الحجة للقراء السبعة

بسم الله الرّحمن الرّحيم «1»

[ذكر اختلافهم في] «2» سورة الأنفال
[الانفال: 9]
اختلفوا في فتح الدال وكسرها من قوله جلّ وعز:
مردفين [الأنفال/ 9].
فقرأ نافع وحده: مردفين بفتح الدال، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو، وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: مردفين [بكسر الدال] «3»، وروى المعلّى بن منصور عن أبي بكر عن عاصم مردفين بفتح الدال «4».
قال أبو علي: من قال مردفين احتمل وجهين: أحدهما أن يكونوا مردفين مثلهم. كما تقول: أردفت زيدا دابّتي، فيكون المفعول الثاني محذوفا في الآية، وحذف المفعول كثير.
والوجه الآخر في مردفين: أن يكونوا جاءوا بعدهم.
__________
(1) في (م): بسم الله.
(2) سقطت من (ط).
(3) سقطت من (ط).
(4) السبعة: 304.

(4/124)


قال أبو الحسن: تقول العرب: بنو فلان يردفوننا، أي:
يجيئون «1» بعدنا.
قال أبو عبيدة: مردفين: جاءوا بعد، وردفني «2»، وأردفني واحد، وهذا الوجه كأنّه أبين لقوله: إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين [الأنفال/ 9] أي: جائين بعد لاستغاثتكم ربّكم، وإمداده «3» إياكم بهم، فمردفين على هذا صفة للألف «4» الذين هم الملائكة.
ومردفين: على أردفوا الناس أي: أنزلوا بعدهم، فيجوز على هذا أن يكون حالا من الضمير المنصوب في ممدّكم مردفين بألف من الملائكة.

[الانفال: 11]
اختلفوا في قوله [جل وعز] «5»: إذ يغشاكم النعاس [الأنفال/ 11] فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: إذ يغشاكم النعاس بفتح الياء [وجزم الغين] «6» وفتح الشين، [وألف بعدها] «7» النعاس رفعا.
__________
(1) في (ط): هم يجيئون.
(2) في مجاز القرآن 1/ 241: «جاءوا بعد قوم قبلهم. وبعضهم يقول:
ردفني، أي: جاء بعدي، وهما لغتان».
(3) في (م): فإمداده.
(4) في (ط): صفة الألف.
(5) سقطت من (ط).
(6) كذا في (ط) وسقطت من (م).
(7) كذا في (ط) وسقطت من (م).

(4/125)


وقرأ نافع: يغشيكم بضم الياء وجزم الغين وكسر الشين النعاس نصبا.
وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: يغشيكم بضم الياء وفتح الغين مشدّدة الشين مكسورة: النعاس بنصب السين «1».
قال أبو علي: حجّة من قرأ يغشاكم قوله سبحانه «2»:
أمنة نعاسا يغشى [آل عمران/ 154]، فكما أسند الفعل إلى النعاس أو الأمنة التي هي من النعاس، كذلك على هذا: إذ يغشاكم النعاس.
وأما من قرأ: يغشيكم ويغشيكم «3» فالمعنى واحد، وقد جاء بهما التنزيل قال: فأغشيناهم فهم لا يبصرون [يس/ 9]، وقال: فغشاها ما غشى [النجم/ 54] وقال: كأنما أغشيت وجوههم قطعا [يونس/ 27].
ومن حجّة من قرأ: إذ يغشيكم أو يغشيكم أنه أشبه بما بعده، ألا ترى أنّ بعده وينزل عليكم من السماء [الأنفال/ 11]، فكما أنّ ينزل* مسندا إلى اسم الله سبحانه «4»، كذلك يغشيكم ويغشيكم «5».
__________
(1) سقطت من (ط).
(2) السبعة 304.
(3) كذا في (ط) وسقطت من (م).
(4) في (ط): تعالى بدل سبحانه.
(5) في (ط): يغشي ويغشّي.

(4/126)


[الانفال: 18]
اختلفوا في فتح الواو وإسكانها وتشديد الهاء وتخفيفها من قوله جلّ وعز «1»: موهن كيد الكافرين [الأنفال/ 18].
فقرأ ابن كثير ونافع، وأبو عمرو موهن* بفتح الواو مشدّدة الهاء منونة، كيد الكافرين* نصبا.
وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائيّ وأبو بكر عن عاصم، موهن* ساكنة الواو منونة، كيد الكافرين* نصبا.
وروى حفص عن عاصم موهن كيد مضاف «2» بتسكين الواو وكسر الهاء وضمّ النون من غير تنوين، وكسر الدال من كيد «3».
قال أبو علي: تقول: وهن الشيء وأوهنته أنا، كما تقول: فرح وأفرحته وخرج وأخرجته، فمن قرأ موهن* كان من أوهن، مثل: مخرج من أخرج أي: جعلته واهنا.
فأما: موهن* فهو من: وهّنته، كما تقول: خرّج وخرّجته، وعرّف وعرّفته [وغرّم وغرّمته] «4».
وزعم أبو عثمان أن أبا زيد قال: سمعت من الأعراب من يقرأ: فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله [آل عمران/ 146]، فوهن يهن، على هذا مثل: ومق يمق، وولي يلي وهو أيضا ينقل بالهمزة، وبتثقيل العين، فالأمران فيهما حسن. قال
__________
(1) سقطت من (ط).
(2) في (ط): مضافا.
(3) السبعة 304 - 305.
(4) سقطت من (م).

(4/127)


أبو الحسن: الخفيفة قراءة الناس، وهو أجود في المعنى وبها نقرأ.

[الانفال: 19]
اختلفوا في فتح الألف وكسرها من قوله [جلّ وعزّ] «1»:
وأن الله مع المؤمنين [الأنفال/ 19].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائيّ: وإن الله مع المؤمنين بكسر الألف.
وقرأ نافع وابن عامر: وأن الله مع المؤمنين بفتح الألف، وكذلك روى حفص عن عاصم فتحا «2».
قال أبو علي: قول من كسر الهمزة أنه منقطع ممّا قبله، ويقوّي ذلك أنهم زعموا أنّ في حرف عبد الله: والله مع المؤمنين.
ومن فتح فوجهه: ولن تغني عنكم فئتكم شيئا ولو كثرت [الأنفال/ 19]، ولأن الله مع المؤمنين. أي: لذلك لن تغني عنكم فئتكم شيئا.

[الانفال: 42]
اختلفوا في كسر العين وضمّها من قوله جلّ وعزّ:
بالعدوة [الأنفال/ 42].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: بالعدوة*، وبالعدوة* «3» العين فيهما مكسورة.
وقرأ نافع وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائيّ بضم العين فيهما «4».
__________
(1) سقطت من (ط).
(2) السبعة 305.
(3) في (ط): بالعدوة والعدوة.
(4) السبعة 306.

(4/128)


قال أبو الحسن: تقرأ بالكسر، وهو كلام العرب لم يسمع منهم غير ذلك، وقال «1»: وهي قراءة أبي عمرو وعيسى، قال:
وبها قرأ يونس، وزعم يونس أنه سمعها من العرب. قال «2» أحمد بن يحيى: الضم في العدوة أكثر اللغتين، وقال أبو عبيدة «3»: هما لغتان، وأكثر القراءة بالضم.

[الانفال: 42]
اختلفوا في الإدغام والإظهار من قوله [جل وعز] «4»: ويحيا من حي عن بينة [الأنفال/ 42].
فقرأ ابن كثير في رواية قنبل، وأبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي: من حي عن بينة بياء واحدة مشدّدة.
حفص عن عاصم بياء واحدة أيضا: حي.
وقال البزّي عن أصحابه عن ابن كثير: حيي عن بينة بياءين، الأولى مكسورة والثانية مفتوحة.
وحدثني الحسين بن بشر الصوفي «5» قال: حدّثنا روح بن عبد المؤمن قال: حدثنا محمد بن صالح عن شبل عن ابن كثير أنه قرأ من حيي بياءين، ظاهرة «6» مثل رواية البزّي.
__________
(1) في (ط): قال بحذف الواو.
(2) في (ط): وقال.
(3) في (ط): وقال غيره. وقد ورد الكلام عن هذا الحرف في مجاز القرآن 1/ 246 ولم يرد نقل أبي علي فيه.
(4) سقطت من (ط).
(5) في (م) الحسن والصواب ما في (ط) وقد سبقت ترجمته.
(6) في السبعة: ظاهرتين.

(4/129)


وقرأ عاصم في رواية أبي بكر ونافع بياءين: الأولى مكسورة والثانية مفتوحة حيي* «1».
[قال] «2» أبو عبيدة: الحياة والحيوان، والحيّ واحد «3»، فهذه على ما حكاه أبو عبيدة، مصادر، فالحياة كالجلبة، والحدمة «4»، والحيوان كالغليان والنّزوان، والحيّ، كالعيّ، قالوا «5»: حيي يحيا حيّا، كما قالوا: عيي يعيا عيّا، فمن ذلك قوله «6»:
كنّا بها إذ «7» الحياة حيّ فهذا كقوله: إذ «7» الحياة حياة.
ومن زعم «9» أنّ حيّ، جمع حياة، كبدنة وبدن، فإن قوله غير متّجه لأن باب المصادر الأعمّ فيها أن لا تجمع «10»، ولأنه لو كان جمعا لفعل «11» لجاء فيه الضمّ، والكسر، كما جاء في
__________
(1) السبعة 306 - 307.
(2) سقطت من (ط).
(3) انظر مجاز القرآن 2/ 117.
(4) الحدمة: صوت التهاب النار أو لهيبها. انظر اللسان (حدم).
(5) في (م): وقالوا.
(6) رجز للعجاج. وقد سبق في 3/ 368 وروايته في ديوانه 1/ 486:
وقد نرى إذ الحياة حي
(7) في (م): إذا.
(9) هم بعض البغداديين كما نقل الدكتور السطلي في تعليقاته المفيدة على شرح ديوان العجاج عن حاشية الأصل 1/ 488 عن الفارسي.
(10) في (م) يجمع.
(11) في (ط): لفعل.

(4/130)


قولهم: قرن ألوى، وقرون ليّ، فأن لم يسمع «1» في الحيّ إلا الكسر، ولم نعلم أحدا حكاه، ولا ادّعى أنه جمع فعل؛ دلالة على أنّه لا مجاز له.
وذكر محمد بن السريّ أن بعض أهل اللغة قال في قول أمية «2»:
يأتي بها حيّة تهديك رؤيتها* من صلب أعمى أصمّ الصّلب منقصم أن المعنى: يأتي بها حياة، وهذا على ما قاله هذا القائل مثل قولهم: عيب، وعاب، وذيم، وذام، ونحو ذلك مما جاء على فعل [وفعل] «3»، ولم يكن كآية، وغاية، لأنّ باب غاية وآية نادر، ألا ترى أن الأول من المعتلّين، يصحّح ويعلّ الثاني، مثل نواة وضواة، وحيا وحياة. وباب «4» آية على غير القياس.
ويمكن أن يكون قوله: «يأتي بها حية» يعني بها خلاف الميّتة، لأنها قد وصفت بالحياة، فيكون «5» صفة كسهلة، وعدلة، لأنّ النار قد وصفت بالحياة في نحو قوله «6»:
__________
(1) في (ط): نسمع.
(2) لم يرد في ديوانه المجموع.
(3) سقطت من (ط).
(4) في (ط): فباب.
(5) في (ط): فتكون.
(6) البيت لابن مقبل- وتقص: تدق وتكسر- المقاصر: أصول الشجر واحدها مقصور. كربت: دنت. والمتنور: الذي ينظر إلى النار من بعيد. يقول:

(4/131)


فبعثتها تقص المقاصر بعد ما* كربت حياة النّار للمتنوّر فإذا جعل لها حياة جاز أن يكون قوله: حيّة وصفا غير مصدر، ويقوّي ذلك قولهم في وصفها: خمدت وهمدت، فهذا خلاف الحياة. ويقوي ذلك قوله «1»:
... يهديك رؤيتها فإنّما يريد: يهدي ضياؤها الضالّ لتعرّفه قصده «2». ومن ذلك ما أنشده أبو زيد «3»:
ونار قبيل الصبح بادرت قدحها ... حيا النار قد أوقدتها للمسافر
وقال أبو زيد: الحيوان لما فيه روح، والموتان والموات لما لا روح فيه.
فالحيوان في روايتي أبي زيد وأبي عبيدة على ضربين:
أحدهما: أن يكون مصدرا، كما حكاه أبو عبيدة، والآخر: أن يكون وصفا كما حكاه أبو زيد، والحيوان مثل الحي الذي هو صفة يراد به خلاف الميّت.
__________
بعثت ناقتي عند مغرب الشمس ودنو الليل.
انظر ديوانه/ 126 - اللسان مادة/ قصر- قص- نور/.
(1) سقطت «قوله» من (ط) ويشير في ذلك إلى بيت أمية الذي سبق ذكره.
(2) في (ط): فيعرفه مقصده.
(3) ذكره اللسان في مادة/ حيا/ ولم ينسبه.

(4/132)


وقد جاء من «1» الصفة على هذا المثال نحو قولهم: رجل صميان للسريع الخفيف والزّفيان، قال «2»:
وتحت رحلي زفيان ميلع فهذا أظهر من أن يقال: إنه وصف بالمصدر.
فأما قوله: وإن الدار الآخرة لهي الحيوان [العنكبوت/ 64]، فيحتمل أن يكون المعنى: وإنّ حياة الدار هي الحياة، لأنّه لا تنغيص فيها ولا نفاد لها، أي: فتلك الحياة هي الحياة، لا التي يشوبها ما يشوب الحياة في هذه الدار، فيكون الحيوان مصدرا على هذا.
ويجوز أن يكون الحيوان الذي هو خلاف الموتان، وقيل لها: الحيوان، لأنها لا تزول ولا تبيد، كما تبيد هذه الدار، وتزول، فتكون الدار قد «3» وصفت بالحياة لهذا المعنى، والمراد أهلها.
ويجوز أن يكون التقدير في قوله: لهي الحيوان هي ذات الحيوان، أي: الدار الآخرة هي ذات الحياة، كأنه لم يعتدّ بحياة هذه الدار حياة.
فأمّا القول في حروف الحيوان، فهو أن العين واللام منه مثلان في أصل الكلمة، أبدلت «4» من الثانية الواو لمّا لم
__________
(1) في (ط): في.
(2) سبق انظر 3/ 209.
(3) سقطت من (ط).
(4) في (ط): وأبدلت.

(4/133)


يسغ الإدغام في هذا المثال، ألا ترى أن مثل طلل، وشرر يصح، ولا يدغم؟ فكذلك «1» الحيوان لم يجز فيه الإدغام، فيتوصّل «2» منه «3» إلى إزالة المثلين بالبدل. ووجب ذلك في الثاني منهما وهو الكثير العام في كلامهم لأن التكرير به «4» وقع.
ومن زعم أنّ الحيوان ليس على هذا النحو الذي سلكه الخليل، ولكنّه بمنزلة قولهم: فاظ الميّت فيظا وفوظا «5»، ولم يستعمل من الفوظ فعل. فإنّ قوله غير متّجه لأنّ الحيوان لا يكون كالفيظ، والفوظ، ألا ترى أنه كثيرا ما تكون العين منه «6» مرة ياء وأخرى واوا، وليس في كلامهم في الاسم والفعل ما عينه ياء ولامه واو، فإذا جعل هذا مثل الفوظ والفيظ، بناه على شيء لا يصحّ ولا نظير له.
وأما قولهم: الحيّة، فالعين واللام فيه مثلان، والدليل على ذلك ما حكاه من أنّهم يقولون في الإضافة إلى حيّة بن بهدلة «7»: حيويّ، فلو كانت واوا لقالوا: حوويّ، كما قالوا في النسب إلى ليّة: لوويّ، وإذا ثبتت أن العين ياء بهذه الدلالة،
__________
(1) في (ط): وكذلك.
(2) في (م): فيوصل.
(3) في (ط): فيه.
(4) في (ط): بها.
(5) فاظ بمعنى: مات.
(6) سقطت من (ط).
(7) أبو بطن (انظر التاج حيي).

(4/134)


علمت أن اللام ياء أيضا، ولا يصح أن تكون واوا.
فأما قولهم: الحوّاء في صاحب الحيّات، فليس من الحيّة، ولكنه «1» من: حويت لجمعه لها في جؤنه وأوعيته.
وعلى هذا قالوا: أرض محياة للتي بها الحيّات.
ومثل قولهم: الحوّاء، لمعالج الحيّات، قولهم: اللئّال لبائع اللؤلؤ، وليس اللئّال من اللّؤلؤ وكذلك «2» الحوّاء ليس من الحيّة.
ومن هذا الباب قولهم: حيا الغيث، فالحيا مثل المطر.
ومنه أيضا قولهم: حياء الناقة في أن حروفه «3» حروف الحي، وقالوا في جمعه: أحيّة وأحيية.
وقال أبو زيد في جمع حياء الناقة: حياء وأحياء، وهو فعال وأفعال، وحكى أيضا: جواد، وأجواد.
فأما ما حكاه بعض البغداديين من قولهم: فلان يبيع الحيوان والحيوات، فلا وجه للحيوات هنا، إلّا أن يكون جمع حياة، وحياة لم نعلمه جمع في موضع، ولا وجه له غير الجمع، ألا ترى أنه لا يحمل على فعلال، ولا فعوال، ولا غير ذلك من أبنية الآحاد «4» ولا تكون التاء بدلا من النون في الحيوان كما كان اللام بدلا منها في أصيلال، ألا ترى أن
__________
(1) في (ط): ولكنها.
(2) في (ط) فكذلك.
(3) في (ط): حروفها.
(4) جاء في (ط) على هامشها: بلغت.

(4/135)


النون تبدل منها اللام في غير هذا الموضع، وهما حرفان متقاربان، والتاء لا تقارب النون فتجعله في الحيوات بدلا، وأما «1» ما روي من قوله «2»:
ويأكل الحيّة والحيّوتا فأظن البيت أيضا بغداديا، وينبغي أن يكون الحيّوت مثل سفّود وكلّوب، ألا ترى أنه ليس في الكلام فعلوت، فيكون فيه بعض حروف الحي، وليس منه والتاء لام الفعل. فإن قلت:
فقد جاء المروت في قوله «3»:
وما خليج من المروت ذو «4» حدب* [يرمي الضرير بعود الأيك والضّال
__________
(1) في (ط): فأما.
(2) رجز ذكره اللسان في مادة/ حيا/ وقال: أنشد الأصمعي:
ويأكل الحيّة والحيّوتا ... ويدمق الأغفال والتابوتا
ويخنق العجوز أو تموتا والحيّوت: هو ذكر الحية.
(3) البيت لأوس بن حجر ورواية الديوان:
يرمي الضرير بخشب الطلح والضّال والمروت: أرض فيها نبات ومسايل وهي من أرض العالية. الحدب:
ارتفاع الماء وتعاليه في النهر. الضرير: جانب الوادي.
يصف النهر في حال تدفقه وفيضانه وقذفه بالخشب على الجانبين.
انظر ديوانه/ 105 واللسان (مادة: مرت).
(4) في (م): ذي حدب.

(4/136)


ويروى: بخشب الأيك] «1»، فإنه أيضا فعّول من المرت، ولا يكون: فعلوتا من المرور، لأنّ هذا الوزن لم يجيء في شيء.
فإن قلت: فهذا التأليف الذي هو: ح ي ت لم نعلمه في موضع.
فإن ذلك أسهل من أن يدخل في الأبنية ما ليس منها.
وإن قلت: فما تنكر أن يكون حيّوت فعلوت كالرّغبوت، فالتاء «2» فيه زيادة، وإنما أسكن لكراهة المثلين، كما أبدل في الحيوان لكراهة المثلين، ومع ذلك فلو لم يدغم ويثبت للزمك أن تجري اللام التي هي ياء بالضم، وإذا لزم تحريكها لزم إسكانها، فإذا لزم إسكانها لزم حذفها لالتقاء الساكنين.
فأسكنت العين من فعلوت لتحتمل «3» الياء الحركة لسكون ما قبلها، كما قلبت اللام من «4» طاغوت وحانوت وجالوت، لمّا لزم حركتها بالضم في فعلوت، فلمّا قلبت الكلمتان انقلب حرف العلّة فيهما، فإسكان العين من فعلوت في الحيّوت كقلب اللام من طاغوت وحانوت، فذلك إن قاله قائل أمكن أن يقول.
وتقول «5»: إن المعتل يختص «6» بأبنية لا تكون في
__________
(1) ما بين معقوفين سقط من (ط) وجاء في (م) على الهامش.
(2) في (ط): والتاء فيه زائدة.
(3) في (م) لتحمّل الياء.
(4) في (ط): في.
(5) في (ط): ويقول.
(6) في (ط): اختص.

(4/137)


الصحيح، فكذلك فعلوت جاء حيّوت عليه لما قدّمنا، وإن لم يجيء في غير المعتل. فأما قول الشاعر «1»:
إذا شئت آداني صروم مشيّع ... معي وعقام يتّقي الفحل مقلت
«2»
يطوف بها من جانبيها ويتّقي ... بها الشمس حيّ في الأكارع ميّت
من «3» أعمل الآخر من الفعلين، أضمر في الأول على شريطة التفسير، ومن أعمل الأول لم يضمر وكان التقدير:
يطوف بها حيّ من جانبيها. وفي يتّقي ذكر من حيّ.
ومعنى حيّ في الأكارع: حيّ في أسفل الأكارع، وأسفل الأكارع: الخفّ ومعنى ميّت، أي: ميت في غير هذا المكان، لأنه لا يثبت إلا في أسفل الأكارع في ذلك الوقت، فجعل عدمه في «4» هذه المواضع موتا له فيها.
__________
(1) ذكرهما القالي في أماليه فقال: وأملى علينا أبو بكر محمد بن السّريّ السراج دون أن ينسبهما.
وآداني: أعانني وقوّاني. وصروم بمعنى صارم وهو قلبه. ومشيّع:
شجاع كأن معه شيئا يشيعه. وعقام: عقيم. والمقلت: التي لا يبقى لها ولد كأنّها تقتلهم أي: تهلكهم. وقوله: حي في الأكارع ميت: يعني:
الظل كأنه مات مما سواه إلا من الأكارع، وذلك حين يقوم قائم النهار.
انظر الأمالي 2/ 236.
(2) في (ط): مقلب، وهو تصحيف.
(3) في (ط): فمن.
(4) في (ط): من.

(4/138)


وقد يقولون: حيّ فلان، يريدون فلانا، وأنشد أبو زيد «1»:
يا قرّ «2»
إنّ أباك حيّ خويلد ... قد كنت خائفه على الإحماق
وأنشد أبو الحسن «3»:
أبو بحر أشدّ الناس منّا ... علينا بعد حيّ أبي المغيرة
وروي عن أحمد بن إبراهيم «4»:
وحيّ بكر طعنّا طعنة نجرا «5» يريد: بكرا.
__________
(1) لجبّار بن سلمى: النوادر/ 451 (ط الفاتح) وهو من شواهد الخزانة 2/ 216 وقرّ: مرخم قرة، والإحماق: مصدر أحمق الرجل: إذا ولد له ولد أحمق. قال البغدادي: المعنى: أنني كنت أرى من أبيك مخايل تدل على أنه يلد ولدا أحمق، وقد تحقق بولادته إياك. وإيضاح الشعر ص 40.
(2) في (ط): أعمير.
(3) ورد هذا الشاهد في الخزانة 2/ 211 (عرضا) نقلا عن أبي علي في الإيضاح الشعري. غير منسوب. ونسبه اللسان (حيا) لأبي الأسود الدؤلي. وهو في ديوانه ص 48 وإيضاح الشعر ص 41.
(4) ورد في اللسان (حيا):
وحيّ بكر طعنّا طعنة فجرى ولم يكمل عجزه، ولم ينسبه. وهو في الإيضاح الشعري ص 40. ص 98.
(5) في (م): بجراء.

(4/139)


وسئل أعرابيّ عن قائل أبيات أنشدها فقال: قالهنّ حي رياح، يريد: رياحا.
فأما قول من أدغم، فقال: حي عن بينة [الأنفال/ 42]، فلأن الياء قد لزمتها الحركة وصارت «1» بلزوم الحركة لها مشابهة «2» للصحيح، ألا ترى أن من حذف الياء من قوله «3»: جوار، وعذار في الجرّ والرّفع، لم يحذفها إذا تحرّكت بالفتح لمشابهتها بالحركة سائر الحروف الصحيحة «4»، وقال «5» في الوقف: كلا إذا بلغت التراقي [القيامة/ 26] فلم تحذف، كما حذفت الياء من [نحو] «6» قوله: الكبير المتعال [الرعد/ 9].
ومن جعلها وصلا في نحو:
.... وبعض القوم يخلق ثم لا يفري «7» و: ... ما يمرّ وما «8» يحلو «9».
__________
(1) في (ط): فصار.
(2) في (ط): مشابها.
(3) سقطت «قوله» من (م).
(4) في (ط): الصحاح.
(5) في (ط): وقالوا.
(6) سقطت نحو من (ط).
(7) سبق انظر 1/ 405.
(8) في (م): ولا يحلو.
(9) جزء من بيت لزهير وتمامه:
وقد كنت من سلمى سنين ثمانيا ... على صير أمر ما يمرّ وما يحلو
يقال: مرّ الشيء: صار مرا، وهنا: ما يضرّ وما ينفع. على صير

(4/140)


قد «1» يحذفها في الوقف، ولو تحركت لم يحذفها، فهذا ونحوه يدلّك على أنّها بالحركة قد صارت في حكم الصحيح، وإذا صارت «2» كذلك، جاز الإدغام فيها، كما جاز في الصحيح، وعلى هذا جاء ما أنشده من قوله «3»:
عيّوا بأمرهم كما ... عيّت ببيضتها الحمامة
وقال «4»:
فهذا أوان العرض حيّ ذبابه ... زنابيره والأزرق المتلمّس
وقال «5»:
__________
أمر: على شرف منها. انظر ديوانه/ 96، وشرح شواهد الشافية/ 232.
(1) في (ط): وقد.
(2) في (ط): صار.
(3) البيت لعبيد بن الأبرص. ورواية الديوان ص 126:
برمت بنو أسد كما ... برمت ببيضتها الحمامة
وهو كذلك في الأغاني 9/ 82 وانظر سيبويه 2/ 387 ومعاني القرآن 2/ 324 والمقتضب 6/ 182، والمنصف 2/ 191 وشرح شواهد الشافية/ 356 واللسان مادة/ حيا/.
(4) البيت للمتلمس يخاطب فيه النعمان بن المنذر خطاب تهكم فيقول:
كثر فيه الزرع وحيّ ذبابه.
والزنابير والأزرق: ضربان من الذباب، والعرض: من أودية اليمامة، وبهذا البيت لقب المتلمس، واسمه جرير بن عبد المسيح.
انظر الأغاني 23/ 524، والخصائص 2/ 377، والخزانة 2/ 152.
اللسان (عرض) وفيه: «جنّ ذبابه».
(5) البيت للنابغة الجعدي، انظر شعره/ 92، الاقتضاب/ 291، اللسان مادة (طرب).

(4/141)


سألتني جارتي عن أمّتي ... وإذا ما عيّ ذو اللّبّ سأل
فجعلوا هذه الأشياء في الإدغام بمنزلة شمّوا «1» وعضّوا.
وعبرة هذا أنّ كلّ موضع يلزم ياء يخشى فيه الحركة، جاز الإدغام في اللام من حيي .. فأما قوله جلّ وعز «2»: على أن يحيي الموتى [الأحقاف/ 33]، فلا يجوز فيه الإدغام، لأن حركة النصب غير لازمة، ألا ترى أنها تزول في الرفع، وتذهب في الجزم مع الحرف! وإذا لم تلزم لم يجز «3» الاعتداد بها، كأشياء لم يعتدّ بها لمّا لم تلزم، نحو الواو الثانية في: ووري، ونحو ضمة الرفع، في: غزو، لزوالها في النصب والجرّ، ونحو احتمالهم الضمّة في: هذه فخذ، وإن لم يكن «4» في الكلام ضمّة قبلها كسرة، لما كانت غير لازمة، وهذا النحو كثير.
وقد أجاز ناس الإدغام في لام يعيا، وأنشدوا بيتا فيه «5»:
تمشي بسدّة بيتها فتعي وهذا لا يتجه في القياس، ولم يأت في نثر ولا نظم معروف، وما كان كذلك وجب اطّراحه.
__________
(1) في (م): «سمّوا».
(2) سقطت من (ط): جل وعز.
(3) في (ط): يجب.
(4) في (ط): تكن.
(5) عجز بيت صدره:
فكأنّها بين النساء سبيكة انظر المنصف 2/ 206، المحتسب 2/ 269، اللسان مادة (عيا).
قال في المنصف: بيت شاذ، طعن في قائله، والقياس ينفيه ويسقطه.

(4/142)


وقد كنّا بينّا فساد ذلك في المسائل المصلحة من كتاب أبي إسحاق «1».
فأمّا «2» قول من قال: حيي* فبيّن ولم يدغم؛ قال سيبويه «3»: أخبرنا بهذه اللغة يونس قال: وسمعنا بعض العرب يقول: أحيياء «4» وأحيية، فبيّن. ومما يقوّي البيان فيه أن مثال الماضي قد أجري حركته مجرى حركة المعرب، فلم تلحقه الهاء في الوقف، كما لم يلحق «5» المعربة، فكما أجريت مجرى المعربة في هذا، كذلك تجري مجراها «6» في ترك الإدغام فيها «7»، ومما يقوّي ذلك أن حركة اللام في حيي- فيمن بيّن يزول لاتصالها «8» بالضمير، فصار زوال الحركة عن اللام في هذا البناء بمنزلة زوال حركة النصب عن المعرب لحدوث إعراب آخر فيه، ويقوّي ذلك قولهم: أعيياء، فبيّنوا مع أنّ الحركة غير مفارقة، فإذا لم يدغموا ما لم تفارقه الحركة، فأن لا يدغموا ما
تفارقه الحركة أولى.
ومثل ذلك قولهم: أبيناء [جمع بيّن] «9»، والإخفاء في
__________
(1) هو أبو إسحاق الزجاج شيخ أبي علي، وسمى كتابه هذا «الأغفال» انظر معجم الأدباء 7/ 240.
(2) في (ط): وأما.
(3) الكتاب 2/ 388 باب التضعيف في بنات الياء.
(4) في الكتاب: أعيياء.
(5) في (ط): تلحق.
(6) في (ط): مجراه.
(7) في (ط): فيه.
(8) في (ط): لاتصالها فيه.
(9) سقطت من (م).

(4/143)


هذا النحو في قول من أظهر ولم يدغم [حسن] «1»، وهو بزنة المتحرك.

[الانفال: 35]
كلّهم قرأ «2»: وما كان صلاتهم رفعا «3»، عند البيت إلا مكاء وتصدية نصبا «4» [الأنفال/ 35]، إلا ما حدثني به موسى بن إسحاق الأنصاري. عن هارون بن حاتم عن حسين عن أبي بكر، ورواه أيضا خلّاد عن حسين عن أبي بكر عن عاصم أنّه قرأ: وما كان صلاتهم نصبا، عند البيت إلا مكاء وتصدية رفعا جميعا «5».
حدثنا محمد بن الحسين «6» قال: حدثنا حسين بن الأسود، قال: حدثنا عبيد الله بن موسى قال: حدثنا سفيان الثوري عن الأعمش: أن عاصما قرأ: وما كان صلاتهم نصبا، عند البيت إلا مكاء وتصدية رفعا، قال الأعمش «7»:
وإن لحن عاصم تلحن أنت «8»؟! قال أبو علي: الوجه: الرفع في قوله [جل وعزّ] «9»:
__________
(1) سقطت من (م).
(2) في (م): رووا.
(3) سقطت من (ط).
(4) سقطت من (ط).
(5) سقطت من (م): جميعا.
(6) في (م): محمد بن الحسن.
(7) في السبعة: قال للأعمش.
(8) السبعة ص 305 - 306.
(9) سقطت من (ط).

(4/144)


صلاتهم لأنّه معرفة، والمعرفة أولى بأن يكون المحدّث عنها «1» من النّكرة، لأن النكرة شائعة غير مختصة، فتلتبس، ولا تختص لما فيها من الشّياع، فكرهوا أن يقربوا باب لبس، ويشبه أن يكون القارئ إنّما أخذ به، لمّا رأى الصلاة مؤنّثة «2» في اللفظ، ولم يلحق الفعل علامة للتأنيث «3»، فلمّا لم ير فيه علامة التأنيث «4» أسنده إلى المذكّر «5» الذي هو المكاء ولم يكن ينبغي هذا، لأن الفعل الذي لم تلحقه علامة التأنيث قد أسند إلى المؤنّث كقوله: وأخذ الذين ظلموا الصيحة [هود/ 67]، وقوله: فكان عاقبتهما أنهما في النار [الحشر/ 17] ثم كان عاقبة الذين أساؤوا السوأى [الروم/ 10] فانظر كيف كان عاقبة مكرهم [النمل/ 51]، فانظر كيف كان عاقبة المفسدين [الأعراف/ 103] وليس هذا كقول من قال: أولم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل [الشعراء/ 197]، لأنه قد يجوز أن يكون جعل في يكن* ضمير القصة، فلا يكون آية* مرتفعة بيكن، ولكن بخبر الابتداء، ألا ترى أنه إذا جعل في الجملة اسم المؤنث «6»، جاز أن يؤنّث الضمير الذي يضمر، على شريطة التفسير، وعلى
__________
(1) في (ط): عنه.
(2) في (ط): مؤنثا.
(3) في (ط): علامة التأنيث.
(4) في (ط): تأنيث.
(5) في (م): الذكر.
(6) في (ط): اسم مؤنث.

(4/145)


ذلك جاء قوله [جلّ وعزّ] «1»: فإنها لا تعمى الأبصار [الحج/ 46]، وقوله: فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا [الأنبياء/ 97].
وقال أبو عبيدة وغيره: المكاء: الصفير والتصدية:
التصفيق «2». وقال أبو زيد: مكت است الدابّة، فهي تمكو مكاء، إذا نفخت بالريح، قال: ولا تمكو إلّا است مفتوحة مكشوفة «3».
وقال أبو الحسن: المكاء: الصفير، والتصدية: التصفيق، ولم أسمع فيه بفعل.
قال أبو علي: قوله [جل وعزّ] «4»: إلا مكاء وتصدية الهمزة في المكاء منقلبة عن الواو، بدلالة ما حكاه أبو زيد من قوله «5»: تمكو، وكذلك ما جاء من قوله «6»:
تمكو فريصته ..
__________
(1) سقطت من (ط).
(2) معاني القرآن 1/ 246.
(3) انظر اللسان مادة/ مكا/.
(4) سقطت من (ط).
(5) في (ط): قولهم.
(6) جزء من بيت من معلقة عنترة وهو بتمامه:
وحليل غانية تركت مجدّلا ... تمكو فريصته كشدق الأعلم
والفريصة: المضغة التي في مرجع الكتف، والأعلم: الجمل. انظر شرح المعلقات السبع لابن الأنباري 340.

(4/146)


والمكاء: مصدر على فعال، وجاء على فعال، لأن الأصوات تجيء عليه كثيرا، كقولهم: النّباح والصّراخ، والعواء والدّعاء، وأما «1» المكّاء: المغرّد في الروض «2»، فهو من هذا الباب أيضا، ولكنّه كالخطّاف، وليس كالحسّان والكرّام، كما أنّ الجاهل والباقر ليس كالضّارب والشّاتم.
فأما التصدية: فمن أحد شيئين: قالوا «3»: صدّ زيد عن الشيء وصددته عنه قال «4»:
صدّت خليدة عنا ما تكلّمنا وقال «5»:
صددت «6» الكأس عنّا أمّ عمرو
__________
(1) في (ط): فأما.
(2) في (ط): الرياض.
(3) في (ط): يقال.
(4) صدر بيت لأعشى ميمون وهو من قصيدته المشهورة التي مطلعها: ودع هريرة ... وروايته في الديوان ص 55 «هريرة» بدل «خليدة» وعجزه:
جهلا بأمّ خليد حبل من تصل
(5) صدر بيت لعمرو بن كلثوم وعجزه:
وكان الكأس مجراها اليمينا وقد أورده الزوزني في معلقته، وأسقطه ابن الأنباري منها. وقال الأعلم في حاشية الكتاب 1/ 113: ويروى هذا البيت لعمرو بن عدي ابن رقاش أخت جذيمة الأبرش. وقد أورد ابن رشيق في العمدة 2/ 283 هذا البيت مع آخر منسوبين لعمرو هذا وجعلهما شاهدا على الاستلحاق، وقال: استلحقهما عمرو بن كلثوم فهما في قصيدته، وكان عمرو بن العلاء وغيره لا يرون ذلك عيبا.
(6) في (م): صدتّ.

(4/147)


فيمكن أن تكون التّصدية مصدرا من صدّ، بني الفعل منه على فعّل للتكثير، على حدّ غلقت الأبواب ليس على حدّ غرّمته، وفرّحته، لأنّ الفعل الذي هو على فعل متعدّ، فإنّما يكون [على] «1» فعّل على حدّ غلّق للتكثير، فبناء «2» الفعل على فعّل، والمصدر من فعّل على تفعيل وتفعلة، إلّا أن تفعلة في هذا كالمرفوض من مصدر التضعيف، كأنّهم
عدلوا عنه إلى التفعيل، نحو: التحقيق، والتشديد، والتخفيف، لما يكون فيه من الفصل بين المثلين بالحرف الذي بينهما. كما لم يجعلوا شديدة في النسب كحنيفة وفريضة، وكما لم يجعلوا شديدا، وشحيحا، كفقيه وعليم، لما كان يلتقي في التضعيف، فعدلوا عنه إلى أفعلاء وأفعلة نحو: أشدّاء «3» وأشحّة لمّا لم يظهر المثلان في ذلك، فلمّا خرج المصدر على ما هو مرفوض في هذا النحو، أبدل من المثل الثاني الياء، وكأنّ «4» التصفيق منع من المصفّق للمصفّق به، وزجر له.
وفي الحديث «التسبيح للرجال، والتصفيق للنساء» «5».
__________
(1) سقطت من ط.
(2) في (ط): فبني.
(3) في (ط): أشحاء.
(4) في (م): وكان.
(5) رواه البخاري في كتاب العمل في الصلاة باب التصفيق للنساء رقم 1203 و 1204 ومسلم في الصلاة 1/ 318 وأبو داود 1/ 578 والترمذي في المواقيت رقم 369 والنسائي في السهو 3/ 11 وابن ماجة في الإقامة رقم 1034 والدارمي في الصلاة 1/ 317 ومالك في الموطأ رقم 61 وأحمد في مسنده 2/ 261 وغيرها.

(4/148)


وقوله [جل وعزّ] «1»: رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا [النساء/ 61]، يحتمل أنهم يمتنعون في أنفسهم عن اتباعك ونصرتك كما وصفوا بذلك في قوله: وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رؤوسهم ورأيتهم يصدون وهم مستكبرون [المنافقون/ 5]. ويجوز أن يكون المعنى على أنهم يمنعون غيرهم ويثبّطونهم عنكم «2»، كما قال [جل وعز] «3»:
وإن منكم لمن ليبطئن [النساء/ 72]. ويجوز أن يكون التقدير «4» في قوله تعالى «5»: صاد والقرآن [ص/ 1] أي:
صاد بالقرآن عملك وأمرك. «6» ومن ذلك الصدى، وهو انعكاس الصوت إذا فعل في موضع صقيل كثيف، وكأنّهم جعلوا ذلك معارضة للصوت لما كان يتبعه، كما أن المصفّق بمعارضته «7» المصفّق به «8» يمنعه مما يأخذ فيه، والفاعل «9» على هذا من نفس الكلمة.
__________
(1) سقطت من (ط).
(2) في (ط): عنك.
(3) سقطت من (ط).
(4) في (ط): التصدية. وفي أصل (م) جاءت كذلك لكن الناسخ شطبها وأثبت على الحاشية كلمة التقدير.
(5) سقطت من (ط) والعبارة فيها: من قوله.
(6) قال ابن جني في الخصائص 2/ 130: ومنه قراءة الحسن رضي الله عنه (صاد والقرآن) وكان يفسره: عارض القرآن بعملك، أي: قابل كلّ واحد منهما بصاحبه.
(7) في (م) بمعارضة.
(8) في (ط): له.
(9) في (ط): والياء.

(4/149)


ومن ذلك قولهم: فلان صدا مال، إذا كان حسن القيام به والتعاهد له، فكأنّ المراد به: أنه يقابل بإصلاحه ما رأى فيه من فساد، وكذلك قولهم: هو إزاء مال، معناه: أنه يمنع من أن يشيع فيه الفساد لحسن قيامه وتعهّده.
قال «1»: حدثنا علي بن سليمان [قال: يقال] «2»: فلان صدا مال، وإزاء مال، وخال مال [وخايل مال] «3».
وسوبان «4» مال.
وقال «5»:
هذا الزمان مولّ خيره آزي أي: ممتنع ليس بمتّصل «6»، ومن ذلك قول الشاعر «7»:
__________
(1) سقطت من (م).
(2) سقطت من (ط).
(3) سقطت من (ط).
(4) قال ابن جني: هو فعلان من السّأب، وهو الزق للشراب. والتقاؤهما أن الزقّ إنما وضع لحفظ ما فيه، فكذلك هذا الراعي يحفظ المال ويحتاط له احتياط الزقّ على ما فيه. (الخصائص 2/ 131) وعنه في
اللسان (سأب).
(5) صدر بيت لعمارة، عجزه:
صارت رءوس به أذناب أعجاز ذكره ابن جني في الخصائص 2/ 131، عن أبي علي. وانظر اللسان (أزا).
(6) في (ط): بمتسع.
(7) رجز نسبه في اللسان. (أزا) للباهلي. وأورد ما ذكره الفارسي، وقال: أي ضيق قليل الخير. وزرانيق الركي: أبنية تبنى على جوانب الآبار، وعلى

(4/150)


ظلّ من الشعرى لنا «1» يوم أزي* يعوذ «2» منه بزرانيق الرّكيّ فأز وآز، كأسن وآسن، وهذا في المعنى كقوله «3»:
ويوم من الشّعرى تظلّ ظباؤه ... بسوق العضاه عوّذا ما تبرّح
وتقدير بسوق، أي: بظلال سوقه، كما أن قوله:
بزرانيق «4» الركي، أي: بظلالها من حرّه، وكذلك العوذ «5» منه، أي من حرّه. ومثله «6»:
وقدت لها الشّعرى فآ ... لفت الخدور بها الجآذر
__________
البئر زرنوقان يعلّق عليهما البكرة. والركي: جمع ركية: البئر.
وجاء في الخصائص 2/ 131 برواية:
ظل لها يوم من الشّعرى أزي وكذا في اللسان (أزا). وانظر مجالس ثعلب 546.
(1) في (م): لها.
(2) في (ط): تعوذ. وفي اللسان: (نعوذ).
(3) البيت لذي الرّمة. وهو في ملحقات ديوانه 3/ 1857 نقلا عن المعاني الكبير 2/ 790 وشرحه فيه: لواجئ في الكنس تحت سوق العضاه، وهو شجر.
(4) سقطت من (م).
(5) في (ط) تعوذ.
(6) البيت للحطيئة، وهو في الديوان ص 165 برواية «فآلفت الخدود بها الهواجر». يريد: الحر الذي كان بالشعرى، فجعلت الخدود مؤتلفة في الكنس من شدة الحر. وانظر المعاني الكبير 2/ 790.

(4/151)


فوصف اليوم بأن يكون ذلك فيه، كقولهم: ليل نائم، ويجوز في قياس قول سيبويه: أن يكون الهمزة في إزاء من نفس الكلمة غير منقلبة عن شيء، ولو كان على ثلاثة أحرف، لم يكن من نفس الكلمة، ألا ترى أنّ نحو: أجاء، قليل!

[الانفال: 37]
اختلفوا في فتح الياء وضمّها من قوله [جل وعزّ] «1»:
ليميز الله [الأنفال/ 37] بفتح الياء خفيفة.
وقرأ حمزة والكسائي ليميز الله بضم الياء والتشديد «2».
فقرأ ابن كثير ونافع، وأبو عمرو، وعاصم، وابن عامر:
ليميز الله بضم الياء والتشديد «2».
قال أبو علي: حجّة من قال «4»: ليميز أنهم قد قالوا:
مزته فلم ينمز، حكاه يعقوب، ومما يثبت ذلك ما أنشده أبو زيد «5»:
لما ثنى الله عنّي شرّ عدوته ... وانمزت لا مسئيا ذعرا ولا وجلا
__________
(1) سقطت من (ط).
(2) السبعة 306 وكان من حق هذا الحرف التقديم على ما قبله في الكلام، إلا أنه كذا ورد في الأصول متأخرا عن الآية 42 من الأنفال التي تقدم الكلام عليها.
(4) في (ط): قرأ.
(5) في النوادر ص 285 وقائل البيت: مالك بن الريب، وهو من قصيدة أوردها صاحب الأغاني (23/ 312. ثقافة) مع اختلاف في رواية العجز.
وأورد بعضها أبو زيد. وقال: ومسئيا: أراد مسيئا، فقدم الهمزة، وهي لغة، يقال: رآني وراءني. انظر اللسان مادة/ سأي/.

(4/152)


وقال «1» أبو الحسن: خفّفها بعضهم، فجعلها من ماز يميز، قال «2»: وبها نقرأ «3». وحجة من قال «4»: ليميز الله أنه قد جاء في التنزيل: تميز، وتميّز: مطاوع ميّزته تقول: ميّزته فتميّز، كما تقول: قطّعته فتقطّع وذلك [قوله جل وعز] «5»:
وهي تفور. تكاد تميز من الغيظ. [الملك/ 7 و 8]، وقوله «6»:
تكاد تميز دليل على شدة التفوّر، ولأن «7» التميّز انفصال بعض الأشياء من بعض، وذلك إنّما يكون بكثرة التقلّب والتزعزع، ودلّ «8» قوله [جل وعز] «9»: من الغيظ على شدّة الفوران والتقلّب، لأنّ المغتاظ قد يكون منه التزعزع. وقد قال قوم في الغيظ والغضب «10»: إنه غليان دم القلب لإرادة الانتقام.
وقد يراد التشبيه فتحذف حروفه كقوله «11»:
حلبانة ركبانة صفوف ... تخلط بين وبر وصوف
__________
(1) في (ط): قال بسقوط الواو.
(2) سقطت من (ط).
(3) معاني القرآن 2/ 322.
(4) في (ط): قرأ.
(5) في (ط): في قوله.
(6) في (ط): فقوله.
(7) في (ط): لأن، بسقوط الواو.
(8) في (م): وذلك.
(9) سقطت من (ط).
(10) عبارة (م): وقد قال قوم من الغيظ أو الغضب أنه.
(11) سبق في 1/ 293 وقد جاء ضبطه هنا بالضم في حلبانة وركبانة.

(4/153)


وقال في صفة غليان القدر «1»:
لهنّ نشيج بالنّشيل كأنّها «2» * ضرائر حرميّ تفاحش غارها وقد تقدم القول في هذا الحرف في سورة آل عمران.

[الانفال: 59]
اختلفوا في الياء والتاء من قوله [جلّ وعزّ] «3»: ولا تحسبن الذين كفروا سبقوا [الأنفال/ 59].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم، في رواية أبي بكر، والكسائيّ، ولا تحسبن الذين كفروا بالتاء وكسر السين، غير عاصم فإنّه فتح السين، وفي النور أيضا [57] بالتاء.
وروى حفص عن عاصم، وابن عامر وحمزة: ولا يحسبن بالياء وفتح السين.
وقرأ [عاصم] «4» في رواية حفص بالياء هنا «5»، وفي
__________
(1) البيت لأبي ذؤيب الهذلي. وقوله لهن: يعود على القدر والنشيج:
الشهيق. وأصل النشيل: ما طبخ ثم أخذ من القدر ولم يجعل في إناء، ولكنه انتشل. فشبّه صوت غليانها بأصوات الضرائر. وحرمي من أهل الحرم أو قريش. وأهل الحرم أول من اتخذ الضرائر. تفاحش غارها:
غارت غيرة فاحشة. انظر شرح أشعار الهذليين 1/ 79. واللسان مادة (نشج).
(2) في (ط): كأنه.
(3) سقطت من (ط).
(4) سقطت من (ط).
(5) في (ط): هاهنا.

(4/154)


النور بالتاء. والباقون غير حمزة وابن عامر في السورتين بالتاء، وقرأهما حمزة بالياء «1».
قال أبو علي: من قرأ: ولا تحسبن الذين كفروا سبقوا.
بالتاء، ف الذين كفروا: المفعول الأول، وسبقوا المفعول الثاني، وموضعه نصب، ووجهه بيّن.
ومن قرأ: يحسبن الذين كفروا* بالياء، فلا يخلو القول فيه من أن يكون أسند يحسبن* إلى الذين كفروا، فجعل الذين كفروا الفاعل، فإن جعل الذين كفروا رفعا لإسناد الفعل إليهم، لم يحسن، لأنه لم يعمل يحسبن* في المفعولين، فلا يحمله على هذا، ولكن يحمله على أحد ثلاثة أشياء «2»:
إما أن تجعل فاعله النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم «3»، كأنه: ولا يحسبنّ النبي الذين كفروا، وهو قول أبي الحسن.
ويجوز أن يكون أضمر المفعول الأول، التقدير: ولا يحسبنّ الذين كفروا نفسهم سبقوا، أو إيّاهم سبقوا.
ويجوز أيضا أن تقدره على حذف «أن» كأنه: ولا يحسبنّ الذين كفروا أن سبقوا؛ فحذفت أن كما حذفتها في تأويل سيبويه، في قوله: أفغير الله تأمروني أعبد [الزمر/ 64]،
__________
(1) السبعة: 307.
(2) في (ط): أوجه.
(3) سقطت من (ط).

(4/155)


كأنّه: أفغير عبادة الله تأمرونّي، وحذف أن قد جاء في شيء من كلامهم. قال «1»:
وإنّ لكيزا لم تكن ربّ علّة «2» * لدن صرّحت حجّاجهم فتفرقوا فحذف أن، والتقدير: لدن أن صرّحت، وأثبته «3» الأعشى في قوله «4»:
أراني لدن أن غاب رهطي كأنّما ... يرى بي فيكم طالب الضّيم أرنبا
وقد حذفت من الفعل وهي «5» مع صلتها في موضع الفاعل، أنشد أحمد بن يحيى «6»:
__________
(1) هذا البيت لم نعثر على قائله. ولكيز: ابن أفصى بن عبد القيس بن أفصى ابن دعمي بن جديلة (التاج لكز).
(2) في (ط): عكة.
(3) في (م): أثبت.
(4) الديوان/ 115 وروايته فيه:
أراني لدن أن غاب قومي كأنما ... يراني فيهم طالب الحقّ أرنبا
وهو من قصيدة قالها يهجو عمرو بن المنذر بن عبدان ويعاتب بني سعد بن قيس.
(5) سقطت من (م).
(6) البيت لمعاوية الأسدي يهجو إبراهيم بن حوران. والقين: الحداد.
والكير: الزق الذي ينفخ فيه الحداد.
انظر الخصائص 2/ 434، وشرح المفصل 4/ 27 وشرح شواهد المغني 2/ 691.

(4/156)


وما راعنا إلا يسير بشرطة ... وعهدي به قينا يفشّ بكير
فإذا وجّهته على هذا، سدّ: أن سبقوا، مسدّ المفعولين، كما أن قوله [جلّ وعزّ] «1»: أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا [العنكبوت/ 2] كذلك.

[الانفال: 59]
قال: وكلهم قرأ: إنهم لا يعجزون [الأنفال/ 59] بكسر الألف، إلا ابن عامر فإنه قرأ «2»: أنهم لا يعجزون بفتح الألف «3».
قال أبو عبيدة: سبقوا «4» معناها: فاتوا، وإنهم «5» لا يعجزون لا يفوتون «6». ومثل ما فسّره أبو عبيدة بفاتوا قوله:
أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا [العنكبوت/ 4]، وكما «7» أن ما بعد هذه الآية من قوله: ساء ما يحكمون منقطعة من الجملة التي قبلها، كذلك يكون ما بعد هذه، فتكون إن مكسورة على أنها استئناف كلام، كما كان: ساء ما يحكمون كذلك.
__________
(1) سقطت من (ط).
(2) في (ط): قرأها.
(3) السبعة: 308.
(4) في (ط): مسفوكا. وهي خطأ ناسخ.
(5) في (م): فإنهم.
(6) مجاز القرآن 1/ 249.
(7) في (ط): فكما.

(4/157)


ووجه قول ابن عامر أنه جعله «1» متعلقا بالجملة الأولى، فيكون التقدير: لا تحسبنّهم سبقوا، لأنهم لا يفوتون، فهم يجزون على كفرهم.

[الانفال: 61]
قرأ عاصم وحده في رواية أبي بكر: وإن جنحوا للسلم [الأنفال/ 61] بكسر السين.
وقرأ الباقون للسلم بفتح السين. وروى حفص عن عاصم للسلم أيضا بالفتح «2».
قال أبو زيد: فيما روى عنه الأثرم: جنح الرجل يجنح «3» جنوحا: إذا أعطى بيده، أو عدل إلى ما يحبّ القوم، وجنح الليل يجنح جنوحا: إذا أقبل، وجنحت الإبل تجنح جنوحا «4»:
إذا خفضت سوالفها في السير.
وقال أبو عبيدة: وإن جنحوا للسلم أي: رجعوا وطلبوا المسالمة «5»، قال: والسّلم والسّلم والسّلم واحد، قال رجل جاهلي «6»:
__________
(1) في (ط): يجعله.
(2) السبعة: 308.
(3) وبابه خضع ودخل (مختار الصحاح).
(4) زيادة من (ط).
(5) عبارة أبي عبيدة في مجاز القرآن: أي: رجعوا إلى المسالمة، وطلبوا الصلح.
(6) في مجاز القرآن (1/ 250): رجل من أهل اليمن جاهلي. أقول: والبيت في الأغاني 13/ 271 منسوب لمسعدة بن البختري، يقوله في نائلة بنت عمر بن يزيد الأسيدي وكان يهواها. وانظر تفسير أسماء الله الحسنى للزجاج 43 بتحقيق أحمد الدقاق، واللسان (سلم).

(4/158)


أنائل إنني سلم ... لأهلك فاقبلي سلمي
أنشده [أبو زيد] «1» بالفتح فيما رواه التوّزي عنه، وقال أبو الحسن: الصّلح «2»: فيه «3» الكسر والفتح لغتان، يعني: السّلم والسّلم، وقد تقدم القول في ذلك في سورة البقرة «4».
قال: كلهم قرأ: إذ يتوفى الذين كفروا [الأنفال/ 50] بالياء غير ابن عامر، فإنه قرأ: إذ تتوفى بتاءين «5».
قال أبو علي: قول ابن عامر: إذ تتوفى مثل قوله: إذ قالت الملائكة، ومثل قوله: توفته رسلنا [الأنعام/ 61] [آل عمران/ 45]، ونحو ذلك من الفعل المسند إلى المؤنث، ألحقت به علامة التأنيث.
وإذ يتوفى مثل قوله: قد جاءكم بصائر من ربكم [الأنعام/ 104]، وقال نسوة في المدينة [يوسف/ 30] ونحو ذلك.

[الانفال: 66، 65]
اختلفوا في الياء والتاء من قوله [جلّ وعزّ] «6»: وإن يكن منكم مائة يغلبوا ... فإن تكن منكم مائة صابرة [الأنفال/ 65 - 66].
فقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر: إن يكن منكم مائة
__________
(1) سقطت من (ط).
(2) انظر معاني القرآن 2/ 325.
(3) في (ط): فيها.
(4) انظر 2/ 292.
(5) السبعة: 307.
(6) سقطت من (ط).

(4/159)


يغلبوا وفإن يكن «1» منكم مائة صابرة بالياء فيهما «2».
وقرأ أبو عمرو: وإن تكن منكم بالتاء والأخرى بالياء.
وقرأ عاصم وحمزة والكسائي الحرفين جميعا بالياء.
وليس عن نافع خلاف أنهما بالتاء، إلا ما رواه خارجة عن نافع أنهما بالياء «3».
قال أبو علي: قراءة ابن كثير ونافع وابن عامر بالياء إن يكن «4»، لأنه يراد به المذكر ويدل «5» على ذلك قوله: يغلبوا وكذلك ما وصف فيه المائة بقوله: صابرة لأنهم رجال في المعنى، فحملوا الكلام على أنهم مذكّرون في المعنى كما جاء: فله عشر أمثالها [الأنعام/ 160]. فأنّث الأمثال على المعنى لما كانت حسنات.
وقراءة أبي «6» عمرو: فإن تكن منكم مائة صابرة لأنّه كما أنّث «7» صفة المائة، وهي قوله: صابرة، كذلك أنّث الفعل، وكأنّ التأنيث في قوله سبحانه «8»: إن تكن منكم مائة
__________
(1) في (ط) والسبعة: (تكن) بالتاء في الموضعين وهو خلاف ما سيذكره أبو علي في الكلام عن هذه القراءة.
(2) في (ط): بالتاء جميعا.
(3) السبعة: 308.
(4) في (ط): تكن. وهو تصحيف. وقد جاء على الهامش ما نصه: كذا في الأصل وهذا التفسير الذي فسره لمن قرأ بالياء.
(5) في (ط): يدلك.
(6) في (ط): وقرأ أبو.
(7) ضبطت في (ط): «أنّث» بالبناء للمعلوم في الموضعين.
(8) سقطت من (ط).

(4/160)


أشدّ مشاكلة لقوله: صابرة من التذكير، وفي الأخرى «1» بالياء لأنه أخبر عنه بقوله: يغلبوا فكان التذكير أشدّ مشاكلة ليغلبوا، كما كان التأنيث في تكن* أشدّ مشاكلة لقوله: صابرة. وقرأ عاصم وحمزة والكسائي الحرفين جميعا بالياء، حملوا ذلك على «2» المعنى، لأنهم في الموضعين جميعا رجال، فكان ذلك في الحمل على المعنى في قراءتهم كقوله: فله عشر أمثالها [الأنعام/ 160].
وقرأ «3» نافع جميعا بالتاء، فحمله على اللفظ، واللفظ مؤنّث، ورواه «4» خارجة بالياء، وذلك للحمل على المعنى دون اللفظ، وكلّ ذلك حسن.

[الانفال: 66]
اختلفوا في ضمّ الضّاد وفتحها من قوله [جلّ وعزّ] «5»:
وعلم أن فيكم ضعفا [الأنفال/ 66].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر والكسائي:
ضعفا* ومن ضعف [الروم/ 54] كلّ ذلك بضمّ الضاد «6».
وقرأ عاصم وحمزة بفتح الضاد ضعفا في كلّ ذلك، وكذلك في [سورة] «7» الروم.
__________
(1) في (ط): وقرأ الأخرى.
(2) في (ط): حملوا على ذلك على المعنى.
(3) في (ط): وقراءة.
(4) في (ط): ورواية خارجة.
(5) سقطت من (ط).
(6) زاد في السبعة: في كل القرآن.
(7) سقطت من (ط).

(4/161)


وخالف حفص عاصما، فقرأ عن نفسه لا عن عاصم في الروم: من ضعف وضعفا* بالضم جميعا «1».
[قال أبو علي] «2»: قال سيبويه: قالوا: ضعف ضعفا، وهو ضعيف، وقال أيضا: قالوا «3» الفقر، كما قالوا: الضّعف، وقالوا: الفقر، كما قالوا: الضّعف «4»: فعلمنا بذلك أنّ كل واحد من الضّعف والضّعف لغة، كما كان الفقر والفقر كذلك.

[الانفال: 67]
اختلفوا في الياء والتاء من قوله [جلّ وعزّ] «5»: أن يكون له أسرى [الأنفال/ 67]. فقرأ أبو عمرو وحده أن تكون له بالتاء. وقرأ الباقون: يكون بالياء.
قال أبو علي: أنّث أبو عمرو تكون* على لفظ الأسرى، [لأن الأسرى] «6» وإن كان المراد به التذكير والرجال فهو مؤنث اللفظ.
ومن قال: يكون، فلأن الفعل متقدم، والأسرى مذكّرون في المعنى، وقد وقع الفصل بين الفعل والفاعل، وكلّ واحد من ذلك إذا انفرد يذكّر الفعل معه، يقال «7»: جاء
__________
(1) السبعة: 308 - 309.
(2) سقطت من (ط).
(3) في (ط): وقالوا.
(4) انظر الكتاب 2/ 224: باب في الخصال التي تكون في الأشياء.
(5) سقطت من (ط).
(6) سقطت من (م).
(7) في (ط): مثل.

(4/162)


الرجال، وحضر قبيلتك، وحضر القاضي امرأة، فإذا اجتمعت هذه الأشياء كان التذكير أولى.
وقال أبو الحسن: التذكير أحبّ إليّ، لأنّ الأسرى فعل للرجال وليس للنساء، تقول: النساء يفعلن، ولا تقول: الأسرى يفعلن، فتذكير فعلهم أحسن والتأنيث على المجاز.

[الانفال: 70]
[واختلفوا في قوله تعالى: قل لمن في أيديكم من الأسارى [الأنفال/ 70]] «1».
فقرأ «2» أبو عمرو وحده: قل لمن في أيديكم من الأسارى بالألف. وقرأ الباقون: من الأسرى بغير ألف «3».
قال أبو علي: أسرى: أقيس من الأسارى وذلك أن أسير فعيل بمعنى مفعول، وما كان من باب فعيل الذي بمعنى مفعول، لا يجمع بالواو والنون ولا بالألف والتاء، كما أن فعولا «4» كذلك، لكنّه يجمع على فعلى نحو جريح وجرحى، وقتيل، وقتلى، وقال [جلّ وعزّ] «5»: كتب عليكم القصاص في القتلى [البقرة/ 178]، وعقير وعقرى، ولديغ ولدغى، وكثر هذا الجمع في هذا الباب، واستمر حتى
__________
(1) ما بين المعقوفتين سقط من (ط).
(2) في (ط): قال.
(3) السبعة: 309.
(4) في (م): مفعولا.
(5) سقطت من (ط).

(4/163)


شبّه به غيره مما ليس منه، وذلك «1» لموافقته إياه «2» في المعنى، وذلك مثل: مرضى، وموتى، وهلكى، ووج ووجيا «3» فهذا أشبه «4» بفعيل الذي بمعنى مفعول، لمقاربته له في المعنى، وذلك [أن هذا أمر ابتلوا به، وأدخلوا فيه، وأصيبوا به، وهم له كارهون] «5» فصار لذلك في قول الخليل مشبها لفعيل الذي بمعنى «6» مفعول وليس مثله، يدلّ على ذلك أنهم قالوا: هالكون، وهلّاك، فجاءوا به على القياس، ولم يحملوه على المعنى، وكذلك قالوا: دامرون ودمّار «7»، وضامر وضمّر، فلم يجيئوا به على فعلى، وإنما قالوا: أسارى على التشبيه بكسالى، قال سيبويه: قالوا: أسارى شبّهوه بكسالى، وقالوا:
كسلى فشبّهوه بأسرى «8».
وأسارى في جمع أسير، ليس على بابه، وما عليه قياسه، كما أن أسراء، وقتلاء في جمع أسير، ليس على بابه، وإنّما شبّه بظرفاء حيث كان على وزنه، فأسارى في جمع أسير على
__________
(1) في (م): ولكنه.
(2) سقطت من (ط).
(3) الوجى: أن يشتكي البعير باطن خفه والفرس باطن الحافر. وانظر سيبويه 2/ 214.
(4) في (ط): شبّه.
(5) عبارة (ط): «أن هذه أمورا ابتلوا بها، وأدخلوا فيها، وأصيبوا بها وهم لها كارهون». وهذا نص كلام الخليل. أورده مع ما بعده سيبويه.
(6) في (ط): في معنى.
(7) رجل دامر: هالك لا خير فيه (اللسان دمر).
(8) الكتاب 2/ 213.

(4/164)


التشبيه بغير بابه، وبابه أسرى، فكما شبّه أسير بكسلان، فقالوا: أسارى كما قالوا: كسالى، كذلك شبّه كسلان بأسير.
وقالوا في جمعه: كسلى، كما قالوا: أسرى. فعلى هذا يوجّه قول من قال: أسارى. فأمّا أسرى فهو على الباب المستمر الكثير.
وقال أبو الحسن: الأسرى ما لم يكن موثقا، والأسارى:
الموثقون، قال: والعرب لا تعرف ذلك، كلاهما عندهم سواء.

[الانفال: 72]
اختلفوا في فتح الواو وكسرها من قوله جلّ وعزّ: من ولايتهم [الأنفال/ 72].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع وعاصم وابن عامر: من ولايتهم والولاية [الكهف/ 44] بفتح الواو فيهما.
وقرأ حمزة: ولايتهم والولاية بالكسر فيهما.
وقرأ الكسائي: من ولايتهم بفتح الواو، والولاية بكسر الواو «1».
قال أبو عبيدة: من ولايتهم: مصدر المولى، يقال:
مولى بيّن الولاية إذا فتحت، فإذا كسرت فهو من وليت الشيء «2».
وقال أبو الحسن: ما لكم من ولايتهم من شيء، وهذا
__________
(1) السبعة: 309. وجاء في (م) زيادة: «وقرأ الباقون بالفتح».
(2) مجاز القرآن 1/ 251 مع اختلاف في العبارة.

(4/165)


من الولاية فهو مفتوح، وأما في السلطان، فالولاية بالكسر «1»، وكسر الواو في الأخرى لغة «2».
قال: وقرأ الأعمش: ما لكم من ولايتهم من شيء مكسورة «3».
قال أبو علي: الولاية هنا من الدين، فالفتح أجود. قال أبو الحسن: وهي قراءة الناس، إلّا أن الأعمش كسر الواو وهي لغة، وليست بذاك.
وحكى محمد بن يزيد عن الأصمعي: أن الأعمش لحن في كسره لذلك، وليس قوله هذا بشيء، لأنه إذا كانت لغة فيما حكاه أبو الحسن فليس بلحن.
__________
(1) في (ط): مكسورة الواو.
(2) معاني القرآن 2/ 325 مع اختلاف في العبارة يسير.
(3) في (ط): مكسور.

(4/166)