المحكم في نقط المصاحف بَاب ذكر الْوَاو وَمَوْضِع الْهمزَة
مِنْهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
اعْلَم ان الْهمزَة تقع من الْوَاو على ثَلَاثَة اضْرِب ايضا
كَمَا تقع من الالف وَالْيَاء سَوَاء تقع قبلهَا وفيهَا
نَفسهَا وَبعدهَا على حسب مَا فسر فِي الالف
فَأَما وُقُوع الْهمزَة قبل الْوَاو فَلَا يكون الا حَشْوًا
وَلَا تكون الْوَاو الا سَاكِنة وَمَا قبل الْهمزَة يَتَحَرَّك
بِالْفَتْح وَالْكَسْر وَالضَّم ويسكن ايضا وَيكون الْفَا وياء
وتختص الْهمزَة من الحركات بِالضَّمِّ لَا غير
فالمتحرك بِالْفَتْح نَحْو قَوْله كَمَا تبرءوا ويدرءون
وفادرءوا وَلَا يئوده ويئوسا وتبوءوا الدَّار ومبرءون وبدءوكم
وَقَالَ اخْسَئُوا وتطئوهم وَلم تطئوها وَلَا يطئون وليئوس
ورءوف
(1/138)
حَيْثُ وَقع على قِرَاءَة من مد ومرجئون
على قِرَاءَة من همز وَشبهه
والمتحرك بِالْكَسْرِ نَحْو قَوْله متكئون ومستهزءون وفمالئون
وانبئوني وليطفئوا وَقل استهزءوا ويستنبئونك والخاطئون
والصابئون على قِرَاءَة من همز وَشبهه مِمَّا الْوَاو فِيهِ
للْجَمِيع
والمتحرك بِالضَّمِّ نَحْو قَوْله رُءُوسهم ورءوسكم ورءوس
الشَّيَاطِين وَشبهه
والساكن نَحْو قَوْله مذءوما ومسئولا وَشبهه
وَالْيَاء نَحْو قَوْله بريئون والنبيئون على قِرَاءَة من همز
(1/139)
والالف نَحْو قَوْله وباء وو فَإِن فاءو
وجاءو واذ جاءوكم واسئوا السواى ويراءون وَشبهه
فَإِذا نقط هَذَا الضَّرْب جعلت الْهمزَة نقطة بالصفراء
وحركتها نقطة بالحمراء امامها قبل الْوَاو فِي السطر وَلم تصور
الْهمزَة فِي ذَلِك واوا كَرَاهَة للْجمع بَين صُورَتَيْنِ
متفقتين
والاخفش النَّحْوِيّ وَعَامة الْكُوفِيّين يجْعَلُونَ صُورَة
الْهَمْز اذا وليتها الكسرة فِي نَحْو مَا تقدم يَاء من حَيْثُ
يقلبونها اليها فِي حَال التسهيل وَذَلِكَ فِي غير الْمُصحف
وسيبويه وَعَامة الْبَصرِيين يصورونها واوا من حَيْثُ قربوها
مِنْهَا فِي التسهيل ثمَّ تحذف تَخْفِيفًا واختصارا وَلِئَلَّا
تَجْتَمِع واوان فِي الرَّسْم وَقيل انما حذفت صُورَة الْهمزَة
فِي ذَلِك على لُغَة من اسقط الْهمزَة وَضم الْحَرْف الَّذِي
قبلهَا فِي التسهيل وَهِي لُغَة حَكَاهَا الْكسَائي عَن
الْعَرَب وَبهَا قَرَأَ ابو جَعْفَر القارىء وَابْن عَامر من
رِوَايَة الْوَلِيد بن مُسلم عَن يحيى بن الْحَارِث عَنهُ
واما وُقُوع الْهمزَة فِي الْوَاو نَفسهَا فَيكون حَشْوًا
وطرفا وتتحرك فِي الحشو بِالْفَتْح وَالضَّم وتسكن ايضا وتتحرك
فِي الطّرف بِالْكَسْرِ وَالضَّم
فالمتوسطة الْمَفْتُوحَة نَحْو قَوْله فليؤد ويؤده ومؤجلا
(1/140)
ومؤذن والمؤلفة وَلَا تُؤَاخِذنَا وَمَا
نؤخره وبسؤال والفؤاد وهزؤا وكفؤا على قِرَاءَة من همزهما وحرك
مَا قبل الْهمزَة وحسبتهم لؤلؤا وَشبهه والمضمومة نَحْو قَوْله
تؤزهم ويكلؤكم ويذرؤكم ونقرؤه وَشبهه وَكَذَلِكَ اولياوه
واحباؤه وجزاؤهم وءاباؤكم وابناؤكم والتناؤش على قِرَاءَة من
همز وَشبهه وَكَذَلِكَ رؤف على قِرَاءَة من قصر
(1/141)
والساكنة نَحْو قَوْله يُؤمنُونَ ويؤفكون
والمؤمنون والمؤتفكة والمؤتفكات وسؤلك وتسؤهم وَالَّذِي اؤتمن
وَشبهه
والمتطرفة الْمَكْسُورَة نَحْو قَوْله كأمثال اللُّؤْلُؤ وَمن
ذهب ولؤلؤ على قِرَاءَة من قرا بالخفض
والمضمومة نَحْو قَوْله ان امرؤا هلك ولؤلؤ مَكْنُون
وَكَذَلِكَ الملؤا وتفتؤا ويعبؤا وَلَا تظمؤا ويدرؤا وينبؤا
وأومن ينشؤا ونبؤا
(1/142)
الْخصم ونبؤا عَظِيم وَكَذَلِكَ جزؤا
وشركؤا والضعفؤا وَمَا نشؤا وَمَا دعؤا وَشبهه مِمَّا رسمت
الْهمزَة المتطرفة المضمومة فِيهِ واوا على نَحْو حركتها
وَمُرَاد الِاتِّصَال دون الِانْفِصَال
فَإِذا نقط هَذَا الضَّرْب جعلت الْهمزَة نقطة بالصفراء فِي
الْوَاو نَفسهَا وَجعلت حركتها نقطة بالحمراء من فَوْقهَا ان
كَانَت مَفْتُوحَة وَمن تحتهَا ان كَانَت مَكْسُورَة وامامها
ان كَانَت مَضْمُومَة وان كَانَت سَاكِنة جعل عَلَيْهَا
عَلامَة السّكُون
واما وُقُوع الْهمزَة بعد الْوَاو فَيكون حَشْوًا وطرفا وتتحرك
فِي الحشو بِالْفَتْح وَفِي الطّرف بالحركات الثَّلَاث
فالتي فِي الحشو نَحْو قَوْله سوءا يجز بِهِ وسوءة اخيه
وسوءاتكم وسوءاتهما والنبوءة على قِرَاءَة من همز وَشبهه
سَوَاء انْضَمَّ مَا قبل الْوَاو اَوْ انْفَتح
(1/143)
وَالَّتِي فِي الطّرف نَحْو قَوْله وَالسوء
على الْكَافرين وبالسوء وَعَن سوء فَإِن الله وَمن سوء مَا بشر
بِهِ وَثَلَاثَة قُرُوء وَلم يمسسهم سوء وسوءاعمالهم وَشبهه
فَإِذا نقط هَذَا الضَّرْب جعلت الْهمزَة نقطة بالصفراء بعد
الْوَاو فِي الْبيَاض وَجعلت حركتها نقطة بالحمراء من فَوْقهَا
ان كَانَت مَفْتُوحَة وَمن تحتهَا ان كَانَت مَكْسُورَة وَمن
امامها ان كَانَت مَضْمُومَة وان لحقها تَنْوِين فِي حَال
النصب جعلت الْحَرَكَة والتنوين نقطتين على الالف المصورة
بعْدهَا على مَا تقدم وان لحقها فِي حَال الرّفْع والخفض جعلت
النقطتان تحتهَا فِي الْخَفْض وامامها فِي الرّفْع
وَلم تصور الْهمزَة فِي هَذَا الضَّرْب فِرَارًا من الْجمع
بَين صُورَتَيْنِ متفقتين ولانها اذا سهلت فِي ذَلِك القي
حركتها على مَا قبلهَا وَسَقَطت من اللَّفْظ فَلم تصور لذَلِك
وَقد صورها كتاب الْمَصَاحِف فِي ثَلَاث كلم وَهن قَوْله ان
تبوأ فِي الْمَائِدَة ولتنوا فِي الْقَصَص والسواى فِي الرّوم
فَإِذا نقطن جعلت الْهمزَة فِيهِنَّ فِي الالف الَّتِي هِيَ
صورتهَا وحركتها عَلَيْهَا فِي الْفَتْح وامامها فِي الرّفْع
(1/144)
فَهَذِهِ مَوَاضِع الْهمزَة من الالف
وَالْيَاء وَالْوَاو على وَجه الِاسْتِقْصَاء وعَلى مَا
يُوجِبهُ قِيَاس الْعَرَبيَّة وتحققه طَرِيق التِّلَاوَة
ومذاهب ائمة الْقِرَاءَة
(1/145)
فَأَما مَا يحْكى عَن بعض الْمُتَقَدِّمين
من النقاط والنحويين من جعلهم للهمزة مَعَ حرف الْمَدّ احكاما
كَثِيرَة سوى مَا ذَكرْنَاهُ وايقاعهم اياها فِي اماكن شَتَّى
مِنْهُنَّ وتلقيبهم الْوَاو والالف وَمَوْضِع الْهمزَة
مِنْهُمَا بألقاب جمة كَقَوْلِهِم هَامة الْوَاو ويافوخ
الْوَاو وقمحدوة الْوَاو وجبهة الْوَاو وخاصرة الْوَاو ومضجع
الْوَاو وَقفا الْوَاو وذنب الْوَاو الى غير ذَلِك من الالقاب
الَّتِي قضوا لوُقُوع الْهمزَة فِيهَا فِي الالف وَالْيَاء
وَالْوَاو فشيء لَا وَجه لَهُ فِي قِيَاس وَلَا معنى فِي نظر
وَلَا حَقِيقَة لَهُ فِي تِلَاوَة وَلَا اثر لَهُ فِي نقل
فَلَا يَنْبَغِي الاصغاء اليه وَلَا يجب الْعَمَل بِهِ
لِخُرُوجِهِ عَمَّا ذَكرْنَاهُ ومباينته لما حددناه مِمَّا
دللنا على صِحَّته وَكَيْفِيَّة حَقِيقَته
وَمِمَّا يبين مَا ذَهَبْنَا اليه من ان للهمزة مَعَ الاحرف
الثَّلَاثَة ثَلَاثَة احكام لَا غير وَيرْفَع الاشكال فِي
صِحَة ذَلِك وَيبْطل مَا عداهُ مِمَّا ذهب اليه من اَوْ مأنا
اليه من النقاط والنحاة اجماع ائمة الْقِرَاءَة وعلماء
الْعَرَبيَّة على ان مَوضِع الْهمزَة من الْكَلِمَة يمْتَحن
بِالْعينِ فَحَيْثُمَا اسْتَقَرَّتْ الْعين فَهُوَ مَوضِع
الْهمزَة وَنحن اذا امتحنا موضعهَا بذلك لم تتعد اُحْدُ
الثَّلَاثَة الْمَوَاضِع الَّتِي حددناها وشرحناها وَلم
تَسْتَقِر فِي غَيرهَا فَدلَّ ذَلِك دلَالَة قَاطِعَة على
صِحَة مَا قُلْنَاهُ وذهبنا اليه وبطول مَا خَالفه وَخرج عَنهُ
مِمَّا ذهب اليه مخالفونا وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق
فَإِن قَالَ قَائِل من ايْنَ انْعَقَد اجماع من ذكرته من
الْقُرَّاء والنحويين على تَخْصِيص الْعين دون سَائِر حُرُوف
الْحلق وَغَيرهَا بالامتحان لموْضِع الْهمزَة
(1/146)
قيل لِمَعْنى فِي الْعين اوجب لَهَا
التَّخْصِيص وَهُوَ كَونهَا اكثر حُرُوف المعجم ورودا فِي
الْمنطق وتكررا فِي اللَّفْظ فَجعلت للامتحان لخفتها وَقرب
تنَاولهَا ولتناسب وَكيد ايضا بَينهَا وَبَين الْهمزَة وَهُوَ
اجْتِمَاعهمَا دون غَيرهمَا من حُرُوف الْحلق فِي الْجَهْر
الَّذِي هُوَ الاعلان والشدة الَّتِي هِيَ ارْتِفَاع الصَّوْت
بالحرف وَكَون الْعين اول حرف من الْمخْرج الثَّانِي من الْحلق
كَمَا ان الْهمزَة اول حرف من الْمخْرج الاول مِنْهُ وَهُوَ
الَّذِي يَلِي الثَّانِي ويتصل بِهِ فَلذَلِك خصت بالامتحان
وانفردت بِالدّلَالَةِ على مَوضِع اسْتِقْرَار الْهمزَة من
الْكَلِمَة ولاجله ايضا جعل جَمِيع النَّحْوِيين وَالْكتاب فِي
الْكتب صورتهَا صُورَة عين اعلاما بذلك وَدلَالَة عَلَيْهِ
فَإِن قَالَ فَمن ايْنَ اصْطلحَ السّلف على ان جعلُوا عَلامَة
الْهمزَة وَهِي حرف من الْحُرُوف نقطة بالصفراء والنقطة
عَلامَة لحركات الْحُرُوف
قيل اصْطَلحُوا على ذَلِك من حَيْثُ اجْتمعت مَعَهُنَّ فِي ان
جعل لَهَا صُورَة كَمَا تجْعَل لَهُنَّ فَلَمَّا شاركتهن فِي
جعل الصُّورَة شاركتهن فِي الْعَلامَة ثمَّ خصت الْهمزَة دونهن
بِأَن جعلت بالصفراء وجعلن دونهَا بالحمراء لتتميز بذلك
مِنْهُنَّ وَتبين بِهِ عَنْهُن اذ كَانَت حرفا من الْحُرُوف
وَكن حركات حُرُوف
على ان سلف اهل الْعرَاق قد خالفوا سلف اهل الْمَدِينَة فِي
ذَلِك فجعلوها بالحمراء كالحركات وَمَا جرى عَلَيْهِ
اسْتِعْمَال اهل الْمَدِينَة من جعلهَا بالصفراء فرقا بَينهَا
وَبَين الحركات هُوَ الْوَجْه وَعَلِيهِ الْعَمَل حَدثنَا
احْمَد بن عمر الجيزي قَالَ نَا مُحَمَّد بن الاصبغ الامام
قَالَ نَا عبد الله بن عِيسَى قَالَ نَا
(1/147)
قالون قَالَ فِي مصاحف اهل الْمَدِينَة مَا
كَانَ من الْحُرُوف الَّتِي بنقط الصُّفْرَة فمهموزة
فَإِن قيل فَمن ايْنَ خصت حُرُوف الْمَدّ الثَّلَاثَة الالف
وَالْيَاء وَالْوَاو بِأَن جعلن صُورَة للهمزة دون غَيْرهنَّ
من الْحُرُوف
قيل وَجب تخصيصهن بذلك من حَيْثُ شاركتهن فِي الاعلال والتغيير
وَكَانَت الْهمزَة اذا عدل بهَا عَن التَّحْقِيق الى
التَّخْفِيف قربت مِنْهُنَّ فِي حَال التسهيل فَجعلت
الْمَفْتُوحَة بَينهَا وَبَين الالف والمكسورة بَينهَا وَبَين
الْيَاء والمضمومة بَينهَا وَبَين الْوَاو وابدلت حرفا خَالِصا
مِنْهُنَّ فِي حَال الْبَدَل فَلذَلِك جعلن صورا لَهَا دون
سَائِر الْحُرُوف وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق
(1/148)
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
فصل
وَاعْلَم ان الْهمزَة اذا توسطت فِي الْكَلِمَة اَوْ وَقعت
طرفا مِنْهَا وَسكن مَا قبلهَا وَسَوَاء كَانَ ذَلِك السَّاكِن
حرف مد ولين فَقَط اَوْ حرفا جَامِدا من سَائِر الْحُرُوف
فَإِنَّهَا لم تصور خطا فِي الْحَالين فِي جَمِيع الْمَصَاحِف
لانها اذا سهلت القي حركتها على ذَلِك السَّاكِن واسقطت من
اللَّفْظ راسا فَلم تجْعَل لَهَا صُورَة لذَلِك
فحروف الْمَدّ نَحْو قَوْله يراءون وبريئون وَبَرَاءَة وبرىء
وَمن سوء وَشبهه
وحروف اللين نَحْو سوءة اخي وسوءاتكم وكهيئة واستيئسوا وَشبهه
والحروف الجامدة نَحْو قَوْله وينئون عَنهُ ويسئلون ويجئرون
وَلَا تجئروا وَلَا تسئل ويسئمون
(1/149)
وَلَا يسئم وَبَين الْمَرْء ودفء ويفر
الْمَرْء وملء الارض وَشبهه
الا قَوْله ان تبوا ولتنوا والسوأى
فَإِن الْهمزَة صورت فِي هَذِه الثَّلَاثَة الْفَا كَمَا
قدمْنَاهُ
وَكَذَا صورت يَاء فِي قَوْله فِي الْكَهْف موئلا
فَأَما قَوْله النشاة فِي العنكبوت والنجم والواقعة فَإِن كتاب
الْمَصَاحِف اتَّفقُوا على رسم الف بعد الشين فِي ذَلِك اما
على قِرَاءَة من فتح الشين واثبت بعْدهَا الْفَا واما على
قِرَاءَة من اسكن الشين وَلم يثبت بعْدهَا الْفَا فِي اللَّفْظ
الا ان الْهمزَة صورت الْفَا لتحركها بِالْفَتْح كَمَا تصور
مَعَ الْحَرَكَة وَذَلِكَ الاصل وَحذف صورتهَا مَعَ السَّاكِن
تَخْفيف واختصار وايضا فَإِن السَّاكِن الْوَاقِع قبلهَا لما
كَانَ بِمَنْزِلَة الْمَوْقُوف عَلَيْهِ كَانَت هِيَ
بِمَنْزِلَة المبتدأة الَّتِي تصور الْفَا بِأَيّ حَرَكَة
تحركت وَلذَلِك لم تجْعَل مَعَه فِي التَّخْفِيف بَين بَين
وحذفت حذفا وَهَذِه الْعلَّة فِي هَذِه الْمَوَاضِع وَشبههَا
تؤذن
(1/150)
بِمُرَاد تَحْقِيق الْهمزَة فَلذَلِك اثبتت
صورتهَا فِيهَا وَالْعلَّة الاولى تؤذن بتسهيلها فَلذَلِك حذفت
صورتهَا فِي الْمَوَاضِع الَّتِي حذفت فِيهَا
والهمزة قد تصور على المذهبين من التَّحْقِيق والتسهيل دلَالَة
على فشوهما واستعمالهما فِيهَا الا ان اكثر الرَّسْم ورد على
التَّخْفِيف وَالسَّبَب فِي ذَلِك كَونه لُغَة الَّذين ولوا
نسخ الْمَصَاحِف زمن عُثْمَان رَحمَه الله وهم قُرَيْش وعَلى
لغتهم اقرت الْكِتَابَة حِين وَقع الْخلاف بَينهم وَبَين
الانصار فِيهَا على مَا ورد فِي الْخَبَر الثَّابِت
الْمَذْكُور فِي كتاب المرسوم فَلذَلِك ورد تَصْوِير اكثر
الْهَمْز على التسهيل اذ هُوَ المستقر فِي طباعهم والجاري على
السنتهم واما الْقُرْآن
(1/151)
فمنزل بِالْوَجْهَيْنِ من التَّحْقِيق
وَالتَّخْفِيف وهما من السَّبع اللُّغَات الَّتِي اذن الله
تَعَالَى للامة فِي اسْتِعْمَالهَا وَالْقِرَاءَة بِمَا شَاءَت
مِنْهَا
فَإِذا نقط جَمِيع مَا تقدم جعلت الْهمزَة نقطة بالصفراء بعد
السَّاكِن فِي السطر وَجعلت الحركات مَعهَا على مَا تقدم
وَتجْعَل النقطة بالصفراء وحركتها عَلَيْهَا فِي قَوْله النشأة
فِي الالف نَفسهَا لانها صُورَة لَهَا وَذَلِكَ على قِرَاءَة
من اسكن الشين فَأَما على قِرَاءَة من فتح الشين فَإِن
الْهمزَة تجْعَل وحركتها عَلَيْهَا بعد الالف فِي الْبيَاض
وَكَذَا تجْعَل الْهمزَة نقطة بالصفراء فِي الْيَاء نَفسهَا
فِي قَوْله موئلا وَتجْعَل حركتها تحتهَا وَبِاللَّهِ
التَّوْفِيق
(1/152)
بَاب ذكر نقط مَا اجْتمع فِيهِ الفان فحذفت
احداهما اختصارا
اعْلَم ان يَا الَّتِي للنداء وَهَا الَّتِي للتّنْبِيه اذا
اتصلتا بِكَلِمَة اولها همزَة فَإِن رسم الْمَصَاحِف جَاءَ
بِحَذْف الالف من آخرهما وَوصل الْيَاء وَالْهَاء بِتِلْكَ
الْكَلِمَة الَّتِي همزتها مبتداة فَصَارَ ذَلِك كلمة وَاحِدَة
فِي الْخط وَهُوَ فِي الاصل وَالتَّقْدِير كلمتان وانما حذفت
الالف من آخر الْكَلِمَة الاولى من حَيْثُ وصلت الكلمتان
وصارتا بذلك كالكلمة الْوَاحِدَة الَّتِي لَا تنفصل فَكَمَا
لَا يجمع بَين الفين فِي الرَّسْم فِي كلمة كَرَاهَة لتوالي
صُورَتَيْنِ متفقتين كَذَلِك لَا يجمع ايضا بَينهمَا فِيمَا
صَار بالوصل مثلهَا لذَلِك
وَقَالَ بعض النَّحْوِيين انما لم يجمع بَين الفين فِي
الرَّسْم من حَيْثُ لم يجمع بَينهمَا فِي اللَّفْظ
فَأَما يَا الَّتِي للنداء فنحو قَوْله يأيها النَّاس
وَيَأْهِلُ يثرب ويأبت وَيَا براهيم وويأخت هَارُون ويأولي
(1/153)
الالباب ويأتيها النَّفس ويئادم وَشبهه
واما هَا الَّتِي للتّنْبِيه فنحو قَوْله هأنتم وَهَؤُلَاء
حَيْثُ وَقعا
وَقد زعم احْمَد بن يحيى ثَعْلَب وموافقوه ان المحذوفة من احدى
الالفين فِي الرَّسْم فِي هَذَا الضَّرْب هِيَ الْهمزَة وان
الثَّابِتَة فِيهِ مِنْهُمَا هِيَ الالف الساكنة وَلَيْسَ
ذَلِك بِالْوَجْهِ وَذَلِكَ من جِهَات ارْبَعْ
احداهن ان ثعلبا وموافقيه قد اجْمَعُوا مَعنا على ان
الْمَحْذُوف من الرَّسْم تَخْفِيفًا فِي نَحْو قَوْله يرب
وَيقوم وينوح وَهَذَا وَهَذَانِ وَهَذِه وهتين واهكذا وَشبهه
من المنادى والتنبيه من الاسماء هُوَ الالف الساكنة لَا غير
لعدم سواهَا فِي ذَلِك فَكَمَا حذفت هَا هُنَا بِإِجْمَاع
كَذَلِك يجب ان تحذف هُنَاكَ لَا سِيمَا وَقد دخلت فِيهِ
خَاصَّة على مَا هُوَ مثلهَا فِي الصُّورَة وَهُوَ الْهمزَة
(1/154)
وَالثَّانيَِة ان الاولى وَقعت طرفا
والتغيير بالحذف وَغَيره اكثر مَا يسْتَعْمل فِيهِ
وَالثَّانيَِة وَقعت ابْتِدَاء والمبتدا لَا يحذف
وَالثَّالِثَة ان الاولى سَاكِنة والساكن قد يُغير كثيرا
بالحذف وَغَيره وَالثَّانيَِة متحركة والمتحرك لَا يحذف وَلَا
تغير صورته
وَالرَّابِعَة ان التَّغْيِير فِي الساكنين بالحذف والتحريك
وَفِي المثلين اذا ادغم احدهما فِي الآخر انما يلْحق الْحَرْف
الاول مِنْهُمَا دون الثَّانِي فَكَذَا يجب ان تكون الالف
الْمُغيرَة بالحذف من احدى الالفين فِيمَا تقدم هِيَ الاولى
دون الثَّانِيَة
والى ذَلِك ذهب الْكسَائي وَغَيره من النَّحْوِيين وَبِه اقول
فَإِذا نقط هَذَا الضَّرْب على مَا ذَهَبْنَا اليه واوضحنا
صِحَّته جعلت الْهمزَة نقطة بالصفراء فِي الالف المصورة لانها
صورتهَا وَجعلت حركتها نقطة بالحمراء من فَوْقهَا ان كَانَت
مَفْتُوحَة وَمن اسفلها ان كَانَت مَكْسُورَة وَمن امامها ان
كَانَت مَضْمُومَة ورسمت الف بالحمراء بَين الْيَاء وَالْهَاء
وَبَين تِلْكَ الالف وان شَاءَ الناقط لم يرسمها وَجعل مطة فِي
موضعهَا على قِرَاءَة من جعل الْمُنْفَصِل كالمتصل فِي حُرُوف
الْمَدّ مَعَ الْهمزَة
(1/155)
فَأَما قَوْله يئادم حَيْثُ وَقع فمرسوم
فِي كل الْمَصَاحِف بِأَلف وَاحِدَة بَين الْيَاء وَالدَّال
وَهِي الالف المبدلة من همزَة فَاء الْفِعْل الساكنة لَا
الَّتِي هِيَ همزَة مُحَققَة فِي اول الْكَلِمَة وَذَلِكَ من
حَيْثُ كَانَت المبدلة هِيَ الثَّابِتَة فِي الرَّسْم والمحققة
المبتداة هِيَ المحذوفة فِيهِ فِي ءادم وءازر وءامن وءاتى
المَال وَشبه ذَلِك من الاسماء والافعال لكَون الاولى زَائِدَة
فِي ذَلِك وَكَون الثَّانِيَة اصلية فِيهِ
فَإِذا نقط ذَلِك جعلت الْهمزَة نقطة بالصفراء وحركتها
عَلَيْهَا قبل الالف المصورة فِي الْبيَاض ورسم بعد الْيَاء
الف بالحمراء وَجعلت مطة فِي موضعهَا
واما قَوْله هَؤُلَاءِ حَيْثُ وَقع فمرسوم ايضا فِي جَمِيع
الْمَصَاحِف بواو بعد الْهَاء من غير الف بعْدهَا وَلَا قبل
الْوَاو وَذَلِكَ من حَيْثُ وصلت الكلمتان وجعلتا كلمة
وَاحِدَة تَخْفِيفًا فَلذَلِك حذفوا الالف الَّتِي هِيَ آخر
الْكَلِمَة الاولى وحذفوا الالف الَّتِي هِيَ اول الْكَلِمَة
الثَّانِيَة لما كَانَت الْوَاو المصورة بعْدهَا للْفرق اَوْ
لبَيَان الْهمزَة تَكْفِي مِنْهَا وَتقوم مقَامهَا اذ هِيَ من
جنس حركتها لَا سِيمَا وَقد صَارَت بالوصل كالمتوسطة الَّتِي
تصور فِي حَال انضمامها واوا سَوَاء اريد تحقيقها اَوْ تسهيلها
وزالت بذلك صُورَة مَا يُوجب الحاق وَاو فِيهِ ليفرق بهَا بَين
المشتبهين فِي الصُّورَة
(1/156)
فَإِذا نقط ذَلِك على هَذَا الْمَذْهَب
جعلت الْهمزَة نقطة بالصفراء وحركتها نقطة بالحمراء امامها فِي
الْوَاو نَفسهَا ورسمت الف بالحمراء بعد الْهَاء وان شَاءَ
الناقط لم يرسمها وَجعل فِي موضعهَا مطة
وَجَائِز ان تكون الْوَاو فِي ذَلِك لَيست بِصُورَة للهمزة
لَكِنَّهَا الَّتِي للْفرق بَين الى وأولي وَهُوَ مَذْهَب
النَّحْوِيين
فَإِذا نقط ذَلِك على هَذَا الْمَذْهَب رسم بعد الْهَاء الف
بالحمراء وَلم يكن بُد من ذَلِك لانها صُورَة للهمزة الَّتِي
هِيَ اول الْكَلِمَة وَجعلت الْهمزَة نقطة بالصفراء فِي تِلْكَ
الالف وحركتها امامها وَجعل على الْوَاو المصورة دارة صغرى
عَلامَة لزيادتها وانها غير ملفوظ بهَا وَلَا يجوز ان يرسم قبل
تِلْكَ الالف الَّتِي هِيَ صُورَة للهمزة الف اخرى فتتوالى
بذلك الفان وَذَلِكَ مرفوض فِي الْكِتَابَة غير مُسْتَعْمل فِي
الرَّسْم
واما قَوْله ترءا الْجَمْعَانِ فِي سُورَة الشُّعَرَاء فرسم
فِي جَمِيع الْمَصَاحِف ايضا بِأَلف وَاحِدَة
فتحتمل تِلْكَ الالف المرسومة ان تكون الف الْبناء الَّتِي من
مِثَال تفَاعل وان تكون المحذوفة الَّتِي هِيَ لَام من
الْفِعْل لَان الاصل فِي هَذِه الْكَلِمَة تراءي وَمثل ذَلِك
من السَّالِم تضارب وتقاتل وتشاتم وَشبهه فَلَمَّا تحركت
الْيَاء الَّتِي هِيَ لَام وَانْفَتح مَا قبلهَا انقلبت الْفَا
فَصَارَ تراءا وَوَقعت الْهمزَة بَين الفين الف الْبناء والالف
(1/157)
المنقلبة والهمزة لخفائها وَبعد مخرجها
واستغنائها عَن الصُّورَة لَيست بفاصل قوي فَكَأَن الالفين قد
اجتمعتا متواليتين فحذفت احداهما اختصارا
وَكَانَت الثَّانِيَة مِنْهُمَا اولى بالحذف اذ لم يكن مِنْهُ
بُد من حَيْثُ لم يجمع بَين صُورَتَيْنِ متفقتين فِي الرَّسْم
كَرَاهَة للْجمع بَينهمَا واكتفاء بالواحدة مِنْهُمَا من
ثَلَاثَة اوجه
احدها وُقُوعهَا فِي الطّرف الَّذِي هُوَ مَوضِع التَّغْيِير
بالحذف وَغَيره
وَالثَّانِي سُقُوطهَا من اللَّفْظ فِي حَال الْوَصْل لسكونها
وَسُكُون اول مَا توصل بِهِ وَهُوَ اللَّام من الْجَمْعَانِ
فَكَمَا لَزِمَهَا السُّقُوط من اللَّفْظ فِي حَال الْوَصْل
كَذَلِك اسقطت من الرَّسْم وَذَلِكَ من حَيْثُ عاملوا فِي كثير
من الْكِتَابَة اللَّفْظ والوصل دون الاصل وَالْقطع الا ترى
انهم لذَلِك حذفوا الالف وَالْيَاء وَالْوَاو فِي نَحْو قَوْله
اية الْمُؤْمِنُونَ ووسوف يُؤْت الله ويدع الانسان وَشبهه لما
سقطن من اللَّفْظ لسكونهن وَسُكُون مَا بعدهن وبنوا الْخط على
ذَلِك فأسقطوهن مِنْهُ فَكَمَا عومل اللَّفْظ فِي هَذِه
الْحُرُوف وَبني الْخط عَلَيْهِ فِيهِنَّ كَذَلِك عومل ايضا
فِيمَا تقدم وَبني عَلَيْهِ فِيهِ
وَالثَّالِث كَون الاولى دَاخِلَة لِمَعْنى لَا بُد من تأديته
وَهُوَ بِنَاء تفَاعل الَّذِي يخص بِهِ اذا تقدم الِاثْنَان
وَالْجَمَاعَة فَوَجَبَ ان تكون هِيَ
(1/158)
المرسومة دون الاخرى اذ يرسمها وثباتها
يتَأَدَّى مَعْنَاهَا الَّذِي جَاءَت لاجله وبحذفها وسقوطها
يخْتل
وتحتمل تِلْكَ الالف ان تكون الالف المنقلبة من لَام الْفِعْل
وان تكون المحذوفة الف الْبناء وَذَلِكَ من ثَلَاثَة اوجه ايضا
احدها ان المنقلبة من نفس الْكَلِمَة اذ هِيَ لَام مِنْهَا
والف الْبناء زَائِدَة واثبات الاصلي اولى من اثبات الزَّائِد
اذا لزم حذف احدهما
وَالثَّانِي انهما مَعًا ساكنتان والهمزة بَينهمَا لما
ذَكرْنَاهُ من حَالهَا لَيست تمنع من التقائهما والساكنان اذا
التقيا مَعًا اعْل بالحذف اَوْ بِالتَّحْرِيكِ الاول مِنْهُمَا
دون الثَّانِي اذ بتغيير الاول يتَوَصَّل الى النُّطْق
بِالثَّانِي وَذَلِكَ مَا لم تمنع من تَغْيِيره عِلّة وَهِي
مَعْدُومَة هَا هُنَا فَوَجَبَ ان تكون الثَّابِتَة الالف
المنقلبة والمحذوفة الف الْبناء لذَلِك
وَالثَّالِث ان الْحَرْف الَّذِي انقلبت الالف الثَّانِيَة
عَنهُ وَهُوَ الْيَاء كَانَ متحركا فأعل بِالْقَلْبِ فَإِن حذف
المنقلب عَنهُ لحق لَام الْفِعْل اعلالان تَغْيِير ثمَّ حذف
واذا لحقها ذَلِك لم يبْق لَهَا اثر من رسم وَلَا لفظ يدل
عَلَيْهَا فَوَجَبَ ان تثبت رسما لذَلِك ليعلم بذلك انها
ثَابِتَة مَعَ عدم السَّاكِن وانها انما اعلت بِالْقَلْبِ لَا
غير
وَهَذَا الْمَذْهَب عِنْدِي فِي ذَلِك اوجه وَهُوَ الَّذِي
اخْتَار وَبِه انقط
(1/159)
فَإِن قيل من ايْنَ اخْتَرْت هَذَا
الْمَذْهَب ورسم الالف فِي آخر هَذِه الْكَلِمَة يدل على انها
لَيست المنقلبة من لَام الْفِعْل ويحقق انها الَّتِي للْبِنَاء
وَذَلِكَ من حَيْثُ كَانَت المنقلبة لَا ترسم فِي نَظَائِر
ذَلِك مِمَّا لامه يَاء فِي الاصل من الافعال الا يَاء
وَكَانَت الَّتِي للْبِنَاء لَا ترسم الا الْفَا اذ هِيَ
مَجْهُولَة لَا يعلم لَهَا اصل فِي يَاء وَلَا وَاو
قيل لَيْسَ الامر كَمَا ذكرته وَلَا على مَا ظننته وَقدرته
وَذَلِكَ ان الالف المنقلبة لَو رسمت هَاهُنَا يَاء على الاصل
لَا لتبست صُورَة الْفِعْل الْمَاضِي الْمُتَقَدّم الَّذِي على
مِثَال تفَاعل الَّذِي تلْحقهُ الْهمزَة وَهُوَ للاثنين
وَالْجَمَاعَة بِصُورَة الْفِعْل الْمُسْتَقْبل الَّذِي على
مِثَال تفعل الَّذِي لَا همزَة فِيهِ وَهُوَ للْوَاحِد فَقَط
نَحْو قَوْله وَترى الارض وَترى النَّاس وَشبهه فرسمت اللَّام
هَاهُنَا الْفَا ليفرق بذلك بَين صُورَة الْفِعْلَيْنِ من
الْمَاضِي والمستقبل ويرتفع الالتباس بِهِ فِي معرفتهما
وايضا فَإِنَّهَا لَو رسمت يَاء للَزِمَ ان ترسم الف الْبناء
قبلهَا ضَرُورَة لعدم مَا يُوجب حذفهَا بذلك وَهُوَ اجْتِمَاع
صُورَتَيْنِ متفقتين من حَيْثُ غيرت الثَّانِيَة وصورت يَاء
وَلم يجىء الرَّسْم بذلك
وايضا فَإِن رسم الالف فِي آخر هَذِه الْكَلِمَة لَا يمْنَع ان
تكون المنقلبة من حَيْثُ رسمت كَذَلِك بِإِجْمَاع من كتاب
الْمَصَاحِف من السّلف وَالْخلف فِي
(1/160)
قَوْله الاقصا الَّذِي وَمن اقصا
الْمَدِينَة وطغا المَاء فِي نَظَائِر لذَلِك لِامْتِنَاع
امالتها فِيهِ فِي حَال الْوَصْل لاجل السَّاكِن الَّذِي لقيها
وَقد حَدثنَا مُحَمَّد بن احْمَد بن عَليّ الْبَغْدَادِيّ
قَالَ نَا ابو بكر بن الانباري قَالَ نَا ادريس بن عبد
الْكَرِيم قَالَ نَا خلف بن هِشَام قَالَ سَمِعت الْكسَائي
يَقُول انما كتبت يَعْنِي هَذِه الْحُرُوف بالالف للالف
وَاللَّام اللَّتَيْنِ بعد هَذِه الْحُرُوف قَالَ ابو عَمْرو
وَذَلِكَ من حَيْثُ منعتاها من الامالة لسقوطها من اللَّفْظ
وَعدمهَا فِي حَال الْوَصْل لاجلهما
فَثَبت بِجَمِيعِ مَا قدمْنَاهُ صِحَة مَا ذَهَبْنَا اليه
واخترناه من كَون الالف المرسومة المنقلبة لَا الَّتِي
للْبِنَاء وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق
فَإِذا نقطت هَذِه الْكَلِمَة على الْوَجْه الاول الَّذِي
الالف المرسومة فِيهِ للْبِنَاء جعلت الْهمزَة نقطة بالصفراء
وحركتها من فَوْقهَا بالحمراء بعد تِلْكَ الالف فِي السطر
ورسمت بعْدهَا الف بالحمراء دلَالَة على ان بعد الْهمزَة
الْفَا ثَابِتَة فِي حَال الِانْفِصَال سَاقِطَة فِي حَال
الِاتِّصَال وَصُورَة ذَلِك كَمَا ترى تراء الْجَمْعَانِ
واذا نقطت على الْوَجْه الثَّانِي الَّذِي الالف المرسومة
فِيهِ المنقلبة جعلت الْهمزَة وحركتها عَلَيْهَا قبل تِلْكَ
الالف بَينهَا وَبَين الرَّاء ورسم بعد الرَّاء بَينهَا وَبَين
الْهمزَة الف بالحمراء دلَالَة على ثُبُوتهَا بَينهمَا فِي كل
حَال وان شَاءَ الناقط لم يرسمها وَجعل فِي موضعهَا مطة ورسمها
احسن من حَيْثُ رسمها
(1/161)
السّلف فِي نَحْو العلمين والفسقين
والكفرين وَشبهه وَصُورَة ذَلِك كَمَا ترى ترءا الْجَمْعَانِ
واما قَوْله فِي الزخرف حَتَّى اذا جَاءَنَا فرسم فِي جَمِيع
الْمَصَاحِف بِأَلف وَاحِدَة فَإِن كَانَ مرسوما على قِرَاءَة
التَّوْحِيد والافراد فَذَلِك حَقِيقَة رسمه وان كَانَ مرسوما
على قِرَاءَة التَّثْنِيَة فقد حذفت مِنْهُ الف وَاحِدَة
والمحذوفة تحْتَمل ان تكون المنقلبة عَن عين الْفِعْل فِي
جَاءَ والاصل جيأ على مِثَال فعل فَلَمَّا تحركت الْيَاء
وَانْفَتح مَا قبلهَا انقلبت الْفَا ثمَّ اتت الف التَّثْنِيَة
بعْدهَا فالتقتا مَعًا لَان الْهمزَة الحائلة بَينهمَا الَّتِي
هِيَ لَام لَيست بفاصل قوي لخفائها وَبعد مخرجها ولانها لَا
صُورَة لَهَا فَلَمَّا التقتا فِي الرَّسْم وَجب حذف احداهما
فحذفت الَّتِي هِيَ عين لكَونهَا اولهما واثبتت الَّتِي هِيَ
عَلامَة الِاثْنَيْنِ لكَونهَا ثَانِيَة ولان الْمَعْنى
الَّذِي جَاءَت لاجله يخْتل بحذفها
فَإِذا نقط ذَلِك على هَذَا الْوَجْه جعلت الْهمزَة نقطة
بالصفراء وحركتها عَلَيْهَا قبل الالف السَّوْدَاء ورسم قبل
الْهمزَة وَبعد الْجِيم الف بالحمراء وَصُورَة نقط ذَلِك على
هَذَا الْوَجْه كَمَا ترى جئانا
(1/162)
وتحتمل المحذوفة ان تكون الَّتِي هِيَ
عَلامَة الِاثْنَيْنِ من حَيْثُ كَانَت زَائِدَة وَكَانَ
الثّقل وَالْكَرَاهَة انما وجبا لاجلها فَلذَلِك حذفت
الزَّائِدَة واثبتت الاصلية وَذَلِكَ الْوَجْه عِنْدِي لَان
عين الْفِعْل الَّذِي هُوَ من سنخ الْحَرْف قد اعْل
بِالْقَلْبِ فَلم يكن ليعل بالحذف فَلَا يبْقى لَهُ اثر فِي
الرَّسْم
فَإِذا نقط ذَلِك على هَذَا الْوَجْه جعلت الْهمزَة نقطة
بالصفراء وحركتها عَلَيْهَا بعد الالف السَّوْدَاء وترسم
بالحمراء الف بعد الْهمزَة لَا بُد من ذَلِك وَصُورَة نقط
ذَلِك على هَذَا الْوَجْه كَمَا ترى جَاءَنَا
واما قَوْله فِي يُونُس ان تبوءا لقومكما فَإِنَّهُ مرسوم
بِأَلف وَاحِدَة وتحتمل ان تكون صُورَة الْهمزَة الَّتِي هِيَ
لَام وان تكون الف التَّثْنِيَة لما ذَكرْنَاهُ والاوجه
هَاهُنَا ان تكون الف التَّثْنِيَة لَان الْهمزَة قد
تَسْتَغْنِي عَن الصُّورَة فَلَا ترسم خطا وَذَلِكَ من حَيْثُ
كَانَت حرفا من الْحُرُوف والالف الساكنة لَيست كَذَلِك
فَإِذا نقط ذَلِك على هَذَا الْوَجْه جعلت الْهمزَة بالصفراء
وحركتها عَلَيْهَا نقطة بالحمراء قبل الالف السَّوْدَاء فِي
السطر وَصُورَة ذَلِك كَمَا ترى تبوءا
وعَلى الْوَجْه الآخر تجْعَل الْهمزَة وحركتها فِي الالف وترسم
بعد الالف الف اخرى بالحمراء لَا بُد من ذَلِك ليتأدى اللَّفْظ
ويتحقق الْمَعْنى وَصُورَة ذَلِك كَمَا ترى تبوأ
(1/163)
وكل همزَة مَفْتُوحَة سَوَاء تحرّك مَا
قبلهَا اَوْ سكن إِذا اتى بعْدهَا الف سَوَاء كَانَت زَائِدَة
اَوْ مبدلة من حرف اصلي فَالْقَوْل فِي اثبات صورتهَا وَحذف
مَا بعْدهَا وَفِي حذف صورتهَا واثبات مَا بعْدهَا وَجعل
الْهمزَة على الْوَجْهَيْنِ كالقول فِي ان تبوءا سَوَاء
وَذَلِكَ نَحْو قَوْله مئاب ومئابا ومئارب وَكَذَلِكَ رءا
كوكبا وفرءاه ورءا الْقَمَر ورءا الشَّمْس وَشبهه حَيْثُ وَقع
وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق
(1/164)
بَاب ذكر نقط مَا اجْتمع فِيهِ ياءان فحذفت
احداهما ايجازا
اعْلَم ان كتاب الْمَصَاحِف اتَّفقُوا على حذف احدى الياءين من
الرَّسْم فِي قَوْله النبين حَيْثُ وَقع
وَيجوز ان تكون المحذوفة مِنْهُمَا الاولى الَّتِي هِيَ
زَائِدَة للمد فِي بِنَاء فعيل لزيادتها وانها اول الياءين
لَان الْهمزَة بَينهمَا لخفائها وان لَا صُورَة لَهَا لَيست
بفاصلة فَوَجَبَ لذَلِك حذفهَا من الرَّسْم اذ كره الْجمع
بَينهَا وَبَين الَّتِي بعْدهَا فِيهِ
وَيجوز ان تكون المحذوفة من الياءين الثَّانِيَة الَّتِي هِيَ
عَلامَة الْجمع من حَيْثُ كَانَ الْبناء يخْتل بِحَذْف الاولى
وَكَانَ الثّقل وَالْكَرَاهَة للْجمع بَين صُورَتَيْنِ متفقتين
انما وَجب بِالثَّانِيَةِ لَا بالاولى
وَالْمذهب الاول اوجه لما بَينته ولان الْيَاء الثَّانِيَة لما
جَاءَت مؤدية عَن معنى الْجمع لزم اثباتها ليتأدى بذلك
الْمَعْنى الَّذِي جَاءَت لَهُ وايضا فَإِنَّهَا مُلَازمَة
للنون لَا تفارقها ولاتنفصل عَنْهَا من حَيْثُ كَانَتَا مَعًا
عَلامَة للْجَمِيع فَوَجَبَ لذَلِك اثباتها ضَرُورَة
(1/165)
فَإِذا نقط ذَلِك على قِرَاءَة من همز على
الاصل جعلت الْهمزَة نقطة بالصفراء وحركتها من تحتهَا نقطة
بالحمراء قبل الْيَاء السَّوْدَاء ورسم قبل الْهمزَة وَبعد
الْبَاء يَاء بالحمراء وَهِي يَاء فعيل وان شَاءَ الناقط لم
يرسمها وَجعل مطة فِي موضعهَا هَذَا على الْوَجْه الأول
الْمُخْتَار وَصُورَة ذَلِك كَمَا ترى النبئين
وعَلى الْوَجْه الثَّانِي تجْعَل الْهمزَة وحركتها بعد الْيَاء
السَّوْدَاء وتلحق بعد الْهمزَة وَقبل النُّون يَاء بالحمراء
وَهِي يَاء الْجَمِيع وَلَا بُد من الحاق هَذِه الْيَاء فِي
هَذَا الْوَجْه ليتأدى بالحاقها الْمَعْنى الَّذِي جَاءَت هِيَ
وَالنُّون لاجله وَصُورَة ذَلِك كَمَا ترى النبيئن
وَكَذَا تلْحق الْيَاء فِي هَذِه الْكَلِمَة على الْوَجْهَيْنِ
فِي قِرَاءَة من لم يهمزها وَكَذَلِكَ تلْحق فِي نَظَائِر
ذَلِك من الْجمع مِمَّا حذفت فِيهِ احدى الياءين كَرَاهَة
للْجمع بَينهمَا فِي الرَّسْم على الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا
وَذَلِكَ نَحْو قَوْله ربانين والحوارين وَفِي الامين وَشبهه
(1/166)
فَأَما مَا كَانَ الْحَرْف الْوَاقِع فِيهِ
الْيَاء وَالنُّون همزَة نَحْو قَوْله المستهزءين ومتكئين
وخاسئين وَشبهه فَإِن الْيَاء المرسومة قبل النُّون فِي ذَلِك
تحْتَمل ان تكون صُورَة للهمزة لتحركها وتحرك مَا قبلهَا وان
تكون عَلامَة للْجمع وَذَلِكَ الاوجه لما بَيناهُ قبل ولان
الْهمزَة لكَونهَا حرفا من الْحُرُوف قد تَسْتَغْنِي عَن
الصُّورَة
واما قَوْله فِي مَرْيَم أثاثا ورءيا فَإِنَّهُ رسم فِي جَمِيع
الْمَصَاحِف بياء وَاحِدَة فَإِن كَانَ رسمه على قِرَاءَة من
لم يهمز فَذَلِك حَقِيقَة رسمه وَإِن كَانَ على قِرَاءَة من
همز فقد حذفت مِنْهُ يَاء وَاحِدَة وَهِي الاولى الَّتِي هِيَ
صُورَة الْهمزَة الساكنة لَا غير وَذَلِكَ لثَلَاثَة معَان
أَحدهَا ان الْهمزَة فِي حَال تحقيقها قد تَسْتَغْنِي عَن
الصُّورَة بالشكل لانها حرف كَسَائِر الْحُرُوف وَالثَّانِي
انها إِذا سهلت فِي ذَلِك لزم إبدالها يَاء سَاكِنة لاجل كسرة
الرَّاء الَّتِي قبلهَا ثمَّ تُدْغَم فِي الْيَاء الَّتِي
بعْدهَا للتماثل وعَلى هَذَا لَا تصور رَأْسا وَالثَّالِث أَن
الالف المعوضة من التَّنْوِين الَّذِي يتبع الاعراب قد جَاءَت
مثبتة فِي آخر هَذِه الْكَلِمَة فَلَزِمَ أَن تكون الْيَاء
الْمُتَّصِلَة فِي الرَّسْم بهَا هِيَ الَّتِي يلْحقهَا
الاعراب لَا غير
وَإِذا نقط ذَلِك جعلت الْهمزَة نقطة بالصفراء وَعَلَيْهَا
عَلامَة السّكُون بَين الرَّاء وَالْيَاء فِي الْبيَاض
وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق
(1/167)
|