الحجة للقراء السبعة

ذكر اختلافهم في سورة عمّ يتساءلون
[النباء: 5، 4]
قرأ ابن عامر وحده: ستعلمون ثم كلا ستعلمون [النبأ/ 4، 5] بالتاء جميعا، كذا في كتابي عن ابن ذكوان.
وقال هشام بن عمّار بإسناده عن ابن عامر بالياء، وكذلك قرأ الباقون بالياء «1».
حجّة الياء: أن المتقدّم على لفظ الغيبة عن النبأ العظيم. الذي هم فيه مختلفون. كلا سيعلمون [النبأ/ 2، 4]، فهذا هو الوجه البيّن، والجمهور عليه، والتاء على: قل لهم ستعلمون، ومعنى ستعلمون*: ستعرفون ذلك مشاهدة وعيانا، كما قال: لترون الجحيم ثم لترونها عين اليقين [التكاثر/ 7] فهذا «علمت» الذي يتعدّى إلى مفعول واحد، وهو من معنى المشاهدة، كما أن: لترون الجحيم كذلك، ومن هذا قيل: عريف الجند والجيش، لأنه يعرفهم بحلاهم التي ترى وتشاهد فيهم، قال «2»
__________
(1) السبعة 668.
(2) البيت لطريف بن تميم العنبري وهو من شواهد سيبويه.
يقول: لشهرتي وفضلي في عشيرتي كلما وردت سوقا من أسواق

(6/367)


أو كلّما وردت عكاظ قبيلة بعثوا إليّ عريفهم يتوسّم

[النباء: 19]
وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر: وفتحت السماء فكانت [النبأ/ 19] مشدّدة.
وقرأ عاصم وحمزة والكسائي: وفتحت بالتخفيف «1».
قال أبو علي: فتحت* بالتشديد أوفق لقوله: مفتحة لهم الأبواب [ص/ 50]، وفتحت بالتخفيف لأن التخفيف يكون للقليل والكثير، وحجة التخفيف: فتحنا عليهم أبواب كل شيء [الأنعام/ 44].

[النباء: 25]
المفضل وحفص عن عاصم وحمزة والكسائي: وغساقا [النبأ/ 25] مشدّد، أبو بكر عن عاصم وابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر: غساقا خفيف «2».
قال أبو علي: التخفيف أكثر، لأن فعّالا في الأسماء قليل، فإن قلت: أجعله صفة، أقمت الصفة مقام الموصوف، قال أبو الحسن:
الأعمش يثقّل، وهي لغة، فهذا يشبه أن يكون على إقامة الصفة مقام الموصوف، وحكي عن عيسى أن سفلى مضر يقولونه، يريد التشديد في غساق.
__________
العرب تسامعت بي القبائل، وأرسلت كل قبيلة رسولا يتعرّفني- والتوسّم:
التثبّت في النظر ليتبين الشخص، انظر سيبويه 2/ 215 - المنصف 3/ 66، نوادر المخطوطات 2/ 219، الأصمعيات/ 127.
(1) السبعة 668.
(2) السبعة 668.

(6/368)


[النباء: 23]
قال: قرأ حمزة وحده: لبثين [النبأ/ 23] بغير ألف.
الباقون: لابثين بألف.
مجيء المصدر على اللبث، يدلّ على أنه من باب: شرب يشرب شربا، ولقم يلقم، وليس من باب: فرق يفرق، ولو كان منه لكان المصدر مفتوح العين، فلما أسكن وجب أن يكون اسم الفاعل فاعل، كشارب ولاقم، كما كان اللّبث كاللّقم، ويقوّي: لابثين أنهم يلبثون فيها حقبة بعد حقبة، فيكون كقولهم: بعيرك صائد غدا، يلبثون فيها حقبة بعد حقبة، فيكون كقولهم: بعيرك صائد غدا، ويكون: لابثين مثل: لا قمين وشاربين. ومن قال: لبثين جعل اسم الفاعل فعلا، وقد جاء غير حرف من هذا النحو على فاعل وفعل.

[النباء: 35]
قال: قرأ الكسائي وحده: لغوا ولا كذابا [النبأ/ 35] خفيف.
الباقون: كذابا بالتشديد «1».
الكذّاب: مصدر كذّب، كما أن الكلّام مصدر كلّم، وكذا القياس فيما زاد على الثلاثة، أي: يأتي بلفظ الفعل ويزيد في آخره الألف، كقولك: أكرمته إكراما.
فأما التكذيب: فزعم سيبويه أن التاء عوض من التضعيف، والياء التي قبل الآخر كالألف فأما الكذاب فمصدر كذب، قال الأعشى «2»:
فصدقتها وكذبتها والمرء ينفعه كذابه
__________
(1) السبعة 669.
(2) سبق انظر 1/ 329، 4/ 442

(6/369)


فكذاب في مصدر كذب، كالكتاب في مصدر كتب.

[النباء: 38، 37]
وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: رب السموات والأرض وما بينهما الرحمن [النبأ/ 37] رفع.
وقرأ ابن عامر وعاصم: رب السموات، خفض، وما بينهما الرحمن خفض أيضا.
وقرأ حمزة والكسائي: رب السموات بكسر الباء، الرحمن* رفع.
المفضل عن عاصم: رب السموات ... الرحمن رفعهما «1».
من قرأ: رب السموات والأرض وما بينهما الرحمن قطع الاسم الأول من الجرّ الذي قبله في قوله: من ربك [النبأ/ 36] فابتدأه وجعل الرحمن* خبره، ثم استأنف: لا يملكون منه [النبأ/ 37]. ومن قال: رب السموات والأرض ... الرحمن أتبع الاسمين الجر الذي قبلهما في قوله: من ربك ... رب السموات ... الرحمن، ومن قال: رب السموات ... الرحمن أتبع رب السموات الجرّ الذي في قوله: من ربك واستأنف بقوله:
الرحمن، وجعل قوله: لا يملكون منه في موضع خبر قوله الرحمن وقوله: لا يملكون منه خطابا كقوله: لا تكلم نفس إلا بإذنه [هود/ 105].
__________
(1) السبعة 669.

(6/370)


ذكر اختلافهم في سورة النازعات
[النازعات: 11]
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وحفص عن عاصم:
نخرة [النازعات/ 11] بغير ألف، المفضل عن عاصم: نخرة.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة: ناخرة بألف. عباس عن أبان عن عاصم: نخرة بغير ألف.
وأما الكسائي فكان أبو عمر الدوري يروي عنه أنه كان لا يبالي كيف قرأها بالألف أم بغير الألف. وقال أبو الحارث كان يقرأ: نخرة ثم رجع إلى ناخرة. وقال أبو عبيد: ناخرة بألف، ولم يرو عن الكسائي إلا وجها واحدا «1».
قال أبو عبيدة: نخرة وناخرة أي: بالية، وقال أبو الحسن:
ناخرة أكثر فيما جاء عن الصحابة، قال: وأما نخرة فقراءة الناس اليوم، وكثير من التابعين، وهي أعرف اليوم في كلّ العرب، وهما لغتان أيّهما قرأت فحسن.

[النازعات: 17، 16]
قال: قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: طوى. اذهب
__________
(1) السبعة 670، 671.

(6/371)


[النازعات/ 16] غير مجراة، وقرأ الباقون: طوى منونة «1».
قال أبو عبيدة «2»: طوى مضمومة الأول ومكسورة، فمن لم ينوّن جعله اسما مؤنثا، ومن نوّن جعله ثنى مثل طوى، جعله مرتين مصدرا، قال طرفة «3»:
أعاذل إن اللّوم في غير كنهه عليّ طوى من غيّك المتردّد قال أبو علي: من لم يصرف طوى* احتمل قوله أمرين:
أحدهما: أنه جعله اسم بلدة أو بقعة أو يكون جعله معدولا، كزفر وعمر. ومن صرف احتمل أيضا أمرين: أحدهما: أن يكون جعله اسم موضع أو بلد أو مكان، والآخر أن يكون مثل رجل حطم وسكع وأهلكت مالا لبدا [البلد/ 6].
ويجوز أن توصف النكرة إذا أبدلت من المعرفة، وإن كان قد جاء في الآية: بالناصية. ناصية كاذبة [العلق/ 15، 16] موصوفا، ويدلّ على جواز ذلك قول الشاعر «4»:
إنّا وجدنا بني جلّان كلّهم كساعد الضّبّ لا طول ولا قصر
__________
(1) السبعة 671.
(2) في مجاز القرآن 2/ 285، وانظر 2/ 16 منه.
(3) لم يرد في ديوانه، وقد نسبه أبو عبيدة إلى عديّ بن زيد في الموضعين الآنفي الذكر من كتابه، وهو الصواب. وجاءت روايته في 2/ 16 «ثنى» بدل «طوى»، وانظر اللسان (طوى).
(4) سبق انظر 1/ 149.

(6/372)


المعنى: لا كذي طول ولا قصر، وإنما جاز ذلك لأنه يفيد ما لا يفيده الأول، ولو لم يوصف ناصية بالكذب، لم يعلم بعد البدل إلا ما كان علم بالأول.
وقال أبو الحسن: كان الحسن يقول: قدّس مرتين، قال: فهذا ينبغي أن يكون مكسورا نحو: الثني للشيء بعد الشيء يكسر ويقصر، وأنشد «1»:
ترى ثنانا إذا ما جاء بدأهم وبدؤهم إن أتانا كان ثنيانا وأنشد غيره «2» أفي جنب بكر قطّعتني ملامة لعمري لقد كانت ملامتها ثنى أي: ليس ذلك بأول ملامة، وثنى: فعل من ثنيت، وهذا مثل قوم عدى، ومكان سوى في أنه فعل، صفة، ويكون مصدرا بالسمع.
واختلف عن الحسن، فمنهم من روى عنه أنه قرأها بكسر الطاء، ومنهم من روى عنه أنه قرأها بضمّها، وفسّر الحسن ثنيت فيه البركة والتقديس مرّتين.
__________
(1) البيت لأوس بن مغراء السعدي- والبدء: السيد.
انظر معجم التهذيب 14/ 205 - و 15/ 136 وفيه ثنيانا بدل ثنانا.
واللسان/ ثنى، والثنيان بالضم الذي يكون دون السيد في المرتبة. اللسان (ثنى).
(2) البيت لكعب بن زهير، وثنى: مرة بعد مرة، أي: فعلت بي ما فعلت من أخل بكر أطعمته أضيافي، انظر ديوانه/ 128.

(6/373)


[النازعات: 18]
قال: قرأ ابن كثير ونافع: إلى أن تزكى [النازعات/ 18] مشدّدة الزاي، وقرأ عاصم، وأبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي:
تزكى خفيفة.
عباس عن أبي عمرو: تزكى* بتشديد الزاي مثل نافع «1».
قال أبو علي: كأن معنى: تزكى*: تطهّر من الشرك، وقال:
قد أفلح من زكاها [الشمس/ 5]، ومنه: أقتلت نفسا زكية [الكهف/ 74] ومنه: تزكية الشهود، وما عليك ألا يزكى [عبس/ 7]، والمبتدأ محذوف من اللفظ، مراد في المعنى، التقدير:
هل لك إلى ذلك حاجة أو إربة، قال «2»:
فهل لكم فيها إليّ فإنني طبيب بما أعيا النّطاسيّ حذيما ومن قال: تزكى* أراد تتزكّى، فأدغم تاء التفعّل في الزاي لتقاربهما، ومن قال: تزكى خفيفة الزاي، حذف التاء التي أثبتها من أدغم بالإدغام وتخفيفها بالحذف أشبه.

[النازعات: 11، 10]
ابن عامر: أإنا لمردودون في الحافرة [النازعات/ 10]، بهمزتين مع الاستفهام، كذا لفظ ابن ذكوان إذا قصرا على الخبر.
__________
(1) السبعة 671.
(2) البيت لأوس بن حجر- وحذيم: رجل من تيم الرباب وكان متطببا عالما ومعنى البيت: هل لكم علم وبصيرة فيما يرجع نفعه وفائدته إليّ- إنني أعلم وأعرف بحالي منكم فإنني بصير بما يعيي النطاسي ابن حذيم.
الخصائص 2/ 453، المفصل 3/ 25، الخزانة 2/ 232، ديوانه/ 111.

(6/374)


نافع والكسائي: أإنا لمردودون استفهام إذا كنا* مثل ابن عامر، غير أن نافعا يهمز همزة واحدة، ويمدّ، والكسائي يهمز همزتين. عاصم وحمزة يهمزانهما همزتين، أبو عمرو يمدّها «1» على الاستفهام أيضا.
ابن كثير يستفهم بهما ولا يمدّ، ويجعل بعد الهمزة ياء ساكنة «2».
قال أبو علي: قد تقدم ذكر ذلك، والقول فيه في غير موضع.
وقال عباس: سألت أبا عمرو فقرأ: إنما أنت منذر من [النازعات/ 45] منوّن ولم ينوّن أحد منهم ذلك غيره. وروى غير عبّاس عن أبي عمرو غير منوّن، وكذلك قرأ الباقون أيضا غير منوّن مضافا.

[النازعات: 45]
قال أبو علي: حجّة التنوين أن اسم الفاعل فيه للحال، ويدلّ على ذلك قوله: قل إنما أنذركم بالوحي [الأنبياء/ 45] فليس المراد أنذر فيما أستقبل وإنما أنذر في الحال، فاسم الفاعل على قياس الفعل، ومن أضاف استخفّ فحذف التنوين كما حذف من قوله: فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم [الأحقاف/ 24]، ونحو ذلك مما جاء على لفظ الأمر كافّة والمراد به الانفصال.
ويجوز أن يكون منذر من على نحو: هذا ضارب زيد أمس، لأنه قد فعل الإنذار.
__________
(1) في السبعة: يمدهما: (آينا. آيذا).
(2) السبعة 670.

(6/375)


ذكر اختلافهم في سورة عبس
[عبس: 4]
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وحمزة والكسائي، وأحسب ابن عامر: فتنفعه [4] رفع. وقرأ عاصم: فتنفعه نصب «1».
قال أبو علي: من رفع: فتنفعه عطفه على ما تقدّم من المرفوع، كأنه: لعلّه تنفعه الذكرى وقول عاصم على أنه جواب بالفاء، لأن المتقدم غير موجب، فكأنّ قوله: يذكر في تقدير المعطوف على يزكى في معنى: لعلّه يكون منه تذكّر وانتفاع.
فانتصاب تنفعه بإضمار أن كما ينتصب بعد الأشياء التي هي غير موجبة، كالنفي والأمر والنهي والاستفهام، والعرض، وكذلك قوله:
لعلي أبلغ الأسباب ... فأطلع [غافر/ 36، 37] وأطلع [مريم/ 78].

[عبس: 6]
وقرأ ابن كثير ونافع: تصدى [عبس/ 6] مشدّدة الصاد.
الباقون: تصدى مخفّف «2».
__________
(1) السبعة 672.
(2) السبعة 672.

(6/376)


أبو عبيدة: تصدي تعرّض «1»، قال ذو الرمّة «2»:
ترى القلوة القوداء فيها كفارك تصدّى لعينيها فصدّت حليلها قال: يعني بالقلوة التي تتبع القلو. قال: يريد تصدى حليلها فصدّت.
من قال: تصدى أدغم التاء في الصاد، ومن قال: تصدى أراد تتصدى فحذف التاء ولم يدغمها.

[عبس: 10]
قال: قرأت على قنبل عن النبّال: عنهو تلهى [عبس/ 10] خفيفة التاء. ابن أبي بزّة: عنهو تلهى مشددة التاء، وكذلك ابن فليح عن أصحابه عن ابن كثير «3».
التخفيف في التاء الوجه، والتثقيل على أنه شبّه المنفصل بالمتّصل، وجاز وقوع الساكن بعد حرف اللين، كما جاز: تمودّ الثوب، في المتصل. وحكى سيبويه: فلا تتناجوا [المجادلة/ 9]، وقال: وبلغنا أن أهل مكّة لا يبينون التاءين «4».
__________
(1) مجاز القرآن 2/ 286.
(2) انظر ديوانه 2/ 935. القلوة: الخفيفة من الأتن- والقوداء: الطويلة العنق- والفارك: المرأة التي أبغضت زوجها أي: تصدى حليلها ينظر في وجهها فصدّت مغضبة، فكذلك هذه القلوة في إغضائها بطرف الشمس.
(3) السبعة 672.
(4) الكتاب 2/ 408 وعبارته فيه: «أما قوله عزّ وجلّ: (فلا تناجوا) فإن شئت أسكنت الأول للمدّ (يريد التاء الأولى)، وإن شئت أخفيت وكان بزنته متحركا، وزعموا أن أهل مكّة لا يبينون التاءين». وإسكان أولى التاءين وإدغامها في الأخرى أحد وجهين يرويان عن ابن محيصن من قرّاء مكّة.
انظر فهرس شواهد سيبويه للأستاذ النفّاخ ص 47.

(6/377)


[عبس: 25]
قال: قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر: إنا صببنا [عبس/ 25] بالكسر.
وقرأ عاصم وحمزة والكسائي: أنا صببنا بالفتح.
من قال: إنا صببنا الماء صبا فكسر إن* كان ذلك تفسيرا للنظر إلى طعامه، كما أن قوله: لهم مغفرة [المائدة/ 9]، تفسير للوعد.
ومن فتح فقال: أنا صببنا فالمعنى على البدل، بدل الاشتمال، لأن هذه الأشياء تشتمل على كون الطعام وحدوثه، فهو على نحو: يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه [البقرة/ 217] وقتل أصحاب الأخدود، النار [البروج/ 4] وقوله: وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره [الكهف/ 63]، لأن الذكر كالمشتمل على المذكور، وقال: إلى طعامه [عبس/ 24]، والمعنى: على كونه وحدوثه وهو موضع الاعتبار. «1»
__________
(1) السبعة 672.

(6/378)