الحجة للقراء السبعة

 [بسم الله] «1»

ذكر اختلافهم في سورة الشعراء
[الشعراء: 1]
اختلفوا في إدغام النون من سين عند الميم وبيانها وكسر الطاء وفتحها. فقرأ ابن كثير ونافع وابو عمرو وابن عامر: طسم بفتح الطاء وإدغام النون، وروى خارجة عن نافع:
(طسم) بكسر الطاء، وإدغام النون. وقال خلف عن إسحاق [المسيبي] عن نافع: الطاء غير مكسورة ولا مفتوحة هو إلى الفتح أقرب.
وقال الكسائي عن إسماعيل بن جعفر عن نافع يبين النون في (طسم) مثل حمزة. وقال محمد بن إسحاق عن أبيه عن نافع: الطاء مفتوحة وقال ورش وقالون عن نافع: الطاء مفتوحة وسطا من ذلك، وقال:
يعقوب عن نافع وأبو جعفر (طس م) يقطّعان كل حرف على حده، ويأتي اختلافهم في يس ونون في موضعه إن شاء الله. قال أحمد:
والذي قاله الكسائي عن إسماعيل عن نافع: يوجب «2» رواية يعقوب بن جعفر عن أبي جعفر ونافع بيان النون من (طسم). وروى حفص عن عاصم: (طسم) فتحا «3» ولم يظهر النون في (طسم) غير
__________
(1) سقطت من ط.
(2) في ط: ويوجبه.
(3) في ط: فتح.

(5/355)


حمزة وما روى الكسائي عن إسماعيل. وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائي: (طسم) بالكسر «1».
قال أبو علي: تبيين النون من (طسم) على قراءة «2» حمزة، ورواية «3» الكسائي عن نافع هو الوجه، لأنّ حروف التهجي «4» في تقدير الانفصال والانقطاع ممّا بعدها، فإذا كان كذلك وجب تبيين النون، لأنّها إنّما تخفى إذا اتصلت «5» بحروف من حروف الفم، فإذا لم يتّصل بها لم يكن شيء يوجب إخفاءها. ووجه إخفائها مع هذه الحروف أنّ همزة الوصل قد وصلت، ولم تقطع، وهمزة الوصل إنّما تذهب في الدّرج، فكما سقطت همزة الوصل، وهي لا تسقط إلّا في الدرج مع هذه الحروف في (ألف لام ميم الله) كذلك لا تبيّن النون ويقدّر فيها الاتّصال مما «6» قبلها ولا يقدر فيها الانفصال.

[الشعراء: 18]
وكلهم قرأ: من عمرك [الشعراء/ 18] مثقّلة، وروى عبيد عن هارون والخفاف عن أبي عمرو، وعبيد عن أبي عمرو: (عمرك) خفيفة، قال هارون: وكان أبو عمرو لا يرى بالأخرى بأسا، يعني التثقيل. [وروى عبيد بن عقيل عنه مثقّلا] «7».
__________
(1) السبعة ص 470 - 471، وفي الكلام تقديم وتأخير عمّا هنا ولكن المؤدى واحد.
(2) في ط: على ما قرأه.
(3) في ط: ورواه.
(4) في ط: الهجاء.
(5) في ط: اتصل
(6) في ط: بما.
(7) السبعة ص 471 وما بين معقوفين زيادة منه

(5/356)


قال ابن مقبل «1»:
يا حرّ أمسيت شخصا قد وهى بصري ... والتاث ما دون يوم البعث من عمري
وأنشد أبو زيد:
إن يمض عنّا فقد ثوى عمرا «2»

[الشعراء: 45]
اختلفوا في (تلقف) [الشعراء/ 45] في تشديد التاء وتخفيفها.
فقرأ عاصم في رواية حفص: تلقف بتاء خفيفة. وروى البزي وابن فليح عن ابن كثير (فإذا هي تلقف) بتشديد التاء، وروى قنبل عن النبال: (فإذا هي تلقّف) خفيفة التاء وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم: (تلقّف) خفيفة التاء مشددة القاف «3».
قال أبو علي: قد ذكرنا هذا النحو فيما تقدّم، ورواية قنبل عن ابن كثير (فإذا هي تلقّف) هو الوجه. ومن شدد التاء من قوله «4» (تلقّف) وهو يريد تتلقّف لزمه إذا ابتدأ على هذه القراءة أن يجتلب همزة الوصل، وهمزة الوصل لا تدخل على الأفعال المضارعة كما لا تدخل على أسماء الفاعلين.
__________
(1) ديوانه ص 72، وبرواية: يوم الرعد .. وفي م: قصري بدل بصري
(2) لم نعثر عليه في نوادره
(3) السبعة ص 471 وفي النص تقديم وتأخير.
(4) كذا في ط وسقطت من م.

(5/357)


قال أحمد: قد ذكرنا اختلافهم في قوله: (أامنتم) [الشعراء/ 49] في سورة الأعراف [123].

[الشعراء: 62]
قال: وروى حفص عن عاصم إن معي ربي [الشعراء/ 62] بنصب الياء من معي وكل ما في القرآن من قوله: معي فإنّ عاصما في رواية حفص يحرك الياء فيه. «1»
وروى حفص عن عاصم وورش عن نافع ومن معي من المؤمنين [الشعراء/ 118] بتحريك الياء ولم يحركها غيرهما «2».
[قال أبو علي] «3» [كلّ واحد من التحريك والإسكان حسن] «4».

[الشعراء: 56]
اختلفوا في إثبات الألف وإسقاطها من قوله [جل وعز] «5»:
(حذرون) [الشعراء/ 56] فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو (حذرون) بغير ألف. وقرأ الباقون: حاذرون بألف «6».
قال أبو عبيدة: رجل حذر وحاذر، قال ابن أحمر:
إني حواليّ وأنّي ... حذر هل ينسأن يومي إلى غيره
«7»
__________
(1) انظر السبعة ص 290 والحجة 4/ 69.
(2) السبعة ص 472
(3) سقطت من ط.
(4) وردت هذه الجملة في ط قبل سطرين. وقيل رواية حفص عن عاصم في الشعراء/ 118.
(5) في ط: تعالى
(6) السبعة ص 471
(7) البيت في اللسان (حول) وفيه: أو تنسأن بدل: هل ينسأن. وإني بدل: أني.
وعزاه إلى ابن أحمر أو المرّار بن منقذ العدوي. وليس في شعر ابن أحمر المطبوع.

(5/358)


قال: حواليّ ذو حيلة وأنشد العباس بن مرادس «1»
وإني حاذر أنمي سلاحي ... إلى أوصال ذيّال صنيع
قال أبو علي: يقال: حذر يحذر حذرا واسم الفاعل حذر. فأمّا حاذر فإنه يراد به أنّه يفعل الحذر فيما يستقبل كقولك: بعيرك صائد غدا، وكذلك قوله «2»:
وإني حاذر أنمي سلاحي كأنّه يريد متحذّر عند اللّقاء.

[الشعراء: 52]
قال: قرأ ابن كثير ونافع (أن اسر) [الشعراء/ 52] من سريت، وقرأ عاصم وأبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي: أن أسر من أسريت «3».
قال أبو علي «4»: حجّة القطع قوله: سبحان الذي أسرى بعبده [الإسراء/ 1] وحجّة الوصل قوله:
سرى بعد ما غار الثريّا وبعد ما ... كأنّ الثّريّا حلّة الغور منخل
«5»
__________
(1) البيت في اللسان (ذيل) وفيه: منيع بدل: صنيع. كما في المجاز.
(2) انظر مجاز القرآن 2/ 86
(3) السبعة ص 471
(4) سقطت من ط
(5) انظر ما سبق في 4/ 368. وانظر الكتاب 1/ 201 وفي (م): حلت بدل:
حلة الغور. قال الأعلم: الشاهد فيه نصب حلة الغور على الظرف ومعناها قصد الغور ومحله. والمعنى: وصف طارقا سرى في الليل بعد أن غارت الثريا أول الليل وذلك في استقبال زمن القيظ، وشبه الثريا في اجتماعها واستدارة نجومها بالمنخل

(5/359)


وهو كثير في الشعر.

[الشعراء: 61]
قال: قرأ حمزة: (فلما تراءى الجمعان) [الشعراء/ 61] بكسر الراء ويمدّ ثم يهمز، وكذلك روى هبيرة عن حفص عن عاصم.
وروى أبو بكر. عن عاصم مفتوحا ممدودا. أبو عمارة عن حفص عن عاصم (تراءى) مفتوحا مثل أبي بكر. وكان حمزة يقف (تراءى) يمدّ مدّة بعد الراء ويكسر الراء، وروى نصير عن الكسائي، (تراءى) مثل «1» تراعى إذا أراد أن يقف. الباقون «2»: (تراءى) يفتحون الراء وبعدها ألف وهمزة الألف مفتوحة «3» في وزن تراعى «4».
وقال بعض أصحاب أحمد بن موسى قوله: وهمزة الألف، يعني الهمزة التي بعدها الألف من تفاعل. وهو عين الفعل.
قال أبو علي: وجه إمالة الفتحة التي على الراء أن «5» قياسه: أن يكون في الوقف تراءى مثل تراعى فأمال فتحة الراء لإمالة فتحة الهمزة التي أميلت فتحتها، لتميل الألف نحو الياء كما قالوا: راء فأمالوا فتحة الراء لإمالة فتحة الهمزة. ومن قال: راء فلم يمل الفتحة كما لم يمل لإمالة الألف في رأيت عمادا لم يمل هذه الفتحة لإمالة فتحة الهمزة فيقول: (تراءى) قال «6»: ومن لم يمل البتة قال: (تراءى). قال أحمد:
وكان حمزة يقف ترآء يمد مدّة بعد الراء، ويكسر الراء فقوله: يمدّ مدّة
__________
(1) في ط: في وزن
(2) في ط، الباقون يقفون.
(3) وردت في ط زيادة وهي: والألف بعد الهمزة بوزن تراعى ..
(4) السبعة ص 472
(5) سقطت من م
(6) كذا في ط وسقطت من م.

(5/360)


بعد الراء يدلّ على أنّه يقول: تراءى فيثبت «1» بعد الراء مدة، وهذه المدة ينبغي أن تكون ألف تفاعل، والهمزة هي عين الفعل «2»، والألف المنقلبة عن اللّام على هذا محذوفة وحذفها لا يستقيم، وليس هذا في قول الباقين إنّما قولهم على الإمالة: (تراءى)، والإمالة من أجل الإمالة: (تراءى)، أو بغير إمالة البتة: (تراءى) «3»، ومن زعم أنّ إمالة فتحة الراء التي هي فاء تفاعل من رأيت لا يجوز، فقد غلط، لأنّ إمالته جائزة من الوجه الذي تقدّم ذكره. فإن قلت: فإذا وصل فقال: (تراءى الجمعان) هلّا لم تجز إمالة الفتحة التي على الرّاء لأنّه إذا كان إمالته لإمالة فتحة الهمزة [وما يوجب إمالة الهمزة] «4» فقد سقط وهو الألف المنقلبة عن «5» الياء التي سقطت لالتقاء الساكنين، فإذا سقطت لم يجز إمالة فتحة الهمزة، وإذا لم يجز إمالة فتحة الهمزة وجب أن لا يجوز إمالة فتحة الراء. قيل: إن إمالة فتحة الراء من «6» (تراءى) جائزة في الوصل مع سقوط الألف من تفاعل لالتقاء الساكنين، وهو عندهم في حكم الثبات، يدلك على ذلك قولهم «7»:
__________
(1) سقطت من ط.
(2) سقطت من ط.
(3) في (م) تكررت عبارة: «وبغير إمالة البتة تراءا»
(4) كذا في ط وسقطت من م.
(5) في ط: من.
(6) في ط: في.
(7) عجز بيت لأبي الأسود وصدره:
فألفيته غير مستعتب والبيت من شواهد المغني في شرح أبياته 7/ 182، وسبق في 2/ 454 وقد استوفينا تخريجه هناك.

(5/361)


ولا ذاكر الله قليلا فنصب مع سقوط التنوين لالتقاء الساكنين [كما ينصب إذا ثبت وكذلك يميل فتحة الراء مع سقوط الألف لالتقاء الساكنين] «1»، كما كان يميلها إذا ثبتت، ولم تسقط، وقد حكى أبو الحسن ذلك، فزعم أنّه قد قرئ في القتلى، الحر [البقرة/ 178] فأمال فتحة اللام مع سقوط الألف كما يميلها مع ثباتها، فكذلك يميل فتحة «2» الهمزة من تراءا إذا أدرج فقال: (تراءى الجمعان) [الشعراء/ 61]. ونظير ذلك أيضا في كلامهم «3» قولهم:
شهد. ألا ترى أنّهم إنّما كسروا الفاء لكسرة العين التي هي الهاء. ثم حذفت الكسرة التي على العين، ولم تذهب كسرة الفاء من شهد «4».
ونظيره أيضا قولهم: صعقي. فهذا أشدّ لأنّه أقرّ الكسرة في الفاء مع فتحة العين، والأوّل كانت الكسرة المحذوفة منه في اللّفظ في تقدير الإثبات، كما كانت في تقديره «5» في: رضي، وعزي، ولقضو الرّجل.
وزعم بعض البغداذيّين في احتجاج الحذف لهذه الألف في (تراء)، في وقف حمزة، أنّه يجوز على لغة حكاها الكسائي والفرّاء، وهو «6» أنّهم حكوا: أنّ بعضهم قال: اسقني ما يا هذا.
[قال أبو الحسن] «7»: ولا يجوز تراء من حيث جاز: اسقني ما يا
__________
(1) ما بين المعقوفتين ساقط من م.
(2) سقطت من ط.
(3) سقطت من ط.
(4) في ط: في شهد
(5) في ط: وهي.
(6) في ط: كما كان تقديره
(7) في ط: قال أبو علي.

(5/362)


هذا، وذلك أنّ الذي يقول هذا إنّما أبدل من الهمزة الألف للضرورة، كما أبدلها منها في قوله «1»:
لا هناك المرتع وكما أبدل الآخر منها ألفا في الباه فيما حدثنا محمّد بن السري عن بعض اليزيديين وأنشدنا عنه «2»:
على أنّ قيسا لم يطأ باه محرم فحذف الهمزة لما أسكنها، فانقلبت ألفا لالتقائها مع الألف الساكنة، وكذلك حذف الهمزة من ماء، لمّا قلبها ألفا لالتقاء الساكنين، فإذا وقف على ماء في قوله: اسقني شربة ما يا هذا، لزمه أن يقول: ما، فيبدل من التنوين الألف فيصير (ما) وكذلك لو حذف الهمزة من تراءا كما حذفها من شربة ما يا هذا، للزمه أن يقول:
(تراء) ولا يمدّ كما لا يمد (ما) إذا وقف عليه على هذه اللغة، وليس الرّواية عن حمزة (ترا) إنّما الرّواية عنه أنّه يمدّ مدة بعد الراء [من تراءا] «3»، فينبغي أن تكون المدة ألفا وهمزة، أمّا الألف فألف تفاعل، وأمّا ما «4» بعد الألف فهو الهمزة التي هي عين الفعل، إمّا بين بين، وإمّا مخفّفة، وعلى أيّ الأمرين كان وجب أن يسكن في الوقف، كما تسكن سائر الحروف الموقوف عليها، وعلى هذا جاء في
__________
(1) من بيت للفرزدق تمامه:
راحت بمسلمة البغال عشيّة ... فارعي فزارة لا هناك المرتع
وسبق البيت في 1/ 398 و 2/ 218
(2) سبق في 4/ 245 ولم نعثر على قائله. وقد ذكر في اللسان (بوه) أن الباه لغة في الباءة، وهو الجماع.
(3) كذا في ط وسقطت من م.
(4) سقطت من م.

(5/363)


الشعر «1»:
يستمسكون من حذار الإلقاء ... بتلعات كرءوس الصيصاء
فهذا على أنّ الضّرب مفعولان، ومنه «2» قول الآخر:
ردي ردي ورد قطاة صماء ... كدريّة أعجبها برد الماء
وأمّا ما رواه نصير عن الكسائي في الوقف تراءى مثل تراعي، فحسن، وذلك أنّ الوقف موضع [تبين فيه الحروف الموقوف عليها] «3».
وفي الألف خفاء شديد من حيث لم تعتمد في إخراجها على موضع، فصارت لذلك بمنزلة النفس من أنّه لا يعتمد له على موضع، فبيّنها بأن نحا بها نحو الياء وقرّبها منها.
ويدلّك على حسن هذا أن
__________
(1) هذه الأبيات منسوبة الى غيلان الربعي من أرجوزة طويلة عدد أبياتها واحد وخمسون بيتا من مشطور الرجز، ذكرها ابن جني في الخصائص 2/ 252 وذكر الشاهد في 1/ 280 قال في اللسان/ تلع/ في شرح البيتين الأولين:
يعني بالتلعات هنا: سكّانات السّفن، وقوله: من حذار الإلقاء، أراد من خشية أن يقعوا في البحر فيهلكوا، وقوله: كجذوع الصيصاء أي: أن قلوع هذه السفينة طويلة حتى كأنّها جذوع الصيصاء، وهو ضرب من التمر نخله طوال.
وذكر البيت في المنصف 1/ 181 برواية: كجذوع الصيصاء. ثم قال:
وأنشدناه أبو علي! ... كرءوس الصيصاء.
وفي اللسان/ صيص/ الصيصاء الحشف من التمر، وهو الذي تسميه العامة: الشّيص
(2) في ط: ومثله.
(3) في ط: يبين فيه الحرف الموقوف عليه

(5/364)


قوما يبدلون منها الياء المحضة في الوقف، فيقولون أفعي، وحبلي، وآخرون يبدلون منها الهمزة، فيقولون: هذه حبلأ، ورأيت رجلأ فكذلك نحا بالألف بإمالتها نحو الياء ليكون أبين لها، ولم يمل الرّاء من تراءا لأنّ الإمالة إنّما هي عنده من أجل الوقف، والوقف غير لازم، فلمّا لم يلزم لم ير أن يعتدّ به «1».

[الشعراء: 137]
اختلفوا في فتح الخاء وضمّها من قوله [جلّ وعزّ] «2»: (إلا خلق الأولين) [الشعراء/ 137] فقرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي:
(خلق الأولين)، بفتح الخاء وتسكين اللام، وقرأ الباقون: بضم الخاء واللام «3».
[قال أبو علي] «4»: خلق الأولين: أي: عادتهم، وخلق الأولين يجوز أن يكون المراد اختلافهم وكذبهم، وفي التنزيل: (إن هذا إلا اختلاق) [ص/ 7]، وفيه وتخلقون إفكا [العنكبوت/ 17] أي تختلفونه، وقيل: إنّه يجوز أن يكون خلقنا كخلقكم «5»، نموت كما ماتوا، ولا نبعث، فخلق على هذا: مصدر، إن شئت قدّرته تقدير الفعل المبني للمفعول، أي: خلقنا كما خلقوا. ويجوز أن يكون المصدر مضافا إلى المفعول به، ولا يقدّر تقدير الفعل المبني للمفعول.
__________
(1) في ط: بها
(2) في ط: تعالى.
(3) السبعة ص 472
(4) سقطت من ط.
(5) في ط: كخلقهم

(5/365)


[الشعراء: 149]
اختلفوا في إثبات الألف وإسقاطها من قوله [جلّ وعزّ] «1»:
فارهين [الشعراء/ 149]. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو:
(فرهين) بغير ألف، وقرأ الباقون: فارهين بألف «2».
أبو عبيدة (فرهين) أي: مرحين، قال: ويقال في هذا المعنى:
(فارهين) وأنشد «3»،
لا أستكين إذا ما أزمة أزمت ... ولن تراني لخير فاره اللّبب
قال: وقوم يقولون: فارهين أي: حاذقين «4».
قال أبو عليّ: [ليس] «5» فارهين كحاذرين، في أن فارهين «6» يكون لما يأتي في الأمر العام، وليس للحال، لأنّهم قد قالوا: فاره وفرهة، فدلّ جمعهم له مثل صاحب وصحبة أنّ فاعل يستعمل للحال، والآتي، والماضي، وليس الحاذر كذلك، لأنّ الحاذر لما يأتي
__________
(1) في ط: تعالى.
(2) السبعة ص 472
(3) نسبه في اللسان إلى ابن وادع العوفي برواية (الطلب) بدلا من (اللبب) وفي (م): «اللبث» وانظر اللسان مادة: فره ونسب أبو عبيدة البيت إلى عديّ بن وداع العقوي من العقاة بن عمرو بن
مالك بن فهم من الأزد، وقال السجستاني في المعمّرين ص 48: وعاش عدي بن وداع بن العقى بن الحارث بن مالك بن قاسم بن غنم بن دوس بن عبد الله من الأزد، ثلاثمائة سنة فأدرك الإسلام وأسلم وغزا ..
(4) مجاز القرآن 2/ 88
(5) سقطت من م.
(6) في م حاذريه والصواب من ط.

(5/366)


بدلالة «1» أنّ الفعل حذر يحذر، وقد «2» قال: فليحذر الذين يخالفون عن أمره [النور/ 63]، فإذا كان الفعل على هذا فاسم الفاعل حاذر «3»، وفاعل للمستقبل «4» كقولك: بعيرك صائد غدا.

[الشعراء: 176]
اختلفوا في قوله جلّ وعز «5»: أصحاب الأيكة [الشعراء/ 176] فقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر: (ليكة) هاهنا، وفي «صاد» [13]: بغير همز، والهاء مفتوحة بلا ألف.
وقرأ الباقون: أصحاب الأيكة بالهمز فيهما والألف «6».
قال أبو علي: قد قلنا في هذا الحرف فيما تقدّم من هذا الكتاب «7». ومن زعم أنّه يختار قراءة أهل المدينة، وأنّه اختار ذلك لموافقته الكتاب، وهي- زعموا- في هذه السورة، وسورة صاد بغير ألف فإنّ ما في المصحف من إسقاط ألف الوصل التي مع اللّام لا يدلّ على صحّة ما اختار من قولهم: (ليكة)، وذلك لأنّه يجوز أن يكون كتب في المصحف على تخفيف الهمزة، وقول من قال: لحمر، كما كتبوا الخبء على ذلك، فإذا جاز أن يكون إسقاط ألف الوصل لهذا، ثبت أن ما اختاره من (ليكة) لا يدلّ عليه خطّ المصحف، ولا يصحّ ذلك لأمر آخر، وهو أنّه يجوز أن تكون الكتابة في هذين الموضعين وقعت
__________
(1) في م: دلالة
(2) كذا في ط وسقطت من م
(3) في ط: على حذر
(4) في م: المستقبل.
(5) في ط: تعالى
(6) السبعة ص 473 وزاد: «وكسر الهاء».
(7) انظر ص 51 في سورة الحجر/ 78.

(5/367)


على الوصل، فكما أنّه لا ألف ثابتة في اللّفظ في قوله سبحانه «1»:
أصحاب الأيكة [فكذلك لم تكتب في خط] «2». ومثله في أنّه كتب مرة على اللّفظ، وأخرى على غيره كتابتهم: سندع الزبانية [العلق/ 18] بغير واو، لما لم تثبت في الخط «3»، وكتب في يدعو الإنسان بالشر [الإسراء/ 11] بالواو فإذا جاز هذا فيه، علمت أنّ الاختيار [مدخول ويدلّ على ضعف الاختيار] «4» أن سائر القرآن غير هذين الموضعين عليه. ويدلّ على فساد ذلك أيضا همز من همز فقال:
الأيكة، فإذا بينت «5» هذا، علمت أن (ليكة) على تخفيف الهمزة «6»، وأن فتح (ليكة) لا يصحّ في العربية، لأنّه فتح حرف الإعراب في موضع الجر مع لام المعرفة، فهو على قياس من قال:
مررت بالحمر، فاعلم.

[الشعراء: 193]
اختلفوا في قوله تعالى: نزل به الروح الأمين [الشعراء/ 193]. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم في رواية حفص: نزل به خفيف، الروح الأمين رفع. وقرأ ابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائي: (نزّل به) مشدّدة الزّاي، (الرّوح الأمين) نصبا «7».
__________
(1) سقطت من ط
(2) في م: [كذلك تثبت في الخط]! وهذا خلاف المراد
(3) في ط: في اللفظ.
(4) ما بين المعقوفتين ساقط من م.
(5) في ط: ثبت.
(6) في ط: الهمز.
(7) السبعة ص 473

(5/368)


قال أبو علي: حجّة من قال: (نزّل به الرّوح الأمين) قوله: فإنه نزله على قلبك بإذن الله [البقرة/ 97]، وقوله: (تنزل الملائكة بالروح) [النحل/ 2]، فتنزّل مطاوع نزّل، [فهو مثل مطاوع: نزّل الملائكة بالرّوح] «1» فدخلت التاء «2» للمطاوعة «3». فصار: (تنزّل الملائكة بالرّوح) والرّوح في التنزيل قد جاء يراد به القرآن، قال تعالى «4»:
وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا [الشورى/ 52] إلى قوله «5»: من عبادنا وقوله: قل نزله روح القدس من ربك ليثبت الذين آمنوا [النحل/ 102]. ومن أسند الفعل إلى الرّوح فقال: نزل به الروح فلأنّه ينزل بأمر الله جلّ وعزّ فمعناه معنى الثقيلة.

[الشعراء: 197]
وكلّهم قرأ: أولم يكن لهم آية [الشعراء/ 197] نصبا، غير ابن عامر فإنه قرأ: (تكن) بالتاء (آية) بالرفع «6».
قال أبو علي: وجه قول ابن عامر: (تكن لهم آية) أنّ (تكن) ليس للآية، ولكن تضمر في (تكن) القصّة أو الحديث، لأنّ ما يقع تفسيرا للقصّة والحديث من الجمل، إذا كان فيها اسم مؤنث، جاز تأنيث الضمير «7» على شريطة التفسير، كقوله سبحانه: فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا [الأنبياء/ 97]، وقوله: فإنها لا تعمى
__________
(1) ما بين المعقوفتين في (م): «وهو الملائكة بالروح» وما في (ط) أوجه.
(2) في ط: الياء. وهو تحريف.
(3) زادت (م) هنا بعد قوله للمطاوعة: «قبل المطاوع ونزل الملائكة».
(4) سقطت من ط.
(5) في ط: قوله تعالى.
(6) في ط: رفعا. كما في السبعة ص 473
(7) في ط: المضمر.

(5/369)


الأبصار [الحج/ 46] فكذلك أن يعلمه علماء بني إسرائيل [الشعراء/ 197] لما كان فيه مؤنث، جاز أن يؤنّث (تكن) فآية مرتفعة بأنّها خبر الابتداء الذي هو (أن يعلمه) علماء بني إسرائيل لما كان فيه مؤنث جاز أن تؤنث (تكن) ولا يمتنع أن لا يضمر القصة ولكن يرتفع (أن يعلم) بقوله: (تكن) وإن كان في تكن «1» علامة تأنيث، لأنّ أن يعلمه في المعنى هو الآية، فيحمل الكلام على المعنى، كما حمل على المعنى في قوله سبحانه «2»: فله عشر أمثالها [الأنعام/ 160]، فأنّث لمّا كان المراد بالأمثال: الحسنات، وكذلك قراءة من قرأ: ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا [الأنعام/ 23].

[الشعراء: 217]
قرأ نافع وابن عامر: فتوكل على العزيز الرحيم [الشعراء/ 217] بالفاء، وكذلك هي في مصاحف أهل المدينة والشام.
وقرأ الباقون بالواو، وكذلك هي في سائر مصاحفهم «3».
قال أبو علي: الوجهان حسنان.

[الشعراء: 224]
وقرأ نافع وحده: والشعراء يتبعهم [الشعراء/ 224] ساكنة التاء، وقرأ الباقون: (يتّبعهم) مشدّدة التاء، مفتوحة مكسورة الباء «4».
[قال أبو علي] «5»: الوجهان حسنان تبعت القوم أتبعهم
__________
(1) في ط: في معنى.
(2) سقطت من ط.
(3) السبعة ص 473.
(4) السبعة ص 474
(5) سقطت من ط.

(5/370)


[واتّبعتهم اتّبعهم] «1»، وهو مثل: حفرته واحتفرته وشويته واشتويته، وقد تقدّم ذكر ذلك.
__________
(1) كذا في ط وسقطت من م.

(5/371)