الحجة للقراء السبعة [بسم الله] «1»
ذكر اختلافهم في سورة السجدة
[السجدة: 7]
اختلفوا في تحريك اللّام وسكونها من قوله تعالى «2»: كل شيء
خلقه [7] فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر: (خلقه) ساكنة
اللّام. وقرأ الباقون: (خلقه) بتحريك اللّام «3».
[قال أبو علي] «4»: (خلقه) «5» منتصب على أنّه مصدر دلّ عليه
ما تقدّم من قوله سبحانه «5»: (أحسن كل شيء) [السجدة/ 7] فأمّا
الضّمير الذي أضيف خلق إليه فلا يخلو من أن يكون ضمير اسم الله
تعالى، أو يكون كناية عن المفعول، فالذي يدلّ عليه نظائره أنّ
الضّمير
__________
(1) سقطت من ط.
(2) في ط: عزّ وجلّ.
(3) السبعة ص 516.
(4) سقطت من ط.
(5) ضبطت في الأصلين (خلقه) بفتح اللام هنا، وفي أكثر من موضع
سترد فيه، وهو ضبط بخلاف المراد. وقد ضبطناها بما يتوافق مع
المقصود من تسكين أو فتح.
(5/460)
لاسم الله «1»، لأنّه مصدر لم يسند الفعل
المنتصب عنه إلى فاعل ظاهر. وما كان من هذا النحو أضيف المصدر
فيه إلى الفاعل نحو صنع الله [النحل/ 88] ووعد الله [النساء/
122] وكتاب الله عليكم [النساء/ 24] فكما أضيفت هذه المصادر
إلى الفاعل، فكذلك يكون (خلقه) «2» مضافا إلى ضمير الفاعل لأنّ
قوله: (أحسن كلّ شيء)، يدلّ على خلق كلّ شيء. فإن قلت: كيف
يدلّ قوله: أحسن كلّ شيء على: خلق كلّ شيء، وقد تجعل «3» أشياء
حسنة ممّا لم يخلقها؟ قيل: هذا كما قال: خالق كل شيء [الأنعام/
102] فأطلق اللّفظ عامّا، فكما جاء هذا على لفظ العموم، كذلك
يدلّ قوله:
أحسن كل شيء على: خلق كلّ شيء، وانتصب «4» (خلقه) عمّا في هذا
اللّفظ من الدّلالة على خلق.
وروي أن عكرمة سئل عن قوله تعالى «5»: (الذي أحسن كل شيء خلقه)
[السجدة/ 7] فقال: أما إنّ است الفرد ليست بحسنة، ولكنّه أبرم
خلقها، أي: أتقن «6». وما تقدم ذكره من انتصاب (خلقه) على
المصدر الذي دلّ فعل متقدّم مذهب سيبويه «7».
ويجوز في قوله: (أحسن كل شيء خلقه) [السجدة/ 7] أن
__________
(1) في ط: الله عزّ وجلّ.
(2) في م: خلقا.
(3) في ط: تجد أشياء.
(4) في م: فانتصب.
(5) سقطت من ط.
(6) انظر القرطبي 14/ 90. والطبري 21/ 94.
(7) انظر الكتاب 1/ 191.
(5/461)
يجعل (خلقه) بدلا من كلّ، فيصير التقدير:
الذي أحسن خلق كلّ شيء.
ومن قال: (كلّ شيء خلقه) كان خلقه «1» وصفّا للنكرة المتقدمة،
وموضع الجملة يحتمل وجهين: إن جعلت الجملة صفة لكلّ شيء كانت
في موضع نصب، وإن جعلتها وصفا «2» لشيء كانت في موضع جرّ، ومثل
وصف النكرة بالجملة هنا قوله: (وهذا كتاب أنزلناه مبارك)
[الأنعام/ 92] فقوله: (أنزلناه) وصف لكتاب وموضع الجملة رفع،
والدليل على ذلك رفع (مبارك) بعده فيعلم بارتفاع المفرد أن
الجملة قبله في موضع رفع.
قال: قرأ ابن عامر (إذا ضللنا في الأرض) مكسورة الهمزة (أإنا)
بهمزتين والاستفهام، وقد بيّن [قبل هذا] «3».
[السجدة: 10]
قال أبو علي: موضع «4» إذا نصب بما دلّ عليه قوله: (إنا لفي
خلق جديد) [السجدة/ 10] وكأنّ «5» هذا الكلام يدلّ على: تعاد
والتقدير: تعاد إذا ضللنا في الأرض، وقد تقدّم ذكر ذلك.
أبو عبيدة: ضللنا في الأرض: همدنا في الأرض «6»، وقال غيره:
صرنا ترابا، فلم يتبين شيء من خلقنا.
__________
(1) خلقه: فعل ماض على هذه القراءة، وموضع الجملة هنا صفة لشيء
فهي في محل جر، أو صفة لكل فهي في موضع نصب.
(2) في ط: صفة.
(3) في ط: هذا قبل. والمثبت موافق للسبعة أيضا. وانظر ما سبق
4/ 43، 45 وص 399 من هذا الجزء.
(4) كذا في ط وسقطت من م.
(5) في ط: وذاك أن.
(6) في مجاز القرآن 2/ 131: مجازه: همدنا فلم يوجد لنا لحم ولا
عظم.
(5/462)
[السجدة: 17]
قرأ حمزة وحده: (ما أخفي لهم) [السجدة/ 17] ساكنة الياء، وقرأ
الباقون: (أخفي لهم) نصبا «1».
قال أبو علي: الذي يقوّي بناء الفعل للمفعول به قوله تعالى
«2»:
(فلهم جنات المأوى) [السجدة/ 19] فأبهم ذلك كما أبهم قوله:
(أخفي لهم) [السجدة/ 17]، ولم يسند إلى الفعل «3» بعينه، ولو
كان (أخفي) كما قرأ حمزة وهي قراءة الأعمش لكان: أعطيهم جنات
المأوى، فيوافق «4» أعطي أخفي في ذكر فاعل الفعل، ويقوّي ذلك
أيضا، قوله تعالى: (كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها
وقيل لهم) [السجدة/ 20] فكما أنّ الفعل في ذلك مبني للمفعول،
ولم يسند إلى فاعل بعينه، فكذلك ينبغي أن يكون ما يعطف عليه من
«5» قوله تعالى «6»: أخفي لهم. ويقوّي قراءة حمزة أخفي «7» أن
أخفي إنّما هو مثل قوله: لآتينا كل نفس [السجدة/ 13] وقوله: حق
القول مني [السجدة/ 13] ويتّصل بالحرف قوله: ومما رزقناهم
ينفقون [السجدة/ 16] فهذا كلّه يقوّي أخفي لأنّ قوله: آتينا
ورزقنا في المعنى مثل لفظ المفرد، فأمّا ما في قوله: ما أخفي
لهم فالأبين فيه أن يكون استفهاما، وهو عندي قياس قول الخليل،
فمن
__________
(1) السبعة ص 516.
(2) سقطت من ط.
(3) في ط: فاعل.
(4) في ط: ليوافق.
(5) في ط: في.
(6) سقطت من ط.
(7) كذا في ط وسقطت من م.
(5/463)
قال: أخفي لهم كان ما عنده مرتفعا
بالابتداء، والذكر الذي في أخفي يعود عليه، والجملة التي هي ما
أخفي لهم في موضع نصب. وتعلم هو الذي يتعدى إلى مفعولين، كما
أن قوله: إن الله يعلم ما تدعون من دونه من شيء [العنكبوت/ 42]
كذلك. ومن قال:
أخفي لهم، فإن (ما) في موضع نصب، بأخفي. والجملة في موضع نصب
بتعلم، كما كان في القول الآخر كذلك، ومثل ذلك قوله:
(فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار) [الأنعام/ 135] وسوف
تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه [هود/ 93] وما أشبه ذلك. يحمل فيه
العلم على التعدى إلى مفعولين و (ما) «1» للاستفهام.
[السجدة: 24]
اختلفوا في فتح اللام وكسرها من قوله تعالى «2»: (لما صبروا)
[السجدة/ 24] فقرأ حمزة والكسائى: (لما صبروا) مكسورة اللام
خفيفة. وقرأ الباقون (لما) بفتح اللام وتشديد الميم «3».
قال أبو علي: أما من قرأ لما فإنه جعله كالمجازاة إلا أن الفعل
المتقدم أغنى عن الجواب، كما أنك إذا قلت: أجيئك إن جئت،
تقديره: إن جئت أجئك، فاستغنيت عن الجواب بالفعل المتقدم على
الجزاء «4» فكذلك المعنى هاهنا: لما صبروا جعلناهم أئمة ومن
قال:
لما صبروا، علق الجار بجعلنا، التقدير: جعلنا منهم أئمة
لصبرهم.
__________
(1) في ط: وما ومن بعده.
(2) في ط: عز وجل.
(3) السبعة ص 516.
(4) في ط: الشرط.
(5/464)
|