الحجة للقراء السبعة [بسم الله:
ذكر اختلافهم في] «1» سورة التوبة
[التوبة: 12]
اختلفوا في الهمزتين، وإسقاط إحداهما من قوله [جلّ وعزّ] «2»:
أئمة [التوبة/ 12].
فقرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو: أيمة* بهمز الألف، وبعدها
ياء ساكنة، على أنّ نافعا يختلف «3» عنه في ذلك، فروى
المسيّبي، وأبو بكر بن أبي أويس: آيمة ممدودة الهمزة، وياء
بعدها كالساكنة، وقال أحمد بن صالح عن أبي بكر بن أبي أويس:
أحفظ عن نافع: أئمة بهمزتين. وقال أبو عمارة عن يعقوب بن جعفر
وإسحاق المسيّبي «4» عن أهل المدينة: أيمة* همزوا الألف بفتحة
شبه الاستفهام، أخبرني بذلك إسماعيل بن أحمد عن أبي عمر
الدّوري، عن أبي عمارة عن يعقوب.
وقال القاضي إسماعيل، عن قالون بهمزة واحدة.
__________
(1) ما بين المعقوفتين سقط من (ط).
(2) في (ط): تعالى.
(3) في (ط): مختلف.
(4) في (م): إسحاق والمسيبي.
(4/167)
وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: أئمة
بهمزتين «1».
قال أبو علي: المثلان إذا اجتمعا «2» في كلمة، ولم يكن الثاني
منهما للإلحاق، ولم يكن على فعل نحو: طلل وشرر؛ فحركة الأوّل
منهما مرفوضة غير مستعملة، إلّا فيما لا اعتداد به من حرف شاذّ
نحو: ألبب، ولححت عينه. وما يجيء في الشعر من نحو ذلك، فهو من
الأصول المرفوضة التي لا تستعمل في حال «3» السّعة والاختيار.
وإذا كان كذلك، فالحركة المقدّرة في أول المثلين من مودّ لم
تخرج إلى اللفظ في هذا البناء، وإذا لم تخرج إليه كان ساكنا،
وإذا سكن كانت الواو في مودّ في تقدير الحركة من غير أن تنقل
إليه، كما أن الحركة في زوج وزوجة وعود وعودة كذلك. وإذا كانت
الحركة في حكم الثبات في الواو، لم «4» يكن سبيل إلى قلبها،
كما لم يكن لها إلى ذلك سبيل في زوجة، ولواذ، وعوض وحول «5»،
ونحو ذلك، ولو كان الأمر فيه على غير هذا المسلك، لكان ميدّ
لأنّ الحركة لو كانت مقدرة على العين لنقلتها إلى الياء، وقد
قلبتها الكسرة، ومثل «6» هذا قولهم: إوزّ، ألا ترى أنه
__________
(1) السبعة: 312.
(2) في (ط): اجتمعتا.
(3) في (ط): أحوال.
(4) في (م): ولم.
(5) في (ط): وجوار.
(6) في (ط): وأصل.
(4/168)
افعل، فصحّحوا الواو، ولم تقلبها الكسرة
كما قلبت نحو:
ميزان، أنشد أبو عثمان «1»:
كأنّ خزّا تحته وقزّا* أو فرشا محشوّة إوزّا وقال آخر «2»:
يلقى «3» الإوزّون في أكناف دارتها وأما «4» قولهم: أيمة*، فهو
في الأصل أفعلة، وواحدها إمام، فإذا جمعته على أفعلة ففيه
همزة، هي فاء الفعل، وتزيد عليها همزة أفعلة الزائدة، فتجتمع
همزتان، واجتماع الهمزتين في كلمة لا يستعمل تحقيقهما، ولا «5»
تخلو الهمزة التي هي فاء الفعل «6» في أيمة* من أن تكون الحركة
نقلت إليها بعد أن كانت ساكنة، أو وقعت في أول حالها متحركة من
غير تقدير سكون فيها، ونقل الحركة إليها بعد، فلو ثبتت ساكنة،
ونقلت إليها الحركة بعد لوجب أن تبدل ألفا كما أبدلت في آنية،
__________
(1) من رجز ذكره في مجالس العلماء ص 243 والسمط 216 والمخصص 8/
166. واللسان (وزز). وقوله: إوزا، أي: ريش إوز.
(2) صدر بيت ذكره ابن يعيش في شرح المفصل 5/ 5 واللسان في
مادة/ وزز/ برواية: تلقى الإوزين، ولم ينسبه وعجزه:
فوضى وبين يديها التبن منثور وفي (ط): وقال الآخر. وإوزون: جمع
إوزة.
(3) في (ط): تلقى.
(4) في (ط): فإما.
(5) في (ط): فلا.
(6) زيادة من (ط).
(4/169)
وآزرة، ونحو ذلك، ولو أبدلت ألفا لجاز وقوع
المدغم بعدها، ولم يحتج مع وقوع المدغم بعدها إلى القلب فيها،
فلما لم تقلب ألفا ووقعت متحرّكة، ولم تحركها على أن الفتحة في
الهمزة، صادفت الهمزة التي هي فاء «1» متحركة بالكسر، ولو
صادفتها ساكنة لقلبتها «2» ألفا، فالحركة في أيمة* كالحركة في
مودّ، ودلّ على هذا قولهم «3»: إوزّ فلمّا لم تنقل الحركة إلى
الفاء من العين، صارت الفاء كأنّها لم تزل مكسورة، فانقلبت «4»
ياء، لأنّ الهمزتين لمّا لم تجتمعا في كلمة واحدة لزم الثانية
منهما البدل.
وإذا لزم الثانية البدل كان بمنزلة ما لم يزل حرف لين، يدلّك
على ذلك قولهم: أوادم، ونحو ذلك: جاء، في قول عامة النحويّين.
وعلى هذا قاس النحويون، فقالوا: لو بنيت من جاء مثل: فعلل،
لقلت: جيئا، وقد علمت أن الحركات تنزّل منزلة الحروف، فكما
تعتلّ بعض الحروف لمجاورة بعضها للتقريب نحو: حتى يصدر الرعاء
[القصص/ 23] اعتلّت الصاد لمجاورة الدال، ونحو: اصطبر اعتلّت
التاء لمجاورة المطبق، كذلك انقلبت الهمزة من أيمة* ياء
لمجاورة الكسرة التي بعدها، كما انقلبت ياء لمجاورة «5» الحركة
التي قبلها في
__________
(1) سقطت من (م).
(2) عبارة (ط): ولم تصادفها ساكنة فتقلبها.
(3) في (ط): من قوله قولهم.
(4) في (م): وانقلبت.
(5) في (م): بالمجاورة الحركة.
(4/170)
ذيب. وأيضا فإن الهمزة «1» تشبه الألف
لأنها من مخرجها وتقاربها، لأن كلّ «2» واحدة منهما تنقلب إلى
صاحبتها في نحو: هو يضربها، وحبلأ، في وقف بعضهم، كما قلبت
ألفا في الوقف عند أهل التخفيف في: لم يقرأ، وكما قلبت هي أيضا
إليها في آدم، ورأس، والألف تعتلّ وتغيّر لما قبلها ولما بعدها
في نحو: كتاب وعالم، كذلك قلبت الهمزة للحركة التي قبلها والتي
بعدها في نحو: ذيب وأيمّة.
وكذلك الواو تعلّ للياء التي بعدها في نحو طوي طيّا، وللياء
التي قبلها في مثل «3». ديّار وقيّام ونحوه، ولو كسّرت قولهم
«4»: أيمة* أو حقّرته، كما قلت: أسقية وأساق، لزم أن تقول:
أويمة فتقلبها واوا لتحرّكها أيضا بالفتح «5»، كما قلبتها واوا
في أوادم وآخر وأواخر.
فإن كسّرت قلت: أوامّ، ولا تقول: أييمة، فتقرر الياء في
التحقير على ما كانت عليه في التكبير «6»، لزوال الكسرة
الموجبة لانقلاب الهمزة إلى الياء، كما لا يجوز أن تقرّر الياء
في ميزان ونحوه، إذا كسّرت أو حقّرت لزوال المعنى الموجب للياء
وهو الكسر الذي في الميم، وكذلك الياء المنقلبة عن الهمزة في
أيمة* ولا يجوز تقريرها في التحقير والتكسير، لزوال
__________
(1) في (م): فالهمزة.
(2) في (ط): ولأن كلّ.
(3) في (ط): في نحو.
(4) سقطت من (م).
(5) في (م) لتحركها بالفتحة.
(6) في (م): التكسير.
(4/171)
الكسرة، كما لا يجوز أن تقرّر الياء إذا
خفّفت ذئبا «1» وبئرا في التحقير والتكسير، لزوال الكسرة
الموجبة لقلبها، وكذلك في:
هذا أفعل من هذا من: أممت، تقول: هذا أومّ من هذا «2» لتحركها
بالفتح، وهذا قول أبي الحسن.
وقول أحمد بن موسى: قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو:
أيمة* بهمز الألف وبعدها ياء ساكنة، غير أن نافعا يختلف عنه
إلى آخر الفصل.
فالقول فيه: أن هذه التراجم مضطربة، وفي هذه الكلمة همزتان:
الأولى «3» منهما همزة أفعلة، والثانية: فاء الفعل، فمن لم ير
الجمع بينهما من النحويين، وهو أبو عمرو والخليل وسيبويه
وأصحابهم «4»، قال: أيمة* فأبدل من الهمزة التي هي فاء «5»،
الياء لانكسارها، فلم يجتمع «6» همزتان، ومن لم ير الجمع بين
الهمزتين لم يجعل الثانية بين بين، لأنّها إذا كانت كذلك كانت
في حكم الهمزة، ألا ترى أن العرب قالوا في فاعل من جاء وشاء
وناء «7»، جاء، وشاء وناء؟ فقلبوا الثانية ياء محضة لانكسار ما
قبلها، ولم يخفّفوا، ولو خفّفوها لزم أن
__________
(1) في (م): دينا. وهو تصحيف.
(2) في (ط): ذا.
(3) في (ط): الأول.
(4) وفي (م) وأصحابهما.
(5) في (ط): فاء الفعل.
(6) في (ط): تجتمع.
(7) سقطت من (ط).
(4/172)
تكون بين الياء والهمزة في قول الخليل
وسيبويه، وقول أبي عمرو «1» والعرب فيما ذكر سيبويه، أو تقلب
«2» ياء في قول أبي الحسن؛ فإذا كان كذلك فما ذكره من أن نافعا
وابن كثير وأبا عمرو قرءوا بهمز الألف، وبعدها ياء ساكنة غير
مستقيم، لأن الياء التي بعد ألف أفعلة متحركة بالكسر، فكيف
تكون ساكنة، ولا يجوز أن يكون المراد بقوله: بعدها ياء ساكنة.
أنها همزة بين بين، لأنها لو كانت كذلك كانت في حكم أئمة
المحقّقة، يدلّك على ذلك أنّ أبا عمرو إذا فصل بين الهمزتين
بالألف في نحو «3»:
أأنت أم أمّ سالم جعل الثانية بين بين، فلو لم يكن «4» في حكم
الهمزة في هذه الحال، لم يفصل بينهما بالألف، كما يفصل بينهما
من يفصل، إذا حقّق الهمزتين، وشيء آخر يدلّك «5» على أنّ
المخففة في حكم المتحركة، وهو أنها لو كانت إذا خفّفت
__________
(1) سقطت من (م).
(2) في (م): وتقلب.
(3) جزء من بيت لذي الرمة وتمامه في ديوانه 2/ 768:
فيا ظبية الوعساء بين جلاجل ... وبين النّقا آأنت أم أمّ سالم
والوعساء: رابية من الرمل- وجلاجل: موضع- أي: أأنت أحسن أم أم
سالم؟ وانظر سيبويه 2/ 168. ورسمت «آأنت» في الأصل بثلاث
ألفات:
«أاأنت».
(4) في (ط): تكن.
(5) في (ط): يدل.
(4/173)
ساكنة لم يستقم قوله «1»:
أأن رأت رجلا أعشى إذا خففت «2» الثانية، كما لم يستقم الشعر
إذا أسكن، وكذلك قول الشاعر «3»:
كلّ غرّاء إذا ما برزت لو كان إذا خفف الثانية كانت ساكنة لم
يستقم، كما لم يستقم البيت الآخر.
فإذا لم يخل قوله: بعدها ياء ساكنة، من أن يريد به:
السكون الذي هو خلاف الحركة، أو يعني به: الهمزة التي تجعل بين
بين، أو يعني به: إخفاء الحركة، ولم يجز واحد من الوجهين
الأولين؛ ثبت أنه إخفاء الحركة، والإخفاء تضعيف الصوت بالحركة،
فهو يضارع السكون من جهة الإخفاء، وإن كان المخفيّ «4» في وزن
المتحرك.
وأما ما ذكره من قوله «5» أن نافعا يختلف عنه في ذلك، فروى
المسيّبي وأبو بكر بن أبي أويس: آئمة ممدودة الهمزة مختل، ألا
ترى أنه لا مدّ في هذه الهمزة، كما لا مدّ في همزة أبد، وأجل،
وأمد؟
__________
(1) جزء من بيت للأعشى سبق في 1/ 286.
(2) في (ط): خفف.
(3) سبق في 1/ 286.
(4) في (م): المخفى.
(5) زيادة في (م).
(4/174)
وقوله: وياء بعدها كالساكنة، يحتمل وجهين:
أحدهما:
تخفيف الهمزة، والآخر إخفاء الحركة، وذلك أن الهمزة إذا خففت،
صارت مضارعة للساكن، وإن كانت في الوزن متحركة، ولذلك لم تخفف
مبتدأة، فهذا إن أريد كان صحيحا في العبارة، إلّا أنه يفسد في
هذا الموضع لخروجه «1» عن المذهبين، ألا ترى أن خلافهم فيها
على ضربين، أحدهما:
إبدال الياء من الهمزة الثانية من «2» أئمة، والآخر: تحقيقهما،
وهو «3» قراءة حمزة والكسائي وعاصم وابن عامر، فيفسد لخروجه عن
المذهبين، وإن كان قد يستقيم في اللفظ؛ فإذا لم يجز ذلك لخروجه
عن المذهبين، فينبغي أن يحمل ذلك على إخفاء حركة الياء
المنقلبة عن الهمزة التي هي فاء الفعل.
وما حكاه من قوله: قال أبو عمارة عن يعقوب بن جعفر وإسحاق
المسيبي، عن أهل المدينة: همزوا الألف بفتحة شبه الاستفهام،
فإنه يفهم منه أنهم أثبتوا في أيمة* همزة مفتوحة كفتحة همزة
الاستفهام، ولم يذكر في الذي بعد الهمزة شيئا، وكذلك قال
القاضي إسماعيل عن قالون بهمزة واحدة، فهذا مستقيم لا اختلاف
فيه، إلا أنه لا يفهم من ذلك حكم الثانية.
قال: وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: أئمة بهمزتين،
فالقول فيه أن تحقيق الهمزتين فيها ليس بالوجه، ومما يضعّف
الهمزتين أنه لا نعلم أحدا حكى التحقيق فيهما
__________
(1) في (ط): بخروجه.
(2) في (ط): في.
(3) في (ط): وهي.
(4/175)
في آدم، وآدر، وآخر، ونحو هذا، فكذلك ينبغي
في القياس أن يكون أيمة*. فإن قلت: إن الثانية التي في آدم
ساكنة، والثانية في أئمة متحركة، والمتحرك أقوى من الساكن.
قيل:
المتحرك في هذا ليس بأقوى من الساكن، لأنك قد رأيت الكسرة توجب
فيها الاعتلال والقلب، مع أنها متحركة في:
مئر، وذئب، فلم تكن الحركة لها مانعة من الاعتلال، كما كان
جؤن، وتؤدة كذلك.
وحجتهم في الجمع بين الهمزتين في أإمة أن سيبويه زعم أن ابن
أبي إسحاق كان يحقّق الهمزتين وناس معه.
قال سيبويه: وقد يتكلّم ببعضه العرب، وهو رديء، وقد تقدم القول
في أوائل هذا الكتاب «1».
والدلالة على ضعف اجتماع الهمزتين، ووجهه من القياس، أن يقول:
الهمزة حرف من حروف الحلق، كالعين وغيرها، وقد جمع بينهما في
نحو: لعاعة «2»، وكعّ «3»، وكعّة، والفهّة «4»، وكذلك في غير
هذه الحروف، فكما جاء أن اجتماع العينين كذلك، يجوز اجتماع
الهمزتين.
[التوبة: 12]
اختلفوا في فتح الألف وكسرها من قوله جلّ وعز: إنهم لا أيمان
لهم [التوبة/ 12].
__________
(1) انظر 1/ 284.
(2) اللعاعة: الذي يتكلف الألحان من غير صواب. والمرأة اللعة:
المليحة العفيفة.
(3) الكعّ: الضعيف العاجز. ورجل كع الوجه: رقيقه.
(4) الفهّ: كليل اللسان عييّ عن حاجته والأنثى فهّة.
(4/176)
فقرأ ابن عامر وحده: لا إيمان لهم بكسر
الألف.
وقرأ الباقون: لا أيمان لهم بفتح الألف «1».
قال أبو علي: حجة من قال: لا أيمان لهم، ففتح أن يقول: قد قال:
إلا الذين عاهدتم [التوبة/ 4] والمعاهدة يقع فيها أيمان* فإذا
كان كذلك ففتح الهمزة أشبه بالموضع وأليق وأيضا، فقد قال: ألا
تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم [التوبة/ 13]، ويقوي ذلك أن
المتقدم ذكره، إنما هو أيمان نكثوها. ومما يقوي أيمان* بفتح
الهمزة أن قوله: فقاتلوا أيمة الكفر يعلم منه أنه لا إيمان
لهم؛ فإذا كان كذلك فالفتح في قوله جل وعزّ: لا أيمان لهم
أولى، لأنه لا يكون تكريرا، ولم يقع عليه دلالة من الكلام الذي
تقدمه.
فإن قلت: فكيف قال: إنهم لا أيمان لهم فنفى أيمانهم؟، ثم قال:
ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم [التوبة/ 13] فأوجبها، فإنّما
ذلك لأنّ المعنى لا أيمان لهم يفون بها، ولا أيمان لهم صادقة،
كما أن قوله: وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا [مريم/ 9] معناه:
شيئا مذكورا، ويبيّن ذلك في الأخرى بقوله: لم يكن شيئا مذكورا
[الإنسان/ 1] وقد قالوا:
إنّك ولا شيئا سواء، فلو كان الكلام يراد به النفي، كان محالا،
لأنّ لا شيء لا يساوي شيئا، وإنما جاز لما يراد بهذا الكلام من
النقص المراد بهذا الكلام، فكذلك قوله: لا أيمان لهم على هذا
الحد.
__________
(1) السبعة: 312.
(4/177)
ووجه قول ابن عامر أنّه ذكر أن الكسر قراءة
الحسن، ووجه: لا إيمان لهم أن يجعله مصدرا من آمنته إيمانا،
يريد به خلاف التخويف، ولا يريد به «1» مصدر آمن الذي هو صدّق،
أي: ليس لأئمة الكفر من المشركين إيمان، كما يكون الإيمان الذي
هو مصدر آمنته لذوي الذمّة من أهل الكتاب، لأنّ المشركين لا
يقرّون، ولا يؤمنون إلّا أن يسلموا، فإن لم يسلموا فالسيف، ولا
يؤمنون بتقرير بقبول جزية، كما يقرّ أهل الكتاب، ولا «2» يكون
على هذا الإيمان الذي هو خلاف الكفر، فيكون تكريرا لدلالة ما
تقدم من قوله تعالى: فقاتلوا أيمة الكفر على أن أهل الكفر لا
إيمان لهم، لأن الإيمان على هذا إنما هو مصدر. آمنت المنقول من
أمن الذي هو «3» خلاف خوّفت.
[التوبة: 17]
اختلفوا في الجمع والتّوحيد من قوله [جلّ وعزّ] «4»: أن يعمروا
مسجد الله [التوبة/ 17].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: أن يعمروا مسجد الله على واحد، إنما
يعمر مساجد الله [التوبة/ 18] على الجمع.
أخبرني أبو حمزة الأنسي، قال: حدّثنا حجّاج بن المنهال عن
حمّاد بن سلمة عن ابن كثير أنه قرأ: مسجد الله إنما يعمر مسجد
الله بغير ألف على التوحيد.
__________
(1) سقطت من (م).
(2) في (ط): فلا.
(3) عبارة (ط): من أمن وخلاف خوّفت.
(4) سقطت من (ط).
(4/178)
وقرأ نافع وعاصم وابن عامر، وحمزة،
والكسائيّ على الجمع فيهما «1».
قال أبو علي: حجّة من أفرد فقال: مسجد الله أنه يعني به ما
تأخر من قوله تعالى «2»: وعمارة المسجد الحرام [التوبة/ 19]،
فقال: ما كان للمشركين أن يعمروا مسجد الله واستغنى «3» عن
وصفه بالحرام بما تقدّم من «4» ذكره، ثم قال:
إنما يعمر مساجد الله يعني به: المسجد الحرام وغيره.
ويدل على أنهم ليس لهم عمارته كالمسلمين: قوله في الأخرى: وما
كانوا أولياءه، إن أولياؤه إلا المتقون [الأنفال/ 34].
ووجه من قرأ: أن يعمروا مسجد الله إنما يعمر مسجد الله أنه عنى
بالمسجد الثاني الأول في قوله: أن يعمروا مسجد الله فكرره،
وسائر المساجد حكمه حكم المسجد الحرام، في أنه ينبغي أن يكون
عمّاره أهله الذين هم أولى به.
ومن جمع فقال: مساجد الله بعد قوله: ما كان للمشركين أن يعمروا
مسجد الله. فلأنّ الجمع يشمل المسجد الحرام وغيره.
__________
(1) السبعة: 313.
(2) سقطت من (ط).
(3) في (ط): استغني.
(4) سقطت «من» من (ط).
( .. ) في (ط): يدل.
(4/179)
ووجه قول من جمع في الموضعين: أن المشركين
ليسوا بأولياء لمساجد المسلمين، لا المسجد الحرام ولا غيره،
فإذا لم يكونوا أولياءها لم تكن لهم عمارتها، وإنّما عمارتها
للمسلمين الذين هم أولياؤه، فدخل في ذلك المسجد الحرام وغيره.
[التوبة: 24]
واختلفوا «1» في الجمع والتوحيد من قوله [جلّ وعز] «2»:
وعشيرتكم [التوبة/ 24].
فقرأ عاصم وحده في رواية أبي بكر: وعشيراتكم على الجمع. وقرأ
الباقون: وعشيرتكم واحدة، وقال حفص عن عاصم: واحدة «3».
قال أبو علي: وجه الجمع: أن كل واحد من المخاطبين له عشيرة،
فإذا جمعت «4» قال: عشيراتكم من حيث كان المراد بهم الجمع.
وقول من أفرد: أن العشيرة واقعة على الجمع، فاستغني بذلك فيها
«5» عن جمعها، ويقوّي ترك الجمع بالتاء أن أبا الحسن قال: لا
تكاد العرب تجمع عشيرة عشيرات، إنّما يجمعونها على: عشائر.
__________
(1) في (ط): اختلفوا.
(2) سقطت من (ط).
(3) السبعة: 313.
(4) في (ط): جمع.
(5) زيادة من (ط).
(4/180)
[التوبة: 30]
اختلفوا في التنوين وتركه من قوله جلّ وعزّ: عزير ابن الله
[التوبة/ 30].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وحمزة:
عزير ابن الله بغير تنوين. وروى عبد الوهاب عن أبي عمرو منوّنا
«1»، حدّثني ابن أبي خيثمة قال: حدثني «2» القصبيّ عن عبد
الوارث عن أبي عمرو بذلك.
وقرأ عاصم والكسائي: عزير منوّن «3».
قال أبو علي: من نوّن عزيرا، جعله مبتدأ، وجعل: ابنا خبره،
وإذا كان كذلك فلا بدّ من إثبات التنوين في حال السّعة
والاختيار، لأن عزيرا ونحوه ينصرف؛ عجميّا كان أو عربيّا «4».
فأمّا «5» من حذف التنوين، فإنّ حذفه على وجهين:
أحدهما: أنه جعل الصفة والموصوف بمنزلة اسم واحد، كما جعلهما
كذلك في قولهم «6»: لا رجل ظريف، وحذف التنوين ولم يحرّك «7»
لالتقاء الساكنين، كما يحرّك في:
__________
(1) في (ط): منون.
(2) في (ط): حدثنا.
(3) السبعة: 313.
(4) قال ابن الشجري 1/ 382: والتنوين في عزير للصرف لأنه مصغر
الثلاثي ينصرف، وإن كان عجميا، كما ينصرف مكبره، وينصرف في هذه
العدة وإن كان متحرك الأوسط، كما ينصرف إذا سكن أوسطه.
(5) في (ط): وأما.
(6) في (ط): قوله.
(7) قراءة (ط): وحذف التنوين ولم يحرّك.
(4/181)
زيدن «1» العاقل، لأن الساكنين كأنّهما
التقيا في تضاعيف كلمة واحدة، فحذف الأول منهما، ولم يحرّك
لكثرة الاستعمال، فصار آخر الاسم في اتباعه حركة ما قبله
بمنزلة إتباع الآخر ما قبله فيما حكاه أبو عثمان عن ابن إسحاق
من قولهم: هذا مرء، ورأيت مرءا، ومررت بمرء «2».
فإن قلت: فقد تخالف الحركة الأولى الحركة الآخرة في المرء،
وقولهم: امرؤ، وامرأ، وامرئ في نحو: مررت بعمر بن زيد،
وإبراهيم بن عمرو، فلا تتبع الحركة الأولى الآخرة.
قيل: الفتح في هذا الموضع بمنزلة الكسر وفي حكمه، كما كان في
قولهم: بمسلمات ورأيت مسلمات، كذلك فكما اتفقا في هذا الموضع،
وإن اختلف لفظاهما. كذلك اتفقا في
__________
(1) جاء رسمها في (م): في زيد العاقل.
(2) قال المبرد في المقتضب 2/ 314: «فمن ذهب إلى أن حذف
التنوين لالتقاء الساكنين قال: هذه هند بنت عبد الله، فيمن صرف
هندا، لأنه لم يلتق ساكنان، فكان أبو عمرو بن العلاء يذهب إلى
أن الحذف جائز، لأنهما بمنزلة اسم واحد لالتقاء الساكنين،
ويحتج بما ذكرته لك في النداء من قولهم: يا زيد بن عبد الله،
وقال: هذا هو بمنزلة قولك: هذا امرؤ، ومررت بامرئ، ورأيت امرأ.
تكون الراء تابعة للهمزة، فكذلك آخر الاسم الأول تابع لنون ابن
وهو وابن شيء واحد، تقول: هذا زيد بن عبد الله، ومررت بزيد بن
عبد الله، ورأيت زيد بن عبد الله، فيقول: هذه هند بنت عبد
الله، فيمن صرف هندا».
(4/182)
نحو: عمر بن زيد، وعمرو «1» بن بشر. ولا
يجوز إثبات التنوين في هذا الباب إذا كان صفة، وإن كان الأصل،
لأنهم جعلوه من الأصول المرفوضة، كما أن إظهار الأوّل من
المثلين في نحو: ضننوا، لا يجوز في الكلام، وإن كانا «2»
بمنزلة اسم مفرد، والاسم المفرد لا يكون جملة مستقلة مفيدة في
هذا النحو، فلا بد من إضمار جزء آخر [يقدر انضمامه إليه ليتمّ
جملة] «3»، وتجعل الظاهر إمّا مبتدأ وإما خبر مبتدأ، فيكون
التقدير: صاحبنا، و «4» نسيبنا أو نبيّنا عزير بن الله، إن
قدّرت المضمر المبتدأ، وإن قدّرته بعكس ذلك جاز، فهذا أحد
الوجهين.
والوجه الآخر: أن لا تجعلهما اسما واحدا، ولكن تجعل الأول من
الاسمين المبتدأ والآخر الخبر، فيكون المعنى فيه على هذا
كالمعنى في إثبات التنوين، وتكون القراءتان متّفقين، إلّا أنّك
حذفت التنوين لالتقاء الساكنين، كما تحذف حروف اللين لذلك، ألا
ترى أنه قد جرى مجراها في نحو: لم يك زيد منطلقا، وفي نحو:
صنعانيّ، وبهرانيّ «5»، وقد أدغمت في الواو والياء كما أدغم
«6» كلّ واحد من الواو والياء في الأخرى
__________
(1) في (ط): وعمر.
(2) في (ط): وإذا كان.
(3) عبارة (ط): يكون بانضمامه إليه جملة.
(4) في (ط): أو.
(5) بهراني: منسوب إلى بهراء وهي حي في اليمن.
(6) في (م): كما تدغم.
(4/183)
بعد قلب الحرف إلى ما يدغم فيه، وقد وقعت
زيادة لمعاقبة الألف «1» في: جرنفس، وجرافس «1»، وحذفوها في
عزير كما حذفوا الألف من علبط «3»، وأبدلوا الألف من النون في
نحو: رأيت زيدا، ولنسفعا [العلق/ 15]، فلمّا «4» اجتمعت مع
حروف اللين في هذه المواضع، وشابهتها كذلك يجوز أن تتّفق معها
في الحذف لالتقاء الساكنين، وعلى هذا ما يروى من قراءة بعضهم
«5»: أحد الله، [الإخلاص/ 1 - 2]، فحذف النون لالتقاء الساكنين
وقد جاء ذلك في الشعر كثيرا، قال:
حميد الذي أمج داره ... أخو الخمر ذو الشّيبة الأصلع
«6»
__________
(1) في (ط): معاقبة للألف. والجرافس: من الإبل: الغليظ، ومن
الرجال:
الشديد، والجر نفس كذلك.
(3) رجل علبط وعلابط: ضخم عظيم. والقطيع من الغنم. وقيل: كل
غليظ علبط. وكل ذلك محذوف من فعالل، وليس بأصل لأنه لا تتوالى
أربع حركات في كلمة واحدة (اللسان: علبط) وانظر سيبويه 2/ 335
و 351.
(4) في (ط): فكما.
(5) وهي رواية عن هارون عن أبي عمرو، وسيأتي الكلام عنها في
آخر الكتاب مبسوطا.
(6) البيت في النوادر 368 (ط الفاتح). والكامل 3/ 86 والمقتضب
2/ 313 وأمالي ابن الشجري 1/ 382 نقلا عن أبي علي. وفي معجم
البلدان 1/ 249: أمج: بالجيم وفتح أوله وثانيه والأمج في اللغة
العطش؛ بلد من أعراض المدينة، منها حميد الأمجي، دخل على عمر
بن عبد العزيز وهو القائل:
شربت المدام فلم أفلح ... وعوتبت فيها فلم أسمع
(4/184)
وقال:
إذا غطيف السلميّ فرّا «1» وقال:
وحاتم الطائيّ وهّاب المئي «2» وقال «3»:
__________
حميد الذي ... البيت. وضبطت في الأصل «الأصلع» بالضم.
علاه المشيب على حبّها ... وكان كريما فلم ينزع
وانظر الخزانة 4/ 555 واللسان (أمج).
(1) شطر من أرجوزة وقبله:
لتجدنّي بالأمير برّا ... وبالقناة مدعسا مكرّا
انظر النوادر/ 321، (ط الفاتح) أمالي ابن الشجري 1/ 383
والإنصاف 2/ 665 اللسان (دعص ودعس) ومعاني القرآن 1/ 431.
(2) شطر بيت من أرجوزة قالتها امرأة من بني عقيل تفخر بأخوالها
من اليمن ومطلعها:
حيدة خالي ولقيط وعلي ... وحاتم الطائيّ وهّاب المئي
انظر النوادر/ 91. أمالي ابن الشجري 1/ 383 الخزانة 3/ 304
اللسان/ مأي/ واستشهد في المنصف بالشطر الأول على تخفيف «علي»
للقافية (المنصف 2/ 68).
(3) وقبله:
كيف نومي على الفراش ولمّا ... تشمل الشام غارة شعواء
وهما في المنصف 2/ 231 برواية: «وتلوي بخدام» ومعاني القرآن 1/
432 وأمالي ابن الشجري 1/ 383. قال فيه: والخدام: الخلخال.
(4/185)
تذهل الشيخ عن بنيه وتبدي ... عن خدام
العقيلة العذراء
وهذا النحو «1» في الشعر كثير، والوجه فيه الحمل على الوجه
الآخر، لأنه لم يستقر حذفه في «2» الكلام، وإن حصلت المشابهات
بين النون وحروف اللين فيما رأيت.
[التوبة: 30]
اختلفوا في الهمز وإسقاطه من قوله جلّ وعزّ:
يضاهون [التوبة/ 30].
فقرأ عاصم وحده: يضاهئون بالهمز. وقرأ الباقون:
يضاهون بغير همز «3».
قال أبو عبيدة: المضاهاة: التشبيه، ولم يحك الهمزة «4»، وقال
أحمد بن يحيى: لم يتابع عاصما أحد على الهمزة «5».
والذين كفروا [التوبة/ 30] يشبه أن يكونوا المشركين الذين لا
كتاب لهم، لأنهم ادّعوا في الملائكة أنها «6» بنات، قال:
ويجعلون لله البنات [النحل/ 57] وقال: ألكم الذكر وله الأنثى
[النجم/ 21]، وقال: وإذا بشر أحدهم بما ضرب
__________
أي: ترفع المرأة الكريمة ثوبها للحرب فيبدو خلخالها. وانظر قسم
الشروح والتعليقات في المنصف 2/ 416 على البيتين من قبل
المحققين.
(1) سقطت من (ط).
(2) في (ط): من.
(3) السبعة: 314.
(4) انظر مجاز القرآن 1/ 256.
(5) في (ط): الهمز.
(6) في (ط): أنهم.
(4/186)
للرحمن مثلا ظل وجهه مسودا [الزخرف/ 17]
وقال: وخرقوا له بنين وبنات بغير علم [الأنعام/ 6] «1».
وليس يضاهئون فيمن همز من لفظ: ضهياء، لأن الهمزة في ضهياء
زائدة بدلالة ضهيأ «2»، والياء أصل ألا ترى أنها لو كانت الياء
فيها زائدة لكانت مكسورة الصدر؟ وأشبه «3» أن يكون ما قرأ به
عاصم من الهمز في يضاهئون لغة وهي فيما زعم الفرّاء عنه لغة
الطائف «4»، فيكون في الكلمة لغتان مثل: أرجيت وأرجأت، ولا
يجوز أن يكون من قولهم: امرأة ضهياء، وذلك أن «5» الهمزة في
ضهياء قد قامت الدلالة على زيادتها، ألا ترى أنهم قالوا: ضهيأ
«6»؟ فاشتقّوا من الكلمة ما سقطت فيه هذه الهمزة، فاشتقاقهم
ضهيأ من ضهياء وهو «7» بمنزلة اشتقاقهم جرواض من جرائض «8»،
...
__________
(1) زيادة من (ط).
(2) قال سيبويه: وكذلك الهمزة لا تزال غير أولى إلا بثبت، فمما
ثبت أنها فيه زائدة قولهم: ضهيأ، لأنك تقول: ضهياء كما تقول:
عمياء. والضّهيأ:
شجر، وهي أيضا التي لا تحيض. وقالوا أيضا ضهياء (الكتاب 2/
352) وانظر المنصف 1/ 105 و 110. واللسان (ضها) وقد اضطربت (م)
و (ط) في رسم كلمة ضهيأ في كل ما سيأتي وقد أثبتنا الهمزة فيها
كما يقتضي سياق العبارة.
(3) في (ط): ويشبه.
(4) عبارة (ط): وهي فيما زعموا لغة أهل الطائف.
(5) في (ط): لأن.
(6) رسمت في الأصل: ضهياء.
(7) عبارة (م): فاشتقاقهم من ضهياء ضهياء هو.
(8) الجرواض: الجمل الضخم العظيم البطن. والجرائض: الأكول،
الشديد
(4/187)
وشنذارة «1» من شئذارة «2»، وزوبر من زئبر،
وزعموا «3» أنهم يقولون:
زوبر الثوب إذا خرج زئبره؛ [فكذلك يعلم من ضهيأ زيادة الهمزة
في ضهياء] «4» وأمر آخر يعلم منه زيادة الهمزة في ضهياء، وذلك
أنه لا يخلو من أن يكون فعلا مقصورا أو فعيلا «5»، فلا يجوز أن
يكون فعيلا لأن ذلك بناء لم يجيء في كلامهم، وما كان من هذا
النحو الياء زائدة فيه، كان مكسور الصدر، نحو:
حذيم، وعثير، وحمير، وطريم «6» وقالوا في مريم، ومزيد، ومدين
«7»: إنها مفعل جاءت على الأصل وليس بفعيل، لأنّ ذلك لو كان
إياه، لكان مكسور الصدر، ومن ثمّ قالوا في يهيرّى «8»: إن
الياء الأولى زائدة، ولو خفّفت فقلت: يهيرّ كانت
__________
القصل بأنيابه الشجر. انظر (اللسان: جرض) وانظر المنصف 1/ 106.
(1) رجل شنذارة: أي غيور. اللسان/ شذر/.
(2) في (ط) وشيذارة من شيذار.
(3) في (ط): زعموا.
(4) قراءة العبارة ما بين معقوفين في (م): فكذلك يعلم من ضهياء
أن الهمزة في ضهياء. وكتبت كلمة قصر فوق ألف ضهياء الأخيرة.
(5) قراءة (ط): مقصور أو فعيل.
(6) الحِذيَم: الحاذق الشديد، والعثير: الغبار، والطريم:
السحاب- أو العسل- أو الطويل. (انظر اللسان).
(7) عبارة (ط) بعد قوله طريم: ومزيد ومدين ومريم قالوا إنها.
(8) اليهيرّ- بياءين- واليهيرّى: الماء الكثير، وذهب ماله في
اليهيرّى، أي:
الباطل (اللسان هير) قال سيبويه 2/ 344، وقالوا: يهيّرى، فليس
شيء من الأربعة على هذا المثال لحقته ألف التأنيث، وإنّما كان
هذا فيما كان أوله حرف الزوائد، فهذا دليل على أنها من بنات
الثلاثة، وعلى أن الياء الأولى زائدة. ولا نعلم في الأربعة على
هذا المثال بغير ألف. وقالوا:
يهيرّ فحذفوا كما حذفوا مرعزّى.
(4/188)
الأولى أيضا هي الزائدة، دون الثانية، لأنك
لو حكمت بزيادة الثانية، لوجب أن يكون فعيلا «1»، وذلك بناء قد
رفضوه فلم يستعملوه.
وأما «2» من قال: يجوز أن يكون فعيلا «3» ويضاهئون مشتق منه؛
فقول لم يذهب إليه أحد علمناه، وهو ظاهر الفساد، لإتيانه ببناء
لم يجيء في كلامهم.
فإن قال: فقد جاء «4» أبنية في كلامهم لا نظير لها، مثل:
كنهبل، فأجوّز فعيل، وإن لم يجيء كما جاء: كنهبل ونحوه.
قيل له: فأجز في غزويت أن يكون: فعويلا أو فعليلا، وإن كان
فعويل لم يجيء واستدلّ على ذلك بمجيء كنهبل، كما استدللت على
جواز فعيل: بقرنفل وكنهبل، وجوّز أن يكون فعويل، وإن لم يجيء
ذلك في كلامهم، كما جاء قرنفل وكنهبل، وجوّز أيضا أن يكون
فعليلا، وإن كان «5» حروف اللين لم تجىء أصولا في بنات
الأربعة، واستدلّ عليه كما جاز أن يكون: رنوناة، فعوعلة، من
الرنا «6» مثل: غدودن، وكما جاز
__________
(1) في (ط): فعيل.
(2) في (ط): فأما.
(3) في (ط): فعيل.
(4) قراءة (ط): فإن قال قد جاءت في الكلام نحو.
(5) في (ط): كانت.
(6) كتب على هامش (م): فوقها من رنا- يرنو.
(4/189)
أن يكون فعلعل مثل: حبربر «1». وكما جاز أن
يكون فعلنا مثل: عفرنا، وعرضنا، وهذا نقض للأصول «2» التي
عليها عمل العلماء، وهدم لها، وإنّما أدخله في هذا ما رامه من
اشتقاق يضاهئون، وقد يجوز أن تجيء الكلمة غير مشتقة، وذلك أكثر
من أن يحصى.
وأما «3» ما ذهب إليه من أن الهمزة زائدة في: غرقئ «4» فخطأ قد
قامت الدلالة على فساده، وذلك أن أبا زيد قد حكى أنهم يقولون:
غرقأت الدجاجة بيضها، والبيضة مغرقأة به «5» وليس في الكلام
شيء على فعلأت، إلا أن يزعم أنه يثبت هذا أو يجيزه، كما جاء،
كنهبل، فإن ركّب هذا قيل له: فجوّز في منجنيق أن يكون: منفعيلا
«6»، وإن كان لم يجيء هذا النحو، على أن هذا أشبه مما ارتكبه،
لأنه يكون في توالي الزائدتين «7» في أوّلها مثل: انقحل «8».
وليس هذا بقول يعرّج عليه، ولا يصغى إليه، ويلزمه أن يكون
حماطة «9»: فعللة، وقد انقلبت
__________
(1) يقال: ما أصبت منه حبربرا، أي: ما أصبت منه شيئا.
(2) في (م): الأصول.
(3) في (ط): فأما.
(4) الغرقئ: قشر البيضة.
(5) زيادة في (ط).
(6) في (ط): منفعيل.
(7) في (ط): الزيادتين.
(8) يقال: رجل انقحل وامرأة انقحلة، بكسر الهمزة: مخلقان من
الكبر والهرم (اللسان قحل).
(9) الحماطة: حرقة وخشونة يجدها الرجل في حلقه. (اللسان حمط).
(4/190)
الألف عن حرف علة «1».
فإن قال: هذا بناء لم يجيء؛ قيل له: جوّز مجيئه، واجعله بمنزلة
كنهبل «2»، وما ذكرته.
واتفقوا على همز «3» النسيء [التوبة/ 37] وحده، وكسر سينه، إلا
ما حدّثني به محمد بن أحمد بن واصل قال: حدثنا محمد بن سعدان،
عن عبيد بن عقيل عن شبل عن ابن كثير أنه قرأ: إنما النسء زيادة
على وزن النّسع.
حدثني ابن أبي خيثمة، وإدريس، عن خلف، عن عبيد، عن شبل، أنه
قرأ: النسي مشدّدة الياء بغير همز. وقد روي عن ابن كثير: النسي
بفتح النون وسكون السين وضم الياء مخففة، قال أبو بكر: والذي
قرأت به على قنبل النسيء بالمد والهمز مثل أبي عمرو، وكذلك
الناس عليه بمكة «4».
قال أبو عبيدة فيما روى عنه التوّزيّ في قوله تعالى «5»:
إنما النسيء زيادة في الكفر: كانوا قد وكّلوا قوما من بني
كنانة يقال لهم: بنو فقيم، فكانوا يؤخّرون المحرّم، وذلك نسء
«6» الشهور، ولا يفعلون ذلك إلا في ذي الحجة إذا اجتمعت
__________
(1) في (ط): عن حرف العلة.
(2) في (ط): الكنهبل.
(3) في (ط): اتفقوا على همزة ...
(4) السبعة: 314.
(5) سقطت من (ط).
(6) رسمت في الأصل الهمزة على الألف: نسأ.
(4/191)
العرب للموسم، فينادي مناد «1»: [أن افعلوا
ذلك لحرب أو لحاجة وليس كلّ سنة يفعلون ذلك] «2»؛ فإذا أرادوا
أن يحلّوا المحرّم، نادوا: هذا صفر، وإن المحرم الأكبر صفر،
وربّما جعلوا صفرا محرّما مع ذي القعدة، حتى يذهب الناس إلى
منازلهم، إذا نادى المنادي بذلك، وكانوا يسمّون المحرم وصفرا:
الصّفرين، ويقدّمون صفرا سنة ويؤخرونه، والذي كان ينسؤها، حتى
جاء الإسلام: جنادة بن عوف بن أبي أميّة، وكان في بني عدوان
«3» قبل بني كنانة «4».
[قال أبو علي] «5»: ووجه «6» قراءة ابن كثير: النسء أن هذا
تأخير، وقد «7» جاء النّسء في أشياء معناها التأخير. قال أبو
زيد: نسأت «8» الإبل في ظمئها، فأنا أنسؤها نس ءا: إذا زدتها
في ظمئها يوما أو يومين، أو أكثر من ذلك، والمصدر: النّسء.
قال أبو زيد: ويقال: نسأت الإبل عن الحوض فأنا أنسؤها نس ءا
إذا أخّرتها عنه.
وحجة من قرأ «9»: النسيء أنه كأنّه أكثر في
__________
(1) في (م) ومجاز القرآن: منادي، بإثبات الياء.
(2) ما بين معقوفين ساقط من مجاز القرآن مع الفاء من إذا.
(3) عدوان بالتسكين: قبيلة من قيس، واسمه الحارث بن عمرو بن
قيس، وإنما قيل ذلك لأنه عدا على أخيه فهمّ بقتله (التاج:
عدو).
(4) مجاز القرآن 1/ 258 - 259 (الحاشية).
(5) سقطت من (م).
(6) في (ط): وجه.
(7) في (م): قد.
(8) في (ط): قد نسأت.
(9) في (ط): قال.
(4/192)
هذا «1» المعنى، قال أبو زيد: أنسأته
الدّين إنساء إذا أخرته عنه. واسم ذلك النسيئة، والنّساء؛
فكأنّ النسيء في الشهور: تأخير حرمة شهر إلى شهر آخر ليست له
تلك الحرمة، فيحرّمون بهذا التأخير ما أحلّ الله، ويحلّون ما
حرّم الله، كما قال تعالى «2»:
يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما
حرم الله [التوبة/ 37] ألا ترى أن المحرم عين الشهر لا ما
يوافقه في العدة، كما أن المحرّم فيه الإفطار على غير المريض
والمسافر عين رمضان.
والنسيء: مصدر كالنذير والنّكير، وعذير الحي، ولا يجوز أن يكون
فعيلا بمعنى مفعول، كما قال بعض الناس لأنه إن «3» حمل على
ذلك، كان معناه: إنما المؤخّر زيادة
في الكفر، والمؤخّر الشهر وليس الشهر نفسه بزيادة في الكفر،
وإنّما الزيادة في الكفر تأخير حرمة الشهر إلى شهر آخر ليست له
تلك الحرمة؛ فأما نفس الشهر فلا.
وأما ما روي عن ابن كثير إنما النسي بالياء، فذلك يكون على
إبدال الياء من الهمزة، ولا أعلمها لغة في التأخير، كما أنّ
أرجيت: لغة في أرجأت.
وما روي عنه من قوله: النسيء بتشديد الياء، فعلى تخفيف الهمزة
«4»، وليس هذا القلب مثل القلب في النّسيء لأن
__________
(1) سقطت من (ط).
(2) سقطت من (ط).
(3) قراءة (ط): لأنه إذا إن.
(4) في (ط): الهمز.
(4/193)
النسيّ بتشديد الياء: على وزن فعيل، تخفيف
قياسيّ، وليس النّسي كذلك، كما أن مقروّة في مقروءة: تخفيف
قياسي، وسيبويه لا يجيز نحو هذا القلب الذي في النسي إلا في
ضرورة الشعر، وأبو زيد يراه ويروي كثيرا منه عن العرب.
[التوبة: 37]
اختلفوا في فتح الياء وكسر الضّاد وضمّ الياء وفتح الضّاد من
قوله تعالى «1»: يضل به الذين كفروا [التوبة/ 37].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر وابن
عامر يضل به* بفتح الياء وكسر الضاد.
وقرأ عاصم في رواية حفص وحمزة والكسائي: يضل به بضم الياء وفتح
الضاد «2».
قال أبو علي: وجه من قرأ: يضل* أن الذين كفروا لا يخلون من أن
يكونوا مضلّين لغيرهم، أو ضالين هم في أنفسهم، وإذا «3» كان
كذلك، لم يكن في إسناد الضلال إليهم في قوله: يضل* إشكال ألا
ترى أن المضلّ لغيره ضالّ بفعله إضلال غيره؟ كما أنّ الضالّ في
نفسه الذي لم يضلّه غيره لا يمتنع إسناد الضلال إليه.
وأما يضل فالمعنى فيه «4» أنّ كبراءهم أو أتباعهم «5»
__________
(1) سقطت من (ط).
(2) السبعة: 314.
(3) في (ط): فإذا ...
(4) زيادة من (ط).
(5) في (ط): وأتباعهم.
(4/194)
يضلّونهم بأمرهم إياهم بحملهم «1» على هذا
التأخير في الشهور، وزعموا أنّ في التفسير: أنّ رجلا من كنانة
يقال له:
أبو ثمامة، كان يقول للناس في منصرفهم من الحج: إن آلهتكم قد
أقسمت لتحرّمنّ، وربما قال: لتحلّنّ، هذا الشهر، يعني:
المحرم، فيحلّونه ويحرّمون صفرا، وإن حرّموه أحلّوا صفرا،
وكانوا يسمّونهما الصّفرين، فهذا إضلال من هذا المنادي لهم،
يحملهم بندائه على ذلك، وقوله تعالى «2»: يضل يفعل من هذا.
وزعموا أنّ في حرف ابن مسعود يضل به الذين كفروا، ويقوّي ذلك:
ما أتبع هذا من الفعل المسند إلى المفعول، وهو قوله: زين لهم
سوء أعمالهم [التوبة/ 31]. أي: زيّن لهم ذلك حاملوهم عليه،
وداعوهم إليه. ولو قرئ: يضل به الذين كفروا لكان الذين كفروا
في موضع رفع، بأنهم الفاعلون «3»، والمفعول به محذوف تقديره:
يضلّ به الذين كفروا تابعهيم والآخذين بذلك، ومعنى: يضل به
الذين كفروا يضلّ بنسء الشهور.
[التوبة: 54]
اختلفوا في الياء والتاء من قوله [جل وعز] «4» أن يقبل منهم
نفقاتهم [التوبة/ 54] فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم
وابن عامر: أن تقبل بالتاء.
__________
(1) في (ط): بحملهم لهم ...
(2) عبارة (ط): فقوله يضل.
(3) في (ط): فاعلون.
(4) سقطت من (ط).
(4/195)
وقرأ حمزة والكسائي: أن يقبل بالياء «1».
قال أبو علي: وجه القراءة بالتاء أنّ الفعل مسند إلى مؤنث في
اللفظ، فأنّث ليعلم أنّ المسند إليه مؤنث.
ووجه الياء أن التأنيث ليس بتأنيث حقيقي، فجاز أن يذكّر كما
قال تعالى «2»: فمن جاءه موعظة من ربه [البقرة/ 275] وأخذ
الذين ظلموا الصيحة [هود/ 67].
[التوبة: 58]
قال أحمد: كلّهم قرأ يلمزك [التوبة/ 58] بكسر الميم: إلا ما
روى حمّاد بن سلمة عن ابن كثير فإنّه روى عنه:
يلامزك حدّثني بذلك محمد بن الجهم عن ابن أبي أميّة البصري، عن
حمّاد بن سلمة، وحدّثني الصّوفي، عن روح بن عبد المؤمن، عن
محمد بن صالح، عن شبل، عن ابن كثير وأهل مكة: يلمزك ويلمزون
[التوبة/ 79] برفع الميم فيهما. وحدثني أبو حمزة الأنسي قال:
حدثنا حجاج بن المنهال قال: حدثنا حمّاد بن سلمة قال: سمعت ابن
كثير يقول: يلمزك بضم الميم «3».
أبو عبيدة: يلمزك أي: يعيبك، قال زياد الأعجم:
إذا لقيتك تبدي لي مكاشرة ... وإن تغيبت كنت الهامز اللّمزة
«4»
__________
(1) السبعة: 314.
(2) سقطت من (ط).
(3) السبعة: 315.
(4) مجاز القرآن 1/ 262 - 263 وجاء عجزه برواية: «وإن أغيب
فأنت العائب
(4/196)
وقال قتادة: يلمزك: يطعن عليك، والعيب
والطعن يشملان ما يكون فيهما في المغيب، وما يكون في المشهد.
وفي الشّعر دلالة على قدحه فيه، وطعنه عليه في المغيب، لقوله:
تغيّبت، فيكون الهمز الغيبة «1»، وكذلك قوله [تعالى] «2»: هماز
مشاء بنميم [القلم/ 11] يجوز أن يعنى الغيبة «3».
وحكى بعض الرواة أنّ أعرابيّا قيل له: أتهمز الفارة؟
قال «4»: تهمزها الهرّة، فأوقع الهمز على الأكل. فالهمز
كاللمز.
وقال عز وجل «5»: أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا [الحجرات/
12].
وكأنّ الهمز أوقع على الأكل لمّا كان غيبة، وقال الأصمعي: فلان
ذو وقيعة في الناس إذا كان يأكلهم، فلما أوقع الأكل عليه حسن
أن يستعمل في خلافه: الغرث، فلذلك قال «6»:
__________
اللمزة» وهو في اللسان (همز).
(1) في (ط): هو الغيبة.
(2) سقطت من (ط).
(3) في (ط): يعني به الغيبة.
(4) في (ط): فقال.
(5) سقطت من (ط).
(6) عجز بيت لحسان بن ثابت وصدره:
حصان رزان ما تزنّ بريبة وقد قاله في أم المؤمنين عائشة. غرثى:
وصف المؤنث من الغرث وهو الجوع. ما تزنّ: أي ما تتّهم.
والغوافل: ج غافلة، يعني: أنها لا تغتاب أحدا. انظر: ديوانه/
94 والإنصاف 2/ 759 - اللسان/ غرث/ وزن/.
(4/197)
وتصبح غرثى من لحوم الغوافل والذي جاء في
الآية من اللمز، عني به المشهد فيما دلّ عليه الأثر، والمعنى
على حذف المضاف «1» التقدير: يعيبك في تفريق الصدقات.
ومن قرأ: يلامزك فينبغي أن يكون فاعلت فيه من واحد نحو: طارقت
النّعل، وعافاه الله، لأنّ هذا لا يكون من النبي صلّى الله
عليه وآله وسلّم «2».
فأمّا يلمزك ويلمزك «3»، فلغتان مثل: يعكف ويعكف، ويحشر ويحشر،
ويفسق ويفسق.
[التوبة: 61]
اختلفوا في التثقيل والتخفيف من قوله عز وجل «4»: هو أذن قل
أذن خير لكم [التوبة/ 61]. فقرأ نافع وحده: هو أذن قل أذن خير
لكم بإسكان الذال فيهما.
وقرأ الباقون: بتثقيل الأذن، وكلّهم يضيف [أذن] إلى خير*] «5».
قال أبو علي: من قال: أذن* فهو تخفيف من أذن، مثل: عنق، وطنب،
وظفر. وكل ذلك يجيء على «6»
__________
(1) في (ط): الإضافة.
(2) في (ط): عليه السلام.
(3) في (ط): يلمز ويلمز.
(4) سقطت من (ط).
(5) السبعة: 315 وما بين معقوفين زيادة منه، وسيذكرها المصنف
في الشرح.
(6) في (ط): فيه.
(4/198)
التخفيف، ويدلّك على اجتماع الجميع في
الوزن الاتفاق في التكسير، تقول: أذن، وآذان، كما تقول: طنب
وأطناب، وعنق وأعناق، وظفر وأظفار.
فأمّا القول في أذن في «1» الآية إذا خففت أو ثقّلت، فإنه يجوز
أن يطلق على الجملة، وإن كانت عبارة عن جارحة منها.
كما «2» قال الخليل في الناب من الإبل: إنّه سمّيت به لمكان
الناب البازل، فسميت الجماعة «3» كلّها به، وقريب من هذا قولهم
للمرأة: ما أنت إلا رجيل، وللرجل: ما أنت إلّا مريّة، ويدلّ
على أنهم أرادوا النّاب قولهم، في التصغير: نييب، فلم يلحقوا
الهاء ولو كنت مصغّرا لها على حدّ تصغير الجملة «4» لألحقت
الهاء في التحقير، كما تلحق في تحقير قدم ونحوها، وعلى هذا
قالوا للمرأة: إنما أنت بظر، فلم يؤنّثوا حيث أرادوا الجارحة
دون الجملة، وقالوا للربيئة: هو عين القوم، وهذا عينهم.
ويجوز فيه شيء آخر، وهو أن الاسم يجري عليه كالوصف له لوجود
معنى ذلك الاسم فيه وذلك كقول جرير «5»:
تبدو فتبدي جمالا زانه خفر ... إذا تزأزأت السّود العناكيب
__________
(1) في (ط): من.
(2) سقطت من (م).
(3) في (ط): الجملة.
(4) في (ط): التصغير للجملة.
(5) التزأزؤ: شدة العدو وسرعته. انظر ديوانه/ 33.
(4/199)
فأجرى العناكيب وصفا عليهن، يريد به «1»:
أنّهن في الحقارة والدّمامة، كالعناكيب.
وأنشد أبو عثمان «2»:
مئبرة العرقوب إشفى المرفق فوصف المرفق بالإشفى «3»، لما أراد
من الدقّة والهزال، وخلاف الدّرم «4»، وقال آخر «5»:
فلولا الله والمهر المفدّى ... لأبت وأنت غربال الإهاب
فجعله غربالا لكثرة الخروق فيه من آثار الطعن، وكذلك قوله «6»:
__________
(1) سقطت من (ط).
(2) شطر بيت من الرجز لا يعرف قائله والإشفى في الأصل: المثقب-
الذي للأساكفة، عنى أن مرفقها حديد كالإشفى (اللسان شفي). انظر
الخصائص 2/ 221، 3/ 295، المخصص 1/ 81 - 15/ 106.
(3) في (م): بأشفى، وهي في الشعر بفتح الهمزة كذلك والصواب ما
في (ط).
(4) الدرم: استواء الكعب وعظم الحاجب. انظر اللسان/ درم/.
(5) ينسب البيت إلى حسان بن ثابت أو عفيرة بنت طرامة. وليس في
ديوان حسان. انظر الخصائص 2/ 221، 3/ 195 الهمع 2/ 101 الدرر
2/ 136 شرح الألفية للأشموني 3/ 16.
(6) البيت من شواهد سيبويه 1/ 253 وهو غير منسوب مع آخر قبله.
أراد أنه عظيم البطن كامرأة متئم تم لها تسعة أشهر ودخلت في
العاشر واتكأت على مرفقيها فنتأ بطنها وعظم.
انظر شرح المفصل 1/ 36.
(4/200)
حضجر كأمّ التوأمين توكّأت ... على مرفقيها
مستهلّة عاشر
«1» لمّا أراد وصفه بالانتفاخ والضّخم، وأنّه ليس بضرب خفيف،
فيكون متوقدا متنبّها لما يحتاج إليه، فكذلك قوله: هو أذن أجري
على الجملة اسم الجارحة لإرادته كثرة
استعماله لها في الإصغاء بها.
ويجوز أن يكون فعلا من أذن يأذن، إذا استمع، والمعنى أنه كثير
الاستماع مثل شلل وأذن «2» وسجح، ويقوّي ذلك أنّ أبا زيد قال:
قالوا رجل أذن، ويقن، إذا كان يصدّق بكلّ ما يسمع، وكما «3»
أنّ يقن صفة، كبطل، كذلك: أذن كشلل، وقالوا: أذن يأذن: إذا
استمع وفي التنزيل: وأذنت لربها [الانشقاق/ 2] أي: استمعت،
وقالوا: ائذن لكلامي، أي:
استمع له،
وفي الحديث: «ما أذن الله لشيء كإذنه لنبيّ» «4»،
وقال الشاعر «5»:
__________
(1) جاء على حاشية (ط) عبارة: بلغ سماعا.
(2) في (ط): شلك وأنف.
(3) في (ط): فكما ..
(4) الحديث بهذا اللفظ أخرجه مسلم في صلاة المسافرين رقم 234
(792)
وأخرجه البخاري في كتاب التوحيد برقم 7482 بلفظ: «ما أذن الله
لشيء ما أذن للنبي صلّى الله عليه وآله وسلّم يتغنى بالقرآن ..
»
وهو من حديث أبي هريرة. ونقل البغدادي كلام أبي علي في شرح
أبيات المغني في 8/ 102 منه. وانظر اللسان (غنا).
(5) وهو عدي بن زيد.
انظر شرح حماسة التبريزي 4/ 24 والمرزوقي 1451 واللسان مادة/
أذن/ وشرح أبيات المغني 8/ 102.
(4/201)
في سماع يأذن الشيخ له* [وحديث مثل ماذيّ
مشار] «1» وقول الشاعر:
إن همّي في سماع وأذن «2» تقدير سماع فيه: المسموع «3»، فوضع
المصدر موضع المفعول، ألا ترى أنك إن لم تحمله على هذا كان
المعنى:
إن «4» همّي في سماع وسماع، وليس كذلك! ولكن المعنى:
إن «5» همّي في مسموع واستماعه، فحذف كما يحذف المفعول في
الكلام، وهو كثير، وخاصّة مع المصدر.
قال أحمد: وكلّهم يضيف، [أي: يضيف] «6» أذنا إلى خير، ولا
يصفون أذنا بخير، كما روي، من قراءة من وصف الأذن بالخير،
فقال: أذن خير لكم.
__________
(1) ما بين قوسين زيادة من (ط).
(2) عجز بيت لعدي بن زيد أيضا وصدره:
أيّها القلب تعلل بددن انظر أمالي ابن الشجري 2/ 36. اللسان
مادة/ أذن/ و/ ددن/ وشرح أبيات المغني 8/ 103.
(3) عبارة البغدادي التي نقلها عن الحجة هنا هي: فالسماع مصدر
بمعنى المسموع.
(4) سقطت من (ط).
(5) سقطت من (ط).
(6) سقطت من (م) ما بين المعقوفين.
(4/202)
والمعنى في الإضافة: مستمع خير وصلاح، ومصغ
إليه ولا «1» مستمع شرّ وفساد.
[التوبة: 61]
قال أحمد: وكلّهم قرأ: ورحمة [التوبة/ 61] رفعا إلّا حمزة،
فإنه قرأ: أذن خير لكم ورحمة خفضا، حدثني محمد ابن يحيى
الكسائي قال: حدثنا أبو الحارث قال: حدّثنا أبو عمارة حمزة بن
القاسم عن يعقوب بن جعفر عن نافع:
ورحمة* مثل حمزة [قال أبو بكر] «2» وهو غلط «3».
قال أبو علي: من رفع فقال: ورحمة كان المعنى: أذن خير، ورحمة،
أي: مستمع خير ورحمة، فجعله الرحمة لكثرة هذا فيه. وعلى هذا
[قوله سبحانه] «4»: وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين [الأنبياء/
107] كما قال: بالمؤمنين رؤوف رحيم [التوبة/ 128] ويجوز أن
يقدر حذف المضاف من المصدر «5».
فأما «6» الجر في رحمة فعلى العطف على خبر، كأنه:
أذن خير ورحمة.
فإن قلت: أفيكون أذن رحمة؟
فإن هذا لا يمتنع، لأن الأذن في معنى: مستمع في
__________
(1) في (ط): لا، بإسقاط الواو.
(2) زيادة في (ط).
(3) السبعة: 316.
(4) سقطت من (ط).
(5) وتقدير الكلام: هل هو أذن خير لكم، وهو ذو رحمة.
(6) في (ط): وأما الجر ...
(4/203)
الأقوال الثلاثة التي تقدّمت، وكأنه «1»
مستمع رحمة، فجاز هذا كما كان مستمع خير، ألا ترى أن الرحمة من
«2» الخير؟.
فإن قلت: فهلّا استغني بشمول الخير للرحمة وغيرها عن تقدير عطف
الرحمة عليه؟ فالقول: إن ذلك لا يمتنع، كما لم يمتنع: اقرأ
باسم ربك الذي خلق [العلق/ 1] ثم خصّص فقال: خلق الإنسان من
علق، وإن كان قوله: خلق يعمّ الإنسان وغيره فكذلك الرّحمة، إذا
كانت من الخير لم يمتنع أن يعطف «3»، فتخصّص الرحمة بالذّكر من
بين ضروب الخير، لغلبة ذلك في وصفه وكثرته، كما خصّص الإنسان
بالذّكر، وإن كان الخلق قد عمّه وغيره، والبعد بين الجارّ وما
عطف عليه لا يمنع «4» من العطف، ألا ترى أنّ من قرأ: وقيله يا
رب [الزخرف/ 88] إنّما يحمله على: وعنده علم الساعة [الزخرف/
85] وعلم قيله.
فإن قلت: أيكون الجرّ في رحمة* على اللام في قوله:
ويؤمن للمؤمنين [التوبة/ 61]، فإنّ ذلك ليس وجها، لأن اللام في
قوله: ويؤمن للمؤمنين على حدّ اللام في «5» قوله:
ردف لكم أو على المعنى، لأن معنى يؤمن: يصدّق، فعدّي
__________
(1) في (ط): فكأنه.
(2) في (ط): مثل.
(3) في (ط): تعطف.
(4) في (م): لا يمتنع.
(5) في (ط): من.
(4/204)
باللام، كما عدّي مصدّق به في «1» نحو:
مصدقا لما بين يدي من التوراة [آل عمران/ 50] ولا يكون يؤمن
للرحمة، والمعنى: يؤمن الرحمة، لأن هذا الفعل لا يقع عليه في
المعنى، ألا ترى أنك لا تقول: يصدّق الرحمة «2»؟ وزعموا أنّ
الأعمش قرأ: قل أذن خير ورحمة لكم وكذلك هو «3» في حرف أبيّ
وعبد الله زعموا.
[التوبة: 66]
اختلفوا في الياء والنون من قوله [جل وعز] «4»: إن نعف عن
طائفة منكم نعذب طائفة [التوبة/ 66].
فقرأ عاصم وحده: إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بالنّون
جميعا. وقرأ الباقون: إن يعف عن طائفة منكم بالياء «5» تعذب
«6» طائفة بالتاء «7».
قال أبو علي «8»: حدثنا أحمد بن محمد البصريّ قال:
حدّثنا المؤمّل بن هشام قال: حدثنا إسماعيل بن عليّة عن ابن
__________
(1) سقطت من (م).
(2) قال مكي في «الكشف» 1/ 504: ولا يحسن عطف رحمة على
المؤمنين، لأنه يصير المعنى: ويؤمن رحمة، إلا أن يجعل الرحمة
القرآن، وتكون اللام زائدة، فيصير التقدير: ويؤمن رحمة، أي:
يصدق رحمة، أي: القرآن، أي: يصدق القرآن.
(3) في (ط): هي.
(4) سقطت من (ط): جل وعز.
(5) بالياء المضمومة وفتح الفاء (الكشف 1/ 504).
(6) بالتاء المضمومة وفتح الذال. الكشف (1/ 504).
(7) السبعة: 316.
(8) سقطت من (ط).
(4/205)
أبي نجيح، عن مجاهد في قوله سبحانه «1»:
وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين [النور/ 2] قال: أقلّه رجل،
وقال عطاء:
أقلّه رجلان. حجة من قال: إن نعف قوله: ثم عفونا عنكم من بعد
ذلك [البقرة/ 52].
ومن قال: إن يعف فالمعنى: معنى تعف، وأمّا تعذّب:
بالتاء، فلأنّ الفعل في اللفظ مسند إلى مؤنّث.
[التوبة: 98]
اختلفوا في ضمّ السين وفتحها من قوله تعالى «2»: دائرة السوء
[التوبة/ 98] فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: دائرة السوء* بضمّ
السّين، وكذلك في سورة الفتح [الآية: 6].
وقرأ نافع وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: السوء بفتح السين
فيهما، ولم يختلف في غيرهما.
حدثني الصوفيّ عن روح بن عبد المؤمن عن محمّد بن صالح عن شبل
عن ابن كثير: دائرة السوء بفتح السّين، وكذلك في سورة «3»
الفتح بالنصب.
وقرأ ابن محيصن: السوء* بضم السين «4».
قال أبو علي: الدائرة لا تخلو من أحد أمرين: إما أن تكون صفة
قد غلبت، أو تكون بمنزلة العافية، والعاقبة،
__________
(1) سقطت من (ط).
(2) سقطت من (ط).
(3) سقطت من (ط).
(4) السبعة: 316.
(4/206)
والصفة أكثر في الكلام، وينبغي أن [يكون]
«1» يحمل عليها؛ فالمعنى فيها أنها «2» خلّة تحيط بالإنسان حتى
لا يكون له عنها «3» مخلص، يبيّن ذلك أن ما جاء في التنزيل منه
يدلّ على هذا المعنى، فمن ذلك قوله سبحانه «4»: نخشى أن تصيبنا
دائرة [المائدة/ 52] وقال تعالى «5»: الظانين بالله ظن السوء
عليهم دائرة السوء [الفتح/ 6] وقال: ويتربص بكم الدوائر عليهم
دائرة السوء [التوبة/ 98].
فإن قلت: فما معنى إضافته إلى السّوء أو إلى السّوء؟
فإنّه على وجه التأكيد، والزيادة في التبيين، ولو لم يضف لعلم
هذا المعنى منها، كما أن نحو قوله: لحيي رأسه، وشمس النّهار،
كذلك، ولو «6» لم يضافا عرف منهما هذا المعنى الذي فهم
بالإضافة.
وأما «7» إضافتهما إلى السّوء أو إلى السّوء، فالقول فيه:
إن السّوء يراد به الرداءة والفساد، فهو خلاف الصدق الذي في
قولك: ثوب صدق، وليس الصدق من صدق اللسان الذي هو خلاف الكذب،
كما أن السّوء ليس من سؤته في المعنى، وإن
__________
(1) زيادة في (م).
(2) سقطت أنها من (م).
(3) في (ط): منها.
(4) سقطت من (ط).
(5) سقطت من (ط).
(6) في (ط): لو لم.
(7) في (ط): فأما.
(4/207)
كان اللفظ واحدا يدلّك على ذلك أنّك تقول:
ثوب صدق، فتضيفه «1» إلى ما لا يجوز عليه الصدق والكذب في
الأخبار.
فأمّا دائرة السوء بالضم فكقولك «2»: دائرة الهزيمة ودائرة
البلاء، فاجتمعا في جواز إضافة الدائرة إليهما من حيث أريد
بكلّ واحدة منهما الرداءة والفساد، فمن قال:
دائرة السوء
فتقديره الإضافة إلى الرداءة والفساد.
فمن «3» قال: دائرة السّوء فتقديره دائرة الضرر والمكروه، من
ذلك «4»: سؤته مساءة ومسائية، والمعنيان يتقاربان.
قال أبو زيد: قال العدوي: عليهم دائرة السوء [الفتح/ 6]،
وأمطرت مطر السوء [الفرقان/ 40] فضمّ أوائلهما، وقال: رجل سوء،
ففتح أولها.
وقال أبو الحسن: دائرة السوء، كما تقول: رجل السّوء، وأنشد
«5»:
وكنت كذئب السّوء لمّا رأى دما* بصاحبه يوما أحال على الدّم
__________
(1) في (ط): فتضيف.
(2) في (ط): فكقوله.
(3) في (ط): ومن.
(4) في (ط): من قولك.
(5) البيت للفرزدق من قصيدة في ديوانه 2/ 749 والتنبيه للبكري
ص 36.
قال فيه: إن الذئاب إذا رأت ذئبا قد عقر وظهر دمه، أكبّت عليه
تقطعه وتمزقه وأنثاه معها تصنع كصنيعها. اه. وفي اللسان (حول)
أحال الذئب على الدم: أقبل عليه؛ قال الفرزدق: فكان كذئب ...
البيت. وانظر السمط 1/ 243.
(4/208)
قال: وقرئت دائرة السوء* وفي «1» ذا القياس
تقول: رجل السّوء، قال: وذا ضعيف إلا أنك إذا قلت: كانت عليهم
دائرة السّوء كان أحسن من رجل السّوء، ألا ترى أنك تقول: كانت
عليهم دائرة الهزيمة؟ قال: والرجل لا يضاف إلى السّوء، كما
يضاف هذا، لأن هذا تفسيره «2»: الخير والشرّ، كما يقول:
سلكت «3» طريق الشرّ، وتركت طريق الخير «4».
[التوبة: 99]
اختلفوا في التخفيف والتثقيل من قوله [جلّ وعز] «5»:
ألا إنها قربة لهم [التوبة/ 99] فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم
وابن عامر، وحمزة، والكسائي: قربة لهم خفيفة.
واختلف عن نافع، فروى ابن جمّاز، وإسماعيل بن جعفر، عنه في
رواية الهاشمي سليمان بن داود وغيره، وورش، والأصمعيّ، ويعقوب
بن جعفر: قربة* مثقّل، وروى قالون والمسيبيّ وأبو بكر بن أبي
أويس: قربة خفيفة، ولم يختلفوا في قربات أنها مثقّلة «6».
قال أبو علي: لا تخلو قربة من أن يكون الأصل فيه التخفيف أو
التثقيل، ولا يجوز أن يكون التخفيف في الواحد الأصل ثم يثقّل،
لأنّ ذلك يجيء على ضربين: أحدهما في
__________
(1) في (ط): ومن. والعبارة بعدها ليست في معاني القرآن، إلى
قوله: قال.
(2) في معاني القرآن: يفسّر به.
(3) في الأصل تركت. وما أثبتناه من معاني القرآن.
(4) معاني القرآن 2/ 335 - 336.
(5) سقطت من (ط).
(6) السبعة: 317.
(4/209)
الوقف، والآخر أن يتبع الحركة التي قبلها،
فما كان من ذلك في الوقف فنحو قوله «1».
أنا ابن مأويّة إذ جدّ النّقر وإنما هو النّقر، فحرك القاف
بالحركة التي كانت تكون للّام في الإدراج، وما كان من إتباع ما
قبلها، فنحو قول الشاعر «2»:
إذا تجرّد نوح قامتا معه ... ضربا «3» أليما بسبت يلعج الجلدا
فالكسر في اللام إنما هو لاتباع حركة فاء الفعل، ألا ترى أنه
لا يجوز أن يكون كالبيت الأول، لأنّ حرف الإعراب الذي [هو] «4»
في هذا البيت قد تحرك بحركته التي يستحقّها، فظهر ذلك في
اللفظ، والحركة التي حركت بها اللام التي هي عين في الجلد من
قوله: الجلدا ليست كالضمة «5» في النّقر، وعلى هذا يكون قوله
«6»:
__________
(1) سبق في 1/ 98 - 349.
(2) البيت لعبد مناف بن ربع الهذلي. تجرد: تهيأ. والنّوح
النساء القيام أو الجماعة النائحة. ويلعج: يحرق، السّبت:
النّعل.
انظر شرح السكري 2/ 672، الخصائص 2/ 333، النوادر/ 204
(ط الفاتح) المصنف 2/ 308 واللسان (جلد) والخزانة 3/ 172 ضمن
قصيدته.
(3) في (ط): عجلا.
(4) سقطت من (ط).
(5) في (م): ليست نصبة كالضمة.
(6) جزء من بيت لزهير بن أبي سلمى وتمامه:
(4/210)
فيد أوركك أتبع العين حركة الفاء التي هي
فتحة الراء. فأمّا قول الأعشى «1»:
أذاقتهم الحرب أنفاسها ... وقد تكره الحرب بعد السّلم
فيجوز فيه أن يكون أتبع حركة العين الفاء [حرك العين] «2» على
حدّ ما حرك الجلدا. ويجوز أن يكون ألقى حركة الإعراب التي كانت
تستحقها اللام على العين، وهذا أولى. وعلى قولهم: الجلدا،
قالوا: رأيت الحجر، فحرّكوا العين اتباعا لحركة ما قبلها في
الوقف، وليس قوله: قربة* في الآية موقوفا عليه، ولا ينبغي أن
يحمل على التحريك اتباعا لحركة
ثم استمروا وقالوا إنّ موعدكم ... ماء بشرقيّ سلمى فيد أو ركك
وفي رواية: «إن مشربكم».
وسلمى: أحد جبلي طيء- وفيد: نجد قريب منهما. وركك: ماء قريب
منها.
انظر شرح ديوانه/ 167، والمحتسب 1/ 87 - 2/ 27 ومعجم ما استعجم
1/ 150 أسنمة وفي المنصف 2/ 309: قال أبو عثمان: وزعم الأصمعي
قال: قلت لأعرابي، ونحن بالموضع الذي ذكره زهير فقال: ثم
استمروا ... البيت: هل تعرف رككا؟ فقال: قد كان هنا ماء يسمى:
ركّا. فهذا مثل: فكك، حين احتاج إلى تحريكه بناه على: فعل. اه.
وانظر شرح ابن جني لكلام أبي عثمان فيه.
__________
(1) انظر ديوانه/ 39.
(2) سقطت من (م).
(4/211)
ما قبلها، لأن ذلك أيضا يكون في الوقف، أو
في الضرورة؛ فإذا لم يجز حملها على واحد من الأمرين، علمت أن
الحركة هي الأصل في قربه* وأنّ الإسكان تخفيف، كما أسكنوا
الرسل، والكتب، والطنب، والأذن، ونحو ذلك.
فأما «1» إذا جمعت فينبغي أن يكون قربات لأنه لا يخلو من أن
يكون: كغرفة، أو كبسرة ومن أي الوجهين كان، فينبغي أن يثقّل في
الجمع، ألا ترى أنه إذا ثقل ما أصله التخفيف نحو: الظلمات،
والغرفات، فاجتلبت في الجمع الضمة، فأن تقرّ الحركة الثابتة في
الكلمة أجدر، وينبغي في قول من خفّف فقال في الواحد: قربة إذا
جمع أن يعيد الضمّة التي هي الأصل، و [وقع التخفيف فيها] «2»،
لأنها أولى من المجتلبة، كما رددت الضمّة في نحو ضربتهم الآن،
ومذ اليوم الذي كان لها في الأصل، ولم تجتلب حركة غريبة في
الكلمة لالتقاء الساكنين.
والقربة: ما تقرّب به إلى الله تعالى من فعل خير، أو إسداء «3»
عرف، ومثل قولهم: قربة، وقربة، بسرة وبسرة، وهدبة وهدبة. حكاه
محمد بن يزيد.
[التوبة: 103]
اختلفوا في الجمع والتوحيد من قوله [جل وعز] «4»: إن
__________
(1) في (ط): وأما.
(2) في (ط): ويقع التخفيف عليها.
(3) في (ط): وإسداء.
(4) سقطت من (ط).
(4/212)
صلاتك [التوبة/ 103] فقرأ ابن كثير وأبو
عمرو وعاصم في رواية أبي بكر ونافع وابن عامر: إن صلواتك
جماعة. وفي سورة هود: أصلواتك تأمرك [الآية/ 87] وفي سورة
المؤمنين: على صلواتهم [الآية/ 9] جماعة كلهم.
وروى حفص عن عاصم: إن صلاتك على التوحيد، وفي سورة هود على
التوحيد أيضا: أصلاتك فيهما «1»، وفي سورة المؤمنين: على
صلواتهم هذه جماع وحدها.
وقرأ حمزة والكسائيّ في الثلاثة المواضع في سورة التوبة وهود
والمؤمنين على التوحيد، ولم يختلفوا في سورة الأنعام [الآية/
92]، وسأل سائل «2» [23، 34] «3».
قال أبو علي: الصلاة في اللغة: الدّعاء، قال الأعشى في الخمر
«4»:
وقابلها الريح في دنّها ... وصلّى على دنّها وارتسم
__________
(1) زيادة من (ط).
(2) هي سورة المعارج.
(3) السبعة 317 - 318. وقد تجاوز أبو علي الكلام عن قوله
سبحانه:
(تجري تحتها الأنهار) [التوبة/ 100]. قال في السبعة: كلهم قرأ
عند رأس المائة: (تجري تحتها الأنهار) غير ابن كثير وأهل مكة
فإنهم قرءوا:
(تجري من تحتها) بزيادة (من) وكذلك هي في مصاحف أهل مكة خاصة.
(السبعة: 317).
(4) من قصيدة يمدح فيها قيس بن معديكرب، وارتسم الرجل لله: كبر
ودعا وتعوذ. انظر ديوانه/ 35.
(4/213)
فكأن معنى: وصل عليهم أدع لهم، فإن دعاءك
لهم «1» تسكن إليه نفوسهم، وتطيب به، فأمّا قولهم: صلى الله
على رسوله وعلى أهله «2» وملائكته، فلا يقال فيه: إنّه دعاء
لهم من الله. كما لا يقال في نحو: ويل يومئذ للمكذبين «3»
[الطور/ 11] إنّه دعاء «4» عليهم، ولكنّ المعنى فيه: أن هؤلاء
ممن يستحقّ عندكم أن يقال فيهم هذا النحو من الكلام، وكذلك
قوله سبحانه «5»: بل عجبت ويسخرون [الصافات/ 12] فيمن ضمّ
التاء «6»، وهذا مذهب سيبويه. وإذا كان الصلاة مصدرا وقع على
الجميع والمفرد على لفظ واحد، كقوله: لصوت الحمير [لقمان/ 19]
فإذا اختلف جاز أن يجمع لاختلاف ضروبه، كما قال: إن أنكر
الأصوات «7» ومن المفرد الذي يراد به الجمع قوله سبحانه «8»:
وادعوا ثبورا كثيرا [الفرقان/ 14] وممّا جاء من الصلاة «9»
مفردا يراد به الجمع قوله: وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء
[الأنفال/ 35] وقال: وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة [البقرة/ 43]
والزكاة في هذا كالصلاة، وكأن الرّكعات
__________
(1) سقطت من (م).
(2) سقطت من (ط).
(3) في (ط): ويل للمطففين وويل للمكذبين.
(4) في (ط): دعاء.
(5) سقطت من (ط).
(6) وهي قراءة حمزة والكسائي، وستأتي في موضعها. وانظر السبعة
ص 547.
(7) عبارة (م): كما أنّ (أنكر الأصوات) كذلك.
(8) سقطت من (ط).
(9) عبارة (ط): في قوله الصلاة.
(4/214)
المفروضة والمتنفّل بها سميت صلاة لما فيها
من الدعاء إلا أنّه اسم شرعي، فلا يكون الدعاء على الانفراد،
حتى ينضم إليها خلال أخر جاء بها الشرع، كما أن الحجّ: القصد
في اللغة، فإذا أريد به النّسك، لم يتمّ بالقصد وحده دون خصال
أخرى «1» تنضمّ إلى القصد، وكما أن الاعتكاف لبث وإقامة،
والشرعي ينضم إليه معنى آخر، وكذلك الصوم، وحسّن ذلك جمعها حيث
جمعت لأنه صار بالتسمية بها وكثرة الاستعمال لها كالخارجة عن
حكم المصادر، وإذا جمعت المصادر إذا اختلفت في «2» قوله: إن
أنكر الأصوات [لقمان/ 19] فأن تجمع ما صار بالتسمية كالخارج عن
حكم المصادر أجدر، ألا ترى أنّ سيبويه جعل درّا من قولهم: لله
درّك، بمنزلة: لله بلادك، وجعله خارجا من «3» حكم المصادر، فلم
يعمله إعمالها، مع أنه لم يختص بالتسمية به شيء. وجعله بكثرة
الاستعمال خارجا عن حكم المصادر، ولم يجز أن نضيف «4» درّا إلى
اليوم في قوله «5»:
__________
(1) في (ط): أخر.
(2) في (ط): نحو قوله.
(3) في (ط): عن.
(4) في (ط): فلم يجز أن يضيف.
(5) عجز بيت لعمرو بن قميئة وصدره:
لما رأت ساتيدما استعبرت يصف فيه امرأة نظرت إلى جبل «ساتيدما»
وهو بعيد عن بلادها فاستعبرت شوقا إليها. والشاهد فيه عند
سيبويه: إضافة الدر إلى من، مع جواز الفصل بالظرف (اليوم)
ضرورة.
(4/215)
لله درّ اليوم من لامها على حدّ قوله: بل
مكر الليل والنهار [سبأ/ 33] فهذا يقوّي قول من جمع في نحو
حافظوا على الصلوات [البقرة/ 238].
فإن قلت: هلّا جعل بمنزلة درّ، فلم يجز فيه إلا الإفراد، إلا
أن تختلف ضروبه، كما لم يجز في درّ الإعمال؟
قيل له «1»: ليس كلّ شيء كثر استعماله يغيّر عن أحوال نظائره،
فلم تغيّر الصلاة عما كان عليه في الأصل من كونه مصدرا، وإن
كان قد سمّي به لأنّه وإن كان قد انضمّ إلى كونه دعاء غيره،
فلم يخرج عن أن يكون الدعاء مرادا بها «2».
ومثل ذلك في كلامهم قولهم: أرأيت زيدا ما فعل، لم يخرجه عمّا
كان عليه دخول معنى آخر فيه، فالتسمية به مما يقوي الجمع فيه
إذا عنى به الرّكعات، لأنها جارية مجرى الأسماء والإفراد له في
نحو: وما كان صلاتهم عند البيت- يجوّزه أنه في الأصل مصدر، فلم
يجعل التسمية مزيلة له «1» عما كان عليه في الأصل.
__________
انظر سيبويه 1/ 91 - 99، المفصل 2/ 46، 3/ 19 - 20 - 77، 8/ 66
الخزانة 2/ 24 معجم البلدان (ساتيدما) المقتضب 4/ 377 الإنصاف
2/ 432.
(1) سقطت من (ط).
(2) في (ط): به.
(4/216)
و «1» من أفرد فيما يراد به الرّكعات كان
جوازه على ضربين:
أحدهما: على أنه في الأصل مصدر، وجنس، والمصادر لأنها أجناس
مما تفرد «2» في موضع الجميع، إلّا أن تختلف فتجمع من أجل
اختلافها.
والآخر: أن الواحد قد يقع في موضع الجمع، كقوله سبحانه «3»:
يخرجكم طفلا [غافر/ 67] وقول جرير «4»:
الواردون وتيم في ذرى سبأ ... قد عضّ أعناقهم جلد الجواميس
وقال بعضهم: إن التي في التوبة «5»، والتي في هود، وفي
المؤمنين، مكتوبات في المصحف بالواو، والتي في سأل سائل،
مكتوبة بغير واو وإذا «6» اتّجه الإفراد والجمع في العربية
ورجّح أحد الوجهين الموافقة لخطّ المصحف؛ كان ذلك ترجيحا يجعله
أولى بالأخذ به.
فأما من زعم أن الصلاة أولى لأن الصلاة للكثرة، وصلوات للقلة
«7»، فلم يكن قوله متّجها، لأن الجمع بالتاء قد
__________
(1) في (ط): فمن.
(2) في (ط): يفرد.
(3) سقطت من (ط).
(4) سبق في ص 81 من هذا الجزء.
(5) في (ط): براءة.
(6) في (ط): فإذا.
(7) في (ط): للقليل.
(4/217)
يقع على الكثير كما يقع على القليل، كقوله
سبحانه «1»: وهم في الغرفات آمنون [سبأ/ 37] وقوله: إن
المسلمين والمسلمات [الأحزاب/ 35] وإن المصدقين والمصدقات
[الحديد/ 18] فقد وقع هذا الجمع على الكثير كما وقع على
القليل، وإذا كان للشيء في العربية «2» وجهان، فأخذ أحد بأحد
الوجهين وآخر بالوجه الآخر كان سائغا، وكذلك: إن أخذ بأحد
الوجهين في موضع، وفي موضع آخر بالوجه الآخر وقال: إلا المصلين
الذين هم على صلاتهم دائمون [المعارج/ 23] وقد أفلح المؤمنون
الذين هم في صلاتهم خاشعون [المؤمنون/ 2] وقال: حافظوا على
الصلوات [البقرة/ 238] فأفرد في موضع وجمع في آخر.
[التوبة: 109]
اختلفوا في ضمّ الألف وفتحها من قوله [جلّ وعزّ] «3»:
أفمن أسس بنيانه [التوبة/ 109].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائي:
بفتح الألف في الحرفين جميعا، وفتح النون فيهما.
وقرأ نافع وابن عامر أسس* «4» بضم الألف بنيانه* برفع النون
«5».
__________
(1) سقطت من (ط).
(2) في (ط): في الشيء من العربية.
(3) سقطت من (ط).
(4) زادت (ط) هنا أسس بنيانه.
(5) السبعة: 318. وقد أخر أبو علي الكلام عن اختلافهم في إدخال
الواو وإخراجها من قوله سبحانه: (والذين اتخذوا مسجدا ضرارا)
[التوبة/ 107] إلى ما قبل نهاية السورة.
(4/218)
[قال أبو علي] «1»: البنيان: مصدر، وهو جمع
على حد شعيرة وشعير لأنّهم قد قالوا: بنيانه في الواحد، قال
أوس «2»:
كبنيانة القرييّ موضع رحلها ... وآثار نسعيها من الدّفّ أبلق
«3» وجاء بناء المصادر على هذا المثال في غير هذا الحرف، وذلك
نحو: الغفران، وليس بنيان جمع بناء، لأن فعلانا إذا كان جمعا
نحو كثبان، وقضبان، لم تلحقه تاء التأنيث، وقد يكون ذلك في
المصادر نحو ضرب ضربة وأكل أكلة، ونحو ذلك مما يكثر.
قال أبو زيد: يقال: بنيت أبني بنيا، وبناء وبنية، وجماعها:
البنى، وأنشد «4»:
بنى السماء فسوّاها ببنيتها ... ولم تمدّ بأطناب ولا عمد
فالبناء والبنية مصدران، ومن ثمّ قوبل به الفراش في
__________
(1) سقطت من (ط).
(2) لم يرد في ديوانه (ط. صادر). وهو لكعب بن زهير في ديوان
زهير بن أبي سلمى من قصيدة مشتركة بينهما، وليس في ديوان كعب
انظر ديوان زهير بشرح ثعلب (ص 257 ط. دار الكتب- وص 185 ط. دار
الآفاق) وإيضاح الشعر للمصنف 343.
(3) القرييّ: في الأصل القرّي، وهو تحريف: وفي ديوانه ط. دار
الكتب:
القرئي، والقريي: إضافة إلى القرية. شبه هذه الناقة ببنيان
القرى، والدف: الجنب والنسع: سير تشد به الرحال، والأبلق:
الأبيض في سواد.
(4) لم نعثر على قائله.
(4/219)
قوله: هو الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء
بناء [البقرة/ 22]. فالبناء لمّا كان رفعا للمبني قوبل به
الفراش الذي هو خلاف البناء.
ومن ثمّ وقع على ما كان فيه ارتفاع في نصبته، وإن لم يكن مصدرا
كقول الشاعر «1»:
لو «2»
وصل الغيث أبنين امرأ ... كانت له قبّة سحق بجاد
أي: جعلت بناءه بعد القبّة خلق كساء، كأنه كان يستبدل بالقباب
خباء من سحق كساء لإغارة هذه «3» الخيل عليهن.
فأما قراءة من قرأ: أفمن أسس بنيانه فبنى الفعل للفاعل، فلأنه
الباني والمؤسس فأسند الفعل إليه، وبناه «4» له، كما أضاف
البنيان إليه في قوله: بنيانه فكما أن المصدر مضاف إلى الفاعل
كذلك يكون الفعل مبنيا له. ويدلّ على
__________
(1) ينسب هذا البيت إلى أبي مارد الشيباني، كما في الخصائص 1/
38 والبجاد: الكساء المخطط. والسحق: البالي. قال ابن جني:
والمعنى:
لو اتصل الغيث لأكلأت الأرض وأعشبت، فركب الناس خيلهم للغارات،
فأبدلت الخيل الغني الذي كانت له قبة من قبته سحق بجاد، فبناه
بيتا له بعد ما كان يبني لنفسه قبة فنسب ذلك البناء إلى الخيل،
لما كانت هي الحاملة للغزاة الذين أغاروا على الملوك، فأبدلوهم
من قبابهم أكسية أخلاقا، فضربوها لهم أخبية تظللهم.
انظر تنبيه البكري على أوهام القالي/ 19 والسمط 1/ 23 واللسان
(بني).
(2) في (ط): ولو.
(3) في (ط): هذا.
(4) في (ط): وبناؤه.
(4/220)
ترجيح هذا الوجه اتفاقهم على قوله: أمن أسس
بنيانه على.
ومن بنى الفعل للمفعول به لم يبعد أن يكون في المعنى كالأول،
لأنه إذا أسس بنيانه فتولى ذلك غيره بأمره كان كبنيانه هو له،
وكان القول الأول أرجح لما قلنا.
[التوبة: 109]
اختلفوا في التثقيل والتخفيف من قوله [جل وعز] «1»:
جرف هار [التوبة/ 109].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والكسائي: شفا جرف مثقل.
وقرأ ابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر وحمزة جرف مثقل.
وقرأ ابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر وحمزة جرف ساكنة الراء.
وروى حفص عن عاصم جرف مثقّل مثل أبي عمرو «2».
قال أبو عبيدة: الشّفاء هو: الشّفير. والجرف: ما تجرّف من
السيول من الأودية «3».
قال أبو علي: الجرف: بضم العين الأصل، والإسكان تخفيف، ومثله:
الشغل والشغل وقال: إن أصحاب الجنة اليوم في شغل [يس/ 55] وقال
البعيث «4»:
__________
(1) سقطت من (ط).
(2) السبعة: 318.
(3) مجاز القرآن 1/ 268 وفيه بعض الاختلاف، وكذا ما نقله عنه
بعد.
(4) البعيث، هو خداش بن بشر، والبيت من قصيدة في النقائض يهجو
فيها جريرا ويجيب الفرزدق.
(4/221)
غداة لقينا من لؤيّ بن غالب ... هجان
الثنايا واللقاء على شغل
ومثله: الطنب والطنب، والعنق والعنق، وكلا الوجهين حسن.
وقال أبو عبيدة: على شفا جرف هار مثقّل، قال: لأن ما يبنى على
التقوى فهو أثبت أساسا من بناء يبنى على شفاء جرف.
والقول في ذلك أنه يجوز أن تكون المعادلة وقعت بين البناءين
«1»، ويجوز أن يكون بين البانيين «2»، فإذا عادلت بين
البانيين، كان المعنى: المؤسس بنيانه متّقيا خير أم المؤسّس
بنيانه غير متّق؟ لأن قوله: على شفا جرف يدلّ على أن بانيه غير
متّق لله ولا خاش له، ويجوز أن يقدّر حذف المضاف كأنّه أبناء
من أسّس بنيانه متّقيا خير أم بناء من أسّس بنيانه على شفا
جرف؟ والبنيان: مصدر وقع «3» على المبني مثل الخلق إذا عنيت به
المخلوق، وضرب الأمير: إذا أردت به المضروب، وكذلك نسج اليمن.
يدلّك على ذلك أنه لا يخلو من أن يراد
__________
والهجان: البيض. وقوله: واللقاء على شغل، أي: كان لقاؤنا إياهن
ونحن محرمون مشاغيل عنهن. انظر نقائض جرير والفرزدق 1/ 136.
وفيه: هجان الغواني.
(1) في (ط): البانيين.
(2) في (ط): الباءين.
(3) في (ط): أوقع.
(4/222)
به اسم الحدث، أو اسم العين «1»، فلا يجوز
أن يكون الحدث، لأنه إنّما يؤسس المبني الذي هو عين.
ويبين ذلك أيضا قوله على شفا «2» جرف والحدث لا يعلو شفا جرف
«3».
والجار في «4» قوله: أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله في موضع
نصب على الحال تقديره: أفمن أسّس بنيانه متّقيا خير، أم من أسس
بنيانه على شفا جرف هار؟. والمعنى:
أمّن أسّس بنيانه غير متق، أو: من أسس بنيانه معاقبا على
بنائه؟ وفاعل انهار: البنيان، أي: انهار البنيان بالباني في
نار جهنم، لأنه معصية، وفعل لما كرهه الله سبحانه «5» من
الضرار، والكفر، والتفريق بين المؤمنين، وعلى شفا جرف: حال كما
كان قوله جلّ وعز: على تقوى من الله حالا.
اختلفوا في الإمالة والفتح من قوله جل وعز: هار فانهار
[التوبة/ 109].
فقرأ ابن كثير، وعاصم في رواية هبيرة عن حفص وحمزة: هار بفتح
الهاء.
__________
(1) في (ط): أخي العين.
(2) سقطت من (م).
(3) في (ط): لا يعلّق بشفا جرف.
(4) في (ط): من.
(5) سقطت من (ط).
(4/223)
الأعشى عن أبي بكر (هار) «1» مفخّمة.
وأمال الهاء نافع وأبو عمرو وعاصم في رواية يحيى عن أبي بكر،
والكسائي، بالإمالة «2» وليس عندي عن ابن عامر في هذا شيء.
وقال غير أحمد بن موسى: قراءة ابن عامر مفخّمة «3».
قال أبو علي: أما حجّة من لم يمل؛ فإنّ كثيرا من العرب لا
يميلون هذه الألفات، وترك الإمالة هو الأصل.
والإمالة في هار حسنة لما في الراء من التكرير، فكأنك قد لفظت
براءين مكسورتين، وبحسب كثرة الكسرات تحسن الإمالة، وكذلك «4»
لو أملتها في الوقف كان أحسن من إمالتك نحو: هذا ماش وداع،
لأنّك لم تلفظ «5» هنا بكسرة، وفي الراء كأنك قد لفظت بها لما
فيها من التكرير بحرف مكسور إذا وقفت عليها.
وقد يجوز أن تميل نحو: هذا ماش في الوقف، وإن «6» زالت الكسرة
التي لها كنت تميل الألف كما جاز أن تميل الفتحة من «7» نحو
القتلى الحر [البقرة/ 178] مع ذهاب ما
__________
(1) سقطت من (م).
(2) سقطت من (م).
(3) في (ط): مفخما. السبعة 318 - 319 والنقل عن غير أحمد جاء
في الحاشية من نسخة ح.
(4) في (ط): فكذلك.
(5) جاء عن حاشية (ط): عبارة بلغت.
(6) في (ط): فإن.
(7) في (ط): في نحو.
(4/224)
أملت الفتحة من أجله وهو الألف من «1»
القتلى.
ومثل هذا قولهم: صعقيّ، تركت «2» الفاء التي كان كسرها لكسرة
العين مع زوال كسرتها. وأما الهمزة من هار فمنقلبة عن الواو
لأنّهم قد قالوا تهور البناء: إذا تساقط وتداعى، وفي الحديث:
«حتى تهوّر الليل» «3» فهذا في الليل كالمثل والتشبيه بالبناء.
ويجوز في العين إذا قلبت همزة في هذا النحو ضربان:
أحدهما: أن تعلّ بالحذف كما أعلّت بالقلب، فيقال:
هار وشاك السلاح. ويجوز في قولهم: يوم راح، أن يكون فاعلا على
الحذف وفعلا على غير الحذف.
والآخر: أن يعلّ بقلبها إلى موضع اللام فيصير في التقدير:
فالع.
ويجوز في قولهم:
ضربت على شزن فهنّ شواعي «4»
__________
(1) في (ط): في القتلى.
(2) في (ط): ترك.
(3) تهور الليل: ذهب أكثره. وأول الحديث:
أخر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم العشاء حتى تهور
الليل والحديث أخرجه مسلم رقم 311 باب المساجد. وأخرجه أحمد في
مسنده 2/ 537.
(4) عجز بيت صدره:
وكأن أولاها كعاب مقامر وهو في المقتضب 1/ 140 والمنصف 2/ 57
غير منسوب، ونسبه في اللسان والتاج (شاع- شزن) إلى الأجدع بن
مالك بن مسروق بن
(4/225)
أن تكون فوالع من الشيء الشائع، ويكون
المعنى: إنها متفرقة، ويكون فواعل من قولهم: غارة شعواء، وكذلك
يجوز في قوله «1»:
خفضوا أسنّتهم فكل ناعي «2» ضربان: أحدهما: أن يكون مقلوبا من
النائع الذي يراد به العطشان في «3» قوله:
.. والأسل النيّاعا «4» أي: العطاش إلى دماء من يغزون.
__________
الأجدع. وعندهما: «صرعاها» بدل «أولاها» و «قداح» بدل «كعاب».
وكعاب المقامر: فصوص النرد. اللسان (لعب). والشزن: الكعب الذي
يلعب به (اللسان «شزن» وجاء بالبيت شاهدا لذلك المعنى) واللاعب
يضرب الكعاب بعضها ببعض قبل أن يلقيها في الأرض متفرقة. شبه
أولى الخيل المغيرة أو صرعاها بذلك، وجاءت الخيل شوائع وشواعي
على القلب أي: متفرقة.
(1) عجز بيت وصدره:
خيلان من قومي ومن أعدائهم وقد نسبه في اللسان (مادة نعا) إلى
الأجدع الهمداني.
(2) في (م): ناع.
(3) في (ط): من قوله.
(4) جزء من بيت أنشده في اللسان (نوع) للقطامي. ونسبه ابن بري
لدريد بن الصمة. وتمامه:
لعمر بني شهاب ما أقاموا ... صدور الخيل والأسل النياعا
الأسل: أطراف الأسنة. انظر المنصف 2/ 326.
(4/226)
ويجوز أن يكون ناع من قولك: نعى ينعي، أي
«1» يقول: يا لثارات فلان.
ويجوز في هار التي في الآية أن يكون على قول من حذف. ويجوز أن
تكون في «2» قول من قلب.
فأما جوازه على الحذف؛ فلأن هذه الهمزة قد حذفت من «3» نحو هذه
الكلم. وجوازه على القلب أن يكون مثل:
قاض، وداع، وقد سقطت اللام لالتقاء الساكنين.
وقال أبو الحسن: يقال: هرت تهار، مثل: خفت تخاف، قال: وجعله
بعضهم من الياء، وبعضهم من الواو، فقال: يتهير، فإنه كان
التجويز في عين يتهور أنه ياء من أجل قولهم: يتهير، فإنه يمكن
أن يكون: يتهيّر، مثل: يتحيّر، فلا دلالة حينئذ في ذلك «4» على
كونها من الياء، ولعله سمع شيئا غير هذا يعلم به أنه من الياء،
فإن لم يسمع شيئا غير هذا، فإنه يجوز أن يقول:
إنّ يتهيّر: يتفعّل مثل «5» يتبيع، لأن باب التفعّل أكثر من
باب التفعيل، فيحمل على الأكثر فيجوز على هذا فيما أنشده أبو
زيد من قول الشاعر «6»:
__________
(1) في (ط): أن.
(2) في (ط): على.
(3) في (ط): في.
(4) سقطت من (م).
(5) سقطت من (م).
(6) البيت في شرح أشعار الهذليين ورد في قصيدة ضمن شعر لصخر
الغي 1/ 246 قال السكري: وقد رويت لأبي ذؤيب، ويقال: إنها لأخي
صخر الغي
(4/227)
خليليّ لا يبقى على الدهر فادر ... بتيهورة
بين الطّخاف العصائب
يجوز «1» أن يكون تيهورة: تفعولة، مثل: تعضوضة، إلا أنه قلبه
ولو كان من الواو لكان توهورة .. ويجوز أن يكون تيهورة في
الأصل فيعولا «2»، مثل: سيهوب، وعيثوم «3»، إلا أنه قلبت الواو
التي هي عين إلى موضع «4» الفاء، ثم أبدل منها «5» التاء، كما
أبدل في قولهم: تقوى وتقيّة، ونحو ذلك، فيكون على هذا: عيفولة.
ويدلك على أن الكلمة من هذا الباب قول العجاج «6»:
__________
يرثي بها أخاه صخرا. وهي في ديوان الهذليين لصخر الغي 2/ 52
كذلك. وروايته عندهما: «أعيني» و «فعيني» بدل «خليلي» قال
السكري:
الفادر: الوعل المسن، والتّيهورة: ما اطمأن من الرمل .. أو:
الهويّ في الجبل والرمل. والطخاف: ما رق من الغيم. العصائب من
السحاب:
الشقائق. يقول: كأن الغيم بتكاثره على الجبل مثل العصائب، وهي
الشقائق من السحاب (ديوان الهذليين). وانظر اللسان (طخف- عصب)
وقد نسب البيت مرة لصخر الغي، ومرة لأبي ذؤيب.
(1) سقطت من (ط).
(2) في (ط): فيعول.
(3) العيثوم: الضخم الشديد من كل شيء (اللسان عثم).
(4) سقطت من (م).
(5) في (ط): منه.
(6) ديوانه 1/ 356 وبعده:
من الحقاف همر يهمور أراط: جمع أرطى، وهو شجر، وتيهور: متساقط.
وفي اللسان (تهر):
إلى أراطى. والنقا: الكثيب من الرمل.
(4/228)
إلى أراط ونقا تيهور فإنّما وصفه
بالانهيار، كما وصفه الآخر به في قوله «1»:
كمثل هيل النّقا طاف الوليد به ... ينهار حينا وينهاه الثّرى
حينا
والانهيار، والانهيال، يتقاربان في المعنى كما يتقاربان «2» في
اللفظ، ومثل ذلك في المعنى قول العجاج في صفة رمل:
شدّد منه وهو معطي الإسهال ... ضرب السّواري متنه بالتّهتال
«3»
__________
(1) البيت من قصيدة لتميم بن مقبل، وروايته في ديوانه 326:
يمشين هيل النقا مالت جوانبه ... ينهال حينا وينهاه الثرى حينا
والهيل من الرمل: الذي لا يثبت مكانه حتى ينهال فيسقط.
وروايته في (ط):
«كمثل هيل نقا طاف المشاة به» وانظر الحماسة البصرية 2/ 90
وفيها: «الندى» بدل «الثرى» والشعر والشعراء 458. قال ابن
قتيبة: ومما يستحسن له قوله في النساء: يمشين .. البيت. مع
آخرين.
(2) في (ط): تقاربا.
(3) سمط اللآلي 679 وعنه في (ملحقات ديوان العجاج) 318 وفيه:
«عزّز» بدل «شدد» وهما بمعنى.
وانظر اللسان (ضنك). والخصائص 2/ 83. قوله: عزز المطر الأرض:
لبّدها وشددها. ضرب السواري: أمطار الليل، شبه خلقها بالكثيب
وقد أصابه المطر، وهو معطي الإسهال، أي: يعطيك من السهولة
(4/229)
[التوبة: 110]
اختلفوا في فتح «1» التاء وضمّها من قوله جلّ وعزّ إلا أن تقطع
قلوبهم [التوبة/ 110] فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والكسائي
تقطع* بضم التاء.
وقرأ ابن عامر وحمزة: إلا أن تقطع بفتح التاء.
واختلف عن عاصم، فروى أبو بكر عنه مثل أبي عمرو، وروى حفص عنه
«1» مثل حمزة تقطع* بفتح التاء «3».
قال أبو علي: قوله: لا يزال بنيانهم الذي بنوا [التوبة/ 110]
البنيان: مصدر واقع على المبني، وإذا كان كذلك كان المضاف
محذوفا تقديره: لا يزال بناء المبني الذي بنوا ريبة، أي: شكا
في قلوبهم فيما كان من إظهار إسلامهم، وثباتا على النفاق إلا
أن تقطع قلوبهم بالموت والبلاء، لا يخلص لهم إيمان ولا ينزعون
عن النفاق.
فأما قراءة «4» من قرأ: إلا أن تقطع فلأنه يريد: حتى تبلى
وتقطّع بالبلى «5»، أي: لا تثلج قلوبهم بالإيمان أبدا، ولا
يندمون على الخطيئة التي كانت منهم في بناء المسجد.
__________
ما شئت. (اللسان: ضنك) التهتال: من هتلت السماء هتلا وهتلانا:
هطلت.
(1) سقطت من (ط).
(3) السبعة: 319.
(4) في (ط): قول.
(5) في (ط): «بالبلاء» ممدودا، وهما بمعنى. يقال: بلي الثوب
يبلى بلى وبلاء، وأبلاه هو (اللسان بلي) وقد رسمت في (م)
بالألف الممدودة.
(4/230)
فأما قراءة «1» من قرأ: تقطع* فهو في
المعنى مثل الأول؛ إلّا أن الفعل أضيف إلى المقطّع المبلي
للقلوب بالموت في المعنى. وفي الوجه الأول أسند إلى القلوب
لمّا كانت هي البالية، وهذا مثل: مات زيد ومرض عمرو، وسقط
الحائط، ونحو ذلك مما يسند فيه الفعل إلى من حدث فيه، وإن لم
يكن له، وتقطع* نسب الفعل فيه إلى المقطّع المبلي، وإن لم يذكر
في اللفظ؛ فأسند الفعل الذي هو لغير القلوب في الحقيقة إلى
القلوب. وزعموا أنّ في حرف أبيّ: حتى الممات وهذا يدلّ أنهم
يموتون على نفاقهم، فإذا ماتوا عرفوا بالموت ما كانوا تركوا من
الإيمان وأخذوا من الكفر.
[التوبة: 111]
اختلفوا في قوله [جلّ وعزّ] «2»: فيقتلون ويقتلون [التوبة/
111].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر:
فيقتلون ويقتلون فاعل ومفعول. وقرأ حمزة والكسائي فيقتلون
ويقتلون مفعول وفاعل «3».
قال أبو علي: من قال: فيقتلون ويقتلون فقدّم الفعل المسند إلى
الفاعل على الفعل المسند إلى المفعول، فلأنهم يقتلون أولا في
سبيل الله، ويقتلون، ولا يقتلون إذا قتلوا.
ومن قدّم الفعل المسند إلى المفعول به [على المسند
__________
(1) في (ط): وأما قول.
(2) سقطت من (ط).
(3) السبعة: 319.
(4/231)
إلى الفاعل] «1»، جاز أن يكون في المعنى
مثل الذي تقدم لأن المعطوف بالواو يجوز أن يراد به التقديم؛
فإن لم يقدّر به «2» التقديم كان المعنى في قوله: فيقتلون بعد
قوله: فيقتلون:
يقتل من بقي منهم بعد قتل من قتل، كما أنّ قوله سبحانه «3»:
فما ومهنوا لما أصابهم في سبيل الله [آل عمران/ 146]: ما وهن
من بقي منهم «4» لقتل من قتل من الرّبّيّين.
[التوبة: 126]
قال أحمد: قرأ حمزة وحده: أولا ترون [التوبة/ 126] بالتاء،
وقرأ الباقون يرون بالياء «5».
قال أبو علي: أولا ترون: تنبيه، قال سيبويه عن الخليل: في قوله
تعالى «6»: ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض
مخضرة [الحج/ 63] المعنى: انتبه أنزل الله من السماء ماء، فكان
كذا وكذا، وليس قوله: فتصبح جوابا بالفاء «7».
ووجه قراءة حمزة: أن المؤمنين نبّهوا على إعراض المنافقين عن
النظر، والتدبّر لما ينبغي أن ينظروا فيه ويتدبروه، وذلك أنهم
يمتحنون بالأمراض، والأسباب التي لا يؤمن معها
__________
(1) زيادة من (ط).
(2) في (ط): فيه.
(3) سقطت من (ط).
(4) زيادة من (ط).
(5) السبعة: 320. وقد قدم المصنف الكلام هنا في هذا الحرف على
غيره.
(6) سقطت من (ط).
(7) انظر الكتاب 1/ 424.
(4/232)
الموت، فلا يرتدعون عن كفرهم، ولا ينزجرون
عما هم عليه من النفاق، ولا يقدمون عملا صالحا يقدمون عليه إذا
ماتوا؛ فنبّه المسلمون على قلّة اعتبارهم واتعاظهم.
ومن قال: أولا يرون كان هذا التقريع بالإعراض عما يجب ألا
يعرضوا عنه من التوبة والإقلاع عمّا هم عليه من النفاق لاحقا
لهم من غير أن يصرف التنبيه إلى المسلمين في الخطاب، لأنّ
المسلمين قد عرفوا ذلك من أمرهم، وكان الأولى أن يلحق التنبيه
فعل من يراد تنبيهه وتقريعه بتركه ما ينبغي أن يأخذ به.
ومن قال: يرون وترون* جميعا «1» احتمل أن يكون من رؤية العين،
وأن تكون المتعدّية إلى مفعولين، فإذا جعلتها المتعدية إلى
مفعولين سدّ أنّ «2»، مسدّهما، وأن يكون من رؤية العين أولى،
لأنهم يستبطئون في مشاهدة ذلك، والإعراض عنه على ترك الاعتبار
به وهذا أبلغ في هذا الباب من المتعدية إلى مفعولين، ألا ترى
أن تارك الاستدلال أعذر من المضرب عما يشاهد ويحس «3».
ولو قرأ قارئ: أولا يرون فبنى الفعل للمفعول به، كان أن* في
موضع نصب بأنه مفعول الفعل الذي يتعدى إلى مفعول، وذلك أنك
تقول: رأى عمرو كذا، وتقول: أريت
__________
(1) سقطت من (ط).
(2) في (ط): سدت أنّ.
(3) سقطت من (ط).
(4/233)
عمرا كذا، فتعدّيه «1» إلى مفعولين بالنقل،
فإذا بنيت الفعل للمفعول به تعدى إلى مفعول واحد، كالدرهم في
قولك:
أعطي زيد درهما. ولا يكون يرون* هنا التي «2» في قولك:
أرى زيدا «3» منطلقا، لأن المعنى ليس على: يظنون أنهم يفتنون
في كل عام، إنّما المعنى على أنهم يشاهدون ذلك فيعلمونه علم
مشاهدة، وليس المعنى أنهم يظنّون الفتنة في كل عام، لأن ظنّ
الفتنة ليس بموضع اعتبار، وإنما قرّعوا على ترك الاعتبار
بالمشاهد «4»، وأنهم مع ذلك لا يتوبون ولا هم يتذكرون،
فيعتبروا به، وينتهوا عما يلزمهم الانتهاء عنه والإقلاع «5»
فبهذا كان يكون وجه من ضمّ الياء في «6» ترونه، ولا أدري أقرأ
به أم لم يقرأ.
[التوبة: 117]
اختلفوا في الياء والتاء من قوله [جل وعز] «7»: كاد تزيغ
[التوبة/ 117].
فقرأ حمزة وحفص عن عاصم: كاد يزيغ بالياء.
وقرأ الباقون وعاصم في رواية أبي بكر: بالتاء «8» «9».
__________
(1) في (ط): فيعدى.
(2) في (ط): الذي.
(3) في (ط): «زيد» بالضم.
(4) في (ط): بالمشاهدة.
(5) قراءة (ط): الانتهاء والإقلاع عنه. مع تأخير كلمة (عنه).
(6) في (ط): من.
(7) سقطت من (ط).
(8) في (ط): وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم- تزيغ- بالتاء.
(9) السبعة: 319.
(4/234)
قال أبو علي: يجوز أن يكون فاعل كاد أحد
ثلاثة أشياء:
أحدها: أن يضمر فيه القصة أو الحديث، وتكون تزيغ الخبر.
فإن قلت: إن أصل إضمار القصة أو الحديث إنما هو في الابتداء،
نحو هو الله أحد ونحو قوله [سبحانه] «1» فإذا هي شاخصة أبصار
الذين كفروا [الأنبياء/ 97]، ثم تدخل على الاسم المبتدأ الذي
هو ضمير الحديث أو القصة العوامل التي تدخل على المبتدأ، وليس
كاد من العوامل التي تدخل على المبتدأ «2».
قيل: جاز ذلك فيها للزوم الخبر لها، فأشبهت العوامل الداخلة
على المبتدأ «3» للزوم الخبر لها. فإن قلت: فهل يجوز أن يضمر
في عسى ضمير القصة أو الحديث، لأن عسى أيضا يلزمها الخبر كما
يلزم كاد.
قيل: لا يجوز ذلك لأن عسى يكون فاعله المفرد في كثير من الأمر
فلا «4» يلزمه الخبر كقوله «5»: وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير
لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم [البقرة/ 216] فإذا كان
فاعله المفرد في كثير من الأمر لم يحتمل الضمير الذي احتمله
كاد، كما لم يحتمله سائر الأفعال التي
__________
(1) سقطت من (ط).
(2) في (ط): الابتداء.
(3) في (ط): الابتداء. وكتب فوقها على الهامش: المبتدأ.
(4) في (ط): ولا.
(5) في (ط): نحو قوله.
(4/235)
تسند إلى فاعليها مما لا يدخل على المبتدأ.
فأما ما يجيء في الشعر من كاد أن يفعل وعسى يفعل، فليس به
اعتداد لأن هذه الأشياء التي تجيء في الضرورة غير مأخوذ بها في
حال السعة، ألا ترى أنهم قالوا: إوزّ،
ومودّ، فجعلوا الأصل الإدغام ولم يقدّروا نقل الحركة فيها إلى
ما قبلها، وإنما وقعت في أول أحوالها مدغمة، فدلّك هذا أنّ
الإظهار في هذا النحو في الشعر لا اعتداد به، وكلّ ما أشبهه
فهو على هذا الحكم، وإضمار القصة أو الحديث فيها قول سيبويه.
والوجه الثاني في «1» فاعل كاد أن يضمّنه ذكرا مما تقدّم لمّا
كان النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم «2» والمهاجرون والأنصار
قبيلا واحدا وفريقا جاز أن يضمر في كاد ما دل عليه مما تقدم
«3» ذكره من القبيل، والحزب، والفريق، ونحو ذلك من الأسماء
المفردة الدالة على الجمع، وقال: منهم، فحمله على المعنى كقوله
[سبحانه] «4»:
من آمن بالله واليوم الآخر ثم قال: فلا خوف عليهم [المائدة/
69] فكذلك فاعل كاد على هذا الوجه.
والثالث في «5» فاعل كاد: أن يكون فاعلها القلوب، كأنه: من بعد
ما كاد قلوب فريق منهم تزيغ، ولكنه قدم تزيغ
__________
(1) في (ط): من.
(2) سقطت من (ط).
(3) في (ط): ما تقدم.
(4) سقطت من (ط).
(5) في (ط): من.
(4/236)
كما يقدم خبر كان في قوله «1» تعالى: وكان
حقا علينا نصر المؤمنين [الروم/ 147]، وجاز تقديمه، وإن كان
فيه ذكر من القلوب، ولم يمتنع من حيث يمتنع الإضمار قبل الذكر،
لما كان النية به التأخير، كما لم يمتنع: ضرب غلامه زيد، لمّا
كان التقدير به التأخير، ألا ترى أن حكم الخبر أن يكون بعد
الاسم، كما أن حكم المفعول به أن يكون بعد الفاعل؟
فأما من قرأ يزيغ بالياء فيجوز أن يكون ذهب إلى أنّ في كاد
ضمير الحديث، فإذا اشتغل كاد بهذا الضمير ارتفع القلوب بيزيغ؛
فذكر، وإن كان فاعله مؤنثا لتقدم الفعل.
ومن قرأ بالتاء تزيغ جاز أن يكون ذهب إلى أنّ القلوب مرتفعة
بكاد، فلا يكون تزيغ فعلا مقدما كما كان عند الآخرين كذلك،
فإذا لم يكن مقدّما قبح التذكير لتقدّم ذكر الفاعل كما قبح:
__________
(1) جاء في حاشية (ط): تعليقة نصها: «هذا الوجه منقول عن أبي
الحسن الأخفش. ومثله قول العجاج:
إذا سمعت صوتها الخرّارا ... يهوي أصمّ وقعها الصّرارا
المعنى: أصمّ وقعها يهوي، بمعنى هاويا، فقدم الضمير، وهو حجة
لأبي الحسن. اه. قلت: والبيت في ديوان العجاج 2/ 121 من قصيدة
طويلة ورواية الثاني: «صقعها» بدل «وقعها». والصقع: شدة وقع
الشيء على شيء صلب. قال ابن قتيبة: «يقول: إذا سمعت صوت الحجر
يهوي بين السماء والأرض، أصمّ وقعها الصرار، وهو طائر يقال له
الجدجد أيضا» المعاني الكبير 2/ 1103.
(4/237)
ولا أرض أبقل إبقالها «1» ولم يقبح: أبقل
أرض، ويجوز أن يكون الفعل المسند إلى القصة والحديث «2» يؤنث،
إذا كان في الجملة التي يفسرها مؤنث، كقوله [جلّ وعز] «3»:
فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا [الأنبياء/ 97] وقوله: فإنها
لا تعمى الأبصار [الحج/ 46] ألا ترى أن هي من «4» قوله: فإذا
هي شاخصة ضمير القصة، كما أن قوله [سبحانه] «5»: هو الله في
قوله:
هو الله أحد [الإخلاص/ 6] مذكر وجاز تأنيث هي* التي هي ضمير
القصة لذكر الأبصار المؤنثة في الجملة التي هي التفسير، وكذلك
أنّثت في قوله: فإنها لا تعمى الأبصار وكذلك يؤنّث الضمير الذي
في كاد لذكر المؤنث في الجملة المفسّرة فتقول: كادت وتدغم
التاء التي هي علامة التأنيث في: تاء تزيغ وتزيغ على هذا
للقلوب، وهي مرتفعة به.
ويجوز إلحاق التاء في كاد من وجه آخر، وهو أن ترفع
__________
(1) عجز بيت لعامر بن جوين الطائى وصدره:
فلا مزنة ودقت ودقها وهو من شواهد سيبويه 1/ 240 والخصائص 2/
411 والمحتسب 2/ 112 وأمالي ابن الشجري 1/ 158، 161 وابن يعيش
5/ 4 والخزانة 1/ 21 و 3/ 330 وشرح أبيات المغني 8/ 17 واللسان
والتاج (بقل).
الشاهد فيه حذف التاء من أبقلت لضرورة الشعر.
(2) في (ط): القصة أو الحديث.
(3) سقطت من (ط).
(4) في (ط): في.
(5) سقطت من (ط).
(4/238)
قلوب فريق بكاد، فيلحقه علامة التأنيث من
حيث كان مسندا إلى مؤنث كقوله سبحانه «1»: قالت الأعراب
[الحجرات/ 14] وتكون على هذا في تزيغ ضمير القلوب لأن النية
بتزيغ التأخير.
[التوبة: 107]
اختلفوا في إدخال الواو وإخراجها من قوله [جلّ وعزّ] «2»:
والذين اتخذوا مسجدا ضرارا [التوبة/ 107].
فقرأ نافع وابن عامر: الذين اتخذوا مسجدا بغير واو، وكذلك هي
في مصاحف أهل المدينة والشام.
وقرأ الباقون: والذين اتخذوا «3» وكذلك هي في مصاحفهم «4».
قال أبو علي: وجه قول من ألحق الواو: أنه معطوف على ما قبله من
نحو «5» قوله: ومنهم من عاهد الله [التوبة/ 75] ومنهم من يلمزك
في الصدقات [التوبة/ 58] ومنهم الذين يؤذون النبي [التوبة/ 61]
وآخرون مرجون «6»
__________
(1) سقطت من (ط).
(2) سقطت من (ط).
(3) قراءة (ط): وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائي
(والذين) بواو ... وكذلك هي في السبعة.
(4) السبعة: 318.
(5) في (ط): في نحو.
(6) في (ط): مرجؤون. وكلتاهما قراءتان: الأولى قراءة جعفر
ونافع وحفص عن عاصم، وحمزة والكسائي وخلف. والهمز قراءة ابن
كثير وأبي عمرو وابن عامر، وأبي بكر عن عاصم ويعقوب. (انظر
المبسوط في القراءات العشر لابن مهران 229).
(4/239)
لأمر الله [التوبة/ 106] أي: منهم آخرون،
ومنهم الّذين اتّخذوا مسجدا ضرارا وكفرا.
ومن لم يلحق الواو لم يجز أن يكون الذين بدلا من قوله: وآخرون
مرجون كما تبدل المعرفة من النّكرة، لأنّ المرجئين لأمر الله
هم غير الذين اتخذوا المسجد ضرارا وكفرا «1»، ألا ترى أن متخذي
المسجد قد أخبر عنهم أنّهم لا يؤمنون، ولا تثلج قلوبهم
بالإيمان في قوله: لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم
إلا أن تقطع قلوبهم [التوبة/ 110] وإذا وقع الخبر بتاتا على
أنهم لا يؤمنون حتى «2» الممات، والمرجون لأمر الله، قد جوّز
عليهم الإيمان، علمت أنهم ليسوا إياهم، فإذا لم يكونوا هم، لم
يجز أن يبدلوا منهم.
ولكن من لم يلحق الواو جاز قوله على «3» أمرين: على أن يضمر:
ومنهم الذين اتخذوا، كما أضمرت المبتدأ مع الحرف الداخل عليه
في قولهم: لاها الله ذا «4»، والمعنى:
للأمر ذا، وكما أضمرت الحرف مع الفعل في قوله سبحانه «5»:
__________
(1) سقطت من (م).
(2) في (ط): إلى.
(3) سقطت من (ط).
(4) قوله: ها الله، معناه: والله، وجعل ها عوضا من الواو ولا
يجوز أن يقال:
ها والله ذا، وفي إعراب «ذا» أربعة مذاهب أحدها ما ذكره
المصنف.
انظر طرة المسائل العسكرية بتحقيق الدكتور محمد الشاطر أحمد ص
130 - 131 وسيبويه 2/ 145 والمخصص 13/ 113 وشرح الكافية للرضي
2/ 335، 336.
(5) سقطت من (ط).
(4/240)
فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد
إيمانكم [آل عمران/ 106] أي «1»: فيقال لهم: أكفرتم، وكذلك حذف
الخبر مع الحرف «2» اللاحق له في قول من قرأ: الذين اتخذوا
بغير واو، ويجوز أن يكون أضمر الخبر بعد، كما أضمر بعد في
قوله:
إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام [الحج/ 25]
إلى قوله: والبادي [الحج/ 45] والمعنى فيه:
ينتقم منهم، أو: يعذّبون، ونحو ذلك مما يليق بهذا المبتدأ،
وحسن الحذف في الموضعين جميعا لطول الكلام بالمبتدإ وصلته.
[التوبة: 123]
قال أحمد: حدثني أحمد بن علي الخزّاز قال: حدثني محمد بن يحيى
القطعيّ قال: حدثنا سعيد ابن أوس عن المفضل عن عاصم: أنه قرأ:
غلظة [التوبة/ 123] بفتح الغين.
وقرأ الباقون: غلظة بكسر الغين «3».
قال أبو علي قوله «4»: وليجدوا فيكم غلظة في المعنى مثل قوله
سبحانه «5»: جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم [التوبة/ 73]
[وقوله: والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم] «6» [الفتح/
29] وقوله: أذلة على المؤمنين أعزة على
__________
(1) سقطت من (ط).
(2) في (م): الخبر اللاحق ...
(3) السبعة: 320.
(4) زيادة من (ط).
(5) سقطت من (ط).
(6) سقط ما بين معقوفين من (م).
(4/241)
الكافرين [المائدة/ 54] أي: لا ينقادون لهم
ولا يخفضون لهم جناحا وأذلة على المؤمنين، أي: يذلون لهم ذل
الخضوع، فيتركون «1» الترفع عليهم؛ فهذا «2» قريب من قوله:
رحماء بينهم، ولم يرد بقوله: أذلة على المؤمنين ذلّ الهوان،
ولكن الذلّ الذي يقتضيه الدين من إلانة الجانب له، وتسوّيه به.
قال أبو الحسن: غلظة: قراءة الناس بالكسر، وهي العربية، وبها
نقرأ «3».
قال: ولا أعلم غلظة إلا لغة، وقال غيره: هي لغة.
__________
(1) في (ط): ويتركون.
(2) في (ط): وهذا.
(3) انظر معاني القرآن 1/ 339.
(4/242)
|