الحجة للقراء السبعة ذكر اختلافهم في
سورة المنافقين
[المنافقون: 4]
قرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي: خشب [4] ممّا قرأت على قنبل
خفيفة.
وقال أبو ربيعة «2»: خشب مثقّلة، وروى عبيد عن أبي عمرو خشب
مثقّلة، وكذلك روى عبّاس أيضا، وقال الخفّاف وأبو زيد مثقّل،
وقال اليزيدي وعبد الوارث: خشب خفيفة.
__________
(1) السبعة 636.
(2) هو محمد بن إسحاق بن وهب أبو ربيعة الربعي المكّي المؤدب،
مؤذّن المسجد الحرام مقرئ جليل ضابط توفي سنة 294 هـ. انظر
ترجمته في الطبقات 2/ 99.
(6/291)
وقرأ نافع وعاصم وابن عامر وحمزة: خشب
مثقلة، والمفضل عن عاصم: خشب خفيفة «1».
قال أبو علي: من خفف فقال: خشب جعله مثل: بدنة وبدن، وقال:
والبدن جعلناها لكم [الحج/ 36]، ومثل ذلك في المذكر: أسد وأسد،
ووثن ووثن، وزعم سيبويه أنه قراءة، يعني قوله:
إن تدعون من دونه إلا أثنا [النساء/ 117] «2» والتثقيل: أن فعل
قد جاء في مذكره، قالوا: أسد كما قالوا في جمع نمر: نمر، وجاء
بيت «3»:
تقدم إقداما عليكم كالأسد قال أبو الحسن: التحريك في خشب لغة
أهل الحجاز.
[المنافقون: 5]
وقرأ نافع: لووا* [المنافقون/ 5] خفيفة، وكذلك المفضل عن عاصم
مثل نافع.
وقرأ الباقون لووا مشددة «1».
__________
(1) السبعة 636.
(2) ذكر سيبويه 3/ 571 (ت هارون) أنك تكسر (فعلا) على (فعل)،
قال:
وذلك قليل، وذلك نحو: أسد وأسد، ووثن ووثن، بلغنا أنها قراءة.
ولم يشر إلى الحرف الذي قرئ فيه ذلك.
وذكر صاحب اللسان (وثن): أن جمع الوثن أوثان ووثن ووثن وأثن،
على إبدال الهمزة من الواو، وقد قرئ: (إن يدعون من دونه إلا
أثنا). حكاه سيبويه. قال الفراء: وهو جمع الوثن، فضم الواو
وهمزها، كما قال: (وإذا الرسل أقتت) قلت: وهذه القراءة ليست من
القراءات الأربع عشرة.
(3) لم نظفر بقائله أو تتمته، وقد نقل الطبرسي كلام أبي علي في
مجمع البيان بمجمله.
(6/292)
التخفيف يصلح للقليل والكثير، والتثقيل
يختصّ بالكثرة، وحجّة التخفيف: ليا بألسنتهم [النساء/ 46]،
واللي: مصدر لوى، مثل: طوى طيّا، فالتخفيف أشبه بقوله: ليا
والتثقيل، لأن الفعل للجماعة، فهو كقوله: مفتحة لهم الأبواب
[ص/ 50] وقد جاء:
تلوية الخاتن زبّ المعذر «1» أنشده أبو زيد.
[المنافقون: 10]
قال: قرأ أبو عمرو وحده: وأكون [المنافقين/ 10] بواو.
وقرأ الباقون: وأكن بغير واو «2».
من قال: فأصدق وأكن عطف على موضع قوله: فأصدق، لأن فأصدق في
موضع فعل مجزوم، ألا ترى أنك إذا قلت: أخّرني أصدّق، كان جزما
بأنه جواب الجزاء، وقد أغنى السؤال عن ذكر الشرط، والتقدير:
أخّرني، فإن تؤخرني أصدّق، فلما كان الفعل المنتصب بعد الفاء
في موضع فعل مجزوم، بأنه جزاء الشرط، حمل قوله: وأكن عليه،
ومثل ذلك قراءة من قرأ: من يضلل الله فلا هادي له، ويذرهم
[الأعراف/ 186]، لما كان لا هادي في موضع فعل مجزوم حمل يذرهم
عليه، ومثل ذلك قول الشاعر «3»:
فأبلوني بليّتكم لعلّي أصالحكم وأستدرج نويّا حمل: وأستدرج على
موضع الفاء المحذوفة، وما بعدها من
__________
(1) هذا من الرجز، ذكره اللسان/ عذر/ وفيه: «المعذور» بدل
«المعذر».
(2) السبعة 637.
(3) وهو أبو دواد سبق في 2/ 401 و 4/ 110.
(6/293)
لعلّي، وكذلك قوله:
أيّا سلكت فإنني لك كاشح وعلى انتقاصك في الحياة وأزدد «1» حمل
وأزدد على موضع الفاء وما بعدها، وأما قول أبي عمرو:
وأكون فإنه حمله على اللفظ دون الموضع، وكان الحمل على اللفظ
أولا لظهوره في اللفظ وقربه ولأن ما لا يظهر إلى اللفظ لانتفاء
ظهوره قد يكون في بعض المواضع بمنزلة ما لا حكم له، وزعموا أن
في بعض حرف أبي فأتصدق وأكون.
[المنافقون: 11]
قال: قرأ عاصم في رواية أبي بكر: والله خبير بما يعملون بالياء
[المنافقون/ 11].
وقرأ الباقون وحفص عن عاصم بالتاء «2».
قال أبو علي: يجوز أن تكون الياء على قوله: ولن يؤخر الله نفسا
[المنافقون/ 11] لأن النفس، وإن كان واحدا في اللفظ، فالمراد
به الكثرة، فحمل على المعنى، ومن قرأ بالتاء كان خطابا شائعا.
__________
(1) سبق انظر 4/ 110.
(2) السبعة 637.
(6/294)
ذكر اختلافهم في
سورة التغابن
[التغابن: 9]
قرأ نافع وابن عامر: نكفر عنه سيئاته وندخله [9] بالنون جميعا،
وكذلك روى المفضل عن عاصم بالنون أيضا.
وقرأ الباقون: يدخله بالياء «1».
حجة الياء: أن الاسم الظاهر قد تقدّم: ومن يطع الله ورسوله
يدخله [النساء/ 13، الفتح/ 17] ووجه النون أنه كقولك: سبحان
الذي أسرى بعبده [الإسراء/ 1] ثم قال: وآتينا موسى الكتاب
[الإسراء/ 2].
[التغابن: 17]
وقرأ ابن كثير وابن عامر: يضعفه لكم ويغفر لكم [التغابن/ 17]
بغير ألف. وقرأ الباقون: يضاعفه لكم بألف «1».
ضاعف وضعّف بمعنى، قال سيبويه: والجزم في يضعّف لأنه جواب
الشرط.
[التغابن: 9]
قال: وقرأ أبو عمرو: يوم يجمعكم ليوم الجمع [التغابن/ 9]
يشمّها شيئا من الضمّ، روى ذلك عبيد وعلي بن نصر،
__________
(1) السبعة 638.
(6/295)
وقال عباس: سألت أبا عمرو فقرأ: يجمعكم*
ساكنة العين، الباقون يضمّون العين «1».
إشمام الضمّ هو أن يخفّف الحركة فلا يمطّطها ولا يشبعها، وأما
الإسكان في يجمعكم* فعلى ما يجيز به سيبويه من إسكان الحركة
إذا كانت للإعراب، كما يسكنها إذا كانت لغيره، ومثيل ذلك من
الشعر قول جرير:
سيروا بني العمّ فالأهواز منزلكم ونهر تيرى ولا تعرفكم العرب
وقد ذكرنا ذلك «2»، والحجّة فيما تقدم.
__________
(1) السبعة 638.
(2) سبق انظر 2/ 6.
(6/296)
ذكر اختلافهم في
سورة الطلاق
[الطلاق: 11]
قرأ ابن عامر ونافع: صالحا ندخله [11] بالنون. المفضل عن عاصم
مثله بالنون، وقرأ الباقون بالياء.
قال أبو علي: الوجه الياء، لتقدّم الاسم الذي على لفظ الغيبة،
والنون معناها معنى الياء وقد تقدم ذكر هذا النحو.
[الطلاق: 8]
ابن كثير: وكائن* [الطلاق/ 8] ممدود مهموز، عبيد عن أبي عمرو
مثله، وقرأ الباقون: وكأين مهموز مشدّد «1».
قولهم: كأين إنما هو: أي دخلت عليها الكاف الجارّة، كما دخلت
على ذا من قولهم: كذا وكذا درهما، ولا موقع للكاف في كأيّ، كما
أنه لا موضع للتي في كذا، فموضع كأي رفع بالابتداء، كما أن
موضع كذا كذلك، ومثل هذا في أنه دخل على المبتدأ حرف الجر،
فصار مع المجرور في موضع رفع قولهم: بحسبك أن تفعل كذا،
يريدون: حسبك فعل كذا، فالجار مع المجرور في موضع رفع،
__________
(1) السبعة 639.
(6/297)
أنشد أبو زيد «1»:
بحسبك في القوم أن يعلموا بأنّك فيهم غنيّ مضرّ وأكثر العرب
يستعملها مع من، وكذلك ما جاء منه في التنزيل نحو قوله: وكأي
من قرية عتت [الطلاق/ 8]، وكأين من دابة لا تحمل رزقها
[العنكبوت/ 60]، وكأي من نبي قاتل معه ربيون كثير [آل عمران/
146]، وكذلك ما جاء في الشعر منه كقول جرير «2»:
وكائن بالأباطح من صديق يراني لو أصبت هو المصابا وقول الآخر
«3»:
وكائن إليكم قاد من رأس فتنة جنودا وأمثال الجبال كتائبه فأما
قوله: وكائن*، وقراءة من قرأ بذلك، فالأصل: كأيّ، كما أن الأصل
في كذا أنه كاف دخلت على الاسم، إلا أنه لما لزم الاسم، وكثر
الكلام به، صارت الكلمات بمنزلة كلمة واحدة، كما أن لعمرى، لما
لزمت فيه الاسم اللام، وصارت معه كالكلمة الواحدة، استجازوا
فيها القلب، فقالوا: لعمري ورعملي، فقلبت كما قلب قسيّ ونحوه
__________
(1) البيت لأشعر الرّقبان الأسدي الجاهلي، وهو في النوادر مع
أبيات ص 73 (ط. الفاتح) وانظر تخريجه فيه. وقوله: غني مضر أي:
صاحب ضرائر.
(2) انظر ديوانه/ 17.
(3) البيت للفرزدق في ديوانه 1/ 101 من قصيدة يمدح فيها هشام
بن عبد الملك.
(6/298)
من المفرد، قلب على هذا الحد أيضا كأي،
فقالوا: كائن، والأصل كيّاء فقدّمت الياءان على الهمزة من أيّ
فصار كيّاء بعد القلب، مثل كيّنونة في أنه وقعت بعد الكاف
ياءان مدغمة إحداهما في الأخرى، فحذفت الثانية المدغم فيها،
كما حذفت الثانية من كيّنونة، فبقيت كينونة خفيفة الياء، كذلك
بقيت كياء فأبدلت من الياء الساكنة الألف كما أبدلت
من طيّئ في الإضافة، فقالوا: طائيّ، وكذلك حاحيت وعاعيت، فصار
كائن. ومثل ذلك في أن الكلمتين لما لزمت إحداهما الأخرى، صارتا
بمنزلة شيء واحد، قولهم في جواب هلمّ: لا أهلمّ مثل: لا أهريق،
وقولهم: بأبأ الصبي أباه، وقولهم: هلّل ودعدع، ونحو ذلك من
الكلم المركبة التي أجريت مجرى المفردة في الاشتقاق منها على
حدّ الاشتقاق في المفردة، وقد جاء كائن في الشعر كما جاء في
القراءة قال:
وكائن رددنا عنكم من مدجّج يجيء أمام الألف يردي مقنّعا «1»
فكائن تجري مجرى كم في الخبر، وإرادة الكثرة فيكون: مبتدأ
كقوله: وكأين من قرية عتت عن أمر ربها [الطلاق/ 8]، فهذا مبتدأ
في اللفظ، وفاعل في المعنى كما أن: كم رجل قام، كذلك، ويكون
مفعوله كقوله: كأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة [الحج/ 45]
فهذه مفعول بها في المعنى ومبتدأ في اللفظ، ومن قال: زيدا
ضربته،
__________
(1) البيت لعمرو بن شأس وهو من شواهد سيبويه- ومعنى البيت: كم
رددنا عن عشيرتنا في الحرب من مدجّج بارز لهم- ويردي: يمشي
الرديان وهو ضرب من المشي في تبختر- والمقنع: الذي تقنع
بالسلاح .. انظر الكتاب لسيبويه 1/ 297.
(6/299)
كان كأيّن عنده في موضع نصب، وأتت على
المعنى، كما حمل على المعنى في قوله: كم من قرية أهلكناها
[الأعراف/ 4] ولو حمل الكلام على لفظ كم كان حسنا، ومثله في
الحمل على المعنى: وكم من ملك في السموات لا تغني شفاعتهم شيئا
[النجم/ 26]، وقال:
وكل آتوه داخرين [النمل/ 87]، وقال: إن كل من في السموات
والأرض إلا آتي الرحمن عبدا [مريم/ 93].
[الطلاق: 3]
قال: وكلّهم قرأ: بالغ أمره [الطلاق/ 3] منوّن، وروى حفص
والمفضل عن عاصم: بالغ أمره مضاف «1».
قال أبو علي: بالغ أمره على: سيبلغ أمره فيما يريده فيكم، فهذا
هو الأصل وهذا حكاية حال، ومن أضاف حذف التنوين استخفافا،
والمعنى معنى ثبات النون مثل: عارض ممطرنا [الأحقاف/ 24] وإنا
مرسلو الناقة [القمر/ 27] ومستقبل أوديتهم [الأحقاف/ 24].
[الطلاق: 8]
هشام بن عمّار عن ابن عامر: نكرا [الطلاق/ 8] خفيف، ابن ذكوان:
نكرا* مثقل «2».
قد مضى القول في ذلك «3».
__________
(1) السبعة 639.
(2) السبعة 639.
(3) انظر ص 291.
(6/300)
|