الحجة للقراء السبعة

ذكر اختلافهم في سورة الحاقة
[الحاقة: 9]
قرأ عاصم في رواية أبان وأبو عمرو والكسائي: ومن قبله* [9] بفتح الباء «1».
وقرأ ابن كثير ونافع وعاصم وابن عامر وحمزة: قبله قال سيبويه: قبل: لما ولي الشيء، تقول: اذهب قبل السوق [أي: نحو السوق]، ولي قبلك حقّ، أي: فيما يليك، واتّسع حتى صار بمنزلة لي عليك «2» حجّة من قرأ: ومن قبله* أنهم زعموا أن في قراءة أبيّ: وجاء فرعون ومن معه، فهذا يقوّي من قبله*، لأن قبل لما ولي الشيء مما لم يتخلّف عنه فهو يتبعه ويحفّ به.
وحجة من قال: ومن قبله من قبله من الأمم التي كفرت كما كفر. فإن قلت: إن قوله: ومن قبله لفظ عام يقع على المؤمن
__________
(1) في السبعة بكسر القاف وفتح الباء.
(2) سيبويه 4/ 232 (ت. هارون) وما بين معقوفين منه.

(6/314)


والكافر، فكيف جاز أن يذكروا بأنهم جاءوا بالخاطئة؟ قيل: قد يجوز أن يخصّ من* في قوله: من قبله كأنه عنى به الكفّار دون المؤمنين، ويقوّي ذلك قوله: فعصوا رسول ربهم [الحاقة/ 10]، ويجوز أن يكون ذكر من قبله من الكفّار كما ذكر من بعده بقوله: كذبت قبلهم قوم نوح وفرعون وثمود [الحج/ 42].
قرأ حمزة والكسائي: لا يخفى* [5] بالياء، وقرأ الباقون: لا تخفى بالتاء «1».
كلا الأمرين حسن.

[الحاقة: 42، 41]
وقرأ ابن كثير وحده: قليلا من يؤمنون [41] وقليلا ما يذكرون [42] بالياء فيهما جميعا.
ابن عامر في رواية هشام مثل ابن كثير بالياء فيهما، وفي رواية ابن ذكوان بالتاء فيهما، وروى القطعي عن عبيد عن هارون عن أبي عمرو قليلا ما يؤمنون وقليلا ما يذكرون بالياء جميعا، ولم يروه غيره، حدّثنيه الخزاز عن محمد بن يحيى عن عبيد عن هارون عن أبي عمرو، وقرأ الباقون بالتاء فيهما «2» قال أبو علي: حجّة الياء أنه خطاب للنبيّ صلى اللَّه عليه وآله وسلم، كأنه قليلا ما يؤمنون يا محمد، وحجّة التاء: كأنه: قل لهم: قليلا ما تؤمنون.

[الحاقة: 12]
روى الحلواني بإسناده عن ابن كثير: وتعيها [الحاقة/ 12] ساكنة العين، وكذلك قال أبو ربيعة عن قنبل، وقرأت أنا على قنبل:
__________
(1) السبعة 648.
(2) السبعة 648، 649.

(6/315)


وتعيها بكسر العين وفتح الياء مثل حمزة. وكذلك الباقون على وزن تليها «1».
وجه قوله: وتعيها أنه جعل حرف المضارعة مع ما بعد بمنزلة فخذ، فأسكن كما يسكن كتف ونحوه، وهذا يشبه ما من نفس الكلمة نحو الكاف من كتف، لأن حرف المضارعة لا ينفصل من الفعل، فصار كقول من قال: وهو وهي، ومثل ذلك قوله: ويتقه [النور/ 52] جعل تقه من يتقه بمنزلة كتف، فأسكن، وقد يكون هذا على ما ما أنشده أبو زيد من قوله «2»:
قالت سليمى اشتر لنا سويقا جعل نزل بمنزلة كتف فخفّف، وقد يجوز أن يكون أجرى الوصل مجرى الوقف مثل: سبسبّا «3».
__________
(1) السبعة 648.
(2) سبق انظر 1/ 67، 410، و 2/ 79، 278.
(3) سبق انظر 1/ 65.

(6/316)


ذكر اختلافهم في سورة سأل سائل «1»
[المعارج: 1]
قرأ نافع وابن عامر: سال [1] غير مهموز، وقرأ الباقون:
سأل مهموز «2».
قال أبو علي: من قال: سال جعل الألف منقلبة عن الواو التي هي عين مثل: قال، وخاف. وحكى أبو عثمان عن أبي زيد أنه سمع:
هما يتساولان، فمن قال: سال كان على هذه اللغة، ومن قال:
سأل فعلى قول من قال: سأل، فجعل الهمزة عين الفعل، فإن حقّق قال: سأل مثل سعل، وإن خفّف جعلها بين الألف والهمزة، فأما قول الشاعر «3»:
سالت هذيل رسول الله فاحشة ضلّت هذيل بما قالت ولم تصب فيمكن أن يكون من قول: من قال: يتساولان، ويمكن أن يكون
__________
(1) وتسمى الواقع والمعارج.
(2) السبعة 650.
(3) البيت لحسّان- سبق انظر 2/ 218.

(6/317)


من قول من جعل الهمزة عينا، فقلب في الشعر كما قال «1»:
لا هناك المرتع إلا أن سيبويه زعم أن هذا الشاعر ليست لغته سلت «2»، فإذا كان كذلك حمل على: لا هنأك. وقد قيل: إن ذلك واد في جهنم «3»، فتكون الألف في سال مثل التي في باع.
قال: كلهم همز: سائل [المعارج/ 1] لا خلاف بينهم في ذلك «4».
لا يكون غير الهمز في اسم الفاعل لأنه لا يخلو من أن يكون الفاعل من يتساولان، أو من اللغة الأخرى، فإن كان من قوله:
يتساولان لم يكن فيه إلا الهمز، كما لا يكون في: قائل وخائف، إلا ذلك لأنها إذا اعتلّت في الفعل اعتلت في اسم الفاعل، وإعلالها لا يكون بالحذف للإلباس، فإذا لم يكن بالحذف كان بالقلب إلى الهمزة، وإن كانت من لغة من همز لم يكن فيه إلا الهمز، كما لا يكون في ثائر وشاء «5» في فاعل من شأوت إلا التحقيق للهمزة، إلا أنك إن شئت خفّفت الهمزة فجعلتها بين بين، وكذلك في الوجه الآخر.

[المعارج: 4]
قال: قرأ الكسائي وحده: يعرج الملائكة والروح [المعارج/ 4] بالياء.
__________
(1) سبق ذكره في 1/ 398، 2/ 218، 6/ 41.
(2) انظر الكتاب 2/ 170 حيث ورد الشاهد.
(3) أخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن ابن عباس في قوله: (سال سائل) قال:
سال: واد في جهنم. انظر الدرّ المنثور للسيوطي 6/ 264.
(4) السبعة 650.
(5) رسمت في الأصل شايء، وآثرنا الرسم الإملائي المناسب.

(6/318)


وقرأ الباقون: تعرج بالتاء «1».
قال أبو علي: الوجهان حسنان.

[المعارج: 16]
قال: روى حفص عن عاصم: نزاعة للشوى [المعارج/ 16] نصبا، وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم: نزاعة رفعا «2».
من قال: إنها لظى. نزاعة للشوى فرفع نزاعة، جاز في رفعه ما جاز في قولك: هذا زيد منطلق، وهذا بعلي شيخ «3» [هود/ 72].
ومن نصب فقال: نزاعة للشوى فالذي يجوز أن يكون هذا النصب عليه ضربان: أحدهما: أن يكون حالا، والآخر أن يحمل على فعل، فحمله على الحال يبعد، وذلك أنه ليس في الكلام ما يعمل في الحال، فإن قلت: فإن في قوله، لظى معنى التلظّي والتلهّب، فإن ذلك لا يستقيم، لأن لظى معرفة لا تنتصب عنها الأحوال، ألا ترى أن ما استعمل استعمال الأسماء من اسم فاعل أو مصدر لم يعمل عمل الفعل نحو: صاحب، ودر في قوله: لله درّك، فإن لم يعمل هذا النحو الذي هو اسم فاعل أو مصدر عمل الفعل من حيث جرى مجرى الأسماء، فأن لا يعمل الاسم المعرفة عمله أولى.
ويدلّ على تعريف هذا الاسم وكونه علما، أن التنوين والألف واللام لم تلحقه، فإذا كان كذلك لم تنتصب الحال عنه، فإن جعلتها مع تعريفها قد صارت معروفة بشدّة التلظّي، جاز أن تنصبه بهذا المعنى الحادث في العلم، وعلى هذا قوله: وهو الله في السموات
__________
(1) السبعة 650.
(2) السبعة 650.
(3) بالرفع وهي قراءة الأعمش. انظر المحتسب 1/ 324.

(6/319)


وفي الأرض [الأنعام/ 3]، علّقت الظرف بما دلّ عليه الاسم من التدبير والإلطاف. فإن علّقت الحال بالمعنى الحادث في العلم، كما علّقت الظرف بما دلّ عليه الاسم من التدبير لم يمتنع، لأن الحال كالظرف في تعلّقها بالمعنى، كتعلّق الظرف به، وكان وجها.
وإن علّقت نزاعة بفعل مضمر نحو: أعنيها نزّاعة للشّوى، لم يمتنع أيضا.

[المعارج: 10]
قال: وقرأ ابن كثير فيما أخبرني به مضمر عن البزيّ، ولا يسأل [المعارج/ 10] برفع الياء وفتح الهمزة. وقرأ على قنبل عن النبال عن أصحابه عن ابن كثير: ولا يسأل بنصب الياء، وروى أبو عبيد عن إسماعيل بن جعفر عن أبي جعفر وشيبة: ولا يسأل برفع الياء وهو غلط. وكلّهم قرأ: ولا يسأل بفتح الياء «1».
قال أبو علي: من ضمّ فقال: لا يسأل حميم حميما فالمعنى، والله أعلم: لا يسأل حميم عن حميمه ليعرف شأنه من جهته، كما قد يتعرّف خبر الصديق من جهة صديقه، والقريب من قريبه، فإذا كان كذلك، فالكلام إذا بنيت الفعل للفاعل: سألت زيدا عن حميمه.
وإذا بنيت الفعل للمفعول قلت: سئل زيد عن حميمه، وقد يحذف الجار فيصل الفعل إلى الاسم الذي كان مجرورا قبل حذف الجار، فينتصب بأنه مفعول الاسم الذي أسند إليه الفعل المبني للمفعول به، فعلى هذا انتصاب قوله: حميم حميما، ويدلّ على هذا المعنى قوله: يبصرونهم [المعارج/ 11]، أي: يبصّر الحميم
__________
(1) السبعة 650.

(6/320)


الحميم، والفعل قبل تضعيف العين منه: بصرت به، كما جاء:
بصرت بما لم يبصروا به [طه/ 96] فإذا ضعّفت عين الفعل صار الفاعل مفعولا تقول: بصّرني زيد بكذا، فإذا حذفت الجار قلت:
بصّرني زيد كذا، فإذا بنيت الفعل للمفعول به وقد حذفت الجار قلت:
بصّرت زيد، فعلى هذا يبصرونهم فإذا بصّروا هم لم يحتج إلى تعريف شأن الحميم من حميمه، وإنما جمع فعل يبصرونهم لأن الحميم وإن كان مفردا في اللفظ، فالمراد به الكثرة والجمع، يدلّك على ذلك قوله: فما لنا من شافعين ولا صديق حميم [الشعراء/ 100].
ومن قرأ: ولا يسأل حميم حميما، فالمعنى لا يسأل الحميم عن حميمه في ذلك اليوم لأنه يذهل عن ذلك، ويشتغل عنه بشأنه، ألا ترى قوله: يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت [الحج/ 2]، وقوله: يوم يفر المرء من أخيه [عبس/ 34] وقوله: لكل امرىء منهم يومئذ شأن يغنيه [عبس/ 37]، فقوله: لا يسأل حميم حميما من قولك: سألت زيدا، أي سألته عن شأنه وأمره، ويجوز أن يكون المعنى: لا يسأل عن حميمه، فيحذف الجارّ ويوصل الفعل.

[المعارج: 32]
قال: قرأ ابن كثير وحده: لأمانتهم [المعارج/ 32] واحدة وقرأ الباقون: لأماناتهم جماعة «1».
قال أبو علي: من قال: لأمانتهم فأفرد وإن كان مضافا إلى جماعة، ولكل واحد منهم أمانة، فلأنه مصدر، فأفرد كما يفرد نحو قوله: لصوت الحمير [لقمان/ 19] وهو يقع على جميع الجنس
__________
(1) السبعة 651.

(6/321)


ويتناوله. ومن جمع فلاختلاف الأمانات وكثرة ضروبها، فحسن الجمع من أجل الاختلاف ومشابهته بذلك الأسماء التي ليست للجنس.

[المعارج: 33]
قال: قرأ ابن كثير ونافع وعاصم في رواية أبي بكر وأبو عمرو وحمزة والكسائي: بشهادتهم [المعارج/ 33] واحدة.
وروى عباس عن أبي عمرو والحلواني عن أبي معمر، وعبد الوارث عن أبي عمرو: بشهاداتهم جماعة. وكذلك روى حفص عن عاصم جماعة «1».
القول في الشهادة والشهادات، كما تقدم من القول في الأمانة والأمانات.

[المعارج: 38]
قال: روى المفضل عن عاصم: أن يدخل جنة نعيم [المعارج/ 38] مفتوحة الياء، وروى يحيى عن أبي بكر وحفص عن عاصم أن يدخل مضمومة الياء. وكلهم قرأ: أن يدخل مضمومة الياء «2».
قال أبو علي: حجّة من ضمّ الياء أن غيره يدخله، كما قال:
فأولئك يدخلون الجنة [النساء/ 124]، وقال: سيدخلون جهنم داخرين [غافر/ 60]، فهذا يدلّ على أن غيرهم يدخلهم.
ومن فتح الياء فلأنهم إذا أدخلوا دخلوا، وممّا يقوّي الفتح قول:
أم حسبتم أن تدخلوا الجنة [البقرة/ 214]، وفتح التاء فيه.

[المعارج: 43]
قرأ ابن عامر وحفص عن عاصم: إلى نصب [المعارج/ 43]
__________
(1) السبعة 651.
(2) السبعة 651.

(6/322)


بضمتين، وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم: إلى نصب «1».
أبو عبيدة: كأنهم إلى نصب يوفضون إلى علم يسرعون.
قال رؤبة «2»:
تمشي بنا الجدّ على أوفاض أي: على عجلة وسرعة «3». وفسّر أبو الحسن أيضا نصب:
علم، وروي أيضا عن مجاهد: نصب غاية. وروي عن أبي العالية أنه فسّر إلى نصب بأنه إلى غاية يستبقون.
قال أبو علي: فهذا يجوز أن يكون نصب جمع نصب مثل سقف وسقف، وورد وورد. ومن ثقّل فقال: نصب كان بمنزلة: أسد، ويمكن أن يكون النّصب والنّصب لغتين كالضّعف والضّعف وما أشبه ذلك، ويكون التثقيل كشغل وشغل، وطنب وطنب.
__________
(1) السبعة 651 وزاد بعد: بفتح النون وسكون الصاد.
(2) في الديوان:
يمسي بنا الجدّ على أوفاض وبعده: يقطع أجواز الفلا انقضاضي ديوان رؤبة/ 81.
(3) مجاز القرآن 2/ 270.

(6/323)


ذكر اختلافهم في سورة نوح
[نوح: 3]
قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر والكسائي وعلي بن نصر عن أبي عمرو: أن اعبدوا الله* [3] بضم النون.
وقرأ عاصم وحمزة واليزيدي عن أبي عمرو: أن اعبدوا الله بكسر النون «1».
قال أبو علي: وجه من ضمّ النون أنه كره الكسرة قبل الضمّة وإن حجز بينهما حرف، ألا ترى أنهم قالوا: اشرب واضرب، وقالوا:
اقتل فضمّوا الهمزة في اقتل، وكسروها في المثالين الآخرين، فكذلك ضمّ النون في: أن اعبدوا*.
فإن قلت: فهلّا لم يستجيزوا غير الضمّ في نحو: اقتل اعبد، قيل: استجيز الكسر في: أن اعبدوا ونحوه، وإن لم يستجيزوا:
اعبدوا* لأن الكسرة في أن اقتلوا وأن اعبدوا غير لازمة، ألا ترى أن الكلمة قد تستعمل، ولا تلزم بها هذه الكسرة فصارت الكسرة قبل الضمة بمنزلة الرفعة بعد الكسرة في قولهم
__________
(1) السبعة 652.

(6/324)


في الرفع: كتف وضحك، فكما احتملت الرفعة بعد الكسر، لما كانت للإعراب فلم تلزم، كذلك احتملت الكسرة في أن اعبدوا لمّا لم تلزم، ولم تكن لذلك بمنزلة اقتل.

[نوح: 6]
قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وأبو عمرو: دعائي إلا [نوح/ 6] بالهمزة وفتح الياء، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي: دعاي ساكنة الياء، وقال عباس: سألت أبا عمرو فقرأ: دعائي إلا يرسل الياء.
حدّثني محمد بن الجهم عن خلف، والهيثم عن عبيد عن شبل عن ابن كثير دعاي إلا بنصب الياء، ولا يهمز مثل هداي [البقرة/ 38] «1».
قال أبو علي: إسكان الياء في دعاي وتحريكها حسن، فأمّا القصر في الدعاء فلم أسمعه، ولعلّ ذلك لغة لم تبلغنا.

[نوح: 21]
قال: وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي: ماله وولده [نوح/ 21] ساكنة اللام.
وقرأ نافع وعاصم وابن عامر: ماله وولده بفتح اللام، خارجة عن نافع: وولده مثل أبي عمرو «2».
قال أبو علي: الولد والولد، يجوز أن يكونا لغتين كالحزن والحزن والبخل والبخل، ويدلّك على أن الولد يكون واحدا ما أنشده من قول الشاعر «3»:
__________
(1) السبعة 652.
(2) السبعة 652، 653.
(3) عجز بيت صدره:

(6/325)


وليت فلانا كان ولد حمار فهذا يكون واحدا، ويجوز مع وقوعه على الواحد أن يكون جمعا يجمع عليه فعل أو فعل، وذاك أن كلّ واحد من فعل وفعل يجري مجرى الآخر، وقد جمعوا فعل على فعل نحو: أسد وأسد، وكذلك يجوز أن يكون جمع ولد على ولد، ويجوز أن يكون: ولد جمع على ولد، كما جمع الفلك على الفلك بدلالة قوله: الفلك المشحون [يس/ 41]، فهذا واحدا والجمع قوله: الفلك التي تجري في البحر [البقرة/ 164] فجمع الفلك على الفلك، ألا ترى أنّا لا نعلم الفلك مستعملا في الفلك، فإذا لم يجيء ذلك فيه كان جمعا للفلك، فالضمّة التي في اللفظة التي يراد بها الجمع غير التي كانت في الواحد، كما أن الضمّة في: منص، في ترخيم منصور على من قال: يا حار، غير الضمة التي كانت فيه في قول من قال: يا حار، وكما أن الكسرة في دلاص وهجان إذا أردت بهما الجمع غير اللتين كانا في الواحد ألا ترى أنّ التي في الجمع مثل التي في ظراف، والتي كانت في الواحد مثل التي كانت في دلاث «1» وكناز، ويدلّ على أن الولد يكون جمعا قول حسان «2»:
يا بكر آمنة المبارك بكرها من ولد محصنة بسعد الأسعد
__________
فليت فلانا كان في بطن أمّه وقد ذكره المحتسب 1/ 365 ولم ينسبه، وكذا اللسان في مادة (ولد).
(1) الدلاث ككتاب: السريعة والسريع من النوق وغيرها.
(2) في الديوان برواية: «المبارك ذكره ... ولدتك ... » ديوانه 1/ 131.

(6/326)


فأما التي في قوله: من لم يزده ماله وولده [نوح/ 21] فيكون جمعا، وإن كان مضافا إلى الواحد لأنه ضمير من، وهو مفرد في اللفظ، والمراد به الجمع فأفرد على معنى من، وإضافة لفظ الجميع إلى المفرد في هذا، كما حكي من قولهم: ليت هذا الجراد قد ذهب فأراحنا من أنفسه، فجمع الأنفس، وإن أضاف إلى لفظ المفرد فكذلك يكون الولد في قوله: وولده، وكذلك: ليستووا على ظهوره [الزخرف/ 13]. ويجوز أن يكون مفردا كما كان المال في قوله:
ماله مفردا، الوجهان جميعا يجوزان.

[نوح: 23]
قال: قرأ نافع وحده: ولا تذرن ودا [نوح/ 23] بضمّ الواو.
وقرأ الباقون: ودا بفتح الواو، وروى أبو الربيع عن بريد «1» بن عبد الواحد عن أبي بكر عن عاصم: ودا* مضمومة الواو مثل نافع، ولم يروه عن عاصم غيره وهو غلط، ويحيى عن أبي بكر عن عاصم، والكسائي عن أبي بكر، وحفص عن عاصم، أنه قرأ: ودا مثل أبي عمرو، وحدّثني المروذيّ عن ابن سعدان عن محمد بن المنذر عن يحيى عن أبي بكر عن عاصم أنه قرأ: ودا* بضمّ الواو مثل نافع وهو غلط «2».
قال أبو عبيدة: هذه أصنام كانت في الجاهلية تعبد «3»، وزعموا أن ودّا كان لهذا الحيّ من كلب، وحكاه بالفتح، وسمعت قول
__________
(1) في الأصل «يزيد» والتصويب من السبعة. وانظر ترجمة بريد بن عبد الواحد في الطبقات 1/ 176.
(2) السبعة 653.
(3) انظر مجاز القرآن 2/ 270.

(6/327)


الشاعر «1»:
فحيّاك ودّ من هداك لفتية وخوص بأعلى ذي نضالة هجّد وقال أبو الحسن: ضمّ أهل المدينة الواو وعسى أن يكون لغة في اسم الصنم، قال «2»: وسمعت هذا البيت:
حيّاك ودّا فإنّا لا يحلّ لنا فضل النساء وإنّ الدّين قد عزما الواو مضمومة. قال: وسمعت من يقول: إن الواو مفتوحة.

[نوح: 25]
قال: قرأ أبو عمرو وحده: مما خطاياهم [نوح/ 25] مثل:
قضاياهم. الباقون: خطيئاتهم «3».
قال أبو علي: خطاياهم على التكسير، وحجّته: نغفر لكم خطاياكم [البقرة/ 58] وخطيئات «4»: جمع التصحيح، وما* زائدة، كالتي في قوله: فبما رحمة من الله لنت لهم [آل عمران/ 159]، وقوله: فبما نقضهم ميثاقهم [النساء/ 155].
__________
(1) البيت للحطيئة وفي ديوانه (ما هداك ... ذي طوالة) ...
والودّ: اسم صنم كان لقوم نوح ثم صار لكلب وكان بدومة الجندل- وخوص: إبل غائرة العيون وذي نضالة: اسم مكان- وهجد: نيام، ديوانه/ 152، تهذيب اللغة للأزهري 6/ 36.
(2) البيت للنابغة الذبياني- ومعنى عزم: اشتدّ، ويروى: حيّاك ربّي ...
(3) السبعة 603.
(4) رسمت في الأصل خطأت.

(6/328)


[نوح: 28]
حفص عن عاصم: دخل بيتي مؤمنا [نوح/ 28] بفتح الياء، وكذلك أبو قرّة عن نافع.
الباقون لا يحرّكون الياء في بيتي* «1».
قال أبو علي: كلا الأمرين حسن.
__________
(1) السبعة 654.

(6/329)