حدثني الخزّاز عن هبيرة عن حفص عن عاصم ويذرهم] «2» [مثل
حمزة] «3».
[قال أبو علي] «4» حجة من رفع أنّه قطعه مما قبله؛ فإمّا أن
يكون أضمر المبتدأ فصار ويذرهم في موضع خبر المبتدأ المحذوف،
وإمّا أن يكون استأنف الفعل فرفعه.
وأمّا قول أبي عمرو: ويذرهم بالياء على الغيبة، فلتقدم اسم
الله تعالى «5»، وهو على لفظ الغيبة.
ومن قال: ونذرهم بالنون فالمعنى فيه مثل الياء.
وأمّا قراءة حمزة والكسائي: ويذرهم بجزم الفعل؛
__________
(1) قراءة (ط): من قوله عز وجل.
(2) ما بين قوسين تكرر في (ط).
(3) السبعة ص 299 وما بين معقوفين زيادة من (ط) والسبعة.
(4) سقطت من (م).
(5) زيادة من (ط).
(4/109)
فوجهها فيما يقول «1» سيبويه أنّه عطف على
موضع الفاء، وما بعدها من قوله: فلا هادي له [الأعراف/ 186]،
لأن موضع الفاء مع ما بعدها جزم؛ فحمل ويذرهم على الموضع،
والموضع جزم «2». ومثل ذلك قول الشاعر «3»:
أنّى سلكت فإنّني لك كاشح ... وعلى انتقاصك في الحياة وأزدد
ومثله قول أبي داود «4»:
فأبلوني بليّتكم لعلّي ... أصالحكم وأستدرج نويّا
حمل أستدرج على موضع الفاء المحذوفة من قوله:
فلعلي أصالحكم. والموضع جزم.
ومثله في الحمل على الموضع قوله: فأصدق وأكن [المنافقين/ 10].
ألا ترى أنّه «5» لو لم تلحق الفاء لقلت: لولا أخّرتني
__________
(1) في (ط): يقوله.
(2) انظر سيبويه 1/ 448.
(3) ذكره البحر المحيط في 4/ 433 غير منسوب وقد سبق انظر 2/
401.
(4) أبلوني بليّتكم: اصنعوا صنعا جميلا- ونويا: نواي والنوى:
النية أي الوجه الذي يقصده المرء. أستدرج: أرجع أدراجي من حيث
كنت- والمعنى:
أحسنوا إلي لعلي أصالحكم وأعود إلى جواركم.
انظر ديوانه/ غرنباوم/ 350 وهو من شواهد شرح أبيات المغني برقم
669 ج 6/ 292.
(5) في (ط): أنك.
(4/110)
[إلى أجل قريب] «1» ... أصّدّق؛ لأنّ معنى
لولا أخرتني: أخّرني أصّدّق، فحمل قوله: وأكن على ذلك.
[الاعراف: 190]
اختلفوا في ضم الشين والمدّ، والقصر والكسر «2» في قوله جلّ
وعز «3»: جعلا له شركاء [الأعراف/ 190].
فقرأ ابن كثير، وابن عامر، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائيّ: جعلا
له شركاء جمع شريك بضم الشين والمدّ، وكذلك حفص عن عاصم.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر ونافع: شركا مكسورة الشين على
المصدر لا على الجمع «4».
[قال أبو علي] «5» وجه قول «6» من قال: جعلا له شركا أنّه حذف
المضاف كأنّه أراد جعلا له ذا شرك أو ذوي «7» شرك، فإذا جعلا
له ذوي شرك فيما آتاهما كان في
المعنى كقوله: جعلا له شركاء، فالقراءتان على هذا تئولان إلى
معنى واحد والضمير الذي في له* يعود إلى اسم الله، كأنّه جعلا
لله شركاء فيما آتاهما.
قال أبو الحسن: وكان ينبغي لمن قرأ: جعلا له شركا
__________
(1) زيادة من (ط).
(2) في (ط): وكسرها والقصر.
(3) سقطت من (ط).
(4) السبعة ص 299.
(5) سقطت من (م).
(6) سقطت من (م).
(7) في (ط): وذوي.
(4/111)
أن يقول: جعلا لغيره شركا «1»، وقول من
قرأ: جعلا له شركا يجوز أن يريد: جعلا لغيره شركا فحذف المضاف،
فالضمير على هذا أيضا في له*: لاسم الله، ويجوز أن يكون الكلام
على ظاهره، ولا يقدّر حذف المضاف في قوله: جعلا له.
وأنت تريد لغيره، ولكن تقدر حذف المضاف إلى شرك، فيكون المعنى:
جعلا له ذوي شرك، وإذا جعلا له ذوي شرك، كان في المعنى مثل:
جعلا لغيره شركا، فلا يحتاج إلى تقدير جعلا لغيره شركا، لأنّ
تقدير حذف المضاف من شرك بمنزلة جعلا لغيره شركا، ومثل: جعلا
له شركا، قوله: أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه [الرعد/ 16]،
لأنّه تقرير بمنزلة: أم يقولون افتراه [يونس/ 38].
ويجوز في قوله: جعلا له شركا «2» جعل أحدهما له شركا، أو ذوي
شرك، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه، كما حذف من قوله:
وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم [الزخرف/
31]، والمعنى: على رجل من أحد رجلي القريتين.
وكذلك قوله: يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان [الرحمن/ 22] عند من
رأى أن اللؤلؤ يخرج من الماء الملح، تقديره عنده: يخرج من
أحدهما، فيكون الذي جعل له «3»
__________
(1) انظر معاني القرآن 2/ 316.
(2) في (ط): شركاء.
(3) سقطت من (ط).
(4/112)
شركا «1»، أحدهما، ويخرج آدم إلى «2» هذا
من أن ينسب إليه ذلك. وذهب أحد أهل النّظر إلى أن الضّمير في
جعلا للوالدين «3»، كأنّه الذكر والأنثى.
فإن قلت: إنّه لم يجر لهما ذكر فيكنى عنهما، فإنّ فيما جرى من
الكلام دلالة على اسميهما؛ فجاز لذلك إضمارهما، كأشياء تضمر
لدلالة الأحوال عليها، وإن لم يجر لهما «4» في اللفظ ذكر. من
ذلك ما حكاه سيبويه من قولهم: إذا كان غدا فائتني «5»، فأضمر
ما كانوا فيه من الرخاء والبلاء «6»، ولم يجر لهما ذكر.
[الاعراف: 193]
اختلفوا في تشديد التاء وتخفيفها «7» من قوله تعالى «8»:
لا يتبعوكم [الأعراف/ 193].
فقرأ نافع وحده: لا يتبعوكم ساكنة التاء وبفتح الباء.
وقرأ الباقون: لا يتبعوكم مشددا «9».
قال أبو زيد: تقول: رأيت القوم فأتبعتهم اتباعا، إذا
__________
(1) في (ط): شركاء.
(2) في (ط): على هذا.
(3) في (ط): للولدين.
(4) في (ط): لها.
(5) سيبويه 1/ 114.
(6) في (ط) أو البلاء.
(7) سقطت من (م).
(8) في (ط): عز وجل.
(9) السبعة ص 299.
(4/113)
سبقوك، فأسرعت نحوهم. ومرّوا عليّ
فاتّبعتهم اتّباعا، إذا ذهبت معهم، ولم يستتبعوك، قال: وتبعتهم
أتبعهم تبعا، مثل ذلك.
[قال أبو علي] «1»: معنى القراءتين على هذا واحد.
ألا ترى أن أبا زيد قال: إنّ تبعتهم مثل اتّبعتهم، والمعنى على
تركهم الانقياد للحقّ والإذعان للهدى، وما «2» شرّع لهم، ودعوا
إليه، وكأنّ اتّبع أكثر في استعمالهم من تبع، وإن كانا فيما
حكاه أبو زيد بمعنى. ألا ترى أنّ قوله: واتبع هواه [الأعراف/
176] القراءة فيه على افتعل.
[الاعراف: 195]
وقال «3» أحمد: وقرأ ابن كثير وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي:
ثم كيدون [الأعراف/ 195] بغير ياء في الوصل والوقف.
وقرأ أبو عمرو ونافع في رواية ابن جمّاز وإسماعيل بن جعفر
بالياء في الوصل وكذلك ابن عامر في رواية ورش وقالون والمسيّبي
بغير ياء في وصل ولا وقف.
وفي كتابي عن ابن ذكوان عن ابن عامر: ثم كيدوني بياء، وحفظي
بغير ياء.
كذا حدثني أحمد بن يوسف بإسناده عن ابن ذكوان «4».
__________
(1) سقطت من (م).
(2) في (ط) وما جاء.
(3) سقطت الواو من (ط).
(4) السبعة ص 300.
(4/114)
القول في ذلك أن الفواصل وما أشبه الفواصل
من الكلام التام تجري مجرى القوافي لاجتماعهما في أنّ الفاصلة
آخر الآية، كما أنّ القافية آخر البيت، وقد ألزموا الحذف هذه
الياءات إذا كانت في القوافي في قوله «1»:
فهل يمنعنّي ارتيادي البلا ... د من حذر الموت أن يأتين
والياء التي هي لام كذلك نحو قوله «2»:
يلمس الأحلاس في منزله ... بيديه كاليهوديّ المصلّ
وقد تمّ الوزن دونهما «3». ومن أثبت فلأنّ الأصل الإثبات، وقد
جاء الإثبات في هذا النحو في «4» القوافي أيضا كقوله «5»:
وهم أصحاب يوم عكاظ إنّي
__________
(1) في (ط): كقوله والبيت للأعشى، وقد سبق في 3/ 219.
(2) البيت للبيد، والأحلاس: ما يوضع على ظهر البعير كلباس
ويكون عادة من القماش الرقيق انظر ديوانه/ 147 ط. صادر-
واللسان مادة/ لمس/.
(3) في (ط): دونها. هذا، والبيت الأول من المتقارب والثاني من
التخفيف.
(4) في (ط): من.
(5) في (ط): قوله.
وهذا عجز بيت للنابغة وصدره:
وهم وردوا الجفار على تميم وقد سبق في 3/ 219.
(4/115)
وربّما أثبت هذا النحو في الغلوّ والغالي،
وإن كان وزن البيت قد تمّ دونه.
[الاعراف: 196]
واختلفوا «1» في قوله [جلّ وعز] «2»: إن وليي الله [الأعراف/
196].
فقرأ ابن كثير، وعاصم، ونافع، وابن عامر، وأبو عمرو، وحمزة،
والكسائي: وليي الله بثلاث ياءات: الأولى ساكنة، والثانية
مكسورة، والثالثة هي «3» ياء الإضافة مفتوحة.
وقال ابن اليزيدي عن أبيه عن أبي عمرو أنه قال: لام الفعل
مشمّة «4» كسرا وياء الإضافة منصوبة.
وقال ابن سعدان عن اليزيدي عنه أنّه قرأ: ولي الله يدغم الياء.
قال أبو بكر: والترجمة التي قال ابن سعدان عن اليزيدي في إدغام
الياء، ليست بشيء، لأنّ الياء الوسطى التي «5» هي لام الفعل
متحركة وقبلها ساكن، والياء الزائدة ساكنة ولا يجوز إسكانها
وإدغامها، وقبلها ساكن، ولكني أحسبه أراد حذف الياء الوسطى
وإدغام الياء الزائدة في ياء الإضافة.
وقال أبو زيد عن أبي عمرو: إن ولي الله مدغمة، وإن شاء بالبيان
قال: وليي الله مثقّلة.
__________
(1) في (ط) اختلفوا.
(2) سقطت من (ط).
(3) في (ط): وهي.
(4) في السبعة مشتّمة.
(5) سقطت من (م).
(4/116)
وروى العباس «1» بن الفضل كذلك مثقّلة «2»
عن أبي عمرو مثله «3».
[قال أبو علي] «4»: لا يخلو ما رواه أبو زيد عن أبي عمرو من
قوله: إن وليي الله من أن يدغم الياء التي هي لام الفعل في ياء
الإضافة، أو يحذف الياء التي هي لام الفعل، فإذا حذفها أدغم
ياء فعيل في الياء التي هي ياء الإضافة، فلا يجوز أن يدغم
الياء التي هي لام في ياء الإضافة لأنّه إذا فعل ذلك انفكّ
الإدغام.
ويذهب سيبويه «5» إلى أنك إذا قلت: هذا وليّ يزيد وعدوّ وليد،
لم يجز إدغام الياء التي هي لام في ياء يزيد، لأنّك حيث أدغمت
الياء في وليّ «6»، والواو في عدوّ، ذهب «7» المد للإدغام،
فصارت الياء والواو بمنزلة غيرهما من الحروف التي لا تكون
للمدّ، واستدلّ على ذلك بجواز ليّا في القافية مع طيّا ودوّا
مع غزوا، فلو أدغمت شيئا من ذلك عاد المدّ إلى الحرف الذي كان
ذاك المدّ عنه بالإدغام، وعود المدّ إليه بانفكاك الإدغام
بمنزلة تحريك الساكن في نحو: قرم «8» موسى، واسم
__________
(1) في (ط) أبو العباس.
(2) في (ط) منقلبة.
(3) السبعة ص 300.
(4) سقطت من (م).
(5) انظر الكتاب 2/ 410.
(6) في (م): وليي.
(7) في (ط): وذهب.
(8) في (م): قوم. والقرم: الفحل الذي يترك من الركوب والعمل
ويودع للفحلة (اللسان).
(4/117)
مالك، فكما لا يدغم هذا أحد، كذلك لا ينبغي
إدغام الياء التي هي لام في وليّ «1» لعود «2» المدّ إليه
بانفكاك الإدغام، وعود المدّ بمنزلة تحريك الراء «3» في قرم
«4» موسى، ألا ترى أن المدّ قد قام مقام الحركة في دابّة،
وتمودّ الثوب وتضربينّي، فكما لم يجز التحريك في راء قرم موسى،
كذلك لا يجوز إدغام الياء «5» التي هي لام في ياء الإضافة. فإن
قلت: فليست ياء الإضافة منفصلة لأنّها لا تنفرد.
قيل: إنّها في حكم المنفصل كما أنّ اقتتلوا في حكم المنفصل
لاجتماعهما جميعا في أنّ كلّ واحد من الحرفين، يجري في الكلام،
ولا يلزمه به مثله، وإذا «6» لم يجز هذا لما ذكرنا، ثبت أنّ
اللّام من وليّ حذفها حذفا كما حذفت اللّام من قوله «7»: ما
باليت به بالة.
وكما حذفت من قولهم: حانة، وكما حذفت الهمزة التي هي لام في
قول أبي الحسن من أشياء، وكما حذفت الهمزة في قولهم: سواية إذا
أردت به «8» سوائية مثل الكراهية.
__________
(1) (م): وليي.
(2) (م): ليعود.
(3) في (ط): الواو.
(4) في (م): قوم.
(5) سقطت من (م).
(6) في (ط): فإذا.
(7) لعله يقصد قول ابن عباس: ما أباليه بالة. وفي الحديث
الشريف: وتبقى حثالة لا يباليهم الله بالة (البخاري 8/ 114)
(اللسان مادة/ بلا).
(8) سقطت من (م).
(4/118)
وكما استمر الحذف في التحقير في هذه
اللامات نحو:
عطيّ في تحقير: عطاء، بدلالة قولهم: سميّة؛ فلما حذفت اللّام
أدغمت ياء فعيل في ياء «1» الإضافة، فقلت: وليّ الله، فهذه
الفتحة فتحة ياء الإضافة.
فإن قلت: فأبو عمرو لا يرى حذف الياء الثالثة إذا اجتمعت ثلاث
ياءات، لأن سيبويه حكي عنه أنّه يقول في تحقير أحوى فيمن قال:
أسيد: أحيّ «2». قيل: هذا لا يدل على ما ذكرت من أنّه يرى
الجمع بين ثلاث ياءات في نحو تحقير سماء، وذلك أنّه استجاز
أحيّ، لأنّ في أوّل الكلمة الزيادة التي تكون في الفعل، وقد
جرى هذا مجرى الفعل في أنّه منع الصرف، فكما جرى مجرى الفعل
فيما ذكرنا، كذلك ما جرى «3» مجراه في جواز اجتماع ثلاث ياءات
في أحيّ، كما اجتمع في الفعل نحو أحيّي، ورأيت أحيي قبل «4»
وفي الاسم الجاري عليه نحو: محيّي، فلا يدل هذا على جواز عطيّ
عنده، بل يفصل بينهما بما ذكرناه «5».
ألا ترى أنّ سيبويه ألزمه عطي على قوله: أحيّ، ولو كان يرى
عطيّ، كما يرى أن يقول: أحيّ لم يلزمه سيبويه «6» ذلك،
__________
(1) سقطت من (م).
(2) الكتاب 2/ 131.
(3) في (ط): جري.
(4) سقطت من (م).
(5) في (ط): ذكرنا.
(6) سقطت من (ط).
(4/119)
فكأن أبا عمرو في قوله: إن ولي الله شبّه
المنفصل بالمتصل، فحذف إحدى الياءات من وليّ، كما يحذف من
عطيّ.
وقرأ أبو عمرو أيضا: إن وليي الله كما «1» قرأ غيره، ولم يحذف
الياء، فقصر حذف الياء إذا اجتمعت ثلاث ياءات على المتصل، ولم
يجر المنفصل مجرى المتصل في هذا المذهب الآخر الذي وافق فيه
الأكثر.
[الاعراف: 201]
واختلفوا في إثبات الألف وإسقاطها من قوله عز وجل «2»: طيف*
[الأعراف/ 201].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي: طيف* بغير ألف.
وقرأ نافع وابن عامر، وعاصم، وحمزة: طائف بألف [وهمز] «3».
أبو زيد: طاف الرجل يطوف «4» طوفا، إذا أقبل وأدبر، وأطاف يطيف
إطافة، إذا جعل يستدير بالقوم ويأتيهم من نواحيهم، وطاف الخيال
يطيف طيفا، إذا ألمّ في المنام.
أبو عبيدة: طيف من الشيطان: أي: يلمّ به لمّا وأنشد الأعشى
«5»:
__________
(1) في (ط) على ما قرأ غيره.
(2) سقطت من (ط).
(3) السبعة ص 301 وما بين معقوفين زيادة منه.
(4) في (م): وهو يطوف.
(5) غبّ الشيء: عاقبته وما يليه- السرى: السير في الليل- ألم
به: خالطه-
(4/120)
وتصبح عن غبّ السّرى وكأنّما ... ألمّ بها
من طائف الجنّ أولق
«1» فقد ثبت ممّا «2» قاله أبو زيد من قولهم: يطيف طيفا، أنّ
الطيف مصدر، فكأنّ «3» المعنى: إذا مسّهم وخطر لهم خطرة من
الشيطان، ويكون: طائف بمعناه، مثل العاقبة والعافية، ونحو ذلك
مما جاء المصدر فيه على فاعل وفاعلة.
والطيف أكثر لأنّ المصدر على هذا الوجه «4»، أكثر منه على وزن
فاعل، فطيف كالخطرة والطائف كالخاطر، وقال «5»:
ألا يا لقوم لطيف الخيا ... ل أرّق من نازح ذي دلال
وقال آخر «6»:
فإذا بها وأبيك طيف جنون
__________
الطائف: ما يطوف بالإنسان ويلم به. ألق الرجل: فهو مألوق أي:
جنّ أو أصابه مسّ من جنون.
انظر ديوانه/ 221 وفي (ط): وأنشد للأعشى.
(1) مجاز القرآن 1/ 236.
(2) في (م): ما.
(3) في (م): «وكان».
(4) في (ط): الوزن.
(5) البيت لأمية بن أبي عائذ. انظر اللسان مادة/ طوف/. وفيه:
لقومي، بدل:
لقوم.
(6) سقطت من (م): آخر. والشطر عجز بيت لأبي العيال الهذلي
وصدره:
ومنحتني فرضيت حين منحتني انظر شرح أشعار الهذليين للسكري 1/
415، واللسان (طيف).
(4/121)
قال أبو الحسن: الطيف أكثر في كلام العرب.
[الاعراف: 202]
اختلفوا في فتح الياء وضمها «1» في قوله عزّ وجلّ «2»:
يمدونهم في الغي [الأعراف/ 202].
فقرأ نافع وحده: يمدونهم بضم الياء وكسر الميم.
وقرأ الباقون: يمدونهم بفتح الياء «3» وضمّ الميم «4».
[قال أبو علي] «5» عامة ما جاء في التنزيل فيما يحمد ويستحبّ
أمددت على أفعلت كقوله: إنما نمدهم به من مال وبنين [المؤمنون/
55].
وقوله: وأمددناهم بفاكهة [الطور/ 22]، وقال «6»:
أتمدونني بمال [النمل/ 36] وما كان خلافه «7» يجيء على مددت
قال: ويمدهم في طغيانهم يعمهون [البقرة/ 15].
وقال أبو زيد: أمددت القائد بالجند، وأمددت الدواة، وأمددت
القوم بمال ورجال، وقال أبو عبيدة: يمدّونهم في الغي، أي:
يزينون لهم [الغي والكفر ويقال]: مدّ له في غيه:
__________
(1) في (ط): من.
(2) سقطت من (ط).
(3) تكررت في (ط).
(4) السبعة ص 301.
(5) كذا في (ط) وسقطت من (م).
(6) في (ط): قال.
(7) في (م): كلامه.
(4/122)
[زينه له وحسنه وتابعه عليه] «1».
قال أبو عبيدة: هكذا يتكلمون بهذا، فهذا ممّا يدل أن «2» الوجه
فتح الياء، كما ذهب إليه الأكثر.
ووجه قول نافع أنّه بمنزلة قوله: فبشرهم بعذاب أليم [آل عمران/
21].
وقوله: فسنيسره للعسرى «3» [الليل/ 10].
__________
(1) مجاز القرآن 1/ 237 وما بين معقوفين زيادة منه.
(2) في (ط): على أن.
(3) جاء على هامش (ط): بلغت.
(4/123)
|