الحجة للقراء السبعة ذكر اختلافهم في
سورة الطور
[الطور: 21]
قرأ ابن كثير وعاصم وحمزة والكسائي: واتبعتهم [21] بالتاء
ذريتهم واحدة بهم ذريتهم واحدة أيضا.
وقرأ نافع واتبعتهم ذريتهم واحدة، بهم ذرياتهم جماع.
خارجة عن نافع فيهما مثل حمزة.
وقرأ ابن عامر: واتبعتهم بالتاء ذرياتهم* برفع التاء جماعة
ألحقنا بهم ذرياتهم جماعة أيضا.
وقرأ أبو عمرو: وأتبعناهم ذرياتهم جماعة بهم ذرياتهم جماعة
أيضا «1».
الذّرّيّة: اسم يقع على الصغير والكبير، فممّا أريد به الصغير
قوله: قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة [آل عمران/ 38] فنادته
الملائكة ... الله يبشرك بيحيى [آل عمران/ 39].
وأمّا وقوعه على الكبار البالغين، فقوله: ومن ذريته داود
__________
(1) السبعة ص 612.
(6/224)
وسليمان وأيوب ويوسف [الأنعام/ 84] فإن
حملت الذّرّيّة في الآية على الصّغار كان قوله: بإيمان في موضع
نصب على الحال من المفعولين، أي: اتّبعتهم بإيمان من الآباء
ذرّيّتهم، ألحقنا الذّرّيّة بهم في أحكام الإسلام، فجعلناهم في
حكمهم في أنّهم يرثون ويورثون، ويدفن موتاهم في مقابر
المسلمين، وحكمهم حكم الآباء في أحكامهم إلّا فيما كان موضوعا
عن الصغير لصغره. وإن جعلت الذّرّيّة للكبار كان قوله بإيمان
حالا من الفاعلين الذين هم ذريتهم، أي: ألحقنا بهم ذريّتهم في
أحكام الدّنيا والثواب في الآخرة، وما ألتناهم من عملهم أي: من
جزاء عملهم من شيء كما قال: فلا تظلم نفس شيئا [الأنبياء/ 47]،
وكما قال: وإنما توفون أجوركم يوم القيامة [آل عمران/ 185] ومن
يعمل من الصالحات فلا يخاف ظلما ولا هضما [طه/ 112] فمن قرأ:
ذريتهم* وأفرد، فلأنّ الذّرّيّة تقع على الكثرة، فاستغنى بذلك
عن جمعه، وكذلك القول في قوله: بهم
ذريتهم
في أنّه أفرده وألحق التاء في واتبعتهم لتأنيث الاسم.
وقول نافع: وجهه أنّه جمع وأفرد، لأنّ كلّ واحد منهما جائز،
ألا ترى أنّ الذّرّيّة قد تكون جمعا؟ فإذا جمعه فلأنّ الجموع
قد تجمع نحو: أقوام وطرقات.
وقول ابن عامر: واتبعتهم ذرياتهم ... ألحقنا بهم ذرياتهم أنّه
جمع الموضعين، لأنّ الجموع تجمع نحو: الطرقات والجزرات
وفي الحديث: «صواحبات يوسف» «1».
وقول أبي عمرو: أتبعناهم ذرياتهم جماعة، بهم ذرياتهم
__________
(1) انظر مسند أحمد بن حنبل 6/ 159، 210، 224
(6/225)
جماعة، الفعل فيه للمتكلمين، وتبعت يتعدّى
إلى مفعول، فإذا ثقّل بالهمزة تعدّى إلى مفعولين، فالمفعول
الأوّل الهاء والميم، والمفعول الثاني: ذريّاتهم وكذلك
ذرّيّاتهم مفعول ألحقنا.
[الطور: 21]
قرأ ابن كثير: وما ألتناهم [الطور/ 21] بكسر اللّام غير ممدودة
الألف.
وقرأ الباقون: ألتناهم مفتوحة الألف واللّام غير ممدودة أيضا
«1».
وقد تقدّم حكاية اللّغات في هذا الحرف. ويشبه أن يكون فعلنا
لغة، وقد قالوا: نقم ينقم، ونقم ينقم، فيشبه أن يكون: ألت
مثله، ومثل نحوه من حروف جاءت على فعل وفعل، وقد حكي ذلك عن
يحيى ومكانه مكانه.
[الطور: 23]
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو: لا لغو فيها ولا تأثيم [الطور/ 23]
نصبا.
وقرأ الباقون بالرفع والتنوين «2».
قوله فيها* من قوله: لا لغو فيها ولا تأثيم على قول أبي الحسن
في موضع رفع من حيث كان خبر إنّ في موضع رفع، وفي قول سيبويه
في موضع رفع بأنّه خبر مبتدأ، فهو على قول سيبويه بمنزلة:
زيد منطلق وعمرو، استغنيت عن ذكر خبر الثاني لدلالة الأوّل،
ومن رفع فقال: لا لغو فيها ولا تأثيم ألا ترى أنّه لا يخلو من
أن يكون
__________
(1) السبعة ص 612.
(2) السبعة ص 612.
(6/226)
لا* كليس أو يكون لغو مرتفعا بالابتداء،
فيكون فيها* في كلّ واحد من التقديرين يصحّ أن يكون خبرا عن
الاسمين، فأمّا قول الشاعر:
فلا لغو ولا تأثيم فيها «1» فلا يكون فيها خبرا عنهما، لأن
العامل في الخبر هو العامل في المخبر عنه، وعاملا الاسمين
مختلفان، فلا يكونان مع اختلافهما عاملين في الخبر، ومعنى ذلك:
لا لغو: أنّهم لا تزول عقولهم، فإذا لم تزل عقولهم لم يلغوا،
ولم يكن منهم ما يؤثم، كما يكون في الدنيا.
[الطور: 28]
قال: قرأ نافع والكسائي: ندعوه أنه [الطور/ 28] بفتح الألف.
وقرأ الباقون: ندعوه إنه بكسر الألف، وقال ابن جمّاز عن نافع:
ندعوه إنّه كسرا «2» من قرأ: ندعوه أنه فالمعنى لأنّه هو البر
الرّحيم، أي:
فلرحمته يجيب من دعاه، فلذلك ندعوه.
ومن كسر الهمزة قطع الكلام ممّا قبله، واستأنفه.
[الطور: 45]
قال: قرأ عاصم وابن عامر يصعقون [الطور/ 45] مرفوعة الياء.
__________
(1) صدر بيت لأمية بن أبي الصلت عجزه:
وما فاهوا به لهم مقيم سبق في 1/ 192 و 2/ 358، وهو من شواهد
النحو في شذور الذهب ص 88، والخزانة 2/ 283، والعيني 2/ 346،
والتصريح 1/ 241، والأشموني 2/ 11.
(2) السبعة ص 613.
(6/227)
وقرأ الباقون يصعقون بفتح الياء «1».
يقال: صعق الرجل يصعق، وفي التنزيل: فصعق من في السموات
[الزمر/ 68]. ومضارع صعق يصعقون.
وحجّة من فتح الياء في يصعقون قوله: فصعق من في السموات فأمّا
من قرأ يصعقون فإنّه على نقل الفعل بالهمزة صعقوا هم، وأصعقهم
غيرهم، فيصعقون من باب يكرمون لمكان النقل بالهمزة، وليس مثل
يضربون.
وحكى أبو الحسن صعق، فعلى هذا يجوز: مصعوق، ويجوز أن يكون
يصعقون، مثل يضربون، وقال غيره: هو مثل سعد وسعد.
قال: قرأ ابن عامر في رواية الحلواني عن هشام بن عمّار
[الطور: 37]
وابن كثير والكسائي في رواية الفرّاء: المسيطرون [الطور/ 37]
قال هشام: كتابها بالصاد ونقرؤها بالسين «2».
أبو عبيدة: أم هم المسيطرون: الأرباب، قال: يقال: تسيطرت عليّ:
اتّخذتني خولا «3».
وقد جاء على هذا المثال فيما رواه محمد بن السّري عن أبي
عبيدة: مبيطر ومسيطر ومهيمن ومبيقر، قال: والبيقرة مشية فيها
تقارب.
قال أبو علي: ليس هذا البناء بناء تحقير، ولكنّ الياء فيه مثل
الواو في حوقل، فكما تقول: محوقل كذلك تقول: مبيطر لإلحاقهما
جميعا بمدحرج ومسرهف.
__________
(1) السبعة ص 613.
(2) السبعة ص 613.
(3) مجاز القرآن 2/ 233.
(6/228)
ذكر اختلافهم في
سورة والنجم
[النجم: 11]
قرأ ابن كثير، وعاصم وابن عامر هذه السورة كلّها بفتح أواخر
آيها. عاصم في رواية أبي بكر [يميل] مثل: رآه [13] ورأى [11].
حفص عن عاصم يفتح ذلك كلّه وقرأ أبو عمرو ونافع: بين الفتح
والكسر.
وقرأ حمزة والكسائي ذلك كلّه بالإمالة. القطعيّ عن عبيد عن أبي
عمرو بالأفق الأعلى [النجم/ 7] ممالة، ثم دنا فتدلى [8] ممالة
ولعلا بعضهم [المؤمنون/ 91] مفتوحة، كذلك يقرؤها «1».
أمّا ترك الإمالة والتفخيم للألف فهو قول كثير من الناس،
والإمالة أيضا قول كثير منهم، فمن ترك كان مصيبا، ومن أخذ بها
كان كذلك. وقول نافع وأبي عمرو: الإمالة، إلّا أنّهم لا يجنحون
الألف إجناحا شديدا، وذلك حسن.
__________
(1) السبعة ص 614. وما بين معقوفين منه.
(6/229)
[النجم: 12]
قال: قرأ حمزة والكسائي: أفتمرونه [النجم/ 12] مفتوحة التاء
بغير ألف.
وقرأ الباقون: أفتمارونه بألف «1».
من قرأ: أفتمارونه فمعناه: أتجادلونه، أي: أتجادلونه جدالا
ترومون به دفعه عمّا علمه وشاهده من الآيات الكبرى، ويقوّي هذا
الوجه قوله: يجادلونك في الحق بعد ما تبين [الأنفال/ 6].
ومن قرأ: أفتمرونه كان المعنى: أتجحدونه.
وقال الشاعر:
ما خلف منك يا أسماء فاعترفي معنّة البيت تمري نعمة البعل «2»
أي: تجحدها، وزعموا أنّ: أفتمرونه قراءة مسروق وإبراهيم
والأعمش، والمجادلة كأنّه أشبه بهذا، لأنّ الجحود كان منهم في
هذا وفي غيره، وقد جادله المشركون، عليه السلام، في الإسراء
به، فكان ممّا قالوا له: صف لنا عيرنا في طريق الشام، ونحو
هذا.
قال: قرأ ابن عامر في رواية ابن ذكوان: ما كذب الفؤاد [النجم/
11] خفيفة وفي رواية هشام كذب* مشددة.
وخفّف الباقون الذال «3».
__________
(1) السبعة ص 614.
(2) اللسان (مرا) عن ابن بريّ. وامرأة معنة: تعتن وتعترض في كل
شيء.
(3) السبعة ص 614.
(6/230)
والحسن البصري في قوله: ما كذب الفؤاد ما
راي: أي: ما كذّب فؤاده ما رأت عيناه ليلة أسري به، بل صدّقه
الفؤاد.
قال أبو علي: كذب فعل يتعدى إلى مفعول بدلالة قوله:
كذبتك عينك أم رأيت بواسط «1» ومعنى كذبتك أي: أرتك ما لا
حقيقة له، كما أنّي إذا قلت:
كذبتني عيني، معناه: أرتني ما لا حقيقة له، وعلى هذا قال:
أري عينيّ ما لم ترأياه «2» فمعنى ما كذب الفؤاد ما رأى: لم
يكذب فؤاده ما أدركه بصره، أي: كانت رؤية صحيحة غير كاذبة،
وإدراكا على الحقيقة، ويشبه أن يكون الذي شدّد فقال: كذب* شدّد
هذا المعنى، وأكّده:
أفتمارونه على ما يرى: أترومون إزالته عن حقيقة ما ادركه وعلمه
بمجادلتكم؟ أو: أتجحدونه ما قد علمه، ولم يتعرض عليه شك فيه؟
[النجم: 20]
قال قرأ ابن كثير وحده: ومناءة الثالثة [النجم/ 20] مهموزة
ممدودة.
__________
(1) صدر بيت للأخطل عجزه:
غلس الظلام من الرباب خيالا انظر الكتاب 1/ 484، وانظر شرح
أبيات المغني للبغدادي 1/ 25.
(2) صدر بيت لسراقة البارقي عجزه:
كلانا عالم بالتّرّهات انظر النوادر/ 185، المحتسب 1/ 128،
الخصائص 3/ 153، وابن الشجري 2/ 20، 200، وابن يعيش 9/ 110،
واللسان (رأى) وانظر شرح أبيات المغني للبغدادي 2/ 179، 5/
133. والمسائل الحلبيات ص 84.
(6/231)
وقرأ الباقون: ومناة «1».
قال أبو عبيدة: اللّات والعزّى: أصنام من حجارة كانت في جوف
الكعبة «2»، ومناة أيضا صنم حجارة، ولعل مناءة بالمدّ لغة، ولم
أسمع بها عن أحد من رواة اللّغة، وقد سمّوا، زيد مناة، وعبد
مناة، ولم أسمعه بالمدّ، وقال جرير:
أزيد مناة توعد يا بن تيم تبيّن أين تاه بك الوعيد «3»
[النجم: 22]
قال: وقرأ ابن كثير: ضئزى [النجم/ 22] مهموزة.
وقرأ الباقون ضيزى بغير همز «4».
أبو عبيدة: قسمة ضيزى: ناقصة، يقال: ضزته حقّه، وضزته، أي:
نقصته، ومنعته «5».
قال أبو علي: قوله: تلك إذا قسمة ضيزى. أي: ما نسبتموه إلى
الله سبحانه من اتخاذ البنات قسمة جائرة.
فأمّا قولهم: قسمة ضيزى، ومشية حبلى، فإن النحويين يحملونه على
أنّه في الأصل، فعلى، وإن كان اللّفظ على فعلى كما أن البيوت
والعصيّ في الأصل فعول، وإن كانت الفاء مكسورة، وإنّما حملوها
على أنّها فعلى دون ما عليه اللّفظ، لأنّهم لم يجدوا في
الصّفات شيئا على
__________
(1) السبعة ص 615.
(2) مجاز القرآن 2/ 236.
(3) انظر ديوانه 1/ 332.
(4) السبعة ص 615.
(5) السبعة ص 237.
(6/232)
فعلى، كما وجدوا الفعلى نحو: الحبلى،
والفعلى نحو: السّكرى، فلمّا لم يجدوا ذلك حكموا عليه بأنّ
الفاء في الأصل مضمومة. ومن جعل العين فيه واوا على ما حكاه
أبو عبيدة من قولهم: ضزته، فينبغي أن يقول: ضوزى، وقد حكي ذلك،
فأمّا من جعله من قولك: ضزته فكان القياس أن يقول أيضا: ضوزى،
ولا يحفل بانقلاب الياء إلى الواو، لأنّ ذلك
إنّما كره في بيض، وعين، جمع بيضاء، وعيناء لقربه من الظرف،
وقد بعد من الظرف بحرف التأنيث، وليست هذه العلامة في تقدير
الانفصال كالتاء، فكان القياس أن لا يحفل بانقلابها إلى الواو
كما لم يبال ذلك في حولل، وعوطط، وكأنّهم آثروا الكسرة والياء
على الضّمّة والواو من حيث كانت الكسرة والياء أخفّ، ولم
يخافوا التباسا حيث لم يكن في الصفة شيء على فعلى*، وإنّما هو
فعلى*، ولولا ذلك لكان حكمه حكم: كولل وكولل في الاسم والفعل،
وحكم عوطط، وحولل، ألا ترى أنّه قال: سمعناهم يقولون:
تعيّطت الناقة؟ ثم قال:
مظاهرة نيّا عتيقا وعوططا «1»
__________
(1) هذا صدر بيت عجزه:
فقد أحكما خلقا لها متباينا انظر اللسان (عوط) والعائط من
الإبل: البكرة التي أدرك إنا رحمها فلم تلقح.
وهو من شواهد سيبويه المجهولة القائل، قال الأعلم: وصف ناقة
مطارقة الشحم وافرة القوة والحجم لاعتياط رحمها وعقرها، وأصل
المظاهرة: لبس ثوب على آخر، فالظاهر منها ظهارة والباطن بطانة،
والنيّ: الشحم.
والعتيق: الحولي القديم، والمتباين: المتفاوت المتباعد، يعني
أنها كاملة
(6/233)
فإن قلت: فكيف قال: إنّ فعلى لا تكون في
أبنية الصفات، وقد حكى أحمد بن يحيى: رجل كيصى: إذا كان يأكل
وحده، وقد كاص طعامه، إذا أكله وحده؟ قيل: إنّ سيبويه إنّما
قال: لم يحك فعلى صفة، والذي حكاه أحمد بن يحيى بالتنوين، فليس
هو ما قاله سيبويه، ولا يمتنع أن تجيء الألف آخرا للإلحاق
بهجرع ونحوه.
وأمّا قول ابن كثير: ضئزى بالهمز فإنّ التوزيّ قد حكى الهمز في
هذه الكلمة فقال: ضأزه يضازه: إذا ظلمه، وأنشد:
إذا ضأزانا حقّنا في غنيمة «1» ولا ينبغي أن يكون ابن كثير
أراد بضيزى فعلى، لأنّه لو أراد ذلك لكان ضوزى، ولم يرد به
أيضا فعلى صفة لأنّ هذا البناء لم يجيء صفة، ولكن ينبغي أن
يكون أراد به المصدر مثل الذكرى، فكأنّه قال:
قسمة ذات ظلم، فعلى هذا يكون وجه قراءته.
[النجم: 32]
حمزة والكسائي: يجتنبون كبير الإثم [النجم/ 32].
__________
الخلق متباعدة ما بين الأعضاء وقد أحكم خلقها مع تفاوته
والعوطط: من عاطت الناقة تعيط عياطا وعوططا: إذا لم تحمل.
والحولل مثلها: من حالت الناقة حيالا وحوللا. الكتاب 2/ 377
وانظر المصنف 4/ 12، 42 واللسان (عوط).
(1) هذا صدر بيت عجزه:
تقنّع جارانا فلم يترمرما وروايته في اللسان (ضيز): «إذا ضاز
عنا حقنا في غنيمة» ولا شاهد فيها لأنها غير مهموزة. وفي مطلع
البيت طمس في الأصل اجتهدنا في قراءته على نحو ما أثبتنا.
(6/234)
الباقون: كبائر الإثم «1».
ممّا يدلّ على حسن إفراد الكبير في قوله: كبير الإثم أنّ فعيلا
قد جاء يعنى به الكثير، كما أنّ فعولا قد جاء كذلك في قوله:
فإن كان من قوم عدو لكم [النساء/ 92] وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا
شياطين الإنس [الأنعام/ 112] فإن كان من قوم عدو لكم «2» فكذلك
فعيل قد يراد به الكثرة كما أريده بفعول. قال:
فما لنا من شافعين ولا صديق حميم [الشعراء/ 100، 101] وقال:
وحسن أولئك رفيقا [النساء/ 69]، وعلى هذا حمل قوله: عن اليمين
وعن الشمال قعيد [ق/ 17] وقال:
وما ضرّنا أنّا قليل وجارنا عزيز وجار الأكثرين ذليل «3» وقال
رؤبة:
دعها فما النّحويّ من صديقها «4» وقال:
فقال فريق القوم لمّا نشدتهم نعم وفريق ليمن الله ما ندري «5»
__________
(1) السبعة ص 615.
(2) كذا الأصل، وهي تكرار في الاستشهاد كما هو ملاحظ للآية 92
من النساء.
(3) البيت للسموأل من قصيدة تبلغ عشرة أبيات، قال أبو علي
القالي: قال أبو علي: وقرأت على أبي بكر للسموأل بن عادياء
اليهودي وأنشد القصيدة. انظر الآمالي 1/ 269، وانظر شرح ديوان
الحماسة للمرزوقي 1/ 112.
(4) هذا رجز لرؤبة سبق في 1/ 226 و 2/ 131.
(5) البيت من شواهد المغني وهو الإنشاد الثامن والثلاثون بعد
المائة من شرح
(6/235)
ومن ثمّ لم يؤنّث في قولهم: ريح خريق،
وملحفة جديدة، وناقة سديس، وكتيبة خصيف، كما لم يؤنّث فعول في
نحو:
خذول تراعي ربربا «1» فمن ثمّ حيث كان على لفظ الإفراد،
والمراد به الكثرة في هذه المواضع وغيرها، كذلك أفردا فعيلا في
قوله: كبير الإثم، وإن كان المراد به الكبائر، ويحسن الإفراد
من وجه آخر، وهو أنّ المصدر المضاف، فعيل إليه واحد في معنى
الكثرة. ألا ترى أنّه ليس يراد به إثم بعينه؟ إنّما يراد به
الآثام، فكذلك يكون المراد بالمضاف الكثرة إذ ليس الكبير كبيرا
بعينه، إنّما هو ضروب ما كبر من الآثام، فإذا كان كذلك
فالإفراد فيه يفيد ما يفيد الجمع، وقد وصف الإثم في الآية
بالكبر، كما وصف بالعظم في قوله: افترى إثما عظيما [النساء/
48] وهذا ممّا يقوّي قراءة من قرأ: قل فيهما إثم كبير [البقرة/
219]. ألا ترى أنّ الكبر زيادة في أجزاء الشيء الكبير، كما أن
العظم كذلك؟
فإن قيل: فهلّا جمعا ذلك ليكون أبين كما جمع ذلك سائرهم؟ قيل:
إذا أتيا به على قياس ما جاء في التنزيل في غير هذا الموضع لم
يكن لقائل مقال، ألا ترى أنّه قد جاء: فإن كان من قوم عدو لكم
__________
أبيات المغني 2/ 268، وهو ضمن قصيدة طويلة لنصيب شرحها
البغدادي رحمه الله، وقد خرج هناك بما فيه الكفاية، ونضيف هنا
أن الأبيات في فرحة الأديب ص 146.
(1) قطعة من بيت لطرفة، تمامه:
خذول تراعي ربربا بخميلة تناول أطراف البرير وترتدي وهو البيت
السابع من معلقته في الديوان ص 9.
(6/236)
[النساء/ 92]،
[النجم: 50]
وقال: وهم لكم عدو [الكهف 50] فأفرد؟ وجمع في قوله: يوم نحشر
أعداء الله إلى النار [فصّلت/ 19] وإن يثقفوكم يكونوا لكم
أعداء [الممتحنة/ 2]، وأنشد أبو زيد:
وقالوا ربّك انصره فإنّ ال أعادي فيهم بأس شديد «1» فلم يمنع
من إفراد ذلك جمعه في المواضع التي جمع، فكذلك: كبير الإثم على
قولهما، ومن جمع فقال: كبائر الإثم فلأنّه في المعنى جمع،
والإثم يراد به الكثرة إلّا أنّه أفرد كما تفرد المصادر وغيرها
من الأسماء التي يراد بها الكثرة إلّا أنّه أفرد كما تفرد
المصادر وغيرها من الأسماء التي يراد بها الأجناس الكثيرة.
قال: قرأ ابن كثير وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: عادا
الأولى [النجم/ 50] منوّنة.
وقرأ نافع وأبو عمرو: وعادا لولى موصولة مدغمة.
واختلف عن نافع في الهمز فروى لنا إسماعيل القاضي عن قالون
وأحمد بن صالح عن أبي بكر بن أبي أويس، وقالون وإبراهيم
القورسي عن أبي بكر بن أبي أويس عن نافع: عادا لؤلى. وقال ابن
جماز وإسماعيل بن جعفر، ومحمد بن إسحاق عن أبيه، وورش عن نافع:
عادا لولى مثل أبي عمرو «2».
قال أبو عثمان: أساء عندي أبو عمرو في قراءته: وأنه أهلك عادا
لولى لأنّه أدغم النون في لام المعرفة، واللّام إنّما تحركت
__________
(1) البيت لشعبة بن قمير من جملة أبيات في النوادر ص 369.
(2) السبعة ص 615 مع اختلاف يسير.
(6/237)
بحركة الهمزة، وليست بحركة لازمة، والدّليل
على ذلك أنّك تقول:
الحمر، فإذا طرحت حركة الهمزة على اللّام لم تحذف ألف الوصل،
لأنّها ليست بحركة لازمة.
وقال أبو عثمان: ولكن كان أبو الحسن روى عن بعض العرب أنّه
يقول: هذا الحمر قد جاء، فيحذف ألف الوصل لحركة اللّام.
قال أبو علي: القول في عادا الأولى أنّ من حقق الهمزة من
الأولى، سكنت لام المعرفة، فإذا سكنت لام المعرفة والتنوين من
قولك: عادا المنصوب ساكن التقى ساكنان: النون التي في عادا
ولام المعرفة، فحرّكت التنوين بالكسر لالتقاء الساكنين، فهذا
وجه قول من لم يدغم، وقياس من قال: أحد الله [الإخلاص/ 1، 2]
فحذف التنوين لالتقاء الساكنين أن يحذفه هنا أيضا، كما حذفه من
أحد الله، وكما حذفه من قوله:
ولا ذاكر الله إلّا قليلا «1» إلّا أن ذا لا يدخل في القراءة،
وإن كان قياسا، وجاء في الشعر كثيرا، وجاء في بعض القراءة،
ويجوز في قول من خفّف الهمزة من الأولى على قول من قال: الحمر،
فلم يحذف الهمزة التي للوصل أن يحرّك التنوين فيقول: عادن لولى
كما يقول ذلك إذا حقّق الهمزة، لأنّ اللّام على هذا في تقدير
السكون، فكما يكسر التنوين لالتقاء الساكنين، كذلك يكسرها في
هذا القول، لأنّ التنوين في تقدير الالتقاء مع
__________
(1) عجز بيت لأبي الأسود الدؤلي، سبق في 2/ 454 وصدره:
فألفيته غير مستعتب
(6/238)
ساكن، ومن حرّك لام المعرفة، وحذف همزة
الوصل، فقياسه أن يسكن النون من عادن فيقول: عادن لولى لأنّ
اللّام ليس في تقدير سكون كما كان في الوجه الأوّل كذلك، ألا
ترى أنه حذف همزة الوصل؟ فإذا كان كذلك ترك النون على سكونها،
كما تركه في نحو:
عاد ذاهب. ولو أدخلت الخفيفة في فعل الواحد وأوقعته على نحو
الاثنين والابنين لقلت: اضرب اثنين، وأكرم ابنين، فحذفت
الخفيفة من هذا، كما تحذفها في نحو: اضرب البوم، لأنّ اللّام
من الاثنين والابنين في تقدير السكون، فتحذف الخفيفة مع لام
المعرفة إذا تحركت بهذه الحركة، كما تحذفها إذا لقيت ساكنا،
ولم يكن ذلك كقولك: اضربا لحمر، في قول من حذف معه همزة الوصل.
فأمّا قول أبي عمرو: عادا لولي فإنه لما خفّف الهمزة التي هي
منقلبة عن الفاء لاجتماع الواوين أوّلا ألقى حركتها على اللّام
الساكنة، فإذا ألقى حركتها على اللّام الساكنة، تحرّكت وقبلها
نون ساكنة، فأدغمها في اللّام كما يدغمها في الرّاء في نحو: من
راشد، وذلك بعد أن يقلبها لاما أو راء، فإذا أدغمها فيها صار
عاد لولي، وخرج من الإساءة التي نسبها إليه أبو عثمان من
وجهين: أحدهما أن يكون تخفيف الهمزة من قوله: الأولى على قول
من قال: لحمر كأنه يقول في التخفيف للهمز قبل الإدغام لولى
فيحذف همزة الوصل كما يقول:
لحمر فيحذفها، فإذا كان على هذا القول كانت اللّام في حكم
التّحرّك، وخرجت من حكم السكون بدلالة حذف همزة الوصل معه،
وإذا خرجت من حكم السكون حسن الإدغام معه كما حسن في: من لك
ومن لوه، فهذا كأنّ الإدغام كان في حرف متحرك غير ساكن كما أنّ
عامّة ما يدغم فيه من الحروف تكون متحركة. والوجه الآخر: أن
(6/239)
يكون أدغم على قول من قال: الولى* الحمر
فلم يحذف الهمزة التي للوصل مع إلقاء الحركة على لام المعرفة،
لأنّه في تقدير السكون فلا يمتنع أن يدغم فيه وإن كان في حكم
السكون كما لم يمتنع أن يدغم.
في نحو: ردّ وفرّ وعضّ، وإن كانت لاماتهنّ سواكن، ويحرّكها
للإدغام، كما يحرك السواكن التي ذكرنا للإدغام. فإذا لم يخل
الإدغام في عادا لولى من أن يكون الولى* على قول من قال: الحمر
أو قول من قال: لحمر وجاز في الوجهين جميعا ثبت صحته.
فأمّا ما روي عن نافع من أنّه همز فقال: عادا لؤلى فإنّه كما
روي عن ابن كثير في قوله: سؤقه [الفتح/ 29]. ووجهه أنّ الضّمّة
لقربها من الواو وأنّه لم يحجز بينهما شيء، صارت كأنّها عليها،
فهمزها كما يهمز الواوات إذا كانت مضمومة نحو: أدؤر والغئور،
والسؤوق، وما أشبه ذلك، وهذه لغة قد حكيت ورويت، وإن لم تكن
بتلك الفاشية.
وقوله: إنا إذا لمن الاثمين [المائدة/ 106] في قياس عادا لولى
يجوز فيه ما جاز فيه، قال أبو عثمان: ومن قرأ عادا لولى فأظهر
النون فقد أخطأ، لأنّ النون لا تظهر على اللسان الّا مع حروف
الحلق.
(6/240)
|