الحجة للقراء السبعة ذكر اختلافهم في
سورة المؤمنون «1»
[المؤمنون: 8]
قرأ ابن كثير وحده: (لأمانتهم) [8] واحدة، وقرأ الباقون:
لأماناتهم جماع.
[المؤمنون: 9]
وقرأ حمزة والكسائى: (على صلاتهم) [المؤمنون/ 9] واحدة،
والباقون: على صلواتهم جماعة «2».
وجه الإفراد: أنه مصدر واسم جنس، فيقع على الكثرة، وإن كان
مفردا في اللفظ، ومن هذا قوله: كذلك زينا لكل أمة عملهم
[الأنعام/ 108] فأفرد وجمع في قوله: ولهم أعمال من دون ذلك هم
لها عاملون [المؤمنون/ 63] وكذلك يريهم الله أعمالهم حسرات
[البقرة/ 167]، فإن قلت: إن الأعمال تختلف، قيل: والأمانة
تختلف ولها ضروب نحو: الأمانة التي بين الله وعبده كالصيام
والصلاة والاغتسال، والأمانة التي بين العبيد في حقوقهم
كالودائع والبضائع ونحو ذلك مما تكون اليد فيه أمانة. وقال:
أعمالهم كسراب بقيعة [النور/ 39].
__________
(1) في الأصل: المؤمنين.
(2) السبعة 444.
(5/287)
ووجه الجمع: قوله: إن الله يأمركم أن تؤدوا
الأمانات إلى أهلها [النساء/ 58].
ومما أفرد فيه الأمانة والمراد بها الكثرة ما روي عن أبي: «من
الأمانة أن اؤتمنت المرأة على فرجها». يريد به تفسير قوله: ولا
يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن [البقرة/ 228].
وقرأ حمزة والكسائي: (على صلاتهم) والباقون: صلواتهم.
وجه الإفراد: أن الصلاة في الأصل مصدر كالعمل والأمانة.
ووجه الجمع: أنه قد صار بمنزلة الاسم لاختلاف أنواعها، فلذلك
جمع في نحو قوله: حافظوا على الصلوات [البقرة/ 238] وكان الجمع
فيه أقوى لأنه قد صار اسما شرعيّا لانضمام ما لم يكن في أصل
اللغة أن ينضمّ إليها.
[المؤمنون: 14]
اختلفوا في قوله عز وجل: عظاما فكسونا العظام [المؤمنون/ 14]
في الجمع والتوحيد.
فقرأ عاصم وحده في رواية أبي بكر وابن عامر: (عظما فكسونا
العظم لحما) واحدا ليس قبل الميم ألف.
وقرأ الباقون وحفص عن عاصم وبكار عن أبان عن عاصم:
عظاما فكسونا العظام لحما جماعا بألف «1».
والجمع أشبه بما جاء في التنزيل في غير هذا الموضع كقوله:
أإذا كنا عظاما ورفاتا [الإسراء/ 49 - 98] أئذا كنا عظاما نخرة
[النازعات/ 11] من يحيى العظام وهي رميم [يس/ 78].
__________
(1) السبعة 444.
(5/288)
والإفراد أنه اسم جنس، وأفرد كما تفرد
المصادر وغيرها من الأجناس نحو: الإنسان والدرهم والشاء
والبعير، وليس ذلك على حدّ قوله:
كلوا في بعض بطنكم تعفّوا «1».
ولكنه على ما أنشد أبو زيد:
لقد تعلّلت على أيانق ... صهب قليلات القراد اللّازق
«2» فالقراد يراد به الكثرة لا محالة.
[المؤمنون: 20]
اختلفوا في كسر السين وفتحها من قوله تعالى: من طور سيناء
[المؤمنون/ 20].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: (سيناء) بكسر السين ممدود،
وقرأ الباقون: سيناء مفتوحة السين ممدودة أيضا «3».
قال أبو علي: من قال: سيناء لم ينصرف الاسم عنده في المعرفة
ولا في النكرة، لأن الهمزة في هذا البناء لا تكون إلا للتأنيث
ولا تكون للإلحاق، ألا ترى فعلا لا يكون إلا في المضاعف نحو:
الزّلزال والقلقال، إذا اختص البناء هذا الضرب لم يجز أن يلحق
به
__________
(1) هذا صدر بيت عجزه:
فإنّ زمانكم زمن خميص انظر الكتاب لسيبويه 1/ 108 والخزانة 3/
379 وذكر أنه من أبيات سيبويه التي لا يعرف قائلها.
(2) هذا من رجز أورده في النوادر/ 392 (ط الفاتح) ولم ينسبه
لقائل وانظر الخصائص/ 232، والمخصص 1/ 31 واللسان (قرد) (زهق).
(3) السبعة 444، 445.
(5/289)
شيء لأنك حينئذ تعدّي بالبناء إلى غير
مضاعف الأربعة، فهذا إذن كموضع أو بقعة سمّي بطرفاء وصحراء.
فأما من قرأ (سيناء) بالكسر فالهمزة فيه منقلبة عن الياء
كعلباء، وحرباء، وسيناء، وهي الياء التي ظهرت في نحو: درحاية
لمّا بنيت على التأنيث، فإنّما لم ينصرف على هذا القول وإن كان
غير مؤنّث لأنه جعل اسم بقعة أو أرض، فصار بمنزلة امرأة سميت
بجعفر، ومن هذا البناء قوله: وطور سينين [التين/ 2] فسينين:
فعليل، كرّرت اللام التي هي نون فيه كما كرّرت في: زحليل
وكرديد وخنذيذ «1»، ومثله في أن العين ياء وكررت اللام فيه
للإلحاق قول الشاعر:
تسمع للجنّ فيه زيزيزما «2».
الياء الأولى: عين، والثانية لفعليل، فإن قلت: فلم لا يكون
سينين كغسلين ولا يكون كخنذيذ؟. فالذي يمنع من ذلك أن أبا
الحسن حكى أن واحد سنين: سينينة، وما كان من نحو غسلين لم نعلم
علامة التأنيث لحقه، وبهذه الدلالة يعلم أن سينين ليس كسنين
ولا أرضين، لأن هذا الضرب من الجمع لا يلحقه التاء للتأنيث،
وإنما لم ينصرف سينين كما لم ينصرف (سيناء) لأنه جعل اسما
لبقعة أو لأرض، كما
__________
(1) الزحليل: السريع، قال في اللسان (زحل): مثل به سيبويه
وفسّره السيرافي، قال ابن جني: قال أبو علي: زحليل من الزحل،
كسحتيت من السحت. والكرديد:
ما يبقى في أسفل الجلة من جانبيها من التمر. والخنذيذ: الشاعر
المجيد (اللسان).
(2) الرجز في اللسان (زيز) ... وجاءت روايته فيه: تسمع للجن به
زي زي زيا وهي أقوم وزنا. وزي زي: حكاية صوت الجن.
(5/290)
جعل سيناء كذلك، ولو جعل اسما للمكان أو
المنزل أو نحو ذلك من الأسماء المذكّرة لانصرف، لأنك كنت سمّيت
مذكرا بمذكر.
[المؤمنون: 20]
اختلفوا في (تنبت) [المؤمنون/ 20] في فتح التاء وضمّها. فقرأ
ابن كثير وأبو عمرو: (تنبت) بضم التاء وكسر الباء، وقرأ
الباقون:
تنبت بفتح التاء وضمّ الباء «1».
من قرأ (تنبت بالدّهن) احتمل وجهين: أحدهما: أن يجعل الجار
زائدا، يريد تنبت، ولحقت الباء كما لحقت في قوله: ولا تلقوا
بأيديكم إلى التهلكة [البقرة/ 195] أي: لا تلقوا أيديكم، يدلّك
على ذلك قوله: وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم [النحل/ 15]
وقد زيدت هذه الباء مع الفاعل كما زيدت مع المفعول وزيادتها مع
المفعول به أكثر، وذلك نحو قوله:
ألم يأتيك والأنباء تنمي ... بما لاقت
«2» ...
وقد زيدت مع هذه الكلمة بعينها قال:
بواد يمان ينبت الشّثّ حوله ... وأسفله بالمرخ والشّبهان
«3» حمله على: وينبت أسفله المرخ.
__________
(1) السبعة 445.
(2) البيت لقيس بن زهير وتمامه:
بما لاقت لبون بني زياد
سبق انظر 1/ 325.
(3) سبق في ص 200، والشّبهان والشّبهان: بضم الشين والباء
وبفتحهما، كذا نصّ ابن سيده على ضبطه (اللسان شبه). وينبت
الشّثّ: جاءت فيما سبق بفتح الياء وضم الباء، والشث: فاعله.
وهنا بضم الياء وكسر الباء، والشث:
مفعوله.
(5/291)
ويجوز أن يكون الباء متعلّقا بغير هذا
الفعل الظاهر، ويقدّر مفعولا محذوفا تقديره: تنبت جناها أو
ثمرتها وفيها دهن وصبغ، كما تقول: خرج بثيابه وركب بسلاحه.
ومن قرأ: تنبت بالدهن جاز أن يكون الجار فيه للتعدّي: أنبته
ونبت به، ويجوز أن يكون الباء في موضع حال كما كان في الوجه
الأول، ولا يكون للتعدي ولكن: تنبت وفيها دهن، وقد قالوا: أنبت
في معنى نبت، فكأن الهمزة في أنبت مرة للتعدّي ومرّة لغيره،
يكون من باب: أحال وأجرب وأقطف، أي: صار ذا حيال وجرب،
والأصمعي ينكر أنبت، ويزعم أن قصيدة زهير التي فيها:
... حتى إذا أنبت البقل «1» متّهمة. وإذا جاء الشيء مجيئا كان
للقياس فيه مسلك، فروته الرواة لم يكن بعد ذلك موضع مطعن.
[المؤمنون: 21]
اختلفوا في قوله: نسقيكم [المؤمنون 21].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم في رواية حفص وحمزة والكسائي:
نسقيكم برفع النون.
وقرأ نافع وعاصم في رواية أبي بكر وابن عامر: (نسقيكم) بفتح
النون «2».
__________
(1) من بيت لزهير تمامه:
رأيت ذوي الحاجات حول بيوتهم ... قطينا لهم حتى إذا أنبت البقل
انظر ديوانه/ 111
(2) السبعة 445.
(5/292)
قال أبو علي: أما من قال: نسقيكم فعلى أن
يكون المعنى:
جعلنا ما في ضروعها من ألبانها سقيا لكم. وقد قالوا: أسقيتهم
نهرا إذا جعلته سقيا لهم، هذا كأنه أعم لأن ما هو سقيا لهم لا
يمتنع أن يكون للشفة، وما للشفة فقد يمتنع أن يكون سقيا، وما
أسقيناه من ألبان الأنعام أكثر مما يكون للشفة نسقيكم بالضم
فيه أشبه. ومن قال:
(نسقيكم) جعل ذلك مختصا به الشفاء دون المزارع والمراعي فلم
يكن مثل الماء في قوله: وأسقيناكم ماء فراتا [المرسلات/ 27].
لأن ذا يصلح لأمرين فمن ثمّ جاء: وسقاهم ربهم شرابا طهورا
[الانسان/ 21]. وقد قيل: إن سقى وأسقى لغتان. قال الشاعر:
سقى قومي بني مجد وأسقى ... نميرا والقبائل من هلال
«1» ألا ترى أن أسقى لا يخلو من أن يكون لغة في سقى، أو يكون
على حدّ: وأسقيناكم ماء فراتا [المرسلات/ 27] وهذا الوجه فيه
بعض البعد، لأنه قد دعا لقومه وخاصّته بدون ما دعا للأجنبي
الغريب منه.
[المؤمنون: 29]
اختلفوا في ضم الميم وفتحها من قوله عز وجل منزلا [المؤمنون/
29] فقرأ عاصم في رواية أبي بكر: (منزلا) بفتح الميم وكسر
الزاي. وقرأ الباقون وحفص عن عاصم: منزلا بضم الميم وفتح الزاي
«2».
المنزل فيمن ضم الميم منه يجوز أن يكون مصدرا أو يكون
__________
(1) البيت للبيد، انظر ديوانه/ 110 واللسان (سقي)
(2) السبعة 445.
(5/293)
موضعا للإنزال، فإذا أراد المكان فكأنه
قال: أنزلني دارا، وإذا أراد المصدر كان بمنزلة: أنزلني إنزالا
مباركا، فعلى هذا الوجه يجوز أن يعدّى الفعل إلى مفعول آخر،
وعلى الوجه الأول قد استوفى مفعوليه.
ومن قال: (منزلا) أمكن أن يكون مصدرا وأن يكون موضع نزول،
ودلّ: (أنزلني) على نزلت، وانتصب (منزلا) على أنه محل، وعلى
أنه مصدر، فإذا عنيت به المصدر جاز أن تعدّي الفعل إلى المكان.
[المؤمنون: 27]
حفص عن عاصم: من كل زوجين اثنين [المؤمنون/ 27] منون. وقرأ
الباقون وأبو بكر عن عاصم بلا تنوين «1».
حجة قول عاصم: (من كل شيء) [الحجر/ 19] فحذف كما حذف في قوله:
وكل آتوه داخرين [النمل/ 87] فزوجين على هذا مفعول به واثنين
وصف له.
وأما من قال: (من كلّ زوجين) فإنه أضاف كلّا إلى زوجين واثنين
انتصب على أنه مفعول به، والمعنى في قراءة عاصم: من كلّ يؤول
إلى كلّ زوجين، لأن شيئا المقدّر حذفه في كلّ إنما هو ما يحمل
من الأزواج التي للنسل وغيره دون الأشياء التي لا تكون أزواجا.
فقراءة الجمهور في هذا أبين، والرواية الأخرى عن عاصم أولى من
هذه، كأنه وضع العام موضع الخاص. أراد من كلّ زوج الأشبه أن
يريد هذا.
[المؤمنون: 44]
اختلفوا في التنوين من قوله: تترى [المؤمنون/ 44]. فقرأ ابن
كثير وأبو عمرو (تترى كلّما) منونة، والوقف بالألف، وقرأ
__________
(1) السبعة 445
(5/294)
الباقون: تترى بلا تنوين، والوقف في قراءة
نافع وعاصم وابن عامر بألف، هبيرة عن حفص عن عاصم يقف بالياء
«1».
قوله: يقف بالياء، يعني بألف ممالة. ومن نون وقف بالألف، ومن
لم ينون وقف بالألف والياء.
قال أبو علي: (تترى): فعلى من المواترة، والمواترة أن تتبع
الخبر الخبر، والكتاب الكتاب، ولا يكون بين ذلك فصل كبير، قال
الشاعر:
قرينة سبع إن تواترن مرّة ... ضربن وصفّت أرؤس وجنوب
«2» يصف قطا انفرد بعضها عن بعض في طيرانها يقول: إن انقطعن
فلم يكنّ صفّا ضربن أرؤسا وجنوبا لتصطف في طيرانها، فأعمل
الفعل الثاني وحذف المفعول من الأول ليتبين الفاعل له، وقال
آخر:
تواترن حتّى لم تكن لي ريبة ... ولم يك عمّا خبّروا متعقّب
«3» وقال أبو عبيدة: تترى: بعضها في إثر بعض، يقال: جاءت كتبه
تترى «4». قال: وينوّنها بعض الناس، ومن قال في تترى إنها تفعل
لم يكن غلطه غلط أهل الصناعة، والأقيس أن لا يصرف لأن المصادر
تلحق أواخرها ألف التأنيث كالدعوى والعدوى والذكرى والشورى،
__________
(1) السبعة 446 مع اختلاف يسير.
(2) البيت لحميد بن ثور من قصيدة ديوانه ص 53. والسمط 535
وانظر تهذيب اللغة للأزهري 14/ 312، واللسان (وتر).
(3) البيت للطفيل الغنوي انظر ديوانه/ 37 وفيه: «تظاهره» بدل
«تواتره». واللسان (عقب) وفيه: «تتابعه» بدل «تواتره». وليس
فيهما شاهد.
(4) مجاز القرآن 2/ 59.
(5/295)
ولا نعلم شيئا من المصادر لحق آخره ألف
الإلحاق، فمن قال: تترى، أمكن أن يريد فعلى من المواترة، فتكون
الألف بدلا من التنوين. وإن كان في الخط بالياء كان للإلحاق،
والإلحاق في غير المصادر ليس بالقليل نحو: أرطى ومعزى، فإن كان
في الخط ياء لزم أن يحمل على فعلى دون فعلا، ومن قال: تترى،
فأراد به فعلا فحكمه أن يقف بالألف مفخّمة، ولا يميلها إلا في
قول من قال: رأيت عنتا، وهذا ليس بالكثير، فلا تحمل عليه
القراءة. ومن جعل الألف للإلحاق أو للتأنيث أمال الألف إذا وقف
عليها، وكثيرا ما تتعاقب الألف التي للإلحاق وألف التأنيث في
أواخر الكلم التي لا تكون مصادر.
[المؤمنون: 50]
قرأ عاصم وابن عامر: إلى ربوة [المؤمنون/ 50] بفتح الراء.
وقرأ الباقون: (إلى ربوة) بضم الراء «1».
التّوزي: الرّبوة والرّباوة بمعنى. وقال أبو عبيدة: فلان في
ربوة قومه، أي: في عزّهم وعددهم «2»، وقال الحسن: الربوة:
دمشق.
[المؤمنون: 52]
اختلفوا في قوله: وإن هذه أمتكم [المؤمنون/ 52] في فتح الألف
وكسرها.
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: (وأنّ هذه) بفتح الألف وتشديد
النون.
وقرأ ابن عامر: (وأن) بفتح الألف أيضا وتخفيف النون.
__________
(1) السبعة 446.
(2) مجاز القرآن 2/ 59.
(5/296)
وقرأ عاصم وحمزة والكسائي: وإن هذه بكسر
الألف وتشديد النون «2».
من قرأ: (وأنّ هذه) كان المعنى في قول الخليل وسيبويه أنه
محمول على الجار، التقدير: ولأن هذه أمّتكم أمّة واحدة وأنا
ربّكم فاتّقون، أي اعبدوني لهذا. ومثل ذلك عندهم قوله عزّ
وجلّ: وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا [الجن/ 18]
المعنى: ولأن المساجد لله. وكذلك عندهم قوله: لإيلاف قريش
[قريش/ 1] كأنه: فليعبدوا ربّ هذا البيت لإيلاف قريش، أي:
ليقابلوا هذه النعمة بالشكر والعبادة للمنعم عليهم بها، وعلى
هذا التقدير يحمل قراءة ابن عامر، ألا ترى أن (أنّ) إذا خفّفت
اقتضت ما يتعلّق به اقتضاءها وهي غير مخفّفة، والتخفيف حسن في
هذا لأنه لا فعل بعدها ولا شيء ممّا لا يلي أن، فإذا كان كذلك
كان تخفيفها حسنا، ولو كان بعدها فعل لم يحسن حتى تعوّض السين
أو سوف أولا إذا كان في نفي، فإذا لم يكن بعدها فعل ساغ
التخفيف، ومثل ذلك قوله تعالى:
وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين [يونس/ 10].
ومن كسر فقال: (وإنّ هذه أمّتكم) لم يحملها على الفعل كما
يحملها من فتح، ولكن جعلها كلاما مستأنفا، ويجوز أن يكون فيه
تنبيه على الاعتداد بالنعمة كقول من فتح أنّ، فكان معنى: وأن
هذه أمتكم أمة واحدة أي: أنتم أهل دعوة واحدة ونصرة، ولا
تكونوا كالذين تفرّقوا واختلفوا، وقال: ولا تفرقوا فيه كبر على
المشركين ما تدعوهم إليه [الشورى/ 13] من الاتفاق على التوحيد
وخلع ما تدعون إليه من دونه.
__________
(2) السبعة 446.
(5/297)
[المؤمنون: 67]
وقرأ نافع وحده: (تهجرون) [المؤمنون/ 67] بضم التاء وكسر
الجيم. وقرأ الباقون: تهجرون بفتح التاء وضمّ الجيم.
من قرأ: تهجرون فالمعنى: أنكم كنتم تهجرون آياتي وما يتلى
عليكم من كتابي فلا تنقادون له وتكذبون به، كقوله: قد كانت
آياتي تتلى عليكم فكنتم على أعقابكم تنكصون مستكبرين
[المؤمنون/ 66 - 67] بالبيت والحرم لأمنكم فيه مع خوف سائر
الناس في مواطنهم، وقال: أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف
الناس من حولهم [العنكبوت/ 67] و (تهجرون) تأتون بالهجر، وهو
الهذيان وما لا خير فيه من الكلام،
وفي الحديث في زيارة القبور: «زورها ولا تقولوا هجرا»
«1».
[المؤمنون: 72]
قرأ ابن عامر (خرجا فخرج ربك) [المؤمنون/ 72] بغير ألف في
الحرفين.
وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم: خرجا بغير ألف فخراج ربك
بألف.
وقرأ حمزة والكسائي (خراجا، فخراج ربّك) في الحرفين جميعا بألف
«1».
أبو عبيدة: العبد يؤدّي إليك خرجه، أي: غلّته، والرعيّة تؤدّي
إلى الأمير الخرج، قال: والخرج أيضا من السحاب، ومنه نرى اشتقّ
__________
(1) من حديث نصه
«كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ولا تقولوا هجرا».
أخرجه أحمد في مسنده 5/ 361.
(5/298)
هذا أجمع، قال أبو ذؤيب «1»:
إذا همّ بالإقلاع هبّت له الصّبا ... وأعقب نوء بعدها وخروج
قال: وزعم أبو عمرو الهذلي أنه سمّي خرجا وخروجا للماء الذي
يخرج منه «2».
وفيما حكاه أبو عبيدة من قوله: الرعية تؤدّي إلى الأمراء
الخرج، دلالة على من قرأ: (خرجا فخرج ربّك) فكأن الخرج يقع على
الضريبة التي على الأرضين وعلى الجزية.
وحكى غير أبي عبيدة: أدّ خرج رأسك، والخرج: ما يخرج إلى من
يخرج ذلك إليه وإن لم يكن ذلك ضريبة، ويدلّ على ذلك قراءة من
قرأ: فهل نجعل لك خرجا [الكهف/ 94]، وقد يقع على هذا الخراج
بدلالة قول العجاج «3»:
يوم خراج يخرج السّمرّجا فهذا ليس على الضريبة، والاسم الأخص
بالضريبة المضروبة
__________
(1) شرح أشعار الهذليين للسكرى 1/ 129 ورواية عجزه فيه:
فأعقب نشء بعدها وخروج وفي معجم تهذيب اللغة: 7/ 48 و 11/ 419:
فأعقب غيم بعده وخروج
(2) مجاز القرآن 2/ 61.
(3) للعجاج وبعده:
في ليلة تغشي الصّوار المحرجا والسمرج: هو الخراج، يقال له
بالفارسية: سمرّة، أي: ثلاث مرات يؤدّى وهو حساب يؤخذ في ثلاثة
أثلاث فكان يقال له: سمرّة، فأعرب فقيل:
السّمرّج، انظر ديوانه 2/ 33.
(5/299)
على الأرضين الخراج، قال:
طرمحوا الدّور بالخراج فأضحت مثل ما امتدّ من عماية نيق «1»
فمعنى هذا: بأموال الخراج، وإذا كان كذلك فقول ابن كثير ومن
تبعه: خرجا فخراج ربك خير معناه: أنك لا تسألهم شيئا يخرجون
إليك، كما قال: قل ما أسألكم عليه من أجر [الفرقان/ 57] وما
نسألهم عليه من أجر [يوسف/ 104] فخراج ربك كأنه إضافة إلى الله
تعالى، لأنه أوجبه وألزمه هذه الأشياء من الحقوق في الأرضين
وجزى الرءوس، فلهذا قال: فخراج ربك خير. وقول حمزة والكسائي:
(خراجا فخراج ربك) فقولهما:
فخراج ربك بيّن على ما تقدم، و (خراج) الذي قرأه غيرهما:
خرجا قد جاء فيه الخراج أيضا، بدلالة قول العجاج، وزعموا أن
أكثر القراءة: خرجا، فخراج ربك قال أبو الحسن: لا أدري أيهما
أكثر في كلام العرب.
[المؤمنون:/ 89، 87، 85]
اختلفوا في قوله عزّ وجلّ: سيقولون لله [المؤمنون/ 85، 87، 89]
في الآيتين. ولم يختلفوا في الأول «2»، فقرأ أبو عمرو وحده:
(سيقولون الله) بألف في الحرفين. وقرأ الباقون: (لله ... لله
... لله) هذه الثلاثة المواضع «3».
أوّلها: قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون، سيقولون لله
__________
(1) طرمح البناء: علاه ورفعه (اللسان طرح) والنيق: أرفع موضع
في الجبل.
عماية: السحابة الكثيفة المطبقة- وجبل من جبال هذيل (اللسان
عمى) وانظر معجم البلدان (عماية) 4/ 152. والبيت لم نقف على
قائله.
(2) في السبعة: في الاثنتين الأخيرتين، ولم يختلفوا في الأولى.
(3) السبعة 447 مع اختلاف في العرض، سوى ما أشرت إليه.
(5/300)
[المؤمنون/ 84 - 85] لا اختلاف فيها.
الثاني: قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم، سيقولون لله
[المؤمنون/ 86 - 87] و (سيقولون الله). والثالث: قل من بيده
ملكوت كل شيء [المؤمنون/ 88] إلى آخرها سيقولون لله و (سيقولون
الله) [المؤمنون/ 89].
أبو عمرو وحده يقول فيهما: (الله) والباقون: (لله) ولم يختلفوا
في الأول، أما الآية الأولى فجوابها على القياس، كما يقال: لمن
الدار؟ فنقول: لزيد، كأنك تقول: لزيد الدار، فاستغنيت عن ذكرها
لتقدمها.
قرأ أبو عمرو وحده: (سيقولون الله) في الحرفين.
وقرأ الباقون: (لله ... لله)، وأمّا قوله: قل من رب السموات
السبع ورب العرش العظيم فجواب هذا: الله، على ما يوجبه اللفظ،
وأما من قال: لله فعلى المعنى، وذلك أنه إذا قال: من مالك هذه
الدار؟ فقال في جوابه: لزيد، فقد أجابه على المعنى دون ما
يقتضيه اللفظ، والذي يقتضيه: من مالك هذه الدار؟ أن يقال في
جوابه: زيد، ونحوه، فإذا قال: لزيد، فقد حمله على المعنى،
وإنما استقام هذا لأن معنى من مالك هذه الدار؟ ولمن هذه الدار؟
واحد، فلذلك حملت تارة على اللفظ وتارة على المعنى، والجواب
على اللفظ هو الوجه.
[المؤمنون: 301]
اختلفوا في قوله تعالى: عالم الغيب والشهادة [المؤمنون/ 92] في
الخفض والرفع.
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحفص عن عاصم وابن عامر: عالم الغيب
خفضا.
(5/301)
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر ونافع وحمزة
والكسائي: (عالم الغيب) رفعا «1».
قال أبو الحسن: الجر أجود ليكون الكلام من وجه واحد، وأما
الرفع فعلى أن يكون خبر ابتداء محذوف. قال: ويقوّي ذلك أن
الكلام الأول قد انقطع.
[المؤمنون: 106]
اختلفوا في قوله تعالى: شقوتنا [المؤمنون/ 106] في كسر الشين
وفتحها والألف.
فقرأ حمزة والكسائي: (شقاوتنا) بفتح الشين وبالألف.
وقرأ الباقون: شقوتنا بكسر الشين بغير ألف. حدثني أبو علي محمد
بن عيسى العباسي وأحمد بن علي الخزّاز قالا: حدثنا بشر بن هلال
قال: حدّثنا بكار عن أبان قال: سألت عاصما فقال: إن شئت فاقرأ:
شقوتنا وإن شئت فاقرأ (شقاوتنا) «2».
الشقوة: مصدر كالردّة، والفطنة، والشقاوة: كالسعادة وإذا كان
كذلك فالقراءة بهما جميعا سائغ كما روى عن عاصم.
[المؤمنون: 110]
اختلفوا في قوله تعالى: سخريا في كسر السين في المؤمنين [110]
وفي صاد [63]، ولم يختلفوا في الزخرف [32].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر سخريا بكسر السين، وكذلك في
صاد. هبيرة عن حفص عن عاصم (سخريا) رفعا، وهو غلط، والمعروف عن
حفص سخريا بكسر السين.
__________
(1) السبعة 447.
(2) السبعة 448.
(5/302)
وقرأ نافع وحمزة والكسائي (سخريا) رفعا في
السورتين «1».
قال أبو زيد: اتخذت فلانا سخريا وسخرة: إذا هزئت منه، وقد سخرت
به وبه أسخر سخريا وسخرا، أبو عبيدة: اتخذتموهم سخريا: تسخرون
منهم، وسخريا: تسخّرونهم «2». وقال ابن سلام:
قال يونس: ليتخذ بعضهم بعضا سخريا [الزخرف/ 32] قال: من
السّخرة، والسّخريّ من الهزء قال: وقد يقال: سخريّ، فأما تلك
الأخرى، يعني: السّخري، فواحدة مضمومة لا غير، ويقال من الهزء:
سخري وسخري ومن السخرة مضمومة. أبو عبد الرحمن بن اليزيدي:
سخريا من السّخرية، و (سخريّا) بالضم من السّخرة.
وحكى غيره أن الحسن وقتادة قالا: ما كان من العبودية فهو سخريّ
بالضم، وما كان من الهزء فبالكسر. قراءة ابن كثير وأبي عمرو
وعاصم وابن عامر: فاتخذتموهم سخريا حتى أنسوكم ذكري [المؤمنون/
110] بكسر السين أرجح من قراءة من ضم فقال:
(سخريا) لأنه من الهزء، والأكثر من الهزء، كسر السين فيما
حكوه، وترى أنه إنما كان الأكثر لأن السّخر مصدر سخرت بدلالة
حكاية أبي زيد لذلك، ولقول الشاعر:
من علو لا كذب فيه ولا سخر «3»
__________
(1) السبعة 448 مع اختلاف يسير في العبارة.
(2) انظر مجاز القرآن 2/ 62 و 187.
(3) عجز بيت لأعشى باهلة، عامر بن الحارث وصدره:
إني أتاني شيء لا أسرّ به وجاء في النوادر/ 288 (ط- الفاتح).
برواية: «من عل لا عجب».
وفي الأصمعيات/ 88 برواية:
(5/303)
وقولهم في مصدر سخرت: سخريا وسخرا، إنما
جاء ذلك لأن فعل وفعل قد يكونان بمعنى، نحو: المثل والمثل،
والشّبه والشبه وحروف أخر على هذا، فكذلك السّخر والسّخر، إلا
أن المكسورة ألزمت ياء النسب دون المفتوحة، كما اتفقوا في
القسم على الفتح في: لعمر الله، ولم يخرج مع إلحاق ياء النسب
عن حكم المصدر، ولم يخرج إلى الصفة بلحاق الياءين له، كما يخرج
سائر ما لحقته الياء، يدلّك على ذلك قولهم: فاتخذتموهم سخريا
فأفرد، وقد جرى على الجمع كما تفرد المصادر، فكأن ياء النسب لم
يقع به اعتداد في المعنى كما لم يعتدّ به، ولم يكن للنسب في
نحو أحمر وأحمري ودوّار ودوّارى، ومثل ذلك في أن ياء النسب لما
كان كالتي في قمري ونحوه لم يعتد به قول الشماخ:
خضرانيات «1».
ألا ترى أنه لو أعتدّ به وأريد به معنى النسب لردّ إلى الواحد،
كما يردّ سائر ما لحقه ياء النسب وأريد به النسب إلى الواحد،
إذا لم يكن المنسوب مسمّى بالجمع، وأن لم يرد: خضرانيات إلى
الواحد دلالة على أنه لم يعتدّ بها وكان في حكم الزيادة. ك
(لا) في قوله: لئلا يعلم أهل الكتاب [الحديد/ 29]. وأمّا قراءة
من ضم في قوله:
(فاتخذتموهم سخريّا) وفي صاد في قوله: (وقالوا ما لنا لا نرى
رجالا كنا نعدهم من الأشرار أتخذناهم سخريا) ص/ 62 - 63]
__________
قد جاء من عل أنباء أنبؤها ... إلى لا عجب منها ولا سخر
وانظر البحر المحيط 6/ 423. والخزانة 3/ 135.
(1) لم نعثر عليه في ديوانه.
(5/304)
فالكسر في معنى السخرية أفشى وأكثر إذا كان
السخريّ في معنى الهزء، وهذان الموضعان يراد بهما، الهزء يقوّي
ذلك قوله في المؤمنين:
وكنتم منهم تضحكون [المؤمنون/ 110] والضحك بالسّخر والهزء
أشبه، وجه ذلك في صاد: (اتخذناهم سخريا). ووجه الضم أن يونس
قال فيما حكى عنه ابن سلّام: أن السّخري قد يقال بالضم بمعنى
الهزء، وقوله: فأما الأخرى فواحدة، يعني التي يراد بها
السّخرة. وقال أبو الحسن: سخري إذا أردت من سخرت به ففيه لغتان
يعني الضم والكسر، ومن ثمّ اتفق هؤلاء القرّاء على الضم في
التي في الزخرف في قوله: ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ
بعضهم بعضا سخريا فهذا من السّخرة وانقياد بعضهم لبعض في
الأمور التي [إنّ] «1» لم ينقد بعضهم لبعض فيها، لم يلتئم قوام
أمر العالم. فأما سخري فإفراده يجوز أن يكون لإفراد بعضهم في
اللفظ وإن كان المعنى على الكثرة، ويجوز أن يكون كسخري- بكسر
السين- لم يخرج بلحاق الياء له من أن يكون مصدرا، ووجه الضم في
سخري إذا كان من الهزء أن السّخر على فعل، وفعل وفعل يتعاقبان
على الكلمة كالحزن والحزن، والبخل والبخل، كما كان فعل وفعل
كذلك، إلا أن المضموم خصّ بالنسب كما خصّ المكسور به، وبقي على
حكم المصدر كما بقي عليه المكسور، فأمّا ما حكاه أبو زيد من
قوله: اتخذت فلانا سخريا وسخرة، فإن قوله: سخري وصف بالمصدر،
وقولهم: سخرة ليس بمصدر من الهزء، فيكون النسب إليه، ولكن سخرة
كقولهم: ضحكة، وهزأة- بتسكين العين- إذا كان يضحك منه. والفاعل
في هذا بفتح
__________
(1) زيادة يتطلبها المعنى.
(5/305)
العين نحو: هزأة ونكحة، وجمل خجأة.
[المؤمنون: 111]
اختلفوا في قوله تعالى: (إنهم هم الفائزون) [المؤمنون/ 111] في
كسر الألف وفتحها.
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر: أنهم فتحا.
وقرأ حمزة والكسائي: (إنّهم) كسرا. خارجة عن نافع:
(صبروا ... إنّهم) كسرا، مثل حمزة «1».
من فتح كان على قوله: جزيتهم لأنهم هم الفائزون، ويجوز أن يكون
أنهم في موضع المفعول الثاني لأن جزيت يتعدّى إلى مفعولين،
قال: وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا [الإنسان/ 12] تقديره:
جزيتهم اليوم بصبرهم الفوز، وفاز الرجل إذا نال ما أراد،
وقالوا: فوّز الرجل إذا مات. ويشبه أن يكون ذلك على التفاؤل
له، أى: صار إلى ما أحب، والمفازة للمهلكة على وجه التفاؤل
أيضا، وقيل: إنه مفعلة من فوّز إذا هلك، فكان فوز في الأصل على
التفاؤل أيضا، ومن كسر استأنف وقطعه مما قبله، ومثل ذلك في
الكسر والاستئناف والإتباع لما قبله: لبّيك إن الحمد والنعمة
لك، وأنّ الحمد ...
[المؤمنون: 114، 112]
اختلفوا في قوله تعالى: قال كم لبثتم ... قال إن لبثتم
[المؤمنون/ 112، 114].
فقرأ ابن كثير: (قل كم لبثتم) على الأمر قال إن على الخبر
__________
(1) السبعة 448.
(5/306)
ولا يدغم لبثتم هذه رواية البزّي عن ابن
كثير، وروى قنبل عن النبال عن أصحابه عن ابن كثير: (قل كم
لبثتم ... قل إن لبثتم) جميعا في الموضعين بغير ألف.
وقرأ نافع وعاصم وأبو عمرو وابن عامر: قال كم لبثتم وقال إن
لبثتم بالألف فيهما على الخبر.
وقرأ حمزة والكسائي: (قل كم لبثتم) و (قل إن لبثتم) على الأمر
جميعا.
وأبو عمرو وحمزة والكسائي يدغمون التاء، الباقون لا يدغمون
«1».
من قرأ: (قل كم لبثتم) كان على: قل أيها السائل عن لبثتم.
وقال على الإخبار عنه. وزعموا أن في مصحف أهل الكوفة (قل) في
الموضعين، فكأن حمزة والكسائي قرآ على مصاحف أهل الكوفة.
وأما وجه إدغام الثاء في التاء في لبثتم فلتقارب مخرجي الثاء
والتاء واجتماعهما في الهمس، فحسن الإدغام لذلك، ووجه ترك ابن
كثير للإدغام تباين الحرفين في المخرجين، ألا ترى أن التاء من
حيّز الطاء والدال، والثاء من حيّز الظاء والذال، فلما تباين
المخرجان وكانا بمنزلة المنفصل والمنفصل لا يلزم، فآثر البيان،
ألا ترى أنهم بينوا المثلين في اقتتلوا لما لم يكن الحرف من
اللازم.
[المؤمنون: 115]
اختلفوا في قوله عز وجل: لا ترجعون [المؤمنون/ 115 والقصص/ 39]
في الياء والتاء.
__________
(1) السبعة 449.
(5/307)
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم هاهنا
بالتاء مضمومة ترجعون وفي القصص: (لا يرجعون) بالياء مضمومة.
وقرأ نافع في المؤمنين ترجعون بضم التاء وفي القصص (يرجعون)
بفتح الياء وكسر الجيم.
وقرأ حمزة والكسائي جميعا (ترجعون) و (يرجعون) بفتح الياء
والتاء وكسر الجيم «1».
حجة من قال: ترجعون: وإنا إليه راجعون [البقرة/ 156] وإنا إلى
ربنا لمنقلبون [الزخرف/ 14] وقوله: كل إلينا راجعون [الأنبياء/
93] وقوله: إلي مرجعكم [العنكبوت/ 8] ألا ترى أن المصدر مضاف
إلى الفاعل. فأما ما كان من الرجوع في الدنيا فإن الفعل فيه
مسند إلى الفاعل نحو: فإن رجعك الله إلى طائفة منهم [التوبة/
83] ولئن رجعنا إلى المدينة [المنافقون/ 8] ولا إلى أهلهم
يرجعون [يس/ 50] ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون أنهم
إليهم لا يرجعون [يس/ 31] وكذلك بما كان من أمور الآخرة التي
لا يراد بها البعث كقوله: وإليه يرجع الأمر كله [هود/ 123] ألا
إلى الله تصير الأمور [الشورى/ 53] وقد تقدم ذكر هذا النحو.
__________
(1) السبعة 450، 454.
(5/308)
|