الحجة للقراء السبعة

 [بسم الله] «1»

ذكر اختلافهم في سورة لقمان
[لقمان: 3]
اختلفوا في النّصب والرفع من قوله تعالى «2»: هدى ورحمة للمحسنين [3].
[فقرأ حمزة وحده] «3»: (هدى ورحمة) رفعا، وقرأ الباقون:
هدى ورحمة نصبا «4».
[قال أبو علي] «5»: وجه النصب، أنّه انتصب عن الاسم المبهم، وهو من كلام واحد، والرّفع على إضمار المبتدأ وهو: هو هدى ورحمة.

[لقمان: 6]
اختلفوا في الرفع والنصب من قوله تعالى «6»: (ويتخذها هزوا)
__________
(1) سقطت من ط.
(2) في ط: عزّ وجلّ.
(3) في م حمزة والكسائي، والصواب من ط والسبعة.
(4) السبعة ص 512.
(5) سقطت من ط.
(6) في ط: عزّ وجلّ.

(5/452)


[لقمان/ 6] فقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم ويتخذها هزوا نصبا، وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم: (ويتّخذها) رفعا «1».
[قال أبو علي] «2»: من رفع (يتخذها) جعله عطفا على الفعل الأوّل من: يشتري، ويتّخذ، ومن نصب عطفه على ليضل ويتخذها، فأمّا الضمير في قوله: ويتخذها فقيل: إنّه يجوز أن يكون للحديث، لأنّه بمعنى الأحاديث، وقيل: إنّه يجوز أن يكون للسّبيل، والسبيل يؤنث، قال [الله تعالى] «3»: قل هذه سبيلي [يوسف/ 108]، وقيل. إنّه يجوز أن يكون الضمير في قوله: (ويتّخذها) يعود إلى آيات الله. وقد جرى ذكرها في قوله تعالى «4»: تلك آيات الله [البقرة/ 252] والفعلان المرفوع والمنصوب جميعا في الصّلة.
حدّثنا أحمد بن محمد البصري، قال: حدّثنا المؤمّل قال:
حدّثنا إسماعيل عن ليث عن مجاهد ومن الناس من يشتري لهو الحديث [لقمان/ 6] قال: سماع الغناء.

[لقمان: 13]
وقرأ ابن كثير (يا بني لا تشرك بالله) [لقمان/ 13] بوقف الياء، و (يا بنيّ إنّها) مكسورة الياء، ويا بني أقم الصلاة [لقمان/ 17] بنصب «5» الياء هذه رواية ابن أبي بزّة. وأمّا قنبل فأقرأني الأولى والثالثة بوقف الياء وكسر الياء في الوسطى.
وروى حفص عن عاصم الثلاثة بفتح الياء فيهنّ. أبو بكر عن عاصم
__________
(1) السبعة ص 512.
(2) سقطت من ط.
(3) سقطت من ط.
(4) سقطت من ط.
(5) في ط: نصب.

(5/453)


بكسر الياء في الثالثة، وكذلك قرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي. المفضّل عن عاصم: يا بني نصب في الثلاثة المواضع «1».
[قال أبو علي] «2»: من قال «3» (يا بنيّ) فأسكن في الوصل فإنّه يجوز أن يكون على قول من قال: يا غلام أقبل فلمّا وقف قال يا غلام، فأسكن الحرف للوقف، ويكون قد «4» أجرى الوصل مجرى الوقف، وهذا يجيء في الشعر كقول عمران:
قد كنت عندك حولا لا يروّعني ... فيه روائع من إنس ولا جان
«5» فإنّما خفّف جان للقافية ثم وصل بحرف الإطلاق، وأجرى الوصل مجرى الوقف وهذا لا نعلمه «6» جاء في الكلام، ومن قال: (يا بني إنها) [لقمان/ 16] فهو على قولك: يا غلام أقبل، وهذا حسن لأنّ المستحسن في هذه الياء أن تحذف من «7» المنادى لوقوعها موقع التنوين، وكونها بمنزلته، والتنوين يحذف في النداء فكذلك هذه الياء تحذف فيه.
ومن قال: يا بني ففتح الياء، فإنّه على قولك يا بنيّا فأبدل من ياء الإضافة ألفا، ومن الكسرة فتحة وعلى هذا حمل أبو عثمان قول من
__________
(1) السبعة ص 512 - 513.
(2) سقطت من ط.
(3) في ط: قرأ.
(4) سقطت من م.
(5) سبق في هود/ 42 ج 4/ 336.
(6) في ط: لا نعلم.
(7) في ط: في.

(5/454)


قال: (يا أبت لم تعبد) [مريم/ 42] ويرى إبدال الألف من الياء مطّردا [في هذه الياءات] «1» وقد تقدم ذكر ذلك فيما سلف من هذا الكتاب.

[لقمان: 18]
اختلفوا في إثبات الألف وإسقاطها من قوله عزّ وجلّ: ولا تصعر خدك للناس [لقمان/ 18] فقرأ ابن كثير وعاصم وابن عامر:
ولا تصعر بغير ألف.
وقرأ الباقون: (تصاعر) بألف «2».
[قال أبو علي] «3»: يشبه أن يكون: (ولا تصعر)، (ولا تصاعر) بمعنى كما قال سيبويه في: ضعّف وضاعف. وقال أبو الحسن: لا تصاعر: لغة أهل الحجاز، ولا تصعّر: لغة بني تميم. والمعنى فيه: لا تتكبر على الناس ولا تعرض عنهم تكبرا عليهم. قال أبو عبيدة: وأصل هذا من الصّعر الذي يأخذ الإبل في رءوسها وأعناقها.
قال أبو علي: فكأنّه يقول لا تعرض عنهم، ولا تزور كازورار الذي به هذا الدّاء الذي [يكون منه في عنقه] «4»، ويعرض بوجهه، ومثل ذلك قوله «5»:
يهدي إليّ حياة ثاني الجيد

[لقمان: 16]
وقرأ نافع وحده: (إنها إن تك مثقال حبة) [لقمان/ 16] رفعا، ونصب الباقون اللام «6».
__________
(1) في ط: في هذا الباب.
(2) السبعة ص 513.
(3) سقطت من ط.
(4) في ط: يلوي منه عنقه.
(5) لم نظفر له على تتمة أو قائل.
(6) السبعة 513.

(5/455)


[قال أبو علي] «1»: من نصب فقال: إن تك مثقال حبة فاسم كان ينبغي أن تكون: المظلمة، المعنى: إن تك المظلمة أو السيئة مثقال حبة من خردل أتى الله بها، وأثاب عليها، أو عاقب، إن لم يكن قد كفر، أو أحبط. ومن قال: إنّها إن تك مثقال حبة، فألحق علامة التأنيث الفعل، والفاعل مثقال المذكّر، فلأنّ المثقال هو السيئة أو الحسنة «2» فأنّث على المعنى كما قال: فله عشر أمثالها [الأنعام/ 160] فأنث وإن كان الأمثال مذكّرا، لأنّه يراد به الحسنات، فحمل على المعنى، فكذلك المثقال. فإن قلت: فما وجه قوله سبحانه «3»: فتكن في صخرة [لقمان/ 16]؟
وإذا كانت في صخرة فلا يخلو من أن تكون في الأرض، وإذا حصل بكونه «4» في صخرة كائنة في الأرض أغنى: «أو في الأرض» عن قوله: «فتكن في صخرة». قيل: إنّ هذا النحو من التأكيد والتكرير لا ينكر، وعلى هذا قوله تعالى «5»: اقرأ باسم ربك الذي خلق [العلق/ 1] ثم قال: خلق الإنسان [العلق/ 2] فكذلك وصفت المظلمة بكونها في صخرة أخفى لها، وأغمض لمكانها ففيه تأكيد وتثبيت أن هذه المظالم لا تخفى عليه سبحانه، ولن يدع أن يثيب أو يعاقب عليها.
__________
(1) سقطت من ط.
(2) كذا في ط وفي م: والحسنة.
(3) سقطت في ط.
(4) في ط: حصلت بكونها.
(5) سقطت في ط.

(5/456)


[لقمان: 20]
اختلفوا في الجمع والتوحيد من قوله تعالى «1»: وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة [لقمان/ 20].
فقرأ نافع وأبو عمرو وحفص عن عاصم نعمه جماعة، وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم: (نعمة) واحدة.
علي بن نصر وعبيد بن عقيل عن أبي عمرو: (نعمة) واحدة، [ونعمه جماعة] «2».
[قال أبو علي] «3»: النعم: جمع نعمة، مثل سدرة وسدر.
فالنعم الكثير، ونعم الله تعالى «4» كثيرة، والمفرد أيضا يدلّ على الكثرة قال [الله تعالى] «5»: وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها [النحل/ 18] فهذا يدلّ على أنّه يراد به الكثرة. فأمّا قوله: ظاهرة وباطنة، فلا ترجيح فيه لإحدى القراءتين على الأخرى، ألا ترى أن النعم توصف بالظاهرة والباطنة، كما توصف النعمة بذلك، وقد جاء في التنزيل:
(الكتاب، والكتب) يراد بالواحد الكثرة، كما يراد بالجمع.

[لقمان: 27]
اختلفوا في رفع الراء ونصبها من قوله جلّ وعزّ: والبحر يمده [لقمان/ 27].
فقرأ ابن كثير ونافع وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي:
والبحر رفعا. وقرأ أبو عمرو وحده (والبحر) نصبا «6».
__________
(1) في ط: عزّ وجلّ.
(2) ما بين المعقوفتين ساقط من ط. وهي في م والسبعة انظر السبعة ص 513.
(3) سقطت من ط.
(4) في ط: عزّ وجلّ.
(5) ما بين المعقوفتين سقط من ط.
(6) السبعة ص 513.

(5/457)


قال أبو زيد أمددت القوم بمال ورجال إمدادا، وأمددت القائد بجند، ونهر كذا يمدّ نهر كذا. قال تعالى «1»: والبحر يمده من بعده سبعة أبحر [لقمان/ 27]. وقلّ ماء ركيّتنا فمدّتها ركيّة أخرى تمدّها «2».
وقال أبو عبيدة: هذا مختصر سبيله كسبيل لو كتب كتاب الله بهذه الأقلام والبحر ما نفد كلام الله «3».
قال أبو عليّ: المراد بذلك والله أعلم: ما في المقدّر «4» دون ما خرج منه إلى الوجود، وقال قتادة: يقول: لو كان شجر الأرض أقلاما، ومع البحر سبعة أبحر، إذا لانكسرت الأقلام، ونفد ماء البحر قبل أن تنفد عجائب الله وحكمته وخلقه وعلمه. فأمّا انتصاب البحر من قوله سبحانه «5»: (والبحر يمده من بعده) فلأنّه معطوف على اسم إنّ وهو ما في الأرض ف (ما) اسم إن وأقلام خبرها التقدير: لو أن شجر الأرض أقلام، والبحر يمدّه من بعده سبعة أبحر، إذا عطفت البحر على اسم إنّ فنصبته كان خبره يمدّه، والراجع إلى البحر الضمير المنصوب [المتصل بيمدّه] «6». ومن رفع فقال: والبحر يمده استأنف كأنّه قال: والبحر هذه حاله فيما قال سيبويه «7»، وإذا نصبت البحر أو رفعته فالمعنى: فكتب ما في تقدير «8» الله لنفد ذلك قبل نفاد
__________
(1) سقطت من ط.
(2) مدّ بمعنى زاد، انظر اللسان/ مدد/.
(3) انظر مجاز القرآن 2/ 128.
(4) في ط: ما في المعدود.
(5) سقطت من ط.
(6) ما بين المعقوفتين في م: المنفصل من يمدّه.
(7) انظر الكتاب 1/ 285.
(8) في ط: مقدور.

(5/458)


المقدور، ونحو هذا من الجمل قد تحذف لدلالة الكلام عليها، كقوله تعالى «1»: وأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق [الشعراء/ 63] والمعنى: فضرب فانفلق، ومثله: فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية [البقرة/ 196]، والمعنى: فحلق فعليه فدية، ومثله: اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم [النمل/ 28].
قالت يا أيها الملأ [النمل/ 29] والمعنى: فذهب فألقى الكتاب فقرأته المرأة أو قرئ عليها فقالت: يا أيّها الملأ، ومثل ذلك فيما «2» يحذف لدلالة الفحوى عليه في غير موضع. وقال بعض أهل النظر:
ليس هذا على الكلام ولكنّ المراد أنّ وجه الحكمة وتأمّل عجيب الصّنعة وإتقانها لا ينفد، وليس المراد الكلام.

[لقمان: 29]
عبّاس عن أبي عمرو (كل يجري إلى أجل مسمى وأن الله بما يعملون خبير) [لقمان/ 29] بالياء «3» لم يأت بها غيره «4».
[قال أبو علي] «5»: الأبين في هذا: التاء وأن الله بما تعملون خبير، فيجازي محسنكم بإحسانه، ومسيئكم بإساءاته.
__________
(1) سقطت من ط.
(2) في ط: مما.
(3) كذا في ط وسقطت من م.
(4) السبعة ص 514.
(5) سقطت من ط.

(5/459)