الحجة للقراء السبعة

سورة هود
[هود: 25]
اختلفوا في فتح الألف وكسرها من قوله: إني لكم نذير مبين [25].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائيّ: أني لكم* بفتح الألف.
وقرأ نافع وعاصم وابن عامر وحمزة: إني بكسر الألف «1».
وجه قول من فتح: أنّهم يحملونها على أرسلنا، أي:
أرسلنا بأني لكم نذير، فإن قيل: لو كان محمولا على الأول لكان أنّه، لأنّ نوحا اسم للغيبة فالراجع إليه ينبغي أن يكون على لفظ الغيبة دون لفظ الخطاب؛ قيل: هذا لا يمنع من حمله على أرسلنا وذلك أن الخطاب بعد الغيبة في نحو هذا سائغ، ألا ترى أن قوله: وكتبنا له في الألواح من كل شيء [الأعراف/ 145] ثم قال: فخذها بقوة، فكذلك الآية التي اختلف في قراءتها.
__________
(1) السبعة 332.

(4/315)


قال أبو علي: ووجه قول من كسر إني أنه حمله على القول المضمر، لأنه مما قد أضمر كثيرا في القرآن، وسائر الكلام كقوله: والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم [الرعد/ 23] أي: يقولون، وقوله: والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله [الزمر/ 3]، فهو على: قالوا ما نعبدهم. فكذلك قوله: ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال لهم إني لكم نذير مبين. فالكلام في هذا على وجهه، ولم يرجع إلى الخطاب بعد الغيبة، كما كان ذلك في قول من فتح أن*.
فإن قلت: فهلّا رجّحت قراءة من فتح أنّ على قراءة من كسرها، لأنّ قوله: أن لا تعبدوا [هود/ 26] محمول على الإرسال، فإذا فتحت أنّ كان أشكل بما بعدها لحملها جميعا على الإرسال؟ قيل: لا يرجّح ما ذكرت الفتح وذلك أن قوله:
إني* من قوله: إني لكم في قول من كسر، يجوز أن يكون محمولا وما بعده على الاعتراض بين المفعول، وما يتصل به ممّا بعده، كما كان قوله: قل إن الهدى هدى الله اعتراضا بينهما في قوله: ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم، قل إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم [آل عمران/ 73]، فكذلك قوله: إني لكم نذير مبين.

[هود: 27]
اختلفوا في الهمز وتركه من قوله عزّ وجلّ: بادي الراي [هود/ 27].
فقرأ أبو عمرو وحده: بادئ الراي. فهمز بعد الدال الراي لا يهمزه، وكلّهم قرأ: الرأي مهموزة غيره.

(4/316)


وقرأ الباقون: بادي بغير همز، وروى علي بن نصر عن أبي عمرو أنّه لا يهمز الرأي. اليزيدي عن أبي عمرو لا يهمز الراي إذا أدرج القراءة، أو قرأ في الصلاة ويهمز إذا حقّق «1».
قال أبو علي: حدثنا محمد بن السري أن اللحياني قال «2»: يقال: أنت بادي الرأي تريد ظلمنا، لا يهمز، وبادئ الرأي مهموز، فمن لم يهمز أراد: أنت فيما أنت فيما بدا في الرأي وظهر، أي: ظاهر الرأي، ومن همز أراد: أنت أول الرأي ومبتدأه، وهما في القرآن: أراذلنا بادئ الرأي وبادي الرأي بهمز وبغير همز.
قال أبو علي: المعنى فيمن قال: بادي الرأي فجعله من بدا الشيء إذا ظهر، وما اتبعك إلا الأراذل فيما ظهر لهم من الرأي، أي لم يتعقّبوه بنظر فيه ولا تبيّن له. ومن همز أراد:
اتبعوك في أول الأمر من غير أن يتبعوا الرأي بفكر ورويّة فيه، وهاتان الكلمتان تتقاربان في المعنى، لأن الهمز في اللام فيها ابتداء للشيء وأوّله، واللام إذا كانت واوا كان المعنى الظّهور قال «3»:
__________
(1) السبعة 332 وزاد فيه: روي عنه الهمز وتركه، وهذه علته.
(2) انظر اللسان (بدأ).
(3) البيت لأبي خراش الهذلي في شرح أشعار الهذليين 3/ 1194، وقوله:
النهض: النجيح أي: المجدّ (اللسان نجح) ومثول: ذهاب، من: مثل يمثل: زال عن موضعه (اللسان مثل) وأنشد البيت. وروايته فيه «لما يرى» بدل «لصيده».

(4/317)


يقرّبه النّهض النّجيح لصيده ... فمنه بدوّ مرّة ومثول
أي: يظهر مرة ويخفى أخرى، وابتداء الشيء يكون ظهورا، وإن كان الظهور قد يكون ابتداء وغير ابتداء، فلذلك تستعمل «1» كل واحد من الكلمتين في موضع الأخرى كقولهم:
أما بادي بد فإني أحمد الله، وأما بادئ بدء فإني أحمد الله «2»، وقيل في واحد الأبداء التي هي المفاصل من الإنسان وغيره: بدء وبدا مقصور غير مهموز. وجاز في اسم الفاعل أن يكون ظرفا كما جاز في فعيل، نحو: قريب، ومليّ، لأن فاعلا وفعيلا يتعاقبان على المعنى، نحو: عالم وعليم، وشاهد وشهيد، ووال ووليّ، وحسّن ذلك أيضا إضافته إلى الرأي.
وقد أجروا المصدر أيضا في إضافته إليه في قولهم: إما جهد رأي فإنك منطلق، فهذا لا يكون إلا ظرفا وفعل إذا كان مصدرا، وفاعل قد يتفقان في أشياء، وقد يجوز في قول من همز فقال: بادئ الرأي إذا خفف الهمز أن يقول: بادي فيقلب الهمزة ياء لانكسار ما قبلها، فيكون كقولهم: مير في جمع مئرة، وذيب في جمع ذئبة، والعامل في هذا الظرف هو قوله: اتبعك من قوله: ما نراك اتبعك [هود/ 27]، التقدير: ما اتّبعك في أول رأيهم، أو فيما ظهر من رأيهم، إلّا
__________
(1) في الأصل: ما تستعمل.
(2) في اللسان (بدا): وقال اللحياني: أما بادئ بدء فإني أحمد الله، وبادي بدأة، وبادئ بداء، وبدا بدء، وبدأة بدأة، وبادي بدو، وبادي بداء. أي أما بدء الرأي فإني أحمد الله.

(4/318)


أراذلنا، فأخّر الظرف وأوقع بعد إلّا، ولو كان بدل الظرف غيره لم يجز، ألا ترى أنك لو قلت: ما أعطيت أحدا إلا زيدا درهما، فأوقعت بعد إلا اسمين لم يجز، لأن الفعل أو معنى الفعل في الاستثناء يصل إلى ما انتصب به بتوسط الحرف، ولا يصل الفعل بتوسط الحرف إلى أكثر من مفعول، ألا ترى أنك لو قلت: استوى الماء والخشبة، فنصبت الخشبة؛ لم يجز أن تتبعه اسما آخر فتنصبه: فكذلك المستثنى إذا ألحقته إلّا، وأوقعت بعدها اسما مفردا، لم يجز أن تتبعه آخر، وقد جاز ذلك في الظرف، لأن الظرف قد اتّسع فيه في مواضع، ألا ترى أنهم قد قالوا: كم في الدار رجلا، ففصلوا بينهما في الكلام، وقالوا: إن بالزعفران ثوبك مصبوغ، ولو قلت: إن زيدا عمرا ضارب، تريد: إن عمرا ضارب زيدا، لم يجز، وقال الشاعر «1»:
فلا تلحني فيها فإنّ بحبّها ... أخاك مصاب القلب جمّ بلابله
«2» وقياس الحال في هذا قياس الظرف في الجواز، وإن لم يجز غيرهما في ذلك. فإن قلت: فهلّا يجوز أن يكون قوله:
ما نراك من قوله: وما نراك اتبعك اعتراضا، بمنزلتها في قول الأعشى «3»:
__________
(1) سبق في 3/ 411.
(2) جاءت في الأصل: بلا به. وهو سبق قلم.
(3) المذاكي من الخيل: التي قد بلغت أسنانها- المسنفات: المتقدمات القلائص: الإبل، وكانوا في غاراتهم يركبون الإبل ويسوقون أمامها الخيل

(4/319)


وما خلت أبقى بيننا من مودّة ... عراض المذاكي المسنفات القلائصا
والمعنى: وما أبقى بيننا من مودّة، ألا ترى أن قوله:
أبقى، لا يجوز أن يكون مفعول خلت، وإنما المعنى: وما أبقى بيننا من مودة، فكذلك يكون قوله: وما نراك اتبعك كأنه: وما اتبعك ويكون: نراك اعتراضا؛ فالقول: إن الآية لا تكون كالبيت، لأنّ الفعل قد تعدّى إلى المفعول، ولم يتعدّ في البيت إلى المفعول، فحسن الاعتراض به لمّا لم يتعدّ، كما جاز إلغاؤه في قولهم: زيد ظننت منطلق، ولو ألغيته وقد عدّيته إلى مفعول، لم يجز، وكذلك إذا اعترضت به، فلا يكون قوله اتبعك بمنزلة خلت في بيت الأعشى. فإن قلت: فقد قال آخر «1»:
وما أراها تزال ظالمة ... تحدث لي قرحة وتنكؤها
فعدّى أرى إلى الضمير، وجعل أراها اعتراضا، قيل: لا يكون قوله: نراك بمنزلة قوله: وما أراها، وذلك أن الضمير في أراها يكون كناية عن المصدر فلا يقتضي مفعولا ثانيا، وفي قوله: وما نراك المفعول فيه للخطاب، والخطاب لا يكون كناية عن المصدر فلا تكون الآية في قياس البيت، فلو قلت:
__________
فلا يركبونها إلا إذا قاربوا موضع الغارة حتى لا يتعبوها ويجهدوها لينزلوا بها إلى القتال موفورة القوة والنشاط. انظر ديوان الأعشى/ 151.
(1) البيت لابن هرمة. وهو من شواهد المغني، انظر شرح أبياته للبغدادي 6/ 221.

(4/320)


ما ضرب القوم إلا بعضهم بعضا، لم يجز، وتصحيحها: ما ضرب القوم أحدا إلا بعضهم بعضا، تبدل الاسمين بعد إلا من الاسمين قبلها، فإن قلت: فكيف تقدير قول الأعشى:
وليس مجيرا إن أتى الحيّ خائفا ... ولا قائلا إلا هو المتعيّبا
«1» فإن المتعيّب يكون على مضمر تقديره: يقول المتعيّبا، تحمل: «إلا هو» على المعنى لأن المعنى: ولا يقول أحد إلا هو، فحملته في هذا على المعنى، كما حملته عليه في قولهم:
ما قام إلا هند. فإن قلت: أحمل المتعيّب على المعنى، لأن المعنى يقول: هو المتعيّبا، فهو قول.
فأما تحقيق الهمزة وتخفيفها في الرأي، فأهل تحقيق الهمز يحققونها، وأهل التخفيف يبدلون منها الألف، وكذلك ما أشبه هذا من نحو: الباس والراس والفاس.

[هود: 28]
اختلفوا في فتح العين وتخفيف الميم، وضمّ العين وتشديد الميم من قوله عز وجلّ: فعميت عليكم [هود/ 28].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر فعميت* بتخفيف الميم وفتح العين.
__________
(1) ليس مجيرا: أي أنه لا يملك أن يؤمن رجلا فيجعله في جواره لأن الناس لا يحترمون هذا الجوار، وإنما يحترمون جوار القوي، فلا يجرءون على أن ينالوا جاره بالأذى، والمتعيّب: اسم مفعول من تعيب، أي: عاب وتنقص، ديوانه/ 113.

(4/321)


وقرأ حمزة والكسائيّ فعميت بضم العين وتشديد الميم، وكذلك حفص عن عاصم فعميت مثل حمزة «1».
قال أبو علي: يدل على قوله: فعميت* اجتماعهم في قوله: فعميت عليهم الأنباء يومئذ [القصص/ 66]، وهذه مثلها، ويجوز في قوله: فعميت عليكم أمران: أحدهما أن يكون عموا هم عنها، ألا ترى أن الرحمة لا تعمى وإنّما يعمى عنها، فيكون هذا كقولهم: أدخلت القلنسوة في رأسي، ونحو ذلك مما يقلب إذا لم يكن فيه إشكال، وفي التنزيل: ولا تحسبن الله مخلف وعده رسله [إبراهيم/ 46] وقال الشاعر «2»:
ترى الثور فيها مدخل الظلّ رأسه ... وسائره باد إلى الشّمس أجمع
والآخر: أن يكون معنى عميت: خفيت. كقوله «3»:
__________
(1) السبعة 332.
(2) من شواهد سيبويه التي لم ينسبها. أراد: مدخل رأسه الظل. الكتاب 1/ 92 - أمالي المرتضى 1/ 55 - تأويل مشكل القرآن/ 194.
(3) البيتان لذي الرمة و «صرى»: طال حبه- وعافي الثنايا: دارس الطرق والآجن: المتغيّر، والمخاض: الحوامل، والضوارب: تضرب من دنا منها لأنها لواقح وقوله: شرك بالجر، ردّها على «ماء» في البيت السابق، ورواها في اللسان (عمي) بالنصب، وقال: وعم شرك، كما يقال: عم طريقا. وعم مسلكا، يريد: الطريق ليس بيّن الأثر، وشرك الطريق: جوادّه، الواحدة شركة. ورواية الديوان «شرك» بالرفع، وأشار في الشرح إلى رواية النصب ووجهها. وعجز البيت الثاني:
مراريّ مخشيّ به الموت ناضب قوله: بيني وبينه مراري، أي: بيني وبين الماء مراريّ، الواحدة

(4/322)


وماء صرى عافي الثّنايا كأنّه ... من الأجن أبوال المخاض الضّوارب
عم شرك الأقطار بيني وبينه ...
أي: خفي. وقال آخر «1»:
ومهمه أطرافه في مهمه ... أعمى الهدى في الحائرين العمّه
أي خفيّ الهدى، ألا ترى أنّ الهدى ليس بذي جارحة تلحقها هذه الآفة. ومن هذا قيل للسحاب: العماء، لإخفائه ما يخفيه، كما قيل له الغمام، ومن هذا قول زهير «2»:
ولكنّني عن علم ما في غد عم وقولهم: أتانا صكّة عميّ «3»: إذا أتى في الهاجرة وشدّة الحرّ؛ يحتمل عندنا تأويلين: أحدهما أن يكون المصدر أضيف
__________
مروراة، وهي الأرض البعيدة المستوية. وقوله: مخشيّ، رده على عم.
انظر ديوانه 1/ 198 - 200 واللسان مادة/ صري وعمي/.
(1) البيت لرؤبة من أرجوزة يصف بها نفسه .. برواية «الجاهلين» بدلا من «الحائرين» في ديوانه. والرجل العمه: المتردد في رأيه أو أعمى القلب.
انظر ديوانه/ 166 واللسان مادة/ عمه/- وشرح شواهد الشافية/ 202 وشرح شواهد العيني 3/ 345.
(2) عجز بيت لزهير وصدره:
وأعلم ما في اليوم والأمس قبله وهو من معلقته، انظر شرح المعلقات للزوزني/ 86.
(3) في اللسان (صكك): الصكة: شدة الهاجرة، يقال: لقيته صكة عمي وصكة أعمى، وهو أشد الهاجرة حرا. قال بعضهم: عمي: اسم رجل من العماليق أغار

(4/323)


إلى العمى «1» كما قالوا: ضرب التّلف، أي: الضّرب الذي يحدث عنه التلف، ويقوّي ذلك أنّه قد جاء في الشعر:
ويهجمها بارح ذو عمى «2» أي: بارح يكون عنه العمى لشدّة حره.
ويمكن أن يكون العميّ تصغير أعمى على وجه الترخيم، وأضيف المصدر إلى المفعول به كقوله: من دعاء الخير [فصلت/ 49]، ولم يذكر الفاعل الذي هو الحر والتقدير:
صكّ الحرّ الأعمى، والمعنى: أنّ الحرّ من شدته، كأنّه يعمي من أصابه، والمصدر في الوجهين ظرف، نحو مقدم الحاج، وخفوق النجم. ومن قال: عميت اعتبر قراءة أبيّ والأعمش:
فعماها عليكم، وإسناد الفعل إلى المفعول به في عميت من عماها في المعنى.

[هود: 40]
قال: وكلّهم قرأ من كل زوجين اثنين [هود/ 40] مضافا، غير حفص، فإنه روى عن عاصم: من كل زوجين اثنين* منوّنا، وكذلك في المؤمنين [27].
أبو بكر عن عاصم: من كل زوجين مضاف «3».
قال أبو الحسن: تقول للاثنين: هما زوجان، وقال:
ومن كل شيء خلقنا زوجين [الذاريات/ 49]، وتقول للمرأة:
__________
على قوم وقت الظهيرة فاجتاحهم فجرى به المثل. ويقال: هو تصغير أعمى.
(1) جاء رسمها في الأصل بالألف الممدودة «العماء».
(2) لم نعثر على قائله. والبارح: الريح الحارّة في الصيف.
(3) السبعة 333.

(4/324)


هي زوج، وهو زوجها، وقال: وخلق منها زوجها [النساء/ 6]، يعني المرأة. وقال: أمسك عليك زوجك [الأحزاب/ 37]، قال: وقال بعضهم: الزوجة، قال الأخطل «1»:
زوجة أشمط مرهوب بوادره ... قد صار في رأسه التّخويص والنّزع
قال أبو الحسن: وقد يقال للاثنين هما زوج، قال لبيد «2»:
من كلّ محفوف يظلّ عصيّه ... زوج عليه كلّة وقرامها
انتهى كلام أبي الحسن «3».
قال أبو علي: ويدلّ على أن الزوج يقع على الواحد قوله: ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين ... ومن
__________
(1) ديوانه 1/ 360. خوصه الشيب: إذا أخذ رأسه كله، والبوادر: ج بادرة وهي ما يبدر أي يسبق من الحدة والغضب- والنزع: انحسار الشعر من جانبي الجبهة.
(2) المحفوف: الهودج الذي ستر بالثياب- عصيه: عصي الهودج- والزوج: النمط الواحد من الثياب كذا فسره شراح المعلقات، وهو خلاف ما فسره أبو الحسن من أنه قد يقال للاثنين هما زوج قال في اللسان: وقال بعضهم: الزوج هنا النمط يطرح على الهودج ويشبه أن يكون سمي بذلك لاشتماله على ما تحته اشتمال الرجل على المرأة. وهذا ليس بقوي. كلة: ستر رقيق.
القرام: الغطاء، وهو الستر المرسل على جانب الهودج.
انظر شرح المعلقات السبع 531 وديوانه/ 166 واللسان/ زوج/.
(3) معاني القرآن 1/ 142 مع اختلاف يسير وتقديم وتأخير.

(4/325)


الإبل اثنين «1» ومن البقر اثنين [الأنعام/ 142 - 143]، قال:
وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج [الزمر/ 6].
قال الكسائيّ: فيما حدّثنا محمد بن السري أن أكثر كلام العرب بالهاء يعني في قولهم: هي زوجته، قال الكسائيّ:
وزعم القاسم معن أنه سمعها من الأزد أزد شنوءة. قال أبو علي: فأما ما كان من هذا في التنزيل، فليس فيه هاء، قال:
اسكن أنت وزوجك الجنة [البقرة/ 35]، ومما يدلّ على أنه بغير هاء قول الشاعر «2»:
وأراكم لدى المحاماة عندي ... مثل صون الرجال للأزواج
فالأزواج: جمع زوج بلا هاء، ولو كان في الواحد الهاء لكان كروضة ورياض، فلما قال: أزواج، علمت أنه جعله مثل ثوب وأثواب، وحوض وأحواض. ويمكن أن يقول الكسائيّ:
إن هذا جمع على تقدير حذف التاء كما قيل: نعمة وأنعم، فجمع على حذف التاء مثل: قطع وأقطع وجرو وأجر، ويمكن أن يقول: إنه على قول من قال: زوج فلم يلحقه الهاء، ويقال: لكل زوجين قرينان، وقيل في قوله: وزوجناهم بحور عين [الدخان/ 54] أي: قرنّاهم بهنّ، وليس من عقد التزويج على ما رويناه عن ابن سلام عن يونس «3»، وذاك أنه
__________
(1) في الأصل: الاثنين وهو غلط.
(2) لم نقف على قائله.
(3) جاء على حاشية (ط): بلغت.

(4/326)


حكى عن يونس أن العرب لا تقول: تزوجت بها، إنما يقولون:
تزوجتها، وحمل يونس، قوله: وزوجناهم بحور عين على:
قرناهم، والتنزيل يدل على ما قال يونس وذلك قوله: فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها [الأحزاب/ 37] ولو كان على تزوّجت بها لكان زوّجناك بها، وقال ابن سلّام، وقال أبو البيداء: تميم تقول: تزوجت امرأة، وتزوجت بامرأة، ولا يبعد أن يكون قوله:
زوجناكها على أنه حذف الحرف فوصل الفعل، فأما قوله:
أو يزوجهم ذكرانا وإناثا [الشورى/ 50] فعلى معنى يقرنهم في هبته ذكرانا وإناثا، وكذلك قوله: وكنتم أزواجا ثلاثة [الواقعة/ 7]، فأصحاب الميمنة زوج، وأصحاب المشأمة زوج، والسابقون كذلك. وأما قوله: وآخر من شكله أزواج [ص/ 58] فإنّه يذكر في مكانه من هذا الكتاب إن شاء الله.
من قال: من كل زوجين اثنين كان قوله: اثنين مفعول الحمل، والمعنى: احمل من الأزواج إذا كانت اثنين اثنين زوجين، فالزوجان في قوله: من كل زوجين يراد بهما الشّياع، وليس يراد بذلك الناقص عن الثلاثة، ومثل ذلك قوله:
... فما لك بالذي ... لا تستطيع من الأمور يدان
«1»
__________
(1) قطعة بيت تمامه:
فاعمد لما يعلو فمالك بالذي وهو في شرح الأبيات المشكلة الإعراب- إيضاح الشعر- للمصنف ص 151 استشهد به هناك لما استشهد به هنا، وقال: أنشد الأصمعي لعلي بن الغدير الغنوي، وكذا نسبه العسكري في شرح ما يقع فيه التصحيف والتحريف ص 408 ونسبه في اللسان (يدي) (علا) إلى كعب بن سعد الغنوي.

(4/327)


إنّما يريد تشديد انتفاء قوته عنه، وتكثيره، ويبين هذا المعنى قول الفرزدق «1»:
وكلّ رفيقي كلّ رحل وإن هما ... تعاطى القنا قوماهما أخوان
فرفيقان اثنان لا يكونان رفيقي كلّ رحل، وإنما يريد الرفقاء إذا كانوا رفيقين رفيقين.
ومن نوّن فقال: من كل زوجين اثنين فحذف المضاف من كلّ، ونوّن، فالمعنى: من كلّ شيء ومن كلّ زوج زوجين اثنين، فيكون انتصاب اثنين على أنه صفة لزوجين. فإن قلت:
فالزوجان قد فهم أنّهما اثنان، فكيف جاز وصفهما بقوله:
اثنين، فإنّ ذلك إنّما جاء للتأكيد والتشديد كما قال: لا تتخذوا إلهين اثنين [النحل/ 51]، وقد جاء في غير هذا من الصفات ما مصرفه إلى التأكيد، كمن قرأ: نعجة أنثى، وكقولهم: أمس الدابر، وأمس المدبر، وقوله: نفخة واحدة [الحاقة/ 13]، وقد علم من النفخة أنها واحدة. وقال: ومناة الثالثة الأخرى [النجم/ 20].
ومثل هذا في أنّه حمل مرة على الإضافة، وأخرى على التنوين قوله: وآتاكم من كل ما سألتموه [إبراهيم/ 34] ومن كل ما سألتموه. فمن أضاف كان المفعول محذوفا تقديره: من كلّ مسئول شيئا، أو مسئولا ونحو ذلك، ومثل ذلك: يخرج لنا مما تنبت الأرض [البقرة/ 61] أي: شيئا، فحذف المفعول،
__________
(1) ديوانه/ 870 وانظر شرح أبيات المغني للبغدادي 4/ 208.

(4/328)


ويجوز في قياس قول أبي الحسن أن يكون الجار والمجرور في موضع نصب، وتكون من زائدة في الإيجاب كما تكون زائدة في غير الإيجاب.

[هود: 41]
اختلفوا في ضمّ الميم وفتحها من قوله عز وجل:
مجراها [هود 41].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر وابن عامر: مجراها بضم الميم.
وقرأ حمزة والكسائيّ: مجراها بفتح الميم وكسر الراء، وكذلك حفص عن عاصم: مجراها بفتح الميم، وكسر الراء من غير إضافة. قال: وليس يكسر في القرآن غير هذا الحرف، يعني الراء في: مجراها.
[هود: 41]
وكلّهم قرأ: ومرساها [41] بضم الميم.
وكان ابن كثير وابن عامر يفتحان الراء والسين «1».
وكان نافع وعاصم في رواية أبي بكر يقرءانها بين الكسر والتفخيم.
وكان أبو عمرو وحمزة والكسائيّ يميلون الراء من مجراها ويفتح أبو عمرو وحفص عن عاصم السين من مرساها، وأمالها حمزة والكسائي. وليس فيهم أحد جعلها نعتا «2».
__________
(1) في السبعة: يفتحان الراء من (مجرها) والسين من (مرساها).
(2) السبعة 333.

(4/329)


قال أبو علي: يجوز في قوله: بسم الله مجراها ومرساها أن يكون حالا من شيئين: من الضمير الذي في قوله: اركبوا ومن الضمير الذي في فيها، فإن جعلت قوله:
بسم الله مجراها خبر مبتدأ مقدّم في قول من لم يرفع بالظرف، أو جعلته مرتفعا بالظرف، لم يكن قوله: بسم الله مجراها إلا جملة في موضع الحال من الضمير الذي في فيها، ولا يجوز أن يكون من الضمير في قوله: اركبوا لأنه لا ذكر فيها يرجع إلى الضمير، ألا ترى أن الظرف في قول من رفع بالظرف قد ارتفع به الظاهر، وفي قول من رفع في هذا النحو بالابتداء، قد حمل في الظرف ضمير المبتدأ! فإذا كان كذلك، خلت الجملة من ذكر يعود من الحال إلى ذي الحال، وإذا خلا من ذلك، لم يكن إلّا حالا من الضمير الذي في فيها ويجوز أن يكون قوله: بسم الله حالا من الضمير الذي في اركبوا، على أن لا يكون الظرف خبرا عن الاسم الذي هو مجراها على ما كان في الوجه الأول، ولا يكون حالا عن الضمير على حدّ قولك: خرج بثيابه، وركب في سلاحه، والمعنى: ركب مستعدّا بسلاحه، أو متلبّسا بثيابه، وفي التنزيل: وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به [المائدة/ 61]، فكأنّ المعنى: اركبوا متبرّكين باسم الله، ومتمسّكين بذكر اسم الله. فيكون في بسم الله ذكر يعود إلى المأمورين، فإن قلت: فكيف اتصال المصدر الذي هو:
مجراها بالكلام على هذا، فإنه يكون متعلّقا بما في بسم الله من معنى الفعل، وجاز تعلّقه به لأنه يكون ظرفا على

(4/330)


نحو: من مقدم الحاج، وخفوق النجم، كأنه: متبرّكين، أو متمسّكين في وقت الجري، أو الإجراء، أو الرسوّ، أو الإرساء، على حسب الخلاف بين القراء ولا يكون الظرف متعلقا ب اركبوا لأن المعنى ليس عليه، ألا ترى أنه لا يراد:
اركبوا فيها في وقت الجري والثبات، إنما المعنى: اركبوا الآن متبرّكين باسم الله في الوقتين اللذين لا ينفكّ الراكبون فيها منهما من الإرساء والإجراء، ليس يراد: اركبوا وقت الجري والرسوّ، فموضع مجراها نصب على هذا الوجه بأنه ظرف عمل فيه المعنى، وفي الوجه الأول رفع بالابتداء أو بالظرف، يدلّ على أنه في الوجه الأول رفع، وأن ذلك الفعل الذي كان يتعلق به، لا معتبر الآن قول الشاعر «1»:
وا بأبي «2»
أنت وفوك الأشنب ... كأنّما ذرّ عليه زرنب
وأما قوله: مجراها فحجة من فتح قوله: وهي تجري بهم في موج كالجبال [هود/ 42]، ولو كان مجراها لكان: وهي تجريهم.
وحجّة من ضمّ: أن جرت بهم، وأجرتهم يتقاربان في المعنى، فإذا قال: تجري بهم فكأنّه قال: تجريهم، ويقال:
__________
(1) رجز لبعض بني تميم وهو الشاهد رقم 684 من شواهد المغني والزرنب: النبات الطيب الرائحة وقد ورد في المغني: «الزرنب».
انظر شرح العيني 4/ 310 التصريح 2/ 197 والهمع 2/ 106 والدرر 2/ 139 واللسان مادة/ زرنب/.
(2) في الأصل (ط): وا بأنت.

(4/331)


جرى الشيء وجريت به، وأجريته، مثل: ذهب وذهبت به، وأذهبته. فمن قرأ: مجراها فهو مصدر من: جرى الشيء يجري، ويدلّ على مجراها قوله: وهي تجري بهم، ويقال: رسا الشيء يرسو، قال «1»:
فصبرت عارفة لذلك حرّة ... ترسو إذا نفس الجبان تطلّع
وقال: والجبال أرساها [النازعات/ 32]، وألقى في الأرض رواسي [النحل/ 15] فهذا يدلّ على رسا.
وقوله: أيان مرساها [الأعراف/ 187] يدلّ على أرسى.
وأمّا إمالة الألف من مرساها وتفخيمها فكلاهما حسن.
وقول أحمد بن موسى: وليس منهم أحد جعلها اسما.
يريد: ليس منهم أحد جعله اسم الفاعل وأجراها على اسم الله، فيقول: مجريها ومرسيها. وهي قراءة قد قرأ بها غيرهم، وليس ذلك بالوجه، لأنها لم تجر بعد، ولو جرت لكان فعل حال، فلا يكون صفة للمعرفة، فإذا لم يحسن على هذا الوجه حمل على البدل، بدل النكرة من المعرفة، كقوله: بالناصية ناصية كاذبة [العلق/ 15 - 16].
__________
(1) البيت لعنترة العبسي من قصيدة قالها حين أغارت طيء على عبس- ومعناه أني حبست نفسا عارفة للشدائد.
انظر ديوانه/ 264 والأمالي الشجرية 1/ 145 واللسان مادة/ عرف/.

(4/332)


[هود: 42]
اختلفوا في كسر الياء وفتحها من قوله: يا بني اركب معنا [هود/ 42].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائيّ: يا بني اركب معنا مضافة بكسر الياء.
وكذلك كلّ ما أضافه المتكلم إلى نفسه، فالياء فيه مكسورة، إذا كان الابن واحدا إلّا أنّ ابن كثير روي عنه في سورة لقمان أنه قرأ الأحرف الثلاثة [13، 16، 17] مختلفة الألفاظ فكان يقرأ «1»: يا بني لا تشرك [13] بحذف ياء الإضافة، ولا يشدّد ويسكن الياء، وقرأ الثانية: يا بني إنها [16] مشدّدة الياء مكسورة. وقرأ الثالثة: يا بني أقم [17] مثل الأولى ساكنة الياء، هكذا قرأت على قنبل عن القوّاس وتابع البزيّ القواس في الأوليين، وخالفه في الثالثة [فقرأ]: يا بني أقم بفتح الياء.
وروى أبو بكر عن عاصم يا بني اركب معنا مفتوحة الياء في هذا الموضع، وسائر القرآن مكسورة الياء مثل حمزة وروى حفص عنه بالفتح في كلّ القرآن يا بني إذا كان واحدا «2».
قال أبو علي: الكسر في الياء الوجه في قوله يا بني وذلك أن اللام في ابن ياء أو واو حذفت من ابن، كما حذفت من اسم واثنين، وإذا حقّرت ألحقت ياء التحقير، فلزم أن تردّ
__________
(1) تكررت في (ط).
(2) السبعة 333 - 334 وما بين معقوفين منه.

(4/333)


اللام التي حذفت، لأنّك لو لم تردّها لوجب أن تحرّك ياء التحقير بحركات الإعراب، وتعاقبها عليها، وهي لا تحرّك أبدا بحركة الإعراب ولا غيرها، ألا ترى أنّ من خفّف الهمزة الساكن ما قبلها نحو: الخبء [النحل/ 27] لم يفعل ذلك في الهمزة في نحو: أفياء، إنّما تبدل من الهمزة ياء، ويدغم فيها ياء التحقير كما يفعل ذلك مع ياء خطيئة، وواو مقروءة، ونحو ذلك من حروف المدّ التي لا تحرك. فإذا قلت: إن ياء التصغير أجريت هذا المجرى، علمت أنها لا تحرّك، كما لا تتحرك حروف المدّ التي أجريت ياء التحقير مجراها. ومما يدلّ على امتناع إلقاء حركة الإعراب على ياء التحقير أن حروف اللين إذا كانت حرف الإعراب، انقلبت ألفا نحو: عصا وقفا، فإن قلت: كيف انقلبت وحركة الإعراب غير لازمة؟ هلّا لم تنقلب كما لم تنقلب الواو المضمومة همزة في نحو: لا تنسوا الفضل بينكم [البقرة/ 237] حيث كانت غير لازمة. قيل: إن الحركة من حركات الإعراب، وإن كانت لا تلزم بعينها الحرف، فلا بدّ من لزوم حركة لغير عينها، فصارت حرف الإعراب لذلك، كأنه قد لزمته حركة واحدة، وهذا المعنى يوجب القلب، ألا ترى أنّ مثال الماضي من نحو: دعا، ورمى، قد لزم حرف الإعراب فيه الانقلاب، وكذلك لزم انقلاب لام نحو: عصا، ورحا، لأنّه لا يخلو من أن تلزمه حركة ما. فصار لذلك بمنزلة دعا، وقضى، ولم يكن بمنزلة قولهم: هذا فخذ، إذا وقعت ضمّة الإعراب فيها بعد كسرة العين من فخذ، لأنها لا تلزم، فالحركة التي ليست بعينها في إيجاب القلب، ليست كالحركة المعيّنة، فلو لم تردّ

(4/334)


اللام مع ياء التحقير وجعلتها محذوفة في التحقير، كما حذفتها في التكسير، للزم الياء التي للتحقير الانقلاب، كما لزم سائر حروف الإعراب، فتبطل دلالتها على التحقير،
كما أن الألف في التكسير لو حرّكتها لبطلت دلالتها على التكسير، فلذلك رددت اللام، فإذا رددتها، وأضفت إلى نفسك، اجتمعت ثلاث ياءات. الأولى منها التي للتحقير، والثانية لام الفعل والثالثة التي للإضافة، تقول: هذا بنيّي، فإذا ناديت جاز فيه وجهان: إثبات الياء وحذفها، فمن قال: يا عبادي فأثبت، فقياس قوله أن يقول: يا بنيّي. ومن قال: يا عباد* قال: يا بني، فحذف التي للإضافة وأبقى الكسرة دلالة عليها. وهذا الوجه هو الجيّد عندهم، وذاك أن الياء ينبغي أن تحذف في هذا الموضع لمشابهتها التنوين، وذاك من أجل ما بينهما من المقاربة، ومن ثمّ أدغم في الياء والواو وهي على حرف كما أن التنوين كذلك، ولا تنفصل من المضاف كما لا ينفصل التنوين لمّا شابهها من هذه الوجوه، ومن غيرها أجريت الياء مجرى التنوين في حذفها من المنادى، كحذف التنوين منه، فقالوا: يا بنيّ، كما تقول: يا غلام، فتحذف الياء، وتبقي الكسرة دلالة عليها، فتقول على هذا: يا بنيّ أقبل. فإن قلت:
فهلّا أثبت أبو عمرو الياء هنا، فقال: يا بنيي كما حكاه سيبويه عنه أنه قرأ: يا عبادي فاتقون «1» [الزمر/ 39] بإثبات
__________
(1) الكتاب 1/ 316، قال الأستاذ النفاخ في فهرس شواهده: وغير معروف ذلك عن أبي عمرو عند القراء، وأخشى أن يكون قد التبس هذا الحرف على سيبويه بقوله تعالى: (يا عباد لا خوف عليكم) [الزخرف/ 68] فإن

(4/335)


الياء في يا عبادي فإنه يجوز أن يحذفها هنا، وإن أثبتها في قوله: يا عبادي لاجتماع الأمثال، ويجوز أن يكون أخذ بالوجهين جميعا، لأن إثبات الياء في المفرد وجه، فجعله بمنزلة الهاء في غلامه، وبمنزلة الندبة في: وا غلامك.
قال أحمد: إلا أن ابن كثير روي عنه في سورة لقمان أنه قرأ الثلاثة الأحرف مختلفة الألفاظ، فكان يقرأ يا بني* بحذف ياء الإضافة، ولا يشدّد، ويسكن الياء.
قال أبو علي: إذا قرئت على هذا، فقد حذفت ياء الإضافة، وحذفت الياء التي هي لام الفعل وبقيت الياء التي للتصغير. ووجه ذلك أنه على قوله على: «يا بنيّ أقبل» في الوصل، فإذا وقف قال: يا بنيّ، بياءين، مدغمة الأولى منهما في الأخرى، وخفّف في الوقف، كما يخفف في ضر وسر، فالراء من ضر مشددة، وكما خفّف في قول عمران «1»:
قد كنت جارك حولا ما تروّعني ... فيه روائع من إنس ولا جان
فخفف النون للوقف، وأطلقها كما شدّد للوقف، وأطلقها
__________
أبا عمرو قرأه بإثبات الياء ساكنة في الوصل والوقف، مع أنه في مصاحف أهل البصرة بغير ياء، واحتج لذلك بأنه رأى الياء ثابتة في مصاحف أهل المدينة والحجاز ... (الفهرس 42).
(1) هو عمران بن حطان الحروري، وهو في المحتسب 2/ 76 واللسان (جنى) وروايته فيه: قد كنت عندك.

(4/336)


في نحو «سبسبّا» «1» و «عيهلّي» «2». فلمّا حذفت الياء المدغم فيها بقيت الياء ساكنة، والموقوف عليها ياء التصغير، وكان ينبغي أن يكون ذلك في الوقف، فإن وصلها ساكنة فهو قياس «من إنس ولا جان» «3» في أنه خفّف، وأدرجه بحرف الإطلاق، وكذلك وصله بقوله: إنها* [لقمان/ 16]. وغير هذا الوجه في القراءة أولى، وقياس هذا على ما ذكرت لك، ولو كان هذا في فاصلة كان أحسن، لأن الفاصلة في حكم القافية. فإن قلت:
فهلّا امتنع ذلك في الوقف على ياء التصغير، وياء التصغير لا يوقف عليها، ولا يلحق آخر الكلمة؛ قيل: إنها ليست في حكم الآخرة، وإن كان اللفظ على ذلك من حيث كان الحرف المحذوف للتخفيف في الوقف في حكم المثبت، لأن الحذف ليس بلازم له، يدلّك على ذلك قول الشاعر «4»:
إن عديا ركبت إلى عدي ... وجعلت أموالها في الحطمي
__________
(1) يشير في ذلك إلى بيت رؤبة:
وهبت الريح بمور هبا ... تترك ما أبقى الدبى سبسبّا
وقد سبق انظر 1/ 65 و 410.
(2) يشير في ذلك إلى بيت منظور بن مرثد الأسدي وهو:
نسلّ وجد الهائم المغتلّ ... ببازل وجناء أو عيهل
وقد سبق انظر 1/ 151، 410 و 2/ 362.
(3) سبق قريبا.
(4) سبق انظر 2/ 301.

(4/337)


ارهن بنيك عنهم أرهن بني فالياء من بني مخففة للوقف، والتقدير: ارهن بنيّ يا هذا، فلمّا وقف عليه أسكن وخفّف، والياء المحذوفة في نية الثبات وحكمه، يدلّك على ذلك أنه لو كان على خلاف هذا لردّ النون في بنين، فلما لم يردّ النون، ولم يجز أن يردّها للخروج عن القافية، علمت أنها في حكم الثبات.
ومثل هذا ممّا هو في حكم الثبات في اللفظ، وإن كان محذوفا منه قوله «1»:
وكحّل العينين بالعواور
__________
(1) من رجز لجندل بن المثنى الطهوي وهو:
غرّك أن تقاربت أباعري ... وأن رأيت الدهر ذا الدوائر
حنى عظامي وأراه ثاغرى ... وكحّل العينين بالعواور
وهو من شواهد سيبويه 2/ 374 والخصائص 1/ 195 و 3/ 164 و 326 والمحتسب 1/ 107 - 290. المنصف 2/ 49 و 3/ 50 شواهد الشافية 374 واللسان مادة/ عور/.
قال الأعلم: الشاهد فيه: تصحيح واو العواور الثانية، لأنه ينوي الياء المحذوفة من العواوير، والواو إذا وقعت في مثل هذا الموضع لم تهمز لبعدها من الطرف الذي هو أحق بالتغيير والاعتلال، ولو لم تكن فيه ياء منويّة للزم همزها. والعواوير: جمع عوّار، وهو وجع العين، وهو أيضا ما يسقط في العين فيؤلمها، وجعل ذلك كحلا للعين على الاستعارة.
(طرة الكتاب 2/ 374).

(4/338)


فلولا أن الحرف في حكم الثبات، لهمزت كما همزت أوائل ونحوه.
ومثل هذا الحرف المحذوف للتخفيف، الحذف في قولهم: ضوء، وشيء، ومثله الحركة المحذوفة في قولهم:
لقضو الرجل، وقولهم: رضي. كلّ هذا وإن كان محذوفا في اللفظ فهو في حكم الثبات فيه، كما كان المحذوف فيه بعد ياء التحقير من: يا بني، في حكم الثبات.
وأمّا مخالفة البزيّ القواس في الثالثة، وقراءته لها: يا بني أقم بفتح الياء، ورواية أبي بكر عن عاصم في هذا الموضع كذلك؛ فالقول فيه أنه أراد به الإضافة، كما أرادها في قوله: يا بني* إذا كسر الياء التي هي لام الفعل، كأنه قال: يا بني* ثم أبدل من الكسرة الفتحة، ومن الياء الألف، فصار: يا بنيّا، كما قال «1»:
يا بنت عمّا لا تلومي واهجعي ثمّ حذف الألف، كما كان يحذف الياء في: يا بني إنها وقد حذفت الياء التي للإضافة، إذا أبدلت الألف منها، أنشد أبو الحسن «2»:
فلست بمدرك ما فات مني ... بلهف ولا بليت ولا لوانّي
__________
(1) سبق ذكره في ص 91.
(2) سبق ذكره ص 92.

(4/339)


قال: كذا سمعناه من العرب، فقوله: بلهف، إنّما هو بلهفى، فحذف الألف، وقد أجريت الألف مجرى الياء في الحذف في هذا النحو في الشعر وغيره، وإن لم يكثر فقالوا:
أصاب الناس جهد، ولو تر ما أهل مكة، فحذفت الألف من ترى «1». كما حذفت الياء من يوم يأت لا تكلم نفس [هود/ 105] ونحوه، وحذف في الشعر من القافية، كما حذفت الياء قال «2»:
ورهط ابن المعل وكذلك حذف الألف في بنيّ، كما حذف في النداء نحو: يا بنيّ، ولا يجوز أن يكون الحذف فيه على إرادة الندبة، قال أبو عثمان: ومن قال ذلك فقد أخطأ، قال: وذلك أن من كان من العرب لا يلحق في الندبة الألف فإنه يجعله نداء، فلو حذفها صار نداء على غير جهة الندبة، قال أبو عثمان: ووضع الألف مكان الياء في الإضافة مطّرد، وأجاز: يا زيد أقبل «3». إذا أردت الإضافة، قال: وعلى هذا قراءة من
__________
(1) انظر 1/ 141.
(2) قطعة من بيت سبق في 1/ 79، 141 و 4/ 92 في هذا الجزء.
(3) في الكشف عن وجوه القراءات لمكي 1/ 530: وقد أجاز المازني: «يا زيدا تعال» يريد: يا زيدي، ثم أبدل من كسرة الدال فتحة، ومن الياء ألفا. قال المازني: وضع الألف مكان الياء مطرد، وعلى هذا قرأ ابن عامر: «يا أبت» بفتح التاء، أراد: يا أبتي.

(4/340)


قرأ، يا أبت لم تعبد [مريم/ 42] ويا قوم لا أسألكم [هود/ 29]، وأنشد أبو عثمان «1»:
وقد زعموا أنّي جزعت عليهما ... وهل جزع إن قلت وا بأباهما
فهذا الوجه أوجه من الإسكان، وقد أجازه أبو عثمان ورآه مطّردا، فعلى رأي أبي عثمان يكون ما رواه حفص عن عاصم أنه قرأ في كلّ القرآن: يا بني إذا كان واحدا.

[هود: 46]
اختلفوا في قوله تعالى: إنه عمل غير صالح [46] فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر وحمزة: إنه عمل رفع منون. غير صالح برفع الراء. وقرأ الكسائيّ وحده: إنه عمل غير صالح بفتح العين وكسر الميم، وفتح اللام، غير صالح بنصب الراء «2».
قال أبو علي: قول من قال: عمل فنوّن عملا، أن الضمير في إنه* قد قيل فيه أن المراد به أنّ سؤالك ما ليس لك به علم غير صالح، ويحتمل أن يكون الضمير لما دلّ عليه:
اركب معنا ولا تكن مع الكافرين
[هود/ 42]، فيكون التقدير: إنّ كونك مع الكافرين وانحيازك إليهم، وتركك
__________
(1) البيت مع آخر بعده في النوادر ص 365 (ط. الفاتح) ونسبهما لامرأة من بني سعد جاهلية، وفي ابن يعيش 2/ 12. وفي اللسان (أبي) ونسبهما إلى درنى بنت سيار بن ضبرة ترثي أخويها ويقال لعمرة الخثيميّة. وقولها:
وا بأباهما تريد: وا بأبي هما.
(2) السبعة 334.

(4/341)


الركوب معنا والدخول في جملتنا عمل غير صالح، ويجوز أن يكون الضمير لابن نوح كأنه جعل عملا غير صالح كما يجعل الشيء الشيء لكثرة ذلك منه كقولهم: الشعر زهير، أو يكون المراد أنه ذو عمل غير صالح، فحذف المضاف.
فأما قول نوح: إن ابني من أهلي [هود/ 45]، وقوله تعالى: إنه ليس من أهلك [هود/ 46]، فيجوز أن يكون نوح قال ذلك على ظاهر ما شاهد من ابنه من متابعته له، وتصديقه إياه. فقال له: ليس من أهلك أي: من أهل دينك، فحذف المضاف، ويجوز أن يكون المعنى: ليس من أهلك الذين وعدتهم أن أنجيهم من الغرق، لمخالفته لك من الدين، فبعّد المخالفة في الدين قرب النسب الذي بينكما للمباينة في الإيمان، كما تقرّب الموالاة فيه مع البعد في النسب، قال:
إنما المؤمنون إخوة [الحجرات/ 10].
ويجوز أن يكون الله تبارك وتعالى أطلع نوحا على باطن أمره، كما أطلع محمدا رسوله عليه السلام على ما استبطنه المنافقون.
ومن قرأ: إنه عمل غير صالح فقد زعموا أن ذلك روي عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم «1»، فيكون هذا في المعنى كقراءة من قرأ:
إنه عمل غير صالح وهو يجعل الضمير لابن نوح، فتكون
__________
(1) أخرجه الترمذي في أبواب ثواب القرآن رقم 2932 عن شهر بن حوشب عن أم سلمة وأبو داود في كتاب الحروف والقراءات رقم 3983. وانظر معاني القرآن 2/ 17.

(4/342)


القراءتان متفقتين في المعنى، وإن اختلفتا في اللفظ.
فأمّا قوله: ما ليس لك به علم فيحتمل قوله: به* في الآية وجهين: أحدهما أن يكون كقوله «1»:
كان جزائي بالعصا أن أجلدا إذا قدّمت بالعصا للتبيين، وكقوله: وكانوا فيه من الزاهدين [يوسف/ 20]، وإني لكما لمن الناصحين [الأعراف/ 21]، وأنا على ذلكم من الشاهدين [الأنبياء/ 56] وزعم أبو الحسن أن ذلك إنما يجوز في حروف الجر، والتقدير فيه «2» التعليق بمضمر يفسّره هذا الذي ظهر بعد، وان كان يجوز تسلّطه عليه، ومثل ذلك قوله: يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين [الفرقان/ 22]، وقوله:
ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق أئنكم لفي خلق جديد [سبأ/ 7]، فانتصب يوم يرون بما دلّ عليه لا بشرى يومئذ ولا يجوز لما بعد لا* هذه أن تتسلّط على يوم يرون وكذلك قوله:
أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أإنا لمبعوثون [المؤمنون/ 82]، فإذا* يتعلق بما دلّ عليه إنا لمبعوثون ولا يجوز أن يتسلط
__________
(1) من أرجوزة للعجاج وقبله:
ربيته حتى إذا تمعددا ... وآض نهدا كالحصان أجردا
انظر ملحقات ديوانه 2/ 281. المحتسب 2/ 310 المنصف 1/ 29 - 130 3/ 20 المفصل 9/ 151 الخزانة 3/ 562.
(2) جاء عن الهامش: بلغت.

(4/343)


عليه، وكذلك إني لكما لمن الناصحين يتعلق بما يدل عليه النصح المظهر، وإن لم يتسلط عليه، والتقدير: إني ناصح لكما من الناصحين.
وكذلك: ما ليس لك به علم [هود/ 46] يتعلّق بما يدلّ عليه قوله: علم الظاهر وإن لم يجز أن يعمل فيه، ويجوز في قوله: ما ليس لك به علم وجه آخر وهو أن يكون متعلّقا بالمستتر، وهو العامل فيه كتعلق الظرف بالمعاني كما نقول: ليس لك فيه رضا، فيكون به* في الآية بمنزلة: فيه، والعلم يراد به العلم المتيقن الذي يعلم به الشيء على حقيقته، ليس العلم الذي يعلم به الشيء على ظاهره، كالذي في قوله:
فإن علمتموهن مؤمنات [الممتحنة/ 10] ونحو ما يعلمه الحاكم من شهادة الشاهدين، وإقرار المقرّ بما يدّعى عليه، ونحو ذلك مما يعلم به العلم الظاهر الذي يسع الحاكم الحكم بالشيء معه.

[هود: 46]
اختلفوا في قوله: فلا تسألن ما ليس لك به علم [هود/ 46].
فقرأ ابن كثير وابن عامر: فلا تسألن مفتوحة اللام مشدّدة النون غير واقعة. هكذا روى أبو عبيد عن هشام بن عمار بإسناده عن ابن عامر.
وروى ابن ذكوان فلا تسألن مفتوحة اللام مشدّدة النون مكسورة النون، فهذا يدلّ على أنها واقعة خلاف ما روى أبو عبيد.

(4/344)


وقرأ نافع: فلا تسألن كما قرأ ابن كثير وابن عامر، غير أنه كسر النون. واختلف عنه في إثبات الياء في الوصل وحذفها، فروى ابن جمّاز وورش والكسائيّ عن إسماعيل بن جعفر، وأبو بكر بن أبي أويس عن نافع: مشدّدة بالياء في الوصل. وقال المسيّبي وقالون في رواية القاضي عنه، وأبو عبيد القاسم بن سلّام، وسليمان بن داود الهاشمي، عن إسماعيل بن جعفر وأبو بكر بن أبي أويس عن نافع فلا تسألن مكسورة من غير ياء في الوصل.
وقال أحمد بن صالح عن ورش: فلا تسألن السين ساكنة والهمزة قبل اللام واللام ساكنة، والياء مثبتة في الوصل.
وقال أحمد بن صالح عن قالون: اللام ساكنة والسين ساكنة، والنون مكسورة بغير ياء في وصل ولا وقف.
وقرأ أبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائيّ: فلا تسألن ما ليس لك خفيفة النون ساكنة اللام. وكان أبو عمرو يثبت الياء في الوصل مثل نافع في رواية من روى عنه ذلك.
وكان عاصم وحمزة والكسائي لا يثبتون الياء في الوصل والوقف «1».
قال أبو علي: سألت: فعل يتعدّى إلى مفعولين، وليس مما يدخل على المبتدأ وخبره، فيمتنع أن يتعدى إلى مفعول واحد، فمن قرأ: تسألن بفتح اللام، ولم يكسر النون، عدّى
__________
(1) السبعة 335 - 336.

(4/345)


السؤال إلى مفعول واحد في اللفظ، والمعنى على التعدي إلى ثان.
قال: وروى ابن ذكوان مفتوحة اللام مشدّدة النون مكسورة، فهذا يدلّ على أنها واقعة، يريد أن كسر نون فلا تسألن يدلّ على أنه قد عدّى السؤال إلى مفعولين أحدهما اسم المتكلم، والآخر الاسم الموصول، وحذفت النون المتصلة بياء المتكلّم لاجتماع النونات، كما حذفت النون من قولهم:
«إني» لذلك، وكما حذف من قوله «1»:
يسوء الفاليات إذا فليني فأما إثبات الياء في الوصل فهو الأصل، وحذفها أخفّ والكسرة تدلّ عليها ويعلم أن المفعول مراد في المعنى

[هود: 66]
اختلفوا في فتح الميم وكسرها من قوله: يومئذ في ثلاثة مواضع: في هود [66] والنمل [89]، وسأل سائل [11].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر ومن خزي يومئذ ومن عذاب يومئذ وهم من فزع يومئذ [النمل/ 89] مضافا ثلاثهن بكسر الميم.
وقرأ عاصم وحمزة: ومن خزي يومئذ ومن عذاب يومئذ مثل أبي عمرو وأصحابه، وخالفوهم في قوله: من فزع يومئذ، فنوّن عاصم وحمزة، وفتحا الميم في يومئذ.
وقرأ الكسائيّ: ومن خزي يومئذ ومن عذاب يومئذ
__________
(1) عجز بيت لعمرو بن معديكرب. سبق ذكره في 3/ 334.

(4/346)


بفتح الميم فيهما مع الإضافة، وقرأ: وهم من فزع منونا، يومئذ نصبا.
واختلف عن نافع، فروى ابن جمّاز وأبو بكر بن أبي أويس، والمسيّبي وقالون، وورش، ويعقوب بن جعفر، كلّ هؤلاء عن نافع بالإضافة في الأحرف «1» الثلاثة وفتح الميم، وقال إسماعيل بن جعفر عنه: بالإضافة في الثلاثة، وكسر الميم، ولا يجوز كسر الميم إذا نوّنت من فزع، ويجوز فتحها وكسرها إذا لم تنوّن «2».
قال أبو علي: قوله: من خزي يومئذ يوم: من قوله:
يومئذ* ظرف كسرت أو فتحت في المعنى إلا أنّه اتّسع فيه، فجعل اسما، كما اتّسع في قوله: بل مكر الليل والنهار [سبأ/ 33]، فأضيف المكر إليهما، وإنما هو فيهما، وكذلك العذاب والخزي والفزع، أضفن إلى اليوم، والمعنى على أن ذلك كلّه في اليوم، كما أن المكر في الليل والنهار، يدلّك على ذلك قوله: ولعذاب الآخرة أشق [الرعد/ 34]، ولعذاب الآخرة أخزى [فصلت/ 16]، وقوله: لا يحزنهم الفزع الأكبر [الأنبياء/ 103] وقوله: ففزع من في السموات ومن في الأرض [النمل/ 87]، وقوله: ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته [آل عمران/ 192].
فأمّا العذاب عذاب الدنيا فعلى ضروب، قال: وما كنا
__________
(1) في الأصل: الأحزاب، وهو تحريف وما أثبتناه من السبعة.
(2) السبعة 336.

(4/347)


معذبين حتى نبعث رسولا [الإسراء/ 15]، والمعنى، والله أعلم: ما كنّا معذّبين عذاب الاستئصال، ومثلها: وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا يتلو عليهم آياتنا [القصص/ 59] كأن حجة العقل لا يستأصل بها إذا انفردت، ولم يؤخذ بها حتى يقع التنبيه عليها بالرسل، فإذا جاءت الرسل، فاقترحت عليهم الآيات، فلم يقع الإيمان عند مجيئها؛ عذّب حينئذ عذاب الاستئصال، قال: وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون [الإسراء/ 59]، فأخذوا بالاستئصال، فلو أتيناكم أنتم بالآيات التي اقترحتموها من نحو أن ننزّل عليكم كتابا من السّماء، أو نفجّر من الأرض ينبوعا، ونحو ذلك مما اقترحوا، فلم يؤمنوا؛ لمضى فيكم سنّة الأولين في امتناعهم من الإيمان، عند مجيء تلك الآيات، ومن ذلك قوله: وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم [الأنفال/ 33]، أي: ليعذبهم عذاب الاستئصال، لأنّ أمم الأنبياء إذا أهلكوا، لم يكن أنبياؤهم فيهم، وعلى هذا قال: وإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون [الدخان 21]، وقال: فأسر بأهلك بقطع من الليل [هود/ 81]، وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون [الأنفال/ 33] أي: ومؤمنوهم يستغفرون ويصلّون، وما لهم ألا يعذبهم الله [الأنفال/ 34] أي:
بالسيف في صدّهم عن المسجد الحرام المسلمين من غير أن تكون لهم عليهم ولاية، وذلك لما منعوا عنه، فقال: هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام [الفتح/ 25].
فأمّا قراءة من قرأ: من عذاب يومئذ فكسر الميم فلأن يوما اسم معرب، أضيف إليه ما أضيف من العذاب، والخزي

(4/348)


والفزع، فانجرّ بالإضافة، ولم يفتح اليوم فيبنيه لإضافته إلى المبني، لأن المضاف منفصل من المضاف إليه، ولا تلزمه الإضافة، فلمّا لم تلزم الإضافة المضاف لم يلزم فيه البناء، يدلّ على ذلك أنك تقول: ثوب خزّ، ودار زيد، فلا يجوز فيه إلا إعرابه، وإن كان الاسمان قد عملا بمعنى الحرف، ولا يلزمهما البناء، كما يلزم ما لا ينفك منه معنى الحرف في نحو أين، وكيف، ومتى، فكما لم يبن المضاف، وإن كان قد عمل عمل الحرف من حيث كان غير لازم، كذلك لم يبن يوم للإضافة إلى «إذ» لأن إضافته لا تلزم كما لم يبن المضاف، وإن كان قد عمل في المضاف إليه بمعنى اللام ومعنى «من» لمّا لم تلزم الإضافة.
ومن فتح فقال: من عذاب يومئذ ففتح، مع أنه في موضع جر، فلأن المضاف يكتسي من المصاف إليه التعريف والتنكير، ومعنى الاستفهام والجزاء في نحو: غلام من تضرب؟
وغلام من تضرب أضربه «1». والنفي في نحو قولهم: ما أخذت باب دار أحد، فلما كان يكتسي من المضاف إليه هذه الأشياء اكتسى منه الإعراب والبناء أيضا، إذا كان المضاف من الأسماء الشائعة نحو: يوم، وحين، ومثل، وشبيه بهذا الشّياع الأسماء الشائعة المبنية نحو: أين وكيف، ولو كان المضاف مخصوصا نحو: رجل وغلام، لم يكتس منه البناء كما اكتسى من الأسماء الشائعة، فمما جاء من ذلك:
__________
(1) قوله: غلام من تضرب؟ اكتسى المضاف من المضاف إليه الاستفهام.
وغلام من تضرب أضربه: اكتسى الجزاء. لم يمثل للتعريف، وهو مثل

(4/349)


على حين عاتبت المشيب على الصّبا «1» وقوله:
لم يمنع الشّرب منها غير أن هتفت «2» ومن ذلك قوله: إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون
__________
قولك: هذا غلام زيد.
(1) صدر بيت للنابغة في ديوانه ص 44، وعجزه:
وقلت ألمّا أصح والشيب وازع وهو من شواهد سيبويه 1/ 369 والكامل 1/ 158 والمنصف 1/ 58 وابن الشجري 1/ 46 و 2/ 264 - والمفصل 3/ 16، 81 و 4/ 91 و 8/ 146 والخزانة 3/ 151 وشرح أبيات المغني 7/ 123
(2) صدر بيت لأبي قيس بن الأسلت وعجزه:
حمامة في غصون ذات أو قال أنشده سيبويه 1/ 369 في «باب ما تكون فيه أنّ وأن مع صلتهما بمنزلة غيرهما من الأسماء» وقال: وذلك قولك: «ما أتاني إلا أنهم قالوا كذا وكذا» فأن في موضع اسم مرفوع كأنه قال: ما أتاني إلا قولهم كذا وكذا. والحجة على أن هذا في موضع رفع أن أبا الخطاب حدثنا أنه سمع من العرب الموثوق بهم من ينشد هذا البيت رفعا:
لم يمنع الشرب منها غير ... البيت وزعموا أن ناسا من العرب ينصبون هذا الذي في موضع الرفع، فقال الخليل: هذا كنصب بعضهم «يومئذ» في كل موضع ... الخ.
والبيت من شواهد ابن الشجري 1/ 46 و 2/ 265 وفيه بسط للمسألة.
والخزانة 2/ 45 و/ 144، 152 وشرح أبيات المغني 3/ 395 واللسان (وقل). وأوقال: جمع وقل، وهو ثمرة لشجرة المقل.

(4/350)


[الذاريات/ 23]. ومثل* في موضع رفع في قول سيبويه «1»، وقد جرى وصفا على النكرة إلا أنه فتح للإضافة إلى أنّ ومن ذلك «2»:
وتداعى منخراه بدم ... مثل ما أثمر حمّاض الجبل
لما أضاف مثلا إلى المبنيّ وكان اسما شائعا بناه ولم يعربه، وأبو عثمان يذهب إلى أنه جعل مثلا مع ما بمنزلة اسم واحد، فبنى مثلا على الفتح، ولا دلالة قاطعة على هذا القول من هذا البيت، وإن كان ما ذهب إليه مستقيما لما نذكره في هذه المسألة إن شاء الله، فأمّا الكسر في إذ* فلالتقاء الساكنين، وذلك أن إذ من حكمها أن تضاف إلى الجملة من الابتداء والخبر، فلما اقتطعت عنها الإضافة نونت ليدل التنوين على أن المضاف إليه قد حذف فصار التنوين هنا ليدل على قطع الإضافة من المضاف كما صار يدلّ على انقضاء البيت في قول من نوّن في الإنشاد أواخر الأبيات. فقال «3»:
__________
(1) انظر الكتاب 1/ 470 وقد أوردها بقراءة الرفع (مثل ما) وهي قراءة عاصم وحمزة والكسائي وستأتي في موضعها من الذاريات. وانظر أمالي ابن الشجري 2/ 264، 265.
(2) البيت عند ابن يعيش في شرح المفصل 8/ 135 ابن الشجري في أماليه 2/ 266 واللسان في مادة/ حمض/- والحمّاض: بقلة برّية تنبت أيام الربيع في مسايل الماء ولها ثمرة حمراء-
(3) مطلع أرجوزة للعجاج وبعده:
من طلل أمسى تخال المصحفا

(4/351)


يا صاح ما هاج الدموع الذّرّفن ... و: أقلّي اللوم عاذل والعتابا
«1» و: يا أبتا علّك أو عساكن «2» فكما دلّ التنوين في هذه الأواخر على انقطاع الإضافة عن المضاف إليه، كذلك يدلّ في يومئذ وحينئذ على ذلك، فكسرت الذال لسكونها وسكون التنوين. والتنوين يجيء على غير ضرب في كلامهم، منه هذا الذي ذكرناه، ومنه ما يدخل على كلم مبنية؛ فيفصل بين المعرفة منها والنكرة مثل، غاق وغاق، ولا يجوز أن يكون هذا التنوين الذي في نحو رجل وفرس، لأن هذا التنوين لا يدخل إلا الأسماء المتمكّنة، وقد يمتنع من الدخول على بعض المتمكّن نحو ما لا ينصرف، فتعلم بهذا أن الذي في «إيه» ليس الذي يدخل المتمكن ومن ذلك التنوين الذي يدخل في مسلمات ونحوه في جمع المؤنث، ليس ذلك على الحدّ الذي في رجل، ونحوه لو كان كذلك لسقط من قوله: فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله
__________
وهو من شواهد سيبويه 2/ 299 والعينى 1/ 26 واراجيز البكري/ 48 - وديوان العجاج 2/ 219.
(1) صدر بيت لجرير سبق ذكره في 1/ 73 و 2/ 361 و 376.
(2) عجز بيت لرؤبة في ديوانه ص 181 وصدره:
تقول بنتي قد أنى أناكا وهو من شواهد سيبويه 1/ 388 2 99 والخصائص 2/ 96 والمقتضب 3/ 71 والمحتسب 2/ 213 وابن الشجري 2/ 76 - 104 - والإنصاف/ 222 والمفصل 2/ 12، 3/ 120 - و 7/ 132 - والخزانة

(4/352)


[البقرة/ 128]، فأما قول من أضاف من عذاب يومئذ وفزع يومئذ ومن خزي يومئذ فلأنها معارف تعرفت بالإضافة إلى اليوم، يدلّك على ذلك قوله: ولعذاب الآخرة أشق [الرعد/ 34]، وقوله: ففزع من في السموات [النمل/ 87]، وقوله: فقد أخزيته [آل عمران/ 192]، فهذه أمور قد تعرّفت بالإضافة إلى اليوم، فالوجه فيها الإضافة إليه. فأمّا تنوين الكسائي وهم من فزع يومئذ، وتنكيره الفزع، فهو في التخصيص مثل العذاب والخزي، فحقّه الإضافة، كالأخريين، وكأنّه فصل فنوّن، ولم يضف، لأنه لما جاء الفزع الأكبر دلّ ذلك على ضروب منه. فإذا نوّن فقد وقع الأمن من جميع ذلك، أكبره وأوسطه وأدونه، والفتحة في قوله:
من فزع يومئذ ينبغي أن تكون فتحة لا نصبة، لأنه قد فتح من عذاب يومئذ ومن خزي يومئذ، فبنى يوما لمّا أضافه إلى غير متمكن، فكذلك يبنيه إذا نوّن المصدر. ويجوز في قوله: يومئذ على هذه القراءة أن يكون معمول المصدر، ويجوز أيضا أن يكون معمول اسم الفاعل.

[هود: 68]
اختلفوا في صرف ثمود وترك إجرائه في خمسة مواضع، في هود: ألا إن ثمودا كفروا ربهم ألا بعدا لثمود [68]، وفي الفرقان: وعادا وثمودا وأصحاب الرس [38]، وفي العنكبوت: وعادا وثمودا وقد تبين لكم [38]، وفي النّجم: وثمود فما أبقى [51].
__________
2/ 441 - وهو الشاهد 269 - 275 - 1196 من شواهد المغني.

(4/353)


فقرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع وابن عامر بالتنوين في أربعة مواضع: في هود: ألا إن ثمودا وفي الفرقان: وعادا وثمودا وأصحاب الرسّ وفي العنكبوت: وعادا وثمودا وقد تبين لكم وفي النجم: وثمودا فما أبقى، ولم يصرفوا: ألا بعدا لثمود [68].
وقرأ حمزة بترك صرف هذه الخمسة الأحرف.
وقرأ الكسائي بصرفهنّ جمع.
واختلف عن عاصم في التي في سورة النجم فروى يحيى بن آدم عن أبي بكر عن عاصم أنه أجرى ثمودا في ثلاثة مواضع: في هود والفرقان، والعنكبوت ولم يجره في النجم.
وروى الكسائيّ عن أبي بكر وحسين الجعفي أيضا عن أبي بكر عن عاصم أنه أجرى الأربعة الأحرف، وروى حفص عن عاصم أنه لم يجر ثمود في شيء من القرآن مثل حمزة «1».
قال أبو علي: هذه الأسماء التي تجري على القبائل والأحياء على أضرب:
أحدها: أن يكون اسما للحيّ أو للأب، والآخر: أن يكون اسما للقبيلة. والثالث: أن يكون الغالب عليه الأب، أو الحيّ، أو القبيلة. والرابع: أن يستوي ذلك في الاسم، فيجيء على الوجهين، ولا يكون لأحد الوجهين مزيّة على الآخر في الكثرة.
__________
(1) السبعة 337.

(4/354)


فممّا جاء على أنه اسم الحيّ قولهم: ثقيف وقريش، وكلّ ما لا يقال فيه بنو فلان، وأمّا ما جاء اسما للقبيلة، فنحو:
تميم، قالوا: تميم بن قرّ، قال سيبويه: وسمعناهم يقولون:
قيس ابنة عيلان، وتميم صاحبة ذلك «1». وقالوا: تغلب ابنة وائل، قال «2»:
لولا فوارس تغلب ابنة وائل ... نزل العدوّ عليك كلّ مكان
وأما ما غلب اسما للحي أو القبيلة فقد قالوا: باهلة بن أعصر، وقالوا: يعصر، وباهلة اسم امرأة، قال سيبويه: ولكنه جعل اسم الحيّ ومجوس لم تجعل إلا اسم القبيلة، وسدوس أكثرهم يجعله اسم القبيلة وتميم أكثرهم يجعله اسم القبيلة، ومنهم من يجعله اسم الأب.
وأما ما استوى فيه أن يكون اسما للقبيلة، وأن يكون اسما للحيّ فقال سيبويه: ثمود وسبأ هما مرّة للقبيلتين، ومرّة للحيّين، وكثرتهما سواء، قال: وعادا وثمودا [الفرقان/ 38] وقال: ألا إن ثمودا كفروا ربهم [هود/ 68]، وقال: وآتينا ثمود الناقة [الإسراء/ 59]، فإذا استوى في ثمود أن يكون مرة للقبيلة، ومرة للحيّ، ولم يكن يحمله على أحد الوجهين مزيّة
__________
(1) سيبويه 2/ 26 وفيه بنت بدل: ابنة. وانظر باب أسماء القبائل والأحياء وما يضاف إلى الأم والأب. 2/ 25 وباب: ما لم يقع إلا اسما للقبيلة 2/ 28.
(2) البيت للفرزدق من قصيدة يمدح فيها بني تغلب ويهجو جريرا انظر ديوانه/ 883، والمقتضب 3/ 360.

(4/355)


في الكثرة، فمن صرف في جميع المواضع كان حسنا، ومن لم يصرف في جميع المواضع فكذلك.
وكذلك إن صرف في موضع ولم يصرف في موضع آخر، إلا أنّه لا ينبغي أن يخرج عما قرأت به القرّاء، لأنّ القراءة سنّة، فلا ينبغي أن تحمل على ما تجوّزه العربيّة حتى ينضم إلى ذلك الأثر من قراءة القرّاء.
ومثل ثمود في أنّه يكون مرّة مذكّرا اسما للأب أو الحيّ، فيصرف، ومرّة يؤنّث فيكون اسما للقبيلة فلا يصرف قوله تعالى: إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها [النمل/ 91]، وفي الأخرى: وهذا البلد الأمين [التين/ 3]، فعبّر عن مكان بعينه مرّة بلفظ التذكير، وأخرى بلفظ التأنيث، والبلدة المحرّمة يعني بها مكة وكذلك وهذا البلد الأمين فوصف بالأمن مثل قوله: ومن دخله كان آمنا [آل عمران/ 97]، فجرى الوصف على البلد في اللفظ، والمعنى على من فيه من طارئ وقاطن، وهذا آمن في حكم الشرع لا يهاج فيه، ولا يفعل به ما يكون يفعله به غير آمن، ومن ذلك قول الشاعر «1»:
كسا الله حيّي تغلب ابنة وائل ... من اللّؤم أظفارا بطيئا نصولها
__________
(1) البيت لعميرة بن جعيل التغلبي وهو من المفضلية/ 63 وهو في الشعر والشعراء 2/ 650 والمعاني الكبير 1/ 503 والخزانة 1/ 458.
قال ابن قتيبة: يقول: لم يؤتوا في لؤمهم من قبل أمهاتهم، ولكن ألزقها بالعفر- وهو التراب- الآباء.

(4/356)


أضاف إلى نفسه فقال: حيي، ثم قال: تغلب ابنة وائل، فجمع بين الحي والقبيلة، وجعلهما بمنزلة، ومن هذا الباب ما أنشده سيبويه «1»:
سادوا البلاد وأصبحوا في آدم ... بلغوا بها بيض الوجوه فحولا
القول في آدم أنّه لا يخلو أن يكون الاسم المخصوص، أو يراد به الحيّ أو القبيلة كتميم وتغلب وقريش، فلا يجوز أن يكون الاسم العلم لقوله: وأصبحوا في آدم، لو قلت: أصبحوا في زيد، وأنت تريد الاسم العلم، لم يجز كما يجوز ذلك إذا أردت به الاسم العام، كقوله «2»:
أو تصبحي في الظّاعن المولّي فإذا لم يجز أن يكون العلم، ثبت أنه لا يخلو من أن يراد به الحيّ أو القبيلة أو يجوز الأمران فيه، ولا دلالة على إرادته واحدا منهما، ألا ترى أنه لو لم يصرف آدم لم تكن فيه دلالة على أحد هذه الأمور من اللفظ، لأنك إن أردت الحيّ لم تصرف كما تصرف أفكل اسم رجل، وإن أردت القبيلة، لم يجز أن ينصرف. كما أنك إذا سميت امرأة أفكل لم ينصرف، وكذلك لو استعمل فيه الأمران، فكذلك إذا صرفته في الشعر للضرورة، لم يكن فيه دليل على أحد الأمرين دون الآخر.
__________
(1) سيبويه 2/ 28 ولم ينسبه. الهمع 1/ 35 الدرر 1/ 10. وفي الأصل:
«ساروا» بدل «سادوا» والتصويب من سيبويه.
(2) سبق ذكره في 1/ 151 و 2/ 133.

(4/357)


فإذا لم ينفصل ذلك ولم يتميز في اللفظ، علمت أنه لا يخلو من واحد من ذلك، ولا سبيل إلى أن يقطع على شيء مما يحتمله من جهة اللفظ، فأما قوله «1»:
أولئك أولى من يهود بمدحة ... إذا أنت يوما قلتها لم تؤنّب
فقد قامت الدّلالة على أن يهود استعملت على أنها للقبيلة ليس للحيّ من قوله: «أولئك أولى من يهود» لأنّ يهود لو كان الحيّ لم ينصرف، ولم يذكره سيبويه ليستشهد به على أن الاسم وضع للقبيلة، إنما أخبر أنّه في البيت للقبيلة، ويعلم ذلك في استعمالهم، ونحو ما أنشدناه أبو الحسن علي بن سليمان «2».
فرّت يهود وأسلمت جيرانها ... صمّي لما فعلت يهود صمام
وكذلك في الحديث: «تقسم يهود» «3»، فبهذا النحو علم أن هذا الاسم أريد به القبيلة. ومثل يهود في هذا مجوس ويدلّ على ذلك ما أنشده من قوله «4»:
كنار مجوس تستعر استعارا
__________
(1) من شواهد سيبويه 2/ 29 ونسبه لرجل من الأنصار.
(2) سبق ذكره في 3/ 342 وقائله الأسود بن يعفر.
(3) الحديث في مسند أحمد بن حنبل 4/ 2 بلفظ: ليقسم منكم خمسون أن يهود قتلته.
(4) نسبه سيبويه 2/ 28 لامرئ القيس وصدره:
أحار ترى بريقا هبّ وهنا

(4/358)


ألا ترى أنه لو كان للحي دون القبيلة، لانصرف، ولم يكن فيه مانع من الصرف.

[هود: 69]
اختلفوا في قوله: قالوا سلاما قال سلام [هود/ 69، الذاريات/ 25]، فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم: قالوا سلاما قال سلام بألف في السورتين جميعا.
وقرأ حمزة والكسائي: قالوا سلاما قال سلم بكسر السين وتسكين اللام في السورتين جميعا، هاهنا وفي سورة الذاريات [25] «1».
قال أبو علي: أخبرنا أبو إسحاق: قال سمعت محمد بن يزيد يقول: السلام في اللغة أربعة أشياء: فمنها مصدر سلّمت، ومنها: السلام جمع سلامة، ومنها السلام: اسم من أسماء الله تعالى، ومنها السلام: شجرة، ومنه قول الأخطل «2»:
إلّا سلام وحرمل قال أبو علي: فقوله: دار السلام، يجوز أن يكون أضيفت إلى الله سبحانه تعظيما لها. ويجوز أن يكون: دار السلامة من العذاب، فمن جعل فيها كان على خلاف من وصف بقوله: ويأتيه الموت من كل مكان [إبراهيم/ 17].
__________
وهو في ديوانه مما أجازه التوأم اليشكري لامرئ القيس عند ما تحداه بذلك. فقال امرؤ القيس الصدر وقال التوأم العجز. انظر ديوان امرئ القيس/ 147.
(1) السبعة 337 - 338.
(2) تمام البيت:

(4/359)


فأما انتصاب قوله سلاما فلأنّه لم يحك شيء تكلّموا به، فيحكى كما تحكى الجمل، ولكن هو معنى ما تكلّمت به الرسل، كما أنّ القائل إذا قال: لا إله إلا «1» الله، فقلت: حقا، أو قلت: إخلاصا، اختلف القول في المصدرين لأنّك ذكرت معنى ما قال، ولم تحك نفس الكلام الذي هو جملة تحكى، فكذلك نصب سلاما في قوله: قالوا سلاما لمّا كان معنى ما قيل، ولم يكن نفس المقول بعينه.
وأما قوله: وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما [الفرقان/ 63]، فقال سيبويه: زعم أبو الخطّاب أن مثله يريد:
مثل قولك: سبحان الله، تفسيره: براءة الله من السوء- قولك للرجل: سلاما تريد: تسلّما منك، لا التبس بشيء من أمرك «2». فعلى هذا المعنى وجه ما في الآية، قال «3»: وزعم أن قول أميّة «4»:
سلامك ربّنا في كلّ فجر ... بريئا ما تغنّثك الذموم
__________
فرابية السّكران قفر فما بها ... لهم شبح إلّا سلام وحرمل
والسكران: اسم موضع- والسلام: شجر صغار والواحدة:
سلمة- والحرمل: ضرب من النبات- انظر ديوانه 1/ 14.
(1) سقطت من الأصل.
(2) الكتاب 1/ 163.
(3) يريد أبا الخطاب، والنقل من سيبويه 1/ 164.
(4) سبق ذكره في 2/ 151 - 298.

(4/360)


على قوله: براءتك ربّنا من كلّ سوء.
فزعم سيبويه أن من العرب من يرفع سلاما إذا أراد معنى المبارأة، كما رفعوا حنان. قال: سمعنا بعض العرب يقول لرجل: لا تكوننّ منّي في شيء إلا سلام بسلام، أي: أمري وأمرك المبارأة والمتاركة، يريد أن حنانا في أكثر الأمر منصوب كما أن سلاما كذلك، فمن ذلك قوله «1»:
حنانك ربّنا وله عنونا وقد رفع في قوله «2»:
فقالت: حنان ما أتى بك هاهنا فإذا نصب سلاما بعد إلا، فانتصابه على ما كان ينتصب عليه قبل، وقوله: بسلام، صفة لسلام المنصوب، فإذا رفع كانت الجملة بعد إلا كقوله: ما أفعل كذا إلا حلّ ذاك أن أفعل، وتركوا إظهار الرافع. كما ترك إظهاره في قوله: حنان والمعنى:
أمرنا حنان وشأننا سلام.
وأما قوله: قال سلام فما لبث [هود/ 69] فقوله:
سلام مرفوع لأنه من جملة الجملة المحكيّة، والتقدير فيه:
سلام عليكم، فحذف الخبر كما حذف من قوله: فصبر جميل [يوسف/ 18] أي: صبر جميل أمثل، أو يكون المعنى: أمري سلام، وشأني سلام كما أن قوله: فصبر
__________
(1) لم نعثر على قائله؟
(2) قد سبق ذكره عند كلامه على الأعراف/ 164 في هذا الجزء. ص 98.

(4/361)


جميل يصلح أن يكون المحذوف منه المبتدأ، ومثل ذلك قوله: فاصفح عنهم، وقل سلام [الزخرف/ 89] على حذف الخبر أو المبتدأ الذي سلام خبره.
وأكثر ما يستعمل سلام بغير ألف ولام، وذاك أنّه في معنى الدعاء، فهو مثل قولهم: «خير بين يديك، وأمت في حجر لا فيك» «1» لما كان في معنى المنصوب استجيز فيه الابتداء بالنكرة، فمن ذلك قوله: قال سلام عليك سأستغفر لك ربي [مريم/ 47]، وقال: والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم [الرعد/ 23].
وقال: سلام على نوح في العالمين [الصافات/ 79]، سلام على إبراهيم [الصافات/ 109] وسلام على عباده الذين اصطفى [النمل/ 59]، ومما جاء في الشعر من ذلك «2»:
.. لا سلام على عمرو
__________
(1) الكتاب 1/ 166. وعنه في اللسان (أمت): قال سيبويه: وقالوا أمت في حجر لا فيك، أي: ليكن الأمت في الحجارة لا فيك، ومعناه أبقاك الله بعد فناء الحجارة، وهي مما يوصف بالخلود والبقاء. الأمت: العوج.
(2) من بيت لجرير في ديوانه ص 279 وتمامه:
ونبّئت جوّابا وسكنا يسبّني ... وعمرو بن عفرا لا سلام على عمرو
وجوّاب وسكن وعمرو كلهم من بني ضبّة. والبيت من شواهد سيبويه 1/ 357 والمقتضب 4/ 381 واللسان مادة/ سكن/.

(4/362)


وقد جاء بالألف واللام، قال: والسلام على من اتبع الهدى [طه/ 47]، والسلام علي يوم ولدت [مريم/ 33].
وزعم أبو الحسن أن من العرب من يقول: سلام عليكم، ومنهم من يقول: السلام عليكم، فالذين ألحقوا الألف واللام حملوه على المعهود، والذين لم يلحقوه حملوه على غير المعهود، وزعم أن منهم من يقول: سلام عليكم، فلا ينوّن، وحمل ذلك على وجهين: أحدهما: أنه حذف الزيادة من الكلمة كما يحذف الأصل من نحو: لم يك، ولا أدر، ويوم يأت لا تكلم [هود/ 105]، والآخر: أنه لما كثر استعمال هذه الكلمة وفيها الألف واللام، حذفا منه لكثرة الاستعمال كما حذف من:
اللهم، فقالوا:
لا همّ إنّ عامر الفجور ... قد حبس الخيل على معمور
«1» وأمّا من قرأ: قالوا سلاما قال سلم [هود/ 69] فإن سلما، يحتمل أمرين: أحدهما: أن يكون بمعنى سلام، فيكون المعنى: أمرنا سلم، أو سلم عليكم، ويكون سلم* في أنه بمعنى سلام، لقولهم: حلّ وحلال وحرم وحرام، فيكون على هذا قراءة من قرأ: قال سلم وسلام بمعنى واحد وإن اختلف اللفظان.
والآخر: أن يكون سلم خلاف العدوّ والحرب، كأنّهم لمّا كفّوا عن تناول ما قدّمه إليهم، فنكرهم وأوجس منهم خيفة
__________
(1) لم نعثر على قائله.

(4/363)


[هود/ 70] قال: أنا سلم ولست بحرب ولا عدوّ، فلا تمتنعوا من تناول طعامي، كما يمتنع من تناول طعام العدو.
وقرأ حمزة والكسائيّ في الذاريات أيضا سلم* والقول فيه كما ذكرناه في هذا الموضع سواء. ألا ترى أن ثمّ إيجاس خيفة وامتناعا من تناول ما قدّم إليهم مثل ما هاهنا.

[هود: 71]
اختلفوا في فتح الباء وضمّها من قوله: يعقوب* [71].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والكسائي: ومن وراء إسحاق يعقوب رفعا.
وقرأ ابن عامر وحمزة: يعقوب نصبا.
واختلف عن عاصم، فروى عنه أبو بكر بالرفع، وروى حفص عنه بالنصب «1».
قال أبو علي: من رفع فقال: ومن وراء إسحاق يعقوب كان رفعه بالابتداء أو بالظرف في قول من رفع به، وكان بيّن الوجه.
ومن فتح فقال يعقوب: احتمل ثلاثة أضرب. أحدها: أن يكون يعقوب في موضع جرّ، المعنى: فبشّرناها بإسحاق ويعقوب، قال أبو الحسن: وهو أقوى في المعنى، لأنها قد بشّرت به، قال:
وفي إعمالها ضعف، لأنّك فصلت بين الجار والمجرور بالظرف. والآخر: أن تحمله على موضع الجار والمجرور كقوله «2»:
__________
(1) السبعة 338.
(2) عجز بيت لكعب بن جعيل سبق في 1/ 28.

(4/364)


إذا ما تلاقينا من اليوم أو غدا وبقراءة من قرأ: وحورا عينا [الواقعة/ 22] بعد:
يطاف عليهم بكذا، ومثله «1»:
فلسنا بالجبال ولا الحديدا والثالث: أن تحمله على فعل مضمر، كأنه: فبشّرناها بإسحاق، ووهبنا له يعقوب، فأمّا الأوّل فقد نصّ سيبويه على قبح مثله نحو: مررت بزيد أول من أمس، وأمس عمرو، وكذلك قال أبو الحسن: قال: لو قلت: مررت بزيد اليوم، وأمس عمرو؛ لم يحسن، فأما الحمل على الموضع على حدّ:
مررت بزيد وعمرا، فالفصل فيه أيضا قبيح، كما قبح الحمل على الجر، وغير الجر في هذا في القياس مثل الجر في القبح، وذلك أن الفعل يصل بحرف العطف، وحرف العطف هو الذي يشرك في الفعل، وبه يصل الفعل إلى المفعول به، كما يصل بحرف الجر، ولو قال: مررت بزيد قائما، فجعل الحال من المجرور، لم يجز التقديم عند سيبويه، لأن الجارّ هو الموصل للفعل، فكما قبح التقديم عنده لضعف الجارّ والعامل، كذلك الحرف العاطف مثل الجار في أنه يشرك في الفعل، كما يوصل الجارّ الفعل، وليس نفس الفعل العامل في الموضعين جميعا، وإذا كان كذلك قبح الفصل بالظرف في العطف على الموضع، وقبح أيضا الفصل في حروف الرفع
__________
(1) عجز بيت لعقيبة الأسدي سبق انظر 284 وسيأتي في ص 450.

(4/365)


والنصب، كما قبح [] «1» إن العاطف فيهما مثله في الجار، وليس العامل نفس الرافع والناصب، كما أن العامل فيما بعد حرف العطف ليس الجارّ، إنّما يشركه فيه العاطف، وقد جاء ذلك في الشعر. قال ابن أحمر «2»:
أبو حنش يؤرّقنا وطلق ... وعبّاد وآونة أثالا
ففصل بالظرف في العطف على الرافع، وقال الأعشى «3»:
__________
(1) في الأصل كلمة غير واضحة بسبب كشط الكتابة بالتصاق الحبر بسبب الرطوبة ولعلها: «أن يكون».
(2) سبق في 1/ 233 وهو من قصيدة يذكر فيها جماعة من قومه لحقوا بالشام فصار يراهم في النوم إذا أتى الليل- وهو بالإضافة إلى ما ذكر في أمالي ابن الشجري 1/ 126 - 128 - 2/ 92 - 93 والخصائص 2/ 378 والإنصاف/ 354. وقوله: أثالا، ترخيم: أثالة فحذف تاء التأنيث، وهي مرفوعة معطوفة على أبو حنش، وأبقى فتحة اللام وجاء بعدها بألف الإطلاق.
(3) البيت في الديوان برواية (أردية الخمس) والعصب: ضرب من البرود، ونغل الأديم: فسد في الدباغ- ونغل وجه الأرض إذا تهشم من الجدوبة- وهذا البيت من قصيدة يمدح فيها سلامة ذا فائش انظر ديوانه/ 233 وشرح أبيات المغني 2/ 163 - 164 والخصائص 2/ 395 والمقرب 1/ 235 واللسان (نغل).
قال ابن جني: أراد: تراها يوما كمثل أردية العصب، وأديمها يوما آخر نغلا، ففصل بالظرف بين حرف العطف والمعطوف به على المنصوب من قبله وهو (ها) من: تراها، وهذا أسهل من قراءة من قرأ: (فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب) إذا جعلت (يعقوب) في موضع جر، وعليه تلقاه القوم من أنه مجرور الموضع. وإنما كانت الآية أصعب مأخذا

(4/366)


يوما تراها كشبه أردية ال ... عصب ويوما أديمها نغلا
ففصل بالظرف بين المشترك في النصب، وما أشركه فيه، فإذا قبح الفصل في الحمل على الموضع كما قبح الفصل في الحمل على الجار؛ فينبغي أن تحمل قراءة من قرأ: يعقوب بالنصب على فعل آخر مضمر، يدلّ عليه بشرنا كما تقدم، ولا يحمل على الوجهين الآخرين لاستوائهما في القبح.

[هود: 81]
اختلفوا في همز الألف وإسقاطها في الوصل في قوله:
فأسر بأهلك [هود/ 81].
فقرأ ابن كثير ونافع: فاسر بأهلك* من سريت بغير همز.
وقرأ أبو عمرو وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائيّ:
فأسر من: أسريت «1».
قال أبو علي: حجّة [من] «2» قرأ بوصل الهمزة قوله «3»:
__________
من قبل أن حرف العطف منها الذي هو الواو ناب عن الجار الذي هو الباء في قوله (بإسحاق) ... الخ كلامه في 2/ 395 وهو يتفق مع أستاذه أبي علي.
(1) السبعة 338.
(2) زيادة ضرورية ليست في الأصل (ط).
(3) صدر بيت للنابغة الذبياني وعجزه:
تزجي الشمال عليه جامد البرد وسرت: إذا أمطرت ليلا- وقوله: «من الجوزاء سارية» كقولك:

(4/367)


سرت عليه من الجوزاء سارية فسارية تدلّ على سرت، وقول الآخر «1»:
أقلّ به ركب أتوه تئيّة ... وأخوف إلّا ما وقى الله ساريا
وقول الآخر «2»:
سرى بعد ما غار الثريا وبعد ما ... كأنّ الثّريّا حلّة الغور منخل
وحجّة من قطع: ما في التنزيل من قوله: سبحان الذي أسرى بعبده ليلا «3» [الإسراء/ 1].
__________
سقينا بنوء كذا وكذا، أي أصابه المطر ليلا- وتزجي: تسوق وتدفع على الثور جامد البرد، أي: ما صلب من الثلج.
انظر ديوانه/ 8 واللسان مادة: (سرا).
(1) البيت لسحيم بن وثيل، وقد سبقه:
مررت على وادي السباع ولا أرى ... كوادي السباع حين يظلم واديا
يقول: وافيت هذا الوادي ليلا- وهو واد بعينه- فأوحشني لكثرة سباعه، فرحلت عنه ولم أمكث فيه لوحشته- والتئيّة: التلبث والمكث.
انظر سيبويه 1/ 233 - الخزانة 3/ 521.
(2) من شواهد سيبويه التي لم تنسب والشاهد فيه عنده نصب حلّة الغور على الظرف ومعناها: قصد الغور ومحله. وصف طارقا سرى في الليل، بعد أن غارت الثريا أول الليل، وذلك في استقبال زمن
القيظ- وشبه الثريا في اجتماعها واستدارة نجومها بالمنخل.
انظر الأعلم على طرة سيبويه 1/ 201.
(3) وانظر للاستزادة شرح أبيات مغني اللبيب للبغدادي 2/ 293 - 294 عند كلامه على الإنشاد الثاني والأربعين بعد المائة.

(4/368)


[هود: 81]
اختلفوا في نصب التاء «1» ورفعها من قوله: إلا امرأتك [هود/ 81].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: إلا امرأتك* برفع التاء.
وقرأ نافع وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائيّ: إلا امرأتك نصبا «2».
قال أبو علي: الوجه في قولهم: ما أتاني أحد إلا زيد، الرفع على البدل من أحد، وهو الأشيع في استعمالهم، والأقيس، وقوته من جهة القياس أن معنى: ما أتاني أحد إلا زيد ومعنى: ما أتاني إلا زيد، واحد. فكما اتفقوا في: ما أتاني إلا زيد، على الرفع، وكان: ما أتاني أحد إلا زيد، بمنزلته وبمعناه؛ اختاروا الرفع مع ذكر أحد، وأجروا ذلك مجرى: يذر، ويدع، في أنّ يذر لما كان في معنى يدع، فتح كما فتح يدع، وإن كان لم يكن في يذر حرف من حروف الحلق، وممّا يقوّي ذلك، أنّهم في الكلام وأكثر الاستعمال يقولون: ما جاءني إلا امرأة، فيذكّرون حملا على المعنى، ولا يكادون يؤنثون ذلك فيما زعم أبو الحسن إلا في الشعر كقوله «3»:
__________
(1) في الأصل الألف والصواب ما أثبتناه.
(2) السبعة 338.
(3) البيت لذي الرمة ورواية الديوان:
طوى النّحز والأجراز ما في غروضها ... فما بقيت إلا الصدور الجراشع

(4/369)


برى النّحز والأجرال ما في غروضها ... فما بقيت إلّا الضلوع الجراشع
وقال «1»:
... وما بقيت ... إلا النّحيزة والألواح والعصب
فكما أجروه على المعنى في هذا الموضع، فلم يلحقوا الفعل علامة التأنيث، كذلك أجروه عليه في نحو: ما جاءني أحد إلا زيد، فرفعوا الاسم الواقع بعد الاستثناء.
وأما من نصب فقال: ما جاءني أحد إلا زيدا، فإنه جعل النفي بمنزلة الإيجاب، وذلك أن قوله: ما جاءني أحد، كلام
__________
والنحز: ضرب الأعقاب والاستحثاث في السير، وهو أن يحرك عقبيه ويضرب بهما موضع عقبى الراكب- والأجراز: الأمحال والواحد:
جرز ومحل، والجرل: المكان الصلب وجمعه أجرال، والغروض:
الواحد غرض وهو حزام الرحل- والجرشع: واحد الجراشع وهو: المنتفخ الجنبين- يقول: تملأ الغروض. انظر ديوانه 2/ 1296 والمحتسب 2/ 207 المفصل 2/ 87.
(1) جزء من بيت لذي الرمة وتمامه:
كأنها جمل وهم وما بقيت ... إلا النّحيزة والألواح والعصب
وجمل وهم: ضخم- والنحيزة: الطبيعة- وألواحها: عظامها.
يقول: هذه الناقة مذكرة، خلقتها خلقة جمل، وما بقيت منها بقية، أي: فنيت من السير والتعب.
انظر ديوانه 1/ 44.

(4/370)


مستقلّ، كما أنّ: جاءني القوم، كذلك، فنصب مع النفي كما نصب مع الإيجاب من حيث اجتمعا في أن كل واحد منهما كلام مستقل، فأما قوله: ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك فإذا جعلت قوله إلا امرأتك مستثنى من لا يلتفت كان الوجهان:
الرفع، والنصب، والوجه الرفع، وإن جعلت الاستثناء في هذه من قوله: فاسر بأهلك* لم يكن إلا النصب. وزعموا أن في حرف عبد الله أو أبيّ: فاسر بأهلك بقطع من الليل إلا امرأتك وليس فيه: ولا يلتفت منكم أحد فهذا تقوية لقول من نصب، لأنه في هذه القراءة استثناء من قوله: فأسر بأهلك فكما أن الاستثناء من قوله: فاسر بأهلك دون أحد، كذلك إذا ذكرت أحدا يكون منه، ولا يكون على البدل من أحد.
قال سيبويه: ومن قال: أقول «1»: ما أتاني القوم إلا أباك، لأنه بمنزلة قول «2»: أتاني القوم إلا أباك، فإنه ينبغي له أن يقول:
ما فعلوه إلا قليل منهم [النساء/ 66]. وحدثني يونس أن أبا عمرو كان يقول: الوجه: ما أتاني القوم إلا عبد الله، ولو كان هذا بمنزلة قوله: أتاني القوم، لما جاز أن تقول: ما أتاني أحد، كما لا يجوز: أتاني أحد، ولكنّ المستثنى بدل «3» من الاسم الأول «4». فهذا الكلام يعلم منه قدحه على قول من سوّى بين الإيجاب والنفي، واعتذر استقلال الكلام في
__________
(1) ساقطة من سيبويه.
(2) في سيبويه: قوله.
(3) في سيبويه: ولكن المستثنى في ذا الموضع مبدل.
(4) انتهى نقله عن سيبويه. انظر الكتاب 1/ 360.

(4/371)


الموضعين، وقد تقدم ذكر الحجة على ذلك. فقول من رفع في الآية إلا امرأتك* أنه جعله بدلا من أحد* الثابت في قراءة العامة، وإذا ثبت أحد* لم يمتنع البدل منه، ولم يكن في ذلك كقراءة من لم يثبت في قراءته: ولا يلتفت منكم أحد، ومما يقوّي الرفع في قوله: ما جاءني أحد إلا زيد، أنه يحمل على المعنى، والمعنى: ما جاءني إلا زيد، كما حمل سيبويه قولهم: ما جاءني أحد إلا قد قال ذاك إلا زيدا، وعلى المعنى فلم يجز فيه إلا النصب في زيد، لمّا كان المعنى على: قال ذاك كلّ من جاءني إلا زيدا، فكما تحمل هذه المسألة على المعنى، ولم يجز فيه إلا النصب، كذلك قوله: ما جاءني أحد إلا زيد، ينبغي أن يحمل على المعنى، فيضعف النصب فيه، كما لم يجز إلا النصب في: ما جاءني أحد إلا قد قال ذاك إلا زيدا، لأن الاستثناء فيه من القائلين لا من أحد عنده.
قال أبو عمرو: وقد أجاز غير سيبويه فيها الرفع، قال:
وهو يجوز ضعيفا أو على بعد، ألا ترى أنك تقول: ما رأيت أحدا ضرب أحدا، يريد أن الرفع يجوز، لأن الكلام في تقدير النفي، بدلالة جواز وقوع أحد فيه، وأحد إنما يقع في النفي، فكما جاز وقوع أحد فيه بعد الصفة، كذلك يجوز فيه الرفع، وكان ذلك أيضا للحمل على المعنى، لأن الصفة هي الموصوف، فإذا نفي الموصوف، فكأنّ الصفة أيضا قد نفيت من حيث كان هو هو، ومن ثمّ جاز البدل من الضمير الذي في الصفة، لما كان الموصوف في المعنى في نحو قول عديّ «1»:
__________
(1) البيت من شواهد سيبويه على رفع الكواكب على البدل من الضمير

(4/372)


في ليلة لا نرى بها أحدا ... يحكي علينا إلا كواكبها
فأبدل من الضمير الذي في صفة المنفي وإن كان الكلام الذي فيه هذا الضمير موجبا في المعنى.

[هود: 105]
اختلفوا في إثبات الياء وإسقاطها في الوصل والوقف من قوله عز وجل: يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه [هود/ 105].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والكسائيّ: يوم يأتي بياء في الوصل، ويحذفونها في الوقف. غير ابن كثير فإنه كان يقف بالياء ويصل بالياء فيما أحسب.
وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة بغير ياء في وصل ولا وقف «1».
قال أبو علي: اعلم أن فاعل يأتي في قوله: يوم يأتي لا تكلم نفس لا يخلو من أن يكون اليوم الذي أضيف إلى يأتي، أو اليوم المتقدم ذكره «2»، فلا يجوز أن يكون فاعله ضمير اليوم
__________
الفاعل في يحكي لأنه في المعنى منفي ولو نصب على البدل من أحد لكان أحسن لأن أحدا منفي في اللفظ والمعنى. والبدل منه أفضل.
انظر الأعلم 1/ 361 على طرة الكتاب. وشرح أبيات المغني 3/ 233 رقم الإنشاد 223، وقد نسب البيت إلى عدي بن زيد سيبويه وأبو علي، وصوب البغدادي نسبته إلى أحيحة بن الجلاح الأنصاري.
(1) السبعة 338 - 339.
(2) وسيأتي بيانه.

(4/373)


الذي أضيف إلى يأتي، وذلك أنك لو قلت: أزيدا يوم يوافقك توافقه؛ لم يجز، لأنه لا يجوز أن تضيف يوم إلى يوافقك، لأن اليوم هو الفاعل، فلا يجوز أن يضاف إلى فعل نفسه، ألا ترى أنك لا تقول: جئتك يوم يسرّك، وذلك أنك إذا قلت: جئتك يوم يخرج زيد، فإنّما المعنى: يوم خروج زيد، فإنما تضيف المصدر إلى الفاعل فإذا قال: يوم يسرّك، فمعناه يوم سروره إياك، فإنّما حدّ هذا أن يكون اليوم معرّفا بفعل مسند إلى فاعل معرّف بذلك الفاعل، فإذا كان الفعل مضافا إلى اليوم فكأنك إنما عرّفت اليوم بنفسه، لأن الفعل يعرفه الفاعل، واليوم مضاف إلى الفعل المعرف باليوم، فصار هذا نظير قولك: هذا يوم «1» حرّه ويوم برده، والهاء لليوم، وليس هذا مثل: سيّد قومه، وهذا مولى أخيه، فتضيفه إلى ما هو مضاف إليه، لأن أخاه وقومه وما أشبه ذلك شيء معروف، يقصد إليه، وقولك: يوم سروره زيدا، ويوم يسرّك، إنما هو مضاف إلى فعل، وإنما يقوم الفعل بفاعله، ليس أن الفعل شيء منفصل يقصد إليه في نفسه، وواحد أمّه، وعبد بطنه مضافان إلى الأم والبطن، وكلّ واحد منهما ظاهر يقوم بنفسه،
وكذلك لا يجوز أن تضيف الظرف إلى جملة معرفة بضميره، وإن كانت ابتداء وخبرا، لا يجوز أن تقول: آتيك يوم ضحوته باردة، ولا: ليلة أولها مطير. فإن نوّنت في هذا وفي الأول حتى يخرج من حدّ الإضافة جاز فقلت:
أتيتك يوما بكرته حارّة، وأتيتك يوما يسرّك ويوما يوافقك. وهذا
__________
(1) في الأصل: «يو» بإسقاط الميم.

(4/374)


قول أبي عثمان، فإذا لم يجز أن يكون قوله: يوم* في قوله:
يوم يأتي لا تكلم مضافا إلى يأتي* وفيه ضميره، ثبت أن في يأتي* ضمير اليوم المتقدم ذكره في قوله: ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود* وما نؤخره أي: ما نؤخّر أحداثه إلا لأجل معدود* يوم يأتي هذا اليوم الذي تقدّم ذكره لا تكلم نفس، فاليوم في قوله: يوم يأتي* يراد به الحين والبرهة، وليس على وضح النهار.
فأما قوله: لا تكلم نفس إلا بإذنه فإنه يحتمل ضربين، يجوز أن يكون حالا من الذكر الذي في يأتي*، ويحتمل أن يكون صفة لليوم المضاف إلى يأتي* لأن اليوم في يوم يأتي مضاف إلى الفعل، والفعل نكرة، فإذا كان كذلك لم يمتنع أن يوصف به اليوم كما توصف النكرات بالجمل من الفعل والفاعل، والمعنى: لا تكلّم فيه نفس، فحذف فيه، أو حذف الحرف، وأوصل الفعل إلى المفعول به، ثم حذف الضمير من الفعل الذي هو صفة كما يحذف من الصّلة، ومثل ذلك قولهم:
الناس رجلان: رجل أكرمت، ورجل أهنت. فإذا جعلته حالا من الضمير الذي في يأت، وجب أن تقدّر فيه أيضا ضميرا يرجع إلى ذي الحال، وتقديره: يوم يأتي لا تكلّم نفس، أي:
غير متكلّم فيه نفس، فيكون الضمير المقدّر المحذوف يرجع إلى الضمير الذي في يأتي* لأنّ الحال لا بدّ فيه من ذكر يعود إلى ذي الحال متى كانت جملة، كما لا بد من ذلك في الصفة، ومن قدّره حالا كان أجدر بأن تحذف الياء من يأتي لأنه كلام مستقلّ، فيشبه من أجل ذلك الفواصل، وإن لم يكن

(4/375)


فاصلة، كما أنّ حذف الياء من قوله: ذلك ما كنا نبغ [الكهف/ 64]، لما كان كلاما تامّا فأشبه الفاصلة، فحسن الحذف له، كما يحسن الحذف من الفواصل، وإن جعلته صفة لم يمتنع ذلك معها أيضا، لأن الصفة قد يستغني عنها الموصوف، كما أن الحال كذلك، إلا أنّ من الصفات ما لا يحسن أن يحذف منه، فذلك أشبه بغير الكلام التام.
فأما إثبات الياء وإسقاطها في الوصل والوقف، فمن أثبتها في الوصل فهو القياس البيّن، لأنّه لا شيء هاهنا يوجب حذف الياء إذا وصل، فأمّا حذفها في الوقف إذا قال: يوم يأت فلأنها، وإن لم تكن في فاصلة، أمكن أن تشبّهها بالفاصلة، ومن الحجة في حذفها في الوقف أن هذه الياء تشبه الحركات المحذوفة في الوصل، بدلالة أنهم قد حذفوها كما حذفوا الحركة، فكما أن الحركة تحذف في الوقف، فكذلك ما أشبهها من هذه الحروف، فكان في حكمها.
فإن قلت: فقد حذفوا الألف في نحو: لم يخش، كما حذفوا الياء من: لم يرم، فهلّا حذفت الألف، قيل: إنّ الألف قد حذفت كما حذفت الياء، وإن كان حذفهم لها أقلّ منه في الياء لاستخفافهم لها، وذلك في قولهم: أصاب الناس جهد، ولو تر ما أهل مكة، وقولهم: حاش لله «1» [يوسف/ 31 - 51] وقوله «2»:
__________
(1) انظر ما سبق في 1/ 141
(2) جزء من بيت للبيد سبق الحديث عنه في أكثر من موضع انظر 1/ 79 و 141.

(4/376)


ورهط ابن المعلّ فحذفها في الوقف للقافية كما حذفت الياء.
وأمّا وقف ابن كثير بالياء فهو حسن، لأنها أكثر من الحركة في الصوت، فلا ينبغي إذا حذفت الحركة للوقف أن تحذف الياء له، كما لا تحذف سائر الحروف. ويقوّي ترك الحذف للياء في الوقف أن الكلام لم يتمّ في قوله: يوم يأت، ويدلّ على أنها تنزّل عندهم منزلة سائر الحروف تقديرهم إياه في نحو «1»:
ألم يأتيك، والأنباء تنمي وفي نحو قوله «2»:
هجوت زبّان ثم جئت معتذرا ... من هجو زبان لم تهجو ولم تدع
وتحريكهم لها في الشعر نحو «3»:
__________
(1) سبق انظر 1/ 93 و 325، 2/ 99.
(2) سبق انظر 1/ 325.
(3) جزء من بيت لابن قيس الرقيات وتمامه:
لا بارك الله في الغواني هل ... يصبحن إلا لهن مطّلب
ديوانه ص 7 وهو من شواهد سيبويه 2/ 59 والمقتضب 1/ 142 - 3/ 354 - والخصائص 1/ 262 و 2/ 67 و 81 وهو الشاهد رقم 398 من شواهد المغني 4/ 386.

(4/377)


لا بارك الله في الغواني هل ..
وقال «1»:
فيوما يوافيني الهوى غير ماضي وأمّا حذف عاصم لها في الوصل والوقف فلأنه جعلها في الوصل والوقف بمنزلة ما استعمل محذوفا مما لم يكن ينبغي في القياس أن يحذف نحو: لم يك، ولا أدر، فلما حذفوا هذا ونحوه في الوصل والوقف، فكذلك حذفوا الياء من يأت فيهما.

[هود: 108]
اختلفوا في ضمّ السين وفتحها من قوله: سعدوا [هود/ 108].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر وابن عامر: سعدوا بفتح السين.
وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم: سعدوا بضم السين «2».
قال أبو علي: حكى سيبويه: سعد يسعد سعادة فهو سعيد، وينبغي أن يكون غير متعدّ، كما أنّ خلافه الذي هو شقي كذلك، وإذا لم يكن متعدّيا لم يجز أن يبنى للمفعول به، لأنك إنما تبني الفعل للمفعول به إذا تعلّق به مفعول به، فأما إذا لم يكن له مفعول فلا يجوز أن تبنيه له، وإذا كان كذلك
__________
(1) سبق في 1/ 325 و 2/ 99.
(2) السبعة 339.

(4/378)


كان ضمّ السين من سعدوا مستثقلا إلّا أن يكون سمع فيه لغة خارجة عن القياس، أو يكون من باب فعل وفعلته، نحو:
غاض الماء وغضته، وحزن وحزنته، ولعلهم استشهدوا فيه بقولهم: مسعود، وأن مسعودا على سعدوا، ولا دلالة قاطعة على هذا، لأنه يجوز أن يكون مثل: أجنّه الله فهو مجنون، فالمفعول حاء في هذا على أنه حذفت الزيادة منه كما حذف من اسم الفاعل من نحو قوله «1»:
يكشف عن جمّاته دلو الدّال إنّما هو: دلو المدلي.
وكذلك «2»:
ومهمه هالك من تعرّجا في أحد القولين، والقول الآخر: أنهم زعموا أنهم يقولون: هلكني زيد، وأنه من لغة تميم. ومن الحذف قوله:
يخرجن من أجواز ليل غاض «3»
__________
(1) للعجاج سبق انظر 2/ 254.
(2) للعجاج، وقبله:
عصرا وخضنا عيشه المعذلجا والمعنى: من أقام بهذا المهمه فقد هلك. انظر ديوانه 2/ 43 والخصائص 2/ 210 والمحتسب 1/ 92 والمخصص 6/ 127 والمقتضب 4/ 180.
(3) من أرجوزة لرؤبة يمدح فيها بلال بن أبي بردة وبعده:
نضو قداح النابل النواضي ديوانه/ 82 المقتضب 4/ 179 - المحتسب 2/ 242 اللسان (غضا).

(4/379)


يريد: مغض، وكذلك: وأرسلنا الرياح لواقح [الحجر/ 22]، وهي تلقح الشجر، فإذا ألقحتها وجب أن يكون في الجمع: ملاقح، فجاء على حذف الزيادة، فأما قول الطرمّاح «1»:
قلق لأفنان الرّيا ... ح للاقح منها وحائل
فإن قوله للاقح ليس على: ألقحتها الريح، فحذفت منها الزيادة كما حذف من قوله:
يخرجن من أجواز ليل غاض ولكنه على معنى النسب تقديره: ذات لقاح منها، وكذلك: حائل ذات حيال، ولذلك حذفت منه التاء لأنها لم تجر على الفعل. ولو كانت الجارية على الفعل لثبتت العلاقة، كما ثبتت في قوله: ولسليمان الريح عاصفة [الأنبياء/ 81] والنسب كقوله: جاءتها ريح عاصف [يونس/ 22] والريح الجنوب تثير السحاب فينبسط ثم ينحلّ، والشمال بعكس هذا، وكذلك مسعود يجوز أن يكون على حذف الزيادة.

[هود: 111]
اختلفوا في تشديد الميم والنون من قوله: وإن كلا لما [هود/ 111].
فقرأ ابن كثير ونافع: وإن* خفيفة، كلا لما* مخفّفتان.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر ونافع: وإن كلا خفيفة، لما مشدّدة.
__________
(1) تقدم ذكره في 2/ 252.

(4/380)


وقرأ حمزة والكسائيّ: وإن مشدّدة النون، واختلفا في الميم من لما، فشدّدها حمزة، وخفّفها الكسائيّ.
وقرأ أبو عمرو مثل قراءة الكسائيّ، حفص عن عاصم وإن مشدّدة النون. لما مشدّدة أيضا.
وقرأ ابن عامر مثل قراءة حمزة «1».
قال أبو علي: قال سيبويه: هذه كلمة تكلّم بها العرب في حال اليمين، وليس كلّ العرب يتكلّم بها، تقول: لهنّك لرجل صدق، يريدون: إنّ، ولكنّهم أبدلوا الهاء مكان الألف لقولهم: هرقت، ولحقت هذه اللام إنّ كما لحقت ما حين قلت: إن زيدا لما لينطلقنّ «2».
قال أبو علي «3»: اعلم أن أبا زيد قوله في ذلك خلاف ما ذهب إليه سيبويه، وذلك أنه قال: قال أبو أدهم الكلابي: «له ربّي لا أقول» فتح اللام وكسر الهاء في الإدراج، قال أبو زيد:
ومعناه: والله ربي لا أقول. وأنشد أبو زيد:
لهنّي لأشقى الناس إن كنت غارما ... لدومة بكرا ضيّعته الأراقم
__________
(1) السبعة 339.
(2) سيبويه 1/ 474 وانظر المسائل العسكرية 255 والخزانة 3/ 333 واللسان (أنن).
(3) نقل البغدادي كلام أبي علي في الخزانة 4/ 334 عن كتابه نقض الهاذور. انظره مفصلا فيهما.

(4/381)


وأنشد أبو زيد أيضا:
أبائنة حبّي نعم وتماضر ... لهنّا لمقضيّ علينا التهاجر
«1» قال: يقول لله أنا، وأنشد «2»:
وأمّا لهنّك من تذكّر عهدها* لعلى شفا يأس وإن لم تيأس انتهى كلام أبي زيد. فاللام في له على قول أبي زيد، هي اللام التي هي عين الفعل، من إله. وكان الأصل لله فحذفت الجارة التي للتعريف فبقيت: له يا هذا.
فأما ألف فعال، فحذفت كما حذفت في الممدود إذا قصر، وقد قالوا: الحصد والحصاد وقد حذفت من هذا الاسم في غير هذا الموضع، قال «3»:
ألا لا بارك الله في سهيل* إذا ما الله بارك في الرجال
__________
(1) وهو الشاهد الحادي والستون بعد الثمانمائة من شواهد الخزانة. وقد استشهد بعجزه.
(2) نسبه في النوادر 201 للمرار الفقعسي، وروايته ثمة: «من تذكر أهلها».
(3) البيت غير منسوب في الخصائص 3/ 134، المحتسب 1/ 181، 299 و 2/ 82 اللسان (أله) والخزانة 4/ 341 الشاهد فيه حذف الألف من لفظ الجلالة الأول قبل الهاء، وهذا الحذف لضرورة الشعر، ذكره ابن عصفور في كتاب الضرائر ص 131، وانظر الضرائر للآلوسي ص 73، هذا والبيت من الوافر.

(4/382)


وقد وافق سيبويه أبا زيد في حذف هاتين اللامين، فذهب في قولهم: «لاه أبوك» إلى أن الألف واللام التي للتعريف حذفتا «1»، وممّا يرجّح قول أبي زيد في المسألة أنه لو كانت الهاء في لهنّك بدلا من همزة إنّ لكان اللفظ: لإنك، فجمع بين إنّ واللام، ولم يجمع بينهما، ألا ترى أنهما إذا اجتمعتا فصل بينهما بأن تؤخر اللام في الخبر في نحو: إن الإنسان ليطغى [العلق/ 6]، أو إلى الاسم في نحو: إن في ذلك لآية [الحجر/ 77 والنحل/ 11 - 13 - 65 - 67 - 69] فإن قلت: يكون قلبها هاء بمنزلة الفصل بينهما فيما ذكرت، فإذا قلبت لم يمتنع الجمع بينهما، كما أنه إذا فصل لم يمتنع؛ قيل:
هذا لا يسوغ تقديره، ألا ترى أن سيبويه جعل الهاء إذا كانت بدلا من الهمزة في حكم الهمزة، فذهب إلى أنك لو سمّيت رجلا بهرق، كان بمنزلة أن تسمّيه: بأرق، فجعل الهاء إذا أبدلت من الهمزة في حكم الهمزة، فكذلك يكون في لهنّك لو كانت بدلا من الهمزة، لم يجز دخول اللام عليها، كما لم يجز دخول اللام قبل أن تبدل، وكذلك فعلت العرب في هذا النحو فلم يصرفوا صحراء وطرفاء لما أبدلوا الهمزة من ألف التأنيث، كما لم يصرفوا نحو: رضوى وتترى «2»، وكذلك قال أبو الحسن: لو أبدلت اللام من النون في أصيلان، فقلت: أصيلال ثم سمّيت به لم تصرف كما لم تصرف أصيلان في التسمية، فكذلك
__________
(1) انظر الكتاب 1/ 273 و 2/ 144.
(2) قال السيرافي: بعضهم يجعل الألف في تترى للتأنيث، وبعضهم يجعلها زائدة للإلحاق بجعفر ونحوه وفيه قول ثالث: وهو أن تكون الألف عوضا

(4/383)


تمتنع اللام من أن تدخل على الراء إذا أبدلت همزتها هاء، كما تمتنع من الدخول قبل أن تبدل، وشيء آخر يرجح له قول أبي زيد: وهو أن اللام في لهنك إذا حمل على أنه لإنك، كما قال سيبويه، لم يخل من أن تكون متلقّية قسما أو غير متلقّية له، فلا يجوز أن تكون متلقّية لقسم، وإنّ تغني عنها، كما تغني هي عن إنّ فلا يجوز إذا أن تكون لتلقّي قسم، ولا يجوز أن تكون غير متلقّية له لأنها حينئذ تكون زائدة ولم تجىء اللام زائدة في هذا الموضع، وإنما جاءت زائدة في غير هذا، وهو فيما أنشده أحمد بن يحيى:
مرّوا سراعا فقالوا كيف صاحبكم* قال الذي سألوا أمسى لمجهودا «1» وهي قليلة وليس يدخل هذا على قول أبي زيد، فأما قول سيبويه: ولحقت هذه اللام إنّ كما لحقت ما حين قلت: إنّ زيدا لما لينطلقنّ؛ فالقول فيه أن اللام التي في: لما لينطلقن، ليست كاللام في: لهنّك، على قول سيبويه، ألا ترى أن اللام التي في: لما لينطلقنّ، هي اللام التي تقتضيه إنّ، واللام الأخرى هي التي لتلقي القسم، ودخلت ما لتفصل بين
__________
من التنوين، والقياس لا يأباه. وخط المصحف يدل على أحد القولين:
إما التأنيث وإما زيادة الألف للإلحاق، لأنها مكتوبة بالياء في المصحف:
تترى وأصل تترى: وترى. التاء الأولى بدل من الواو: لأنها من المواترة.
(حاشية الكتاب بتحقيق هارون: 3/ 211).
(1) البيت غير منسوب وقد ذكره ابن جني في الخصائص 1/ 316 2/ 283 وانظر الخزانة 4/ 330.

(4/384)


اللامين، لأنه إذا كره أن تجتمع اللام وإنّ، مع اختلاف لفظيهما لاتفاقهما في بعض المعنى، ففصل بينهما، فأن يفصل بين اللامين مع اتفاق اللفظين وبعض المعنيين أجدر، فليس اللام في لما لينطلقنّ وفق اللام في لهنّك، لأنها في: لما لينطلقنّ لام إنّ والثانية لام القسم، ولا تكون في قوله: لهنّك، لام يمين لأن إنّ يستغنى بها عن اللام، كما يستغنى باللام عن إنّ فتحصل اللام زائدة، والحكم بزيادتها ليس بالمتّجه، وليست كذلك التي في: لما لينطلقنّ، والتي في قوله: وإن كلا لما ليوفينهم.
ومن قرأ: وإن كلا لما بتشديد إن، وتخفيف لما*، وهي قراءة أبي عمرو والكسائي، فوجهه بيّن، وهو أنّه نصب كلّا بإنّ، وإنّ تقتضي أن يدخل على خبرها أو اسمها لام كما مثلتها قبلها في ذلك هذه اللام وهي لام الابتداء على الخبر في قوله: وإن كلا لما وقد دخلت في الخبر لام أخرى وهي التي يتلقّى بها القسم، وتختصّ بالدخول على الفعل، ويلزمها في أكثر الأمر إحدى النونين، فلما اجتمعت اللامان، واتفقا في تلقّي القسم، واتفقا في اللفظ، فصل بينهما بما، كما فصل بين إنّ واللام، فدخلت ما لهذا المعنى، وإن كانت زائدة لتفصل، وكما جلبت النون، وإن كانت زائدة في نحو: فإما ترين من البشر [مريم/ 26]، وكما صارت عوضا من الفعل في قولهم: إمّا لي، وفي قوله «1»:
__________
(1) صدر بيت للعباس بن مرداس وعجزه:
فإنّ قومي لم تأكلهم الضبّع

(4/385)


أبا خراشة إمّا أنت ذا نفر فهذا بيّن. ويلي هذا الوجه في البيان قول من خفف إن ونصب كلا وخفّف لما*، وهي قراءة ابن كثير ونافع، قال سيبويه: حدثنا من نثق به أنه سمع من العرب من يقول:
إن عمرا لمنطلق، قال: وأهل المدينة يقرءون: وإن كلا لما ليوفينهم ربك يخففون وينصبون، كما قالوا:
كأن ثدييه حقان «1» ووجه النصب بها مع التخفيف من القياس أنّ إنّ مشبهة في نصبها بالفعل، والفعل يعمل محذوفا، كما يعمل غير محذوف، وذلك في نحو: لم يك زيد منطلقا و: فلا تك في مرية [هود/ 109] وكذلك: لا أدر.
فأما من خفف إن* ونصب كلا* وثقّل لما* فقراءته
__________
وهو من شواهد سيبويه 1481 والخصائص 3812 والمنصف 1163 وابن الشجري 34 - 53 - 2/ 350 والإنصاف 71 - والمفصل 2/ 99 و 8/ 132 وهو الشاهد رقم 43 ج 1/ 173 من شواهد المغني والخزانة 2/ 80، 4/ 421. وقد جاء في الأصل «إما» بكسر الهمزة.
وفي جميع المصادر بفتحها «أمّا».
(1) عجز بيت صدره:
ووجه مشرق النّحر وهو من شواهد سيبويه التي لم تنسب. والنقل مع الشاهد في الكتاب 1/ 283 وانظر الخزانة 4/ 358. وابن الشجري 2/ 237.

(4/386)


مشكلة، وذلك أنّ إن* إذا نصب بها وإن كانت مخفّفة، كانت بمنزلتها مثقّلة، ولما* إذا شدّدت كانت بمنزلة إلّا.
وكذلك قراءة من شدّد لما وثقّل إن مشكلة، وهي قراءة حمزة وابن عامر وحفص عن عاصم، وذلك أنّ إن إذا ثقّلت وإذا خففت ونصبت، فهي في معنى الثقيلة، فكما لا يحسن: إنّ زيدا إلا منطلق، فكذلك لا يحسن تثقيل إن وتثقيل لما، فأمّا مجيء لما في قولهم: نشدتك الله لما فعلت، وإلّا فعلت، فقال الخليل: الوجه: لتفعلنّ، كما تقول:
أقسمت عليك، لتفعلنّ، وأما دخول إلا، ولما، فلأن المعنى الطلب، فكأنه أراد: ما أسألك إلا فعل كذا، فلم يذكر حرف النفي في اللفظ، وإن كان مرادا، كما كان مرادا في:
قولهم: «أهرّ ذا ناب «1»» أي ما أهرّه إلا شرّ، وليس في الآية معنى نفي ولا طلب.
فإن قال قائل: يكون المعنى: لمن ما، فأدغم النون في الميم بعد ما قلبها ميما؛ فإن ذلك لا يسوغ، ألا ترى أن الحرف المدغم إذا كان قبله ساكن نحو: قرم مالك، لم يقو الإدغام فيه على أن يحرّك الساكن الذي قبل الحرف المدغم، فإذا لم يجز ذلك فيه، وكان تغييرا أسهل الحذف؛ فأن لا يجوز الحذف الذي هو أذهب في باب التغيير من تحريك الساكن أجدر. على أنّ في هذه السورة ميمات اجتمعت في الإدغام،
__________
(1) مثل عربي- تمامه: «شر أهرّ ذا ناب» انظر الإيضاح في علوم البلاغة للخطيب القزويني 2/ 48 والمستقصى في أمثال العرب للزمخشري 2/ 130.

(4/387)


أكثر ممّا كان يجتمع في: لمن ما، ولم يحذف منها شيء، وذلك قوله: على أمم ممن معك [هود/ 48]، فإذا لم يحذف شيء من هذا، فأن لا يحذف ثمّ أجدر.
وقد روي أنّه قد قرئ: وإن كلا لما منوّنا، كما قال:
وتأكلون التراث أكلا لما [الفجر/ 19]، فوصف بالمصدر، فإن قال: إنّ لما فيمن ثقّل إنّما هي لمّا هذه وقف عليها بالألف ثم أجرى الوصل مجرى الوقف، فذلك ممّا يجوز في الشعر، ووجه الإشكال فيه أبين من هذا الوجه.
وحكي عن الكسائيّ. أنه قال: لا أعرف وجه التثقيل في لمّا. ولم يبعد في ما قال، ولو خفّف مخفّف إن* ورفع كلّا بعدها، لجاز تثقيل لما* مع ذلك، على أن يكون المعنى: ما كلّ: إلّا ليوفّينّهم، فيكون ذلك كقوله: وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا [الزخرف/ 35]، لكان ذلك أبين من النصب في كلّ والتثقيل للمّا، وينبغي أن يقدّر المضاف إليه كلّ نكرة، ليحسن وصفه بالنكرة، ولا يقدّر إضافته إلى معرفة فيمتنع أن يكون لمّا وصفا له، ولا يجوز أن يكون حالا لأنه لا شيء في الكلام عاملا في الحال.

[هود: 123]
قرأ نافع وعاصم في رواية حفص: وإليه يرجع الأمر كله [هود/ 123] بضم الياء.
وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم: يرجع* بفتح الياء «1».
__________
(1) السبعة 340.

(4/388)


قال أبو علي: حجة من ضم قوله: ثم ردوا إلى الله [الأنعام/ 62] لأن المعنى ثم ردّ أمرهم إلى الله.
وهذا يدلّ على الاستسلام منهم كقوله: بل هم اليوم مستسلمون [الصافات/ 26]، ويقوّي ذلك قوله: ألا له الحكم [الأنعام/ 62] أي: له الحكم في أمرهم، ويقوّي ذلك قوله: إليه يرد علم الساعة وما يخرج من ثمرة من أكمامها [فصلت/ 47]، فهذه من الأمور المردودة إليه تعالى.
ومن قرأ: وإليه يرجع الأمر بفتح الياء، فلقوله: والأمر يومئذ لله [الانفطار/ 19] فكونه له رجوع إليه وانفراد به من غير أن يشركه أحد. كما تحكم في هذه الدار الفقهاء والسلطان، ويقوي ذلك وله الملك يوم ينفخ في الصور [الأنعام/ 73].

[هود: 123]
قال: قرأ نافع وابن عامر وحفص عن عاصم: بغافل عما تعملون [هود/ 123] بالتاء. وقرأ الباقون: بغافل عما يعملون* بالياء، [وكذلك أبو بكر عن عاصم] «1».
قال أبو علي: حجّة التاء أن الخطاب يكون للنبي، عليه السلام، ولجميع الناس، والمعنى أنه يجزي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته، والخطاب يتوجه إلى جميع الناس، مؤمنهم وكافرهم، وهذا أعمّ من الياء.
وحجة الياء على: قل لهم: وما ربك بغافل عما يعملون.
__________
(1) السبعة 340 وما بين معقوفين منه.

(4/389)