الحجة للقراء السبعة

ذكر اختلافهم في سورة العلق
[العلق: 7]
قرأ ابن كثير فيما قرأت على قنبل: أن رأه [7] قصرا بغير ألف بعد الهمزة في وزن: رعه. قال أحمد: وهو غلط لا يجوز إلا رآه* مثل: رعاه، مما لا وغير ممال.
وقال ابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائي:
أن رآه بكسر الراء وبعد الهمزة ألف، في وزن رعاه.
وقرأ نافع: أن رآه فتح، وحفص عن عاصم لا يكسرها أيضا، أبو عمرو يفتح الراء ويكسر الهمزة «1».
قال أبو علي: ينبغي أن يعني بكسر الراء إمالة فتحتها نحو الكسرة، لأن بعض من يوثق بضبطه للقراء زعم أن حمزة والكسائي وأبا بكر عن عاصم يقرءون: أن رآه بإمالة الراء والهمزة والألف، إن قلت: إن الألف حذفت من مضارع رأى في قولهم: أصاب الناس جهد، ولو تر ما أهل مكة، فهلّا جاز حذفها أيضا من الماضي. قيل:
إن الحذف لا يقاس، لا سيما في نحو هذا إذا كان على غير قياس،
__________
(1) السبعة 692.

(6/423)


فإن قلت: فقد جاء: حاشى لله [يوسف/ 31]، ولا يكون إلا فعلا، لأن الحرف لا يحذف منه. قال رؤبة «1»:
وصاني العجّاج فيما وصّني قيل: إن ذلك في القلّة بحيث لا يسوغ القياس عليه، ولعلّ ابن كثير نظر إلى هذه المواضع، ومما يضعف ذلك أن الألف تثبت حيث تحذف الياء والواو، ألا ترى أن من قال: إذا يسر فحذف الياء في الفاصلة لم يحذف من نحو: والليل إذا يغشى، والنهار إذا تجلى [الليل/ 1، 2] فإن قلت: فقد جاء ما أنشده بعض البصريين «2»:
من را مثل معدان بن ليلى إذا ما النّسع طال على المطيّة قيل: ليس الذي قرأه ابن كثير كذلك، وذاك أن الشاعر قلب الهمزة قلبا، ولم يخفّف على تخفيف القياس، ولكن على حدّ قوله «3»:
لا هناك المرتفع فلمّا قلب التقى ساكنان فحذف لذلك، وأن رأه فحقّق الهمزة، ومثل تخفيف الشاعر قول الآخر «4»:
على أنّ قيسا لم يطأ باه محرم
__________
(1) سبق انظر 4/ 424.
(2) سبق انظر 3/ 307 وهو بغير خرم هناك.
(3) للفرزدق سبق في 1/ 398 و 2/ 218 و 4/ 245 و 5/ 363
(4) سبق انظر 4/ 245 و 5/ 363

(6/424)


وهذا لا يستقيم مع تحقيق الهمزة، وأما قوله «1»:
كأن لم ترا قبلي أسيرا يمانيا فيكون على وجهين: أحدهما: أنه أثبت الألف في ترا في موضع الجزم تشبيها بالياء في قوله «2»:
ألم يأتيك والأنباء تنمي ونحوه، والآخر: أن يكون حقّق الهمزة كما حقّق الآخر في قوله «3»:
أري عينيّ ما لم ترأياه فحذف للجزم، ثمّ خفّف على حسب التخفيف في المرأة والكمأة. ورأيت في الآية «4». التي تدخل على الابتداء والخبر، والدليل على ذلك اتصال الضمير في قول: أن رآه ولولا أنه الداخل على الابتداء، لم يجز اتصال الضمير على هذا الحدّ، وقوله:
استغنى في موضع المفعول الثاني.
قال: وقرأ ابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر وحمزة
__________
(1) سبق انظر 1/ 95.
(2) سبق انظر 1/ 93، 325 و 2/ 99.
(3) صدر بيت لسراقة البارقي وعجزه:
كلانا عالم بالتّرّهات سبق انظر 231.
(4) في الأصل وضعت إشارة تحويل واستشكال في سياق العبارة على هامش النسخة.

(6/425)


والكسائي: أن رآه استغنى بكسر الراء وبعد الهمزة ألف في وزن رعاه.
وقرأ نافع: أن رآه فتح، وحفص عن عاصم لا يكسر أيضا.
أبو عمرو: يفتح الراء ويكسر الهمزة.
قال أبو علي: قول ابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائي: أن رآه أمالوا الفتحة التي على الراء لإمالة فتحة الهمزة، وصار إمالة الفتحة للفتحة كإمالة الألف في قولهم: رأيت عمادا لإمالة الألف، ألا ترى أنك قد تميل الفتحة، كما تميل الألف في قولك: من عمرو، كما تقول: من نار، ومن غار. وقال: قراءة نافع: أن رآه فتح، وكذلك حفص عن عاصم، فإنهما لم يميلا للإمالة، كما أن من قال: رأيت عمادا، لم يمل للإمالة، وأمال الألف في رأى، وأمال فتحة الهمزة لتميل الألف التي بعدها نحو الياء.

(6/426)


ذكر اختلافهم في سورة القدر
[القدر: 5]
قرأ الكسائي: مطلع* [5] بكسر اللام، وروى عبيد عن أبي عمرو مطلع* بكسر اللام.
وقرأ ابن كثير ونافع وعاصم وأبو عمرو وابن عامر وحمزة:
مطلع بفتح اللام «1».
قال أبو علي: المطلع في قوله: حتى مطلع الفجر مصدر يدلّ على ذلك أن المعنى: سلام هي حتى وقت طلوعه، وإلى وقت طلوعه، فهذا نحو: مقدم الحاج، وخفوق النجم، تجعل المصدر فيه زمانا على تقدير حذف المضاف، فكذلك المطلع، وإذا كان كذلك، فالقياس أن يفتح اللام، كما أن مصادر سائر ما كان من فعل يفعل مفتوح العين نحو: المقتل، والمخرج، فأما الكسر، فلأن من المصادر التي ينبغي أن تكون على المفعل ما قد كسر، نحو: علاه المكبر والمعجز وقوله: ويسألونك عن المحيض [البقرة/ 222]، وكذلك كسر المطلع وإن كان القياس الفتح، وأما المسجد فكان القياس فيه إذا كان اسم الموضع من سجد يسجد الفتح. وسيبويه يحمله على أنه
__________
(1) السبعة 693.

(6/427)


اسم للبيت، ولو كان اسم الموضع على القياس لوجب أن يفتح على قياس ما عليه سائر هذا الباب، فقول من كسر اللام من المطلع على أنه جاء شاذّا عمّا عليه بابه والكثرة.

ذكر اختلافهم في سورة البينة «1»
[البينة: 7، 6]
قرأ نافع وابن عامر: خير البريئة [البيّنة/ 7] وشر البريئة [البيّنة/ 6] مهموزتين، وقال هشام بن عمّار عن ابن عامر بغير همز، وكذلك قرأ الباقون بغير همز «2».
قال أبو علي: البريئة من برأ اللَّه الخلق، فالقياس فيه الهمزة، إلا أنه مما ترك همزة لقولهم: النبيّ، والذرّية، والخابية، في أنه ترك فيه الهمز، فالهمز فيه كالرد إلى الأصل المتروك في الاستعمال، كما أن من همز النبيء كان كذلك، وترك الهمز فيها أجود، وإن كان الأصل الهمز، لأنه لمّا ترك فيه الهمز صار كردّه إلى الأصول المرفوضة مثل هتنوا وما أشبهه من الأصول التي لا تستعمل، وهمز من همز البريئة يدلّ على فساد قول من قال: إنه من البرى الذي هو التراب، ألا ترى أنه لو كان كذلك لم يجز همز من
همزه على حال، إلا على وجه الغلط، كما حكوا: استلأمت الحجر، ونحو ذلك من الغلط الذي لا وجه له في الهمز.
__________
(1) وتسمى سورة البيّنة وسورة البرية.
(2) السبعة 693.

(6/428)


ذكر اختلافهم في سورة الزلزلة
[الزلزلة: 8، 7]
أبان عن عاصم: خيرا يره [7] وشرا يره [8].
وقرأ الباقون: خيرا يره وشرا يره بالفتح فيهما «1».
قال أبو علي: من قرأ: خيرا يره جعل الفعل منقولا من: رأيت زيدا، إذا أدركته ببصرك وأريته عمرا، وبني الفعل للمفعول، فقام أحد المفعولين مقام الفاعل، وتعدّى إلى المفعول الثاني من المفعولين للفعل، إذا بني للفاعل.
ومن قال: يره جعله الفعل المتعدّي إلى مفعول واحد، مثل:
لمست، في التعدّي، والمعنى في القراءتين: من يعمل مثقال ذرّة خيرا ير جزاءه، ألا ترى أن ما عمله من خير قد سلف لا يجوز أن يراه، فهذا في حذف المضاف كقوله: ترى الظالمين مشفقين مما كسبوا وهو واقع بهم [الشورى/ 22]، والمعنى على أنه جزاءه واقع بهم، لا ما كسبوا من أفعالهم التي قد مضت.
قال: وقرأ ابن كثير وابن عامر وحفص عن عاصم، ويزيد عن
__________
(1) السبعة 694.

(6/429)


أبي بكر عن عاصم وحمزة والكسائي ونافع في رواية الحلواني عن قالون وورش عن نافع يرهو*. هشام بن عمّار عن أبي عامر: خيرا يره وشرا يره جزم. الكسائي عن أبي بكر عن عاصم: خيرا يره، وشرا يره ساكنتين، وقرأ أبو عمرو في رواية اليزيدي وعباس: خيرا يره، وشرا يره مشبعتان «1».
قال أبو علي: إثبات الواو في: يره بعد الهاء هو الوجه، كما تقول: أكرمهو، وضربهو، فتثبت الواو بعد الهاء في الوصل، لأن هذه الهاء يتبعها حرف اللين الواو والياء إذا كان قبلها كسرة، أو ياء، نحو:
بهي، وعليهي، وإنما يخلي من حرف اللين في نحو: ضربه وله، في الشعر وفي لغة ليست بذاك في الاشتهار، وقد تقدّم ذكر ذلك.
فأمّا من جزم فقال: يره* في الوصل، فأبو الحسن يزعم أن ذلك لغة ويشبه أن تكون غامضة خفيّة، لأن سيبويه لم يذكرها، فمن قال: يره* فجزم في الوصل فهو على هذه اللغة، وقد جاء ذلك في الشعر كقوله «2»:
ومطواي مشتاقان له أرقان فأما قول أبي عمرو: خيرا يرهو وشرا يرهو مشبعتان، فإن أراد بالإشباع إلحاقه الواو فهو كما تقدم، وإن أراد بالإشباع أنه حرّك ولم يسكن كما أسكن من قال: يره* فوجهه أن الألف لمّا كانت محذوفة للجزم، ولم يكن حذفها لازما، كان بمنزلتها إذا ثبتت معها الألف، كما أن الياء في قوله:
__________
(1) السبعة 694.
(2) سبق انظر 1/ 134، 203، 205 و 5/ 303، و 6/ 4.

(6/430)


العواور «1» في تقدير الثبات، وإن كان محذوفا، ألا ترى أن الشاعر يضطر فيثبت الألف في هذا النحو نحو قوله «2»:
ولا ترضّاها ولا تملّق فلما كان كذلك كان في حكم الثبات، وإذا كان كذلك حسن حذف حرف اللين معه كما يحسن حذفه لو كانت الألف ثابتة لأن الهاء خفيّة، فلو أثبتّ الواو لكنت كأنك قد جمعت بين الساكنين، ويكره ذلك من وجه آخر، وهو اجتماع حروف المتقاربة فحذف لذلك.
__________
(1) من بيت لجندل الطهوي وتمامه:
حنى عظامي وأراه ثاغري وكحل العينين بالعواور سبق انظر 5/ 328، و 6/ 85
(2) لرؤبة سبق انظر 1/ 93.

(6/431)