الحجة للقراء السبعة ذكر اختلافهم في سورة ق*
[ق: 30]
قرأ نافع وعاصم في رواية أبي بكر: يوم يقول لجهنم [ق/ 30]
بالياء.
وقرأ الباقون: بالنون [وكذلك روى حفص عن عاصم بالنون] «1».
حجّة يوم نقول بالنون، قوله: وقد قدمت إليكم بالوعيد [ق/ 28]،
وقوله: وما أنا بظلام للعبيد [ق/ 29]، والنون في المعنى مثل:
أقول فهو أشبه بما قبله، والياء على: يوم يقول الله.
[ق: 40]
اختلفوا في قوله: وأدبار السجود [ق/ 40] في فتح الألف وكسرها.
فقرأ ابن كثير ونافع وحمزة: وإدبار السجود بكسر الألف.
وقرأ الباقون: وأدبار بفتح الألف «2».
قال أبو علي: إدبار مصدر، والمصادر تجعل ظروفا على إرادة إضافة
أسماء الزمان إليها وحذفها: كقولهم: جئتك مقدم الحاجّ،
__________
(1) السبعة ص 607 وما بين معقوفين ساقط منها.
(2) السبعة ص 607.
(6/213)
وخفوق النجم، وخلافة فلان، تريد في ذلك
كلّه وقت كذا، فحذفت، وكذلك يقدّر في قوله: وقت إدبار السجود،
إلّا أنّ المضاف المحذوف في هذا الباب لا يكاد يظهر ولا
يستعمل، فهذا أدخل في باب الظروف من قول من فتح، وكأنّه أمر
بالتسبيح بعد الفراغ من الصلاة، وقد قيل: إنّه يراد به
الركعتان اللّتان بعد المغرب، ومن قال:
وأدبار السجود جعله جمع دبر أو دبر، مثل: قفل وأقفال، وطنب
وأطناب، وقد استعمل ذلك ظرفا نحو: جئتك في دبر الصلاة، وفي
أدبار الصلوات، وعلى دبر الشهر الحرام، وقال أوس بن حجر:
على دبر الشّهر الحرام بأرضنا وما حولها جدب سنون تلمّع «1»
[ق: 41]
قرأ بن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر: ينادي المنادي [ق/ 41]
بياء في الوصل، ووقف ابن كثير بياء، ووقف نافع وأبو عمرو بغير
ياء.
ووقف الباقون بغير ياء وكذلك وصلوا «2».
أمّا إثبات الياء في الوصل، فلأنّ هذه الياءات أكثر الأمر،
إنّما تحذف من الفواصل، وما شبّه بها من الكلام التّام، ومن
وقف بالياء فلأنّه كلام غير تام، وإنّما الحذف في أكثر الأمر
من الكلام التام تشبيها بالفواصل، ووقف نافع وأبو عمرو بغير
ياء لأنّ الوقف موضع تغيير، ألا ترى أنّه يبدل من التاء فيه
الهاء في نحو: تمرة، ويبدل من التنوين الألف، ويضعّف فيه الحرف
نحو: هذا فرجّ، ويحذف فيه الحرف في
__________
(1) سبق في 2/ 370.
(2) السبعة ص 607.
(6/214)
القوافي فغيّراه بالحذف، كما غيّرت بهذه
الأشياء.
وأمّا من حذف في الوصل والوقف فقد ذكرنا القول في الحذف في
الوقف، فأمّا من حذف في الوصل فقد قيل: إنّه في الكتاب لا ياء
فيه.
[ق: 44]
وقال ابن كثير ونافع وابن عامر: يوم تشقق* [ق/ 44] مشددة
الشين.
وقرأ الباقون: تشقق خفيفة «1».
من قال: تشقق* أدغم التاء في الشين، ومن قال: تشقق مخفّفا حذف
التاء التي أدغمها من ثقل.
[ق: 36]
القطعي عن عبيد عن أبي عمرو: فنقبوا في البلاد [ق/ 36] خفيفة
القاف.
وروى غيره عن أبي عمرو: فنقبوا في البلاد مشددة وكذلك قرأ
الباقون «2».
قال أبو عبيدة: نقّبوا في البلاد، طافوا وتباعدوا وأنشد لامرئ
القيس:
وقد نقّبت في الآفاق حتّى رضيت من الغنيمة بالإياب «3»
والتّشديد في نقّبوا يختصّ بالكثرة، والتخفيف يصلح للقليل
والكثير.
__________
(1) السبعة ص 607 - 608.
(2) السبعة ص 607.
(3) مجاز القرآن 2/ 224، وديوانه/ 99 وفيه: طوّفت بدل نقبت.
وانظر اللسان (نقب) وفيه السلام بدل الغنيمة.
(6/215)
ذكر اختلافهم في
سورة الذاريات
[الذاريات: 23]
قرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائي: لحق مثل ما [23]
برفع اللّام. وقرأ الباقون: لحق مثل ما بنصب اللّام، وكذلك حفص
بنصب اللّام أيضا «1».
قال أبو علي: من رفع مثلا في قوله: لحق مثل ما أنكم تنطقون جعل
مثلا وصفا لحقّ، وجاز أن يكون مثل وإن كان مضافا إلى معرفة صفة
للنكرة، لأنّ مثلا لا يختصّ بالإضافة لكثرة الأشياء التي يقع
التماثل بها بين المتماثلين، فلمّا لم تخصّه الإضافة ولم يزل
عنه الإبهام والشياع الذي كان فيه قبل الإضافة بقي على تنكيره.
وقالوا: مررت برجل مثلك، وكذلك في الآية لم يتعرّف بالإضافة
إلى أنكم تنطقون وإن كان قوله: أنكم تنطقون بمنزلة نطقكم، وما*
في قوله: مثل ما أنكم تنطقون زائدة، فإن قلت: فلم لا تكون
الّتي بمنزلة أن كالتي في قوله: وما كانوا بآياتنا يجحدون
[الأعراف/ 51] فإنّ الّتي في قوله: مثل ما* لا تكون إلّا زائدة
ألا ترى أنّه لا فعل معها
فتكون مع الفعل بمنزلة المصدر مثل أن مع الفعل، وقوله: وما
كانوا
__________
(1) السبعة ص 609.
(6/216)
بآياتنا يجحدون موصولة بالفعل الذي هو
كانوا، وموضعها جرّ بالعطف على ما جرّه الكاف، التقدير: كنسيان
لقاء يومهم، أي: ننساه نسيانا كنسيان يومهم هذا، وككونهم
جاحدين بآياتنا، ومثل زيادة ما* هاهنا زيادتها في قوله، مما
خطيئاتهم [نوح/ 25] ونحو قوله: فبما رحمة [آل عمران/ 159] وعما
قليل ليصبحن نادمين [المؤمنون/ 40] ونحو ذلك.
وأمّا من نصب فقال: مثل ما أنكم فتحتمل ثلاثة أضرب:
أحدهما: أنّه لمّا أضاف مثل إلى مبنيّ، وهو قوله: أنكم بناه
كما بني يومئذ في قوله: من خزي يومئذ [هود/ 66] ومن عذاب يومئذ
[المعارج/ 11] وقوله:
على حين عاتبت المشيب على الصّبا «1» وقوله:
لم يمنع الشّرب منها غير أن نطقت «2» فغير في موضع رفع بأنّه
فاعل يمنع، وإنما بنيت هذه الأشياء المبهمة نحو: مثل، ويوم،
وحين، وغير إذا أضيفت إلى المبنيّ لأنّها تكتسي منه البناء،
لأنّ المضاف يكتسي من المضاف إليه ما فيه من
__________
(1) هذا صدر بيت للنابغة عجزه:
وقلت ألمّا أصح والشّيب وازع وقد سبق في 4/ 348.
(2) هذا صدر بيت لأبي قيس بن الأسلت عجزه:
حمامة في غصون ذات أو قال وقد سبق في 4/ 348.
(6/217)
التعريف والتنكير، والجزاء والاستفهام،
تقول: هذا غلام زيد، وصاحب القاضي، فيتعرف الاسم بالإضافة إلى
المعرفة، وتقول:
غلام من تضرب؟ فيكون استفهاما كما تقول: صاحب من تضرب أضرب،
فيكون جزاء، فمن بنى هذه المبهمة إذا أضافها إلى مبني جعل
البناء أحد ما يكتسبه من المضاف إليه، ولا يجوز على هذا:
جاءني صاحب خمسة عشر، ولا غلام هذا، لأنّ هذين من الأسماء غير
المبهمة، والمبهمة في إبهامها وبعدها من الاختصاص كالحروف التي
تدلّ على أمور مبهمة، فلمّا أضيفت إلى المبنيّة، جاز ذلك فيها،
والبناء على الفتح في مثل قول سيبويه.
والقول الثاني أن تجعل ما* مع مثل بمنزلة شيء واحد، وتبنيه على
الفتح وإن كانت ما* زائدة وهذا قول أبي عثمان، وأنشد أبو عثمان
في ذلك قول الشاعر:
وتداعى منخراه بدم مثل ما أثمر حمّاض الجبل «1» فذهب إلى أنّ
مثل* مع ما* جعلا بمنزلة شيء واحد، وينبغي أن يكون أثمر صفة
لمثل ما، لأنّه لا يخلو من أن يكون صفة له، أو يكون مثل ما
مضافا إلى الفعل، فلا يجوز فيه الإضافة، لأنّا لم نعلم مثلا
أضيف إلى الفعل في موضع، فكذلك لا يضيفه في هذا الموضع إلى
الفعل، فإذا لم يجز الإضافة كان وصفا، وإذا كان وصفا وجب أن
يعود منه إلى الموصوف ذكر، فيقدّر ذلك المحذوف بما يتصل
بالفعل، فيحذف كما يحذف الذكر العائد من الصّفة إلى الموصوف،
وقد يجوز
__________
(1) سبق في 4/ 351
(6/218)
أن لا يقدّر مثل* مع ما* كشيء واحد لكن
تجعله مضافا إلى ما مع أثمر، ويكون التّقدير: مثل شيء أثمره
حمّاض الجبل، فيبنى مثل على الفتح لإضافتها إلى ما* وهي غير
متمكن، ولا يكون لأبي عثمان حينئذ في البيت حجّة على كون مثل*
مع ما* بمنزلة شيء واحد، ويجوز أن لا تكون له فيه حجّة من وجه
آخر، وهو أن يجعل ما* والفعل بمنزلة المصدر، فيكون: مثل إثمار
الحماض، فيكون في ذلك كقوله: وما كانوا بآياتنا يجحدون
[الأعراف/ 51] وقوله: ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون
[البقرة/ 10] وبقول ابن مقبل:
سل الدار من جنبي حبرّ فواهب إلى ما رأى هضب القليب المضيّح
«1» كأنّه قال: إلى رؤية هضب القليب، أو إلى موضع رؤيته.
ولكن يدلّ على جواز بناء مثل مع ما* وكونه مع ما* بمنزلة شيء
واحد قول حميد بن ثور:
ألا هيّما ممّا لقيت وهيّما وويحا لمن لم يدر ما هنّ ويحما «2»
وأسماء ما أسماء ليلة أدلجت إليّ واصحابي بأيّ وأينما وقوله:
ويحما في موضع نصب بأنّه مصدر، فلولا أنّه بني مع
__________
(1) انظر ديوانه/ 22، والمسائل الحلبيات ص 62، ومجالس العلماء
ص 28.
وحبر وواهب: جبلان في ديار بني سليم. هضب القليب: موضع لبني
قنفذ من بني سليم. القليب في الأصل: البئر. المضيح: ماء لبني
البكاء.
(2) ديوانه ص 7، واللسان (ويح).
(6/219)
ما* لم يكن يمتنع النصب الذي يجب بكونه
مصدرا، ويلحقه التنوين فلمّا لم ينصب علمت أنّ الرفع إنّما حصل
فيه للبناء مع ما*، وممّا يدلّ على ذلك ما أنشدناه عن أحمد بن
يحيى:
أثور ما أصيدكم أم ثورين أم تيكم الجمّاء ذات القرنين «1»
فلولا أنّ ثور مع ما* جعلا شيئا واحدا، وبني ثور على الفتح معه
لذلك لم يمتنع التنوين من لحاقه، ومثل ما أنشده أحمد بن يحيى:
تسمع للجنّ به زيزيز ما «2» فزيزيز: فعليل مثل: شمليل وكرديد
«3» وإنّما بني مع ما* على الفتح فلم يلحقه التنوين، فأمّا قول
أحمد بن يحيى:
وأصحابي بأيّ وأينما «4» فإنّه أخرج أين* من أن تكون استفهاما،
كما أخرجوه عن ذلك بقولهم: مررت برجل أيّما رجل. وكقوله:
__________
(1) انظر اللسان (قرن) وفيه: «أهم هذه» بدل «أم تيكم».
(2) في اللسان (زيز): زيزيز: حكاية صوت الجن وأنشد البيت
برواية: زي زي زيا.
(3) ناقة شملّة بالتشديد، وشمال وشملال وشمليل: خفيفة سريعة
مشمرة.
اللسان (شمل).
والكرديد: ما يبقى في أسفل الجلّة من جانبيها من التمر. اللسان
(كرد).
(4) سبق قريبا.
(6/220)
والدّهر أيّتما حال دهارير «1» كأنّه قال:
والدّهر دهارير كلّ حال، فأعمل الفعل في الظرف، وإن كان
متقدّما عليه، كقولهم: أكلّ يوم لك ثوب، وجعل أيّ كناية عن
بلدة أو بقعة، مثل فلان في الكناية عن الأناسيّ، فلم يصرف
للتأنيث والتعريف.
فأمّا قوله: وأينما فالقول فيه: إنّه أخرجه من الاستفهام أيضا
كما أخرج منه في المواضع التي أريتك، وبناه مع ما* على الفتح،
وموضعه جرّ بالعطف على الجرّ الذي في موضع قوله: بأيّ.
وأمّا القول الثالث في قوله: مثل ما أنكم تنطقون فهو أن ينتصب
على الحال من النكرة وهو قول أبي عمر الجرمي، وذو الحال الذكر
المرفوع في قوله: لحق، والعامل في الحال هو الحق*، لأنّه من
المصادر التي وصف بها، ويجوز أن تكون الحال عن النكرة الذي هو
حق* في قوله: إنه لحق، وإلى هذا ذهب أبو عمرو ولم نعلم عنه
أنّه جعله حالا من الذكر الذي في حقّ، وهذا لا اختلاف في
جوازه، وقد حمل أبو الحسن قوله: فيها يفرق كل أمر حكيم أمرا من
عندنا
__________
(1) هذا عجز بيت لرجل من أهل نجد قيل: هو عثير بن لبيد العذري،
وقيل: هو حريث بن جبلة العذري. وصدره:
حتّى كأن لم يكن إلّا تذكّره قال الغندجاني في فرحة الأديب ص
86: خلّط ابن السيرافي في هذا الاسم، إنّما هو جبلة بن الحويرث
العذري، وقد أورد ابن السيرافي تمام الأبيات في شرح أبيات
سيبويه 1/ 361، وعددها سبعة آخرها البيت. وانظر اللسان (دهر).
(6/221)
[الدخان/ 4، 5] على الحال، وذو الحال:
قوله: كل أمر حكيم وهو نكرة.
فهذه وجوه الانتصاب في مثل ما، والخلاف فيه.
[الذاريات: 44]
قال: قرأ الكسائي وحده: فأخذتهم الصعقة [الذاريات/ 44] بغير
ألف.
الباقون: الصاعقة بألف «1».
روى محمد بن السّريّ، عن أحمد بن يحيى عن أبي زيد:
الصاعقة: التي تقع من السماء، والصّاقعة التي تصقع الرءوس. قال
أحمد: وقال الأصمعي: الصاعقة والصاقعة سواء، قال: وأنشد
الأصمعي:
يحكون بالمصقولة القواطع تشقّق البرق عن الصّواقع «2» وأمّا
قول الكسائي: الصعقة، فقد روي عن عمر وعثمان فيما زعموا، وقيل
إن الصّعقة مثل الزّجرة، هو الصوت الذي يكون عن الصاعقة وقال
بعض الرجاز:
لاح سحاب فرأينا برقه ثمّ تدانى فسمعنا صعقه «3»
__________
(1) السبعة ص 609.
(2) انظر اللسان (صقع).
(3) انظر اللسان (صعق) وفيه: ثمّ تدلّى بدل ثمّ تدانى.
(6/222)
[الذاريات: 46]
اختلفوا في كسر الميم وفتحها من قوله عزّ وجلّ: وقوم نوح من
قبل [الذاريات/ 46].
فقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وعاصم وقوم نوح فتحا.
وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي: وقوم نوح* كسرا «1».
قال أبو علي: من جرّ فقال: وقوم نوح* حمله على قوله:
وفي موسى إذ أرسلناه إلى فرعون [الذاريات/ 38] وفي قوم نوح
وقوله: وفي موسى إذ أرسلناه إلى فرعون عطف على أحد شيئين: إمّا
أن يكون على قوله: وتركنا فيها آية للذين يخافون العذاب
[الذاريات/ 37] وفي موسى، أو على قوله: وفي الأرض آيات
للموقنين [الذاريات/ 20] وفي موسى، أي: في إرسال موسى آيات
بيّنة وحجج واضحة، وفي قوم نوح آية.
ومن نصب، فقال: وقوم نوح، جاز في نصبه أيضا أمران، كلاهما على
حمل على المعنى.
فأحدهما من الحمل على المعنى أنّ قوله: فأخذتهم الصاعقة يدلّ
على: أهلكناهم*، فكأنّه قال: أهلكناهم وأهلكنا قوم نوح.
والآخر: أن قوله: فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم [الذاريات/
40] ألا ترى أنّ هذا الكلام يدلّ على أغرقناهم، فكأنّه قال:
فغرقناهم، وأغرقنا قوم نوح.
__________
(1) السبعة ص 609.
(6/223)
|