الحجة للقراء السبعة

ذكر اختلافهم في سورة المجادلة
[المجادلة: 2]
قرأ عاصم في رواية المفضل عن «1»: ما هن أمهاتهم [2] رفع، ولم يختلف في ذلك أنه نصب على لفظ حفص «2».
وجه الرفع أنه لغة تميم، قال سيبويه: وهو أقيس الوجهين، وذلك أنّ النفي كالاستفهام، كما لا يغيّر الاستفهام الكلام عمّا كان عليه في الواجب، وكذلك ينبغي أن لا يغيّر في النفي عمّا كان عليه في الواجب، ووجه النصب: أنه لغة أهل الحجاز، والأخذ في التنزيل بلغتهم أولى، وعليها جاء قوله: ما هذا بشرا [يوسف/ 31]، ووجهه من القياس، أن يدخل على الابتداء والخبر كما أنّ ليس تدخل عليهما، وهي تنفي ما في الحال، كما أن ليس تنفي ما في الحال، وقد رأيت الشبهين إذا قاما في شيء من شيء، جذباه إلى حكم ما فيه الشبهان منه، فمن ذلك جميع ما لا ينصرف مع كثرته واختلاف فنونه، لمّا حصل الشّبهان من الفعل صار بمنزلته في امتناع الجرّ والتنوين منه، فكذلك ما* لما حصل فيه الشبهان من ليس وجب
__________
(1) «عن»: ساقطة من السبعة.
(2) السبعة 628. وذكر الآية: (ما هنّ أمهاتهم).

(6/277)


على هذا أن يكون في حكمها، ويعمل عملها، كما أن جميع ما لا ينصرف صار بمنزلة الفعل فيما ذكرنا، وغير ذلك يبعد فيه كما يبعد صرف ما لا ينصرف.

[المجادلة: 2]
قال: قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: والذين يظهرون [المجادلة/ 2] بغير ألف.
وقرأ عاصم: والذين يظاهرون خفيف بألف وضم الياء.
وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي: يظاهرون* بفتح الياء بألف مشدّدة الظاء «1».
قال أبو علي: ظاهر من امرأته، وظهّر، مثل ضاعف وضعّف، وتدخل التاء على كل واحد منهما فيصير: تظاهر وتظهّر، ويدخل حرف المضارعة فيصير: يتظهّر، ويتظاهر، ثم تدغم التاء في الظاء لمقاربتها لها، فيصير: يظّاهر ويظّهّر، ويفتح التاء التي للمضارعة لأنها للمطاوعة كما يفتحها في يتدحرج الذي هو مطاوع دحرجته فتدحرج، وإنما فتحت الياء في يظّاهر، ويظّهّر، لأنه للمطاوع، كما أن يتدحرج كذلك، ولأنه على وزنهما، وإن لم يكونا للإلحاق.
فأما قول عاصم: يظاهرون فقال أبو الحسن هو كثير في القراءة، وفي كلام العرب. قال أبو علي: وقولهم: الظهار، وكثرة ذلك على الألسنة، يدلّ على ما قال أبو الحسن.

[المجادلة: 8]
قال: قرأ حمزة وحده: وينتجون [المجادلة/ 8] بغير ألف.
والباقون: يتناجون بألف «2».
قال أبو علي: ينتجون يفتعلون من النّجوى، والنّجوى:
__________
(1) السبعة 628.
(2) السبعة 628.

(6/278)


مصدر كالدّعوى والعدوى، ومثل ذلك في أنه على فعلى: التّقوى إلا أن الواو فيها مبدلة وليست بلام، ولما كان مصدرا وقع على الجميع على لفظ الواحد في قوله: إذ يستمعون إليك، وإذ هم نجوى [الإسراء/ 47] أي: ذوو نجوى، ومما يدلّ على ذلك قوله: لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة [النساء/ 114] أي: إلا في نجوى من أمر بصدقة، فأفرد ذلك، وإن كان مضافا إلى جماعة لما كان مصدرا، كقوله: ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة [لقمان/ 28] ونحو ذلك، وقال: ما يكون من نجوى ثلاثة إلا [المجادلة/ 7].
وقوله: ثلاثة يحتمل جرّه أمرين، أحدهما: أن يكون مجرورا بإضافة نجوى إليه، كأنه: ما يكون من سرار ثلاثة إلا هو رابعهم، أي: لا يخفى عليه ذلك، كما قال: ألم يعلموا أن الله يعلم سرهم ونجواهم [التوبة/ 78] وكقوله: فإنه يعلم السر وأخفى [طه/ 7]، ويجوز أن يكون ثلاثة جرّا على الصفة على قياس قوله: وإذ هم نجوى [الإسراء/ 47]، فأما النّجيّ فصفة تقع على الكثرة كالصّديق والرفيق والحميم، ومثله الغزي، قال جرير «1» فجمع:
تريح نقادها جشم بن بكر وما نطقوا بأنجية الخصوم وأنشد أبو زيد «2»:
__________
(1) ديوانه/ 495 برواية: (الحكوم). والنقّاد: صغار الضأن- والأنجية: القوم يتشاورون في الأمر جمع نجيّ.
(2) نسب اللسان هذا البيت في مادة/ نجا/ إلى سحيم بن وثيل اليربوعي بينما لم ينسبه أبو زيد في النوادر إلى أحد، انظر النوادر/ 159 (ط. الفاتح).

(6/279)


إني إذا ما القوم كانوا أنجيه واختلف القول اختلاف الأرشية وفي التنزيل: خلصوا نجيا [يوسف/ 80]، فأما قول حمزة:
ينتجون وقول سائرهم: يتناجون فإنّ يفتعلون، ويتفاعلون يجريان مجرى واحدا، ومن ثمّ قالوا: ازدوجوا واعتوروا، فصحّحوا الواو، وإن كانت على صورة يجب فيها الاعتلال لما كان بمعنى تعوروا وتزاوجوا، كما صحّ: عور وحول وصيد، لما كان ذلك على معنى افعال، ومن ثمّ جاء: حتى إذا اداركوا فيها جميعا [الأعراف/ 38] فادّاركوا: افتعلوا، وادّاركوا: تفاعلوا، فكذلك في المعنى في: ينتجون، ويتناجون واحد.
ومن حجّة من قرأ: يتناجون [المجادلة/ 8] قوله: إذا ناجيتم الرسول [المجادلة/ 12] وتناجوا بالبر والتقوى [المجادلة/ 9]، فهذا مطاوع: ناجيتم* وليس في هذا ردّ لقراءة حمزة ينتجون لأن هذا في مساغه وجوازه مثل: ناجيت. وينتجون، قراءة الأعمش فيما زعموا.

[المجادلة: 11]
قال: قرأ عاصم وحده: تفسحوا في المجالس [المجادلة/ 11] بألف، وقرأ الباقون: في المجلس بغير ألف «1».
قال أبو علي: زعموا أنه مجلس النبيّ صلى اللَّه عليه وآله وسلم، فإذا كان كذلك فالوجه الإفراد، ويجوز أن يجمع على هذا على أن تجعل لكلّ جالس مجلسا، أي: موضع جلوس، ويكون المجلس على إرادة العموم مثل قولهم: كثر الدينار والدرهم، فيشهد على هذا جميع المجالس، ومثله في التنزيل: إن الإنسان لفي خسر [العصر/ 2].
__________
(1) السبعة 629.

(6/280)


وقرأ نافع وابن عامر وحفص عن عاصم والأعشى عن أبي بكر عن عاصم وهارون بن حاتم عن أبي بكر: وإذا قيل انشزوا فانشزوا [المجادلة/ 11]، برفع الشين [فيهما] وأمّا يحيى فروى عن أبي بكر، أنه لم يحفظ كيف قرأ عاصم زعم ذلك خلف وأبو هشام والوكيعي «1» عن يحيى، وقال ابن سعدان عن محمد بن المنذر عن يحيى عن أبي

[المجادلة: 11]
بكر عن عاصم: وإذا قيل انشزوا فانشزوا بكسر الشين، وقال غيره عن يحيى عن أبي بكر، لم أحفظها عن عاصم، فسألت عنها الأعمش فقال: انشزوا فانشزوا بكسر الشين فيهما. وقال عبد الجبار بن محمد العطاردي «2» سألت عروة بن محمد: كيف ينبغي أن تكون قراءة عاصم؟ فقرأها برفع الشين وقال: هو مثل: يعكفون [الأعراف/ 138].
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي: وإذا قيل انشزوا فانشزوا بكسر الشين فيهما «3».
قال أبو علي: انشزوا هو من النشز: المرتفع من الأرض، وقال الشاعر «4»:
ترى الثعلب الحوليّ فيها كأنه إذا ما علا نشزا حصان مجلّل
__________
(1) في الأصل الوكيعي، بإسقاط الواو، والتصويب من السبعة. وانظر ترجمة الوكيعي في طبقات القرّاء 1/ 7، ترجمة رقم 12.
(2) انظر طبقات القرّاء 1/ 358.
(3) السبعة 629 وما بين معقوفين منه.
(4) البيت غير منسوب وقد ذكره القرطبي في تفسيره 3/ 295

(6/281)


ومن هذا نشوز المرأة عن زوجها، وينشز وينشز: مثل يحشر ويحشر، ويعكف ويعكف.

[المجادلة: 22]
قال: روى المفضل عن عاصم: أولئك كتب في قلوبهم الإيمان [المجادلة/ 22] برفع الكاف من كتب*، ورفع النون من الإيمان، وقرأ الباقون: أولئك كتب في قلوبهم الإيمان «1».
قال أبو علي: معنى كتب في قلوبهم الإيمان، كتب في قلوبهم علامته، فحذف المضاف، ومعنى كتابة الإيمان في قلوبهم:
أنها سمة لمن يشاهدهم من الملائكة أنهم مؤمنون، كما أن قوله في الكفّار: وطبع الله على قلوبهم [التوبة/ 93] علامة يعلم من شاهدها من الملائكة أنه المطبوع على قلبه، وعلى هذا قوله: ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا [الكهف/ 28] أي: جعلها غفلا من العلامة التي تكون في قلوب الذاكرين.
ومن أسند الفعل إلى الفاعل فلتقدّم ذكر الاسم، ويقوّي ذلك أن المعطوف عليه مثله وهو قوله: وأيدهم بروح منه [المجادلة/ 22] ومن قال: كتب* فلأنه يعلم أنه من فعل اللَّه عزّ وجلّ.

[المجادلة: 21]
نافع وابن عامر: ورسلي إن الله [المجادلة/ 21] بفتح الياء.
والباقون لا يحرّكون «2».
قال أبو علي: التحريك والإسكان جميعا حسنان.
__________
(1) السبعة 630.
(2) السبعة 629.

(6/282)


ذكر اختلافهم في سورة الحشر
[الحشر: 2]
قرأ أبو عمرو وحده: يخربون [2] شديدة، وقرأ الباقون:
يخربون خفيفة «1».
خرب الموضع وأخربته وخرّبته مثل فرح وفرّحته وأفرحته، وغرم وغرمته وأغرمته، قال الشاعر:
وأخربت من أرض قوم ديارا «2» وحكي عن أبي عمرو: الإخراب: أن يترك الموضع خربا، والتخريب: الهدم.

[الحشر: 14]
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو: من وراء جدار [14] بألف.
والباقون: جدر.
__________
(1) السبعة 632.
(2) عجز بيت للأعشى وصدره:
فأقللت قوما وأعمرتهم والمعنى: أقلّ الشيء حمله ورفعه، وأعمره الدار أو الإبل: أعطاه إيّاها: انظر ديوانه/ 49

(6/283)


قال أبو علي: المعنى في الجمع أنهم لا يصحرون «1» معكم للقتال، ولا يبرزون لكم، ولا يقاتلونكم حتى يكون بينكم وبينهم حاجز من حصن أو سور، فإذا كان كذلك، فالمعنى على الجمع، إذ ليس المعنى أنهم يقاتلونكم من وراء جدار واحد، ولكن من وراء جدر، كما لا يقاتلونكم إلا في قرى محصّنة. فكما أن القرى جماعة، كذلك الجدر ينبغي أن تكون جمعا، وكأنّ المراد في الإفراد الجمع، لأنه يعلم أنهم لا يقاتلونهم من وراء جدار واحد.

[الحشر: 16]
قال: نصب ابن كثير ونافع وأبو عمرو: إني أخاف الله* [الحشر/ 16]، وأسكنها الباقون «2».
قال أبو علي: التحريك والإسكان حسنان.
__________
(1) أصحر القوم: إذا برزوا إلى فضاء لا يواريهم شيء. انظر اللسان/ صحر/
(2) السبعة 632.

(6/284)