الحجة للقراء السبعة

 [بسم الله] «1»

ذكر اختلافهم في سورة العنكبوت
[العنكبوت: 19]
اختلفوا في الياء والتاء من قوله تعالى: أولم يروا كيف يبدىء الله الخلق ثم يعيده [19].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر بالياء، وقرأ حمزة والكسائي (تروا) بالتاء، واختلف عن عاصم، فروى يحيى عن أبي بكر عن عاصم وابن أبي أمية عن أبي بكر عن عاصم بالتاء، ورويا في النحل [48] بالياء. وروى الكسائي والأعشى عن أبي بكر وحفص عن عاصم بالياء- حدثني موسى بن إسحاق عن هارون عن حسين عن أبي بكر عن عاصم مثله بالياء «2».
قال أبو علي: حجّة الياء أن الذي قبلها غيبة، وإن تكذبوا فقد كذب أمم من قبلكم ... أولم يروا [العنكبوت/ 18، 19]، وحجّة التاء:
قل لهم: (أو لم تروا كيف).
__________
(1) سقطت من ط.
(2) انظر السبعة ص 498

(5/426)


ولا ينبه المسلمون على علم الابتداء والبعث والإعادة بعد الموت، لأنّهم قد علموا ذلك وتيقّنوه، ولا يدلّ قوله سبحانه: قل سيروا في الأرض [العنكبوت/ 20] على اختيار التاء، لأنّ ذكر الأمم التي كذبت وكفرت قد تقدّم، فحمل الكلام عليه، والخطاب جاء بعد ذلك.

[العنكبوت: 20]
اختلفوا في المدّ والقصر من قوله سبحانه: ثم الله ينشئ النشأة الآخرة [العنكبوت/ 20]، فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: (النّشاءة) ممدودة في كلّ القرآن، وقرأ الباقون بالقصر «1».
قال أبو زيد: نشأت أنشأ نشأ، ونشأت السّحابة [نشاء، ولم يذكر النشأة] «2» وهو في القياس كالرأفة والرآفة، والكأبة، والكآبة، وحكى أبو عبيدة النشأة ولم يذكر الممدود «3»، ونشأ هو الفعل الذي لا يتعدّى، وإذا عدّيته نقلته بالهمزة، كقوله تعالى «4»: كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين [الأنعام/ 133] وأنشأنا بعدها قوما آخرين «5» [الأنبياء/ 11] والقياس: أن يجوز النقل بتضعيف العين.

[العنكبوت: 25]
اختلفوا في الإضافة التنوين من قوله جلّ وعزّ «6»: (مودة بينكم) [العنكبوت/ 25] فقرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي (مودّة بينكم) [بالرفع والإضافة، وروى أبو زيد عن أبي عمرو: (مودّة
__________
(1) السبعة ص 498.
(2) في ط: نشأة ولم يذكر النشاءة.
(3) في ط: الممدودة وانظر مجاز القرآن 2/ 115.
(4) سقطت من ط.
(5) سقطت من ط.
(6) في ط: تعالى.

(5/427)


بينكم)] «1» و (مودة بينكم) «2» جميعا، وروى علي بن نصر عن أبي عمرو (مودّة) مضافا، وقرأ نافع وابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر: (مودّة بينكم)، المفضل عن عاصم: (مودّة بينكم) مثل أبي عمرو.
الأعشى عن أبي بكر عن عاصم: (مودّة) رفع «3» منون (بينكم) نصبا.
وقرأ حمزة والكسائي «4» وعاصم في رواية حفص: مودة بينكم بنصب «5» مودة مع الإضافة «6».
قال أبو علي: يجوز فيمن قال: (مودّة بينكم) أن يجعل (ما) اسم (إن)، ويضمر له ذكرا يعود إلى (ما) كما جاء قوله: واتخذتموه وراءكم ظهريا [هود/ 92]. فيكون التقدير: إنّ الذين اتخذتموهم من دون الله أوثانا، مودة بينكم، فيصير (مودة بينكم) خبر إن وتجعل المودة: ما اتخذوا على الاتساع، أو تحذف المضاف تقديره: إنّ الّذين اتّخذتموهم أوثانا ذوو مودة بينكم، فيكون دخول (أنّ) على (ما) لأنّه بمنزلة الذي، كقوله سبحانه «7»: أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين [المؤمنون/ 55] لعود الذكر، ويجوز أن يضمر هو،
__________
(1) ما بين المعقوفين سقط من ط.
(2) في (م): (مودّة بينكم).
(3) سقطت من ط.
(4) سقطت م ط.
(5) في ط: نصب.
(6) السبعة ص 498 - 499 مع اختلاف يسير.
(7) سقطت من ط.

(5/428)


ويجعل (مودة بينكم) خبرا عنه، والجملة في موضع خبر إنّ.
ومن قرأ: (مودّة بينكم) ومودة بينكم «1» بالنصب، جعل (ما) مع (إنّ) كافّة، ولم يعد إليها ذكرا كما أعاد في الوجه الأول، ولكن جعل الأوثان منتصبة باتّخذتم، وعدّاه أبو عمرو إلى مفعول واحد، كقوله سبحانه: قل اتخذتم عند الله عهدا [البقرة/ 80]، والمعني: إنّما اتّخذتم من دون الله أوثانا آلهة، فحذف، كما أنّ قوله: إن الذين اتخذوا
العجل سينالهم
[الأعراف/ 152]، معناه: اتخذوا العجل إلها، فحذف. وانتصب (مودة بينكم) على أنه مفعول له، أي اتخذتم الأوثان للمودة و (بينكم) نصب على الظرف، والعامل فيه المودة.
ومن قال: (مودّة بينكم) أضاف المودة إلى البين، واتّسع في أن جعل الظرف اسما لمّا أضاف إليه، ومثل ذلك قراءة من قرأ: لقد تقطع بينكم [الأنعام/ 94] ومثله في الشعر «2»:
أتته بمجلوم كأنّ جبينه ... صلاءة ورس وسطها قد تفلقا
ومن قال: (مودّة بينكم) جاز في قوله: (بينكم) إذا نوّنت (مودّة) ضربان: أحدهما: أن يجعله ظرفا متعلقا بالمصدر، والآخر أن يجعله صفة له، فإذا جعلته ظرفا متعلقا بالمصدر، والآخر أن يجعله صفة له، فإذا جعلته ظرفا للمصدر لم يمتنع أن يكون قوله: في الحياة الدنيا أيضا متعلقا بالمصدر، لأنّ الظرفين أحدهما من المكان، والآخر من الزمان، وإنّما الذي يمتنع أن تعلق به ظرفين من المكان أو ظرفين من
__________
(1) سقطت (مودة بينكم) من (م).
(2) للفرزدق سبق في 1/ 39، 250، 252.

(5/429)


الزمان، فأمّا إذا اختلفا، فسائغ، [فقوله سبحانه] «1» في الحياة الدنيا [العنكبوت/ 25] ظرف زمان، لأنّ المعنى: في وقت الحياة الدنيا، ولا ذكر في واحد من الظرفين، كما أنّك إذا قلت: لقيت زيدا اليوم في السوق، كان كذلك، وإذا جعلت الظرف الأوّل صفة للنكرة كان متعلقا بمحذوف، وصار فيه ذكر يعود إلى الموصوف.
وإذا جعلته وصفا للمصدر جاز أن يكون قوله: في الحياة الدنيا في موضع حال، والعامل فيه الظرف الذي هو صفة للنكرة، وفيه ذكر يعود إلى ذي الحال، وذو الحال: هو الضمير الذي في الظرف يعود إلى الموصوف الذي هو (مودّة)، وهو هي في المعنى.
فإن قلت: هل يجوز أن يتعلق الظرف الذي قد جاز أن يكون حالا «2» في المودّة مع أنّه قد وصف بقوله بينكم.
قيل: لا يمتنع ذلك، لأنّك إذا وصفته فمعنى الفعل قائم فيه، والظّرف متعلق بمعنى الفعل، وإنّما الذي يمتنع أن يعمل فيه إذا وصف المفعول به، فأمّا الحال والظرف، فلا يمتنع أن يتعلق كل واحد منهما به، وإن كان قد وصف.
وقد جاء في الشعر ما لا يعمل عمل الفعل إذا وصف عاملا في المفعول به، فإذا جاز عمله في المفعول به فلا نظر في جواز عمله فيما ذكرنا من الظرف والحال، فمن ذلك قوله «3»:
__________
(1) في ط: فقولك.
(2) في الأصل م «ظرفا» بعد قوله: حالا وليس في «ط».
(3) ذكره اللسان في مادة/ فقد/ ولم ينسبه.

(5/430)


إذا فاقد خطباء فرخين رجّعت ... ذكرت سليمى في الخليط المباين
والتّحقير في ذلك بمنزلة الوصف، لو قلت: هذا ضويرب زيدا، لقبح كما يقبح ذلك في الصّفة، ولم يجيء ذلك في حال السّعة والاختيار.

[العنكبوت: 29، 28]
وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وحفص عن عاصم: ولوطا إذ قال لقومه إنكم لتأتون الفاحشة [العنكبوت/ 28]، (أينكم) [العنكبوت/ 29]. وكان ابن كثير يستفهم بغير مدّ، يلفظ بياء بعد الألف، [وروي عن نافع المدّ، وروي] «1» عنه مثل قراءة ابن كثير.
وكان ابن عامر يهمز همزتين في «2» أإنكم، وقال ابن ذكوان عنه بهمزتين والاستفهام، فكأنّ «3» قراءته: (أإنّكم) يمدّ «4» بين الهمزتين، وإنّما قلت ذلك، لأنّ أبا العباس أحمد بن محمد بن بكر أخبرني عن هشام بن عمّار بإسناده عن ابن عامر: (أإذا) في وزن: عاعذا.
حفص عن عاصم في الأوّل «5» مثل نافع الثاني بهمزتين.
وقرأ أبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائي
__________
وجاءت نسبته في المقرب لابن عصفور 1/ 124 إلى بشر بن أبي خازم وليس في ديوانه (ت: الدكتور عزّة حسن).
والفاقد من النساء: التي يموت زوجها أو ولدها.
(1) في ط: وكان نافع يروى عنه المدّ ويروى.
(2) كذا في ط بزيادة (في) وسقطت من م، وهي في السبعة.
(3) في م: واستفهام وكأن. والمثبت من ط والسبعة.
(4) في م: بمدّة والمثبت من ط والسبعة.
(5) في ط: الأولى.

(5/431)


بالاستفهام فيهما غير أنّ أبا عمرو لا يهمز همزتين، وهؤلاء يهمزون همزتين «1».
[قد تقدم ذكر القول في ذلك] «2».

[العنكبوت: 33، 32]
وقرأ ابن كثير وعاصم في رواية أبي بكر: لننجينه [العنكبوت/ 32] مشددة، و (إنا منجوك) [العنكبوت/ 33] ساكنة النون خفيفة.
وقرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر وحفص عن عاصم بتشديد الحرفين، وقرأ حمزة والكسائي بتخفيف الحرفين.
أبو زيد عن أبي عمرو: (لننجينّه) ساكنة النون الثانية «3».
[قال أبو علي] «4»: حجّة من قال: (إنّا منجوك) بالتخفيف:
قوله سبحانه «5»: فأنجاه الله من النار [العنكبوت/ 24].
وحجّة من ثقّل قوله «6»: ونجينا الذين آمنوا [فصّلت/ 18]، يقال: نجا زيد، قال:
نجا سالم والروح منه بشدقه «7»
__________
(1) السبعة ص 499 - 500.
(2) ما بين معقوفين ساقط من (م)
(3) السبعة ص 500.
(4) سقطت من ط.
(5) سقطت من ط.
(6) في ط: قوله تعالى.
(7) هذا صدر بيت لحذيفة بن أنس الهذلي عجزه:
ولم ينج إلا جفن سيف ومئزرا وقد سبق في 3/ 322 وروايته ثم، وهنا في ط: والنفس منه.

(5/432)


ونجّيته، وأنجيته مثل: فرّحته وأفرحته، ويقوّي التشديد قوله تعالى «1»: إلا آل لوط نجيناهم بسحر [القمر/ 34]، وفي قصة لوط في موضع آخر فنجيناه.

[العنكبوت: 34]
وقرأ ابن عامر وحده «2»: (إنا منزلون) [العنكبوت/ 34] بالتشديد «3»، وقرأ الباقون: إنا منزلون بإسكان النون.
الكسائي عن أبي بكر عن عاصم (إنا منزّلون) مشددا، وكذلك روى الأعشى عن أبي بكر «4».
قال [أبو علي: قال سبحانه] «5»: نزل به الروح الأمين [الشعراء/ 193] فإذا عدّيته نقلته بالهمزة أو بتضعيف العين، كما أنّ نجا زيد، كذلك، تقول: نجّيته، وأنجيته، قال: وأنزل لكم من الأنعام [الزمر/ 6] فأنزلنا على الذين ظلموا [البقرة/ 59]، وأكثر ما في القرآن من التنزيل دلالة على تقدم تضعيف العين.

[العنكبوت: 42]
وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وحمزة والكسائي: (إن الله يعلم ما تدعون) [العنكبوت/ 42] بالتاء.
وقرأ أبو عمرو وعاصم في رواية «6» يحيى عن أبي بكر يدعون بالياء.
الأعشى عن أبي بكر والكسائي وحسين الجعفي عن أبي بكر
__________
(1) سقطت من ط.
(2) كذا في ط وسقطت من م.
(3) كذا في ط وسقطت من م.
(4) السبعة 500.
(5) ما بين المعقوفتين ساقط من ط.
(6) (يحيى عن) زيادة من ط موجودة في السبعة.

(5/433)


عن عاصم: (ما تدعون) بالتاء، حفص عن عاصم: ما يدعون بالياء «1».
[قال أبو علي] «2» حجّة الياء: أن الذي تقدمه غيبة مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء ... لو كانوا يعلمون [العنكبوت/ 41]، إن الله يعلم ما يدعون [العنكبوت/ 42] والتاء على: قل لهم:
(إنّ الله يعلم ما تدعون)، لا يكون إلّا على هذا، لأنّ المسلمين لا يخاطبون بذلك، و (ما) استفهام موضعه نصب بتدعون، ولا يجوز أن تكون نصبا بيعلم، ولكن صار الجملة التي هي منها في موضع نصب بيعلم، والتقدير: إنّ الله يعلم: أوثنا تدعون من دونه أو غيره؟ أي: لا يخفى ذلك عليه، فيؤاخذكم على كفركم، ويعاقبكم عليه.
ولا يكون: يعلم بمعنى يعرف، كقوله تعالى «3»: ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت [البقرة/ 65]، لأنّ ذلك لا يلغى، وما لا يلغى، لا يعلّق، ويبعد ذلك دخول من في الكلام، وهي إنّما تدخل في نحو قولك: هل من طعام؟ وهل من رجل؟ ولا تدخل في الإيجاب، وهذا قول الخليل، وكذلك قال «4»: فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار [الأنعام/ 135]، المعنى: فسوف يعلمون:
المسلم تكون له عاقبة الدار أم الكافر؟ وكلّ ما كان من هذا، فهكذا «5» القول فيه، وهو قياس قول الخليل.
__________
(1) السبعة ص 501 مع اختلاف يسير في العبارة.
(2) سقطت من ط.
(3) سقطت من ط.
(4) في ط: قوله.
(5) في م: فهذا.

(5/434)


[العنكبوت: 50]
اختلفوا في الجمع والتوحيد من قوله تعالى: (وقالوا لولا أنزل عليه آية من ربه) [العنكبوت/ 50].
فقرأ [نافع و] أبو عمرو وابن عامر وحفص عن عاصم آيات من ربه جماعة.
علي بن نصر عن أبي عمرو: (آية) «1» واحدة.
وقرأ ابن كثير وعاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائي (آية) على التوحيد «2».
[قال أبو علي] «3»: حجّة الإفراد قوله: فليأتنا بآية كما أرسل الأولون [الأنبياء/ 5]، وقالوا لولا نزل عليه آية من ربه، قل إن الله قادر على أن ينزل آية [الأنعام/ 37] وحجّة الجمع أن في حرف أبي زعموا: (لولا يأتينا بآيات من ربه) [طه/ 133] قل إنما الآيات [الأنعام/ 109]، وقد تقع (آية) على لفظ الواحد ويراد بها كثرة، كما جاء: وجعلنا ابن مريم وأمه آية [المؤمنون/ 50]، وليس في قوله:
قل إنما الآيات عند الله [الأنعام/ 109] دلالة على ترجيح من قرأ:
آيات من ربه [العنكبوت/ 50]، لأنّهم لمّا اقترحوا (آية) قيل لهم «4»: الآيات عند الله، والمعنى: الآية التي اقترحوها، وآيات أخر لم يقترحوها، فقد ثبت مما تلوناه «5» أنّهم اقترحوا آية.
__________
(1) ما بين معقوفين سقط من م وهو في ط والسبعة وفي النص تقديم وتأخير بين م وط والمؤدّى واحد.
(2) سقطت من ط.
(3) السبعة ص 501.
(4) كذا في ط وسقطت من م.
(5) في ط: تلونا.

(5/435)


[العنكبوت: 55]
اختلفوا في الياء والنون من قوله تعالى: ويقول ذوقوا [العنكبوت/ 55]. فقرأ ابن كثير، وأبو عمرو وابن عامر (ونقول) بالنون، وقرأ نافع وعاصم وحمزة والكسائي: ويقول بالياء «1».
[قال أبو علي] «2»: يقول ذوقوا أي «3»: يقول المؤكّل بعذابهم:
ذوقوا، كقوله: والملائكة باسطوا أيديهم. أخرجوا أنفسكم [الأنعام/ 93]، أي: يقولون لهم: [أخرجوا أنفسكم] «4»، ومن قال:
(ونقول)، فلأنّ ذلك لمّا كان بأمره سبحانه، جاز أن ينسب إليه، وجوازه على هذا المعنى، لأنّ الله سبحانه: لا يكلمهم ومعنى:
ذوقوا ما كنتم تعملون أي: جزاءه، وقيل: ذوقوا لوصول ذلك إلى المعذّب كوصول «5» الذوق إلى الذائق.
قال:
دونك ما جنيته فاحس وذق «6» ويجوز في «7» ويقول ذوقوا، أن يكون القول للموكّلين بالعذاب دون المعذبين كقوله جلّ وعزّ «8»: ونقول ذوقوا عذاب الحريق [آل عمران/ 181] ونحو ذلك من الآي.
__________
(1) السبعة ص 501.
(2) سقط من ط.
(3) كذا في ط وسقطت من م.
(4) في ط: ذوقوا.
(5) في م: لوصول.
(6) لم نعثر عليه وفي م: جنيت بدل جنيته.
(7) سقطت من م.
(8) سقطت من ط.

(5/436)


[العنكبوت: 57]
اختلفوا في سكون «1» الياء وتحريكها من قوله سبحانه «2»: يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة [العنكبوت/ 56].
فقرأ ابن كثير ونافع وعاصم وابن عامر: يا عبادي الذين، وفي الزّمر: يا عبادي الذين أسرفوا [53] بنصب الياء فيهما، وفي الزخرف: (يا عبادي لا خوف عليكم) [68]، ويأتي في موضعه إن شاء الله، وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي: (يا عبادي) بوقف الياء في الحرفين.
ابن عامر وحده: (أرضي واسعة) بفتح الياء وأسكنها الباقون «3».
[قال أبو علي] «4»: التحريك والإسكان [في هذه الياءات] «5» حسنان.
قرأ عاصم في رواية يحيى عن أبي بكر وابن أبي أمية عن أبي بكر عن عاصم: (ثم إلينا يرجعون) [العنكبوت/ 57] بالياء، وقرأ «6» الباقون وحفص عن عاصم بالتاء «7».
قال أبو علي: أمّا (يرجعون)، فلأنّ الذي قبله على لفظ الغيبة،
__________
(1) في ط: جزم.
(2) في ط: تعالى.
(3) السبعة ص 501 - 502.
(4) سقطت في ط.
(5) ما بين المعقوفتين ساقط من م.
(6) سقطت من م.
(7) السبعة ص 502.

(5/437)


وهو قوله: (كل نفس ذائقة الموت، ثم إلينا يرجعون) [العنكبوت/ 57]، وجاء على لفظ الجمع لأنّ كلّا جمع في المعنى، وإن كان مفردا في اللّفظ.
وترجعون بالتاء على الرجوع من الغيبة إلى الخطاب كقوله:
إياك نعبد [الفاتحة/ 4] بعد قوله: الحمد لله [الفاتحة/ 1].

[العنكبوت: 58]
اختلفوا في قوله سبحانه: لنبوئنهم [العنكبوت/ 58] في الباء والثاء، فقرأ حمزة والكسائي: (لنثوينّهم) بالثاء، وقرأ الباقون:
لنبوئنهم بالباء «1».
قال أبو زيد: بوّأنا فلانا منزلا تبويئا، فما حكى أبو زيد. حجّة لمن قرأ لنبوئنهم من الجنة غرفا [العنكبوت/ 58]، وقال: ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق [يونس/ 93]، وقال: وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت [الحج/ 26] فيجوز أن تكون اللّام زائدة كزيادتها في ردف لكم [النمل/ 72] ويجوز أن يكون (بوّأنا) لدعاء إبراهيم وهو قوله: ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع ...
فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم [إبراهيم/ 37]، ويكون المفعول محذوفا على هذا، كأنّه: وإذ بوّأ بالدّعاء إبراهيم ناسا مكان البيت، كقوله تعالى «2»: بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق [يونس/ 93]، وقال: نتبوأ من الجنة حيث نشاء [الزمر/ 74] فعلى هذا قوله سبحانه «3»: لنبوئنهم من الجنة غرفا [العنكبوت/ 58]، فأما من قرأ:
(لنثوينّهم) فقد قال: وما كنت ثاويا في أهل مدين [القصص/ 45]
__________
(1) السبعة ص 504.
(2) سقطت من ط.
(3) سقطت من ط.

(5/438)


ففسره أبو عبيدة: وما كنت مقيما نازلا فيهم، قال: والثويّ: الضيف، وأنشد للعجاج «1»:
فبات حيث يدخل الثويّ وقال الأعشى «2»:
أثوى وقصّر ليلة ليزوّدا «3» وقال حسّان «4»:
ثوى في قريش بضع عشرة حجة فكان «5» هذا كقوله: أقام فيهم ونزل فيهم، فإذا تعدّى بحرف جرّ، أو زيدت «6» عليه الهمزة وجب أن يتعدّى إلى المفعول الثاني، وليس في الآية حرف جرّ.
__________
(1) من أرجوزة للعجّاج وقبله:
وبيعة لسورها عليّ والبيعة: موضع تعبّد للنصارى، ديوانه 1/ 511.
(2) صدر بيت وعجزه:
فمضت وأخلف من قتيلة موعدا أثوى: بمعنى: أقام. ديوانه/ 227.
(3) انتهى نقله عن مجاز القرآن 2/ 107 لأبي عبيدة.
(4) في ديوانه: 1/ 94.
ثوى بمكة بضع عشرة حجّة يذكّر لو يلقى خليلا مؤاتيا من قصيدة يمدح بها الرسول عليه الصلاة والسلام. وما في الحجة أصح وزنا.
(5) في (م) وكأن.
(6) في ط: فزيدت.

(5/439)


قال أبو الحسن: قرأ الأعمش: (لنثوينّهم من الجنّة غرفا) قال: ولا يعجبني، لأنك لا تقول: أثويته الدّار.
قال أبو علي: هذا الذي رآه أبو الحسن يدلّ على أن ثوى ليس بمتعدّ، وكذلك تفسير أبي عبيدة: أنّه النازل فيهم، ووجهه أنّه كان في الأصل: لنثوينّهم من الجنّة في غرف، كما تقول: لننزلنّهم من الجنّة في غرف، وحذف الجار كما حذف من قوله «1»:
أمرتك الخير فافعل ما أمرت به ويقول ذلك أن الغرف وإن كانت أماكن مختصة، فقد أجريت المختصّة من هذه الظروف مجرى غير المختصّة نحو قوله «2»:
كما عسل الطريق الثعلب ونحو: ذهبت الشام، عند سيبويه، ويقوّي الوجه الأوّل، قوله سبحانه «3»: نتبوأ من الجنة حيث نشاء [الزمر/ 74].

[العنكبوت: 66]
اختلفوا في كسر اللام وإسكانها من قوله تعالى: وليتمتعوا [العنكبوت/ 66]، فقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي: (ليتمتّعوا) بجزم
__________
(1) صدر بيت لعمرو بن معد يكرب وعجزه:
فقد تركتك ذا مال وذا نشب وهو الشاهد 523 من شرح أبيات المغني 5/ 299 وقد استوفي تخريجه هناك، والنشب: المال الثابت، وأراد به الإبل خاصة.
(2) عجز بيت لساعدة بن جؤية وصدره:
لدن بهزّ الكف يعسل متنه وفي رواية «لذّ» أي تلذ الكف بهزه- ويعسل: يضطرب- كما عسل الطريق. أي: في الطريق. وقد استوفي تخريجه في شرح أبيات المغني انظر 1/ 9 إلى 12.
(3) سقطت من ط.

(5/440)


اللام، وقرأ أبو عمرو وعاصم وابن عامر بكسر اللام، وليتمتعوا أبو زيد عن أبي عمرو (وليتمتّعوا) ساكنة اللام.
واختلف عن نافع، فروى المسيبي، وقالون وإسماعيل بن أبي أويس، (وليتمتعوا) على الوعيد، وكذلك أبو بكر بن أبي أويس ساكنة اللام.
وقال ابن جمّاز وإسماعيل بن جعفر وورش عن نافع وليتمتعوا على معنى كي «1».
[قال أبو علي] «2»: من كسر اللّام وجعلها الجارّة، كانت متعلقة بالإشراك، كأنّ المعنى: يشركون ليكفروا، أي لا عائدة «3» لهم في الإشراك إلّا الكفر «4»، فليس يردّ عليهم الشرك نفعا، إلّا التمتّع «5» بما يستمتعون به في العاجلة من غير نصيب في الآخرة. ومن قرأ:
(وليتمتّعوا) أراد الأمر على معنى التهديد والوعيد، كقوله: واستفزز من استطعت [الإسراء/ 64]، واعملوا ما شئتم [فصّلت/ 40] ونحو ذلك من الأوامر التي في معناها «6»، ويدلّ على جواز الأمر هاهنا، قوله في الأخرى: ليكفروا بما آتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون [النحل/ 55، الروم/ 34].
والإسكان في لام الأمر سائغ نحو: ثم ليقضوا تفثهم [الحج/ 29].
__________
(1) السبعة ص 503.
(2) سقطت من ط.
(3) في ط: لا فائدة.
(4) في ط: الكفر.
(5) في ط: إلّا الكفر والتمتع.
(6) كذا في ط وفي م معناه.

(5/441)