الحجة للقراء السبعة ذكر اختلافهم في
سورة القمر
[القمر: 8، 6]
قرأ ابن كثير ونافع يوم يدع الداع [القمر/ 6] بغير ياء،
ومهطعين إلى الداعي [القمر/ 8] بياء في الوصل، وروى إسماعيل بن
جعفر وابن جمّاز وورش عن نافع يوم يدع الداعي بياء في الوصل،
وروى عنه قالون ومحمد بن إسحاق عن أبيه وإبراهيم القورسيّ عن
أبي بكر بن أبي أويس وإسماعيل بن أبي أويس مثل ابن كثير: يوم
يدع الداع بغير ياء ومهطعين إلى الداعي بياء في الوصل.
وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: يوم يدع الداع [القمر/ 6]
وإلى الداع بغير ياء في وصل ولا وقف «1».
قد تقدّم القول في هذا النحو في غير موضع.
[القمر: 6]
وقرأ ابن كثير وحده: إلى شيء نكر [القمر/ 6] خفيفة.
__________
(1) السبعة ص 617.
... وقد رسمت (يدعو) في الأصل تارة بواو وتارة بحذفها، وقد
آثرنا حذفها.
وكذلك (الداع) أثبتنا الياء في مواطن إثباتها في القراءة،
وحذفناها في مواطن الحذف.
(6/241)
وقرأ الباقون: نكر مثقل «1».
قال أبو علي: نكر: أحد الحروف التي جاءت على فعل، وهو صفة،
وعلى ذلك حمله سيبويه، واستشهد بالآية «2»، ومثل ذلك: ناقة
أجد، ومشية سجح قال:
دعوا التّخاجؤ وامشوا مشية سجحا إنّ الرّجال ذوو عصب وتذكير
«3» ورجل شلل: الخفيف في الحاجة، فقول من قال: نكر، إنّما هو
على التخفيف مثل: رسل وكتب وسبع، والضمة في تقدير الثبات كما
كان كذلك في: لقضوا الرجل، ولذلك رفضوا أن يجمعوا كساء على فعل
في قول من قال: رسل.
[القمر: 7]
وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي: خاشعا [القمر/ 7]، بألف.
وقرأ الباقون: خشعا بغير ألف «4».
قال أبو علي: وجه من قال: خاشعا أنّه فعل متقدّم، فكما لم يلحق
علامة التأنيث لم يجمع، وحسن أن لا يؤنث، لأنّ التأنيث ليس
بحقيقيّ، ومن قال: خشّعا فقد أثبت ما يدلّ على الجمع، وهو على
لفظ الإفراد، ودلّ الجمع على ما يدلّ عليه التأنيث الذي ثبت في
نحو قوله في الأخرى: خاشعة أبصارهم [القلم/ 43] وخشعت الأصوات
للرحمن [طه/ 108]، فلذلك يرجّح: مررت برجل حسان
__________
(1) السبعة ص 617.
(2) الكتاب 2/ 315.
(3) البيت لحسان، وقد سبق في 3/ 158.
(4) السبعة ص 617 - 618.
(6/242)
قومه، على قولهم: مررت برجل حسن قومه، لأنّ
حسانا قد حمل فيه ما يدلّ على الجمع والجمع كالتأنيث في باب
أنه يدلّ عليه.
[القمر: 11]
قال وكلهم قرأ: ففتحنا أبواب السماء [القمر/ 11] خفيفة غير ابن
عامر فإنه قرأ ففتحنا مشددة «1».
قال أبو علي: وجه التخفيف أنّ فعلنا بالتخفيف يدلّ على القليل
والكثير، ووجه التثقيل أنه يخصّ الكثير، ويقوّي ذلك قوله:
مفتحة لهم الأبواب [ص/ 50].
[القمر: 26]
قال: قرأ ابن عامر وحمزة وهبيرة عن حفص وعاصم: ستعلمون غدا
[القمر/ 26] بالتاء، وقال غير هبيرة عن حفص عن عاصم بالياء،
وكذلك قرأ الباقون، وأبو بكر عن عاصم بالياء «2» حجّة الياء:
أن قبله غيبة وهو قوله: فقالوا: أبشرا منا [القمر/ 24] سيعلمون
غدا [القمر/ 26] ووجه التاء: أنه على: قيل لهم: ستعلمون غدا.
[القمر: 30]
قال: وروى ورش عن نافع ونذري [القمر/ 30] بياء وروى غيره عنه:
بغير ياء، وقرأ الباقون: بغير ياء «3».
حذف الياء لأنه فاصلة فيجري مجرى القافية في حذف الياء منها،
كما قال «3»:
من حذر الموت أن يأتين
__________
(1) السبعة 618.
(2) لم يرد بهذا التفصيل في السبعة، وانظر الحاشية فيه.
(3) البيت للأعشى وقد سبق في 3/ 219 و 4/ 115 وغيرها.
(6/243)
ذكر اختلافهم في
سورة الرحمن
[الرحمن: 12]
قرأ ابن عامر وحده والحب ذا العصف والريحان [12] بالنصب.
الباقون: الحب ذو العصف رفع «1».
قال أبو عبيدة:
العصف: الذي يعصف فيؤكل من الزرع، وهو العصيفة، قال:
علقمة ابن عبدة:
يسقي مذانب قد مالت عصيفتها حدورها من أتيّ الماء مطموم «2»
طمّها الماء: ملأها، قال: والريحان: الحبّ الذي يؤكل، تقول:
سبحانك وريحانك، أي: رزقك، وأنشد للنّمر بن تولب:
سلام الإله وريحانه ورحمته وسماء درر «3»
__________
(1) السبعة 619.
(2) اللسان (عصف) والطبري 27/ 65، والقرطبي 17/ 157.
(3) مجاز القرآن 2/ 242، 243، وتفسير الطبري 27/ 65، والقرطبي
(6/244)
وروي عن ابن عباس: العصف: الورق، قتادة:
العصف:
النّبق، وقيل: العصف والعصيفة: أعالي ورق الزرع، قول ابن عامر:
والحب ذا العصف حمله على أنّ قوله: والأرض وضعها للأنام
[الرحمن/ 10] مثل: خلقها للأنام وخلق الحبّ ذا العصف، وخلق
الريحان، وهو الرزق، ويقوّي ذلك قوله: فأخرجنا به أزواجا من
نبات شتى [طه/ 53].
قال: واختلفوا في رفع النون وخفضها من قوله: والريحان [الرحمن/
12] فقرأ ابن كثير ونافع وعاصم وابن عامر وأبو عمرو والريحان
رفع. وقرأ حمزة والكسائي: والريحان خفض «1».
قال أبو علي: من رفع فقال: الريحان حمل ذلك على الرفع الذي
قبله: فيها فاكهة، والنخل، والحبّ، وهذا أيضا يدلّ على معنى
الخلق، إلا أنه إذا تبع ما قبله كان أحسن، ليكون الكلام من وجه
واحد، وفيه الدّلالة على معنى الخلق. والريحان من قول من رفع
محمول على: فيها، والمعنى: فيها هذه الأشياء التي عدّت، أى:
فيها فاكهة والريحان والحبّ ذو العصف.
ومن جرّ فقال: ذو العصف والريحان حمله على: ذو، كأنّه:
والحبّ ذو العصف وذو الريحان، أي من الحب: الرزق، فإن قلت:
العصف والعصيفة رزق أيضا، فكأنّه قال: ذو الرزق، وذو الرزق،
__________
17/ 157 والمنصف 2/ 11، واللسان (روح) (درر) ومعه بيت آخر هو:
غمام ينزّل رزق العباد فأحيا البلاد وطاب الشجر
(1) السبعة 619.
(6/245)
قيل: هذا لا يمتنع، لأن العصيفة رزق غير
الذي أوقع الريحان عليه، وكأن الريحان أريد به الحبّ إذا خلص
من لفائفه فأوقع عليه الرزق لعموم المنفعة، وأنه رزق للناس
ولغيرهم. ويبعد أن يكون الريحان المشموم في هذا الموضع إنما هو
قوت للناس والأنعام، كما قال:
فأخرجنا به أزواجا من نبات شتى كلوا وارعوا أنعامكم [طه/ 53]
أي: ارعوها إياها، وقال: متاعا لكم ولأنعامكم [عبس/ 32] فكذلك:
العصيفة يختصّ بأنه رزق الأنعام، والريحان يعمّ الأناسي
وغيرهم، فإن قلت: كيف يكون الريحان مصدرا وهو في الأصل فيعلان
والعين محذوفة، وليس في أبنية المصادر شيء على هذا الوزن، قيل:
يجوز في ذلك وجهان، أحدهما: أن تجعله اسما وضع موضع المصدر كما
وضع تربا وجندلا، ونحو ذلك موضع المصادر.
والآخر: أن يكون هذا مصدرا اختصّ به المعتلّ كما اختصّ بكينونة
ونحوه، وليس ذلك في الصحيح. ويحتمل وجها آخر: وهو أن تجعله على
فعلان، مثل: الليان، وتجعل الياء بدلا من الواو، كما جعلت
الواو بدلا من الياء في أشاوى، وكذلك جعلت الياء بدلا من الواو
في ريحان، فانتصب انتصاب المصادر فيما حكاه سيبويه من قولهم:
سبحان الله وريحانه «1»، كأنه قال: واسترزاقا، وليس ذلك كما
لزمه الانتصاب من المصادر نحو: معاذ الله وسبحان الله، ألا ترى
أنه قد جاء مرفوعا في بيت النمر «2»، ومجرورا في قراءة من جرّ
الريحان.
[الرحمن: 22]
قال: قرأ نافع وأبو عمرو: يخرج منهما بضمّ الياء اللؤلؤ
والمرجان [الرحمن/ 22] رفع.
__________
(1) انظر الكتاب 1/ 322 (ت. هارون).
(2) سبق قريبا.
(6/246)
وروى حسين عن أبي عمرو يخرج* برفع الياء
وكسر الراء، اللؤلؤ والمرجان نصبا.
وقرأ ابن كثير وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: يخرج منهما
منصوبة الياء، واللؤلؤ والمرجان رفع «1».
أبو عبيدة: المرجان: صغار اللؤلؤ واحدها مرجانة «2»، قال ذو
الرّمّة:
كأنّ عرا المرجان منها تعلّقت على أمّ خشف من ظباء المشافر «3»
من قال: يخرج منهما اللؤلؤ كان قوله بيّنا، لأن ذلك إنما يخرج
لا يخرج بنفسه، وكذلك من قال: يخرج* أي: يخرجه الله، فنسب
الإخراج إلى الله تعالى، لأنه بقوّته وتمكينه، ومن قال: يخرج
جعل الفعل للؤلؤ والمرجان، وهو اتّساع، لأنه إذا أخرج ذلك خرج.
وقال: يخرج منهما وإنما يخرج من أحدهما، على حذف المضاف، كما
قال: على رجل من القريتين عظيم [الزخرف/ 31] على ذلك. وقال أبو
الحسن: وعند قوم أنه يخرج من العذب أيضا.
[الرحمن: 24]
وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر والكسائي:
المنشآت [الرحمن/ 24] فتحا «4».
__________
(1) السبعة 119.
(2) مجاز القرآن 2/ 244.
(3) عرى المرجان: الأطواق، وأم خشف: الظبية. والمشافر: ج مشفر
وهو العقد من الرمل المطمئن. انظر ديوانه 3/ 1671.
(4) في السبعة: بفتح العين.
(6/247)
وقرأ حمزة: المنشئات كسرا.
وروى يحيى عن أبي بكر عن عاصم: المنشآت والمنشئات فتحا وكسرا.
وروى عنه حفص: المنشآت فتحا.
وروى حرميّ عن حماد بن سلمة عن عاصم: المنشآت فتحا «1».
أبو عبيدة: المنشآت: المجريات، المرفوعات «2».
وجه من قال: المنشآت أنها أنشئت وأجريت، ولم تفعل ذلك أنفسها،
أي: فعل بها الإنشاء، وهذا بيّن لا إشكال فيه.
ومن قال: المنشئات نسب الفعل إليها على الاتّساع. كما يقال:
مات زيد، ومرض عمرو، وغير ذلك مما يضاف الفعل إليه إذا وجد
فيه، وهو في الحقيقة لغيره، فكان المعنى: المنشئات السير، فحذف
المفعول للعلم به، وإضافة السير إليها أيضا اتّساع، لأن سيرها
إنما يكون في الحقيقة لهبوب الريح، أو رفع الصواري.
[الرحمن: 31]
قرأ ابن كثير ونافع وعاصم وأبو عمرو وابن عامر: سنفرغ [الرحمن/
31] بالنون، وروى حسين الجعفي عن أبي عمرو سيفرغ بفتح الياء
والراء.
وقرأ حمزة والكسائي: سيفرغ بفتح الياء وضمّ الراء «3».
وجه الياء في سيفرغ أن الغيبة قد تقدم في قوله: وله الجواري
[الرحمن/ 24] وقوله: ... وجه ربك [الرحمن/ 27]
__________
(1) السبعة 620 مع اختلاف يسير في العرض.
(2) مجاز القرآن 2/ 244.
(3) السبعة 620.
(6/248)
سيفرغ، ويقال: فرغ يفرغ وفرغ يفرغ، وقال
أبو الحسن: بنو تميم يقولون: فرغ يفرغ مثل: علم يعلم، وروي أن
في حرف أبيّ:
سنفرغ إليكم، وليس الفراغ هنا فراغا من شغل، ولكن تأويله
القصد، كما قال جرير «1»:
ألان فقد فرغت إلى نمير فهذا حين صرت لهم عذابا
[الرحمن: 31]
قال: قرأ ابن عامر: أيه الثقلان [الرحمن/ 31] بضمّ الهاء، ويقف
بالهاء، قال: فمن قرأ بهذه القراءة وقف على الهاء، وكان أبو
عمرو يقف أيها بألف.
قال: أخبرني محمد بن يحيى قال: حدّثنا أبو جعفر الضرير، يعني
محمدا، قال: كان الكسائي يقف: أيها بالألف «2».
لا وجه لقول ابن عامر أيه الثقلان وقد ذكرنا فيما قبل وجه
الشّبهة فيها.
[الرحمن: 35]
قال: قرأ ابن كثير وحده: شواظ من نار بكسر الشين [الرحمن/ 35].
وقرأ الباقون: شواظ برفع الشين.
الشّواظ والشّواظ لغتان. زعموا. قال أبو الحسن: أهل مكّة
يكسرون الشواظ.
[الرحمن: 35]
قال: قرأ ابن كثير وأبو عمرو: ونحاس كسرا،
__________
(1) سبق، انظر 4/ 256.
(2) السبعة 620.
(6/249)
[الرحمن/ 35]، وقرأ الباقون: ونحاس رفعا
«1».
أبو عبيدة: شواظ من نار: اللهب لا دخان له، وقال رؤبة:
إنّ لهم من وقعنا أقياظا ونار حرب تسعر الشّواظا «2» قال:
والنحاس: الدخان. قال الجعدي «3»:
يضيء كضوء سراج السلى ط لم يجعل الله فيه نحاسا قال: السليط:
الحلّ «4». وروي عن ابن عباس أيضا: الشواظ:
لهب لا دخان فيه، وعنه أيضا: النحاس: الدخان.
قال أبو علي: إذا كان الشواظ اللهب لا دخان فيه، ضعف قراءة من
قرأ: شواظ من نار ونحاس ولا يكون على تفسير أبي عبيدة إلا
الرفع، ونحاس على: يرسل عليكما شواظ من نار، ويرسل نحاس، أي:
يرسل هذا مرة وهذا أخرى. فإن قلت: فهل يجوز الجرّ في نحاس على
تفسير ابن عباس وأبي عبيدة، فإنه يجوز من وجه وهو
__________
(1) السبعة 621.
(2) أنشدهما ابن دريد للعجّاج في الجمهرة 3/ 122 ... أقياظا: ج
قيظ وهو صميم الصيف، وقاظ يومنا: اشتد حرّه والبيتان في ملحقات
ديوان العجّاج 2/ 349، وفي اللسان مادة/ شوظ/.
(3) السليط: الزيت الجيد أو دهن السمسم، والنحاس: بضمّ النون
وكسرها:
الدخان قال أبو حنيفة: هو الذي يعلو وتضعف حرارته ويخلص من
اللهب.
انظر شعر النابغة الجعدي ص 81، ومجاز القرآن 2/ 244، 254.
والطبري 27/ 73، والاقتضاب ص 407، واللسان/ سلط/.
(4) الحل: الشيرج، ودهن السمسم (اللسان حلل).
(6/250)
على أن تقدّره: يرسل عليكما شواظ من نار
وشيء من نحاس، فتحذف الموصوف وتقيم الصفة مقامه كقوله: ومن
آياته يريكم البرق [الروم/ 24] ومن الذين هادوا يحرفون الكلم
[النساء/ 46] وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به [النساء/ 159]
ومن أهل المدينة مردوا على النفاق [التوبة/ 101]، فحذف الموصوف
من ذلك كلّه، وكذلك في الآية فإن قلت: فإن هذا فاعل، والفاعل
لا يحذف فقد جاء «1»:
وما راعني إلّا يسير بشرطة وعهدي به قينا يفشّ بكير على أن هذا
الحذف قد جاء في المبتدأ في الآية التي تلوتها أو بعضها، وقد
قالوا: تسمع بالمعيديّ لا أن تراه «2».
فإذا حذف الموصوف بقي بعده قوله: من نار الذي هو صفة لشيء
المحذوف، وحذف من، لأن ذكره قد تقدّم في قوله من نار فحسّن ذلك
حذفه، كما حسّن حذف الجار من قوله: على من تنزل أنزل، وكما
أنشده أبو زيد من قول الشاعر «3»:
أصبح من أسماء قيس كقابض على الماء لا يدري بما هو قابض أي:
بما هو قابض عليه، فحذف لدلالة الجار على المتقدّم
__________
(1) البيت لمعاوية الأسدي سبق ذكره 4/ 155.
(2) من أمثال العرب يضرب للشيء الذي لم تره ويعظم في نفسك
بالسماع، فإذا رأيته اقتحمته عينك وله رواية: أخرى: تسمع
بالمعيدي خير من أن تراه.
الوسيط في الأمثال 1/ 83، وكتاب الأمثال لابن سلام/ 97.
(3) لقيس بن جروة تقدم ذكره في ج 1/ 260.
(6/251)
عليه، وكما حذف الجار عند الخليل من قوله:
إن لم يجد يوما على من يتّكل «1» يريد عنده: على من يتّكل
عليه، فحذف الجارّ لجري ذكره، فكذلك سهل حذف من في الآية بعض
السهولة لجري ذكره قبل، فيكون انجرار نحاس على هذا بمن
المضمرة، لا بالإشراك بمن التي جرّت في قوله: من نار، وإذا
انجرّت بمن هذه لم يكن الشواظ الذي هو: اللهب، قسطا من الدخان.
وحكي عن أبي عمرو أنه قال: لا يكون الشواظ إلا من نار، وشيء،
يعني من شيئين. وقال أبو الحسن: قال بعضهم: لا يكون الشواظ إلا
من النار والدخان جميعا، قال: وكل حسن، إلا أنّا نختار الرفع،
يعني الرفع في قوله: ونحاس. قال أبو علي: فإذا كان الأمر على
هذا فالجرّ متّجه، وليس بممتنع كما امتنع من تفسير أبي عبيدة،
إلا من حيث ذكر.
[الرحمن: 74، 56]
قال: قرأ الكسائي وحده: لم يطمثهن* بضمّ الميم في الحرف الأول
[56] وبكسرها في الثاني [74]، وكذلك أخبرني الكسائيّ عن أبي
الحارث عنه، وقال أبو عبيدة: كان الكسائي يرى الضمّ فيها
والكسر، وربّما كسر إحداهما، وضمّ الأخرى. وأخبرنا أحمد بن
يحيى ثعلب، عن مسلمة عن أبي الحارث عن الكسائي: لم
__________
(1) عجز بيت لأحد الأعراب وصدره:
إن الكريم وأبيك يعتمل انظر الكتاب لسيبويه 1/ 443، وانظر شرح
أبيات المغني للبغدادي 3/ 242، 304، واللسان (عمل).
(6/252)
يطمثهن يقرؤها بالضمّ والكسر جميعا، لا
يبالي كيف قرأها.
والباقون بكسر الميم فيهما «1».
يطمث ويطمث لغتان، مثل: يحشر ويحشر، ويعكف ويعكف.
قال أبو عبيدة: لم يطمثهن: لم يمسسهنّ، قال يقال: ما طمث هذا
البعير حبل قطّ، أي: ما مسّه حبل قط «2»، قال رؤبة «3».
كالبيض لم يطمث بهنّ طامث
[الرحمن: 78]
قال: قرأ ابن عامر وحده: تبارك اسم ربك ذو الجلال [الرحمن/ 78]
بالواو وكذلك في مصاحف أهل الحجاز والشام.
وكلّهم قرأ: ذي الجلال والإكرام بالياء، وكذلك في مصاحف أهل
الحجاز والعراق «4».
من قال: ذي فجرّ جعله صفة لربّك، وزعموا أن في حرف ابن مسعود:
ويبقى وجه ربك ذي الجلال بالياء في كلتيهما.
وقال الأصمعي: لا يقال الجلال إلا في الله عزّ وجلّ، فهذا
يقوّي الجرّ، إلا أن الجلال قد جاء في غير الله سبحانه، قال
«5»:
__________
(1) السبعة 621.
(2) مجاز القرآن 2/ 245، 246.
(3) وبعده:
ازمان رأسي قصب جثاجث من أرجوزة يمدح فيها الحارث بن سليم
الهجيمي. ديوانه/ 29.
(4) السبعة 621.
(5) لبيت لهدية بن خشرم العذري: يصف المنايا وعمومها للخلق
فيقول:
(6/253)
فلا ذا جلال هبنه لجلاله ولا ذا ضياع هنّ
يتركن للفقر فالجرّ الوجه في ذي، ومن رفع أجراه على الاسم
__________
لا يتركن الجليل هيبة لجلاله، ولا الضائع الفقير إشفاقا لضياعه
وفقره.
وهو من شواهد سيبويه 1/ 72، وابن الشجري 1/ 334، والمفصل 2/
37.
(6/254)
|