الحجة للقراء السبعة ذكر اختلافهم في
سورة النور
[النور: 1]
اختلفوا في التّشديد والتّخفيف من قوله عزّ وجلّ: وفرضناها
[1].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: (وفرّضناها) مشدّدا.
وقرأها الباقون مخففة «1».
قال أبو علي: معنى فرضناها، فرضنا فرائضها فحذف المضاف وحسن
إضافة الفرائض إلى السورة، وهي لله- سبحانه- لأنّها مذكورة
فيها، ومفهومة عنها والتثقيل في (فرّضناها) لكثرة ما فيها من
الفرض.
والتخفيف يصلح للقليل والكثير.
ومن حجّة التخفيف قوله: إن الذي فرض عليك القرآن [القصص/ 85]
والمعنى: أحكام القرآن، وفرائض القرآن، كما أنّ التي في سورة
النور كذلك.
[النور: 2]
وقرأ ابن كثير رأفة [2] هاهنا وفي سورة الحديد (رأفة) [27]
ساكنة الهمزة، كذا قرأت على قنبل، وقال لي قنبل: كان ابن
__________
(1) السبعة 452.
(5/309)
أبي بزّة قد أوهم «1» وقرأهما جميعا
بالتحريك، فلما أخبرته أنّما هي هذه وحدها رجع.
وقرأ الباقون ساكنة الهمزة فيهما، ولم يختلفوا في الهمز غير أن
أبا عمرو كان إذا أدرج القراءة وقرأ في الصلاة غيّر همزتها إلى
الألف «2».
قال أبو زيد: رأفت بالرجل أرؤف به رأفة ورآفة، ورأفت به أرأف
به وكلّ من كلام العرب «3».
ولعل رأفة التي قرأها ابن كثير لغة. ومعنى (لا تأخذكم بهما
رأفة): كأنّه نهي عن رحمتهما، لأنّ رحمتهما قد تؤدّي إلى تضييع
الحدود، وترك إقامته عليها.
[النور: 6]
اختلفوا في قوله: فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله [النّور/ 6]
في ضمّ العين وفتحها.
فقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم أربع شهادات بالله بالضمّ.
وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم: (أربع شهادات بالله) فتحا «4».
قال أبو علي: من نصب قوله: (أربع شهادات بالله) نصبه
__________
(1) أوهم، أي: أسقط أو ترك قراءة الهمزة ساكنة. انظر اللسان/
وهم/ وفي السبعة: وهم، وكلاهما بمعنى.
(2) السبعة ص 452.
(3) كلام أبي زيد هذا في اللسان/ رأف/
(4) السبعة 452 - 453 وهنا لك تقديم وتأخير والمؤدى واحد.
(5/310)
بالشهادة، وينبغي أن يكون قوله: فشهادة
أحدهم مبنيا على ما يكون مبتدأ، تقديره: ما الحكم؟ أو: ما
الغرض؟ أن يشهد أحدهم أربع شهادات، أو فعليهم أن يشهدوا، وإن
شئت حملته على المعنى، لأنّ المعنى: يشهد أحدهم، فقوله: بالله
يجوز أن يكون من صلة الشهادة، ومن صلة شهادات إذا نصبت الأربع،
وقياس من أعمل الثاني أن يكون قوله: بالله من صلة شهادات، وحذف
من الأول لدلالة الثاني عليه، كما تقول: ضربت وضربني زيد. ومن
رفع فقال:
فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله فإنّ الجارّ والمجرور من صلة
شهادات، ولا يجوز أن يكون من صلة شهادة، لأنّك إن وصلتها
بالشهادة فقد فصلت بين الصلة والموصول، ألا ترى أن الخبر الذي
هو أربع شهادات يفصل.
وقوله: إنه لمن الكاذبين [النور/ 8] في قول من نصب أربع شهادات
بالله يجوز أن يكون من صلة شهادة أحدهم، وتكون الجملة التي هي
إنه لمن الكاذبين في موضع نصب، لأنّ الشهادة كالعلم فيتعلق بها
(إن) كما يتعلق بالعلم، والجملة في موضع نصب بأنّه مفعول به،
وأربع شهادات ينتصب انتصاب المصادر.
ومن رفع أربع شهادات لم يكن قوله: إنه لمن الكاذبين إلّا من
صلة شهادات دون شهادة، كما كان قوله: بالله من صلة شهادات دون
صلة شهادة، لأنّك إن جعلته من صلة
شهادة فصلت بين الصلة والموصول.
[النور: 7]
وكلهم قرأ: والخامسة [النور/ 7] رفعا غير حفص عن عاصم فإنه قرأ
(والخامسة) نصبا «1».
__________
(1) السبعة ص 453.
(5/311)
القول في ذلك أنّ من نصب (أربع شهادات
بالله) وأضمر لقوله: فشهادة أحدهم أو حمله على المعنى، نصب
(الخامسة) لأنّ الخامسة من الشهادات، فيكون المعنى: شهد أربع
شهادات بالله، والخامسة، فيكون محمولا على ما حمل عليه الأربع
في الإعراب، لأنّه بمعناه. ومن رفع أربع شهادات على أنّه خبر
فشهادة أحدهم لزمه أن يرفع الخامسة أيضا. فيكون المعنى: أربع
شهادات، والشهادة الخامسة، وما بعده من (أنّ) في موضع نصب.
والخامسة بأن غضب الله هذا هو القياس، ويجعل الخامسة يتعلق بها
الباء التي تقدر في بأنّ لأنّه بمعنى الشهادة فيتعلق به الجار
كما يتعلق بالشهادة كما يتعلق إلى بالرفث في قوله: الرفث إلى
نسائكم [البقرة/ 187] لمّا كان الرّفث بمعنى الإفضاء. ولا يجوز
أن يكون تعلقه بالشهادة الموصوفة بالخامسة، لأنّ الموصول إذا
وصفته لم يتصل به شيء بعد الوصف، فرواية غير حفص عن عاصم
والخامسة يحملها على ما روي عنه من قوله: أربع شهادات المعنى:
أربع شهادات والخامسة. ومن نصب الخامسة مع رفعه أربع شهادات
بالله حمله على فعل دلّ عليه ما تقدم لازما. تقدم من قوله:
فشهادة أحدهم أربع شهادات يدلّ على يشهد أحدهم ويشهد الخامسة
بكذا. ومن نصب (أربع شهادات بالله) جاز في قوله: والخامسة أن
يكون معطوفا على ما في صلة المصدر، وجاز أن يكون في صلة
شهادات، لأنّه لم يفصل بين الصلة والموصول بالأجنبي، كما يفصل
إذا رفع أربع شهادات، فإن رفع أربع شهادات لم يكن إلّا معطوفا
على صلة شهادات، ولا يجوز أن يعطف على صلة المصدر الأوّل،
لأنّك تفصل حينئذ بين الصلة والموصول بخبر الموصول، ويجوز أن
لا تقدّر به العطف على الصلة، ولكن تضمر
(5/312)
فعلا يحمل عليه، وتنصبه به. وإذا رفع
الخامسة، وقد رفع الأربع، حمل الخامسة على الأربع، لأنّها
شهادة، كما أنّ «الأربع» شهادات، ومجموع ذلك خبر المبتدأ الذي
هو فشهادة أحدهم. ومن نصب الخامسة وقد رفع أربع شهادات قطعه
منه ولم يجعل الخبر المجموع، ولكن حمله على ما الكلام من معنى
الفعل كأنّه ويشهد الخامسة، يضمر هذا الفعل، لأنّ في الكلام
دلالة عليه.
قال: ولم يختلفوا في الأولى أنّها مرفوعة «1».
يعني بالأولى قوله: والخامسة بعد قوله: فشهادة أحدهم أربع
شهادات بالله إنه لمن الصادقين والخامسة ووجه ذلك أنّه لا يخلو
أن يكون ما قبله من قوله: (أربع شهادات) مرفوعا أو منصوبا، فإن
كان مرفوعا أتبع الرّفع، التّقدير: شهادة أحدهم أربع والخامسة،
فيكون محمولا على ما قبلها من الرّفع، وإن كان ما قبله من قوله
(أربع) منصوبا قطعه عنه، ولم يحمله على النصب. وحمل الكلام على
المعنى، لأنّ معنى قوله: فشهادة أحدهم أربع شهادات: عليهم أربع
شهادات، وحكمهم أربع شهادات والخامسة، فيحمله على هذا، كما أنّ
قوله:
إلّا رواكد جمرهنّ هباء «2»
__________
(1) السبعة ص 453
(2) هذا عجز بيت لذي الرمة وقيل: للشماخ، صدره:
بادت وغيّر أيهنّ مع البلى وقد جاء معه آخر وهو التالي مباشرة
انظر ملحقات ديوان ذي الرمة 3/ 1840 وديوان الشماخ 428
(ملحقاته) وما ذكره المحقق في بيان نسبة البيتين. والكتاب
لسيبويه 1/ 88
(5/313)
معناه ثم رواكد فحمل قوله:
ومشجّج أمّا سواء قذاله «1» عليه. ويجوز في القياس النصب في
الخامسة الأولى، رفع أربع شهادات أو نصب، وإذا نصب فعلى قوله
فشهادة أحدهم أربع شهادات والخامسة فيعطفه على الأربع
المنصوبة. وإن رفع أربع شهادات، جاز النصب في الخامسة، لأن
المعنى: يشهد أحدهم أربع شهادات، ويشهد الخامسة فينصبه لما في
الكلام من الدّلالة على هذا الفعل، وأحسب أنّ غيرهم قد قرأ
بذلك.
[النور: 9، 7]
اختلفوا في قوله: والخامسة أن لعنة الله عليه وأن غضب الله
عليها [النور/ 7 - 9] فقرأ نافع وحده: (أن لعنة الله) و (أن
غضب الله) بكسر الضاد رفع «2» وقرأ الباقون: أن لعنة الله وأن
غضب الله مشدّدة النون فيهما «3».
قال أبو الحسن: لا أعلم الثقيلة إلّا أجود في العربية، لأنّك
إذا خفّفت فالأصل عندي التثقيل فتخفّف وتضمر، فأن تجيء بما
عليه المعنى، ولا تكون أضمرت، ولا حذفت شيئا أجود، وكذلك: (إن
الحمد لله) «4» [يونس/ 10] وجميع ما في القرآن مما يشبه هذا.
فأمّا قراءة نافع: (والخامسة أن لعنة الله عليه)
__________
(1) هذا صدر بيت جاء معه قرين هو المذكور آنفا عجزه:
فبدا وغيّر ساره المعزاء
(2) أي رفع لفظ الجلالة (الله) كما في السبعة
(3) السبعة ص 453
(4) قراءة التشديد (إنّ الحمد لله) هي قراءة عكرمة ومجاهد
وقتادة وابن يعمر، وبلال بن أبي بردة وأبو مجلز وأبو حيوة وابن
محيصن ويعقوب. وبالتخفيف قراءة الجمهور على أنّها المخففة من
الثقيلة. انظر البحر المحيط 5/ 127
(5/314)
قال سيبويه: من قال: (والخامسة أن غضب
الله) فمعناه عنده: أنّه غضب الله عليها، ولا تخفّف في الكلام
أبدا وبعدها الأسماء إلّا وأنت تريد الثقيلة على إضمار القصّة
فيها «1»، وكذلك قوله: أن الحمد لله رب العالمين [يونس/ 10]
فيمن خفّف وعلى هذا قول الأعشى:
.. قد علموا أن هالك كلّ من يحفى وينتعل «2» وإنّما خفّفت
الثقيلة المفتوحة على إضمار القصّة والحديث، ولم تكن كالمكسورة
في ذلك، لأنّ الثقيلة المفتوحة موصولة، والموصول يتشبّث بصلته
أكثر من تشبّث غير الموصول بما يتصل، فلم يخفّف إلّا على هذا
الحدّ، ليدلّ على اتصالها بصلتها أشدّ.
وأمّا قراءة نافع (أن غضب الله) فإنّ (أن) فيه المخفّفة من
الثقيلة، وأهل العربية يستقبحون «3» أن تلي الفعل حتى يفصل
بينها وبين الفعل بشيء، ويقولون: استقبحوا أن تحذف ويحذف ما
تعمل فيه، وأن تلي ما لم تكن تليه من الفعل بلا حاجز بينهما،
فتجتمع هذه الاتساعات فيها، فإن فصل بينها وبين الفعل بشيء لم
يستقبحوا ذلك كقوله: علم أن سيكون منكم مرضى [المزمل/ 20] و:
أفلا يرون أن لا يرجع إليهم قولا [طه/ 89] و: علمت أن قد قام.
وإذا فصل بشيء من هذا النحو بينه وبين الفعل زال بذلك أن تلي
ما لم يكن حكمها أن تليه. فإن قيل: فقد جاء: وأن ليس للإنسان
إلا ما سعى [النجم/ 39] وجاء: نودي أن بورك من في النار ومن
حولها
__________
(1) سيبويه 1/ 480 مع اختلاف طفيف في العبارة.
(2) انظر البحر المحيط 5/ 128 وانظر الحجة 3/ 437
(3) في الأصل فيستقبحون، وكأنه على توهم: أما أهل العربية.
(5/315)
[النمل/ 8] فإنّ (ليس) تجري مجرى ما ونحوها
ممّا ليس بفعل. فأمّا نودي أن بورك فإن قوله بورك على معنى
الدعاء، فلم يجز دخول لا، ولا قد، ولا السين، ولا شيء ممّا
يصحّ دخوله في الكلام، فيصحّ به الفصل وهذا مثل ما حكاه من
قولهم «1»: أما أن جزاك الله خيرا. فلم يدخل شيء من هذه
الفواصل من حيث لم يكن موضعا لها، وغير الدّعاء في هذا ليس
كالدّعاء، ووجه قراءة نافع: أن ذلك، قد جاء في الدّعاء ولفظه
لفظ الخبر. وقد يجيء في الشّعر، وإن لم يكن شيء يفصل بين أن
وبين ما تدخل عليه من الفعل، فإن قلت: فلم لا تكون أن. في
قوله: (أن غضب الله) أن الناصبة للفعل وصل بالماضي؟
فيكون كقول من قرأ: (وامرأة مؤمنة أن وهبت نفسها للنبي)
[الأحزاب/ 50] فإن ذلك لا يسهل. ألا ترى أنّها متعلقة
بالشهادة، والشهادة بمنزلة العلم لا تقع بعدها الناصبة.
[النور: 15]
قال أحمد: وروى عبيد عن أبي عمرو أنّه قرأ: إذ تلقونه [النور/
15] مشدّدة التاء، مدغمة الذال، مثل ابن كثير. القطعيّ عن
عبيد، وعبيد عن هارون عن أبي عمرو مثله، [قال أبو بكر] «2»،
وهو رديء إلّا أن تظهر الذّال من إذ.
قال بعض أصحاب أحمد بن موسى مثل قول ابن كثير غلط، إنّما ابن
كثير يظهر الذال، ويشدّد التاء، يريد: تتلقّونه، وأبو عمرو لا
يفعل ذلك، وإنّما أراد عبيد عن أبي عمرو بقوله: مشدّدة التاء،
مدغمة الذّال أنّه يدغم الذّال في التّاء فيشدّدها، لذلك رجع
إلى كلام أحمد.
__________
(1) هو سيبويه انظر الكتاب 3/ 167 وما قبلها. (ط: هارون)
(2) زيادة من السبعة.
(5/316)
أبو عمرو وحمزة والكسائي. (إذ تلقونه)
مدغمة الذال في التاء، والباقون يظهرون الذال عند التاء،
وكلّهم يخفّفها «1».
قال أبو علي: ابن كثير قد يدغم أحد المثلين في الآخر في
الابتداء كما قال: فإذا هي تلقف [الأعراف/ 117] يريد تتلقف ولا
يجوز أن يدغم هاهنا: إذ تتلقونه كما أدغم في قوله: (تلقف) لأنّ
الذّال من (إذ) ساكنة فإذا أدغمها التقى ساكنان على وجه لا
يستحسن، ألا ترى أنّ الذال من (إذ) ليس بحرف لين كالألف في (لا
تناجوا) [المجادلة/ 9]
فيدغم التاء من قوله: (تلقون) كما يدغم من (لا تناجوا) فإذا
كان كذلك لم يجز إدغام الذال من (إذ) في التاء، وأمّا إذا حذفت
التاء الثانية من (تلقونه) وأنت تريد تتلقونه فبقيت تاء واحدة
لم يمتنع أن يدغم الذال من إذ في التاء من تلقونه فتصير تاء
مشدّدة.
[النور: 24]
اختلفوا في قوله تعالى: يوم تشهد عليهم ألسنتهم [النور/ 24].
فقرأ حمزة والكسائي: (يوم يشهد عليهم) بالياء. وقرأ الباقون:
تشهد عليهم بالتاء.
الياء والتاء في هذا النحو كلاهما حسن وقد مرّ نحوه.
[النور: 31]
[روى] عبّاس عن أبي عمرو: وليضربن [النور/ 31] على معنى: كي إن
كان صحيحا.
وقرأ الباقون: ساكنة اللّام على الأمر «2».
قال أبو علي: تقدير اللام الجارّة في هذا الموضع فيه بعد،
لأنّه ليس
__________
(1) السبعة ص 454.
(2) السبعة ص 454 وما بين معقوفين زيادة منه وزاد: أنّه عباس
بن الفضل
(5/317)
المراد من أجل الضرب، فإذا لم يسغ هذا وجب
أن تكون اللّام للأمر، كما أنّ ما بعده وما قبله كذلك، وذلك:
قل للمؤمنين يغضوا ... وقل للمؤمنات يغضضن ... وليضربن بخمرهن
على جيوبهن ولا يبدين زينتهن [النور/ 30/ 31].
فهذا كلّه على الأمر والنهي. والمراد: مرهم بهذه الأشياء، فإن
كسر أبو عمرو اللّام في (وليضربن) فإنّما كسرها لأنّ أصل هذه
اللام الكسر في نحو: ليذهب زيد. كما أنّ أصل الهاء من: هي وهو:
الكسر والضمّ، وإنّما تسكن مع لام الأمر وحروف العطف على
التشبيه بعضد وكتف، ونحو ذلك.
[النور: 31]
اختلفوا في خفض الراء ونصبها من قوله عزّ وجلّ: غير أولى
الإربة [النور/ 31]. فقرأ عاصم في رواية أبي بكر وابن عامر
(غير أولي الإربة) نصبا. وقرأ الباقون وحفص عن عاصم: غير أولي
خفضا «1».
قال أبو علي: (غير) فيمن جر صفة للتابعين، المعنى: لا يبدين
زينتهن إلا للتابعين الذين لا إربة لهم في النساء، والإربة:
الحاجة، لأنّهم في أنّهم لا إربة لهم كالأطفال الذين لم يظهروا
على عورات النساء، أي: لم يقووا عليها. ومنه قوله: فأصبحوا
ظاهرين [الصف/ 14] وجاز وصف التابعين بغير لأنّهم غير مقصودين
بأعيانهم، فأجرى لذلك مجرى النكرة، كما أنّ قولك: مررت برجل
أبي عشرة أبوه، جاز أن تعمله عمل الفعل لمّا لم تكن العشرة
عشرة بأعيانهم.
وقد قيل: إنّ التابعين جاز أن يوصفوا بغير في نحو هذا لقصر
الوصف
__________
(1) السبعة ص 455
(5/318)
على شيء بعينه، فإذا قصر على شيء بعينه زال
الشياع عنه واختصّ.
والتابعون ضربان: ذو إربة وغير ذي إربة، وليس ثالث، وإذا كان
كذلك جاز لاختصاصه أن يجري وصفا على المعرفة، وعلى هذا:
أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم وكذلك: لا يستوي القاعدون من
المؤمنين غير أولي الضرر [النساء/ 95] لأنّ المسلمين وغيرهم لا
يخلون من أن يكونوا أصحّاء أو زمنى، فإذا وصفوا بأحد القسمين
زال الشياع فساغ الوصف به لذلك.
ومن نصب (غير) احتمل ضربين:
أحدهما: أن تكون استثناء التقدير: لا يبدين زينتهنّ للتابعين
إلّا ذا الإربة منهم، فإنّهنّ لا يبدين زينتهنّ لمن كان منهم
ذا إربة.
والآخر: أن يكون حالا، المعنى: الذين يتبعونهنّ عاجزين عنهنّ
وذو الحال: ما في التابعين من الذكر.
[النور: 31]
كلّهم قرأ: أيها المؤمنون [النور/ 31] ويا أيها الساحر
[الزخرف/ 49] وأيها الثقلان [الرحمن/ 31] بفتح الهاء غير ابن
عامر، فإنّه قرأ: (أيّة) بضم الهاء في الثلاثة الأحرف.
وكلّهم يقف (أيّة) بالهاء في الثلاثة، إلا أبا عمرو والكسائي
فإنّهما وقفا: (أيّها) بالألف على الثلاثة الأحرف. قال أحمد:
ولا ينبغي أن يتعمّد الوقف عليها لأنّ الألف سقطت في الوصل
لسكونها وسكون اللام. أخبرني محمد بن يحيى الوراق قال: حدثني
محمد بن سعدان عن الكسائي أنه كان يقف: (أيّها) بالألف «1».
__________
(1) السبعة ص 454 وهنالك اختلاف يسير
(5/319)
قال أبو علي: الوقف على (أيّها) من قوله:
يا أيها الساحر ونحوه بالألف، لأنّها إنّما كانت سقطت لسكونها
وسكون لام المعرفة، كما قال أحمد، فإذا وقفت عليه زال التقاء
الساكنين، فظهرت الألف، كما أنّك لو وقفت على: محلي من قوله:
غير محلي الصيد [المائدة/ 1] لرجعت الياء المحذوفة لسكونها،
وسكون اللام، وإذا كان حذف الألف من ها التي للتنبيه من يا
أيها تحذف لهذا، فلا وجه لحذفها للوقف. ألا ترى أنّ من حذف
الياء من الفواصل، والقوافي نحو: والليل إذا يسر [الفجر/ 4]
وبعض القوم يخلق ثمّ لا يفر «1» لم يحذف الألف من قوله: والليل
إذا يغشى [الليل/ 1] ولا من نحو قوله:
داينت أروى والديون تقتضى «2» وقد حذف الألف من بعض القوافي
للضرورة والحاجة إلى إقامة القافية، فإن جعلت الحذف من (ها) من
يأيّها على هذا الوجه لم يسغ، لأنّه لا حاجة هنا ولا ضرورة،
ومما يضعّف ذلك أنّ الألف في حرف، والحروف لا يحذف منها إلّا
أن تكون مضاعفة، فأمّا ضمّ ابن عامر الهاء من (يا أيّه الساحر)
فلا يتّجه، لأنّ آخر الاسم هو الياء الثانية من أي، فينبغي أن
يكون المضموم آخر
__________
(1) البيت لزهير وقد سبق في 1/ 405، 2/ 83.
(2) شطر بيت لرؤبة بعده:
فما طلت بعضا وأدت بعضا انظر اللسان/ دين/ وانظر الديوان/ 79
وفيه مطلت بدل فما طلت.
(5/320)
الاسم، ولو جاز أن يضمّ هذا من حيث كان
مقترنا بالكلمة لجاز أن يضم الميم من (اللهمّ)، لأنّه آخر
الكلمة.
ووجه الإشكال في ذلك، والشبهة، أنّه وجد هذا الحرف قد صار في
بعض المواضع التي يدخل فيها بمنزلة، ما هو من نفس الكلمة، نحو:
مررت بهذا الرجل، وغلام هذه المرأة، وليست يا وغيرها من الحروف
التي ينبّه بها كذلك، فلمّا وجدها في أوائل المبهمة كذلك وفي
الفعل في قول أهل الحجاز: هلمّ، جعله في الآخر أيضا بمنزلة شيء
من نفس الكلمة، كما كان في الأوّل كذلك، واستجاز حذف الألف
اللاحق للحرف لمّا رآه قد حذف في قولهم هلمّ، فأجرى عليه
الإعراب لمّا كان كالشيء الذي من نفس الكلمة.
فإن قلت: فإنّه قد حرك الياء التي قبلها بالضمّ في: يا أيّه
الرجل، فإنّه يجوز أن يقول: إنّ ذلك في هذا الموضع كحركات
الإتباع نحو امرؤ وامرئ، ونحو ذلك، فهذا لعله وجه شبهته،
وينبغي أن لا يقرأ بذلك ولا يؤخذ به.
وممّا يقوّي الشّبهة أنّ (ها) هذه قد لحقت في الآخر كما لحق في
الأوّل، ألا ترى أنّهم قد قالوا فيما أنشده أبو زيد: «1»:
تبك الحوض علّاها ونهلى ... ودون ذيادها عطن منيم
إن ها للتنبيه، لأنّ على ونهلى: حالان، فلمّا كانت إذا لحقت
أولا بمنزلة شيء من نفس الكلمة، كذلك قدّرها إذا لحقت آخرا.
__________
(1) البيت لفامان بن كعب بن عمرو بن سعد، وهو جاهلي، ثالث
أبيات أربعة، ويقال له/ عامان/ بالعين المهملة (النوادر/ 175)
[ط: الفاتح]
(5/321)
[النور: 35]
قال أحمد وروى أبو عمر الدوري عن الكسائي (كمشكاة) [النور/ 35]
بكسر الكاف الثانية، لم يروها غيره «1».
الإمالة في قوله: (كمشكاة) غير ممتنعة، لأنّ الألف فيها لا
تخلو من أن تكون منقلبة عن الياء، أو عن الواو، وعن أيّهما كان
الانقلاب لم تمتنع إمالة الألف، لأنّها إذا ثنّيت انقلبت ياء،
قال: «2».
كأنّما حوأبها لمن رقب ... بمذعيين نقبة من الجرب
فمذعا مثل مشكا وقوله: فيها مصباح [النور/ 35] صفة للمشكاة،
لأنّها جملة فيها ذكر يعود إلى الموصوف، والمصباح يرتفع
بالظرف، وكذلك قالوا في قوله: في بيوت أذن الله أن ترفع
[النور/ 36] إنّ قوله: في بيوت تقديره: كمشكاة فيها مصباح في
بيوت أذن الله، ففي قوله: في بيوت ضمير مرفوع يعود إلى
الموصوف، لأنّ الظرف في الصفة مثله في الصّلة، وقوله: أذن الله
أن ترفع صفة للبيوت، والعائد منه إلى البيوت الذكر الذي في
قوله:
ترفع ومعنى ترفع: تبنى كقوله: وإذ يرفع إبراهيم القواعد من
البيت [البقرة/ 127].
ابن كثير ونافع وابن عامر وحفص عن عاصم دري [النور/ 35] بضم
الدال وكسر الراء مشددة الياء من غير همز، أبو
__________
(1) السبعة ص 455.
(2) أنشده المازني وذكره معجم التهذيب 3/ 150 برواية (أوسطها)
بدل (حوأبها) والمذعيان: اسم مكان. والباء في موضع «مع». رقب:
نظر، والرقيب الناظر.
يقول: هذه الأرض قد أخذ حطبها وأكل فتقوّبت، وما حولها عاف لم
يؤكل، فكأنها نقبة جرب في جلد صحيح.
(5/322)
عمرو والكسائي: (درّيء) مهموز بكسر الدال-
أبو بكر عن عاصم:
(درّيء) مهموز بضم الدال وكذلك حمزة «1».
قال أبو علي: من قرأ (درّيء) احتمل قوله أمرين أحدهما: أن يكون
نسبه إلى الدّرّ، وذلك لفرط ضيائه ونوره، كما أنّ الدّرّ كذلك،
ويجوز أن يكون فعيلا من الدّرء، فخفّف الهمزة، فانقلبت ياء كما
تنقلب من النسيء والنبيء، ونحوه إذا خفّفت ياء.
ومن قرأ: (درّيء) كان فعيلا من الدّرء مثل السكير والفسّيق
والمعنى: أنّ الخفاء يدفع عنه لتلألئه في ظهوره، فلم يخف كما
خفي نحو السّها، وما لم يضيء من الكواكب.
قال أبو عثمان عن الأصمعى عن أبي عمرو قال: مذ خرجت من الخندق
لم أسمع أعرابيا يقول إلّا (كأنّه كوكب دريء) بكسر الدال، قال
الأصمعي: فقلت: أفيهمزون؟ قال: إذا كسروا فحسبك، قال:
أخذوه من درأت النجوم تدرأ إذا اندفعت، وهذا فعيل منه، ومن
قرأ:
(درّيء) كان فعيّلا من الدّرء الذي هو الدفع، وإن خففت الهمزة
من هذا قلت: دري وقد حكى سيبويه عن أبي الخطاب: كوكب دريّ في
الصفات، ومن الأسماء المرّيق: العصفر ومما يمكن أن يكون من هذا
البناء قولهم: العلية، ألا تراه من علا، فهو فعيل منه، ومنه
السرّيّة الأولى أن تكون فعيلة، وذلك أنّها لا تخلو من أن تكون
من السرّ أو السّراة أو السرو أو السرور، فالأشبه أن تكون
فعيلة من السرّ، ولأنّ صاحبها إذا أراد استيلادها لم يمتهنها،
ولم يبتذلها لما يبتذل له من لا
__________
(1) في السبعة ص 455 - 456 اختلاف في الترتيب ولكن المؤدى
واحد، أجمل العبارة وفي السبعة فصلها
(5/323)
يراد للاستيلاد، ولا يكون فعيلة من
السّراة، لأنّ السراة: الظّهر، وهي لا تؤتي من ذلك المأتى، ومن
رأى ذلك جاز عنده أن تكون عنده فعيلة من السّراة، ولا تكون
فعيلة من السّرّ، لأنّ السّرّ لا يتّجه فيها، إلّا أن يريد:
أنّ المولى قد يسرّها عمن حدّثه، ويجوز إن أخذتها من السرور،
لأنّ صاحبها يسرّ بها من حيث كانت نفسا عن الحرّة أمران:
أحدهما أن تكون فعيلة من السّرور، والآخر أن تكون فعيلة من
السّرّ، فأبدل من لام فعيلة للتضعيف حرف اللّين، وأدغم ياء
فعيلة فيها فصار سرّيّة.
[النور: 35]
ابن كثير وأبو عمرو بالتاء مفتوحة ونصب الدال من (توقد)
[النور/ 35]، نافع وابن عامر وحفص عن عاصم: يوقد مضمومة الياء
مفتوحة القاف مضمومة الدال، حمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم
(توقد) بضم التاء والدال. وروى أبان عن عاصم يوقد مثل نافع.
القطعي عند عبيد عن هارون عن أبي عمرو عن عاصم بن بهدلة، وأهل
الكوفة (توقّد) برفع الدال، مشدّدة، مفتوحة الواو «1».
قال أبو علي: ومعنى توقد من شجرة، أي: من زيت شجرة، فحذف
المضاف، يدلّك على ذلك: يكاد زيتها يضيء [النور/ 35] قول ابن
كثير وأبي عمرو (توقّد) على أن فاعل توقد: المصباح، وهو
البيّن، لأنّ المصباح هو الذي يتوقد قال: «2».
سموت إليها والنّجوم كأنّها ... مصابيح رهبان تشبّ لقفّال
__________
(1) انظر السبعة ص 455 - 456 فإنّه جمع في كلامه عن الحرفين
(كوكب دري) و (يوقد) معا.
(2) البيت لامرئ القيس. والمعنى نظرت الى هذه النار تشب لقفال
ليلا والنجوم كأنها مصابيح رهبان.
ورواية الديوان نظرت إليها، انظر ديوانه/ 31
(5/324)
ومن قال: (يوقد) كان كمن قرأ: (توقّد) في
أنّه جعل فاعل الفعل المصباح، كما جعل فاعله المصباح في
(توقّد). ومن قرأ (توقد) كان فاعله الزجاجة، والمعنى على مصباح
الزجاجة، فحذف المضاف، وأقام المضاف إليه مقامه، فقال: (توقد)
فحمل الكلام على لفظ الزجاجة، أو يريد بالزجاجة القنديل،
فيقول: (توقد) على لفظ الزجاجة، وإن كان يريد القنديل، ومن
قال: (توقّد) برفع الدّال وتشديد القاف وفتحها، فإنّه يحمل
الكلام على الزجاجة، والمعنى:
تتوقد وحذف التاء الثانية.
حدثنا الكندي قال: حدّثنا المؤمل قال: حدثنا إسماعيل عن أبي
رجاء قال: سألت الحسن عن قوله: الله نور السموات والأرض
[النور/ 35] إلى قوله: نور على نور [النور/ 35] قال: مثل هذا
القرآن في القلب كمشكاة: ككوّة فيها مصباح، المصباح في زجاجة،
الزجاجة كأنها كوكب دري.
[النور: 36]
اختلفوا في فتح الباء وكسرها من قوله تعالى:
يسبح له فيها [النور/ 36] فقرأ عاصم في رواية أبي بكر وابن
عامر: (يسبّح) بفتح الباء، وقرأ الباقون: يسبح بكسر الباء،
وكذلك حفص عن عاصم أيضا «1».
حدثني أحمد بن أبي خيثمة وإدريس بن عبد الكريم جميعا عن خلف عن
الضحاك بن ميمون عن عاصم يسبح بكسر الباء، وروى بكار عن أبان
عن عاصم يسبح بكسر الباء أيضا «2».
__________
(1) انظر السبعة ص 456.
(2) السبعة ص 456.
(5/325)
قال أبو علي: من قال: (يسبّح له فيها) ففتح
الباء فعلى أنّه أقام الجارّ والمجرور مقام الفاعل، ثم فسّر:
من يسبح؟ فقال: (رجال) أي يسبّح له فيها رجال، فرفع رجالا بهذا
المضمر الذي دلّ عليه قوله:
يسبح، لأنّه إذا قال (يسبّح) دلّ على فاعل التسبيح، ومثل هذا
قول الشاعر «1»:
لبيك يزيد ضارع لخصومة لمّا قال: لبيك يزيد، دلّ على فاعل
البكاء، فكأنّه قيل: من يبكيه؟ فقيل: ضارع لخصومة، والوجه
يسبّح، كما قرأه الجمهور، فيكون فاعل يسبّح رجال الموصوفون
بقوله: لا تلهيهم تجارة [النور/ 37].
[النور: 45]
حمزة والكسائي: (والله خالق كل دابة) [النور/ 45] بألف، وقرأ
الباقون: خلق كل دابة بغير ألف «2».
حجّة من قال: (خالق) قوله: الله خالق كل شيء [الزمر/ 62]
وقوله: لا إله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه [الأنعام/ 102]، ومن
قال: خلق فلأنّه فعل ذلك فيما مضى، وحجّته قوله: ألم تر أن
الله خلق السموات والأرض [إبراهيم/ 19] وقوله: خلق كل شيء
فقدره تقديرا [الفرقان/ 2].
__________
(1) صدر بيت للحارث بن نهيك وعجزه:
ومختبط ممّا تطيح الطوائح انظر الكتاب لسيبويه 1/ 145 والخصائص
2/ 353 والبيت من شواهد المغني انظر شرح أبياته للبغدادي 7/
295 وقد جاء تخريجه هناك مستوفى.
(2) السبعة ص 457
(5/326)
قال: (وليبدلنهم) [النور/ 55] كتب في سورة
الكهف.
حفص عن عاصم (ولنبدّلنهم) مشددة وكذلك في سأل سائل مشددة
وتخفّف في التحريم ونون والكهف. وقرأ حمزة والكسائي وابن عامر:
وليبدلنهم مشددة، وخفّفوا التي في الكهف والتحريم، ونون، وقد
ذكر في سورة الكهف. ابن كثير وعاصم في رواية أبي بكر في النور
مخفّفة، وليبدلنهم وكذا كلّ شيء في القرآن خفيف «1».
[قال أبو علي] «2» قد مرّ القول فيه فيما تقدّم في سورة الكهف.
[النور: 52]
ابن كثير وحمزة والكسائي ونافع في رواية ورش وابن سعدان عن
إسحاق [المسيبي] عن نافع: (ويخشى الله ويتقهي) [النور/ 52]
موصولة بياء. وقال قالون عن نافع: ويتقه فأولئك بكسر الهاء لا
يبلغ بها الياء. وقرأ أبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر وابن
عامر: (ويتّقه) جزما. حفص عن عاصم: ويتقه فأولئك ساكنة القاف
مكسورة الهاء بغير ياء مختلسة الكسرة. [وروى] أبو عمارة عن حفص
عن عاصم:
(ويتّقه فأولئك) مكسورة القاف ساكنة الهاء، وكذلك روى أبو
عمارة عن حمزة «3».
قال أبو علي: قول من قال: (ويتّقهي) موصولة بياء، هو الوجه،
لأنّ الهاء ما قبلها، [متحرك وحكمها إذا تحرك ما قبلها أن
تتبعها الياء في الوصل] «4». وما رواه قالون عن نافع: (ويتّقه
فأولئك) لا يبلغ
__________
(1) السبعة ص 458 وهنا لك اختلاف يسير لا يتناول جوهر الكلام.
(2) سقطت من ط
(3) السبعة ص 458 وما بين معقوفين زيادة منه.
(4) كذا في ط وسقطت من م.
(5/327)
فيها الياء، وجهه: أن الحركة ليست تلزم ما
قبل الهاء، ألا ترى أن الفعل إذا رفع دخلته الياء، وإذا دخلت
الياء اختير حذف الياء بعد الهاء في الوصل مثل: (عليه) فلمّا
كان الحرف المحذوف لا يلزم حذفه صار كأنّه في اللّفظ، كما أنّ
الحرف لمّا لم يلزم حذفه في قوله «1»:
وكحل العينين بالعواور صار كأنّه في اللّفظ، فلم يهمز الواو،
فكذلك لم يثبت في الآية الياء بعد الهاء. وقول أبي عمرو وعاصم
في رواية أبي بكر وابن عامر: (ويتّقه) جزما، فإن قول من تقدم
أبين من هذا. ووجهه أنّ ما يتبع هذه الهاء من الواو والياء
زائدة «2» فردّ إلى الأصل، وحذف ما يلحقه من الزيادة، ويقوّي
ذلك أن سيبويه يحكي أنّه سمع من يقول:
هذه أمة الله، في الوصل والوقف، وهذه الهاء التي في هذه قد
أجروها مجرى هاء الضمير، فكما استجازوا الحذف في هذه فكذلك
يجوز الحذف في «3» هذه الهاء التي للضمير. وزعم أبو الحسن: أن
«4»:
له أرقان ونحوه لغة يجرونها في الوصل مجراها في الوقف، فيحذفون
منها كما حذفوا في الوقف، وحملها سيبويه على الضرورة، وعلى
أنّه
__________
(1) من أرجوزة لجندل بن المثنى الطهوي سبق ذكره في 4/ 338
(2) في ط: زيادة بدل من زائدة.
(3) في ط: من.
(4) نهاية بيت ليعلى الأحول تمامه:
فظلت لدى البيت العتيق أخيله ... ومطواي مشتاقان له أرقان
سبق انظر 1/ 134 - 203 و 205 و 2/ 278 - 334.
(5/328)
أجرى الوصل مجرى الوقف. وأمّا ما رواه حفص
عن عاصم: (ويتّقه) فإنّ وجهه أن (تقه) من (يتّقه) مثل: كتف،
فكما يسكّن نحو: كتف، كذلك سكن القاف من (تقه) وعلى هذا قول
الشاعر «1»:
لم يلده أبوان ومثله «2»:
فبات منتصبا وما تكردسا فلمّا أسكن ما قبل الهاء لهذا التشبيه،
حرّك الهاء بالكسر، كما حرّك الدّال بالفتح في: «لم يلده».
[النور: 40]
قال: قرأ ابن كثير فيما قرأت على قنبل: سحاب [النور/ 40] منونة
(ظلمات) مكسورة التاء ينونهما جميعا.
وقال ابن أبي بزّة: (سحاب ظلمات) مضافا.
وقرأ الباقون: سحاب ظلمات رفع جميعا منون «3».
قوله: أو كظلمات في بحر لجي [النور/ 40] معناه أو كذي ظلمات،
ويدلّ على حذف المضاف قوله: إذا أخرج يده لم يكد
__________
(1) لرجل من السراة وتمامه:
ألا رب مولود وليس له أب* وذي ولد يلده أبوان سبق البيت في 1/
66 والبيت من شواهد المغني، وانظر شرحه في 3/ 173 للبغدادي
(2) للعجاج- سبق انظر 1/ 408 و 2/ 79 و 277 و 409
(3) السبعة ص 457
(5/329)
يراها [النور/ 40]، فالضمير الذي أضيف إليه
(يده) يعود إلى المضاف المحذوف، ومعنى ذي ظلمات، أنّه في
ظلمات. ومثل حذف المضاف هنا حذفه في قوله: أو كصيب من السماء
[البقرة/ 19] فتقديره «1» أو كذوي صيّب من السماء، أو أصحاب
صيّب، فحذف المضاف، كما حذف من «2» قوله: أو كظلمات، ومعنى:
ظلمات بعضها فوق بعض: ظلمة البحر وظلمة الموج، وظلمة الموج
الذي فوق الموج، وقوله تعالى «3»: فنادى في الظلمات [الأنبياء/
87] ظلمة البحر وظلمة بطن الحوت، ويجوز أن يكون الالتقام كان
في ليل فهذه ظلمات. وقوله: خلقا بعد خلق في ظلمات ثلاث [الزمر/
6]، فإنّه يجوز أن يكون ظلمة الرحم، وظلمة البطن، وظلمة
المشيمة. فمن قرأ: سحاب ظلمات بعضها فوق بعض [النور/ 40] فرفع
الظلمات، كان خبرا لمبتدإ محذوف تقديره:
هذه ظلمات بعضها فوق بعض، ومن قال: (سحاب ظلمات) «4» جاز أن
يجعله تكريرا وبدلا من الظلمات الأولى، ومن قال: (سحاب ظلمات)
بإضافة السحاب إلى الظلمات، فالظلمات: هي الظلمات التي تقدّم
ذكرها، وأضاف السحاب إلى الظلمات، لاستقلال السحاب وارتفاعه في
وقت كون هذه الظلمات، كما تقول: سحاب رحمة، وسحاب مطر، إذا
ارتفع في الوقت الذي تكون فيه الرّحمة والمطر.
[النور: 43]
قال: ورش عن نافع: لا يهمز يولف [النور/ 43]. [و] قالون
__________
(1) كذا في ط وفي م: تقديره.
(2) في ط: في.
(3) سقطت من ط.
(4) في ط: سحاب ظلمات بعضها فوق بعض.
(5/330)
يهمز، وكذلك الباقون «1».
إذا كان من: ألّفت بين الشيئين، إذا جمعت، فالأصل في الكلمة
الهمز، فتقول: يؤلف، إذا حقّقت، وإذا «2» خفّفت، أبدلت منها
الواو كما أبدلتها في «3» قولهم: التّؤدة حين قلت: التّودة.
وفي «3»: جؤن حيث «5» قلت: جون. فالتّحقيق والتّخفيف حسنان،
ولا يختلف النحويون في قلب هذه الهمزة واوا إذا خففت.
[النور: 31]
اختلفوا في فتح اللام وكسرها من قوله تعالى «6»: كما استخلف
الذين [النور/ 55]. فقرأ عاصم في رواية أبي بكر: (كما استخلف)
بضم التاء وكسر اللام، وقرأ الباقون وحفص عن عاصم:
استخلف بفتح التاء واللام «7».
[قال أبو علي] «8»: الوجه كما استخلف، ألا ترى أنّ اسم الله
تعالى قد تقدّم ذكره، وأنّ الضمير في ليستخلفنهم في الأرض
[النور/ 55] يعود إلى الاسم؟ فكذلك «9» في قوله تعالى «10»:
كما استخلف، ألا ترى أنّ المعنى: ليستخلفنّهم استخلافا
كاستخلافه الذين من قبله؟
__________
(1) السبعة ص 457.
(2) في ط: فإذا.
(3) في ط: من.
(5) في ط: حين.
(6) سقطت من ط.
(7) السبعة ص 458.
(8) سقطت من ط.
(9) في ط: وكذلك.
(10) سقطت من ط.
(5/331)
ووجه (استخلف) أنّه يراد به ما أريد
باستخلف.
قال: وقرأ حمزة وحفص وابن عامر «1»: (لا يحسبن) [النور/ 57]
بالياء وفتح السين. وقرأ «2» الباقون لا تحسبن بالتاء، وفتح
عاصم وابن عامر وحمزة السين وكسرها الباقون «3».
قال أبو علي «4»: من قال: (يحسبنّ) بالياء جاز أن يكون فاعل
الحسبان أحد شيئين: إمّا أن يكون قد تضمّن ضميرا للنّبي، صلّى
الله عليه وآله وسلّم، كأنّه «5»: لا يحسبنّ النبي [صلّى الله
عليه وسلّم] «6» الذين كفروا معجزين، فالذين في موضع نصب بأنّه
المفعول الثاني، ويجوز أن يكون فاعل الحسبان: الذين كفروا،
ويكون المفعول الأوّل محذوفا تقديره: لا يحسبنّ الذين كفروا
أنفسهم سبقوا، ومن قرأ: لا تحسبن ففاعل الفعل المخاطب ومفعولاه
ما بعد يحسبن، وحسب يحسب وحسب يحسب لغتان.
[النور: 32]
اختلفوا في ضمّ التاء وفتحها من قوله تعالى «7»: ثلاث عورات
[النّور/ 58]. فقرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائي:
ثلاث عورات نصبا.
وقرأ الباقون وحفص عن عاصم: ثلاث عورات رفعا «8».
__________
(1) في ط: وقرأ حمزة وعاصم في رواية حفص وابن عامر.
(2) في ط: وقال.
(3) سقط هذا الحرف من السبعة وتناول الآية (58) مباشرة.
(4) سقطت من ط.
(5) في ط: كأنه قال.
(6) سقطت من ط.
(7) سقطت من ط.
(8) السبعة ص 459
(5/332)
[قال أبو علي] «1»: من رفع فقال: ثلاث
عورات كان خبر ابتداء محذوف لما قال: الذين ملكت أيمانكم
والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات [النور/ 58] وفصل
الثلاث بقوله: من قبل صلاة الفجر، وحين تضعون ثيابكم من
الظهيرة، ومن بعد صلاة العشاء [النور/ 58]، فصار كأنّه قال:
هذه ثلاث عورات، فأجمل بعد التفصيل. ومن قال: (ثلاث عورات)
جعله بدلا من قوله (ثلاث مرات). فإن قلت: إنّ قوله: (ثلاث
مرّات) زمان بدلالة أنّه فسر بزمان وقوله: من قبل صلاة الفجر،
وحين تضعون ... ومن بعد صلاة العشاء وليس العورات بزمان فكيف
يصح البدل منه، وليس هي هي.
قيل: يكون ذلك على أن يضمر الأوقات، كأنّه قال «2»: أوقات ثلاث
عورات، فلمّا حذف المضاف إليه بإعراب المضاف فعلى هذا يوجّه.
قال: ولم يختلف في إسكان الواو من عورات «3».
[قال أبو علي] «4» واحد العورات: عورة، وحكم ما كان على فعلة
من الأسماء أن تحرّك العين منه في فعلات نحو: صحيفة وصحفات،
وجفنة، وجفنات، إلّا أنّ التحريك فيما كان العين منه ياء، أو
واوا كرهه عامة العرب، لأنّ العين بالتحريك، تصير على صورة ما
يلزمه الانقلاب من كونه متحركا بين متحركين، فكرهوا ذلك وعدلوا
عنه إلى الإسكان، فقالوا «5»: عورات، وجوزات وبيضات، ومثل هذا
في اطراد التحريك
__________
(1) سقطت من ط.
(2) كذا في ط وسقطت من م.
(3) السبعة ص 459.
(4) سقطت من ط.
(5) في ط: وقالوا.
(5/333)
في الصحيح وكراهيته في المعتل قولهم في
حنيفة: حنفي، وفي جديلة وربيعة: جدلي وربعي، فإذا أضافوا إلى
مثل طويلة وحويزة، قالوا: طويلي، وحويزي، كراهة طولي وحوزي
لأنّه يصير على ما يجب فيه القلب، وكذلك قالوا في شديدة شديدي،
ورفضوا شددي الذي آثروا نحوه في ربعي كراهة التقاء التضعيف.
(5/334)
|