الحجة للقراء السبعة

 [بسم الله] «1»

ذكر اختلافهم في سورة الرّوم
[الروم: 10]
اختلفوا في قوله جلّ وعزّ «2»: (ثم كان عاقبة الذين) [الروم/ 10] في الرفع والنصب.
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: (ثمّ كان عاقبة الّذين) رفعا، وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: ثم كان عاقبة الذين نصبا، وروى الكسائي وحسين الجعفي عن أبي بكر عن عاصم (عاقبة) رفعا «3».
قال أبو علي: قوله سبحانه «4»: (ثم كان عاقبة الذين أسائوا السوأى أن كذبوا) [الروم/ 10] من نصب عاقبة جعله خبر كان ونصبه متقدما، كما قال: وكان حقا علينا نصر المؤمنين [الروم/ 47]، فأمّا اسمها على هذه القراءة، فيجوز أن يكون أحد شيئين: أحدهما:
__________
(1) سقطت من ط.
(2) في ط: تعالى.
(3) السبعة ص 506.
(4) سقطت من ط.

(5/442)


السوأى التقدير: ثم كان السّوأى عاقبة الذين أسائوا، ويكون في «1» قوله: أن كذبوا مفعولا له، تقديره: ثمّ كان السّوأى عاقبة الذين أسائوا لأن كذّبوا، ولا يجوز أن تكون أن كذبوا متعلقا بقوله:
أساؤوا على هذا، لأنك تفصل بين الصلة والموصول، ألا ترى أنّ:
أساؤوا في صلة الذين، والسوأى الخبر، فلو جعلت أن كذبوا في صلة أساؤوا لفصلت بين الصلة والموصول بخبر كان. والشيء الآخر الذي يجوز أن يكون اسم كان إذا نصبت العاقبة أن كذّبوا، المعنى: ثم كان التكذيب عاقبة الذين أسائوا، ويكون السوأى على هذا مصدرا لأساءوا، لأنّ فعلى من أبنية المصادر، كالرّجعى، والشورى، والبشرى، وكذلك تكون السوأى مصدرا.
وممّا يدلّ أنّ السوء والسوأى بمعنى ما أنشده أبو عمر «2»:
أنّى جزوا عامرا سوءا بفعلهم ... أم كيف يجزونني السّوأى من الحسن
ومن رفع العاقبة فقال: (ثم كان عاقبة الذين أسائوا) جاز أن يكون الخبر شيئين: السوأى وأن كذبوا، كما جاز فيمن نصب العاقبة أن يكون كلّ واحد منهما الاسم، ومعنى الذين أسائوا: الذين أشركوا. التقدير: ثم كان عاقبة المسيء التكذيب بآيات الله، أي لم يظفر من «3» شركه وكفره بشيء إلّا بالتّكذيب، بآيات الله، فإذا جعلت «أن كذّبوا» نفس الخبر، جعلت السوأى في موضع نصب، بأنّه
__________
(1) سقطت من م.
(2) من قصيدة لأفنون التغلبي. وهو الشاهد 56 من شواهد شرح أبيات المغني 1/ 240 وما بعدها. وقد استوفينا تخريجه هناك.
(3) في ط: في.

(5/443)


مصدر، وقد يجوز أن تكون السوأى صفة لموصوف محذوف كأنّه:
الخلّة السوأى، أو الخلال السّوأى.
حفص عن عاصم: لآيات للعالمين [الروم/ 22] مكسورة اللام جمع عالم، وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم بفتح «1» اللام.
[قال أبو علي] «2»: خصّ العالمين على رواية حفص، وإن كانت الآية لكافّة الناس عالمهم وجاهلهم، لأنّ العالم لمّا تدبّر، فاستدلّ بما شاهد على ما لم يستدل عليه غيره، صار كأنّه ليس بآية لغير العالم، لذهابه عنها وتركه الاعتبار بها. ومن قال: (للعالمين) فلأنّ ذلك في الحقيقة دلالة وموضع اعتبار، وإن ترك تاركون [لغفلتهم ولجهلهم] «3» التدبّر لها والاستدلال منها.

[الروم: 11]
اختلفوا في الياء والتاء من قوله جلّ وعزّ: ثم إليه ترجعون فقرأ أبو عمرو، وعاصم في رواية أبي بكر: (ثم إليه يرجعون) بالياء [الروم/ 11] وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وحمزة والكسائي، وحفص عن عاصم ترجعون بالتاء.
عباس «4» عن أبي عمرو: ترجعون بالتاء «5».
[قال أبو علي] «6»: حجّة الياء أن المتقدّم ذكره غيبة يبدأ الخلق ثم يعيده ثم إليه يرجعون [الروم/ 11]
__________
(1) في ط: بنصب وهي كذلك في السبعة.
(2) سقطت من ط.
(3) في ط: لموضع غفلتهم أو لجعلهم.
(4) في السبعة عياش.
(5) السبعة ص 506.
(6) سقطت من ط.

(5/444)


والخلق هم المخلوقون في المعنى، وجاء قوله يعيده على لفظ الخلق، وقوله: (يرجعون) على المعنى، ولم يرجع على لفظ الواحد كما كان يعيده كذلك. ووجه التاء أنّه صار الكلام من الغيبة إلى الخطاب، ونظيره: الحمد لله [الفاتحة/ 1]، إياك نعبد [الفاتحة/ 4].

[الروم: 19]
وقرأ حمزة والكسائي: (وكذلك تخرجون) [الروم/ 19] بفتح التاء وقرأ الباقون «1»: وكذلك تخرجون بضم التاء «2».
[قال أبو علي] «3» حجّة تخرجون: يخرجون من الأجداث [القمر/ 7، المعارج/ 43]. وقوله تعالى: إلى ربهم ينسلون [يس/ 51].
وحجّة تخرجون: من بعثنا من مرقدنا هذا [يس/ 51] وقوله:
كذلك نخرج الموتى [الأعراف/ 57] وقوله: وإليه تقلبون [العنكبوت/ 21].

[الروم: 28]
عباس عن أبي عمرو (كذلك يفصل الآيات) [الروم/ 28] بالياء، وقرأ الباقون بالنون «4».
[قال أبو علي] «5»: وجه الياء ما تقدّم من لفظ الغيبة من قوله:
ضرب لكم مثلا من أنفسكم [الروم/ 28]، ووجه النون ما تقدّم من
__________
(1) في ط: وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر، كما في السبعة.
(2) السبعة ص 506.
(3) سقطت من ط.
(4) السبعة ص 507.
(5) سقطت من ط.

(5/445)


قوله سبحانه «1»: فيما رزقناكم [الروم/ 38] كذلك نفصل الآيات.
وذكر بعض أصحاب أحمد أنّ المشهور من قراءة أبي عمرو كذلك نفصل وهو الوجه لأنّ قوله فيما رزقناكم متأخر عن قوله: ضرب لكم مثلا من أنفسكم [الروم/ 28].

[الروم: 39]
قال: كلّهم قرأ: وما آتيتم من ربا [الروم/ 39] ممدودا غير ابن كثير فإنه قرأ: (أتيتم) قصرا. ولم يختلفوا في مدّ وما آتيتم من زكاة [الروم/ 39] «2».
قال أبو عليّ: معنى وما آتيتم من ربا: ما آتيتم من هدية أهديتموها لتعوّضوا ما هو أكثر منها وتكافئوا أزيد منها فلا يربو عند الله، لأنكم قصدتم إلى زيادة العوض، ولم تبتغوا في ذلك وجه الله.
ومثل هذا في المعنى قوله سبحانه «3»: ولا تمنن تستكثر [المدّثر/ 6] فمن مدّ آتيتم، فلأن المعنى: أعطيتم من قوله: فآتاهم الله ثواب الدنيا [آل عمران/ 148] أي: أعطاهم. وأمّا قصر ابن كثير فإنّه يؤول في المعنى إلى قول من مدّ، إلّا أنّ (آتيتم) على لفظ: جئتم، كما تقول: جئت زيدا، فكأنّه ما جئتم من ربا، ومجيئهم لذلك إنّما هو على وجه الإعطاء له، كما تقول: أتيت الخطأ، وأتيت الصواب، وأتيت قبيحا، وقال الشاعر:
أتيت الّذي يأتي السّفيه لغرّتي ... إلى أن علا وخط من الشّيب مفرقي
«4»
__________
(1) سقطت من ط.
(2) السبعة ص 507.
(3) سقطت من ط.
(4) البيت في اللسان (وخط) وقد وخطه الشيب وخطأ ووخضه بمعنى واحد أي:

(5/446)


فإتيانه الّذي يأتي السفيه إنّما هو فعل منه له، قال: ولم يختلفوا في مدّ وما آتيتم من زكاة [الروم/ 39] فهذا كقوله: وإيتاء الزكاة [الأنبياء/ 73]، وإن كان لو قال: أتيت الزكاة لجاز أن يعني به فعلتها، ولكنّ الذي جاء منه في التنزيل. وسائر الكلام: الإيتاء.

[الروم: 39]
قال: وكلّهم قرأ: ليربوا في أموال الناس [الروم/ 39] غير نافع، فإنّه قرأ (لتربو) بالتاء، ساكنة الواو «1».
قال [أبو علي] «2»: فاعل ليربو، الربا المذكور في قوله: وما آتيتم من ربا وقدّر المضاف وحذف كأنّه اجتلاب «3» أموال الناس، واجتذابها ونحو ذلك، وكأنّه سمّي هذا المدفوع على وجه اجتلاب الزيادة ربا لما كان الغرض فيه الاستزادة على ما أعطى، فسمّي باسم الزيادة، والربا: هو الزيادة، وبذلك سمّي المحرّم المتوعّد عليه «4» فاعله ربا لزيادة ما يأخذ على ما أعطى، والمدفوع ليس في الحقيقة ربا، إنّما المحرّم الزيادة التي يأخذها زائدا على ما أعطى فسمّي الجميع ربا، وكذلك ما أعطاه الواهب والمهدي لاستجلاب الزيادة سمي ربا، لمكان الزيادة المقصودة في المكافأة، فوجه ليربو في أموال الناس ليربو ما آتيتم فلا يربو عند الله، لأنّه لم يقصد به وجه البرّ والقربة، إنّما قصد به اجتلاب الزيادة، ولو قصد به وجه الله لكان كقوله: وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون
__________
خالطه. ورواية (م): «إلى أن بدا» بدل «علا».
(1) السبعة ص 507.
(2) سقطت من ط.
(3) في ط: في اجتلاب.
(4) كذا في ط: وسقطت من م.

(5/447)


[الروم/ 39] أي صرتم ذوي أضعاف من الثواب على ما أتوا من الزكاة تعطون بالحسنة عشرة كما قال تعالى: من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها [الأنعام/ 160] وقول نافع (لتربو) أي لتصيروا ذوي زيادة فيما أتيتم من أموال الناس، أي: تستدعونها وتجتلبونها، وكأنّه من أربى أي: صار ذا زيادة، مثل: أقطف، وأجرب.

[الروم: 48]
قال: كلّهم قرأ «1»: ويجعله كسفا [الروم/ 48] مفتوحة السين غير ابن عامر فإنه قرأ: (كسفا) ساكنة السين «2».
[قال أبو علي] «3»: الكسف القطع، الواحدة كسفة، مثل:
سدرة وسدر، ومن قرأ (كسفا) أمكن أن يجعله مثل سدرة وسدر، فيكون معنى القراءتين واحدا وقوله بعد: فترى الودق يخرج من خلاله [الروم/ 43] يجوز أن يعود الضمير إلى الكسف فذكّر، كما جاء من الشجر الأخضر [يس/ 80] ويجوز أن يعود إلى السحاب.
ومن قال: كسفا رجع الضمير إلى السحاب على قوله لا غير.

[الروم: 50]
اختلفوا في الجمع والتوحيد من قوله تعالى «4»: (فانظر إلى أثر رحمة الله) [الروم/ 50] فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر: (إلى أثر) على واحدة. وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم: إلى آثار رحمة الله جماعة «5».
قال أبو علي: الإفراد في (أثر) لأنّه مضاف إلى مفرد، وجاز
__________
(1) في ط: يقرأ.
(2) السبعة ص 508.
(3) سقطت من ط.
(4) في ط: عزّ وجلّ.
(5) السبعة ص 508.

(5/448)


الجمع لأنّ رحمة الله، يجوز أن يراد به الكثرة كما قال سبحانه «1»:
وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها [النحل/ 18] فأمّا قوله: كيف يحيي الأرض [الروم/ 50] فيجوز أن يكون فاعله الأثر، ويجوز أن يكون فاعله: الضمير الذي يعود إلى اسم الله «2»، وأن يكون الفاعل: الذكر العائد إلى اسم الله تعالى «3» أولى، لقوله: أن الله يحيي الأرض بعد موتها [الحديد/ 17] ولنحيي به بلدة ميتا [الفرقان/ 49] ونحو هذا من الآي.
ومن ردّ الذكر الذي في يحيي إلى الأثر لزمه إذا قال: إلى آثار رحمة الله أن يقول: (تحيي) بالتاء، إذا جعل الفعل للآثار.

[الروم: 52]
قال: كلّهم قرأ: ولا تسمع الصم [الروم/ 52]، نصبا «4» غير ابن كثير فإنّه قرأ: (ولا يسمع الصمّ) رفعا، عباس عن أبي عمرو مثل ابن كثير «5».
قال أبو علي: هذا مثل ضربه الله للكافر، والمعنى: كما أنّك لا تسمع الميت لبعد «6» استماعه وامتناع ذلك منه، كذلك لا تسمع الكفّار، والمعنى: أنّه لا ينتفع بما يسمعه لأنّه لا يعيد، ولا يعمل به، ويبعد عنه، فإذا كان كذلك فمعنى: ولا تسمع ولا يسمع يتقاربان، لأنّ المعنى: إنّك لا تسمع الكافر ما تأتيه من حكمة وموعظة كما لا تسمع الأصمّ المدبر عنك، إلّا أنّ لا تسمع أحسن ليكون مشاكلا لما قبله في
__________
(1) سقطت من ط.
(2) في ط: اسم الله عزّ وجلّ.
(3) سقطت من ط.
(4) سقطت من ط.
(5) السبعة ص 508.
(6) في ط: لتعذر.

(5/449)


إسناد الفعل إليك أيها المخاطب، وحكم المعطوف أن يكون مشاكلا [لما عطف عليه] «1».

[الروم: 54]
اختلفوا في ضمّ الضّاد وفتحها من قوله جلّ وعزّ «2»: (الله الذي خلقكم من ضعف) [الروم/ 54] فقرأ عاصم وحمزة من ضعف بفتح الضاد فيهنّ كلّهنّ. وقرأ الباقون: (من ضعف) في كلهنّ بضم الضاد، وقرأ حفص عن نفسه (ضعف) بضم الضاد «3».
قال [أبو علي] «4»: هما لغتان ومثله: الفقر والفقر،
وروي عن ابن عمر أنّه قال: قرأت على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم «5»: من ضعف، فقال: (من ضعف).
والمعنى: خلقكم من ضعف أي من ماء ذي ضعف كما قال: ألم نخلقكم من ماء مهين [المرسلات/ 20].

[الروم: 57]
اختلفوا في الياء والتاء من قوله عزّ وجلّ: فيومئذ لا ينفع [الروم/ 57]. فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: (لا تنفع) بالتاء هاهنا، وفي المؤمن [52] أيضا. وقرأ نافع وابن عامر: هاهنا بالتاء وفي المؤمن بالياء.
وقرأ عاصم وحمزة والكسائي بالياء فيهما.
[قال أبو علي] «6»: التأنيث حسن لأنّ المعذرة اسم مؤنث. فأمّا التذكير فلأنّ التأنيث ليس بحقيقي، وقد وقع الفصل بين الفاعل
__________
(1) في ط: للمعطوف عليه.
(2) سقطت من ط.
(3) السبعة ص 508.
(4) سقطت من ط.
(5) سقطت «وسلم» من ط.
(6) سقطت من ط.

(5/450)


وفعله، والفصل يحسّن التذكير، وقد قال «1» فيما لم يقع فيه الفصل فمن جاءه موعظة من ربه [البقرة/ 275] فإذا انضمّ الفصل إلى أنّ التأنيث ليس بحقيقي قوي التذكير.

[الروم: 41]
قرأ «2» ابن كثير وحده: (لنذيقهم بعض الذي عملوا) [الروم/ 41] بالنون، وكذلك قرأت على قنبل ولم يتابعه أحد في هذه الرواية.
عبيد بن عقيل ومحمد بن صالح والبزّي عن شبل عن ابن كثير:
ليذيقهم بالياء. وكذلك قال الخزاعي عن ابن فليح ورأيته لا يعرف النون.
وقرأ الباقون: ليذيقهم بالياء «3».
قال أبو علي: الجار يتعلق بقوله: ظهر الفساد في البر والبحر [الروم/ 41] المعنى ظهر الجذب في البرّ والبحر، والبحر: الريف.
وقال بعض المفسّرين: هذا قبل أن يبعث النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم.
امتلأت الأرض ظلما وضلالة، فلمّا بعث الله النبيّ «4» صلّى الله عليه وآله وسلّم رجع راجعون «5»، والقحط يدلّ عليه قوله تعالى: ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع، ونقص من الأموال والأنفس والثمرات [البقرة/ 155] وقوله: ليذيقهم، فيه ضمير اسم الله «6»، وهو في المعنى مثل (لنذيقهم).
__________
(1) في ط: جاء.
(2) سقطت من ط.
(3) السبعة 507.
(4) في ط: نبيّه.
(5) أي: رجع راجعون من الناس. انظر الطبري 21/ 49.
(6) في ط: الله عزّ وجلّ.

(5/451)