الحجة للقراء السبعة

 [بسم الله]

ذكر اختلافهم في سورة سبأ
[سباء: 3]
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم: عالم الغيب [3] كسرا، وقرأ نافع وابن عامر: عالم الغيب رفعا. وقال ابن ذكوان:
قال بعض أصحابنا عن يحيى بن الحارث عن ابن عامر عالم الغيب كسرا. وقرأ حمزة والكسائي: علّام الغيب بالكسر وبلام قبل الألف «1».
قال أبو علي: الجرّ في عالم على اتباعه المجرور الحمد لله [1] عالم الغيب. وأمّا الرفع، فيجوز أن يكون عالم خبر مبتدأ محذوف تقديره: هو عالم الغيب ويجوز في من «2» رفع أن يكون ابتداء وخبره لا يعزب عنه، وعلّام الغيب في اتباعه ما قبله. مثل: عالم الغيب، وعلّام أبلغ وقد قال «3»: يقذف بالحق علام الغيوب [سبأ/ 48]، وقال إنك أنت علام الغيوب [المائدة/ 109 - 116].
__________
(1) السبعة ص 526.
(2) في ط: في عالم فيمن.
(3) في م: يقال.

(6/5)


وحجّة عالم الغيب قوله «1»: عالم الغيب والشهادة [التغابن/ 18] وعالم الغيب فلا يظهر على غيبه احدا [الجن/ 26].

[سباء: 3]
قال: قرأ الكسائي وحده لا يعزب عنه [سبأ/ 3] بكسر الزاي.
وقرأ الباقون: يعزب بضم الزاي «2».
قال أبو علي: يعزب ويعزب لغتان، ومثله يحشر ويحشر، ويعكف ويعكف، ويفسق ويفسق. وهو كثير.

[سباء: 5]
قال قرأ عاصم في رواية حفص من رجز أليم [سبأ/ 5] رفعا، وفي الجاثية [11] مثله.
وكذلك قرأ ابن كثير فيهما، وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم:
رجز أليم كسرا فيهما «3».
قال أبو علي «4»: الرجز: العذاب، بدلالة قوله سبحانه «5»: لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك [الأعراف/ 134] وقال: فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء [البقرة/ 59] وإذا كان الرجز العذاب، جاز أن يوصف بأليم، كما أنّ نفس العذاب قد جاز أن يوصف به في نحو قوله: ولهم عذاب أليم [آل عمران/ 177]، ومثل هذا في أنّ الصّفة تجري على المضاف مرّة، وعلى المضاف إليه
__________
(1) سقطت من ط.
(2) السبعة ص 526.
(3) سقطت من م ومن السبعة انظر ص 526.
(4) سقطت من ط.
(5) سقطت من ط.

(6/6)


أخرى، وقوله تعالى «1»: بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ ومحفوظ [البروج/ 21 - 22] فالجرّ على حمله على اللّوح، والرفع على حمله على القرآن، وإذا كان القرآن في لوح، وكان اللّوح محفوظا، فالقرآن محفوظ أيضا، وكذلك ثياب سندس خضر، وخضر [الإنسان/ 21]. فالرّفع على أن يتبع الثياب، والجرّ على أن يتبع السندس، وإذا كان الثياب سندسا والسندس خضر فالثياب كذلك، ولفظ سندس وإن كان مفردا فهو في المعنى جنس وكثرة، فلذلك جاز أن يوصف بخضر. فكذلك قوله سبحانه «2»: من رجز أليم [سبأ/ 5] والجرّ في أليم أبين، لأنّه إذا كان عذاب من عذاب أليم، كان العذاب الأوّل أليما، وإذا أجريت الأليم على العذاب كان المعنى عذاب أليم من عذاب فالأوّل أكثر فائدة.

[سباء: 9]
اختلفوا في الياء والنون من قوله سبحانه «3»: إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم [سبأ/ 9].
فقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وعاصم وأبو عمرو: نخسف، أو نسقط بالنون، وقرأ حمزة والكسائي: يخسف أو يسقط بالياء، وأدغم الكسائي وحده الفاء في الياء «4».
[قال أبو علي] «5»: حجّة النون قوله ولقد آتينا داود [سبأ/ 10] فالنون أشبه بآتينا، وحجّة الياء قوله: أفترى على الله [سبأ/ 8]
__________
(1) سقطت من ط.
(2) سقطت من ط.
(3) في ط: تعالى.
(4) السبعة ص 527 وفيه: «يشأ يخسف ... أو يسقط» بالياء ثلاثتهنّ ...
(5) سقطت من ط.

(6/7)


فالياء، على الحمل على اسم الله. فأمّا إدغام الكسائي «1» الفاء في الباء في نخسف بهم فإنّ إدغام الفاء في الباء لا يجوز، وإن جاز إدغام التاء في الفاء، وذلك أنّ الفاء من باطن الشفة السّفلى وأطراف الثّنايا العليا، وانحدر الصوت بها إلى الفحم حتّى اتّصلت بمخرج التاء، حتّى جاء مثل: الحدث، والحذف، والمغافير، والمغاثير فتعاقبا على الحرف للمقاربة الّتي بينهما، فلمّا اتّصلت بمخرج الثاء صارت بمنزلة حرف من تلك الحروف، فلم يجز إدغامها في الباء، لأنّه لما اتّصل بما ذكرنا صار بمنزلة حرف من ذلك الموضع، فكما أنّ ذلك الحرف الذي اتّصل الفاء به لا يدغم في الباء، كذلك الفاء لا تدغم في الباء. ومما يبيّن ذلك أنّ الضاد لمّا استطال مخرجها، فتجاوز صوتها مخرج اللّام، وانحدرت من «2» مخرج اللّام حتّى اتّصل الصوت بها بمخرج الطّاء والدّال والتّاء أدغم هذه الحروف في الضاد، وجعلت الضاد لمّا استطالت واتّصل صوتها بمواضع ما ذكرنا أدغم ما ذكرنا من الحروف فيها، فصارت لذلك بمنزلة ما هو من الموضع الّذي اتّصل صوتها به، فأدغمت هذه الحروف في الضّاد، كما يدغم فيما هو من مخرجها، فكذلك الفاء، لمّا «3» اتّصل صوتها بمخرج الثاء، جرت مجرى ما هو من ذلك الموضع، فكما كانت الضّاد كذلك فأدغمت فيها الطّاء والدّال والتاء، وذلك نحو: اضبط ضرمة [وانعت ضّرمة] «4»، وانقد ضّرمة، ولم يجز أن تدغم الضاد في هذه الحروف «5» لما فيها من زيادة
__________
(1) سقطت في م.
(2) في ط: عن.
(3) في ط: إذا.
(4) سقطت من م سهوا من الناسخ.
(5) سقطت من ط. كلمة الحروف.

(6/8)


الصوت، فكذلك لا يجوز أن تدغم الفاء في الباء لزيادة صوتها المتصل بحرف من حروف الفهم ومثل إدغامهم الطّاء والدّال والتّاء في الضّاد، إدغامهم الظاء والذال والتاء فيها أيضا، وهي أخرج من الفم، والحروف الأخر أدخل فيه، ومثل الضّاد في إدغامهم هذه الحروف فيها: الشين: أدغمت هذه الحروف الستة فيها، كما أدغمت في الضاد، فهذه الحروف أدغمت في الضّاد والشين، ولم تدغم الضّاد والشّين فيها، فكذلك الفاء لا تدغم في الباء، وإن كانت الباء قد أدغمت فيها في نحو: اذهب في ذلك.
وكذلك أدغمت الطّاء والدّال والتّاء والظّاء والذّال والثّاء في الصّاد والسّين والزّاي، ولم يدغم شيء منهنّ في الحروف الستة، لما فيهنّ من «1» زيادة الصفير الذي ليس في الحروف الستة، وكذلك لا تدغم الفاء في الباء لزيادة صوتها على صوت الباء. وكذلك الباء أدغمت في الميم نحو اصحب مطرا، ولم تدغم هي في الباء نحو:
اضمم بكرا، لما فيها من زيادة الغنّة التي ليست في الباء.
وكذلك الرّاء لم تدغم في اللام نحو: اختر ليلة، وإن كانت اللّام أدغمت في الراء نحو: اشغل رجبة، فما كان من الحروف يذهب الإدغام منه زيادة صوت فيه من نحو ما ذكرنا، لم يجز إدغامه في مقاربه العاري من تلك الزيادة، وكذلك الفاء مع الباء.

[سباء: 12]
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر، والمفضل عن عاصم ولسليمان الرّيح [سبأ/ 12] رفعا، وفي رواية حفص الريح نصبا، وكذلك قرأ الباقون: الريح نصبا «2».
__________
(1) سقطت من ط.
(2) السبعة ص 527.

(6/9)


[قال أبو علي] «1»: وجه النصب أنّ الرّيح حملت على التّسخير في قوله تعالى «2»: فسخرنا له الريح تجري بأمره [ص/ 36] فكما حملت في هذا على التّسخير، كذلك ينبغي أن تحمل هنا عليه. وممّا يقوّي النّصب قوله: ولسليمان الريح عاصفة [سبأ/ 12] والنصب يحمل على سخّرنا، ووجه الرّفع: أنّ الرّيح إذا سخّرت لسليمان، جاز أن يقال: له الرّيح، على معنى: تسخير الريح، فالرفع على هذا يؤول إلى معنى النصب، لأنّ المصدر المقدّر في تقدير الإضافة إلى المفعول به.

[سباء: 13]
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو: كالجوابي «3» [سبأ/ 13] بياء في الوصل ووقف ابن كثير بياء، أبو عمرو: بغير ياء. وقرأ الباقون:
بغير ياء في وصل ولا وقف «4».
[قال أبو علي] «5»: الجوابي: جمع جابية، وهو الحوض.
والقياس أن تثبت الياء مع الألف واللّام، ووقف ابن كثير بالياء حسن من حيث كان الأصل، والقياس وقف أبي عمرو بغير ياء لأنّها فاصلة أو مشبّهة بالفاصلة «6» من حيث تمّ الكلام، ومن حذف الياء في الوصل
__________
(1) سقطت من ط.
(2) سقطت من ط.
(3) في ط: وقرأ نافع وابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي: (كالجواب). وكذلك هي في السبعة.
(4) السبعة ص 527.
(5) سقطت من ط.
(6) في ط: لها.

(6/10)


والوقف، فلأنّ هذا النحو قد يحذف كثيرا «1»، ويقال: جبا الماء إذا اجتمع «2» وقال الشاعر:
نفى الذّمّ عن آل المحلّق جفنة كجابية الشّيخ العراقيّ تفهق «3»

[سباء: 14]
اختلفوا في همز منسأته [سبأ/ 14] وترك الهمز «4».
فقرأ نافع وأبو عمرو: منساته غير مهموز، وقرأ الباقون منسأته مهموزا «5» مفتوح الهمزة «6».
أبو عبيدة: هي العصا التي ينسأ بها الغنم، وأصلها من نسأت تنسأ بها «7» الغنم أي: تسوقها، وأنشد لطرفة:
وعنس كألواح الإران نسأتها على لاحب كأنّه ظهر برجد «8»
__________
(1) في م (كثير) والصواب من ط.
(2) في ط: إذا جمعه في الحوض.
(3) البيت للأعشى في ديوانه/ 255، وفي شرح أبيات المغني 2/ 278 ضمن قصيدة يمدح بها الأعشى المحلّق، واسمه عبد العزّى من بني عامر بن صعصعة، وقد استوفي تخريجه هناك، كما استوفى البغدادي شرح القصيدة رحمه الله. وأصل الفهق: الامتلاء.
(4) في ط: همزها.
(5) سقطت من ط.
(6) السبعة ص 527.
(7) سقطت من ط.
(8) البيت في ديوانه/ 12. ومعنى برجد: كساء من صوف أحمر، وقيل: كساء غليظ انظر اللسان (برجد). ومعنى الإران: الجنازة، وجمعه أرن. وقيل:

(6/11)


أي: سقتها، والقياس في همز منسأة إذا خفّفت [الهمزة منها] «1» أن تجعل بين بين، إلّا أنّهم خفّفوا همزتها على غير القياس، وكثر التخفيف فيها. وقال سيبويه: تقول: منيسئة في تحقير منسأة، لأنّها من نسأت، فلم يجعل البدل فيها لازما كياء عيد، حيث قالوا في تكسيره أعياد، ويدلّ على أنّه ليس ببدل لازم قولهم في تكسيرها: مناسئ، «2» فيما حكاه سيبويه «3».

[سباء: 15]
اختلفوا في قوله سبحانه: «4» مساكنهم [سبأ/ 15].
فقرأ الكسائي وحده: مسكنهم بغير ألف مكسورة الكاف.
وقرأ عاصم في رواية حفص وحمزة: مسكنهم مفتوحة الكاف. وقرأ الباقون «5»: مساكنهم بألف «6».
قال أبو عليّ: من قال مساكنهم أتى باللّفظ وفقا للمعنى، لأنّ لكلّ ساكن مسكنا فجمع، والمساكن: جمع مسكن، الذي هو اسم للموضع من سكن يسكن. ومن قال: مسكنهم فيشبه أن يكون جعل المسكن مصدرا، وحذف المضاف، والتقدير: في مواضع سكناهم،
__________
- تابوت الموتى وانظر اللّسان (أرن) و (نسأ) وفيه: أمون بدل: وعنس. وانظر مجاز القرآن لأبي عبيدة 2/ 145.
(1) سقطت من م.
(2) كذا في ط، وفي م: مياسئ. وهو تصحيف.
(3) انظر الكتاب 3/ 459 (ت. هارون).
(4) سقطت من ط.
(5) في ط: ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر وكذلك في السبعة، والمؤدّى واحد.
(6) السبعة ص 528.

(6/12)


فلمّا جعل المسكن كالسّكنى والسكون أفرد، كما تفرد المصادر، وهذا أشبه من أن تحمله على نحو:
كلوا في بعض بطنكم «1» و: ..... جلد الجواميس «2» وعلى هذا قوله سبحانه «3»: في مقعد صدق [القمر/ 55] أي:
مواضع قعود، ألا ترى أنّ لكلّ واحد من المتّقين موضع قعود، فهذا التأويل أشبه من أن تحمله على الوجه الآخر الذي لا يكاد يجيء إلّا في شعر. فأمّا قول الكسائي: في مسكنهم فالأشبه فيه الفتح، لأنّ اسم المكان من فعل يفعل على المفعل «4»، فإن لم ترد المكان. ولكن المصدر، فالمصدر أيضا في هذا الحد «5» على المفعل مثل المحشر ونحوه، وقد يشذّ عن القياس المطّرد نحو هذا، كما جاء المسجد وسيبويه يحمله على أنّه اسم البيت، وليس المكان من فعل يفعل، فإن
__________
(1) هذه قطعة من بيت لم يعرف قائله ونصه:
كلوا في بعض بطنكم تعفو فإنّ زمانكم زمن خميص انظر الكتاب لسيبويه 1/ 108، والخزانة 3/ 379 وفي (م) بطونكم وهو خطأ لانكسار الوزن، فالبيت من الوافر. سبق في 4/ 81 و 5/ 213
(2) قطعة من بيت لجرير وتمامه:
تدعوك تيم وتيم في قرى سبأ قد عضّ أعناقهم جلد الجواميس سبق في 4/ 81
(3) سقط من ط.
(4) في (م): المفعول.
(5) في ط: يجيء

(6/13)


أراد ذاك فتح، وكذلك المطلع من طلع يطلع، والمطلع على القياس، إلّا أنّ أبا الحسن يقول: إنّ المسكن إذا كسرته لغة كثيرة، قال: وهي لغة النّاس اليوم. قال: وأمّا المسكن مفتوحة فهي لغة أهل الحجاز. قال «1» وهي اليوم قليلة.

[سباء: 16]
اختلفوا في إضافة أكل خمط [سبأ/ 16] والتنوين.
فقرأ أبو عمرو وحده: ذواتي أكل خمط مضافا. وثقّل الأكل ونون الباقون. عباس عن أبي عمرو ذواتي أكل خمط مضافا «2» خفيفا، وخفّف الكاف ابن كثير ونافع.
وثقّل الباقون إلا ما روى عباس عن أبي عمرو «3».
أبو عبيدة: الخمط: كل شجرة مرّة ذات شوك، والأكل: الجنا، كل ما اجتني «4» قال أبو علي: ما ذهب إليه أبو عمرو في قراءته بالإضافة على تفسير أبي عبيدة حسن، وذاك أن «5» الأكل: إذا كان الجنا فإنّ جنا كل شجرة منه، والدليل على أنّ الأكل: الجنا، كما قال أبو عبيدة، قوله سبحانه «6»: تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها [إبراهيم/ 25] وقد جاء الجنا مضافا إلى الشجرة في قوله:
__________
(1) سقطت من م.
(2) كذا في ط وسقطت من م.
(3) السبعة ص 528.
(4) إعجاز القرآن ص 147 والجملة الأخيرة ساقطة منه.
(5) في ط: لأن.
(6) سقطت من ط.

(6/14)


موشحة بالطرّتين دنا لها جنا أيكة يضفو عليها قصارها «1» فكما أضاف الجنا إلى الشجرة التي هي الأيكة كذلك أضاف أبو عمرو الأكل الذي هو الجنا إلى الخمط، وغير الإضافة على هذا ليس في حسن الإضافة، وذلك لأنّ الخمط إنما هو اسم شجرة، وليس بوصف، وإذا لم يكن وصفا. لم يجر على ما قبله، كما يجري الوصف على الموصوف. والبدل ليس بالسّهل أيضا، لأنّه ليس هو هو، ولا بعضه لأن الجنا من الشجرة، وليس الشجرة من الجنا، فيكون إجراؤه عليه على وجه عطف البيان، كأنّه بين أنّ الجنا لهذا الشجر، ومنه، وكأنّ الذي حسّن ذلك أنّهم قد استعملوا هذه الكلمة استعمال الصفة. قال الشاعر:
عقار كماء النّيء ليست بخمطة ولا خلّة يكوي الشّروب شهابها «2» قال أبو الحسن: الأحسن «3» في كلام العرب أن يضيفوا ما كان من نحو هذا مثل: دار آجرّ، وثوب خز. قال: وأكل خمط قراءة كثيرة وليست بالجيدة في العربية.
__________
(1) البيت لأبي ذؤيب الهذلي انظر ديوان الهذليين 1/ 71 وانظر أساس البلاغة (وشح) وسبق البيت في ص 5/ 316، والمعنى: الطرتان: طريقتان في جنبيها.
الأيكة: الشجر الملتف. يضفو: يكثر ويسبغ عليها، أي يطول عليها قصارها، فقال: إذا سبغ عليها القصار من أغصان الشجرة فالطوال أحرى أن تكون أسبغ.
(2) البيت لأبي ذؤيب الهذلي، انظر ديوان الهذليين/ 45.
(3) في ط: أحسن.

(6/15)


ابن عامر: حتى إذا فزّع عن قلوبهم [سبأ/ 23] مفتوحة الفاء والزاي، الباقون: فزع مضمومة [الفاء مكسورة الزاي] «1».
أبو عبيدة: فزّع عن قلوبهم: نفّس عنها «2». وقال أبو الحسن:
المعنى فيما ذكروا: جليّ «3». وقال غيره: الذين فزّع عن قلوبهم هنا:
الملائكة.
قال أبو علي: فزّع وفزّع: معناه أزيل الفزع عنها، وقد جاء مثل هذا في أفعل أيضا قالوا: أشكاه إذا أزال عنه ما يشكوه منه، وأنشد أبو زيد:
تمدّ بالأعناق أو تلويها وتشتكي لو أنّنا تشكيها غمر حوايا قلّ ما نجفيها «4» فكما أن أشكيت: أزلت الشكوى. كذلك فزّع وفزّع: أزال الفزع. وما روي من قراءة الحسن: فزع عن قلوبهم كالراجع إلى هذا المعنى، لأنّ التقدير كأنّه: فزّعت من الفزع، قال قتادة: فزّع عن قلوبهم: أي جلّي عن قلوبهم، قال: يوحي الله إلى جبريل فيعرّف الملائكة، ويفزع من أن يكون شيء من أمر الساعة، فإذا جلا عن قلوبهم وعملوا أنّ ذلك ليس من أمر الساعة قالوا: ماذا قال ربكم؟
__________
(1) السبعة ص 530 وما بين المعقوفتين ساقط من ط.
(2) مجاز القرآن 1/ 147.
(3) في ط: خلي عنها.
(4) هذا الرجز في اللسان (جفا) ولم ينسبه، وفيه الشطرة الأخيرة بهذا النصر مس حوايانا فلم نجفيها

(6/16)


قالوا: الحق [سبأ/ 23] [قال أبو علي: التقدير: قالوا: قال الحقّ] «1» فمن قرأ فزّع فالمعنى: أن الفعل المبني للفاعل فاعله ضمير عائد إلى اسم الله سبحانه «2»، ومن قرأ: فزع فبنى الفعل للمفعول به كان الجارّ والمجرور في موضع رفع، والفعل في المعنى لله تعالى «3».

[سباء: 17]
اختلفوا في قوله تعالى «4»: وهل نجازي إلا الكفور [سبأ/ 17] في الياء والنون، فقرأ حمزة والكسائي: وهل نجازي بالنون الكفور بالنصب. حفص عن عاصم مثل قراءة حمزة وأدغم الكسائي اللّام من هل في النون وحده «5» وقرأ الباقون وعاصم في رواية أبي بكر: يجازي بالياء الكفور رفع «6».
قال أبو علي: حجّة نجازي قوله سبحانه «7»: جزيناهم وهي قراءة الأعمش فيما زعموا، ومن قال: يجازى، فالمجازي: الله عزّ وجلّ «8» وإن بني الفعل للمفعول به وهذا مثل قوله: حتى إذا فزع عن قلوبهم وفزّع عن قلوبهم. وأما قوله «9»:
وهل يجازى إلا الكفور، والكفور وغيره [يجري على هذا فعله] «10»
__________
(1) ما بين المعقوفتين ساقط من م.
(2) سقطت من ط.
(3) في ط: سبحانه.
(4) في ط: عزّ وجلّ.
(5) في ط: وغيره لم يدغم. وفي السبعة: ولم يدغمها غيره.
(6) السبعة ص 529.
(7) سقطت من ط.
(8) سقطت من م.
(9) في ط: (نجازي إلّا الكفور) أو ...
(10) في ط: يجزى على فعله.

(6/17)


وإنّما خصّ الكفور بهذا، لأنّ المؤمن قد يكفّر عنه ذنوبه بطاعاته، فلا يجازى على ذنوبه التي تكفّر، والكافر عمله يحبط فلا يكفّر عن سيئاته، كما يكفّر عن سيئات المؤمن.
قال تعالى: إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيآتكم [النساء/ 31] وقال: وآمنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم كفر عنهم سيآتهم وأصلح بالهم [محمد/ 2] وقال: إن الحسنات يذهبن السيآت [هود/ 114] وقال: ونتجاوز عن سيآتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون [الأحقاف/ 16] وقال في الكفّار: أضل أعمالهم [محمد/ 1] وقال: أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف [إبراهيم/ 18] والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة [النور/ 39] فالكافر يجازى بكلّ سوء يعمله، وليس كالمؤمن الذي يكفّر عن بعض سيئاته بأعماله الصالحة. وأمّا إدغام الكسائي اللّام في النون، فجائز. حكاه سيبويه وذلك «1»: هنّرى من هل نرى «2» فيدغم اللّام في النون، قال سيبويه: والبيان أحسن، قال: لأنّه قد امتنع أن يدغم في النّون ما أدغمت فيه سوى اللّام. قال:
فكأنّهم يستوحشون من الإدغام «3».

[سباء: 19]
اختلفوا في قوله سبحانه «4»: ربنا بعد [سبأ/ 19] فقرأ ابن
__________
(1) كذا في ط وسقطت من م.
(2) في الأصل: «هترى من هل ترى» والكلام يجري على النون. كما هو النص وسيبويه.
(3) الكتاب 2/ 416.
(4) في ط: عزّ وجلّ.

(6/18)


كثير وأبو عمرو: بعد* مشددة العين، وقرأ نافع وعاصم وحمزة والكسائي: باعد، [واختلف عن ابن عامر] «1» حدّثني أحمد بن محمد بن بكر قال: حدّثنا هشام بن عمّار قال: حدّثنا أيوب بن تميم وسويد بن عبد العزيز بإسناده عن ابن عامر بعد*. ابن ذكوان عنه باعد «2».
[قال أبو علي] «3»: ذكر سيبويه: فاعل وفعّل قد يجيئان لمعنى كقولهم: ضاعف وضعّف، فيجوز أن يكون باعد وبعّد من ذلك.
وكذلك خلافه قارب وقرّب، واللفظان جميعا على معنى الطّلب والدّعاء. والمعنى في الوجهين على أنّهم كرهوا ما كانوا فيه من السعة والخصب وكفاية الكدح في المعيشة، وهؤلاء ممّن دخل في جملة قوله سبحانه «4»: وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها [القصص/ 58] والبطر فيما قال بعض الناس: كراهة الشيء من غير أن يستحق أن يكره. وسؤالهم ما سألوا قريب من سؤال قوم موسى: ادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض [البقرة/ 61].

[سباء: 20]
اختلفوا في التخفيف والتشديد من قوله سبحانه «5»: ولقد صدق عليهم [سبأ/ 20] فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر:
__________
(1) ما بين المعقوفين ساقط من ط.
(2) السبعة ص 529 وليس فيه (اختلف عن ابن عامر) بل ذكره مع سند القراءة فقال: وقرأ ابن كثير وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: (باعد) ...
(3) سقطت من ط.
(4) في ط: عزّ وجلّ.
(5) ي (ط) عز وجل.

(6/19)


صدق* خفيفة «1»، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي: صدق، مشددة «2».
[قال أبو علي] «3»: معنى التخفيف: أنّه صدق ظنّه الذي ظنّه بهم من متابعتهم إيّاه إذا أغواهم، وذلك نحو قوله سبحانه «4»: قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم [الأعراف/ 16] ولأغوينهم أجمعين [الحجر/ 39] فهذا ظنّه الذي صدّقوه «5»، لأنّه لم يقل ذلك عن «6» تيقّن، فظنّه على هذا ينتصب انتصاب المفعول به، ويجوز أن ينتصب انتصاب الظرف، صدق عليهم إبليس في ظنه، ولا يكون متعديا بصدق إلى المفعول به، وقد يقال: أصاب الظنّ، وأخطأ الظنّ، ويدلّ على ذلك:
الألمعيّ الذي يظنّ لك الظّن من كأن قد رأى وقد سمعا «7» فهذا يدلّ على إضافة الظّنّ، وقال الشاعر في تعديته إيّاه إلى المفعول به: إن كان ظنّي صادقي «8»
__________
(1) في ط: خفيف.
(2) السبعة ص 527.
(3) سقطت من ط.
(4) سقطت من ط.
(5) في ط: صدقه.
(6) في ط: على.
(7) البيت لأوس بن حجر، انظر ديوانه/ 53، وانظر اللسان (لمع).
(8) ورد الشاهد في م برواية: صادق. وهو صدر بيت من الطويل وقع فيه الخرم. وجاء بتمامه في تفسير مجمع البيان 8/ 388 برواية:
إن يك ظني صادقا وهو صادقي بشملة يحبسهم بها محبسا وعرا ونسبه محققه إلى مكبرة بنت بردأم شملة، تقول: إن يك ظني بشملة صادقا يحبسهم، أي: القوم الذين قتلوا أباه بتلك المعركة محبسا صعبا يدركه فيه ثأر أبيه.

(6/20)


ووجه من قال: صدق بالتّشديد أنّه نصب على أنّه مفعول به، وعدّى صدق إليه قال «1»:
فإن لم أصدّق ظنّكم بتيقّن فلا سقت الأوصال منّي الرّواعد

[سباء: 23]
اختلفوا في ضمّ الألف وفتحها من قوله سبحانه «2»: إلا لمن أذن له [سبأ/ 23] فقرأ ابن كثير ونافع [وابن عامر] «3»: أذن له [بفتح الألف] «4»، وقرأ عاصم في رواية الكسائي عن أبي بكر عنه، وأبو عمرو وحمزة والكسائي: أذن له*، بضم «5» الألف. وروى يحيى وحسين وابن أبي أمية عن أبي بكر عن عاصم بالفتح وكذلك روى حفص عن عاصم بالفتح «6».
[قال أبو علي] «7»: حجّة من قال أذن فبنى الفعل للفاعل أنّه أسنده إلى ضمير اسم الله تعالى «8»، وقال: إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا [النبأ/ 38] وقال: إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى [النجم/ 26]. ومن قال أذن* يبني «9» الفعل للمفعول به، فهو يريد: ذا المعنى، كما أنّ قوله: حتى إذا فزع عن قلوبهم،
__________
(1) لم نعثر على قائله. الرواعد: السحب فيها رعد.
(2) في ط: عزّ وجلّ.
(3) سقطت من م. وهي في ط والسبعة.
(4) سقطت من م.
(5) في ط: برفع.
(6) السبعة ص 529 - 530.
(7) سقطت من ط.
(8) في ط: عزّ وجلّ.
(9) في ط: فبنى.

(6/21)


وفزع*، وهل يجازى إلا الكفور [سبأ/ 17] واحد في المعنى، وإن اختلفت الألفاظ.

[سباء: 37]
قال: قرأ حمزة وحده وهم في الغرفة [سبأ/ 37] واحدة، وقرأ الباقون: الغرفات جماعة «1».
[قال أبو علي] «2»: حجّة حمزة في إفراده الغرفة قوله سبحانه «3»: أولئك يجزون الغرفة بما صبروا [الفرقان/ 75] فكما أنّ الغرفة يراد بها الجمع والكثرة كذلك قوله: وهم في الغرفة آمنون [سبأ/ 37] يراد بها الكثرة واسم الجنس.
وحجّة الجمع قوله: لكن الذين اتقوا ربهم لهم غرف من فوقها غرف مبنية [الزمر/ 20] وقوله: لنبوئنهم من الجنة غرفا [العنكبوت/ 58] فكما أنّ غرفا جمع، كذلك الغرفات ينبغي أن يكون جمعا «4». فإن قلت: إن الغرفات قد تكون للقليل واسم الجنس للكثير واستغراق الجميع «5» فإن الجمع بالألف والتاء كقوله سبحانه:
إن المسلمين والمسلمات [الأحزاب/ 35] وقول حسّان:
لنا الجفنات الغرّ «6»
__________
(1) في ط: جماعا وكذلك في السبعة ص 530.
(2) سقطت من ط.
(3) سقطت من ط.
(4) في ط: تجمع، بدل: يكون جمعا.
(5) في ط: الجمع.
(6) هذه قطعة من بيت تمامه:
لنا الجفنات الغرّ يلمعن بالضّحى وأسيافنا يقطرن من نجدة دما انظر ديوانه 1/ 35.

(6/22)


فهذا لا يريد إلّا الكثرة، لأنّ ما عداها لا يكون موضع افتخار.

[سباء: 52]
اختلفوا في همز التناوش [سبأ/ 52] وترك همزه.
فقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وعاصم في رواية حفص:
التناوش غير مهموز، وكذلك روى حسين الجعفيّ والأعشى والكسائي عن أبي بكر عن عاصم بغير همز. المفضل عن عاصم:
مهموز، وقرأ عاصم في رواية يحيى عن أبي بكر وأبو عمرو وحمزة والكسائي بالهمز «1».
قال أبو علي: قوله تعالى «2»: وأنى لهم التناؤش من مكان بعيد كأنّهم آمنوا حين لم ينتفعوا بالإيمان، كما قال: لا ينفع نفسا إيمانها [الأنعام/ 158] فكأنّ المعنى: كيف يتناولونه من بعد وهم لم يتناولوه من قرب في حين الاختيار، والانتفاع بالإيمان؟
والتناوش: التناول من نشت تنوش، قال:
وهي تنوش الحوض نوشا من علا «3» وقال:
تنوش البرير حيث نال اهتصارها «4»
__________
(1) السبعة ص 530.
(2) سقطت من ط.
(3) هذا بيت من الرجز لغيلان بن حريث وبعده:
نوشا به تقطع أجواز الفلا كما في اللسان (نوش) والبيت من شواهد سيبويه 2/ 123 ولم ينسبه وانظر المنصف 1/ 124 وابن يعيش 4/ 73 - 89، والخزانة 4/ 125، 261، ومجاز القرآن 2/ 150.
(4) عجز بيت لأبي ذؤيب الهذلي في ديوانهم ص 22 وانظر شرح السكّري 1/ 71 وصدره:

(6/23)


فمن لم يهمز جعله فاعلا من النوش الذي هو التناول، ومن همز احتمل أمرين: أحدهما أن يكون من تنوش، إلّا أنّه أبدل من الواو الهمزة لانضمامهما مثل أقتت، وأدؤر، ونحو ذلك، والآخر: أن يكون من النّأش وهو الطلب، والهمزة منه عين قال رؤبة:
أقحمني جار أبي الخاموش «1» إليك نأش القدر النّئوش فسّره أبو عبيدة بطلب القدر «2»، وحكى أبو الحسن أيضا عن يونس قال أبو الحسن: ولم أر العرب تعرفه.

[سباء: 40]
وقرأ حفص عن عاصم: ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول [سبأ/ 40] بالياء فيهما. وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم بالنون فيهما «2».
[قال أبو علي] «4»: حجّة الياء أنّ قبله: قل إن ربي يبسط [سبأ/ 39] ويوم يحشرهم [سبأ/ 40]. ووجه النون أنّه انتقال من لفظ الإفراد إلى الجمع، كما أنّ قوله سبحانه «5»: أن لا تتخذوا من
__________
فما أم خشف بالعلاية شادن والبيت من قصيدة طويلة عدتها/ 41/ بيتا يقع الشاهد السادس منها.
انظر اللسان (نوش) وفيه: طاب بدل: نال.
(1) ديوانه/ 77، 78. ووقعت في (م) الجاموس بدل الخاموش وهو سهو من الناسخ. والبيتان في مجاز القرآن 2/ 151، ورواية البيت الثاني: ناشى بدل نأش. وهو تحريف.
(2) ونص أبي عبيدة: وهو من بعد المطلب.
(4) السبعة ص 530.
(5) سقطت من ط.

(6/24)


دوني وكيلا [الإسراء/ 2] انتقال من الجمع إلى الإفراد، والجمع ما تقدّم من قوله سبحانه «1» وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى [الإسراء/ 2].

[سباء: 22]
عباس عن أبي عمرو: قل ادعوا [سبأ/ 22] بكسر اللام «2».
[قال أبو علي] «3»: قد مضى القول في ذلك فيما تقدّم. «4»
__________
(1) سقطت من ط.
(2) سقطت من ط.
(3) السبعة ص 529.
(4) سقطت من ط.

(6/25)