الحجة للقراء السبعة ذكر اختلافهم في
سورة البلد
[البلد: 14، 13]
قرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي: فك رقبة أو أطعم في يوم ذي
مسغبة [13، 14]. [فكّ] بفتح الكاف، [رقبة] نصب، أطعم بغير ألف.
عبيد وعلي بن نصر عن أبي عمرو: فك رقبة أو أطعم نصب بغير ألف،
وقال عباس: سألت أبا عمرو فقال: أيتهما شئت.
وقرأ عاصم وابن عامر ونافع وحمزة: فك رقبة أو إطعام في يوم.
حدّثني الدباغ عن أبي الربيع عن عبد الوارث عن أبي عمرو:
فك رقبة مضافا أو إطعام.
حدّثني به الخزاز عن محمد بن يحيى عن عبد الصمد عن أبيه عن أبي
عمرو «1».
قال أبو علي: حدّثنا أحمد بن محمد قال: حدّثنا المؤمّل بن هشام
قال: حدّثنا إسماعيل بن عليّة قال: قال أبو رجاء سمعت الحسن
يقول: فلا اقتحم العقبة [البلد/ 11] قال: جهنّم.
__________
(1) السبعة 686.
(6/413)
وقال قتادة: فلا اقتحم العقبة أنها قحمة
شديدة، فاقتحموها بطاعة اللَّه.
أبو عبيدة: فلا اقتحم العقبة: فلم يقتحم العقبة في الدنيا، ثم
فسّر العقبة فقال: وما أدراك ما العقبة فك رقبة أو إطعام في
يوم ذي مسغبة «1».
قال أبو علي: قول من قال: فك رقبة أو إطعام المعنى فيه:
وما أدراك ما اقتحام العقبة؟ لا بدّ من تقدير هذا المحذوف لأنه
لا يخلو من أن تقدّر حذف هذا المضاف أو لا تقدّره، فإن لم
تقدّره وتركت الكلام على ظاهره، كان المعنى: العقبة فكّ رقبة
ولا تكون العقبة الفكّ لأنه عين، والفكّ حدث، والخبر ينبغي أن
يكون المبتدأ في المعنى، فإذا لم يستفهم كان المضاف مرادا،
فيكون المعنى اقتحام العقبة فكّ رقبة، أو إطعام، أي: اقتحامها
أحد هذين، أو هذا الضرب من فعل القرب، ومثل هذا قوله: وما
أدراك ما الحطمة، نار الله الموقدة [الهمزة/ 5، 6] أي: الحطمة
نار اللَّه، ومثله: وما أدراك ماهيه، نار حاميه [القارعة/ 10،
11]. أي: هي نار حامية، وكذلك قوله: وما أدراك ما القارعة يوم
يكون الناس [القارعة/ 3، 4]، المعنى: القارعة يوم يكون الناس
لأن القارعة مصدر، فيكون اسم الزمان خبرا عنه، فهذه الجمل التي
من الابتداء، والخبر تفسير لهذه الأشياء المتقدم ذكرها من نحو
اقتحام العقبة، والحطمة والقارعة، كما أن قولهم: لهم مغفرة
وأجر عظيم [المائدة/ 9، الحجرات/ 3] تفسير للوعد.
ومعنى: فلا اقتحم العقبة لم يقتحمها، وإذا كانت لا* بمعنى
__________
(1) مجاز القرآن 2/ 299.
(6/414)
لم، لم يلزم تكريرها، كما لم يلزم التكرير
مع لم، فإن تكررت في موضع نحو: فلا صدق ولا صلى [القيامة/ 31]
فهو كتكرّر لم يسرفوا ولم يقتروا [الفرقان/ 67] وقوله: ثم
كان من الذين آمنوا
[البلد/ 17] أي: كان مقتحم العقبة وفاكّ الرقبة، مع ما أتاه من
هذه القرب، من الذين آمنوا، فإنه إن لم يكن منهم لم ينفعه قربة
لإحباط الكفر لها.
قال أبو الحسن: هي أجود من الأخرى وبها نقرأ، وقوله: في يوم ذي
مسغبة [البلد/ 14] جاز أن يوصف اليوم بهذا، كما جاز أن يقال:
ليل نائم ونهار صائم، ونحو ذلك، ومن قال: فك رقبة أو أطعم في
يوم ذي مسغبة [البلد/ 13، 14]، فإنه يجوز أن يكون ما ذكر من
الفعل تفسيرا لاقتحام العقبة، فإن قلت: إن هذا الضرب لم يفسّر
بالفعل، وإنّما فسّر بالابتداء والخبر، مثل قوله: نار الله
الموقدة [الهمزة/ 6] وقوله: نار حامية [القارعة/ 11]، هذه جمل
من ابتداء وخبر، وليس فيها شيء من الفعل والفاعل، فهلّا رجّحت
القراءة الأخرى من أجل هذه الكثرة، والحمل عليها، قيل: إنه قد
يمكن أن يكون قوله: كذبت ثمود وعاد بالقارعة [الحاقة/ 4]
تفسيرا لقوله:
وما أدراك ما القارعة [القارعة/ 3]، ويكون تفسيرا على المعنى.
وقد جاء: إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم [آل عمران/ 59] وفسّر
المثل بقوله، خلقه من تراب [آل عمران/ 59]، فكذلك قول من: فك
رقبة أو أطعم، وزعموا أن أبا عمرو احتجّ لقراءة: فك رقبة
بقوله: ثم كان من الذين آمنوا [البلد/ 17] كأنه لمّا كان فعلا
وجب أن يكون المعطوف عليه مثله، وقد يجوز أن يكون ذلك كالقطع
من الأول والاستئناف، كأنه أعلم أن فكاك الرقبة من الرقّ من
الذين
(6/415)
آمنوا، لأنه بالإيمان يحرز ثواب ذلك
ويحوزه، فإذا لم ينضم الإيمان إلى فعل القرب التي تقدم ذكرها
لم ينفع ذلك.
[البلد: 20]
قال: وقرأ ابن كثير وابن عامر ونافع وعاصم في رواية أبي بكر
والكسائي: موصدة* [البلد/ 20] بغير همز، وفي سورة الهمزة مثله،
وقرأ أبو عمرو وحمزة وحفص عن عاصم، مؤصدة بالهمز في الموضعين
«1».
أبو عبيدة: نار مؤصدة: مطبقة، آصدت وأوصدت: لغتان، أي: أطبقت
«2».
قال أبو علي: من قال: موصدة* فلم يهمز، احتمل أمرين:
أحدهما: أن يكون على لغة من قال: أوصدت والوصيد، وموصدة على
هذا: مفعلة مثل موعدة، ولا سبيل إلى همزها إلى على قول من قال:
.... مؤسى «3» والآخر من آصد، مثل: آمن، فعلى هذا القول: مؤصدة
كما تقول: مؤمنة، ثم تخفّف فتقلب واوا، كما تقول في تخفيف جؤنة
وبؤس، ونؤي: جونة وبوس ونوي، فتقلبها في التخفيف واوا.
ومن همز فقال: مؤصدة* أخذها من: آصدت، فإذا جعلها اسم الفاعل
أو المفعول قال: مؤصدة كما تقول: مؤمنة. ويجوز فيمن همز أن
يكون من الوصيد، وهمزة على قياس «3»:
__________
(1) السبعة 686.
(2) مجاز القرآن 2/ 299.
(3) من بيت لجرير سبق في 1/ 239.
(6/416)
أحبّ المؤقدان إليّ مؤسى وقد حكي: وضعته
يتنا ووتنا وأتنا «1»، فجاء في الفاء الحروف الثلاثة.
[البلد: 20، 19]
قال: حدّثنا الخزاز عن محمد بن يحيى عن أبي الربيع عن حفص عن
عاصم: مؤصدة، والمشأمة [البلد/ 19] بالكسر فيهما.
قال غير أحمد: يعني إذا وقف، فأما إذا وصل، فالفتح لا غيره.
قال أحمد: وحدّثني الدباغ عن أبي الربيع عن حفص عن عاصم: مؤصدة
مهموزة، المشأمة مشدّدة، قال أحمد: كذا قال وليس له وجه.
قال أبو علي قول عاصم: وإمالة الفتحة التي في مؤصدة* نحو الكسر
وكذا المشأمة عربي. قال سيبويه: قالوا أخذت أخذه، وضربت ضربه،
شبّه الهاء بالألف، وأمال ما قبلها كما يميل ما قبل الألف، فإن
قلت: كيف أمالها، والألف لو كانت هنا موضع الهاء لم تلزم فيها
الإمالة، لأنه ليس كسرة ولا ياء؟ قيل: قد تمال الألف في
الأواخر وإن لم يكن ما يوجب الإمالة، وذلك نحو قولهم: طلبنا
ورأيت عنتا، فكما أمالوا هذه الألف وإن لم يكن في الكلمة ما
يوجب الإمالة، كذلك أميلت الهاء تشبيها بالألف، وهذه الإمالة
في ذا الحرف على ألسنة مولدي الكوفة والبصرة اليوم، وأما
التشديد في المشأمة فلا أعلم له وجها.
__________
(1) اليتن: أن تخرج رجلا المولود قبل يديه ورأسه، وتكره
الولادة إذا كانت كذلك.
(6/417)
ذكر اختلافهم في:
والشمس وضحاها
[الشمس: 1]
قرأ ابن كثير وعاصم وابن عامر: بفتح أواخر آي هذه السورة،
والليل، والضحى.
وقرأ الكسائي بإضجاع ذلك كله، وإضجاع أواخر سورة والليل وسورة
الضحى.
وقرأ حمزة: وضحاها* [1] كسرا، ويفتح تلاها [الشمس/ 2]، وطحاها
[6] وفي الضحى سجا [2] وفي النازعات: دحاها [30]، ويكسر سائر
ذلك وقرأ نافع ذلك كلّه بين الفتح والكسر. وقال خلف عن إسحاق
عن نافع: آياتها وآيات والضحى والليل والأعلى، وما أشبه ذلك
بين الكسر والفتح. وقال محمد بن إسحاق عن أبيه، وأحمد بن صالح
عن ورش وقالون: آياتها كلّها مفتوحات. وقال ابن جمّاز: كان
نافع يبطحها كلّها إلا تلاها فإنه يفتحها وحدها. وقال خارجة عن
نافع مثله: يفتح تلاها ويبطح سائرهنّ.
وقال اليزيدي عن أبي عمرو: ذلك كله بين الفتح والكسر، وكذلك
قال عبد الوارث عن أبي عمرو. وقال عباس: سألت أبا عمرو فقرأ:
وضحاها* وتلاها وجلاها ودحاها بكسرها كلها. قال:
(6/418)
وسألته فقرأ: والضحى وسجى وقلى يكسر، وقال
عبيد بن عقيل عن أبي عمرو أنه قرأ آيات والشمس وضحاها، والقمر
إذا تلاها وجلاها وما أدراك [القارعة/ 10] بالياء في القرآن
كله.
وإذا رآك الذين كفروا [الأنبياء/ 36] وإذا رأى الذين أشركوا
[النحل/ 86] ولقد رأى من آيات ربه الكبرى [النجم/ 18] يكسرهنّ
في كلّ القرآن «1».
وجه قول ابن كثير وعاصم وابن عامر في ترك الإمالة في هذه
الحروف أن كثيرا من العرب «2» ..
ألا ترى أنها إذا كانت رابعة في الفعل لزم بدل الياء نحو:
أغزيت، وكذلك إذا كان في اسم نحو: المدعي والمغزي، ثنّي بالياء
وكذلك في نحو مسني ومعدي، تقلب إلى الياء، ولا تجد الياء تقلب
إلى الواو في هذا النحو، ولمّا كانت هذه في حكم الانقلاب عن
الياء أجروا الألف مجرى الألف المنقلبة عن الياء، ويدلّك على
أن لهذا المعنى استجازوا الإمالة في باب: دحاها، وطحاها وسجا،
وتلا أن ما كان من الأسماء ألفه منقلبة عن الواو نحو العصا،
والعطا، لم يجيزوا فيه الإمالة لمّا لم تكن تنقلب واوها إلى
الياء، كما انقلبت إليها في الفعل. فإن قلت: فقد زعم أنهم
أمالوا العشا والكبا والمكا «3»، فذلك من القلّة بحيث لا يسوغ
الاعتراض به.
وأما من جمع من الأمرين، كما روي عن نافع أنه فتح تلا
__________
(1) السبعة 688، 689.
(2) يبدو أن هنا سقطا في الأصل الخطّي وقع في تتابع الصفحات.
(3) المكا: جحر الثعلب والأرنب ونحوهما (اللسان مكا).
(6/419)
وأمال غيرها، وكلّ واحد من الإمالة وخلافها
جائز، فقوله حسن لأخذه شيئين: كلّ واحد منهما مسموع مأخوذ به،
فأخذ بأحدهما مرّة وبالأخرى مرّة أخرى، وأما كسر الراء من رأى
فقد تقدّم القول فيه.
[الشمس: 15]
قال: قرأ نافع وابن عامر: فلا يخاف عقباها [الشمس/ 15] بالفاء،
وكذلك في مصاحف أهل المدينة والشام.
وقرأ الباقون: ولا يخاف بالواو، وكذلك في مصاحفهم «1».
قال أبو علي: الواو يجوز أن تكون في موضع حال: فسواها غير خائف
عقباها، أي: غير خائف أن يتعقب عليه شيء مما فعله، وفاعل يخاف
الضمير العائد إلى قوله: ربهم. وقيل: إن الضمير يعود إلى النبي
صلّى اللَّه عليه الذي أرسل إليهم، وقيل: إذ انبعث أشقاها، وهو
لا يخاف عقباها، أي: لا يخاف من إقدامه على ما أتاه مما نهي
عنه، ففاعل يخاف العاقر على هذا، والفاء للعطف على قوله:
فكذبوه، فعقروها [الشمس/ 14]، فلا يخاف كأنه تبع تكذيبهم
وعقرهم أن لم يخافوا.
__________
(1) السبعة 689.
(6/420)
ذكر اختلافهم في
سورة والليل
[الليل: 14]
البزي عن ابن كثير: نارا تلظى [14] مشدّدة التاء، قنبل عن
النبال يخفّف وكذلك الباقون «1» هذا من الحسن دون قوله: فإذا
هي تلقف* [الأعراف/ 117] وذلك أن قبل التاء
ساكنا، والتاء المدغمة ساكنة، وليس حرف لين.
فيكون كقول من قال: فلا تناجوا [المجادلة/ 9] فيكون في المنفصل
مثل دابّة في المتصل، ومثل لا تناجوا من المنفصل قولهم في
القسم: لاها اللَّه، فيمن أثبت «2»، ومن قال: تخطف* فأسكن
الخاء مع إدغام تاء تفتعل في الطاء، جاز على قوله: نارا تلظى،
فمن قال: فإذا هي تلقف لم يدغم في هذا الموضع لما ذكرناه، وإن
أدغم فعلى قياس تخطف*.
__________
(1) السبعة 690.
(2) على طرة الأصل هنا كلمة: الآية، وكأنها أتبعت «أثبت».
(6/421)
ذكر اختلافهم في سورة والضّحى
[الضحى: 1]
أبو عمرو: يكسرها في رواية عباس، نافع: بين الكسر والفتح،
اليزيدي عن أبي عمرو: بين الكسر والفتح، وكذلك عبد الوارث بن
حجاز عن نافع يكسرها «1» قال أبو علي: قد تقدّم القول في ذلك.
__________
(1) السبعة 690.
(6/422)
|