الحجة للقراء السبعة ذكر اختلافهم في
سورة الجنّ
[الجن: 1]
قرأ ابن كثير وأبو عمرو: قل أوحي إلي أنه [1]، وأن لو استقاموا
[16] وأن المساجد لله [18]، وأنه لما قام عبد الله [19] أربعة
أحرف بالفتح.
وقرأ نافع وعاصم في رواية أبي بكر كما قرأ «1» إلّا قوله: وإنه
لما قام عبد الله فإنهما كسراه. المفضل عن عاصم مثل أبي بكر.
وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي كلّ ذلك بالفتح إلا ما جاء بعد
قول، أو بعد فاء جزاء «2». حفص عن عاصم مثل حمزة.
أما قوله: وأن لو استقاموا فإنّه يجوز فيه أمران: أحدهما: أن
تكون المخفّفة من الثقيلة، فيكون محمولا على الوحي، كأنه: أوحي
إليّ أن لو استقاموا، وفصل لو بينهما وبين الفعل كفصل السين،
ولا في قوله: أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولا [طه/ 89] وعلم أن
سيكون منكم مرضى [المزمّل/ 20].
__________
(2) السبعة 656 وسقط ما بعده.
(1) زاد في السبعة من نسخة: «أبو عمرو» بعد قوله: قرأ.
(6/330)
والآخر: أن يكون قبل لو بمنزلة اللام في
قوله: لئن لم ينته المنافقون لنغرينك بهم [الأحزاب/ 60]،
وقوله: وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن [الأعراف/ 23] فتلحق
مرّة، وتسقط أخرى، لأن لو* بمنزلة فعل الشرط، فكما لحقت اللام
زائدة قبل إن الداخل على فعل الشرط، كذلك لحقت أن* هذه قبل
لو*.
ومعنى وأن لو استقاموا على الطريقة قد قيل فيه قولان:
أحدهما: لو استقاموا على طريقة الهدى، والآخر: لو استقاموا على
طريقة الكفر.
ويستدلّ على القول الأول بقوله: ولو أنهم أقاموا التوراة
والإنجيل، وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت
أرجلهم [المائدة/ 66]، وقوله: ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا
لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض، ولكن كذبوا [الأعراف/
96].
ويستدلّ على القول الآخر بقوله: ولولا أن يكون الناس أمة واحدة
لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة [الزخرف/ 33].
وأما قوله: وأن المساجد لله [الجنّ/ 18]، فزعم سيبويه «1» أن
المفسّرين حملوه على: أوحي* كأنه: وأوحي إليّ أن المساجد لله،
ومذهب الخليل أنه على قوله: ولأن المساجد لله فلا تدعوا، كما
أن قوله: أن هذه أمتكم أمة واحدة* [الأنبياء/ 92] على قوله:
ولأن هذه
__________
(1) انظر الكتاب 1/ 464 في «باب آخر من أبواب أنّ».
(6/331)
أمتكم أمة واحدة وأنا ربّكم فاعبدون، أي:
لهذا فاعبدوني، ومثله في قول الخليل: لإيلاف قريش [قريش/ 1]
كأنه: لهذا فليعبدوا.
فأمّا المساجد فقيل فيها: إنها بيوت العبادة، أي: لا تشركوا
فيها الأوثان مع الله في العبادة، وقيل: إن المساجد المواضع
التي يسجد بها الساجد، فقال سيبويه: ولو قرئ: وإن المساجد لله
لكان جيدا.
وأمّا قوله: وأنه لما قام عبد الله [الجن/ 19] فيكون على:
أوحي إليّ، ويكون على أن يقطع من قوله: أوحي* ويستأنف به، كما
جوز سيبويه القطع من أوحي في قوله: وأن المساجد لله فعلى هذا
تحمل قراءة نافع وعاصم: وإنه لما قام عبد الله فكسرا همزة إن*،
فأما قراءة ابن عامر وحمزة والكسائي كلّ ذلك بالفتح، فإنه على
الحمل على أوحي*، ويجوز أن يكون على غيره، كما حمل المفسرون:
وأن المساجد لله على الوحي، وحمله الخليل على ما ذكرناه عنه،
فأما ما جاء من ذلك بعد قول أو حكاية، فكما حكي قوله: قال الله
إني منزلها عليكم [المائدة/ 115] ويا مريم إن الله اصطفاك [آل
عمران/ 42] وكذلك ما جاء بعد فاء الجزاء، لأن ما بعد فاء
الجزاء موضع ابتداء، فلذلك حمل سيبويه قوله: ومن عاد فينتقم
الله منه [المائدة/ 95]، ومن كفر فأمتعه قليلا [البقرة/ 126]،
من يؤمن بربه فلا يخاف [الجن/ 13] على أن المبتدأ فيها مضمر،
ومثال ذلك في هذه السورة قوله: ومن يعص الله ورسوله فإن له نار
جهنم [الجنّ/ 23].
[الجن: 17]
وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر: نسلكه عذابا صعدا
[الجنّ/ 17] بالنون.
(6/332)
وقرأ عاصم وحمزة والكسائي: يسلكه بالياء،
عباس عن أبي عمرو بالياء «1».
من قرأه بالياء فلتقدّم ذكر الغيبة في قوله: ومن يعرض عن ذكر
ربه يسلكه ومن قرأ بالنون فهو مثل قوله: وآتينا موسى الكتاب
[الأنعام/ 154] بعد قوله: سبحان الذي أسرى بعبده [الإسراء/ 1].
[الجن: 20]
وقرأ عاصم وحمزة: قل إنما أدعو ربي [الجن/ 20] بغير ألف، وقرأ
الباقون: قال*. أبو الربيع عن أبي زيد عن أبي عمرو:
قل بغير ألف مثل حمزة «2».
[الجن: 19]
قال أبو علي: وجه من قال أن ذكر الغيبة قد تقدّم، وهو قوله:
وأنه لما قام عبد الله [الجن/ 19] قال: إنما أدعوا على الغيبة
التي قبلها.
ومن قال: قل فلأن بعده مثله وهو قوله: قل إنني لا أملك لكم ضرا
ولا رشدا [الجن/ 21]، قل إنني لن يجيرني من الله أحد [الجن/
22]. قل إن أدري أقريب [الجن/ 25].
هشام بن عمّار عن ابن عامر: لبدا* [الجن/ 19] بضمّ اللام، ابن
ذكوان عن ابن عامر: لبدا بكسر اللام، وكذلك الباقون «3».
أبو عبيدة: كادوا يكونون عليه لبدا أي: جماعات، واحدها
__________
(1) السبعة 656.
(2) السبعة 657.
(3) السبعة 656.
(6/333)
لبدة، قال: وكذلك يقال للجراد الكثير، قال
عبد مناف بن ربع «1»:
صابوا بستّة أبيات وأربعة حتّى كأنّ عليهم جابيا لبدا قال:
الجابي: الجراد، لأنه يجبي كلّ شيء يأكله، وقال قتادة في قوله:
يكونون عليه لبدا تلبّد الجن والإنس على هذا الأم ليطفئوه فأبى
الله إلا أن ينصره ويمضيه ويظهره على من ناوأه. وقال غيره: كاد
الجن لما سمعوا قراءة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم يسقطون
عليه. وما روي عن ابن عامر: لبدا* فإن اللّبد الكثير، من قوله:
أهلكت مالا لبدا [البلد/ 6]، وكأنه قيل له: لبدا، لركوب بعضه
على بعض، ولصوق بعضه ببعض لكثرته، فكأنه أراد: كادوا يلصقون به
من شدّة دنوهم للإصغاء والاستماع مع كثرتهم، فيكون على هذا
قريب المعنى من قوله: لبدا إلّا أن لبدا أعرف بهذا المعنى
وأكثر.
[الجن: 25]
قال ابن كثير ونافع وأبو عمرو: ربي أمدا [الجن/ 25] وأسكن
الباقون «2».
__________
(1) ويروى «طافوا بستة» أو «جاءوا لستة» وصابوا: وقعوا،
والجابي: يهمز ولا يهمز، واللبد: المتراكب بعضه على بعض. يقول:
من كثرة ما وقع عليهم الناس كأن عليهم جرادا منقضا. انظر شرح
السكري 2/ 674. واللسان (جبأ). وفيه: سمي الجراد الجابئ
لطلوعه.
(2) السبعة 657 وفيه: «حرّك ابن كثير ونافع وأبو عمرو الياء من
(ربي). وأسكنها الباقون». ولم يتكلم أبو علي عن الحجّة فيها
لسبق نظائرها.
(6/334)
ذكر اختلافهم في سورة المزمّل
[المزمل: 6]
قرأ أبو عمرو وابن عامر: وطاء [6] بكسر الواو ممدودة، وقرأ
الباقون: وطأ بفتح الواو مقصورة «1».
روي عن مجاهد: أشد وطاء، قال: يواطئ السمع القلب.
ابن سلام عن يونس أشد وطاء قال: ملاءمة وموافقة. ومن ذلك قوله:
ليواطئوا عدة ما حرم الله [التوبة/ 37] أي: ليوافقوا، فكأن
المعنى:
إن صلاة ناشئة الليل، أو عمل ناشئة الليل يواطئ السمع القلب
فيها، أكثر مما يواطئ في ساعات النهار، لأن الليالي أفرغ
للإفهام عن كثير مما يشغل بالنهار.
ومن قال: وطأ فالمعنى: أنه أشقّ على الإنسان من القيام
بالنهار، لأن الليل للدّعة والسكون، ومنه
الحديث: «اللهم اشدد وطأتك على مضر» «2»
وهو أقوم قيلا: أي: أشدّ استقامة وصوابا لفراغ البال وانقطاع
ما يشغل، قال:
__________
(1) السبعة 658.
(2) رواه أحمد في المسند 2/ 255.
(6/335)
له ولها وقع بكلّ قرارة ووضع بمستنّ الفضاء
قويم «1» أي: مستقيم، والنّاشئة: ما يحدث وينشأ من ساعات
الليل، وروي عن الحسن أن ما كان بعد العشاء فهو ناشئة.
[المزمل: 9]
قال: قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وحفص عن عاصم: رب المشرق
[المزمل/ 9] رفع.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائي وابن عامر:
رب المشرق* خفض «2».
الرفع في قوله: رب المشرق يحتمل أمرين، أحدهما: أن يكون لما
قال: واذكر اسم ربك [المزمل/ 9] قطعه من الأول فقال:
هو ربّ المشرق، فيكون على هذا خبر مبتدأ محذوف كقوله: بشر من
ذلكم النار [الحج/ 72] وقوله: متاع قليل [آل عمران/ 197] أي:
ذلك متاع قليل، أي أن تقلبهم متاع قليل.
والوجه الآخر: يرفعه بالابتداء، وخبره الجملة التي هي: لا إله
إلا هو [المزمل/ 9] والعائد إليه الضمير المنفصل. ومن خفض فعلى
اتباعه قوله: واذكر اسم ربك رب المشرق والمغرب [المزمل/ 9].
[المزمل: 20]
قال: قرأ أبو عمرو ونافع وابن عامر: ونصفه وثلثه [المزمل/ 20]
كسرا، وقرأ الباقون: ونصفه وثلثه نصبا.
من نصب فقال: ونصفه وثلثه حمله على أدنى وأدنى في موضع نصب.
__________
(1) القرارة: القاع المستدير. واستن السراب: اضطرب.
(2) السبعة 658.
(6/336)
قال أبو عبيدة: أدنى: أقرب «1». فكأنه: إن
ربّك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل، وتقوم نصفه وثلثه.
وأمّا من جرّ فقال: من ثلثي الليل ونصفه وثلثه، فإنه يحمله على
الحال.
قال أبو الحسن: وليس المعنى عليه فيما بلغنا لأن المعنى يكون
على أدنى من نصفه وأدنى من ثلثه، قال: وكأن الذي افترض الثلث
أو أكثر من الثلث، قال: وأما الذين قرءوا بالجرّ، فعلى أن يكون
المعنى: أنكم لم تؤدّوا ما افترض عليكم، فقوموا أدنى من ثلثي
الليل ومن نصفه ومن ثلثه.
ابن ذكوان عن ابن عامر وثلثه وثلثي الليل مثقّل، وزاد الحلواني
عن هشام عن ابن عامر ثلثي خفيفا وثلثه مثقّل.
وروى لنا محمد بن الجهم عن خلف عن عبيد عن شبل عن ابن كثيرو
ثلثه ساكنة اللام «2».
حجّة التثقيل قوله: فلأمه الثلث [النساء/ 11]. وحجّة التخفيف:
أن هذا الضرب قد يخفّف، فيقال: العنق والعنق، والطنب والطنب،
والرّسل والرّسل، والأسد والأسد.
__________
(1) مجاز القرآن 2/ 274.
(2) السبعة 658.
(6/337)
ذكر اختلافهم في سورة المدّثّر
[المدثر: 5]
قرأ عاصم في رواية حفص: والرجز [5] بضمّ الراء، والمفضل مثله.
وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم: والرجز بكسر الراء «1».
قال أبو الحسن: قراءة الحسن مضمومة، وقال: هو اسم صنم فيما
زعموا، ومن كسر فقال: والرجز فاهجر، فالرجز العذاب، والمعنى:
وذا العذاب فاهجر، يعني: الأصنام، لأن عبادتها تؤدّي إلى
العذاب، وقد قال: لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك [الأعراف/
134]، ويجوز أن يكون الرّجز والرّجز لغتين، كالذّكر والذّكر
قال قتادة: هما صنمان كانا عند البيت، أساف ونائلة.
[المدثر: 33]
قال: قرأ ابن كثير وأبو عمرو وأبو بكر عن عاصم وابن عامر
والكسائي: إذا دبر [33]. [بفتح الدال].
وقرأ نافع وعاصم في رواية حفص وحمزة: والليل إذ أدبر بتسكين
الدال «2».
__________
(1) السبعة 659.
(2) السبعة 659. وما بين معقوفين منه.
(6/338)
ابن سلّام عن يونس قال يونس: دبر: انقضى،
وأدبر: تولّى، قال ابن سلام، ذكر غير واحد من أصحاب الحديث عن
الحسن أنه قال: إدبار النجوم: ركعتا الفجر، وإدبار السجود
ركعتان بعد المغرب، قال: وقال يونس: إدبار النجوم: انقضاؤها،
وإدبار السجود آثار السجود، وفي حرف عبد الله: والليل إذا أدبر
فيما زعموا، وروي أن مجاهدا سأل ابن عباس عنها، فلما ولّى
الليل قال له: يا مجاهد، هذا حين دبر الليل، قال قتادة: والليل
إذا دبر: إذا ولّى، ويقال: دبر.
وأدبر، قال «1»:
وأبي الذي ترك الملوك وجمعهم بصهاب هامدة كأمس الدابر وقد
قالوا أيضا: كأمس المدبر، والوجهان جميعا حسنان.
[المدثر: 35]
قال أبو علي: قنبل عن ابن كثير: إنها لإحدى الكبر [المدّثر/
35] مهموز مثل أبي عمرو. وحدّثني غير واحد منهم أحمد بن أبي
خيثمة، وإدريس عن خلف قال: حدّثنا وهب بن جرير عن أبيه قال:
سمعت عبد الله بن كثير يقرأ: لحدى الكبر لا يهمز ولا يكسر «2».
وقال قتادة: إنها لإحدى الكبر: جهنم. قال أبو علي:
التخفيف في لإحدى الكبر أن تجعل الهمزة فيها بين بين نحو:
سيم، وإذ قال ابراهيم [الأنعام/ 74، إبراهيم/ 35، الزخرف/ 26]،
فأما حذف الهمزة فليس بقياس، ووجه ذلك أن الهمزة حذفت حذفا
__________
(1) سبق في ص 175.
(2) السبعة 659، 660 مع تقديم وتأخير.
(6/339)
كما حذفت في قوله «1»:
ويلمّها في هواء الجوّ طالبة ولا كهذا الّذي في الأرض مطلوب
ويشبه أن يكون الذي حسّن ذلك لقائله، أنه وجد الهمزة تحذف حذفا
في بعض المواضع في التخفيف، وليس هذا منها، ولكنه مثل:
ويل أمّها، كان القياس أن تجعل بين الهمزة والواو، فحذفت حذفا،
وقد جاء ذلك في غير موضع في الشعر، قال أبو الأسود لزياد «2»:
يا با المغيرة ربّ أمر معضل فرّجته بالنّكر منّي والدّها وقال
آخر: أنشده أحمد بن يحيى:
إن كان حرّ لك با فقيمه باعك عبدا بأخسّ قيمه «3» وقال آخر
«4»:
إن لم أقاتل فالبسوني برقعا وفتحات في اليدين أربعا
__________
(1) وهو امرؤ القيس (ديوانه/ 227) والبيت من شواهد سيبويه. قال
الأعلم:
وصف عقابا تتبع ذئبا لتصيده، فتعجب منها في شدّة طلبها ومنه في
سرعته وشدّة هروبه. وأراد: ويل أمها فحذف الهمزة لثقلها ثم
أتبع حركة اللام حركة الميم. انظر سيبويه 1/ 353، 2/ 172،
والخزانة 2/ 112.
(2) سبق انظر 3/ 211، 307.
(3) في طرّة الأصل تعليقه نصها: «هذا البيت في ... عليه وليس
في نسخة الشيخ بن ... قوله إن كان». ولم نقف على قائل الرجز.
(4) سبق في 3/ 211 و 306.
(6/340)
حذف الهمزة حذفا ولم يخفّف على القياس.
ومن ذلك قول الفرزدق «1»:
فعليّ إثم عطيّة بن الخيطفى واثم التي زجرتك إن لم تجهد فهذا
مثل قراءة ابن كثير، ألا ترى أن لإ* في قوله لإحدى الكبر مثل:
وإثم التي، وهذا النحو في الشعر غير ضيّق في القياس، وقد جاء
منه في الكلام، وحكمها في القياس أن تجعل بين الهمزة والألف،
وفي هذا الحذف ضعف لأنه إذا حذفها بقي بعدها حرف ساكن يكون أول
الكلمة بعد الحذف، ولهذا لم يتخفّف الهمزة أولا، لأن التخفيف
تقريب من الساكن كأن لا يكون فيما يلزم الابتداء به ساكنا
أجدر، ومن ثم لم يجزموا متفا، لأن السكون يلحق الزحاف فيلزم
فيه الابتداء بالساكن، ووجهه أن اللام اللاحقة أول الكلمة لما
لم تفرد صار بمنزلة ما هو من نفس الكلمة فصار حذف الهمزة كأنه
يحذف في تضاعيف الكلمة، ومن ثم قالوا: لهو خير الرازقين [الحج/
58] فخفّفوه كما خفّفوا عضدا ونحوه، مما هو كلمة واحدة.
[المدثر: 50]
نافع وابن عامر: مستنفرة [المدثر/ 50] بفتح الراء ونصب الفاء.
المفضّل عن عاصم مثله، وقرأ ابن كثير وعاصم وأبو عمرو وحمزة
والكسائي: مستنفرة بكسر الفاء «2».
أبو الحسن: الكسرة في: مستنفرة أولى، ألا ترى أنه قال:
__________
(1) لم نعثر عليه في ديوانه.
(2) السبعة 660.
(6/341)
فرت من قسورة [المدثر/ 51] فهذا يدلّ على
أنها هي التي استنفرت، ويقال: نفر، واستنفر، مثل: سخر،
واستسخر، وعجب واستعجب، قال «1»:
ومستعجب مما يرى من أناتنا ولو زبنته الحرب لم يترمرم ومن قال:
مستنفرة فكأن القسورة استنفرتها، أو الرامي.
قال أبو عبيدة: مستنفرة، ومستنفرة مذعورة، قال: والقسورة:
الأسد «2»، وقالوا: الرّماة. قال ابن سلّام: سألت أبا سوّار
الغنويّ، وكان أعرابيا فصيحا قارئا للقرآن، فقلت: كأنهم حمر
ماذا؟ فقال:
كأنهم حمر مستنفرة طردها قسورة، فقلت: إنما هو: فرت من قسورة
فقال: أفرّت؟ قلت: نعم، قال: فمستنفرة إذا.
__________
(1) لأوس بن حجر، سبق 1/ 352. و 4/ 433
(2) مجاز القرآن 2/ 276.
(6/342)
|