الحجة للقراء السبعة [بسم الله] «1»
ذكر اختلافهم في سورة الملائكة
«2»
[فاطر: 3]
قال: قرأ حمزة والكسائي: هل من خالق غير الله خفضا [3].
وقرأ الباقون: هل من خالق غير الله رفعا «3».
[قال أبو علي] «4»: من قال غير* جعله صفة على اللّفظ، وذلك حسن
لاتباعه الجرّ الجرّ، فأمّا الخبر على قولهما فيجوز أن يكون:
يرزقكم من السماء والأرض [فاطر/ 3] ويرزقكم في موضع رفع «5»
على أنّه الخبر.
ومن قال: هل من خالق غير الله [فاطر/ 3] احتمل الرفع غير وجه،
يجوز أن يكون خبر المبتدأ، وارتفاع غير بأنه خبر المبتدأ،
__________
(1) سقطت من ط.
(2) هي سورة فاطر.
(3) السبعة ص 534.
(4) سقطت من ط.
(5) سقطت من م.
(6/26)
ويجوز أن يكون صفة على الموضع، والخبر مضمر
تقديره: هل من خالق غير الله في الوجود أو العالم؟ ويجوز أن
يكون غير استثناء، والخبر مضمر كأنّه: هل من خالق إلّا الله.
والخبر مضمر قبل، كقولك: ما خالق إلّا الله، وموضع الجارّ
والمجرور رفع بالابتداء، وزيادة هذا الحرف في غير الإيجاب كثير
نحو: هل من رجل؟ وما من إله إلا الله [آل عمران/ 62] فقوله:
وما من إله إلا الله يدلّ على جواز الاستثناء في «غير» من
قوله: سبحانه: هل من خالق غير الله [فاطر/ 3] والخبر مضمر كما
كان مضمرا في قوله: وما من إله إلا الله [آل عمران/ 62].
[فاطر: 36]
اختلفوا في الياء والنون من قوله جلّ وعزّ: كذلك يجزى كل كفور
[فاطر/ 36]، فقرأ أبو عمرو، وكذلك يجزى* بالياء كل كفور رفع.
وقرأ الباقون: نجزى بالنون كل كفور نصبا «1».
[قال أبو علي] «2»: وجه النون قوله سبحانه «3»: أولم نعمركم
[فاطر/ 37] ويجزى* في المعنى مثل نجزي، ومثله: فزع عن قلوبهم
وفزع*، وهل يجازى ونجازي، ومن حجة يجزى قوله:
ولا يخفف عنهم من عذابها [فاطر/ 36].
[فاطر: 33]
وقرأ أبو عمرو وحده جنات عدن يدخلونها* [فاطر/ 33] برفع الياء،
وقرأ الباقون: يدخلونها بفتح الياء، وروى عباس عن مطرّف
__________
(1) السبعة ص 535.
(2) سقطت من ط.
(3) سقطت من ط.
(6/27)
الشّقريّ عن معروف بن مشكان «1» عن ابن
كثير: يدخلونها* [فاطر/ 33] مثل أبي عمرو. وقرأت على قنبل:
يدخلونها بفتح الياء «2».
[قال أبو علي] «3»: جنات عدن نكرة يدخلونها ويدخلونها* صفة
لها، لأنّها جملة، والنكرات توصف بالجمل، فمن قال: زيدا ضربته،
لم يفعل ذلك في الصّفة كما يفعله في الصلة. وأجاز أبو عثمان:
أزيدا أنت رجل تضربه؟ ولم يجز ذلك على أنّ تضربه صفة لرجل ولو
كان صفة لم يجز فيه النصب، ولكن على أن تجعل كلّ واحد من رجل
وتضرب خبرا، مثل: حلو حامض، فإذا كان كذلك لم يكن صفة، وإذا لم
يكن صفة لم يمتنع ذلك فيه كما يمتنع من «4» الصّفة، فأمّا
ارتفاع جنات* فيجوز أن يكون تفسيرا للفضل «5»، كأنّه قيل: ما
ذلك الفضل «6»؟ فقيل «7»: جنات، أي: جزاء جنات [أو دخول جنات]
«8»، ويجوز أن تجعل الجنّات بدلا من الفضل «9» كأنّه:
ذلك هو جنات عدن، أي: دخول جنات عدن.
__________
(1) في م ابن مشكان. بدون معروف، وهي في السبعة أيضا.
(2) السبعة ص 534.
(3) سقطت من ط.
(4) في ط: في.
(5) في ط: للفوز، والذي في الآية التي قبلها: الفضل ... وقعت
الجنّات تفسيرا له.
(6) في ط: الفوز.
(7) في ط: فقال هي.
(8) كذا في ط وسقطت من م.
(9) في ط: الفوز.
(6/28)
[فاطر: 33]
قرأ عاصم في رواية أبي بكر ونافع: ولؤلؤا [فاطر/ 33] نصبا،
وكان عاصم في رواية أبي بكر يهمز الواو الثانية، ولا يهمز
الأولى.
المعلى عن أبي بكر عن عاصم: يهمز الأولى ولا يهمز الثانية ضدّ
رواية يحيى عن أبي بكر، حفص عن عاصم يهمزهما.
المفضل عن عاصم: ولؤلؤ خفض، ويهمزهما.
[وكلهم قرأ: ولؤلؤ بالجر] «1» غير نافع وعاصم في رواية أبي بكر
«2».
قال أبو علي: من ذهب ولؤلؤا [فاطر/ 33] [نصب لؤلؤا] «3» على
الموضع، لأنّه إذا قال: يحلون فيها من أساور [فاطر/ 33] كان
بمنزلة يحلّون فيها أساور، وقيل: إنّ أكثر التفسير على الجرّ:
أساور من ذهب ولؤلؤ، وقد قدمنا ذكر ذلك، وتخفيف الهمز وتحقيقه.
[فاطر: 40]
اختلفوا في الجمع والتوحيد من قوله سبحانه «4»: فهم على بينة
منه [فاطر/ 40] فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة على بينة واحدة،
وقرأ نافع وابن عامر وأبو بكر عن عاصم والكسائي: بينات* جماعة،
حفص عن عاصم بينة واحدة، المفضل عن عاصم على بينات جماعة «5».
__________
(1) ما بين المعقوفتين ورد في ط هكذا: وكلهم يخفض ويهمزهما.
(2) السبعة ص 534 - 535.
(3) كذا في ط وسقطت من م.
(4) في ط: عزّ وجلّ.
(5) في ط: جماعا. وكذلك في السبعة انظر ص 535 ففي النص اختلاف
يسير والمؤدى واحد.
(6/29)
[قال أبو علي] «1» وجه الإفراد: أن يجعل ما
في الكتاب، أو ما يأتي به النّبي [صلى اللَّه عليه وآله وسلم]
«2» بيّنة على لفظ الإفراد، وإن كانت عدة اشياء، كما قال:
أرأيتم إن كنت على بينة من ربي [هود/ 28 - 88] وقد جاءتكم بينة
من ربكم [الأعراف/ 73 - 85].
فأمّا قوله سبحانه «3»: جاؤوا بالبينات والزبر فإنّما هو على
قوله: فقد كذب رسل من قبلك جاؤوا بالبينات والزبر [آل عمران/
184] فلأنّ مع كل [واحد من الأنبياء] «4» بيّنة، فإذا جمعوا
جمعت البيّنة لجمعهم. وقال سبحانه «5»: حتى تأتيهم البينة رسول
من الله [البينة/ 1 - 2] وزعموا أنّ في مصحف عبد اللَّه
بالهاء، فهذا دليل على الإفراد، والجمع في البيّنات على أنّ في
الكتاب ضروبا من البيّنة، فجمع كذلك «6».
[فاطر: 43]
قرأ حمزة وحده: ومكر السيئ ولا .. [فاطر/ 43] ساكنة «7»
الهمزة، ولا يحيق المكر السييء إلا [فاطر/ 43] مرفوعة الهمزة.
وقرأ الباقون بالكسر في الهمزة الأولى وبالضم في الثانية «8».
قال أبو علي: التقدير في قوله عزّ وجلّ «9»: استكبارا في
__________
(1) سقطت من ط.
(2) سقطت من ط.
(3) سقطت من ط.
(4) كذا في ط وفي م: شيء.
(5) سقطت من ط.
(6) في ط: لذلك.
(7) في ط: وإسكانه.
(8) السبعة ص 535 - 536.
(9) سقطت من ط.
(6/30)
الأرض [فاطر/ 43] استكبروا استكبارا في
الأرض ومكر السّيّئ.
أي: مكروا المكر السّيّئ، فأضيف المصدر إلى صفة المصدر،
المعنى: ومكروا المكر السّيّئ، ألا ترى أنّه قد جاء بعد ولا
يحيق المكر السييء إلا بأهله [فاطر/ 43] فكما أنّ السّيّئ صفة
للمصدر، كذلك الّذي قبل. تقديره: ومكروا المكر السّيّئ. وكذلك
قوله:
أفأمن الذين مكروا السيآت [النحل/ 45] تقديره: الّذين مكروا
المكرات السيئات. إلّا أنّك إذا أضفت إلى السّيّئ قدّرت الصفة
وصفا لشيء غير المكر، كما أنّ من قال: دار الآخرة، وجانب
الغربي، قدّره كذلك، فحذف المصدر من قوله: المكرات السيئات،
وأقام صفته مقامه، فوقعت الإضافة إليه، كما كانت تقع على
موصوفه [الذي هو المصدر] «1». فأمّا قراءة حمزة: ومكر السيئ
وإسكانه الهمزة في الإدراج، فإنّ ذلك يكون على إجرائها في
الوصل مجراها في الوقف، فهو مثل:
سبسبا «2»، وعيهل «3»، والقصبا «4»، وجدببا «5».
وهو في الشعر كثير. وممّا يقوّي ذلك: أنّ قوما قالوا في الوقف:
أفعي وأفعو، فأبدلوا من الألف الواو والياء ثم أجروها في الوصل
مجراها في الوقف، فقالوا: هذا أفعو يا هذا، فكذلك عمل حمزة
بالهمزة في هذا الموضع لأنها كالألف في أنها حرف علة، كما أن
الألف كذلك. ويقوّي مقاربتها الألف أن قوما يبدلون منها الهمزة
في
__________
(1) كذا في ط وسقطت من م.
(2) سبق في 1/ 65.
(3) سبق في 1/ 151 و 2/ 362.
(4) سبق في 2/ 363.
(5) سبق في 1/ 65، (حاشية) وروايته ثم: جدبّا.
(6/31)
الوقف فيقولون: رأيت رجلا ورأيت حبلا.
ويحتمل وجها آخر: وهو أن تجعل يىء ولا من قوله: ومكر السيئ ولا
بمنزلة إبل، ثم أسكن الحرف الثاني كما أسكن «1» من إبل لتوالي
الكسرتين إحداهما ياء قبلها ياء فخفّف بالإسكان لاجتماع
الياءات والكسرات كما خفّفت العرب نحو ذلك بالحذف من «2» نحو:
أسيديّ وبالقلب في نحو «3» رحويّ، ونزّل حركة الإعراب بمنزلة
غير حركة الإعراب، كما فعلوا في قولهم:
فاليوم أشرب غير مستحقب «4» وقد بدا هنك من المئزر «5» .....
ولا تعرفكم العرب «6» وكما أن حركة غير الإعراب نزلت منزلة
حركة الإعراب في نحو: ردّ وفرّ، وعضّ. فأدغم كما أدغم يعضّ،
ويفرّ لمّا تعاقب حركات غير الإعراب على لامها، وهي حركة
التقاء الساكنين، وحركة الهمزة المخفّفة، وحركة النونين فنزلت
هذه الحركات منزلة حركة الإعراب حتّى أدغم فيما يتعاقب عليه
فيها، كما أدغم المعرب، وكذلك نزلت حركة الإعراب منزلة غير
حركة الإعراب، في أن استجيز
__________
(1) في ط: يسكن.
(2) في ط: في.
(3) سقطت من م.
(4) صدر بيت لامرئ القيس، سبق في 1/ 117، 410، 2/ 80، 3/ 233.
(5) عجز بيت للأقيشر الأسدي- وهو المغيرة بن عبد اللَّه- سبق
في 2/ 80، وانظر المحتسب 1/ 110.
(6) قطعة من بيت لجرير في هجاء بني العم، سبق في 2/ 80. وانظر
المحتسب 1/ 110.
(6/32)
فيها من التخفيف ما استجيز في غيرها، وليس
يختلّ بذلك دلالة الإعراب، لأنّ الحكم بمواضعها معلوم، كما كان
معلوما في المعتل، والإسكان للوقف. فإذا ساغ ما ذكرنا في هذه
القراءة من التأويل لم يسغ لقائل أن يقول: إنّه لحن، ألا ترى
أنّ العرب قد استعملت «1» ما في قياس ذلك؟ فلو جاز لقائل أن
يقول: إنّه لحن للزمه «2» أن يقول:
إنّ قول من قال: إفعوا في الوصل لحن، فإذا كان ما قرأ به على
قياس ما استعملوه في كلامهم المنثور، لم يكن لحنا، [وإذا لم
يكن لحنا] «3» لم يكن لقادح بذلك قدح، وهذه القراءة وإن كان
لها مخلص «4» من الطعن، فالوجه قراءة الحرف على ما عليه
الجمهور في الدرج ويقال:
سيّئ مثل سيّد، ويخفّف كما يخفّف. قال أبو زيد: سؤته أسوؤه
مساءة، وقال أبو عبيدة: يحيق المكر السيئ لا إلا بأهله «5».
__________
(1) في ط: استعملوا.
(2) في م: لزمه.
(3) ما بين المعقوفتين ساقط من ط.
(4) في ط: المخلص.
(5) مجاز القرآن ص 156.
(6/33)
|