الحجة للقراء السبعة ذكر اختلافهم في
سورة القارعة
[القارعة: 10، 1]
قال: قال أبو حاتم: أمال أبو عمرو: القارعة [1] «1».
قال أبو علي: إمالة: القارعة وإن كان المستعلي فيه مفتوحا
جائزة، وذلك أن كسرة الراء غلبت عليها، فأمالتها، وقد أمالت ما
تباعد عنه بحرف نحو: قادر. وزعم سيبويه أن ذلك لغة قوم ترتضى
عربيّتهم، وكذلك: طارد، وغارم، وطامر كلّ ذلك يجوز إمالته إذا
كانت الراء مكسورة، قال سيبويه: وينشد أصحاب هذه اللغة «2»:
عسى اللَّه يغني عن بلاد ابن قادر بمنهمر جون الرباب سكوب قال
علي بن نصر: سمعت أبا عمرو يقرأ: وما أدراك ماهيه [القارعة/
10]، يقف عندها، وكذلك قال عبيد عن أبي عمرو يقف عند الهاء.
__________
(1) السبعة 695.
(2) لهدبة بن خشرم، وقد سبق انظر 1/ 404، و 6/ 85.
(6/432)
قال أبو علي: وقف عندها ولم يصلها لأنها
فاصلة، والفواصل موضع وقوف، كما أن أواخر الأبيات كذلك، وهذا
مما يقوّي حذف الياء من يسري* وما أشبهه ألا ترى أنهم حذفوا
الياء من نحو قوله «1»:
ولأنت تفري ما خلقت وبعد ض القوم يخلق ثمّ لا يفر فأما قوله:
فبهداهم اقتده [الأنعام/ 90]، فمن جعله رأس آية فالوقف عليه
بالهاء مثل: ما أدراك ماهيه [القارعة/ 10]، ومن جعل الهاء
كناية عن المصدر جاز أن يلحقها الياء في الوصل.
__________
(1) لزهير، انظر 1/ 405، و 2/ 83، و 5/ 320 و 6/ 392
(6/433)
ذكر اختلافهم في
سورة التكاثر
[التكاثر: 7، 6]
قرأ ابن عامر والكسائي: لترون الجحيم [6] مضمومة التاء لترونها
[7] مفتوحة التاء. وقرأ الباقون: لترون ثم لترونها مفتوحتين
«1».
أما من قال: لترون الجحيم فإن رأى* فعل يتعدى إلى مفعول واحد،
تقول: رأيت الهلال، كما تقول: لمست ثوبك، فإذا نقلت الفعل
بالهمزة زاد مفعول آخر، تقول: أريت زيدا الهلال، فيكون الهلال
مفعولا ثانيا، وإن بنيت هذا الفعل المنقول بالهمزة للمفعول
قلت: أري زيد الهلال، فيقوم المفعول الأول مقام الفاعل، ويبقى
الفعل متعديا إلى مفعول واحد، وكذلك: لترون الجحيم قام الضمير
مقام الفاعل، لما بني الفعل للمفعول به، وانتصب الجحيم على أنه
مفعول الفعل المبني للمفعول، كما كان قبل المفعول الأول، فإن
كان الفعل مسندا إلى مفعول واحد، قلت: أنت ترى الجحيم، وإن
ثنّيت قلت: أنتما تريان الجحيم، وإن جمعت قلت: أنتم ترون. حذفت
الألف المنقلبة عن الياء التي هي لام مع واو الضمير لالتقاء
الساكنين، فإذا أدخلت الشديدة قلت: لترونّ، فحذفت الألف
لالتقاء
__________
(1) السبعة 695.
(6/434)
الساكنين، كما حذفتها قبل، فإن قلت: هلّا
رددت اللام وأثبتها لزوال التقاء الساكنين، ألا ترى أن الواو
التي للضمير قد تحركت لالتقاء الساكنين بالضمة فلما تحركت زال
التقاؤهما، قيل: لا يستقيم الردّ لأن الواو التي للضمير في
تقدير السكون، وذلك أن حركة الحرف المتحرك لالتقاء الساكنين في
تقدير السكون يدلّك على ذلك قولهم:
اردد الرجل، فيتوالى تحريك المثلين، فلولا أن المحرّك في تقدير
السكون لم يستجز موالاة التحريك في المثلين، وعلى هذا قالوا:
رمت المرأة، ألا ترى أن التاء لولا أنها في نيّة السكون
وتقديره لرددت الألف المنقلبة عن اللام في رمى، فكما لم تردّ
الألف هنا، كذلك لا تردّها في قولك لترون الجحيم، لأن الواو في
تقدير السكون، وإنما حرّكت لسكونها وسكون الأولى من النونين،
فصارت الحركة فيها كالحركة في التاء من رمت المرأة، ولم تردّ
الألف التي كانت في يرى، كما لم تردّ الألف في رمتا، وحرّكت
الواو بالضمّ كما حرّكت في قوله:
ولا تنسوا الفضل بينكم [البقرة/ 237]. وقد شبّهت بهذه الواو
التي للضمير الواو التي ليست للضمير، فحرّكت بالضمة، كما حرّكت
التي للضمير، وذلك قول من قال: لو استطعنا، ومثل هذه قوله:
لتبلون [آل عمران/ 186] الواو للضمير وحرّكت بالضمّة، كما
حرّكت لترون [التكاثر/ 7]، وكذلك تقول: لتخشون ولتحيونّ وما
أشبه. ومن قال: أقتت [المرسلات/ 11] و: أدّ وأدّ، «1» فأبدل من
الواو الهمزة، لانضمامها، لم يهمز التي في لترون ولا التي في
لتبلون.
كما لم يهمز: ولا تنسوا الفضل بينكم [البقرة/ 237] لأن
__________
(1) رسمت في الأصل هكذا: «وؤد».
(6/435)
الحركة لما كانت غير لازمة، كان الحرف في
تقدير السكون، فكما أنه إذا كان ساكنا لم يجز همزه، كذلك إذا
كان في حكم السكون وتقديره، ويلزم من همز ذلك أن يهمز نحو: هذا
غزو، وعدو وحقو ونحو ذلك من الواوات التي قد تحرّكت بحركة
الإعراب لتحرّكها بالضمة كتحرّك لترون به، بل هذه التي للإعراب
أجدر بالهمز، لأن حركة الإعراب في تقدير اللزوم، فإن لم يهمز
هذه الواوات أحد لمّا لم تكن الضمة لازمة، كذلك لا ينبغي أن
تهمز التي في قوله: لترون ولتبلون ولا تنسوا الفضل بينكم.
وزعموا أن بعضهم كسروا لا تنسوا الفضل وقياس هذا أن يكسر التي
في لتبلون، ونحوه، والتحريك بالكسر أشبه من الهمز فيها، وكلا
الأمرين غامض غير فاش ولا مأخوذ به. ومن زعم أن هذه الواو في:
لتبلون ولترون ونحوه، إنما حرّكت بالضم لأنها في الأصل فاعلة،
فحرّكت في التقاء الساكنين بالحركة التي كانت تتحرك بها
للإعراب كان قوله ظاهر الفساد، ألا ترى أنه لو كان كذلك لحركت
الياء في قوله: لتخشينّ يا هذه، بالضمّ، لأنها مثل الواو في أن
مظهره فاعل، وهي علامة الضمير، كما أن الواو في لتبلون كذلك،
وفي أن لم يحرّك أحد ذلك بالضم، وإنما حرّكت بالكسر دلالة على
فساد هذا القول، وكأن المعنى في: لترون الجحيم لترونّ عذاب
الجحيم، ألا ترى أن الجحيم يراها المؤمنون أيضا بدلالة قوله:
وإن منكم إلا واردها [مريم/ 71]، وإذا كان كذلك فالمعنى:
والوعيد في رؤية عذابها لا في رؤيتها نفسها، وقال: ولو يرى
الذين ظلموا إذ يرون العذاب [البقرة/ 165] فذكر العذاب في هذا
يدلّ على أن المعنى في الأخرى على العذاب أيضا وبناء الفعل في
قوله: إذ يرون العذاب
(6/436)
وقوله: وإذا رأى الذين ظلموا العذاب فلا
يخفف عنهم [النحل/ 85] للفاعل يدلّ على أن لترون أرجح من
لترون. ووجه الضم في لترون أنهم يحشرون إليها فيرونها في حشرهم
إليها، فيرونها، ولذلك قرأ الثانية، ثم لترونّها كأنه أراد:
لترونّها، فترونها وفي قوله: لترونها دلالة على أنهم إذا
أروها، رأوها، إلا أن الشيء قد يذكر للتأكيد، فإنما ورود
الموضع أن يكون بمشهد منه، ومرأى له، فلا دلالة فيه على
التوغّل فيه، ألا ترى أن قوله: ولما ورد ماء مدين [القصص/ 23]
لم يدلّ على شروعه فيه وخوضه له، وقوله: ثم لترونها عين اليقين
[التكاثر/ 7] مثل الأولى في أنه من إبصار الشيء، وأما حقّ
اليقين، فانتصابه على هذا انتصاب المصدر كما تقول: رأيته حقّا
وتبينته يقينا، والمعنى في هذا الموضع على علم الرؤية التي هي
مشاهدة كما قال: وإن منكم إلا واردها [مريم/ 71].
(6/437)
ذكر اختلافهم في
سورة العصر
[العصر: 3]
قل أبو بكر أحمد بن موسى: حدّثني سلمان قال: حدّثنا أبو حاتم
قال: قرأ أبو عمرو بالصبر يشمّ الباء شيئا من الجرّ ولا يشبع.
وحدّثني الجمال عن أحمد، يعني ابن يزيد، عن روح عن أحمد بن
موسى عن أبي عمرو بالصبر مثله.
قال أبو بكر أحمد: هذا الذي قال أبو حاتم: لا يجوز إلا في
الوقف لأنه ينقل كسرة الراء إلى الباء.
قال «1»:
من عنزيّ سبّني لم أضربه وقال آخر «2» رأيت ثيابا على جثّة
فقلت هشام ولم أخبره
__________
(1) عجز بيت لزياد الأعجم وصدره:
عجبت والدّهر كثير عجبه وهو من شواهد سيبويه 2/ 287، والمحتسب
1/ 196، والدّرر 2/ 234، والهمع 2/ 208، وفي اللسان مادة/
لمم/.
(2) لم نقف على قائله.
(6/438)
حدّثني علي بن سهل بن المغيرة قال حدّثنا
عفّان: قال: سمعت سلاما أبا المنذر يقرأ: والعصر [1] فكسر
الصاد، وهذا لا يجوز إلا في الوقف. وزعم خلف عن الكسائي أنه
كان يستحبّ أن يقف على: منه* وعنه* يشمّ النون الضمّة «1».
قال أبو علي: أما إشمام أبي عمرو الياء الكسر فهو مما يجوز في
الوقف ولا يكون في الوصل إلا على إجراء الوصل مجرى الوقف ولا
يكون في القراءة، وعلى هذا قول الشاعر «2»:
فقرّبن هذا وهذا أزحله وأنشد سيبويه أيضا «3»:
أنا ابن ماويّة إذ جدّ النّقر وأنشد «4»:
عجبت والدهر كثير عجبه من عنزيّ سبّني لم أضربه فعلى هذه
الأشياء قوله: وتواصوا بالصبر، وأما تحريك الصاد من العصر فمثل
تحريك الباء من الصبر*، فلعلّ القارئ وقف لانقطاع نفس أو عارض
منعه من إدراج القراءة، فإذا كان كذلك كان مثل قول أبي عمرو:
الصبر* وعلى هذا الوجه تجعله لا على إجراء
__________
(1) السبعة 696.
(2) لأبي النجم، انظر سيبويه 2/ 287، والمفصل 9/ 71. ومعنى
أزحله:
أبعده.
(3) لعبيد بن ماوية وقد سبق انظر 1/ 98.
(4) يريد سيبويه أيضا، وهو الإنشاد الذي استشهد به ابن مجاهد
قريبا.
(6/439)
الوصل مجرى الوقف، وأما ما روي عن الكسائي
من استحبابه أن يشمّ النون في منه* وعنه* فهو مثل ما ذكرناه من
قول الشاعر:
من عنزيّ سبّني لم أضربه وقوله:
فقرّبن هذا وهذا أزحله والعصر: الدهر، والعصر: اليوم والليلة،
قال «1»:
ولن يلبث العصران يوم وليلة إذا طلبا أن يدركا ما تيمّما
فإبداله اليوم والليلة من العصران يدلّ على أنهما العصران
أيضا.
__________
(1) البيت لحميد بن ثور في ديوانه ص 6، والعصران: الليل
والنهار أو الغداة والعشي. وانظر تهذيب اللغة 2/ 13، واللسان
مادة/ عصر/.
(6/440)
ذكر اختلافهم في
سورة الهمزة
[الهمزة: 2]
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم: جمع خفيفا، وقرأ الباقون:
جمع* بالتشديد «1».
قال أبو الحسن: المثقلة أكثر في القراءة، تقول: يجمّع الأموال،
أي: يجمعها من هنا ومن هنا، قال: وقال أبو عمرو: جمع خفيف إذا
أكثر، وإذا ثقل فإنما هو شيء بعد شيء. قال: وهو كما قال، قال:
وهو هنا ثقيل لأنه جمع شيئا بعد شيء.
قال أبو علي: قد يجوز أن يكون جمع، ولما يجمع فيما قرب من
الوقت ولم يتراخ جمع شيئا بعد شيء، قال: ونفخ في الصور
فجمعناهم جمعا. وقال الأعشى «2»:
__________
(1) السبعة 697.
(2) رواية الديوان:
ولمثل الذي جمعت من العدّة تأبى حكومة المقتال لامرئ يجعل
الأداة لريب الدّهر لا مسند ولا زمّال
(6/441)
ولمثل الذي جمعت لريب الد هر يأبى حكومة
الجهّال لامرئ يجمع الأداة لريب الد هر لا مسند ولا زمّال
فالأشبه أن تكون الأداة للحرب لا تجمع في وقت واحد، إنما هو
شيء بعد شيء فيجوز على هذا في قول من قرأ: جمع أن يكون جمع
شيئا بعد شيء كما يكون ذلك في قول من ثقل، وقال «1»:
ولها بالماطرون إذا أكل النّمل الّذي جمعا والنمل لا يجمع ما
يدّخر في وقت واحد، إنما يجمع شيئا بعد شيء.
[الهمزة: 9]
وقال: قرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائي: عمد*
[الهمزة/ 9] بضمتين.
__________
والمقتال: المحتكم، والمسند: الدعي وهو الذي يدعى لغير أبيه،
أو المتّهم في نسبه، والزمال: الضعيف. ديوانه/ 11.
(1) البيت مختلف في نسبته لقائله، فمنهم من ينسبه إلى الأحوص
وبعضهم إلى يزيد بن معاوية وبعضهم إلى دهبل.
انظر الحيوان 4/ 90، والكامل 1/ 384، وسرّ صناعة الإعراب ص
926، والممتع ص 158، والعيني 1/ 148، والخزانة 3/ 278، واللسان
(مطرن)، وانظر إيضاح الشعر للمصنّف ص 185، فقد استشهد به هناك
لغير ما أنشده هنا. ومعنى البيت: أن النمل يأكل في وقت الشتاء
ما جمعه في زمن الصيف. والماطرون: بستان بظاهر دمشق.
(6/442)
وقرأ الباقون وحفص عن عاصم عمد بفتح الميم
والعين «1».
من قرأ: عمد* جعله جمعا لعمود، وعمود وعمد مثل قدوم، وقدم،
وزبور وزبر، وهذا قليل. ومن قال: عمد* فإنهم قد قالوا في جمع
عمود عمد، وقالوا أيضا: أفق وأهب وأدم في جمع أفيق وإهاب
وأديم، وهذا اسم من أسماء الجميع غير مستمر ومثل جمعهم لفعول
على فعل في عمود وعمد، جمعهم لفاعل على فعل، نحو: حارس وحرس،
غائب وغيب، ورائح وروح، وخادم وخدم، وهو في أنه غير مطّرد مثل
عمد.
__________
(1) السبعة 697.
(6/443)
|