الحجة للقراء السبعة

 [بسم الله] «1»

ذكر اختلافهم في سورة سليمان [صلى الله عليه] «2»
[النمل: 2]
اختلفوا في الإضافة والتنوين من قوله [جلّ وعزّ] «3»: بشهاب قبس [النمل/ 7].
فقرأ عاصم وحمزة والكسائي (بشهاب قبس) منونا غير مضاف.
وقرأ الباقون: (بشهاب قبس) مضاف «4» غير منون. «5».
أبو عبيدة: (بشهاب قبس): الشهاب: النار، والقبس ما اقتبست، وأنشد لأبي زبيد «6»:
في كفّه صعدة مثقّفة ... فيها سنان كشعلة القبس
«7»
__________
(1) سقطت من ط.
(2) سقطت من ط.
(3) سقطت من ط.
(4) كذا في ط وسقطت من م.
(5) السبعة 478.
(6) من قصيدة له يرثي بها ولده، ويذكر تعرضه للحرب وفي الأغاني 12/ 128 ورد كما يلي
تخال في كفه مثقفة ... تلمع فيها كشعلة القبس
(7) مجاز القرآن 2/ 92

(5/372)


غيره: كل أبيض ذي نور فهو شهاب، ولا أدري أقاله رواية أم «1» استدلالا ويجوز أن يكون القبس صفة، ويجوز أن يكون اسما غير صفة، فأمّا جواز كونه وصفا فلأنّهم يقولون: قبسته أقبسه قبسا، والقبس: الشيء المقبوس، وقالوا «2»: حلب يحلب حلبا، فيجوز في قولهم: حلبا، أن يكون مصدرا كقولهم: بدا له يبدو بدأ، «3» ويجوز أن يكون الحلب المحلوب، وفي التنزيل: شهاب ثاقب [الصافات/ 10]، فيجوز أن يكون الشهاب النار، لأنّ النار قد وصفت بالثقوب قال «4»:
أذاع به في النّاس حتى كأنّه ... بعلياء نار أوقدت بثقوب
فتقدير قوله: أوقدت بثقوب، أوقدت مثقبة، والجارّ والمجرور في موضع حال.
فأمّا قول الشاعر يروى للأفوه «5»:
كشهاب القذف يرميكم به ... فارس في كفّه للحرب نار
فإنّه يجوز أن يكون جعل المزراق الذي يرميه الفارس لتلألئه،
__________
(1) في ط: أو.
(2) في ط: وقال.
(3) في ط يبدوا له
(4) غير منسوب ذكره الأزهري في معجم تهذيب اللغة 3/ 148 واللسان مادة/ ذيع/ ومعنى أذاع به: أظهره ونادى به في الناس
(5) ديوان الأفوه الأودي/ 11 - الحماسة البصرية 1/ 49

(5/373)


وضيائه وبريقه نارا قال أوس «1»:
فانقضّ كالدّريء يتبعه ... لهب يثور تخاله طنبا
فاللهب هنا «2» كالشهاب في البيت الآخر، فإذا كان قوله: قبس صفة، فالأحسن أن يجري على الشّهاب كما جرى على الموصوف في قوله «3»:
كأنّه ضرم بالكفّ مقبوس فكان مقبوس صفة للضّرم، فكذلك يكون القبس في قوله: (بشهاب قبس)، [وإن كان مصدرا غير صفة حسنت فيه الإضافة بشهاب قبس] «4» ولا
يحسن ذلك في الصفة، ألا ترى أن الموصوف لا يضاف إلى صفته قال الشاعر:
في حيث خالطت الخزامى عرفجا ... يأتيك قابس أهله لم يقبس
«5»
__________
(1) في ديوانه (نقع) بدلا من (لهب) والدريء: الكوكب المنقض يدرأ على الشيطان. تخاله طنبا: تخاله فسطاطا مضروبا.
اللسان مادة/ درأ/ وديوانه/ 3.
(2) في ط: هاهنا.
(3) عجز بيت للمتلمس وصدره:
وقد ألاح سهيل بعد ما هجعوا والضرم: النار- والضرم أيضا: شدة العدو. اللسان مادة/ ضرم/
(4) ما بين المعقوفتين مثبت في ط، ساقط من م.
(5) العرفج: نبت واحدته عرفجة (اللسان عرفج) ولم نعثر للبيت على قائل

(5/374)


وقريب من هذا المعنى قول الطرمّاح «1»:
كظهر اللّأى لو تبتغي رية بها ... لعيّت نهارا في بطون الشّواجن
وقال «2»:
خلقت شكسا للأعادي مشكسا ... من شاء من شرّ الجحيم استقبسا
وقال أبو عثمان عن أبي زيد يقال: أقبسته العلم وقبسته النار، وقول الشاعر:
يأتيك قابس أهله يدلّ على ما حكاه أبو زيد من قبسته النار، واسم الفاعل للحال، [ولكنه نوى به] «3» الانفصال، وأحد المفعولين محذوف كأنّه أهل هذا المكان النار «4» فأمّا قوله «5»:
__________
(1) الرّية: بتخفيف الياء ما تثقب به بالنار، ورواية البيت عند الأزهري (وشقت) بدل (نهارا) ومعنى البيت: هذه الصحراء كظهر بقرة وحشية ليس فيها أكمة ولا وهدة. التهذيب للأزهري 15/ 306 واللسان (لأي وري). وفي (م):
«تبتغى رية» بالبناء للمفعول.
(2) ذكره اللسان في مادة/ شكس/ ولم ينسبه والمشكس: سيّئ الخلق
(3) في ط: والتقدير.
(4) في هامش (ط): في الأصل: كأنه أصل هذا المكان النار.
(5) صدر بيت للنابغة وعجزه:
أتاني ودوني راكس فالضواجع
وراكس: واد، الضواجع: ج ضاجعة وهي منحنى الوادي ومنعطفه، يقول: أتاني وعيده على غير ذنب أذنبته، فبت كالملدوغ خوفا منه، على أني ناء عنه، وبيني وبينهم راكس والضواجع. ديوانه/ 45.

(5/375)


وعيد أبي قابوس في غير كنهه وقوله «1»:
فملك أبي قابوس أضحى وقد نجز فليس قابوس فاعولا من القبس، كما أن جالوت وطالوت ليسا بفعلوت من الطّول والجول، ولو كان كذلك لانصرف، ألا ترى أنّ حاطوما «2» وجاروفا، ونحو ذلك ينصرف في المعرفة في امتناع ما ذكرنا من الصرف ما يعلم به أنّه أعجمي، فلمّا انضمّت العجمة إلى التعريف، لم ينصرف، وكذلك إبليس، ليس من أبلس، وإنّما هذه الأشياء اتفاق ألفاظ بين «3» اللغتين. وأما قوله «4»:
فإن يقدر عليك أبو قبيس فإنّما انصرف من حيث [حقّر تحقير الترخيم] «5» ولم ينصرف في
__________
(1) عجز بيت للنابغة وصدره:
وكنت ربيعا لليتامى وعصمة ديوانه/ 217
(2) في م «جالوتا» بدل «حاطوما»، وهذا لا ينسجم مع ما أراد من التمثيل على عدم الصرف
(3) في ط: في.
(4) صدر بيت للنابغة من قصيدة يهجو بها يزيد بن عمرو بن خويلد، وعجزه:
تحطّ بك المنيّة في رهان ويروى: المعيشة- وأبو قبيس: النعمان اشتقه من أبي قابوس اللسان مادة/ قبس/ ديوانه/ 149 (ت: شكري فيصل)
(5) في ط: رخم.

(5/376)


الشعر للضرورة من حيث انصرف نوح ولوط مكبّرين ومصغّرين «1»، يعني أنّه تحقير قبس، وقبس شيء ينصرف. وقال أبو الحسن:
(بشهاب قبس) الإضافة أكثر وأجوز في القراءة، كما تقول: دار آجرّ، وسوار ذهب، قال: ولو قلت: سوار ذهب، ودار آجر، كان عربيّا قال:
إلّا أنّ الأكثر في كلام العرب الإضافة. قال أبو علي: فأبو الحسن جعل القبس فيه غير وصف، ألا ترى أنّه جعله بمنزلة الآجرّ والذهب، وليس واحد منهما صفة.

[النمل: 10، 2]
هبيرة عن حفص عن عاصم هدى وبشرى [النمل/ 2] بكسر الراء، والمعروف عن حفص عن عاصم الفتح، وكسر أبو بكر راء رآها تهتز [النمل/ 10] والهمزة وفتحهما حفص عن عاصم، وفتح أبو عمرو الراء وكسر الهمزة في كل القرآن، والكسائي مثل عاصم في رواية أبي بكر يكسرها «2» وحمزة مثله، ابن عامر يفتح، وكذلك ابن كثير ونافع «3».
قال أبو علي: قد تقدم ذكر «4» وجه إمالة الفتحتين منهما «5» في غير موضع.

[النمل: 20]
اختلفوا في فتح الياء من قوله سبحانه «6»: (ما لي لا أرى الهدهد) [النمل/ 20] وما لي لا أعبد [يس/ 22]، وسكونهما.
__________
(1) في ط: أو مصغرين.
(2) سقطت من م وهي في ط وفي السبعة: يكسرهما.
(3) السبعة ص 478
(4) في ط: ذكر رأي.
(5) في ط: فيهما.
(6) في ط: تعالى.

(5/377)


فقرأ ابن كثير وعاصم والكسائي: ما لي لا أرى الهدهد وما لى لا أعبد الذي فطرني بفتح الياء فيهما، وقرأ نافع وأبو عمرو (ما لي لا أرى الهدهد) ساكنة الياء هاهنا، وقرأ وما لي لا أعبد بفتح الياء في يس «1»، وقرأ ابن عامر وحمزة الحرفين جميعا ساكنة ياؤهما «2».
قال أبو علي: كلا الوجهين من الإسكان والفتح حسن.

[النمل: 18]
عباس عن أبي عمرو على واد النمل [النمل/ 18] يميل الواو، والباقون: واد النمل مفخما «3».
قال أبو علي: الإمالة في (واد) حسنة من أجل الكسرة، والألف اللّازمة بعدها فهما يجلبان الإمالة، إذا كان كلّ واحد منهما منفردا، فإذا اجتمعا كان أجدر لهما. ومن لم يمل، فلأنّ ترك الإمالة شائع «4»، ولغة كثير من العرب. والوادي من ودى، إذا سال، واللام منه ياء، ولا يجوز أن يكون واوا، إلّا أنّه «5» اسم كالكاهل والغارب، وليس بوصف، وقالوا: أمنى يمني، وفي التنزيل: أفرأيتم ما تمنون [الواقعة/ 58]، وأمذى، وقالوا: كلّ فحل يمذي. وقالوا: ودى «6» الرجل، من الودي، ولم أعلم أودى في هذا المعنى، وأنشدنا محمد بن
__________
(1) كذا في ط وسقطت من م
(2) السبعة ص 479
(3) السبعة ص 478
(4) في ط: سائغ.
(5) في ط: لأنه.
(6) في (م): أودى. وليس بالوجه.

(5/378)


السري «1»:
كأنّ عرق أيره إذا ودى ... حبل عجوز ضفرت خمس قوى
وقالوا: في جمع واد أودية، وفي التنزيل: فسألت أودية بقدرها [الرعد/ 17] أي بقدر مياهها، فحذف المضاف، وقالوا: سال الوادي، وجرى النهر، إذا سال مياههما، ولم أعلم فاعلا جمع على أفعلة كهذا الحرف، ويشبه أن يكون لاشتراك فعيل وفاعل في كثير من المواضع، نحو عليم وعالم، وولي ووال، فكما جمع فعيل على أفعلة، شبه هذا الحرف بفاعل.
وممّا يقرّب ذلك قولهم: شريف وأشراف، ويتيم وأيتام، وأبيل «2» وآبال، كما قالوا: صاحب وأصحاب، وطائر وأطيار، فكأنّه لما اتفقا في البناء، ووقع كلّ واحد منهما موقع الآخر، اتفقا في الجمع، كما اتّفق فاعل وفعل الذي هو المصدر في الجمع. قال «3»:
فنوّاره ميل إلى الشمس زاهره
__________
(1) البيت للأغلب العجلي وقد سبق في 2/ 341
(2) الأبيل: رئيس النصارى وقيل: هو الراهب- والأبيل أيضا: العصا
(3) عجز بيت للحطيئة من قصيدة يهجو بها الزبرقان وصدره:
بمستأسد القريان حوّ تلاعه ويروى: حوّ نباته: أي: عاف نباته- يقال: استأسد النبت: إذا طال وأتمّ، والقريان: مجاري الماء الى الرياض، والحو: التي اشتدت خضرتها حتى طلعت، إلى السواد.
ومعناه: كلّ نور إذا طلعت عليه الشمس استقبلها ثم دار معها حيث تدور اللسان مادة/ ميل/ ديوانه/ 181

(5/379)


فالنّوار: جمع نور، وليس كحسّان وصرّاء، ألا ترى أنّه وصفه بالجمع في قوله: فنوّاره ميل، لمّا اتّفق فاعل وفعل في الصّفة نحو قوله تعالى «1»: أصبح ماؤكم غورا [الملك/ 30]، اتفقا في التكسير فجمع على فعّال، كما جمع فاعل عليه.

[النمل: 21]
قال: وقرأ ابن كثير وحده: (أو ليأتينني) [النمل/ 21] بنونين، وكذلك هي «2» في مصاحفهم، وقرأ الباقون على الإدغام، وكذلك في مصاحفهم «3».
قال بعض أصحاب أحمد بن موسى في «2» قوله: وقرأ الباقون على الإدغام، غلط في الترجمة، إنّما يريد أنّهم قرءوا «5» بنون واحدة مشدّدة، وحذفوا الثانية «6» التي قبل ياء المتكلم لاجتماع النونات وهو «7»: (ليأتينّني).

[النمل: 18]
قال عبيد عن أبي عمرو: (لا يحطمنكم) [النمل/ 18] ساكنة النون وهو غلط. قال: وروى اليزيدي وغيره عن أبي عمرو لا يحطمنكم مشدّدة النون، وكذلك قرأ الباقون: لا يحطمنكم «3».
[قال أبو علي: قوله: وهو غلط] «9»، يريد أنه غلط من طريق
__________
(1) سقطت من ط.
(2) كذا في ط وسقطت من م
(3) السبعة ص 479
(5) في ط: قرءوه.
(6) في ط: الثالثة.
(7) سقطت من ط.
(9) ما بين المعقوفين ساقط من ط

(5/380)


الرواية، إلّا أنّه لا يتّجه في العربية، [ووجه النون الخفيفة والشّديدة هاهنا حسنان] «1»، ووجه الشديدة في لا يحطمنكم أن الفاعلين كثرة، فثقّلت العين للدّلالة على الكثرة.

[النمل: 22]
قال: قرأ عاصم وحده فمكث بفتح الكاف، وقرأ الباقون:
(فمكث) [النمل/ 22] بضم الكاف «2».
قال أبو علي «3»: وجه مكث أنّهم قالوا: مكث يمكث، كما قالوا:
قعد يقعد، ومكث كظرف.
[قال أبو علي] «4» وأظن سيبويه قد حكاهما، ومما يقوي:
مكث بالفتح قوله: قال إنكم ماكثون [الزخرف/ 77]، وفيه:
ماكثين فيه أبدا [الكهف/ 3]، فماكثين: يدلّ على مكث، ألا ترى أنّك لا تكاد تجد فاعلا من فعل، إنّما يكون مكان الفاعل فيه: فعيل نحو: ظريف وشريف وكريم.
فإن قلت: إنّ فاعلا من مكث في الآيتين، يراد بهما الآتي، فهو مثل: بعيرك صائد غدا، فهو قول. فإن قلت: إنّه حكاية الحال التي يصيرون إليها، فهو قول: ويؤكد ذلك قوله: إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون [يس/ 55]. ألا ترى أنّه جاء على أصله لمّا أريد حكاية الحال، ولم يجيء على حدّ: بعيرك صائد غدا. قال أبو حسن: مكث أكثرهما.
__________
(1) ما بين المعقوفين ساقط من ط.
(2) السبعة ص 480
(3) سقطت من ط.
(4) كذا في ط وسقطت من م

(5/381)


[النمل: 22]
اختلفوا في إجراء سبأ [النمل/ 22]. فقرأ ابن كثير وأبو عمرو (من سبأ) غير مجراة، هذه رواية البزي، وقرأت على قنبل عن النّبّال (من سبأ بنبإ يقين) ساكنة الهمزة، وكذلك [في قوله «1»]: (لسبأ في مساكنهم) [سبأ/ 15] وكذلك روى الحسن بن محمد بن عبد الله بن أبي يزيد عن شبل عن ابن كثير، وقال: هو وهم وأخبرني قنبل عن ابن أبي بزّة: (من سبأ) مفتوحة الهمزة مثل أبي عمرو، وهذا هو الصواب. وكذلك (لسبأ) وقرأ الباقون: من سبأ مجراه «2».
قال أبو علي: قال سيبويه: ثمود وسبأ، مرة للقبيلتين، ومرة للحيين، فكثرتهن سواء، يريد أن هذه الأسماء منها ما جاء على أنّه اسم للحيّ نحو: معدّ وقريش وثقيف، ومنه ما يغلب عليه أن يكون اسم قبيلة كقولهم: تغلب بنت وائل، وتميم بنت مرّ.
ومنه ما يستوي فيه الأمران جميعا، كثمود وسبأ، قال أبو الحسن في سبأ: إن شئت صرفته، فجعلته اسم أبيهم أو اسم الحي، وإن شئت لم تصرف، وجعلته اسم القبيلة، قال: والصرف أعجب إليّ، لأنّه قد عرفت أنّه اسم أبيهم، وإن كان اسم الأب يصير كالقبيلة إلّا أني أحمله على الأصل. انتهى كلام أبي الحسن. وقال غيره: هو اسم رجل، واليمانية «3» كلّها تنسب إليه، يقولون: سبأ بن يشجب بن يعرب ابن قحطان، وقال أبو إسحاق: من قال: إن سبأ اسم رجل فقد غلط «4»
__________
(1) زيادة من ط
(2) السبعة ص 480، وقوله: مجراة وغير مجراة يعني: مصروفة وغير مصروفة والصرف هنا التنوين.
(3) في (م): واليمامة بدل اليمانية. والمثبت من ط
(4) في ط: فغلط.

(5/382)


لأنّ سبأ مدينة بقرب مأرب من اليمن بينها وبين صنعاء مسيرة ثلاثة أيام كذلك قيل، انتهى كلامه.

[النمل: 25]
قال: كلّهم شدّد اللّام من قوله سبحانه: ألا يسجدوا [النمل/ 25] غير الكسائي فإنّه خفّفها، ولم يجعل فيها (أن) ووقف (ألايا) ثم ابتدأ (اسجدوا) «1».
قال أبو علي: من شدّد ألا يسجدوا فتقديرها: فصدّهم عن السّبيل لئلّا يسجدوا، ويجوز أن يعلق (أن) بزيّن، كأنّه زيّن لهم الشيطان أعمالهم «2»، لئلّا يسجدوا، واللّام في الوجهين داخلة على مفعول له، وهذا هو الوجه لتحري القصة على سننها، ولا يفصل بين بعضها وبعض بما ليس منها، وإن كان الفصل بهذا النحو غير ممتنع، لأنّه يجري مجرى الاعتراض، وما يسدّد القصّة، وكأنّه لما قيل: وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون [النمل/ 24]، فدلّ «3» هذا الكلام على أنّهم لا يسجدون لله تعالى، ولا يتدينون بدين، قال: «4» ألا يا قوم أو يا مسلمون اسجدوا لله الّذي [يخرج الخبء في] «5» السموات والأرض، خلافا عليهم، وحمدا لله، ومكان «6» ما هداهم لتوحيده، فلم يكونوا مثلهم في الطغيان والكفر. ووجه دخول حرف التنبيه على الأمر، أنّه موضع يحتاج فيه
__________
(1) السبعة ص 480
(2) سقطت من م.
(3) في (ط): «قد دل».
(4) في (م): لا يسجدون لله، ولا يدينون بدين كأنه قال ...
(5) في ط: الذي خلق.
(6) في ط «مكان» بدون واو العطف

(5/383)


إلى استعطاف المأمور لتأكيد ما يؤمر به عليه، كما أنّ النداء موضع يحتاج فيه إلى استعطاف المنادى له من إخبار أو أمر أو نهي، ونحو ذلك مما يخاطب به، وإذا كان كذلك فقد يجوز أن لا يريد منادى في نحو قوله: ألا يسجدوا [النمل/ 25] كما يريد المنادى في قوله «1».
يا لعنة الله والأقوام كلّهم ... والصّالحين على سمعان من جار
وكذلك ما حكي عن أبي عمرو من قوله: يا ويل له، ويؤكد ذلك قولهم: هلمّ، وبناؤهم ها التي للتنبيه مع لم، وجعلها مع الفعل كشيء واحد، وإجماع الناس على فتح آخر الكلمة في اللغتين، فكما لا يجوز أن يراد هاهنا مأمور لبناء الكلمة «2» على الفتح، وإن فكّ إحداهما من الأخرى، بل لا يسوغ إرادة «3» المنادى، لمكان بنائهما معا، وجعلهما بمنزلة شيء واحد، كذلك يجوز لك «4» أن لا تريد مأمورا في قوله:
(ألا يا سجدوا). ويجوز أن يراد بعد يا مأمورون، فحذفوا، كما حذفوا من قوله «1»:
يا لعنة الله والأقوام كلّهم فكما أن (يا) هنا لا تكون إلّا لغير اللّعنة، كذلك يجوز أن يكون
__________
(1) من شواهد سيبويه الخمسين التي لم يعرف قائلها 1/ 320 وابن الشجري 1/ 325 و 2/ 154 والإنصاف/ 118 والمفصل 2/ 24 - 40 والمغني/ 373 والهمع 1/ 74، 2/ 70 والدرر 1/ 150، 2/ 86 وانظر شرح أبيات المغني 6/ 171
(2) في (م): الكلمتين.
(3) في (م): من الأخرى، لا يسوغ بإرادة المنادى.
(4) سقطت من ط

(5/384)


المأمورون مرادين فحذفوا من اللّفظ، وقد جاء هذا في مواضع من الشعر، فمن ذلك ما أنشده أبو زيد «1»:
وقالت ألا يا اسمع نعظك بخطّة ... فقلت سمعنا فانطقي وأصيبي
وممّا يؤكّد قول من قال: ألّا مثقلة، أنّها لو كانت مخفّفة ما كانت في يسجدوا ياء لأنّها اسجدوا، ففي ثبات الياء في يسجدوا في المصحف دلالة على التّشديد، وأنّ المعنى: أن لا يسجدوا، فانتصب الفعل بأن وثبتت ياء المضارعة في الفعل.

[النمل: 25]
اختلفوا في قوله جلّ وعز «2» ويعلم ما تخفون وما تعلنون في الياء والتاء [النمل/ 25].
فقرأ عاصم في رواية حفص والكسائي بالتاء فيهما «3».
وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم بالياء فيهما «4».
قال أبو علي: من قرأ بالياء، فلأنّ الكلام على الغيبة: فزيّن لهم الشّيطان ألا يسجدوا، وهو يعلم الغيب وما يخفون وما يعلنون. وقرأ الكسائي فيهما «5» بالتاء لأنّ الكلام قد دخله خطاب على قراءته:
اسجدوا لله الذي يعلم ما تسرّون وما تعلنون.
ومن قرأ: (أن لا يسجدوا)، فالكلام على الغيبة، ويجوز أن
__________
(1) نسبه في النوادر الى النمر بن تولب/ 22 وذكره الإنصاف/ 102 ولم ينسبه
(2) سقطت من ط.
(3) كذا في ط وسقطت من م.
(4) السبعة ص 481
(5) كذا في ط وسقطت من م.

(5/385)


يكون على الخطاب للمؤمنين والكافرين الذين جرى ذكرهم، على لفظ الغيبة، فأخبر الجميع بأنّه سبحانه يعلم ما يخفون وما يعلنون، ورواية أبي بكر عن عاصم [بالياء فيهما] «1» أشبه بقراءة ألا يسجدوا [بالياء فيهما] «2»، لأنّه غيبة مع غيبة.

[النمل: 28]
اختلفوا في وصل الهاء بياء في قوله جل وعز «3»: (فألقه إليهم) [النمل/ 28] وإسكانها.
فقرأ ابن كثير وابن عامر والكسائي: (فألقهى إليهم) موصولة بياء في رواية الحلواني عن هشام بن عمار عن ابن عامر، وقال: ابن ذكوان بكسر الهاء، واختلف عن نافع فقال ابن جمّاز والمسيّبي والقاضي عن قالون: (فألقه إليهم) مكسورة الهاء من غير ياء.
وقال ورش: في الوصل ياء بعد الهاء، وكذلك قال إسماعيل بن جعفر وكذل قال «4» الحلواني عن قالون.
واختلف عن أبي عمرو، فروى عنه اليزيدي: فألقه ساكنة، وروى عنه عبد الوارث وشجاع، (فألقهي) موصولة بياء في الوصل.
وقال عباس: سألته فقرأ: فألقه جزما وقال: إن شئت: (فألقهي) [وكان اختياره فألقهي مشددة] «5»، وقرأ عاصم في الروايتين جميعا جزما وحمزة مثله «6».
__________
(1) كذا في ط وسقطت من م
(2) سقطت من ط.
(3) في ط: تعالى.
(4) كذا في ط وسقطت من م.
(5) كذا في ط وسقطت من م. وفي السبعة: مشبعة، بدل مشددة
(6) السبعة ص 481

(5/386)


قال أبو علي: وصل الهاء بياء في (ألقه) ونحوه أقيس وأشبه، وترك وصله بالياء إنّما يجري في الشعر، كقوله «1»:
ما حجّ ربّه في الدّنيا ولا اعتمرا وكذلك رواية من روى عن أبي عمرو: (فألقهي إليهم) موصولة بياء، أقيس من رواية من روى: فألقه بسكون الهاء. وزعم أبو الحسن أن نحو: (ألقه) ونحو قوله «2»:
مشتاقان له أرقان لغة، ولم يحك ذلك سيبويه، وحمل قوله: «له أرقان» على الضرورة ولم يحك اللّغة التي حكاها أبو الحسن في موضع علمت.

[النمل: 36]
اختلفوا في قوله جلّ وعز «3»: (أتمدونني بمال) [النمل/ 36].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: (أتمدّونني) بنونين وياء في الوصل. حدثنا ابن واصل قال: حدثنا ابن سعدان عن المسيبى عن
__________
(1) عجز بيت صدره:
أو معبر الظّهر ينبى عن وليّته وهو من شواهد سيبويه، وقد نسبه إلى رجل من باهلة، ولم يزد الأعلم في نسبته على ذلك- والشاعر يصف بعيرا لم يستعمله صاحبه في سفر لحجّ أو عمرة- ومعبر الظهر: ممتلئة باللحم مع كثرة وبره والوليّة: البرذعة، ومعنى: يبني عن وليّته: يجعلها تنبو عنه لسمنه.
انظر سيبويه 1/ 12 والإنصاف/ 516 والمقتضب 1/ 38
(2) سبق البيت في 1/ 124، 203، 205 و 5/ 328.
(3) في ط: تعالى.

(5/387)


نافع: (أتمدّوني) خفيفة النون وهي بنون واحدة وياء في الوصل والوقف «1».
وقرأ ابن عامر وعاصم والكسائي: أتمدونن بغير ياء في الوصل والوقف. وقرأ حمزة: (أتمدّونّي بمال) بنون واحدة مشددة ووقف على الياء «2».
قال أبو علي [في: أتمدونني بمال] «3»: أبو زيد: أمددت الرجل بالمال والرجال «4» إمدادا.
قال [أبو علي] «5»: وفي التنزيل «6»: أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين [المؤمنون/ 55]، وفي غير المال والبنين، مدّ على فعل، قال: ويمدهم في طغيانهم يعمهون [البقرة/ 15] ويمدونهم في الغي [الأعراف/ 202]، وقال: ونمد له من العذاب مدا [مريم/ 79] فأمّا قوله: (أتمدّونّي) هو: (أتمدّونني). فأدغم الأولى في الثانية، ومن لم يحذف الياء في الوصل، فلأنّه ليس بفاصلة ولا يشبه الفاصلة، لأنّه ليس بكلام تام، فالنون الأولى علامة الرفع، والثانية التي تصحب ضمير المتكلم المنصوب.
__________
(1) في السبعة ويحذف الياء في الوقف، وبعدها زيادة ما يأتي: وعن ابن فليح عن أصحابه عن ابن كثير: (أتمدّونني) بياء في الوصل والوقف.
(2) انظر السبعة ص 481 - 482.
(3) كذا في ط وسقطت من م.
(4) في ط: وبالرجال.
(5) سقطت من ط.
(6) في ط: موضع.

(5/388)


وقرأ «1» نافع: (أتمدّوني) خفيفة النون.
[قال أبو علي]: «2»: التشديد حسن «3»، ووجه التخفيف أنّه يحذف الثانية، ولا يحذف الأولى لأنّ حذف الأولى لحن، والثانية قد حذفت في مواضع من الكلام والشعر، نحو: قدي «4» وإني «5»، ومن بيّن فقال: (أيمدّونني) فجمع بين المثلين ولم يدغم، فلأنّ الثانية ليست بلازمة، ألا ترى أنّها «6» تجري في الكلام ولا يلزق بها الثانية «7» نحو: أتمدّون زيدا، وفي التنزيل:
ولو شاء الله ما اقتتلوا [البقرة/ 253].

[النمل: 36]
اختلفوا في قوله جلّ وعزّ «8»: فما آتاني الله [النمل/ 36] في فتح الياء، وإثباتها وجزمها.
فقرأ ابن كثير وابن عامر وأبو بكر عن عاصم وحمزة والكسائي:
(فما أتان الله) بكسر النون من غير ياء.
وقرأ أبو عمرو ونافع وعاصم في رواية حفص: فما آتاني الله
__________
(1) في ط: وقول.
(2) سقطت من ط.
(3) في ط: أحسن منه.
(4) يشير إلى رجز سبق في 3/ 334 وانظر زيادة على ما سبق في تخريجه «الإيضاح الشعري» للمصنف ص 177 وحاشيته التي استوفي فيها المحقق التعليق على البيت.
(5) انظر الكلام على الآية 80 من سورة الأنعام في 3/ 334.
(6) في ط: أنه.
(7) في ط: الثاني.
(8) في ط: تعالى.

(5/389)


بفتح الياء. وكلّهم فتح التاء غير الكسائي، فإنّه أمالها من: (آتاني).

[النمل: 39]
وأمال حمزة أنا آتيك به [النمل/ 39، 40]. أشمّ الهمزة شيئا من الكسر، ولم يملها غيره «1».
قال أبو علي: من قرأ: فما آتاني الله بسكون الياء لزمه إذا أدرج أن يحذفها لالتقاء الساكنين: الياء ولام المعرفة «2»، ومن فتحها على أصل ما يجب لهذه الياء من الفتحة [ثبتت له] «3» ولم يحذف، لأنّه لم يلتق ساكن مع ساكن فيلزم حذفها.
فأمّا إمالة الكسائي الألف من آتاني فحسن، لأنّ هذه الياء ثابتة في تصرف هذا الفعل، فبحسب لزومها تحسن الإمالة.
وأمّا إمالة حمزة أنا آتيك فإنّما هي من أجل لزوم الكسرة في:
(آتي) «4»، فإذا لزمت الكسرة جازت الإمالة، فأمال الفتحة التي على همزة المضارعة، لتميل الألف التي في آتى نحو الياء، وإمالة الكسائي فتحة التاء من (آتاني) «5» أحسن من إمالة حمزة، لأنّ (آتى) مثال ماض، والهمزة في (آتيك) همزة المضارعة، فإمالتها لا تحسن، ألا ترى أنّه لو كانت الياء التي للمضارعة في الفعل، لم تجز الإمالة، وإذا لم تجز الإمالة في حرف من حروف المضارعة، كان ما بقي من الحروف على «6» حكمه، ألا ترى أنّهم قالوا: يعد، فأتبعوا سائر
__________
(1) السبعة ص 482.
(2) في ط: التعريف.
(3) كذا في ط وسقطت من م.
(4) في (ط): آتاني.
(5) في ط: في آتي.
(6) في ط: في.

(5/390)


الحروف الياء، وكذلك أكرم ولم يميلوا الفتحة في (أيحسب) «1» كما أمالوها في قولهم في عمر «2»، ولأنّ الياء لو كانت من مكان التاء، لم تحسن إمالتها، فكذلك لا تحسن إمالة الهمزة من قوله: أنا آتيك به [النمل/ 39/ 40].

[النمل: 44]
قال: همز ابن كثير وحده: (وكشفت عن سأقيها) [النمل/ 44] في رواية أبي الإخريط، ولم يهمز غيره «3» (على سؤقه) [الفتح/ 29] و (بالسؤق) [ص/ 33].
قال أبو بكر: ولم يهمز يوم يكشف عن ساق [القلم/ 42] ولا وجه له «4». وقرأت على قنبل عن النبال بغير همز: حدثنا مضر بن محمد قال: حدثنا ابن أبي بزّه قال: كان وهب بن واضح «5» يهمز (عن سأقيها)، و (على سؤقه) و (بالسّوق) «6»، قال ابن أبي بزّة، أنا لا أهمز من هذا شيئا، وكذلك ابن فليح لا يهمز من هذا شيئا.
[وقرأ الباقون: ساقيها غير مهموز، ولم يهمز أحد: يوم يكشف عن ساق] «7».
قال أبو علي: أما الهمز في ساقيها «8»، (وساق)، فلا وجه
__________
(1) في (ط): يحسب.
(2) في (ط): في قولك في عمرو
(3) سقط من السبعة قوله: لم يهمز غيره واتصلت العبارة عنده.
(4) في (م) همز ساق لا وجه له، وما في (ط) موافق لما في السبعة.
(5) هو وهب بن واضح أبو الإخريط قال الحافظ أبو عبد الله الذهبي انتهت إليه رئاسة الإقراء بمكة.
انظر طبقات القراء 2/ 361 وسبقت ترجمته.
(6) في (م): وبالسئوق.
(7) السبعة ص 483 وما بين معقوفين زيادة منه.
(8) سقطت من ط.

(5/391)


له، وأما (على سؤقه) و (بالسّوق) «1» فهمز ما كان من الواوات الساكنة إذا كان قبلها ضمة، قد جاء في كلامهم وإن لم يكن بالفاشي.
فأمّا رواية ذلك، فإنّ أبا عثمان زعم أنّ أبا الحسن خبّره «2» قال:
كان أبو حيّة النميري يهمز كل واو ساكنة قبلها ضمة، وينشد «3»:
لحب المؤقدين إليّ مؤسى ووجهه من القياس أنّه يقدّر الضّمّة، كأنّها على الواو، إذ لا حائل بينها وبين الواو، ونظير ذلك قولهم: امرأة مقلات، فيميلون الألف، كأنّه قدّر الكسرة، لمّا لم يكن بينها وبين القاف حاجز على القاف، فكما أنّه لو قال: قلات وقباب وضعاف، ونحو ذلك، لجازت الإمالة فيه، كذلك استجازوها في مقلات لما أعلمتك، وأن لا يؤخذ بذلك «4» في التلاوة أحسن.
وأمّا ما يروى عن ابن كثير من همز (سأقيها)، فوجه الشبه «5» فيه أن من قال: سؤق، في جمع ساق، فكان مثل: لابة ولوب، ودار ودور. وكان (سئوق) كحول وحؤول، وجاز الهمز في الجمع على القولين. فأما سؤق فعلى:
__________
(1) في م: بالسئوق.
(2) في ط: أخبره.
(3) صدر بيت لجرير عجزه:
وجعدة إذ أضاءهما الوقود وقد سبق في 1/ 239.
(4) في (م) ذلك.
(5) في ط: الشبهة.

(5/392)


لحبّ المؤقدين إليّ مؤسى و (سئوق) لتحركها بالضّمّ، وهذه الهمزة جرت مجرى ثائر، لأنّ بعضهم قال: أدؤر، ثم قلب، فقال: آدر، ولم يردّ الواو التي هي عين، ولكن جعلها كآخر وآدم، فلمّا استمر في الجمع «1» الهمز في هذين الوجهين، فقالوا: (أسؤق) أيضا «2»، فجاز همزها قال «3»:
لكلّ دهر قد لبست أثؤبا «4» استجاز ذلك أيضا في سأق، كما أنّ ادّكر ومدّكر لما استمر فيه بدل الذال، قالوا: الدّكر، وكذلك قولهم: اتقى وتقيّة، وكأنّه لما رأى الهمز في الجمع [في هذه المواضع] «5»، أجرى الواحد على قياس الجمع، وأكّد ذلك أن الهمزة في هذه المواضع من الجمع، جرت مجرى الهمزة من نفس الكلمة فيما ذكرت لك.

[النمل: 49]
اختلفوا في التاء والنون من قوله جلّ وعزّ «6»: لنبيتنه وأهله ثم لنقولن لوليه [النمل/ 49].
__________
(1) في ط: الجميع.
(2) سقطت «أيضا» من (م).
(3) في ط: كما جاء.
(4) من رجز لمعروف بن عبد الرحمن وبعده:
حتى اكتسى الرأس قناعا أشيبا أملح لا لذا ولا محبّبا وهو من شواهد سيبويه 2/ 185 والمنصف 1/ 384 و 3/ 47 واللسان مادة (ثوب).
(5) سقطت من ط.
(6) في ط: تعالى.

(5/393)


فقرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع وابن عامر وعاصم بالنون جميعا، وقرأ حمزة والكسائي بالتاء جميعا «1».
قال أبو علي: قوله: تقاسموا فعل لا يخلو من أن يراد به مثال الماضي، أو مثال الآتي الذي يراد به الأمر، ألا ترى أنّك تقول: تقاسموا أمس، إذا أردت الماضي، وتقاسموا غدا، إذا أردت به الأمر، فمن قال: تقاسموا بالله لنبيتنه فأراد الأمر وجعل لنبيتنه جوابا لتقاسموا، لأنّ هذه الألفاظ التي تكون من ألفاظ القسم تتلقى بما تتلقّى به «2» الأيمان كقوله سبحانه: «3» وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن [فاطر/ 42] وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت بلى «4» [النحل/ 38]، فكذلك: تقاسموا بالله، فمن قال:
لنبيتنه تلقاه باللّام والنون الثقيلة، وأدخل المتكلمون أنفسهم مع المقسمين «5»، كما دخلوا في قوله تعالى: فقل تعالوا ندع أبناءنا [آل عمران/ 61]. ومن قال: (لتبيّتنّه) أراد ليقسم بعضكم لبعض «6» لتبيّتنّه، فتقاسموا على هذا: أمر، كما كان فيمن قال: لتبيّتنّه، أمرا.
ومن قال: (ليبيّتنّه) بالياء، فتقاسموا على هذا مثال ماض، ولا يجوز مع هذا إلّا بالياء، لأنّ مثال الماضي للغيبة، كما أن «7» (ليبيّتنّه) بالياء كذلك، ولا يجوز التاء ولا النون في قوله «8» لنبيتنه و (لتبيّتنّه) مع
__________
(1) السبعة 483.
(2) كذا في ط وسقطت من م.
(3) سقطت من ط.
(4) سقطت من م.
(5) في (ط): المسلمين.
(6) في ط: كما كان.
(7) في م: أقسم بعضهم ببعض.
(8) كذا في ط وسقطت من م.

(5/394)


مثال الماضي. لأنّ الماضي للغيبة، و (لتبيّتنّه) للخطاب.

[النمل: 49]
قال: قرأ عاصم في رواية أبي بكر: (مهلك أهله) [النمل/ 49] بفتح الميم واللام، وروى عنه حفص بفتح الميم وكسر اللام، وقرأ الباقون: (مهلك) بضمّ الميم وفتح اللام «1».
قال أبو علي: يقال: هلك يهلك، والمصدر منه مهلك، كما أنّ المصدر من ضرب يضرب مضربا، بفتح الراء، واسم المكان:
المهلك، بكسر اللّام، فقول عاصم في رواية أبي بكر: (مهلك) أي هلاك أهله، وقد حكي أنّه يقال: هلكني، بمعنى: أهلكني. وذلك لغة تميم، فيما زعموا، فيجوز «2» في المهلك على هذا أن يكون مصدرا مضافا إلى المفعول به، ويكون على قول من لم يجعل هلكه بمعنى «3» أهلكه، مصدرا «4» مضافا إلى الفاعل، كما تقول: هلاك أهله.
وأمّا رواية حفص عنه، فيحتمل ضربين: يجوز أن يكون:
مهلك اسم المكان، فيكون المعنى: ما شهدنا موضع هلاكهم ومكانه، فيكون المهلك: كالمجلس، في أنّه يراد به موضع الجلوس، ويجوز أن يريد بالمهلك، المصدر، لأنّه قد جاء المصدر من فعل يفعل، على مفعل، قال: إلي مرجعكم [العنكبوت/ 8]، وقال:
ويسألونك عن المحيض [البقرة/ 222]، والأوّل أكثر.
__________
(1) السبعة ص 483.
(2) في (م): فيكون.
(3) في ط: بمنزلة.
(4) كذا في ط وسقطت من م.

(5/395)


فأمّا من قرأ: (مهلك) فيحتمل ضربين، يجوز أن يكون: إهلاك أهله: أي: لم يشهد إهلاك أهله، ويجوز أن يكون الموضع أي: لم يشهد موضع الإهلاك.

[النمل: 51]
اختلفوا في فتح الألف وكسرها من قوله جلّ وعزّ «1»: (إنا دمرناهم وقومهم) [النمل/ 51].
فقرأ عاصم وحمزة والكسائي: (أنّا) بفتح الألف، وقرأ الباقون: إنا بكسر الألف «2».
قال أبو علي: قال سبحانه «3»: فانظر كيف كان عاقبة مكرهم إنا دمرناهم [النمل/ 51]. من كسر (إنّا) جاز أن تكون (كان) المفتقرة إلى الخبر، وجاز (أن) تكون «4» التي بمعنى وقع، فإذا جعلته على وقع كان قوله «5»: (كيف) في موضع حال تقديره: على أي حال وقع عاقبة مكرهم. أي أحسنا وقع عاقبة مكرهم، أم سيّئا؟ ويكون في: كيف ضمير من ذي الحال، كما أنّك إذا قلت في الدار حدث الأمر، فجعلته في موضع الحال كان كذلك، وحكم «كيف» «6» أن يكون متعلقا بمحذوف، كما أنّك إذا قلت في الدار وقع زيد، تقديره: وقع زيد مستقرا في هذه الحال، فإن جعلته ظرفا للفعل تعلق بكان الذي بمعنى الحدوث.
__________
(1) في ط: تعالى.
(2) السبعة ص 483 - 484.
(3) سقطت من ط.
(4) كذا في ط وسقطت من م.
(5) كذا في م وسقطت من ط.
(6) في ط: على أن.

(5/396)


وقوله: (إنا دمرناهم) [النمل/ 51] فيمن كسر استئناف، وهو تفسير للعاقبة، كما أنّ قوله: لهم مغفرة وأجر عظيم [المائدة/ 9] تفسير للوعد، فكذلك قوله: (إنّا دمّرناهم) تفسير.
ومن قرأ: أنا دمرناهم جاز أن يكون (كان) على ضربيها، فإذا حملتها على وقع كان (كيف) في موضع حال، وجاز في قوله: (إنّا دمّرناهم) أمران، أحدهما: أن يكون بدلا من قوله: عاقبة مكرهم، وجاز أن يكون محمولا على مبتدأ مضمر، كأنّه: هو أنا دمرناهم أو ذاك أنّا دمّرناهم، فإذا حملتها على المقتضية للخبر جاز في قوله: (إنّا دمّرناهم) أيضا أمران: أن «1» يكون بدلا من اسم (كان) الذي هو (العاقبة)، فإذا حملته على ذلك كان (كيف) في موضع خبر كان.
والآخر: أن يكون خبر (كان)، ويكون موضعه نصبا، بأنّه خبر كأنّه: كان عاقبة مكرهم تدميرهم، ويكون كيف في موضع حال، ويجوز أن يكون العامل في كيف أحد شيئين:
أحدهما: أن يكون (كان) لأنّه فعل كما كان العامل في الظرف في قوله سبحانه «2»: أكان للناس عجبا أن أوحينا [يونس/ 2] كان. ألا ترى أنّه لا يجوز أن يتصل قوله للناس بواحد من المصدرين، إلّا أن تجعله صفة لعجب، فتقدمه، فيصير في موضع حال، والعامل فيه على هذا أيضا كان. ويجوز أن يكون العامل فيه ما في الكلام من الدلالة على الفعل، لأنّ قوله: (إنّا دمّرناهم) بمنزلة تدميرنا، وتدميرنا يدلّ على دمرناهم فيصير العامل فيه هذا المعنى الذي دلّ عليه ما في
__________
(1) سقطت من م.
(2) سقطت من ط.

(5/397)


الكلام من معنى الفعل. وزعموا أن في حرف أبيّ: (أن دمرناهم وقومهم) [النمل/ 51] فهذا يقوي الفتح في أنا.

[النمل: 55]
ابن كثير: (أينكم لتأتون) [النمل/ 55] بهمزة واحدة غير ممدودة، وبعدها ياء ساكنة، وكذلك روى ورش عن نافع، وقد ذكرته في الأعراف وغيرها. وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي:
أئنكم بهمزتين. وقرأ نافع وأبو عمرو [في غير قراءة ورش] (آينكم) بهمزة واحدة ممدودة «1».
قال أبو علي: أبو عمرو «2» يريد أإنكم ثم يلين الهمزة الأخيرة فتصير [بين بين] «3»، وقد ذكرنا ذلك «4» فيما تقدم.

[النمل: 57]
قال: وقرأ عاصم في رواية أبي بكر: (قدرناها) [النمل/ 57] خفيفة. وقرأ الباقون: قدرناها مشددة وكذلك روى حفص عن عاصم بالتشديد «5».
وقد ذكرنا فيما تقدّم أنّ قدرنا في معنى قدّرنا «6». ويدلّ على ذلك قوله «7»:
__________
(1) السبعة ص 484.
(2) كذا في ط وسقطت من م.
(3) في ط: بين الياء والهمزة.
(4) في ط: ما في هذا.
(5) السبعة ص 484.
(6) بل فيما سيأتي في سورة الواقعة/ 60.
(7) صدر بيت لأبي ذؤيب الهذلي، عجزه:
فخرت كما تتايع الرّيح بالقفل وهو من قصيدة في «شرح أشعار الهذليين» 1/ 93. قوله: المفرهة: التامّة التي تجيء بأولاد فواره. والعنس: الصلبة الشديدة، تتايع: تمضي وتتابع.

(5/398)


ومفرهة عنس قدرت لساقها [ومثله للأعشى:
يهماء طامسة رفعت لعرضها ... طرفي لأقدر بينها أميالها
«1» قالوا: معناه لأقدّر] «2».

[النمل: 62]
اختلفوا في الياء والتاء، من قوله جلّ وعزّ: قليلا ما تذكرون [النمل/ 62].
فقرأ أبو عمرو وحده: (قليلا ما يذكرون) [النمل/ 62] بالياء، وقرأ الباقون بالتاء، وروى عبيد عن أبي عمرو بالتاء. وروى هشام بن عمار عن ابن عامر بالياء مثل أبي عمرو، وروى ابن ذكوان عن ابن عامر بالتاء، ورأيت في كتاب موسى بن موسى عن ابن ذكوان [عن ابن عامر] بالياء «3».
[قال أبو علي] «4»: (قليلا ما يذكرون) [النمل/ 62]، أي ما يذّكر هؤلاء المشركون الذين يجعلون مع الله آلهة أخرى، أو إلها آخر، ووجه الخطاب والتاء، أنّ الخطاب مصروف إليهم دون المسلمين، كأنّه: قل لهم يا محمد: قليلا ما تذكرون [النمل/ 62].

[النمل: 66]
اختلفوا في قوله جلّ وعزّ: بل أدارك علمهم [النمل/ 66]،
__________
قدرت: هيّأت، لرجلها، أي: ضربت رجلها بسيفي فخرّت لما عرقبتها، كما تطير الريح باليبيس من الشجر. والقفل: ما جف من ورق الشجر.
(1) انظر ديوانه/ 27 واليهماء: الصحراء ليس فيها علم يهتدي به السالك.
(2) ما بين المعقوفتين ورد في ط وسقط من م.
(3) السبعة ص 484 وما بين معقوفين زيادة منه.
(4) سقطت من ط.

(5/399)


فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: (بل أدرك) [خفيفة بغير ألف]، وقرأ الباقون: بل أدارك [بالألف ممدودة. روى] المفضل عن عاصم:
(بل أدرك) مثل أبي عمرو غير أحمد، وروى الأعشى عن أبي بكر عن عاصم بل ادرك على افتعل «1».
قال أبو علي: يعلم قد «2» يصل بالجار كقوله: ألم يعلم بأن الله يرى [العلق/ 14] وقولهم: علمي بزيد يوم الجمعة، ويمكن أن يكون منه قول ابن مقبل «3»:
وعلمي بأسدام المياه ...
ومعنى أدرك: بلغ ولحق، تقول: فلان أدرك الجيش إذا لحق بهم «4» وقد تقول: هذا ما أدركه علمي أي: بلغه، فالمعنى: أنّهم لم يدركوا علم الآخرة، أي لم يعلموا حدوثها وكونها، ودلّ على ذلك قوله تعالى: بل هم في شك منها، بل هم منها عمون [النمل/ 66] أي:
بل هم من علمها، وإذا كان كذلك، كان معنى قوله سبحانه «5» في الآخرة معنى الباء، أي: لم يدركوا علمها، ولم ينظروا في حقيقتها، فيدركوها ولهذا قرأ من قرأ: (بل أدرك) كأنّه أراد لم يدركوه، كما تقول: أجئتني أمس أي: لم تجىء. والمعنى: لم يدرك علمهم
__________
(1) السبعة ص 485 وما بين معقوفين زيادة منه.
(2) في ط: فعل بدل قد.
(3) قطعة من بيت سبق بتمامه مع قرين له في 3/ 313. والأسدام: المياه المتغيرة لقلّة الوارد، واحدها: سدم، يريد: مياه الفلوات (طرة سيبويه 1/ 467).
(4) في ط: فلان أدرك الحسن إذا لحق أيّامه.
(5) سقطت من ط.

(5/400)


بحدوث الآخرة، بل هم في شكّ من حدوثها، بل هم عن علمها عمون.
والعمي عن علم الشيء أبعد منه من الشاكّ فيه، لأنّ الشّكّ قد يعرض عن ضرب من النظر، والعمي عن الشيء الذي لم يدرك منه شيئا.
أمّا من قال: ادارك فإنّه أراد: تدارك، فأدغم التاء في الدال لمقاربتها لها، وكونها من حيّزها، فلمّا سكنت التاء للإدغام اجتلبت لها همزة الوصل كما اجتلبت في نحو ادّان «1» وفي التنزيل: حتى إذا اداركوا فيها جميعا [الأعراف/ 38]، كأن معناه «2»: تلاحقوا قال «3»:
تداركتما الأحلاف قد ثلّ عرشها وما رواه الأعشى عن أبي بكر عن عاصم: بل ادرك فمعناه افتعل من أدركت، وافتعل، وتفاعل: قد يجيئان بمعنى، يعنى بأحدهما ما يعنى بالآخر، ومن ثمّ صحّ قولهم: ازدوجوا، وإن كان حرف العلة على صورة يجب فيها الانقلاب، ولكنّه صحّ لما كان بمعنى تفاعلوا، وتفاعلوا يلزم تصحيح حرف العلة فيه لسكون الحرف الذي قبل حرف العلة، فصار تصحيح هذا كتصحيح: عور، وحول، لمّا كان في معنى تفاعل، وتفاعل قبل حرف العلة منه ساكن، وإذا كان كذلك
__________
(1) في ط: ادّارأ.
(2) في ط: معناها.
(3) صدر بيت لزهير وعجزه:
وذبيان قد زلّت بأقدامها النّعل ديوانه/ 109 وفي (ط): «تداركتم» بدل «تداركتما».

(5/401)


فادّرك وادّارك بمعنى، كما أن عور واعوار بمعنى، ولو قرئ: حتى إذا ادّاركوا فيها، وادّركوا لكان مثل ما في هذه الآية، وقول الشاعر:
ولولا دراك الشّدّ قاظت حليلتي «1» أي: لولا متابعتي للعدو والنجاء، لأسروني. فدراك مصدر لدارك، كما أنّ القتال مصدر لقاتل.

[النمل: 67]
قال: قرأ ابن كثير وأبو عمرو: (أيذا كنا ترابا وآباؤنا أينا) [النمل/ 67] بهمزة، غير أن ابن كثير لا يمدّ، وأبو عمرو يمدّ، وكان أبو عمرو يأتي بألف بعد الهمزة، ثمّ ياء، وكان ابن كثير لا يأتي بألف بعدها ياء، تقول: (أيذا، أينا، وقرأ عاصم وحمزة: أإذا بهمزتين، أإنا بهمزتين، وقرأ نافع: (إذا كنّا ترابا) مكسورة الألف، (آينا) ممدودة، وقرأ ابن عامر والكسائي: أإذا كنا ترابا بهمزتين، (إنّنا لمخرجون) بنونين وكسر الألف من غير استفهام.
[قال أبو علي] «2»: قد ذكرنا ألفاظ ذلك ومعانيه فيما تقدّم.

[النمل: 70]
قال: وقرأ ابن كثير: في (ضيق) بكسر الضاد. [النمل/ 70].
خلف عن المسيبي عن نافع مثله، وكذلك روى أبو عبيدة «3» عن إسماعيل عنه وهو غلط، وقرأ الباقون ضيق بفتح الضاد «4».
__________
(1) في (ط): «ادارك». والصواب ما أثبتناه من (م) وقاظت: أقامت زمن القيظ.
هذا ولم نعثر لصدر البيت على تتمة، ولم نقف له على قائل. وهو من الطويل.
(2) سقطت من ط.
(3) في السبعة: أبو عبيد.
(4) السبعة ص 485.

(5/402)


قال أبو علي: لا يكون الضيق مثل هين ولين، لأنّك إن حملته على ذلك، أقمت الصفة مقام الموصوف، فلا ينبغي أن تحمل على ذلك، ما أصبت عنه مندوحة، فيحمل ضيق وضيق على أنهما لغتان.

[النمل: 80]
قال: قرأ ابن كثير: (ولا يسمع الصم) [النمل/ 80] رفعا، وفي الروم [الآية/ 52] مثله، وقرأ الباقون: تسمع بالتاء، الصم نصبا في الموضعين.
عباس عن أبي عمرو: (ولا يسمع الصّمّ) مثل ابن كثير «1».
حجّة من قرأ: تسمع أنّه أشبه بما قبله، ألا ترى قوله سبحانه «2»: إنك لا تسمع الموتى [النمل/ 80] فأسند الفعل إلى المخاطبين، فكذلك يسند إليهم في قوله: ولا تسمع الصم ويؤكد ذلك قوله «3»: ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم، ولو أسمعهم لتولوا [الأنفال/ 23]، فيكون المعنى: إنّك لا تسمعهم كما لم يسمعهم الله.
والمعنى: أنّهم لفرط إعراضهم عما يدعون إليه من التوحيد والدين، كالميت الذي لا سبيل إلى إسماعه وإعلامه شيئا، وكالصّمّ الذين لا يسمعون ولا يسمعون. ومن قرأ: (لا يسمع الصّمّ) فالمعنى أنّهم لا ينقادون للحقّ لعنادهم، وفرط ذهابهم عنه، كما لا يسمع الأصم ما يقال له.
ومن قرأ «4»: لا تسمع فالمعنى: إنك إذا أسمعتهم لم يسمعوا، فالمعنى فيه يؤول إلى أن الصمّ لا تسمع.
__________
(1) السبعة ص 486.
(2) سقطت من ط.
(3) في ط: قوله تعالى.
(4) في ط: قال.

(5/403)


[النمل: 81]
قال: قرأ حمزة وحده: (تهدي) [النمل/ 81] بالتاء (العمي) نصبا، وفي الروم [53] مثله، وقرأ الباقون: بهادي العمي مضافا في السورتين. قال أبو بكر: وكتب: (تهدي العمي) «1» في هذه السورة بياء على الوقف، وكتب التي في الروم بغير ياء على الوصل، وقال خلف: كان الكسائي يقف عليهما جميعا بالياء.
حدثنا بذلك محمد بن يحيى الكسائي عن خلف، قال خلف:
سمعت الكسائي يقول: من قرأ: (تهدي العمي) بالتاء، وقف عليهما جميعا بالياء «2».
قال بعض أصحاب أحمد، يعني الكسائي: إن حمزة يقف:
(تهدي)، كما يصل بالياء.
[قال أبو علي] «3»: حجة حمزة قوله: أفأنت تهدي العمي [يونس/ 43] والمعنى على تقدير: إنّك لا تهديهم لشدة عنادهم، وفرط إعراضهم، وإذا كان كذلك كان المعنى: إنّك لا تهدي العمي.
فأمّا أنت من «4» قوله: (وما أنت تهدي العمي) فعلى قول أهل الحجاز، وهي لغة التنزيل يرتفع بما، وتهدي في موضع نصب بأنّه الخبر، وعلى قول بني «5» تميم: يرتفع بمضمر يفسره الظاهر الذي
__________
(1) في ط: بهادي العمي وكذلك هي في السبعة.
(2) السبعة ص 486.
(3) سقطت من ط.
(4) في ط: في.
(5) سقطت من ط.

(5/404)


هو: (تهدي) تقديره إذا أظهرت ذلك المضمر ما تهدي تهدي، لأنّك إذا أظهرت الفعل المضمر اتصل به الضمير، ولم ينفصل كما ينفصل إذا لم تظهر «1».
وكذلك لو أظهرت ما ارتفع عليه أنت: فانظر، اتصل الضمير فصار: انظر انظر.
ومن قرأ: بهادي العمي مضافا في السورتين، فاسم الفاعل للحال، أو للآتي وإذا كان كذلك. كانت الإضافة في نيّة الانفصال، فأمّا كتابة: بهادي العمي في هذه السورة بالياء، فإن في الوقف على هاد وواد، وواق، ونحوه لغتين:
إحداهما وهي الأكثر: أن يقف بغير ياء، فيقول: (بهاد) بالسكون «2»، وذلك أنّه كان في الوصل متحركا بالكسر، فإذا وقفت حذفت الحركة، كما تحذفها من سائر المتحركات في الوقف.
وقوم يقفون بالياء فيقولون: بهادي وواقي، وذلك أنّه كان حذف الياء من هادي لالتقائهما مع التنوين، وهما ساكنان، فلمّا وقف حذف التنوين في الوقف، فلمّا حذف التنوين عادت الياء التي كانت حذفت [لالتقائها ساكنة مع التنوين فيقول: هادي وواقي. ونحوه حكى سيبويه] «3» اللغتين، فعلى هذا حذف الياء في موضع وإثباتها في آخر، على أن تكون كتبت على اللغتين، أو يكون أريد (بهادي) الإضافة، فلم ينوّن، فإذا لم ينوّن لم يلزم أن يحذف الياء، كما يحذف
__________
(1) في (ط): لم يظهر، بالبناء للفاعل، والغائب.
(2) في ط: بسكون الدال.
(3) ما بين المعقوفين سقط من م.

(5/405)


إذا نوّن لسكونها، وسكون الياء «1»، أو يكون: أريد به تهدي تفعل، ولم يرد به اسم الفاعل، وإذا أريد: تفعل ثبتت الياء في الوصل والوقف، ولعل حمزة في قراءته (تهدي). اعتبر ذلك إن كان مكتوبا في الخط بغير ألف، وزعموا أن: (تهدي) قراءة الأعمش.

[النمل: 82]
اختلفوا في كسر الألف وفتحها من قوله جل وعز: تكلمهم أن الناس [النمل/ 82] فقرأ عاصم وحمزة والكسائي: أن الناس فتحا وقرأ الباقون: (إنّ النّاس) كسرا «2».
قال [أبو علي] «3»: وجه الفتح: تكلّمهم بأنّ النّاس. وفي قراءة أبيّ زعموا: (تنبّئهم) وروي عن قتادة: أنّه في بعض الحروف:
(تحدّثهم)، وهذا يدلّ على أنّ تكلمهم من الكلام الّذي هو نطق، وليس من الكلم الّذي هو الجراح «4».
ومن كسر فقال: (إنّ النّاس)، فالمعنى: تكلّمهم تقول لهم: إنّ الناس، وإضمار القول في الكلام كثير، وحسن هذا لأنّ الكلام قول، فكأنّ القول قد ظهر «5».

[النمل: 87]
قال: قرأ حمزة وحفص عن عاصم: وكل أتوه [النمل/ 87] مفتوحة التاء، وقرأ الباقون: (وكلّ آتوه) ممدودة مضمومة التاء، [أبو بكر عن عاصم مثله] «6».
__________
(1) في ط: التنوين.
(2) السبعة ص 486 - 487.
(3) سقطت من ط.
(4) في ط: الجراحة.
(5) في ط: أظهر.
(6) في ط: وكذلك أبو بكر عن عاصم مثل ما قرأ الباقون. وفي السبعة ص

(5/406)


[قال أبو علي] «1»: من قرأ: أتوه كان: فعلوا من الإتيان، وحجّته قوله «2» حتى إذا جاءنا قال يا ليت [الزخرف/ 38]، فكذلك:
(أتوه) «3» فعلوا من الإتيان، وحمل على معنى كلّ، دون لفظه، ولو حمل على لفظ كل «4» لكان حسنا، كما قال سبحانه «5»: إن كل من في السموات والأرض إلا آتى الرحمن عبدا [مريم/ 93].
ومن قرأ: (وكلّ آتوه) فحجّته قوله: وكلهم آتيه يوم القيامة فردا [مريم/ 95] فكما أنّ (آتيه) فاعله «6» حمل على لفظ (كلّ) كذلك آتوه: فاعلوه، فآتوه: محمول على معنى كلّ، وقوله: (آتيه):
(وإن كلّ إلّا آت الرحمن عبدا) محمول ذلك كلّه على لفظ كلّ دون معناه.

[النمل: 88]
اختلفوا في الياء والتاء من قوله جلّ وعز: إنه خبير بما تفعلون [النمل/ 88].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر: (إنّه خبير بما يفعلون) بالياء.
وقرأ نافع وعاصم وحمزة والكسائي: بالتاء.
وروى أبو عبيد عن أهل المدينة بالياء وهو غلط.
__________
487: ممدودة التاء على معنى جاءوه، وفي رواية أبي بكر عن عاصم كذلك مثل الباقين.
(1) سقطت من ط.
(2) سقطت من ط.
(3) في (م): (آتوه)، والوجه ما في (ط) والآية التي قبلها: (وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون) [الزخرف/ 37].
(4) في ط: على اللفظ لفظ كل.
(5) سقطت من ط.
(6) في م: فاعليه.

(5/407)


وحدثني عبيد الله بن علي [الهاشمي] «1» عن نصر بن علي عن أبيه عن أبان عن عاصم بالياء «2».
قال أبو علي «3»: حجة «4» من قال: (يفعلون) بالياء: أنّ ذكر الغيبة قد تقدّم في قوله: (وكل آتوه داخرين) [النمل/ 87].
وحجّة التاء أنّه خطاب للكافّة «5»، وقد يدخل الغيب في الخطاب، ولا يدخل الخطاب في الغيبة.

[النمل: 89]
قال: قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر: (وهم من فزع يومئذ) [النمل/ 89] مضافا، واختلف عن نافع في الميم، فروى ابن جمّاز وقالون وأبو بكر بن أبي أويس، والمسيبي، وورش عنه: (من فزع يومئذ) غير منون بفتح «6» الميم.
وروى عنه إسماعيل بن جعفر: (من فزع يومئذ) بكسر الميم.
وقرأ عاصم وحمزة والكسائي: من فزع يومئذ بفتح الميم والتنوين، لا يجوز مع التنوين إلا فتح الميم، فإذا لم تنوّن فزعا جاز فيه الفتح والكسر «7».
__________
(1) زيادة من السبعة.
(2) السبعة ص 487.
(3) سقطت من ط
(4) كذا في ط وسقطت من م.
(5) في (م): للكافر، وهو تحريف.
(6) في ط: ويفتح.
(7) السبعة ص 487

(5/408)


[قال أبو علي] «1»: يجوز فيمن نوّن قوله سبحانه «2»: من فزع في انتصاب يوم ثلاثة أضرب:
أحدها: أن يكون منتصبا بالمصدر، كأنّه: وهم من «3» أن يفزعوا يومئذ.
والآخر: أن يكون صفة لفزع «4» لأن أسماء الأحداث توصف بأسماء الزمان، كما يخبر عنها بها، وفيه ذكر للموصوف وتقديره في هذا الوجه أن يتعلق بمحذوف: كأنّه من فزع يحدث يومئذ.
والثالث: أن يتعلق باسم الفاعل كأنّه: آمنون يومئذ من فزع.
ويجوز إذا نون فزعا أن يعني به: فزعا واحدا، ويجوز أن يعني به كثرة، لأنّه مصدر، والمصادر تدلّ على الكثرة، وإن كانت مفردة الألفاظ كقوله سبحانه «5»: إن أنكر الأصوات لصوت الحمير [لقمان/ 19]، وكذلك إذا أضيف، فقيل «6»: (من فزع يومئذ)، أو يومئذ أن «7» يعنى به مفرد، ويجوز أن «8» يعنى به كثرة.
__________
(1) سقطت من ط.
(2) سقطت من ط.
(3) زيادة من ط.
(4) في م: ليوم، بدل: لفزع، والمعنى المشروح ينطبق على الفزع لأنّه هو المعبّر عنه بالحدث لا اليوم.
(5) سقطت من ط.
(6) في ط: أضاف فقال.
(7) في ط: يجوز أن.
(8) في ط: أن يكون.

(5/409)


فأمّا القول في إعراب يوم، وبنائه إذا أضيف إلى (إذ) فقد ذكر فيما تقدّم.

[النمل: 93]
قال: قرأ نافع وعاصم في رواية حفص وابن عامر: وما ربك بغافل عما تعملون بالتاء [النمل/ 93].
وفي كتابي عن أحمد بن يوسف عن ابن ذكوان: (وما ربّك بغافل عمّا يعملون) بالياء، ورأيت في كتاب موسى بن موسى عن ابن ذكوان، عن ابن عامر تعملون بالتاء.
وقرأ الباقون بالياء «1».
[قال أبو علي] «2» حجّة الياء أنّه وعيد للمشركين، وحجّة التاء أنّه على: قل لهم: وما ربك بغافل عما تعملون.
__________
(1) السبعة ص 488 وهناك اختلاف يسير في ترتيب الرواة لا يغير في المؤدى
(2) سقطت من ط.

(5/410)