الحجة للقراء السبعة ذكر اختلافهم في
سورة التحريم
[التحريم: 3]
قرأ الكسائي وحده: عرف بعضه [3] خفيفة.
الباقون: عرف مشدّدة «1».
وجه التخفيف لقول الكسائي عرف بعضه أنه جازى عليه، لا يكون إلا
كذلك، ألا ترى أنه لا يخلو من أن يكون عرف الذي معناه علم، أو
الذي ذكرنا، فلا يجوز أن يكون من باب العلم، لأن النبيّ صلى
اللَّه عليه وآله وسلم، إذا أظهره اللَّه على ما أسرّة إليها
علم جميع ذلك، ولم يجز أن يعلم من ذلك مع إظهار اللَّه إياه
عليه بعضه، ولكن يعلم جميعه، فإذا لم يجز حمله على هذا الوجه،
علمت أنه من المعنى الآخر، وهذا كما تقول لمن يسيء أو يحسن:
أنا أعرف لأهل الإحسان، وأعرف لأهل الإساءة، أي: لا يخفى عليّ
ذلك، ولا مقابلته بما يكون وفقا له.
وقد قرأ بالتخفيف غير الكسائي منهم فيما زعموا الحسن وأبو عبد
الرحمن، وكأنّ معنى عرف بعضه جارى على بعض ذلك، وأغضى عن بعض.
ومثل عرف بعضه فيمن خفّف قوله: وما تفعلوا
__________
(1) السبعة 640.
(6/301)
من خير يعلمه الله [البقرة/ 197]، ومثله،
أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم [النساء/ 63]، ومثله: ومن
يعمل مثقال ذرة خيرا يره [الزلزلة/ 7]، فقوله يره من رؤية
العين، أي:
يرى جزاءه، فحذف المضاف كما حذفه من قوله: وهو واقع بهم
[الشورى/ 22] أي:
جزاؤه واقع بهم، وكان مما جازى عليه تطليقه حفصة واحدة.
وأما عرف بالتشديد فالمعنى: عرّف بعضه وأعرض عن بعض، فلم
يعرّفه إياها على وجه التكرّم والإغضاء.
[التحريم: 4]
قال: قرأ ابن كثير: وجبريل* [التحريم/ 4] بفتح الجيم وكسر
الراء من غير همز، وقرأ أبو عمرو ونافع وابن عامر وحفص عن
عاصم: وجبريل وكذلك المفضل، وقرأ عاصم في رواية يحيى:
وجبرئل* مفتوح الراء والجيم مقصورة «1»، وقرأ حمزة والكسائي:
جبرئيل وكذلك الكسائي عن أبي بكر عن عاصم، وحسين عن أبي بكر
ومحمد بن المنذر عن يحيى عن أبي بكر وأبان عن عاصم «2».
قال أبو علي: ليس هذا الاسم بعربي، وأشبه هذه الوجوه بالتعريب
ما كان موافقا لبناء من الأبنية العربية، فالخارج عن الأبنية
جبريل*، ألا ترى أنه ليس في أبنيتهم مثل: قنديل، فأمّا جبريل
فعلى وزن قنديل وجبرئل* على وزن جحمرش وصهصلق، وجبرئيل على وزن
عندليب. فأما قول ابن كثير: جبريل فهو متجه، وإن لم يجيء في
أبنيتهم، ألا ترى أنه قد جاء فيما كان نكرة من الأسماء
الأعجمية ما ليس على أبنيتهم نحو: الآجرّ والإبريسم، فإذا جاء
في
__________
(1) في السبعة: على وزن جبرعل.
(2) السبعة 640.
(6/302)
النكرات التي هي أشبه بالأسماء المقرّبة،
واحتمل ذلك فيها واستجيز، فأن يستجاز في الأسماء المعرفة
والمنقولة في حال تعريفها أولى.
[التحريم: 5]
عباس عن أبي عمرو: إن طلقكن [التحريم/ 5] مدغمة، الباقون
يظهرون: إن طلقكن أن يبدله خفيفة.
اليزيدي عن أبي عمرو: إن طلقكن مثقّلة، أن يبدله مشدّدة.
إدغام القاف في الكاف حسن لأنها من حروف الفم، وأصل الإدغام أن
تكون فيها دون حروف الطرفين: الحلق والشفة.
وإن ترك الإدغام فيهما لأنهما من أول مخارج الفم فإذا كان من
أول مخارجه أشبه حروف الحلق لقربها منها، كما أن الخاء والغين
لمّا كانتا آخر مخارج الحلق وأقربها إلى الفم، أجريا مجرى حروف
الفم في أن لم تبيّن النون معهما في نحو: منغل ومنخل، وكذلك
القاف والكاف يكونان لقربهما من الحلق في حكم حروفه، والإدغام
في حروف الحلق ليس بالكثير فكذلك فيما أشبههنّ.
فأما يبدله، ويبدله فقد تقدّم القول فيه.
[التحريم: 8]
أبو بكر عن عاصم، وخارجة عن نافع: توبة نصوحا [التحريم/ 8] بضم
النون. حفص عن عاصم توبة نصوحا بفتح النون، وكذلك قرأ الباقون
«1».
قال أبو الحسن: الفتح كلام العرب وقراءة الناس، قال: ولا
__________
(1) السبعة 641.
(6/303)
أعرف الضمّ، قال أبو علي: يشبه أن يكون
مصدرا، وذلك أن ذا الرمة قال:
أحبّك حبّا خالطته نصاحة «1» فالنّصاحة على فعالة، وما كان على
فعال من المصادر، فقد يكون فيه المفعول نحو: الذهاب والذهوب،
والمضاء، والمضيّ، فيكون أن يكون النّصوح مع النّصاحة كالمضاء
والمضيّ، فيكون قد وصف بالمصدر نحو: عدل ورضى. وقال أبو الحسن:
نصحته في معنى صدقته، وقال: توبة نصوحا صادقة.
[التحريم: 12]
قرأ أبو عمرو وحفص عن عاصم، وخارجة عن نافع: وكتبه [التحريم/
12] جماعة.
وقرأ ابن كثير وابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر وحمزة
والكسائي: وكتابه واحدا «2».
حجّة من قال: وكتبه* فجمع، أنه موضع جمع، ألا ترى أنها قد
صدّقت بجميع كتب اللَّه، فمعنى الجمع لائق بالموضع حسن.
ومن قال: كتابه* أراد الكثرة والشياع، وقد يجيء ذلك في الأسماء
المضافة كما جاء في المفردة التي بالألف واللام. قال: وإن
تعدوا نعمة الله لا تحصوها [إبراهيم/ 34]، فكما أن المراد
بنعمة اللَّه الكثرة، كذلك في قوله: وكتابه.
__________
(1) عجز البيت:
وإن كنت إحدى اللاويات المواعك واللاويات: اللواتي يمطلن-
والمواعك: معكته أي: مطلته، انظر ملحقات ديوانه 3/ 1745.
(2) السبعة 641.
(6/304)
ذكر اختلافهم في
سورة الملك
[الملك: 3]
قرأ حمزة والكسائي: من تفوت [3] بغير ألف.
وقرأ الباقون: تفاوت بألف «1».
قال أبو زيد: سمعت من يقول: تفاوت الأمر تفاوتا، وتفاوتا، وليس
ذا على القياس، يعني تفاوتا.
قال أبو الحسن: تفاوت أجود، لأنهم يقولون: تفاوت الأمر، ولا
يكادون يقولون: تفوّت الأمر، قال: وهي أظن لغة.
قال سيبويه: قد يكون فاعل وفعّل بمعنى، نحو: ضاعف وضعّف،
وتفاعل مطاوع فاعل، كما أن تفعل مطاوع فعل. فعلى هذا القياس
يكون: تفاوت وتفوّت بمعنى، وقد يجب في القياس ما لا يجيء به
السمع، وتفوت زعموا قراءة عبد اللَّه والأعمش.
[الملك: 16، 15]
قال: قرأ ابن كثير: وإليه النشور. وامنتم «1» [15 - 16] قال
أبو علي: أصله: النشور. أأمنتم إذا حقّق الهمزتين، فإذا خفّفت
الهمزة الأولى قلبها واوا لانضمام ما قبلها، وهذا في المنفصل
__________
(1) السبعة 644. وزاد بعدها: «بترك همزة الألف التي للاستفهام
فتصير في لفظ واو بضم الراء» [في الوصل]
(6/305)
نظير قولهم في المتّصل: التّودة إذا خفّف
التؤدة، وجون إذا خفّف جؤن التي هي جمع جؤنة، مثل: ظلمة وظلم.
فأمّا الهمزة التي هي فاء من قوله: أأمنتم بعد تخفيف الأولى
بقلبها واوا، فإنه يجوز فيه التحقيق والتخفيف. فإن حقّق كان
لفظه: النشور وأمنتم يحقّقها، وإن خفّفها كان قياسها أن يجعلها
بين الألف والهمزة لتحرّكها بالفتحة، فيكون في اللفظ: وإليه
النشور وآمنتم. ومن قال «1»:
... لا هناك المرتع فقلبها ألفا فقياسه أن يقول هنا: النشور
وامنتم فلا يجعلها بين بين ولكن يقلبها ألفا محضة، وسيبويه
يجيز هذا القلب في الشعر وغير حال السعة.
وقال غير أحمد: يجعل الهمزة من أأمنتم بعد تخفيف الأولى بقلبها
واوا ألفا، فيصير: النشور وامنتم.
قال أحمد: قرأ نافع وأبو عمرو: النشور. آمنتم بهمزة ممدودة
«2».
قوله بهمزة ممدودة: يريد أنه يحقّق الأولى ويخفّف الثانية،
وتخفيفها أن تجعل بين بين ولفظها: النشور أامنتم، وكان قياس
قول أبي عمرو على ما حكاه عنه سيبويه من أنه إذا اجتمع همزتان
خفّف الأولى منهما دون الثانية، أن يقلب الأولى منهما واوا كما
فعله ابن كثير.
فأما الثانية فإن شاء خفّفها وإن شاء حقّقها، وتخفيفها أن
يجعلها
__________
(1) قطعة من بيت للفرزدق- سبق في 1/ 398 و 2/ 218.
(2) السبعة 644، وفيه: بهمزة بعدها ألف ممدودة.
(6/306)
بين الألف والهمزة، ولعلّ أبا عمرو ترك هذا
القول في هذا الموضع وأخذ فيه بالوجه الآخر، وهو تخفيف الثانية
منهما إذا التقيا دون الأولى.
قال: وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: أأمنتم بهمزتين «1».
هذا على ما يذهبون إليه من الجمع بين الهمزتين، وليس ذلك
الوجه.
[الملك: 11]
قال: قرأ الكسائي: فسحقا وفسحقا [الملك/ 11] خفيفا وثقيلا،
وقرأ الباقون: فسحقا «2».
قال أبو علي: سحقا منتصب على المصدر، المعنى: أسحقه اللَّه
سحقا، وكان القياس: أسحق إسحاقا، فجاء المصدر على الحذف
كقولهم: عمرك اللَّه وقال «3»:
وإن يهلك فذلك كان قدري يمكن أن يكون: تقديري، ومن ذلك قوله:
في مكان سحيق [الحج/ 31] أي: بعيد. وسحق وسحق كالعنق والعنق،
والطنب والطنب، وما أشبه ذلك، وكلّه حسن.
[الملك: 29]
وقرأ الكسائي وحده: فسيعلمون من هو [الملك/ 29] بالياء، وقرأ
الباقون: بالتاء «4».
__________
(1) السبعة 644.
(2) السبعة 644.
(3) عجز بيت ليزيد بن سنان، سبق في 2/ 129، 253 - 3/ 184.
(4) السبعة 644.
(6/307)
حجّة الياء: أن ذكر الغيبة قد تقدّم في
قوله: فمن يجير الكافرين من عذاب أليم [الملك/ 28]. والتاء:
على قوله: قل لهم ستعلمون.
قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وأبو عمرو وحفص عن عاصم:
إن أهلكني الله ومن معي أو [الملك/ 28] بنصب الياءين، وحفص عن
عاصم بفتح ياء معي في كلّ القرآن. وقرأ عاصم في رواية أبي بكر
والكسائي: إن أهلكني الله محرّكة الياء. وأسكنا جميعا الياء في
معي*.
خلف عن المسيّبي عن نافع: إن أهلكني الله ساكنة الياء.
وقرأ حمزة: بإسكان الياءين «1».
قال أبو علي: التحريك في الياء حسن وهو الأصل، والإسكان لكراهة
الحركة في حروف اللين لتجانس ذلك واجتماع الأمثال أو
المتقاربة.
وقرأ نافع في رواية ورش: نذيري ونكيري [الملك/ 18] بياء في
الوصل، ولم يأت بذلك عن نافع غيره. والباقون بكسر الرّاء من
غير ياء في وصل ولا وقف «2».
حذف الياء في الوصل والوقف لأنه فاصلة، والفاصلة كالقافية في
استحسان الحذف منها.
__________
(1) السبعة 645.
(2) السبعة 645.
(6/308)
ذكر اختلافهم في
سورة نون [القلم]
[القلم: 1]
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وحمزة: نون والقلم [1] النون في
آخر الهجاء من نون ظاهرة عند الواو.
وروى الكسائي عن أبي بكر عن عاصم أنه كان لا يبين النون في يس
ونون* وطسم. وروى حفص عن عاصم وحسين عن أبي بكر أنه كان يبين
النون في نون*. وروى يعقوب عن نافع أنه أخفاها، وكان الكسائي
لا يبين النون في نون*، وقال يحيى عن أبي بكر عن عاصم: نون*
جزم على هذا، وهذا يدلّ على أنه يبين.
الحلواني عن قالون عن نافع: يس مخفاة النون، ونون* ظاهرة «1».
قال أبو علي: وجه إظهار هذه النونات أنها من حروف ينوى بها
الوقف، وإذا كانت موقوفة بدلالة اجتماع الساكنين فيها نحو: ميم
لام صاد كانت في تقدير الانفصال ممّا قبلها، وإذا انفصل ممّا
قبلها وجب
__________
(1) السبعة 646.
(6/309)
التبيين، لأنها إنما تخفى مع حروف الفم،
فإذا انفصلت عنها بالوقف عليها ولم تتصل بما قبلها فليس هناك
أمر لا يبين له.
ووجه الإخفاء أن الهمزة الوصل معها لم يقطع في نحو: ألف لام
ميم الله [آل عمران/ 1، 2] وقولهم في العدد: واحد اثنان، فمن
ثمّ حيث لم تقطع الهمزة معها علمت أنه في تقدير الوصل، وإذا
وصلتها أخفيت النون معها، وقد بيّن ذلك فيما تقدّم.
[القلم: 14]
قال أحمد: قال ابن كثير ونافع وأبو عمرو والكسائي وحفص عن
عاصم، والكسائي عن أبي بكر عن عاصم: أن كان ذا مال [القلم/ 14]
بغير استفهام.
وقرأ حمزة: أأن كان بهمزتين، وكذلك روى يحيى عن أبي بكر عن
عاصم، وروى أبو عبيد عن حمزة أنه كان يقرأ: أان كان ذا مال
بهمزة ممدودة، وهو غلط.
وقرأ ابن عامر: أان كان* ممدودة بهمزة واحدة «1».
قوله: أن كان ذا مال وبنين لا يخلو من أن يكون العامل فيه:
تتلى من قوله: إذا تتلى عليه آياتنا [القلم/ 15]، أو قال من
قوله:
قال أساطير الأولين [القلم/ 15]، أو شيء ثالث، فلا يجوز أن
يعمل واحد منهما فيه، ألا ترى أن: تتلى عليه آياتنا قد أضيف
إذا* إليه، والمضاف إليه لا يعمل فيما قبله، ألا ترى
أنك لا تقول: القتال زيدا حين تأتي، فتريد حين تأتي زيدا، ولا
يجوز أن يعمل فيه قال* أيضا، لأن قال* جواب إذا* وحكم الجواب
أن يكون بعد ما هو جواب له،
__________
(1) السبعة 646، 647.
(6/310)
ولا يتقدم كلّه عليه، فكما لم يعمل فيه
الفعل الأول، كذلك لم يعمل فيه الفعل الثاني، وإذا لم يجز أن
يعمل في آن واحد من هذين الفعلين، وليس في الكلام غيرهما علمت
أنه محمول على شيء آخر مما يدلّ ما في الكلام عليه، والذي يدلّ
عليه هذا الكلام في المعنى هو: يجحد، أو يكفر أو يستكبر عن
قبول الحق ونحو ذلك، وإنما جاز أن يعمل المعنى فيه وإن كان
متقدما عليه، لشبهه بالظرف، والظرف قد تعمل فيه المعاني وإن
تقدم عليها، ويدلّك على مشابهته للظرف تقدير اللام معه، وأن من
النحويين من يقول: إنه في موضع جر، كما أنه لو كانت اللام
ظاهرة معه كان كذلك، فإذا صار كالظرف من حيث قلنا لم يمتنع
المعنى من أن يعمل فيه، كما لم يمتنع في نحو قوله: ينبئكم إذا
مزقتم كل ممزق، إنكم لفي خلق جديد [سبأ/ 7] لمّا كان ظرفا،
والعامل فيه بعثتم، الدالّ عليه قوله: إنكم لفي خلق جديد،
فكذلك: أن كان ذا مال وبنين [القلم/ 14]، كأنه: جحد بآياتنا،
لأن كان ذا مال وبنين، أو: كفر بآياتنا، لأن كان ذا مال وبنين،
وعلى هذا المعنى يكون محمولا فيمن استفهم فقال: أأن كان ذا مال
وبنين لأنه توبيخ وتقرير، فهو بمنزلة الخبر، ومثل ذلك قولك:
ألأن أنعمت عليك جحدت نعمتي، إذا وبّخته بذلك، فعلى هذا تقدير
الآية.
وأمّا قول أحمد فيما رواه أبو عبيد عن حمزة من قوله: أان كان
ذا مال بهمزة ممدودة أنه غلط، فإنما هو تغليط فيما أظن من طريق
الرواية، وليس من طريق العربية، لأن ذلك لا يمتنع، ويريد
بالهمزة الممدودة همزة بعدها همزة مخفّفة، وليس هذا من مذهب
حمزة لأنه يحقّق الهمزتين، فلعلّه غلّطه من هذا الوجه.
(6/311)
ويمكن أن يكون حمزة في الرواية التي رواها
عنه أبو عبيد أحمد هو من من يخفّف الثانية من الهمزتين، ألا
ترى أن قول حمزة في الجمع بين الهمزتين، كقول ابن عامر في جمعه
بينهما وتخفيفه إياهما، فكما أن ابن عامر قال: أان كان ممدودة
بهمزة واحدة، وقوله في غير هذا الموضع الجمع بين همزتين، كذلك
يجوز أن يكون حمزة أخذ به، وقول أحمد عن ابن عامر بهمزة واحدة
ممدودة، لا يكون إلا على أنه أن يخفّف الثانية، ألا ترى أنه لا
يخلو من أن يكون قرأ بذلك على غير الاستفهام، أو على
الاستفهام، فإن كان قرأ على غير الاستفهام، فليس إلا همزة
واحدة، وهي همزة أن، فإذا مدّ علمت أن المدّة إنما هو همزة أن،
حقّقها بعد همزة الاستفهام إذ لا مصرف لها إلى غير ذلك.
[القلم: 51]
قال: قرأ نافع وحده: ليزلقونك [القلم/ 51] [بفتح الياء] من
زلق، وقرأ الباقون: ليزلقونك [بضم الياء] من أزلقت «1».
يقال: زلق يزلق، زلقا. فمن قال، ليزلقونك جعله من زلق هو،
وزلقته أنا مثل: شترت عينه «2»، وشترتها أنا، وحزن وحزنته أنا.
والخليل يذهب في ذلك إلى أن المعنى: جعلت فيه شترا، وجعلت فيه
حزنا، كما أنك إذا قلت: كحلته، ودهنته، أردت جعلت فيه ذلك، ومن
قال: أزلقته ثقّل الفعل بالهمزة وهذا الباب أكثر من الأول
وأوسع.
ومعنى: يزلقونك بأبصارهم أنهم ينظرون إليك نظر البغضاء كما
ينظر
__________
(1) السبعة 647 وما بين معقوفين منه.
(2) شترت عينه: الشّتر هو استرخاء الجفن الأسفل أو انقلاب جفن
العين من أعلى وأسفل أو تشنجه، انظر اللسان/ شتر/.
(6/312)
الأعداء المنابذون، ومثل ذلك قول الشاعر
«1»:
يتقارضون إذا التقوا في مجلس نظرا يزيل مواطئ الأقدام
__________
(1) ذكره اللسان في مادة (قرض وزلق) ولم ينسبه وكذا ذكره البحر
المحيط في تفسير سورة القلم 8/ 317، والقرطبي 18/ 256.
(6/313)
|