الحجة للقراء السبعة

ذكر اختلافهم في سورة قريش
[قريش: 2، 1]
قرأ عاصم في رواية أبي بكر: لإئلاف قريش إئلافهم [1، 2] بهمزتين الثانية ساكنة، ثم رجع عنه، فقرأ مثل حمزة بهمزة بعدها ياء.
وقرأ ابن عامر: لإلاف يقصرها، ولا يجعل بعد الهمزة ياء، إيلافهم يجعل بعد الهمزة ياء، خلاف اللفظة الأولى.
وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وحفص عن عاصم وحمزة والكسائي: لإيلاف قريش إيلافهم «1».
وقال غير أحمد: روى القاسم الخيّاط عن الشموني عن الأعشى عن أبي بكر عن عاصم: لإيلاف قريش مثل حمزة، إإيلافهم بهمزتين مكسورتين بعدهما ياء.
قال أبو علي: قال أبو عبيدة: تقول العرب: ألفت وآلفت. ذاك لغتان «2». قال أبو ذؤيب «3»:
__________
(1) السبعة 698.
(2) مجاز القرآن 2/ 312.
(3) تمام البيت:

(6/444)


وتؤلف الجوار ويغشيها الأمان ربابها قال التوّزي: أنشدني أبو زيد «1»:
من المؤلفات الرّمل أدماء حرّة شعاع الضّحى في جيدها يتوضّح وأنشد غيره «2»:
ألف الصّفون فما يزال كأنّه ممّا يقوم على الثلاث كسيرا وقال آخر «3»:
__________
توصّل بالرّكبان حينا وتؤلف الجوار ويغشيها الأمان ربابها ويريد بكلمة «توصّل» أن الخمر إذا رأت ركبا، وإنما يريد أهلها، واللفظ على الخمر- توصّل بهم من بلد إلى بلد، وتؤلف بين الجيران: يحب بعضهم بعضا، ويغشيها: أي يلبسها، و «ربابها»: عقودها ومواثيقها التي تأخذها من الناس ويكون الرباب أمانا لها، انظر شرح السكري 1/ 46.
(1) لذي الرمّة، وفي الديوان: «في متنها» بدل «في جيدها»، والمؤلفات:
اللواتي اتخذن الرمل إلفا، ويتوضّح: يبرق في متنها، الديوان 2/ 1197، الكامل 2/ 692، اللسان مادة/ ألف/.
(2) سبق انظر الصفحة 352 من هذا الجزء.
(3) أنشده أبو تمام في حماسته في باب الهجاء، وهو لمساور بن هند يهجو بني أسد والإلف والإلاف بمعنى واحد.
الحماسة 3/ 1449 بشرح التبريزي، وتفسير القرطبي 20/ 201، واللسان مادة/ ألف/، والبحر المحيط 8/ 514.

(6/445)


زعمتم أن إخوتكم قريش لهم إلف وليس لكم إلاف والإلف والإلاف مصدر ألف، والإيلاف مصدر آلف.
قال أبو علي: أما ما كان يقرؤه عاصم من تحقيق الهمزتين في إئلاف، فلم يكن له وجه، ألا ترى أنّا لم نعلم أحدا حقّق الهمزة في نحو هذا، ولو جاز هذا لجاز في الإيمان، والإيمار: الإئمان والإئمار، إذا أردت مصدر آمن وآمر، [و] لجاز أأدم وأأدر.
ومثل ذلك في البعد ما روي عنه من طريق الأعشى عن أبي بكر، إإيلافهم فإنّ ذلك أبعد من الأول لأنه حقّق الهمزتين، وألحق ياء، ولا مذهب لها، ولا وجه في قوله: إإيلافهم ألا ترى أن الهمزة الأولى هي همزة الإفعال الزائدة، والثانية التي هي فاء الفعل من ألف، فالياء لا وجه لها، لأن بعد الهمزة التي هي الفاء ينبغي أن تكون اللام التي هي العين من ألف وإلاف، فالياء لا مذهب لها إلا على شيء لم نعلمه، أخذ به في القراءة، وهو أن يشبع الكسرة فيزيد ياء، أو الضمة فيتبعها واوا، أو الضمة ألفا، فمن زيادة الياء قوله «1»:
أو من بني عامر الحمر الجلاعيد وواحدهم زعموا: جلعد .. وكذلك قوله «2»:
__________
(1) مجهول القائل، والجلعد: الصلب الشديد.
(2) من بيت للفرزدق في ديوانه ص 570 وتمامه:
تنفي يداها الحصى في كل هاجرة نفي الدراهيم تنقاد الصياريف وهو من شواهد سيبويه 1/ 10، والخصائص 2/ 315.

(6/446)


نفي الدراهيم ...
ومن ذلك قول الآخر «1»:
وأقطع النّجود والأوداية إنما هو الأودية، فقلب، كما يقال في الناصية: ناصاة فأشبع الفتحة، فدخلت الألف، ووقع بعدها الياء التي هي لام الفعل والألف، نحو قول الشاعر «2»:
وأنت من الغوائل حين تلقى ومن ذم الرّجال بمنتزاح وإنما هو مفتعل من النزح، والواو نحو قول الشاعر «3»:
.... أثني فأنظور إنما هو أنظر، ولم نعلم شيئا من ذلك أخذ به في القراءة.
فأما قوله عزّ وجلّ: فما استكانوا لربهم [المؤمنون/ 76] فليس افتعلوا من السكون، ولكن استفعلوا من الكون، أي: لم يكونوا لأمر ربّهم، ومعناه: لم ينتهوا إليه ولم يتقبّلوه وكان واستكان مثل: عجب واستعجب، وسخر واستسخر، ولعله رجع عن هذا الوجه كما رجع عن الوجه الآخر، ومثل إيلافهم في أنه لا وجه للياء فيه، شيء ينشده بعضهم، أو سأايلتهم بالياء، ولا وجه له أيضا.
__________
(1) عجز بيت ذكره اللسان (ودى) ولم ينسبه، ويقال إنه لسحيم بن وثيل، والبيت هو:
أما تريني رجلا دعكاية وأقطع الأبحر والأوداية
(2) لابن هرمة سبق في 1/ 81.
(3) سبق في 1/ 80

(6/447)


وأما قول ابن عامر: لإلاف قريش وقصره له، ثم قال:
إيلافهم، فجاء بالأول على فعال، والآخر على إفعال، فهو سائغ مستقيم، وكذلك قول ابن كثير ونافع وأبي عمرو وحفص عن عاصم وحمزة والكسائي، فهو مثل قول ابن عامر، فأما اللام في قوله:
لإيلاف قريش فقال أبو الحسن: فجعلهم كعصف مأكول [الفيل/ 5] لإيلاف قريش، واعترض عليه معترض فقال: إنما جعلوا كعصف مأكول لبعدهم، ولم يجعلوا كذلك لتأتلف قريش، وليس هذا الاعتراض بشيء لأنه يجوز أن يكون المعنى: أهلكوا لكفرهم، ولما أدّى إهلاكهم إلى أن تألف قريش جاز ذلك، كقوله:
ليكون لهم عدوا وحزنا [القصص/ 8] وهم لم يلتقطوه لذلك، فلما آل الأمر إليه حسن أن يجعل علّة للالتقاط. والخليل وسيبويه: فليعبدوا ربّ هذا البيت لإيلاف قريش، أي: ليجعلوا عبادتهم شكرا لهذه النعمة واعترافا لها.

(6/448)


ذكر اختلافهم في سورة الكافرين
[الكافرون: 6]
قرأ ابن كثير في رواية محمد بن صالح عن شبل وابن سعدان عن عبيد عن شبل عن ابن كثير لا ينصب الياء: ولي دين [6]، وكذلك قرأت على قنبل عن القواس عن أصحابه عن ابن كثير، وكذلك المخزومي عن البزّي والخزاعي عن ابن فليح بالتسكين.
أبو عمرو وحمزة والكسائي: ولي ديني ساكنة.
وحدّثني محمد بن الجهم عن الهيثم وخلف عن عبيد، وأبو الربيع عن عبيد عن شبل عن ابن كثير: ولي دين نصبا محرّكة وخبّرني مضر عن البزّي عن ابن كثير: ولي دين.
حدّثني الدباغ عن أبي الربيع عن عبيد عن شبل عن ابن كثير:
ولي دين ينصب، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر: ولي دين ساكنة، وروى عنه حفص ولي دين نصبا. وقرأ نافع: ولي دين نصبا في رواية قالون والمسيّبي وابن جمّاز وورش وخارجة وأبي خليد وأبي قرّة.
وروى إسماعيل بن جعفر، وأخوه ويعقوب بن جعفر: ولي دين ساكنة، ولم يختلفوا في كسر النون من غير ياء، وقرأ ابن عامر

(6/449)


في رواية هشام: ولي دين نصبا، وفي رواية ابن ذكوان: ولي دين ساكنة.

[الكافرون: 5 - 3]
وروى الحلواني عن هشام بن عمّار عن ابن عامر: ولا أنا عابد [الكافرون/ 4]، ولا أنتم عابدون [الكافرون/ 3، 5] بكسر العين فيهنّ كلهنّ، الحواني عن أبي معمر عن عبد الوارث عن أبي عمرو بكسر العين، وقرأ الباقون بفتح العين «1».
القول في إسكان الياء وفتحها من ولي دين أنهما جميعا حسنان سائغان، وأما إجماعهم على حذف الياء من قوله: ولي دين فحسن، وهو كثير سائغ في كلامهم، وزعم
سيبويه أن إثبات الياء في نحو ذلك قياس، وقد تقدّم القول في ذلك.
وأما إمالة الفتحة من عين عابد وتفخيمها، فهما أيضا حسنان وكثيران فاشيان.
__________
(1) السبعة 699.

(6/450)