المفردات في غريب القرآن

كتاب الألف

أبا
الأب: الوالد، ويسمّى كلّ من كان سببا في إيجاد شيءٍ أو صلاحه أو ظهوره أبا، ولذلك يسمّى النبيّ صلّى الله عليه وسلم أبا المؤمنين، قال الله تعالى:
النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ [الأحزاب/ 6] وفي بعض القراءات:
(وهو أب لهم) «1» .
وروي أنّه صلّى الله عليه وسلم قال لعليّ: «أنا وأنت أبوا هذه الأمّة» «2» .
وإلى هذا أشار بقوله: «كلّ سببٍ ونسبٍ منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي» «3» .
وقيل: أبو الأضياف لتفقّده إياهم، وأبو الحرب لمهيّجها، وأبو عذرتها لمفتضّها.
ويسمّى العم مع الأب أبوين، وكذلك الأم مع الأب، وكذلك الجدّ مع الأب، قال تعالى في قصة يعقوب: ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي؟ قالُوا: نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِلهاً واحِداً [البقرة/ 133] ، وإسماعيل لم يكن من آبائهم وإنما كان عمّهم.
وسمّي معلّم الإنسان أبا لما تقدّم ذكره.
وقد حمل قوله تعالى: وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ [الزخرف/ 22] على ذلك. أي: علماءنا الذين ربّونا بالعلم بدلالة قوله تعالى: رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا [الأحزاب/ 67] .
وقيل في قوله: أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ
__________
(1) وبها قرأ ابن عباس، وأبيّ بن كعب وهي في مصحفه، وهي قراءة شاذة منسوخة.
(2) الحديث لم أجده، ولعلّه من وضع الشيعة، والله أعلم. وقد نقله عنه الفيروزآبادي في البصائر، والسمين في عمدة الحفاظ مادة (أبى) ، ولم يعلّقا عليه.
(3) الحديث أخرجه الطبراني في المعجم الكبير 3/ 36 والبيهقي 7/ 114 والحاكم 3/ 142 وقال: صحيح الإسناد وتعقبه الذهبي فقال: منقطع، وأبو نعيم في معرفة الصحابة 1/ 231. وسببه أنّ عمر بن الخطاب خطب إلى عليّ بن أبي طالب ابنته أم كلثوم، فاعتلّ عليه بصغرها، فقال: إني لم أرد الباه ولكن سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول:
فذكره. راجع الفتح الكبير 3/ 324، وأسباب ورود الحديث 3/ 90.

(1/57)


[لقمان/ 14] : إنه عنى الأب الذي ولده، والمعلّم الذي علمه.
وقوله تعالى: ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ [الأحزاب/ 40] ، إنما هو نفي الولادة، وتنبيه أنّ التبني لا يجري مجرى البنوّة الحقيقية.
وجمع الأب آباء وأبوّة نحو: بعولة وخؤولة.
وأصل «أب» فعل»
، وقد أجري مجرى قفا وعصا في قول الشاعر:
3-
إنّ أباها وأبا أباها
«2» ويقال: أبوت القوم: كنت لهم أبا، أأبوهم، وفلان يأبو بهمه أي: يتفقّدها تفقّد الأب.
وزادوا في النداء فيه تاء، فقالوا: يا أبت «3» .
وقولهم: بأبأ الصبي، فهو حكاية صوت الصبي إذا قال: بابا «4» .

أبى
الإباء: شدة الامتناع، فكل إباء امتناع وليس كل امتناع إباءا.
قوله تعالى: وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ [التوبة/ 32] ، وقال: وَتَأْبى قُلُوبُهُمْ [التوبة/ 8] ، وقوله تعالى: أَبى وَاسْتَكْبَرَ [البقرة/ 34] ، وقوله تعالى: إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى [طه/ 116] وروي: «كلّكم في الجنّة إلا من أبى» «5» ، ومنه: رجل أَبِيٌّ: ممتنع من تحمّل الضيم، وأبيت الضير تأبى، وتيس آبَى، وعنز أَبْوَاء: إذا أخذه من شرب ماءٍ فيه بول الأروى داء يمنعه من شرب الماء «6» .
__________
(1) قال شيخنا العلامة أحمد الحسني الشنقيطي في هذا المعنى:
في أب اختلافهم هل فعل ... أو هو بالسكون خلف نقلوا
فكوفة عندهم مسكّن ... وبصرة لعكس ذاك ركنوا
(2) هذا شطر بيت، وعجزه:
قد بلغا في المجد غايتاها
وفي المخطوطة البيت بتمامه ص 2. وهو لأبي النجم العجلي، وهو في شرح ابن عقيل 1/ 51، وشفاء العليل بشرح التسهيل 1/ 120، وشرح المفصل 1/ 53، وقيل: هو لرؤبة، في ملحقات ديوانه ص 168.
(3) وهذه التاء عوض عن الياء، قال ابن مالك في ألفيّته:
وفي نداء أبت أمت عرض ... وافتح أو اكسر، ومن اليا التاء عوض
(4) راجع لسان العرب (بأبأ) 1/ 25، والمسائل الحلبيات ص 326. [.....]
(5) الحديث عن أبي هريرة أنّ النبي صلّى الله عليه وسلم قال: كل أمتي يدخل الجنة يوم القيامة إلا من أبى، قالوا: ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى. أخرجه البخاري انظر فتح الباري 13/ 249، باب الاعتصام بالسنة، وأحمد في المسند 2/ 361، قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح، وأخرجه الطبراني في الأوسط، ورجاله رجال الصحيح أيضا. انظر: مجمع الزوائد 10/ 73.
(6) راجع لسان العرب 14/ 5 مادة (أبى) ، والأروى: أنثى الوعول، وهو اسم جمع.

(1/58)


أب
قوله تعالى: وَفاكِهَةً وَأَبًّا [عبس/ 31] .
الأبّ: المرعى المتهيّئ للرعي والجز «1» ، من قولهم: أَبَّ لكذا أي: تهيّأ، أبّاً وإبابةً وإباباً، وأبّ إلى وطنه: إذا نزع إلى وطنه نزوعاً تهيّأ لقصده، وكذا أبّ لسيفه: إذا تهيأ لسلّه.
وإبّان ذلك فعلان منه، وهو الزمان المهيأ لفعله ومجيئه.

أبد
قال تعالى: خالِدِينَ فِيها أَبَداً [النساء/ 122] . الأبد: عبارة عن مدّة الزمان الممتد الذي لا يتجزأ كما يتجرأ الزمان، وذلك أنه يقال:
زمان كذا، ولا يقال: أبد كذا.
وكان حقه ألا يثنى ولا يجمع إذ لا يتصور حصول أبدٍ آخر يضم إليه فيثنّى به، لكن قيل:
آباد، وذلك على حسب تخصيصه في بعض ما يتناوله، كتخصيص اسم الجنس في بعضه، ثم يثنّى ويجمع، على أنه ذكر بعض الناس أنّ آباداً مولّد وليس من كلام العرب العرباء.
وقيل: أبد آبد وأبيد أي: دائم «2» ، وذلك على التأكيد.
وتأبّد الشيء: بقي أبداً، ويعبّر به عما يبقى مدة طويلة.
والآبدة: البقرة الوحشية، والأوابد:
الوحشيات، وتأبّد البعير: توحّش، فصار كالأوابد، وتأبّد وجه فلان: توحّش، وأبد كذلك، وقد فسّر بغضب.

أبق
قال الله تعالى: إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ
[الصافات/ 140] .
يقال: أَبَقَ العبد يَأْبِقُ إباقاً، وأَبَقَ يَأْبَقُ: إذا هرب «3» .
وعبد آبِق وجمعه أُبَّاق، وتأبّق الرجل: تشبّه به في الاستتار، وقول الشاعر:
4-
قد أحكمت حكمات القدّ والأبقا
«4» قيل: هو القنّب.

إبل
قال الله تعالى: وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ [الأنعام/ 144] ، الإبل يقع على البعران الكثيرة ولا واحد له من لفظه.
__________
(1) انظر: اللسان (أبب) 1/ 205.
(2) يقال: لا أفعل ذلك أبد الأبيد، وأبد الآباد، وأبد الدهر، وأبيد الأبيد، وأبد الأبدية. راجع: لسان العرب (أبد) 3/ 68، والمستقصى 2/ 242.
(3) انظر: الأفعال للسرقسطي 1/ 96، والمجمل 1/ 84، ولسان العرب (أبق) 10/ 3. بكسر الباء وفتحها.
(4) هذا عجز بيت لزهير بن أبي سلمى، وصدره:
القائد الخيل منكوباً دوابرها
وهو في ديوانه ص 41، والعجز في المجمل 1/ 84، وشمس العلوم 1/ 52، والبيت بتمامه في اللسان (أبق) .

(1/59)


وقوله تعالى: أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ [الغاشية/ 17] قيل: أريد بها السحاب «1» ، فإن يكن ذلك صحيحاً فعلى تشبيه السحاب بالإبل وأحواله بأحوالها.
وأَبَلَ الوحشيّ يأبل أُبُولًا، وأبل أَبْلًا «2» : اجتزأ عن الماء تشبّها بالإبل في صبرها عن الماء.
وكذلك: تَأَبَّلَ الرجل عن امرأته: إذا ترك مقاربتها «3» . وأَبَّلَ الرجل: كثرت إبله، وفلان لا يأتبل أي: لا يثبت على الإبل إذا ركبها، ورجل آبِلٌ وأَبِلٌ: حسن القيام على إبله، وإبل مُؤَبَّلة: مجموعة.
والإبّالة: الحزمة من الحطب تشبيهاً به، وقوله تعالى: وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ
[الفيل/ 3] أي: متفرّقة كقطعات إبلٍ، الواحد إبّيل «4» .

أتى
الإتيان: مجيء بسهولة، ومنه قيل للسيل المارّ على وجهه: أَتِيّ وأَتَاوِيّ «5» ، وبه شبّه الغريب فقيل: أتاويّ «6» .
والإتيان يقال للمجيء بالذات وبالأمر وبالتدبير، ويقال في الخير وفي الشر وفي الأعيان والأعراض، نحو قوله تعالى: إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ [الأنعام/ 40] ، وقوله تعالى: أَتى أَمْرُ اللَّهِ [النحل/ 1] ، وقوله:
فَأَتَى اللَّهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ [النحل/ 26] ، أي: بالأمر والتدبير، نحو: وَجاءَ رَبُّكَ [الفجر/ 22] ، وعلى هذا النحو قول الشاعر:
5-
أتيت المروءة من بابها
«7» فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها [النمل/ 37] ، وقوله: لا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسالى [التوبة/ 54] ، أي: لا يتعاطون، وقوله: يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ [النساء/ 15] ، وفي
__________
(1) قال أبو عمرو بن العلاء: ومن قرأها بالتثقيل قال الإبلّ: السحاب التي تحمل الماء للمطر. راجع لسان العرب (إبل) 11/ 6، وتفسير القرطبي 20/ 35.
(2) انظر: الأفعال للسرقسطي 1/ 90، واللسان 11/ 5. مادة أبل.
(3) وروي عن وهب قال: لمّا قتل ابن آدم أخاه تأبّل آدم على حوّاء. أي: ترك غشيانها حزناً على ولده.
(4) الأبابيل: جماعة في تفرقة، واحدها: إبّيل وإبّول.
(5) قال ابن منظور: والأتيّ: النهر يسوقه الرجل إلى أرضه. وسيل أتيّ وأتاويّ: لا يدرى من أين أتى، وقال اللحياني:
أي: أتى ولبّس مطره علينا.
(6) وقال في اللسان: بل السيل مشبّه بالرّجل لأنه غريب مثله، راجع 14/ 15.
(7) هذا عجز بيت للأعشى وقبله:
وكأسٍ شربت على لذةٍ ... وأخرى تداويت منها بها
لكي يعلم الناس أني امرؤ ... أتيت المروءة من بابها
وليس في ديوانه- طبع دار صادر، بل في ديوانه- طبع مصر ص 173، وخاص الخاص ص 99، والعجز في بصائر ذوي التمييز 2/ 43.

(1/60)


قراءة عبد الله: (تأتي الفاحشة) «1» فاستعمال الإتيان منها كاستعمال المجيء في قوله: لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا [مريم/ 27] .
يقال: أتيته وأتوته «2» ، ويقال للسقاء إذا مخض وجاء زبده: قد جاء أتوه، وتحقيقه: جاء ما من شأنه أن يأتي منه، فهو مصدر في معنى الفاعل.
وهذه أرض كثيرة الإتاء أي: الرّيع، وقوله تعالى: مَأْتِيًّا
[مريم/ 61] مفعول من أتيته.
قال بعضهم «3» : معناه: آتيا، فجعل المفعول فاعلًا، وليس كذلك بل يقال: أتيت الأمر وأتاني الأمر، ويقال: أتيته بكذا وآتيته كذا. قال تعالى:
وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً [البقرة/ 25] ، وقال:
فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها [النمل/ 37] ، وقال: وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً [النساء/ 54] .
[وكلّ موضع ذكر في وصف الكتاب «آتينا» فهو أبلغ من كلّ موضع ذكر فيه «أوتوا» ، لأنّ «أوتوا» قد يقال إذا أوتي من لم يكن منه قبول، وآتيناهم يقال فيمن كان منه قبول] «4» .
وقوله تعالى: آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ
[الكهف/ 96] وقرأه حمزة موصولة «5» . أي:
جيئوني.
والإِيتاء: الإعطاء، [وخصّ دفع الصدقة في القرآن بالإيتاء] نحو: وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ [البقرة/ 277] ، وَإِقامَ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ [الأنبياء/ 73] ، ووَ لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً [البقرة/ 229] ، ووَ لَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ [البقرة/ 247] .

أث
الأثاث: متاع البيت الكثير، وأصله من:
أثّ «6» ، أي: كثر وتكاثف.
وقيل للمال كلّه إذا كثر: أثاث، ولا واحد له، كالمتاع، وجمعه أثاث «7» .
ونساء أثايث: كثيرات للحمل، كأنّ عليهن
__________
(1) وهي قراءة شاذة قرأ بها ابن مسعود. [.....]
(2) قال ابن مالك:
وأتوت مثل أتيت فقل بها ... ومحوت خطّ السطر ثم محيته
(3) والذي قال هذا ابن قتيبة وأبو نصر الحدادي، وذكره ابن فارس بقوله: وزعم ناس، كأنّه يضعّفه.
راجع: تأويل مشكل القرآن ص 298، والمدخل لعلم تفسير كتاب الله ص 269، والصاحبي ص 367، وكذا الزمخشري في تفسيره راجع الكشاف 2/ 2/ 415.
(4) نقل هذه الفائدة السيوطي في الإتقان 1/ 256 عن المؤلف.
(5) وكذا قرأها أبو بكر من طريق العليمي وأبي حمدون. ا. هـ. راجع: الإتحاف ص 295.
(6) يقال: أثّ النبات يئثّ أثاثة، أي: كثر والتفّ. انظر: اللسان (أثّ) .
(7) وهذا قول الفرّاء، وقيل: واحده أثاثة. انظر: المجمل 1/ 78، واللسان (أث) .

(1/61)


أثاثاً، وتأثّث فلان: أصاب أثاثاً.

أثر
أَثَرُ الشيء: حصول ما يدلّ على وجوده، يقال: أثر وأثّر، والجمع: الآثار. قال الله تعالى: ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِرُسُلِنا «1» [الحديد/ 27] ، وَآثاراً فِي الْأَرْضِ [غافر/ 21] ، وقوله: فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللَّهِ [الروم/ 50] .
ومن هذا يقال للطريق المستدل به على من تقدّم: آثار، نحو قوله تعالى: فَهُمْ عَلى آثارِهِمْ يُهْرَعُونَ [الصافات/ 70] ، وقوله: هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي [طه/ 84] .
ومنه: سمنت الإبل على أثارةٍ «2» ، أي: على أثر من شحم، وأَثَرْتُ البعير: جعلت على خفّه أُثْرَةً، أي: علامة تؤثّر في الأرض ليستدل بها على أثره، وتسمّى الحديدة التي يعمل بها ذلك المئثرة.
وأَثْرُ السيف: جوهره وأثر جودته، وهو الفرند، وسيف مأثور. وأَثَرْتُ العلم: رويته «3» ، آثُرُهُ أَثْراً وأَثَارَةً وأُثْرَةً، وأصله: تتبعت أثره.
أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ [الأحقاف/ 4] ، وقرئ: (أثرة) «4» وهو ما يروى أو يكتب فيبقى له أثر.
والمآثر: ما يروى من مكارم الإنسان، ويستعار الأثر للفضل، والإيثار للتفضل ومنه:
آثرته، وقوله تعالى: وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ [الحشر/ 9] وقال: تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنا [يوسف/ 91] وبَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا [الأعلى/ 16] .
وفي الحديث: «سيكون بعدي أثرة» «5» أي:
يستأثر بعضكم على بعض.
والاستئثار: التفرّد بالشيء من دون غيره، وقولهم: استأثر الله بفلان، كناية عن موته، تنبيه أنّه ممّن اصطفاه وتفرّد تعالى به من دون الورى
__________
(1) وفي أ «وقفّينا» وهو خطأ.
(2) انظر: لسان العرب (أثر) 6/ 7، ومجمل اللغة 1/ 87.
(3) قال ابن فارس: وأثرت الحديث، أي: ذكرته عن غيرك.
(4) وهي قراءة شاذة قرأ بها السّلمي والحسن وأبو رجاء.
قال ابن منظور: فمن قرأ «أثارة» فهو المصدر، مثل السماحة، ومن قرأ «أثرة» فإنه بناه على الأثر، كما قيل:
قترة.
راجع تفسير القرطبي 16/ 182، ولسان العرب 4/ 7.
(5) الحديث عن أسيد بن حضير أنّ رجلًا من الأنصار قال: يا رسول الله ألا تستعملني كما استعملت فلاناً؟ قال:
«ستلقون بعدي أثره فاصبروا حتى تلقوني على الحوض» . وهو صحيح أخرجه البخاري، راجع فتح الباري 7/ 117.

(1/62)


تشريفاً له. ورجل أَثِرٌ: يستأثر على أصحابه.
وحكى اللحياني «1» : خذه آثراً ما، وإثراً ما، وأثر ذي أثير «2» .

أثل
قال تعالى: ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ [سبأ/ 16] .
أَثْل: شجر ثابت الأصل، وشجر متأثّل:
ثابت ثبوته، وتأثّل كذا: ثبت ثبوته.
وقوله صلّى الله عليه وسلم في الوصيّ: «غير متأثّل مالًا» «3» أي: غير مقتنٍ له ومدّخر، فاستعار التأثّل له، وعنه استعير: نحتّ أثلته: إذا اغتبته «4» .

إثم
الإثم والأثام: اسم للأفعال المبطئة عن الثواب «5» ، وجمعه آثام، ولتضمنه لمعنى البطء قال الشاعر:
6-
جماليّةٍ تغتلي بالرّادف
إذا كذّب الآثمات الهجير «6» وقوله تعالى: فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ [البقرة/ 219] أي: في تناولهما إبطاء عن الخيرات.
وقد أَثِمَ إثماً وأثاماً فهو آثِمٌ وأَثِمٌ وأَثِيمٌ. وتأثَّم:
خرج من إثمه، كقولهم: تحوّب وتحرّج: خرج من حوبه وحرجه، أي: ضيقه.
وتسمية الكذب إثماً لكون الكذب من جملة الإثم، وذلك كتسمية الإنسان حيواناً لكونه من جملته.
وقوله تعالى: أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ [البقرة/ 206] أي: حملته عزته على فعل ما يؤثمه، وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً
[الفرقان/ 68] أي: عذاباً، فسمّاه أثاماً لما كان منه، وذلك كتسمية النبات والشحم ندىً لما كانا منه في قول الشاعر:
7-
تعلّى الندى في متنه وتحدّرا
«7» وقيل: معنى: «يلق أثاماً» أي: يحمله ذلك
__________
(1) علي بن حازم، راجع أخباره في إنباه الرواة 2/ 255. وذكر هذا أيضا كراع في المنتخب 2/ 536.
(2) المبرّد في قولهم: خذ هذا آثراً ما، قال: كأنه يريد أن يأخذ منه واحداً وهو يسام على آخر، فيقول: خذ هذا الواحد آثراً، أي: قد آثرتك به، و «ما» فيه حشو. راجع لسان العرب (أثر) .
(3) الحديث أخرجه البخاري في الشروط 5/ 263 والوصايا، ومسلم في الوصية رقم (1632) ، وراجع شرح السنة 2/ 288، 305، وأخرجه النسائي بلفظ: «كل من مال يتيمك غير مسرفٍ ولا مباذر ولا متأثل» 6/ 256. [.....]
(4) قال ابن فارس: ونحت فلان أثلته، مثل، وذلك إذا قال في عرضه قبيحاً. انظر: مجمل اللغة 1/ 87، وجمهرة الأمثال 2/ 309.
(5) يقال: أثمت الناقة المشي تأثمه إثماً: أبطأت. انظر: اللسان (أثم) .
(6) البيت للأعشى في ديوانه ص 87، واللسان (أثم) . وعجزه في المجمل 1/ 87.
(7) هذا عجز بيت لعمرو بن أحمر، وشطره:
[كثور العداب الفرد يضربه الندى] .
وهو في ديوانه ص 84، واللسان (ندى) .

(1/63)


على ارتكاب آثام، وذلك لاستدعاء الأمور الصغيرة إلى الكبيرة، وعلى الوجهين حمل قوله تعالى: فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا [مريم/ 59] .
والآثم: المتحمّل الإثم، قال تعالى: آثِمٌ قَلْبُهُ [البقرة/ 283] .
وقوبل الإثم بالبرّ، فقال صلّى الله عليه وسلم: «البرّ ما اطمأنّت إليه النفس، والإثم ما حاك في صدرك» «1» وهذا القول منه حكم البرّ والإثم لا تفسيرهما.
وقوله تعالى: مُعْتَدٍ أَثِيمٍ
[القلم/ 12] أي: آثم، وقوله: يُسارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ
[المائدة/ 62] .
قيل: أشار بالإثم إلى نحو قوله: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ [المائدة/ 44] ، وبالعدوان إلى قوله: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [المائدة/ 45] ، فالإثم أعمّ من العدوان.

أج
قال تعالى: هذا عَذْبٌ فُراتٌ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ
[الفرقان/ 53] : شديد الملوحة والحرارة، من قولهم: أجيج النار وأَجَّتُهَا، وقد أجّت، وائتجّ النهار.
ويأجوج ومأجوج منه، شبّهوا بالنار المضطرمة والمياه المتموّجة لكثرة اضطرابهم «2» .
وأجّ الظّليم: إذا عدا، أجيجاً تشبيهاً بأجيج النار.

أجر
الأجر والأجرة: ما يعود من ثواب العمل دنيوياً كان أو أخروياً، نحو قوله تعالى: إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ [يونس/ 72] ، وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ [العنكبوت/ 27] ، وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا [يوسف/ 57] .
والأُجرة في الثواب الدنيوي، وجمع الأجر أجور، وقوله تعالى: وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ [النساء/ 25] كناية عن المهور، والأجر والأجرة يقال فيما كان عن عقد وما يجري مجرى العقد، ولا يقال إلا في النفع دون الضر، نحو قوله تعالى: لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ [آل عمران/ 199] ، وقوله تعالى: فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ [الشورى/ 40] . والجزاء يقال فيما كان عن عقدٍ وغير عقد، ويقال في النافع والضار، نحو
__________
(1) الحديث عن وابصة بن معبد رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال: «جئت تسأل عن البرّ؟ قلت: نعم.
قال: البرّ ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في النفس وتردّد في الصدر وإن أفتاك الناس وأفتوك» أخرجه أحمد في المسند 4/ 228، وفيه أيوب بن عبد الله بن مكرز. قال ابن عدي: لا يتابع على حديثه.
ووثقه ابن حبان. وأخرجه الدارمي 2/ 322. وانظر: مجمع الزوائد 1/ 182. ذكره النووي في الأربعين وقال:
حديث حسن رويناه في مسند أحمد والدارمي بإسناد حسن، راجع الأربعين النووية ص 53.
(2) انظر: المجموع المغيث 1/ 32.

(1/64)


قوله تعالى: وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً [الإنسان/ 12] ، وقوله تعالى: فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ [النساء/ 93] .
يقال: أَجَر زيد عمراً يأجره أجراً: أعطاه الشيء بأجرة، وآجَرَ عمرو زيداً: أعطاه الأجرة، قال تعالى: عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ [القصص/ 27] ، وآجر كذلك، والفرق بينهما أنّ أجرته يقال إذا اعتبر فعل أحدهما، وآجرته يقال إذا اعتبر فعلاهما «1» ، وكلاهما يرجعان إلى معنى واحدٍ، ويقال: آجره الله وأجره الله.
والأجير: فعيل بمعنى فاعل أو مفاعل، والاستئجارُ: طلب الشيء بالأجرة، ثم يعبّر به عن تناوله بالأجرة، نحو: الاستيجاب في استعارته الإيجاب، وعلى هذا قوله تعالى:
اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ [القصص/ 26] .

أجل
الأَجَل: المدّة المضروبة للشيء، قال تعالى:
لِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى [غافر/ 67] ، أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ [القصص/ 28] .
ويقال: دينه مُؤَجَّل، وقد أَجَّلْتُهُ: جعلت له أجلًا، ويقال للمدّة المضروبة لحياة الإنسان أجل فيقال: دنا أجله، عبارة عن دنوّ الموت.
وأصله: استيفاء الأجل أي: مدّة الحياة، وقوله تعالى: بَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا [الأنعام/ 128] ، أي: حدّ الموت، وقيل: حدّ الهرم، وهما واحد في التحقيق.
وقوله تعالى: ثُمَّ قَضى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ [الأنعام/ 2] ، فالأول: هو البقاء في الدنيا، والثاني: البقاء في الآخرة، وقيل:
الأول: هو البقاء في الدنيا، والثاني: مدّة ما بين الموت إلى النشور، عن الحسن، وقيل: الأول للنوم، والثاني للموت، إشارة إلى قوله تعالى:
اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها [الزمر/ 42] ، عن ابن عباس «2» .
وقيل: الأجلان جميعاً للموت، فمنهم من أجله بعارضٍ كالسيف والحرق والغرق وكل شيء غير موافق، وغير ذلك من الأسباب المؤدّية إلى قطع الحياة، ومنهم من يوقّى ويعافى حتى يأتيه الموت حتف أنفه، وهذان هما المشار إليهما بقوله: (من أخطأه سهم الرزيّة لم يخطئه سهم المنيّة) .
وقيل: للناس أجلان، منهم من يموت عبطة «3» ، ومنهم من يبلغ حدّاً لم يجعله الله في
__________
(1) انظر: بصائر ذوي التمييز 2/ 132.
(2) وقد نقل الفيروزآبادي هذا حرفياً، وانظر: بصائر ذوي التمييز 2/ 109.
(3) أصل هذه المادة: عبطت الناقة عبطاً: إذا ذبحتها من غير علة، ومات فلان عبطة، أي: صحيحاً شاباً. ا. هـ.
انظر: العباب الزاخر (عبط) .

(1/65)


طبيعة الدنيا أن يبقى أحد أكثر منه فيها، وإليها أشار بقوله تعالى: وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ [الحج/ 5] ، وقصدهما الشاعر بقوله:
8-
رأيت المنايا خبط عشواء من تصب ... تمته....
«1»
وقول الآخر:
9-
من لم يمت عبطةً يمت هرماً
«2» والآجِل ضد العاجل، والأَجْلُ: الجناية التي يخاف منها آجلًا، فكل أَجْلٍ جناية وليس كل جناية أجلًا، يقال: فعلت كذا من أجله، قال تعالى: مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ [المائدة/ 32] ، أي: من جرّاء، وقرئ: (من إجل ذلك) «3» بالكسر. أي: من جناية ذلك.
ويقال: (أَجَلْ) في تحقيق خبرٍ سمعته. وبلوغ الأجل في قوله تعالى: وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ [البقرة/ 231] ، هو المدة المضروبة بين الطلاق وبين انقضاء العدة، وقوله تعالى: فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ [البقرة/ 232] ، إشارة إلى حين انقضاء العدّة، وحينئذ لا جناح عليهنّ فيما فعلن في أنفسهن.
أحد
أَحَدٌ يستعمل على ضربين:
أحدهما: في النفي فقط «4» .
والثاني: في الإثبات.
فأمّا المختص بالنفي فلاستغراق جنس الناطقين، ويتناول القليل والكثير على طريق الاجتماع والافتراق، نحو: ما في الدار أحد، أي: لا واحد ولا اثنان فصاعدا لا مجتمعين ولا مفترقين، ولهذا المعنى لم يصحّ استعماله في
__________
(1) البيت لزهير بن أبي سلمى من معلقته، وتمامه:
ومن تخطئ يعمّر فيهرم
وهو في ديوانه ص 86، وشرح القصائد للنحاس 1/ 125، وبصائر ذوي التمييز 2/ 109.
(2) الشطر لأمية بن أبي الصلت، وتتمته:
للموت كأس فالمرء ذائقها
وهو في ديوانه ص 241، والعباب (عبط) ، واللسان (عبط) ، وغريب الحديث للخطابي 1/ 446، وذيل أمالي القالي ص 134.
(3) وهي بكسر الهمزة مع قطعها قراءة شاذة حكاها اللحياني، وقرأ أبو جعفر بكسر الهمزة ونقل حركتها إلى النون، ووافقه الحسن، انظر: الإتحاف ص 200، واللسان (أجل) .
(4) قال المختار بن بونا الجكني الشنقيطي في تكميله لألفية ابن مالك:
وعظّموا بأحد الآحاد ... وأحد في النفي ذو انفراد
بعاقلٍ، ومثله عريب ... كما هنا من أحدٍ قريب

(1/66)


الإثبات، لأنّ نفي المتضادين يصح، ولا يصحّ إثباتهما، فلو قيل: في الدار واحد لكان فيه إثبات واحدٍ منفرد مع إثبات ما فوق الواحد مجتمعين ومفترقين، وذلك ظاهر الإحالة، ولتناول ذلك ما فوق الواحد يصح أن يقال: ما من أحدٍ فاضلين «1» ، كقوله تعالى: فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ [الحاقة/ 47] .
وأمّا المستعمل في الإثبات فعلى ثلاثة أوجه:
الأول: في الواحد المضموم إلى العشرات نحو: أحد عشر وأحد وعشرين.
والثاني: أن يستعمل مضافا أو مضافا إليه بمعنى الأول، كقوله تعالى: أَمَّا أَحَدُكُما فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً [يوسف/ 41] ، وقولهم:
يوم الأحد. أي: يوم الأول، ويوم الاثنين.
والثالث: أن يستعمل مطلقا وصفا، وليس ذلك إلا في وصف الله تعالى بقوله: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص/ 1] ، وأصله: وحد «2» ، ولكن وحد يستعمل في غيره نحو قول النابغة:
10-
كأنّ رحلي وقد زال النهار بنا ... بذي الجليل على مستأنس وحد
«3»

أخذ
الأَخْذُ: حوز الشيء وتحصيله، وذلك تارةً بالتناول نحو: مَعاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ [يوسف/ 79] ، وتارةً بالقهر نحو قوله تعالى: لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ [البقرة/ 255] .
ويقال: أخذته الحمّى، وقال تعالى: وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ [هود/ 67] ، فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى [النازعات/ 25] ، وقال: وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى [هود/ 102] .
ويعبّر عن الأسير بالأَخِيذِ والمأخوذ، والاتّخاذ افتعال منه، ويعدّى إلى مفعولين ويجري مجرى الجعل نحو قوله تعالى: لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ [المائدة/ 51] ، أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ [الشورى/ 9] ، فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا [المؤمنون/ 110] ، أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ: اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ [المائدة/ 116] ، وقوله تعالى:
وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ
[النحل/ 61] فتخصيص لفظ المؤاخذة تنبيه على معنى المجازاة والمقابلة لما أخذوه من النعم فلم يقابلوه بالشكر.
__________
(1) وهذا النقل حرفياً في البصائر 2/ 91. [.....]
(2) قال الفيروزآبادي: وأصله وحد، أبدلوا الواو همزةً على عادتهم في الواوات الواقعة في أوائل الكلم، كما في:
أجوه ووجوه، وإشاح ووشاح، وامرأة أناة ووناة. انظر: البصائر 2/ 92.
(3) البيت من معلقته، وهو في ديوانه ص 31، وشرح المعلقات للنحاس 2/ 162.

(1/67)


ويقال: فلان مأخوذ، وبه أَخْذَةٌ من الجن، وفلان يأخذ مَأْخَذَ فلان، أي: يفعل فعله ويسلك مسلكه، ورجل أَخِيذٌ، وبه أُخُذٌ كناية عن الرّمد.
والإخاذة والإخاذ: أرض يأخذها الرجل لنفسه «1» ، وذهبوا ومن أخذ أَخْذَهُمْ وإِخْذَهُمْ «2» .
أخ
أخ الأصل أخو، وهو: المشارك آخر في الولادة من الطرفين، أو من أحدهما أو من الرضاع.
ويستعار في كل مشارك لغيره في القبيلة، أو في الدّين، أو في صنعة، أو في معاملة أو في مودّة، وفي غير ذلك من المناسبات.
قوله تعالى: لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ
[آل عمران/ 156] ، أي:
لمشاركيهم في الكفر، وقال تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات/ 10] ، أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً [الحجرات/ 12] ، وقوله: فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ
[النساء/ 11] ، أي: إخوان وأخوات، وقوله تعالى:
إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ
[الحجر/ 47] ، تنبيه على انتفاء المخالفة من بينهم.
والأخت: تأنيث الأخ، وجعل التاء فيه كالعوض من المحذوف منه، وقوله تعالى: يا أُخْتَ هارُونَ [مريم/ 28] ، يعني: أخته في الصلاح لا في النسبة، وذلك كقولهم: يا أخا تميم. وقوله تعالى: أَخا عادٍ
[الأحقاف/ 21] ، سمّاه أخاً تنبيهاً على إشفاقه عليهم شفقة الأخ على أخيه، وعلى هذا قوله تعالى: وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ [الأعراف/ 73] وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ [الأعراف/ 65] ، وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ [الأعراف/ 85] ، وقوله: وَما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها
[الزخرف/ 48] ، أي: من الآية التي تقدّمتها، وسمّاها أختاً لها لاشتراكهما في الصحة والإبانة والصدق، وقوله تعالى: كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها [الأعراف/ 38] ، فإشارة إلى أوليائهم المذكورين في نحو قوله تعالى: أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ [البقرة/ 257] ، وتأخّيت أي:
تحرّيت «3» تحرِّي الأخ للأخ، واعتبر من الإخوة معنى الملازمة فقيل: أخيّة الدابة «4» .

أخر
آخِر يقابل به الأوّل، وآخَر يقابل به الواحد، ويعبّر بالدار الآخرة عن النشأة الثانية، كما يعبّر بالدار
__________
(1) انظر: لسان العرب (أخذ) .
(2) يقال: وذهب بنو فلان ومن أخذ إخذهم وأخذهم، أي: ومن سار سيرهم. والعرب تقول: لو كنت منا لأخذت بإخذنا، أي: بخلائقنا وزيّنا وشكلنا وهدينا.
(3) انظر: مجمل اللغة 1/ 89، واللسان (أخو) 14/ 22.
(4) قال ابن منظور: والأخيّة والآخيّة: عود يعرّض في الحائط ويدفن طرفاه فيه، ويصير وسطه كالعروة تشدّ إليه الدابة.

(1/68)


الدنيا عن النشأة الأولى نحو: وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ
[العنكبوت/ 64] ، وربما ترك ذكر الدار نحو قوله تعالى: أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ [هود/ 16] .
وقد توصف الدار بالآخرة تارةً، وتضاف إليها تارةً نحو قوله تعالى: وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ [الأنعام/ 32] ، وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا «1» [يوسف/ 109] .
وتقدير الإضافة: دار الحياة الآخرة.
و «أُخَر» معدول عن تقدير ما فيه الألف واللام، وليس له نظير في كلامهم، فإنّ أفعل من كذا، - إمّا أن يذكر معه «من» لفظا أو تقديرا، فلا يثنّى ولا يجمع ولا يؤنّث.
- وإمّا أن يحذف منه «من» فيدخل عليه الألف واللام فيثنّى ويجمع.
وهذه اللفظة من بين أخواتها جوّز فيها ذلك من غير الألف واللام.
والتأخير مقابل للتقديم، قال تعالى: بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ
[القيامة/ 13] ، ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ [الفتح/ 2] ، إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ [إبراهيم/ 42] ، رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ [إبراهيم/ 44] .
وبعته بِأَخِرَةٍ. أي: بتأخير أجل، كقوله: بنظرة.
وقولهم: أبعد الله الأَخِرَ أي: المتأخر عن الفضيلة وعن تحرّي الحق «2» .

أد
قال تعالى: لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا
[مريم/ 89] أي: أمراً منكرا يقع فيه جلبة، من قولهم:
أدّت الناقة تئدّ، أي: رجّعت حنينها ترجيعاً شديداً «3» .
والأديد: الجلبة، وأدّ قيل: من الود «4» ، أو من: أدّت الناقة.

أدى
الأداء: دفع الحق دفعةً وتوفيته، كأداء الخراج والجزية وأداء الأمانة، قال الله تعالى: فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ [البقرة/ 283] ، إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها [النساء/ 58] ، وقال: وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ [البقرة/ 178] ، وأصل ذلك من الأداة، تقول: أدوت بفعل كذا، أي: احتلت، وأصله: تناولت الأداة
__________
(1) في المخطوطة: وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ [النحل/ 41] . ولا شاهد فيها.
(2) يقال في الشتم: أبعد الله الأخر بكسر الخاء وقصر الألف، ولا تقوله للأنثى. وقال ابن شميل: الأخر: المؤخّر المطروح.
(3) انظر: مجمل اللغة 1/ 79، واللسان (أدّ) 2/ 71، والأفعال 1/ 88.
(4) وقائل هذا هو ابن دريد، انظر: جمهرة اللغة 1/ 15، واللسان 3/ 71.

(1/69)


التي بها يتوصل إليه، واستأديت على فلان نحو:
استعديت «1» .

آدم
آدم أبو البشر، قيل: سمّي بذلك لكون جسده من أديم الأرض، وقيل: لسمرةٍ في لونه. يقال:
رجل آدم نحو أسمر، وقيل: سمّي بذلك لكونه من عناصر مختلفة وقوى متفرقة، كما قال تعالى:
مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ [الإنسان/ 2] .
ويقال: جعلت فلاناً أَدَمَة أهلي، أي: خلطته بهم «2» ، وقيل: سمّي بذلك لما طيّب به من الروح المنفوخ فيه المذكور في قوله تعالى:
وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي [الحجر/ 29] ، وجعل له العقل والفهم والرّوية التي فضّل بها على غيره، كما قال تعالى: وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلًا [الإسراء/ 70] ، وذلك من قولهم: الإدام، وهو ما يطيّب به الطعام «3» ، وفي الحديث: «لو نظرت إليها فإنّه أحرى أن يؤدم بينكما» «4» أي: يؤلّف ويطيب.

أذن
الأذن: الجارحة، وشبّه به من حيث الحلقة أذن القدر وغيرها، ويستعار لمن كثر استماعه وقوله لما يسمع، قال تعالى: وَيَقُولُونَ: هُوَ أُذُنٌ قُلْ: أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ [التوبة/ 61] أي:
استماعه لما يعود بخيرٍ لكم، وقوله تعالى:
وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً [الأنعام/ 25] إشارة إلى جهلهم لا إلى عدم سمعهم.
وأَذِنَ: استمع، نحو قوله: وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ [الانشقاق/ 2] ، ويستعمل ذلك في العلم الذي يتوصل إليه بالسماع، نحو قوله:
فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [البقرة/ 279] .
والأُذن والأذان لما يسمع، ويعبّر بذلك عن العلم، إذ هو مبدأ كثيرٍ من العلم فينا، قال الله تعالى: ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي [التوبة/ 49] ، وقال: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ [إبراهيم/ 7] .
وأذنته بكذا وآذنته بمعنى.
والمُؤَذِّنُ: كل من يعلم بشيءٍ نداءً، قال
__________
(1) انظر: المجمل 1/ 90. وقال الأزهري: أهل الحجاز يقولون: استأديت السلطان على فلان، أي: استعديت، فآداني عليه أي: أعداني وأعانني. ويقال: أبدلت الهمزة من العين، لأنهما من مخرجٍ واحد.
(2) قال ابن فارس: وجعلت فلاناً أدمة أهلي، أي: أسوتهم، وقال الفراء: الأدمة أيضا: الوسيلة. وقال الزمخشري:
وهو أدمة قومه: لسيدهم ومقدّمهم. انظر: المجمل 1/ 90، وأساس البلاغة ص 4.
(3) انظر: المجمل 1/ 90.
(4) الحديث عن المغيرة بن شعبة أنه خطب امرأة فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلم: «انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما» أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن. انظر: عارضة الأحوذي 4/ 307، وأخرجه النسائي في سننه 6/ 70، وابن ماجة 1/ 599. [.....]

(1/70)


تعالى: ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ [يوسف/ 70] ، فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ [الأعراف/ 44] ، وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ [الحج/ 27] .
والأذين: المكان الذي يأتيه الأذان «1» ، والإِذنُ في الشيء: إعلام بإجازته والرخصة فيه، نحو، وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ [النساء/ 64] أي: بإرادته وأمره، وقوله: وَما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ [آل عمران/ 166] ، وقوله: وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ [البقرة/ 102] ، وَلَيْسَ بِضارِّهِمْ شَيْئاً إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ [المجادلة/ 10] قيل: معناه: بعلمه، لكن بين العلم والإذن فرق، فإنّ الإذن أخصّ، ولا يكاد يستعمل إلا فيما فيه مشيئة به، راضياً منه الفعل أم لم يرض به «2» ، فإنّ قوله: وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ [يونس/ 100] فمعلوم أنّ فيه مشيئته وأمره، وقوله: وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ [البقرة/ 102] ففيه مشيئته من وجهٍ، وهو أنه لا خلاف أنّ الله تعالى أوجد في الإنسان قوة فيها إمكان قبول الضرب من جهة من يظلمه فيضرّه، ولم يجعله كالحجر الذي لا يوجعه الضرب، ولا خلاف أنّ إيجاد هذا الإمكان من فعل الله، فمن هذا الوجه يصح أن يقال: إنه بإذن الله ومشيئته يلحق الضرر من جهة الظالم، ولبسط هذا الكلام كتاب غير هذا «3» .
والاستئذان: طلب الإذن، قال تعالى: إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [التوبة/ 45] ، فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ [النور/ 62] .
و «إِذَنْ» جواب وجزاء، ومعنى ذلك أنّه يقتضي جواباً أو تقدير جواب، ويتضمن ما يصحبه من الكلام جزاءً، ومتى صدّر به الكلام وتعقّبه فعل مضارع ينصبه لا محالة، نحو: إذن أخرج، ومتى تقدّمه كلام ثم تبعه فعل مضارع يجوز نصبه ورفعه «4» أنا إذن أخرج وأخرج، ومتى تأخّر عن الفعل أو لم يكن معه الفعل المضارع لم يعمل، نحو: أنا أخرج إذن، قال تعالى: إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ [النساء/ 140] .
أذي
الأذى: ما يصل إلى الحيوان من الضرر إمّا في نفسه أو جسمه أو تبعاته دنيوياً كان أو أخروياً،
__________
(1) انظر: المجمل 1/ 91، واللسان (أذن) 13/ 10.
(2) في المخطوطة: ضامّه الفعل أم لم يضامه.
(3) ومحل هذا كتب الكلام، وتفاسير القرآن المطولة، كشرح الفقه الأكبر للقاري، وتفسير الرازي.
(4) قال ابن مالك في ألفيته:
ونصبوا بإذن المستقبلا ... إن صدّرت والفعل بعد موصلا
أو قبله اليمين وانصب وارفعا ... إذا إذن من بعد عطفٍ وقعا

(1/71)


قال تعالى: لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى [البقرة/ 264] ، قوله تعالى:
فَآذُوهُما [النساء/ 16] إشارة إلى الضرب، ونحو ذلك في سورة التوبة: وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ: هُوَ أُذُنٌ [التوبة/ 61] ، وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ [التوبة/ 61] ، ولا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى [الأحزاب/ 69] ، وَأُوذُوا حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا [الأنعام/ 34] ، وقال: لِمَ تُؤْذُونَنِي [الصف/ 5] ، وقوله: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ: هُوَ أَذىً [البقرة/ 222] ، فسمّى ذلك أذىً باعتبار الشرع وباعتبار الطب على حسب ما يذكره أصحاب هذه الصناعة.
يقال: آذَيْتُهُ أو أَذَيْتُهُ إِيذاءً وأذيّة وأذىً، ومنه:
الآذيّ، وهو الموج المؤذي لركاب البحر.

إذا
إذا يعبّر به عن كلّ زمان مستقبل، وقد يضمّن معنى الشرط فيجزم به، وذلك في الشعر أكثر، و «إذ» يعبر به عن الزمان الماضي، ولا يجازى به إلا إذا ضمّ إليه «ما» نحو: 11-
إذ ما أتيت على الرّسول فقل له
«1»

أرب
الأرب: فرط الحاجة المقتضي للاحتيال في دفعه، فكلّ أربٍ حاجة، وليس كلّ حاجة أرباً، ثم يستعمل تارة في الحاجة المفردة، وتارة في الاحتيال وإن لم يكن حاجة، كقولهم: فلان ذو أربٍ، وأريب، أي: ذو احتيال، وقد أَرِبَ إلى كذا، أي: احتاج إليه حاجةً شديدة «2» ، وقد أَرِبَ إلى كذا أَرَباً وأُرْبَةً وإِرْبَةً ومَأْرَبَةً، قال تعالى:
وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى
[طه/ 18] ، ولا أرب لي في كذا، أي: ليس بي شدة حاجة إليه، وقوله: أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ
[النور/ 31] كناية عن الحاجة إلى النكاح، وهي الأُرْبَى «3» ، للداهية المقتضية للاحتيال، وتسمّى الأعضاء التي تشتد الحاجة إليها آراباً، الواحد:
إِرْب، وذلك أنّ الأعضاء ضربان:
- ضرب أوجد لحاجة الحيوان إليه، كاليد والرجل والعين.
- وضرب للزينة، كالحاجب واللحية.
ثم التي للحاجة ضربان:
__________
(1) الشطر للصحابي العباس بن مرداس من قصيدة قالها في غزوة حنين يخاطب النبيّ صلّى الله عليه وسلم، وعجزه:
حقاً عليك إذا اطمأنّ المجلس
والبيت في شواهد سيبويه 1/ 432، وشرح الأبيات لابن السيرافي 2/ 93، والمقتضب 2/ 46، والروض الأنف 2/ 298، وخزانة الأدب 9/ 29.
(2) انظر: الأفعال 1/ 73، واللسان (أرب) 1/ 208.
(3) انظر: المجمل 1/ 94.

(1/72)


- ضرب لا تشتد الحاجة إليه.
- وضرب تشتد الحاجة إليه، حتى لو توهّم مرتفعاً لاختلّ البدن به اختلالًا عظيماً، وهي التي تسمى آراباً.
وروي أنّه عليه الصلاة والسلام قال: «إذا سجد العبد سجد معه سبعة آرابٍ: وجهه وكفّاه وركبتاه وقدماه» «1» .
ويقال: أَرَّب نصيبه، أي: عظّمه، وذلك إذا جعله قدراً يكون له فيه أرب، ومنه: أرّب ماله أي: كثّر «2» ، وأرّبت العقدة: أحكمتها «3» .

أرض
الأرض: الجرم المقابل للسماء، وجمعه أرضون، ولا تجيء مجموعةً في القرآن «4» ، ويعبّر بها عن أسفل الشيء، كما يعبر بالسماء عن أعلاه. قال الشاعر في صفة فرس:
12-
وأحمر كالديباج أمّا سماؤه ... فريّا، وأمّا أرضه فمحول
«5» وقوله تعالى: اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها [الحديد/ 17] عبارة عن كلّ تكوين بعد إفساد وعودٍ بعد بدء، ولذلك قال بعض المفسرين «6» : يعني به تليين القلوب بعد قساوتها.
ويقال: أرض أريضة، أي: حسنة النبت «7» ، وتأرّض النبت: تمكّن على الأرض فكثر، وتأرّض الجدي: إذا تناول نبت الأرض، والأَرَضَة: الدودة التي تقع في الخشب من الأرض «8» ، يقال: أُرِضَتِ الخشبة فهي مأروضة.

أريك
الأريكة: حجلة على سرير، جمعها: أرائك، وتسميتها بذلك إمّا لكونها في الأرض متّخذة من أراكٍ، وهو شجرة، أو لكونها مكانا للإقامة من قولهم: أَرَكَ بالمكان أُرُوكاً «9» .
وأصل الأروك: الإقامة على رعي الأراك، ثم تجوّز به في غيره من الإقامات.
__________
(1) الحديث أخرجه مسلم في صحيحه في باب السجود، وأحمد في مسنده 1/ 206 عن العباس، وأبو داود برقم (891) ، وأخرجه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح وعليه العمل عند أهل العلم، راجع عارضة الأحوذي 4/ 72. وانظر: فتح الباري 2/ 296.
(2) قال ابن منظور: وتأريب الشيء: توفيره، وكلّ ما وفّر فقد أرّب، وكلّ موفّرٍ مؤرّب.
(3) انظر: المجمل 1/ 93، والأفعال 1/ 73، واللسان (أرب) 1/ 211.
(4) انظر: المجمل 1/ 92.
(5) البيت لطفيل الغنوي، وهو في ملحقات شعره ص 62، وشمس العلوم 1/ 72. وعجزه في المجمل 1/ 92.
(6) وهذا قول صالح المري كما أخرجه عنه ابن المبارك في الزهد ص 88.
(7) انظر: المجمل 2/ 92، والعين 7/ 55. [.....]
(8) راجع اللسان (أرض) 7/ 113، والعين 7/ 56.
وقال الزمخشري: يقال: هو أفسد من الأرضة. راجع أساس البلاغة ص 5.
(9) انظر: الأفعال 1/ 72، والمجمل 1/ 92.

(1/73)


أرم
الإرم: علم يبنى من الحجارة، وجمعه:
آرام، وقيل للحجارة: أُرَّم.
ومنه قيل للمتغيظ: يحرق الأرم «1» ، وقوله تعالى: إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ [الفجر/ 7] إشارة إلى عمدٍ مرفوعة مزخرفة، وما بها أَرِمٌ وأَرِيمٌ، أي: أحد. وأصله اللازم للأرم، وخص به النفي، كقولهم: ما بها ديّار، وأصله للمقيم في الدار.

أزّ
قال تعالى: تَؤُزُّهُمْ أَزًّا
[مريم/ 83] أي: ترجعهم إرجاع القدر إذا أزّت، أي: اشتدّ غليانها.
وروي أنّه عليه الصلاة والسلام: «كان يصلّي ولجوفه أزيز كأزيز المرجل» «2» .
وأزّه أبلغ من هزّه.

أزر
أصل الأزر: الإزار الذي هو اللباس، يقال: إزار وإزارة ومِئْزَر، ويكنى بالإزار عن المرأة. قال الشاعر:
13-
ألا أبلغ أبا حفصٍ رسولًا ... فدىً لك من أخي ثقةٍ إزاري
«3» وتسميتها بذلك لما قال تعالى: هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ [البقرة/ 187] .
وقوله تعالى: اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي
[طه/ 31] ، أي: أتقوّى به، والأزر: القوة الشديدة، وآزره: أعانه وقوّاه، وأصله من شدّ الإزار، قال تعالى: كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ [الفتح/ 29] .
يقال: آزرته فتأزّر، أي: شددت أزره، وهو حسن الإزرة، وأزرت البناء وآزرته: قوّيت أسافله، وتأزّر النّبت: طال وقوي، وآزرته ووازرته: صرت وزيره، وأصله الواو، وفرس آزر: انتهى بياض قوائمه إلى موضع شدّ الإزار.
قال تعالى: وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ
[الأنعام/ 74] ، قيل: كان اسم أبيه تارخ فعرّب
__________
(1) قال ابن فارس: وفلان يحرق عليك الأرّم: إذا تغيّظ فحرق أنيابه، ويقال: الأرّم: الحجارة.
وقال الزمخشري: وتقول: رأيت حسّادك العرّم يحرقون عليك الأرّم. انظر: المجمل 1/ 93، وأساس البلاغة ص 5.
(2) الحديث عن عبد الله بن الشخير قال: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يصلي بنا وفي صدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء. قال ابن حجر: رواه أبو داود برقم (904) والنسائي، والترمذي في الشمائل ص 255، وإسناده قوي وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم 1/ 264، وقال: صحيح على شرط مسلم، وأقرّه الذهبي، وفي لفظ: «كأزيز الرحى» .
انظر: فتح الباري 2/ 206، ومعالم السنن 1/ 215.
(3) البيت لأبي المنهال الأشجعي واسمه بقيلة، وهو صحابي. وهو في اللسان (أزر) ، وشمس العلوم 1/ 82، وتأويل مشكل القرآن ص 265، وغريب الحديث للخطابي 2/ 101. وله قصة انظرها في اللسان.

(1/74)


فجعل آزر، وقيل: آزر معناه الضّال في كلامهم «1» .

أزف
قال تعالى: أَزِفَتِ الْآزِفَةُ
[النجم/ 57] أي: دنت القيامة. وأزف وأفد يتقاربان، لكن أزف يقال اعتباراً بضيق وقتها، ويقال: أزف الشخوص، والأَزَفُ: ضيق الوقت، وسمّيت به لقرب كونها، وعلى ذلك عبّر عنها بالسّاعة، وقيل: أَتى أَمْرُ اللَّهِ [النحل/ 1] ، فعبّر عنها بالماضي لقربها وضيق وقتها، قال تعالى:
وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ [غافر/ 18] .

أسَ
أَسَّسَ بنيانه: جعل له أُسّاً، وهو قاعدته التي يبتنى عليها، يقال: أُسٌّ وأَسَاسٌ، وجمع الأس:
إِسَاسٌ «2» ، وجمع الإساس: أُسُس، يقال: كان ذلك على أسّ الدهر «3» ، كقولهم: على وجه الدهر.
أسِف
الأَسَفُ: الحزن والغضب معاً، وقد يقال لكل واحدٍ منهما على الانفراد، وحقيقته: ثوران دم القلب شهوة الانتقام، فمتى كان ذلك على من دونه انتشر فصار غضبا، ومتى كان على من فوقه انقبض فصار حزنا، ولذلك سئل ابن عباس عن الحزن والغضب فقال: مخرجهما واحد واللفظ مختلف فمن نازع من يقوى عليه أظهره غيظاً وغضباً، ومن نازع من لا يقوى عليه أظهره حزناً وجزعاً، ا. هـ. وبهذا النظر قال الشاعر:
14-
فحزن كلّ أخي حزنٍ أخو الغضب
«4» وقوله تعالى: فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ
[الزخرف/ 55] أي: أغضبونا.
قال أبو عبد الله ابن الرضا «5» : إنّ الله لا يأسف كأسفنا، ولكن له أولياء يأسفون ويرضون، فجعل رضاهم رضاه وغضبهم غضبه، قال: وعلى ذلك قال: «من أهان لي وليّاً فقد بارزني بالمحاربة» «6» .
__________
(1) راجع اللسان (آزر) ، في آخر المادة، والتعريب والمعرّب ص 35.
(2) راجع لسان العرب (أس) 6/ 6.
(3) راجع مجمل اللغة 1/ 79.
(4) العجز في البصائر 2/ 185، والذريعة إلى مكارم الشريعة ص 167، والدر المصون 5/ 466، دون نسبة فيهم.
وشطره:
جزاك ربّك بالإحسان مغفرةً
وهو لأبي الطيب المتنبي في ديوانه 1/ 94، والوساطة ص 381.
(5) علي الرضا بن موسى الكاظم، أحد الأئمة الاثني عشرية، توفي سنة 254 هـ، وابنه محمد. راجع أخباره في وفيات الأعيان 3/ 269. وسير النبلاء 9/ 393.
(6) الحديث بهذا اللفظ مروي عن عائشة عن النبي صلّى الله عليه وسلم. أخرجه ابن عدي في الكامل 5/ 1939 وفيه عبد الواحد بن ميمون، قال عنه البخاري: منكر الحديث، وضعّفه الدارقطني. وانظر: كنز العمال 1/ 59. وأخرج البخاري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «إنّ الله قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب» وانظر: فتح الباري 11/ 340 باب التواضع.

(1/75)


وقال تعالى: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ [النساء/ 80] .
وقوله تعالى: غَضْبانَ أَسِفاً
[الأعراف/ 150] ، والأسيف: الغضبان، ويستعار للمستخدم المسخّر، ولمن لا يكاد يسمّى، فيقال: هو أسيف.

أسر
الأَسْر: الشدّ بالقيد، من قولهم: أسرت القتب، وسمّي الأسير بذلك، ثم قيل لكلّ مأخوذٍ ومقيّد وإن لم يكن مشدوداً ذلك «1» .
وقيل في جمعه: أَسَارَى وأُسَارَى وأَسْرَى، وقال تعالى: وَيَتِيماً وَأَسِيراً [الإنسان/ 8] .
ويتجوّز به فيقال: أنا أسير نعمتك، وأُسْرَة الرجل: من يتقوّى به. قال تعالى: وَشَدَدْنا أَسْرَهُمْ [الإنسان/ 28] إشارة إلى حكمته تعالى في تراكيب الإنسان المأمور بتأمّلها وتدبّرها في قوله تعالى: وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ [الذاريات/ 21] . والأَسْر: احتباس البول، ورجل مَأْسُور:
أصابه أسر، كأنه سدّ منفذ بوله، والأسر في البول كالحصر في الغائط.
أسِن
يقال: أَسِنَ الماء يَأْسَنُ، وأَسَنَ يَأْسُنُ «2» : إذا تغيّر ريحه تغيّراً منكراً، وماء آسن، قال تعالى:
مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ [محمد/ 15] ، وأسن الرجل: مرض، من: أسن الماء، إذا غشي عليه «3» ، قال الشاعر:
15-
يميد في الرّمح ميد المائح الأسن
«4» وقيل: تَأَسَّن الرجل إذا اعتلّ تشبيهاً به.

أسَا
الأُسْوَة والإِسْوَةُ كالقدوة والقدوة، وهي الحالة التي يكون الإنسان عليها في اتباع غيره إن حسنا وإن قبيحا، وإن سارّا وإن ضارّا، ولهذا قال تعالى: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب/ 21] ، فوصفها بالحسنة،
__________
(1) انظر: المجمل 1/ 97.
(2) انظر: المجمل 1/ 96، والأفعال 1/ 66- 106، وتهذيب اللغة 3/ 275.
(3) أسن الرجل: غشي عليه من خبث ريح البئر. انظر: اللسان، والعين 7/ 307. [.....]
(4) العجز لزهير، وصدره:
التارك القرن مصفرا أنامله
وهو في ديوانه ص 105، والأفعال 1/ 106، وتهذيب اللغة 13/ 84، واللسان (أسن) ، والجمهرة 3/ 275.

(1/76)


ويقال: تَأَسَّيْتُ به، والأَسَى: الحزن. وحقيقته:
إتباع الفائت بالغم، يقال: أَسَيْتُ عليه وأَسَيْتُ له، قال تعالى: فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ [المائدة/ 68] ، وقال الشاعر:
16-
أسيت لأخوالي ربيعة
«1» وأصله من الواو، لقولهم: رجل أَسْوَان «2» ، أي: حزين، والأَسْوُ: إصلاح الجرح، وأصله:
إزالة الأسى، نحو: كربت النخل: أزلت الكرب عنه، وقد أَسَوْتُهُ آسُوهُ أَسْواً، والآسِي: طبيب الجرح، جمعه: إِسَاة وأُسَاة، والمجروح مَأْسِيٌّ وأَسِيٌّ معا، ويقال: أَسَيْتُ بين القوم، أي:
أصلحت «3» ، وآسَيْتُهُ. قال الشاعر:
17-
آسى أخاه بنفسه
«4» وقال آخر:
18-
فآسى وآداه فكان كمن جنى
«5» وآسي هو فاعل من قولهم: يواسي، وقول الشاعر:
19-
يكفون أثقال ثأي المستآسي
«6» فهو مستفعل من ذلك، فأمّا الإساءة فليست من هذا الباب، وإنما هي منقولة عن ساء.

أشر
الأَشَرُ: شدّة البطر، وقد أَشِرَ «7» يَأْشَرُ أَشَراً، قال تعالى: سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ [القمر/ 26] ، فالأشر أبلغ من البطر، والبطر أبلغ من الفرح، فإنّ الفرح- وإن كان في
__________
(1) الشطر للبحتري، وتمام البيت:
أسيت لأخوالي ربيعة أن عفت ... مصايفها منها، وأقوت ربوعها
وهو في زهر الآداب 1/ 112، وديوانه 1/ 10 من قصيدة يمدح بها أمير المؤمنين المتوكل، ومطلعها:
منى النفس في أسماء لو يستطيعها ... بها وجدها من غادة وولوعها
(2) قال الخليل: ويجوز في الوحدان: أسيان وأسوان، انظر العين 7/ 332.
(3) انظر: المجمل 1/ 96.
(4) الشطر لدريد بن الصمة يرثي أخاه عبد الله، وتمام البيت:
طعان امرئ آسى أخاه بنفسه ... ويعلم أنّ المرء غير مخلّد
وهو في ديوانه ص 49.
(5) هذا عجز بيت، وشطره:
ولم يجنها لكن جناها وليّه
وهو لسويد المراثد الحارثي، وهو في شرح الحماسة للتبريزي 2/ 165، والكامل للمبرد 2/ 271.
قوله: آداه: أعانه، ويجوز أن يكون من الأداة، أي: جعل له أداة الحرب وعدتها.
(6) لم أجده.
(7) يقال: أشر وأشر بالفتح والكسر، والمعنى مختلف، انظر: الأفعال 1/ 103.

(1/77)


أغلب أحواله مذموما لقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ [القصص/ 76]- فقد يحمد تارة إذا كان على قدر ما يجب، وفي الموضع الذي يجب، كما قال تعالى: فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا [يونس/ 58] وذلك أنّ الفرح قد يكون من سرور بحسب قضية العقل، والأَشَرُ لا يكون إلا فرحا بحسب قضية الهوى، ويقال: ناقة مِئْشِير «1» ، أي: نشيطة على طريق التشبيه، أو ضامر من قولهم: أشرت الخشبة «2» .

أصر
الأَصْرُ: عقد الشيء وحبسه بقهره، يقال:
أَصَرْتُهُ فهو مَأْصُورٌ، والمَأْصَرُ والمَأْصِرُ: محبس السفينة. قال الله تعالى: وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ
[الأعراف/ 157] أي: الأمور التي تثبطهم وتقيّدهم عن الخيرات وعن الوصول إلى الثواب، وعلى ذلك: وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً [البقرة/ 286] ، وقيل: ثقلا «3» . وتحقيقه ما ذكرت، والإِصْرُ: العهد المؤكّد الذي يثبّط ناقضه عن الثواب والخيرات، قال تعالى:
أَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي [آل عمران/ 81] .
الإصار: الطّنب والأوتاد التي بها يعمد البيت، وما يَأْصِرُنِي عنك شيء، أي: ما يحبسني.
والأَيْصَرُ «4» : كساء يشدّ فيه الحشيش فيثنى على السنام ليمكن ركوبه.

أصبع
الإصبع «5» : اسم يقع على السلامي والظفر والأنملة والأطرة والبرجمة معا، ويستعار للأثر الحسيّ فيقال: لك على فلان إصبع «6» ، كقولك: لك عليه يد.

أصل
بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ
[الأعراف/ 205] أي:
العشايا، يقال للعشية: أَصِيل وأَصِيلَة، فجمع الأصيل أُصُل وآصَال، وجمع الأصيلة: أَصَائِل، وقال تعالى: بُكْرَةً وَأَصِيلًا [الفتح/ 9] .
__________
(1) يقال: رجل مئشير وامرأة مئشير، وناقة مئشير وجواد مئشير، يستوي فيه المذكر والمؤنث. انظر: اللسان (أشر) .
(2) أشر الخشبة: شقّها.
(3) انظر: العين 7/ 147.
(4) وفي اللسان (الأيصر) : حبيل صغير قصير يشدّ به أسفل الخباء إلى وتد.
(5) وقد نظم ابن مالك لغات الإصبع فقال:
تثليث با إصبع مع شكل همزته ... بغير قيد مع الأصبوع قد نقلا
[استدراك] انظر: التسهيل ص 35. وكان القياس أن تذكر في مادة صبغ لأن الهمزة زائدة.
(6) وفي اللسان: يقال: فلان من الله عليه إصبع حسنة، أي: أثر نعمة حسنة، وعليه منك إصبع حسنة، أي: أثر حسن. [.....]

(1/78)


وأَصْلُ الشيء: قاعدته التي لو توهّمت مرتفعة لارتفع بارتفاعه سائره لذلك، قال تعالى:
أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ [إبراهيم/ 24] ، وقد تَأَصَّلَ كذا وأَصَّلَهُ، ومجد أصيل، وفلان لا أصل له ولا فصل.

أفّ
أصل الأُفِّ: كل مستقذر من وسخ وقلامة ظفر وما يجري مجراها، ويقال ذلك لكل مستخف به استقذارا له، نحو: أُفٍّ لَكُمْ وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ [الأنبياء/ 67] ، وقد أَفَّفْت لكذا: إذا قلت ذلك استقذارا له، ومنه قيل للضجر من استقذار شيء: أفّف فلان.

أفق
قال تعالى: سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ
[فصلت/ 53] أي: في النواحي، والواحد: أُفُق وأفق «1» ، ويقال في النسبة إليه: أُفُقِيّ، وقد أَفَقَ فلان: إذا ذهب في الآفاق، وقيل: الآفِقُ للذي يبلغ النهاية في الكرم تشبيها بالأفق الذاهب في الآفاق.

أفك
الإفك: كل مصروف عن وجهه الذي يحق أن يكون عليه، ومنه قيل للرياح العادلة عن المهابّ: مُؤْتَفِكَة. قال تعالى: وَالْمُؤْتَفِكاتُ بِالْخاطِئَةِ [الحاقة/ 9] ، وقال تعالى:
وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوى [النجم/ 53] ، وقوله تعالى: قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ [التوبة/ 30] أي: يصرفون عن الحق في الاعتقاد إلى الباطل، ومن الصدق في المقال إلى الكذب، ومن الجميل في الفعل إلى القبيح، ومنه قوله تعالى: يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ [الذاريات/ 9] ، فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ [الأنعام/ 95] ، وقوله تعالى: أَجِئْتَنا لِتَأْفِكَنا عَنْ آلِهَتِنا [الأحقاف/ 22] ، فاستعملوا الإفك في ذلك لمّا اعتقدوا أنّ ذلك صرف من الحق إلى الباطل، فاستعمل ذلك في الكذب لما قلنا، وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ [النور/ 11] ، وقال: لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ
[الجاثية/ 7] ، وقوله: أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ [الصافات/ 86] فيصح أن يجعل تقديره:
أتريدون آلهة من الإفك «2» ، ويصح أن يجعل «إفكا» مفعول «تريدون» ، ويجعل آلهة بدل منه، ويكون قد سمّاهم إفكا. ورجل مَأْفُوك: مصروف عن الحق إلى الباطل، قال الشاعر:
__________
(1) قال في اللسان: الأفق والأفق مثل عسر وعسر.
(2) قال الزمخشري: «أإفكا» مفعول له، تقديره: أتريدون آلهة من دون الله إفكا، وإنما قدّم المفعول على الفعل للعناية، وقدّم المفعول به لأنه كان الأهم عنده أن يكافحهم بأنهم على إفك وباطل في شركهم. ويجوز أن يكون إِفْكاً مفعولا، يعني: أتريدون به إفكا، ثم فسّر الإفك بقوله آلهة من دون الله على أنها إفك في أنفسها.

(1/79)


20-
فإن تك عن أحسن المروءة مأفو ... كا ففي آخرين قد أفكوا «1»
وأُفِكَ يُؤْفَكُ: صرف عقله، ورجل مَأْفُوكُ العقل.

أفل
الأُفُول: غيبوبة النّيّرات كالقمر والنجوم، قال تعالى: فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ
[الأنعام/ 78] ، وقال: فَلَمَّا أَفَلَتْ [الأنعام/ 76] ، والإِفَال «2» : صغار الغنم، والأَفِيل: الفصيل الضئيل.

أكل
الأَكْل: تناول المطعم، وعلى طريق التشبيه قيل: أكلت النار الحطب، والأُكْل لما يؤكل، بضم الكاف وسكونه، قال تعالى: أُكُلُها دائِمٌ
[الرعد/ 35] ، والأَكْلَة للمرّة، والأُكْلَة كاللقمة، وأَكِيلَةُ الأسد: فريسته التي يأكلها، والأَكُولَةُ «3» من الغنم ما يؤكل، والأَكِيل:
المؤاكل.
وفلان مُؤْكَلٌ ومُطْعَمٌ استعارة للمرزوق، وثوب ذو أُكْلٍ: كثير الغزل «4» كذلك، والتمر مَأْكَلَةٌ للفم، قال تعالى: ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ [سبأ/ 16] ، ويعبّر به عن النصيب فيقال: فلان ذو أكل من الدنيا «5» ، وفلان استوفى أكله، كناية عن انقضاء الأجل، وأَكَلَ فلانٌ فلاناً: اغتابه، وكذا:
أكل لحمه.
قال تعالى: أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً [الحجرات/ 12] ، وقال الشاعر:
21-
فإن كنت مأكولا فكن أنت آكلي
«6» وما ذقت أَكَالًا، أي: شيئا يؤكل، وعبّر بالأكل عن إنفاق المال لمّا كان الأكل أعظم ما يحتاج فيه إلى المال، نحو: وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ [البقرة/ 188] ، وقال: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً [النساء/ 10] ، فأكل المال بالباطل صرفه إلى ما ينافيه الحق، وقوله تعالى: إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً [النساء/ 10] ، تنبيها على أنّ تناولهم لذلك يؤدي بهم إلى النار.
والأَكُول والأَكَّال: الكثير الأكل، قال تعالى:
__________
(1) البيت لعروة بن أذينة، وهو في ديوانه ص 343، والمجمل 1/ 99، وشمس العلوم 1/ 93، والمشوف المعلم 1/ 73، واللسان (أفك) ، والصحاح (أفك) ، والأفعال 1/ 107.
(2) الإفال: صغار الإبل، انظر: اللسان (أفل) ، والمجمل 1/ 99.
(3) قال ابن منظور: الأكولة: الشاة تعزل للأكل وتسمّن، ويكره للمصدّق أخذها.
(4) في اللسان: ثوب ذو أكل: قويّ صفيق كثير الغزل.
(5) وفلان ذو أكل إذا كان ذا حظّ من الدنيا ورزق واسع.
(6) الشطر للممزّق العبدي، شاعر جاهلي، وعجزه:
وإلا فأدركني ولمّا أمزق
وهو في الأصمعيات ص 166، والمجمل 1/ 100، وغريب الحديث 3/ 429، واللسان (أكل) .

(1/80)


أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ [المائدة/ 42] .
والأَكَلَة: جمع آكِل، وقولهم: هم أَكَلَةُ رأس عبارة عن ناس من قلّتهم يشبعهم رأس.
وقد يعبّر بالأَكْلِ عن الفساد، نحو: كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ
[الفيل/ 5] ، وتَأَكَّلَ كذا: فسد، وأصابه إِكَالٌ في رأسه وفي أسنانه، أي: تأكّل، وأكلني رأسي.
وميكائيل ليس بعربيّ.

ألإلّ
الإلّ كل حالة ظاهرة من عهد حلف وقرابة تئلّ:
تلمع، فلا يمكن إنكاره. قال تعالى: لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلا ذِمَّةً [التوبة/ 10] ، وأَلَّ الفرس، أي: أسرع. حقيقته: لمع، وذلك استعارة في باب الإسراع، نحو: برق وطار.
والأَلَّة «1» : الحربة اللامعة، وأَلَّ بها: ضرب، وقيل: إلّ وإيل اسم الله تعالى، وليس ذلك بصحيح، وأذن مُؤَلَّلَة «2» ، والأَلَالان «3» : صفحتا السكين.

ألف
الأَلِفُ من حروف التهجي، والإِلْفُ: اجتماع مع التئام، يقال: أَلَّفْتُ بينهم، ومنه: الأُلْفَة ويقال للمألوف: إِلْفٌ وأَلِيفٌ. قال تعالى: إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ [آل عمران/ 103] ، وقال: لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ [الأنفال/ 63] .
والمُؤَلَّف: ما جمع من أجزاء مختلفة، ورتّب ترتيبا قدّم فيه ما حقه أن يقدّم، وأخّر فيه ما حقّه أن يؤخّر. ولِإِيلافِ قُرَيْشٍ
[قريش/ 1] مصدر من آلف «4» .
والمؤلَّفة قلوبهم «5» : هم الذين يتحرى فيهم بتفقدهم أن يصيروا من جملة من وصفهم الله، لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ [الأنفال/ 63] ، وأو الف الطير: ما ألفت الدار.
__________
(1) قال ابن منظور: والألّة: الحربة العظيمة النصل، سميت بذلك لبريقها ولمعانها.
(2) وأذن مؤلّلة: محدّدة منصوبة ملطّفة.
(3) الألل والألالان: وجها السّكين. قال ابن مالك في مثلّثه:
وصفحة الشيء العريض الألل ... كذاك صوت الثكل، أمّا الإلل
فهي القرابات، وأمّا الألل ... فجمع ألّة بلا استصعاب
(4) قال ابن الأنباري: من قرأ «لإلافهم» و «إلفهم» فهو من: ألف يألف، ومن قرأ: «لإيلافهم» فهو من: آلف يؤلف، انظر: اللسان (ألف) .
(5) والمؤلفة قلوبهم قوم من سادات العرب أمر الله تعالى نبيّه في أول الإسلام بتألفهم، أي: بمقاربتهم وإعطائهم ليرغّبوا من وراءهم في الإسلام، فلا تحملهم الحمية مع ضعف نياتهم على أن يكونوا إلبا مع الكفار على المسلمين.

(1/81)


والأَلْفُ: العدد المخصوص، وسمّي بذلك لكون الأعداد فيه مؤتلفة، فإنّ الأعداد أربعة:
آحاد وعشرات ومئات وألوف، فإذا بلغت الألف فقد ائتلفت، وما بعده يكون مكررا. قال بعضهم: الألف من ذلك، لأنه مبدأ النظام، وقيل: آلَفْتُ الدراهم، أي: بلغت بها الألف، نحو ماءيت، وآلفت «1» هي نحو أمأت.

ألك
الملائكة، ومَلَك أصله: مألك، وقيل: هو مقلوب عن ملأك، والمَأْلَك والمَأْلَكَة والأَلُوك:
الرسالة، ومنه: أَلَكَنِي إليه، أي: أبلغه رسالتي، والملائكة تقع على الواحد والجمع.
قال تعالى: اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا [الحج/ 75] .
قال الخليل «2» : المَأْلُكة: الرسالة، لأنها تؤلك في الفم، من قولهم: فرس يَأْلُكُ اللّجام أي: يعلك.

ألم
الأَلَمُ الوجع الشديد، يقال: أَلَمَ يَأْلَمُ أَلَماً فهو آلِمٌ.
قال تعالى: فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ [النساء/ 104] ، وقد آلمت فلانا، وعذاب أليم، أي: مؤلم. وقوله: لَمْ يَأْتِكُمْ
[الأنعام/ 130] فهو ألف الاستفهام، وقد دخل على «لم» .

أله
الله: قيل: أصله إله فحذفت همزته، وأدخل عليها الألف واللام، فخصّ بالباري تعالى، ولتخصصه به قال تعالى: هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا [مريم/ 65] . وإله جعلوه اسما لكل معبود لهم، وكذا اللات، وسمّوا الشمس إِلَاهَة «3» لاتخاذهم إياها معبودا.
وأَلَهَ فلان يَأْلُهُ الآلهة: عبد، وقيل: تَأَلَّهَ.
فالإله على هذا هو المعبود «4» .
__________
(1) أألفت: بلغت ألفا، وذلك أنّ صيغة أفعل تأتي للبلوغ عدديا كان أو زمانيا أو مكانيا.
وفي ذلك يقول شيخنا العلامة أحمد بن محمد حامد الحسني الشنقيطي حفظه الله:
أفعل للبلوغ في الزمان ... كذاك في القدر وفي المكان
مثاله: أمأت دراهم عمر ... أصبح أنجد لكي يلقى الزّمر
وقال ابن منظور: وألّف العدد وآلفه: جعله ألفا، وآلفوا: صاروا ألفا. [.....]
(2) العين 5/ 409.
(3) وقال في ذلك ابن مالك في مثلّثه:
والشمس سمّاها صدوق النبأة ... إلاهة واضممه للإضراب
(4) وفي ذلك يقول الفقيه محمد سيد بن أبت اليعقوبي الشنقيطي رحمه الله:
الله مشتق وقيل: مرتجل ... وهو أعرف المعرّفات جل
أله أي: عبد، أو من الأله ... وهو اعتماد الخلق أو من الوله
أو المحجّب عن العيان ... من: لاهت العروس في البنيان
أو أله الحيران من قول العرب ... أو من: ألهت، أي: سكنت للأرب.

(1/82)


وقيل: هو من: أَلِهَ، أي: تحيّر، وتسميته بذلك إشارة إلى ما قال أمير المؤمنين عليّ رضي الله عنه: (كلّ دون صفاته تحبير الصفات، وضلّ هناك تصاريف اللغات) وذلك أنّ العبد إذا تفكّر في صفاته تحيّر فيها، ولهذا روي: «تفكّروا في آلاء الله ولا تفكّروا في الله» «1» .
وقيل: أصله: ولاه، فأبدل من الواو همزة، وتسميته بذلك لكون كل مخلوق والها نحوه، إمّا بالتسخير فقط كالجمادات والحيوانات، وإمّا بالتسخير والإرادة معا كبعض الناس، ومن هذا الوجه قال بعض الحكماء: الله محبوب الأشياء كلها «2» ، وعليه دلّ قوله تعالى: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ [الإسراء/ 44] .
وقيل: أصله من: لاه يلوه لياها، أي:
احتجب. قالوا: وذلك إشارة إلى ما قال تعالى:
لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ [الأنعام/ 103] ، والمشار إليه بالباطن في قوله:
وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ [الحديد/ 3] . وإِلَهٌ حقّه ألا يجمع، إذ لا معبود سواه، لكن العرب لاعتقادهم أنّ هاهنا معبودات جمعوه، فقالوا: الآلهة. قال تعالى: أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنا [الأنبياء/ 43] ، وقال:
وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ [الأعراف/ 127] وقرئ:
(وإلاهتك) «3» أي: عبادتك. ولاه أنت، أي:
لله، وحذف إحدى اللامين.
«اللهم» قيل: معناه: يا الله، فأبدل من الياء في أوله الميمان في آخره «4» ، وخصّ بدعاء الله، وقيل: تقديره: يا الله أمّنا بخير «5» ، مركّب تركيب حيّهلا.
إلى
إلى: حرف يحدّ به النهاية من الجوانب الست، وأَلَوْتُ في الأمر: قصّرت فيه، هو منه، كأنه رأى فيه الانتهاء، وأَلَوْتُ فلانا، أي: أوليته تقصيرا نحو: كسبته، أي: أوليته كسبا، وما ألوته جهدا، أي: ما أوليته تقصيرا بحسب الجهد، فقولك: «جهدا» تمييز، وكذلك: ما ألوته نصحا. وقوله تعالى: لا يَأْلُونَكُمْ خَبالًا
[آل
__________
(1) الحديث رواه أبو نعيم في الحلية عن ابن عباس بلفظ: «تفكروا في خلق الله ولا تفكروا في الله» ورواه ابن أبي شيبة في كتاب العرش ص 59 من قوله عن ابن عباس بلفظ: «تفكروا في كل شيء ولا تتفكروا في الله» .
وجاء أحاديث كثيرة بمعناها قال العجلوني: وأسانيدها ضعيفة لكن اجتماعها يكسبه قوة، ومعناه صحيح.
راجع: كشف الخفاء 1/ 311، والنهاية في غريب الحديث 1/ 63.
(2) انظر: عمدة الحفاظ: (أله) .
(3) وبها قرأ عليّ بن أبي طالب وابن عباس والضحاك، وهي قراءة شاذة، راجع: القرطبي 7/ 262.
(4) وهذا قول الخليل رحمه الله، انظر: اللسان (أله) ، ومعاني الفراء 1/ 203، والغريبين للهروي 1/ 79.
(5) وهذا قول الفراء، ذكره في معاني القرآن 1/ 203.

(1/83)


عمران/ 118] منه، أي: لا يقصّرون في جلب الخبال، وقال تعالى: وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ
[النور/ 22] قيل: هو يفتعل من ألوت، وقيل: هو من: آليت: حلفت. وقيل: نزل ذلك في أبي بكر، وكان قد حلف على مسطح أن يزوي عنه فضله «1» .
وردّ هذا بعضهم بأنّ افتعل قلّما يبنى من «أفعل» ، إنما يبنى من «فعل» ، وذلك مثل:
كسبت واكتسبت، وصنعت واصطنعت، ورأيت وارتأيت.
وروي: «لا دريت ولا ائتليت» «2» وذلك:
افتعلت من قولك: ما ألوته شيئا، كأنه قيل: ولا استطعت.
وحقيقة الإيلاء والأليّة: الحلف المقتضي لتقصير في الأمر الذي يحلف عليه. وجعل الإيلاء في الشرع للحلف المانع من جماع المرأة، وكيفيته وأحكامه مختصة بكتب الفقه.
فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ
[الأعراف/ 69] أي:
نعمه، الواحد: ألًا وإِلًى، نحو أناً وإنًى لواحد الآناء. وقال بعضهم في قوله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ [القيامة/ 22- 23] :
إنّ معناه: إلى نعمة ربها منتظرة، وفي هذا تعسف من حيث البلاغة «3» .
و «أَلَا» للاستفتاح، و «إِلَّا» للاستثناء، وأُولَاءِ في قوله تعالى: ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ [آل عمران/ 119] وقوله: أولئك: اسم مبهم موضوع للإشارة إلى جمع المذكر والمؤنث، ولا واحد له من لفظه، وقد يقصر نحو قول الأعشى:
22-
هؤلا ثم هؤلا كلّا أع ... طيت نوالا محذوّة بمثال «4»
__________
(1) وأخرج هذا البخاري في التفسير 8/ 455 ومسلم برقم 2770.
(2) وهذه الرواية هي التي صوّبها ابن الأنباري وقال: «ولا تليت» خطأ. راجع الغريبين 1/ 81 والحديث أخرجه البخاري ومسلم والنسائي وأحمد. وفي البخاري عن أنس أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «....، وأمّا الكافر أو المنافق فيقول لا أدري كنت أقول ما يقول الناس فيه، فيقال: لا دريت ولا تليت، ثم يضرب بمطرقة من حديد ضربة بين أذنيه فيصيح صيحة يسمعها من يليه إلا الثقلين» .
انظر فتح الباري 3/ 232، ومسلم في الجنة ونعيمها، باب عرض مقعد الميت (2870) ، وانظر: شرح السنة 5/ 415، والترغيب والترهيب 4/ 185، والمسند 3/ 126.
والرواية التي ذكرها المؤلف حكاها ابن قتيبة عن يونس بن حبيب، وحكي ذلك عن الأصمعي وبه جزم الخطابي.
وقال ابن السكيت: قوله: «ولا تليت» إتباع ولا معنى لها.
(3) وهذا قول المعتزلة قدّروا ذلك لأنهم ينفون رؤية الله تعالى، والمؤلّف يردّ قولهم.
(4) البيت في ديوانه من قصيدة يمدح بها الأسود بن المنذر اللخمي، مطلعها:
ما بكاء الكبير بالأطلال ... وسؤالي فهل يردّ سؤالي
انظر: ديوانه ص 167، وتفسير القرطبي 1/ 284.

(1/84)


أمّ
الأُمُّ بإزاء الأب، وهي الوالدة القريبة التي ولدته، والبعيدة التي ولدت من ولدته.
ولهذا قيل لحوّاء: هي أمنا، وإن كان بيننا وبينها وسائط. ويقال لكل ما كان أصلا لوجود شيء أو تربيته أو إصلاحه أو مبدئه أمّ، قال الخليل: كلّ شيء ضمّ إليه سائر ما يليه يسمّى أمّا «1» ، قال تعالى: وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ [الزخرف/ 4] «2» أي: اللوح المحفوظ وذلك لكون العلوم كلها منسوبة إليه ومتولّدة منه. وقيل لمكة أم القرى، وذلك لما روي: (أنّ الدنيا دحيت من تحتها) «3» ، وقال تعالى: لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها [الأنعام/ 92] ، وأمّ النجوم: المجرّة «4» . قال: 23-
بحيث اهتدت أمّ النجوم الشوابك
«5» وقيل: أم الأضياف وأم المساكين «6» ، كقولهم: أبو الأضياف «7» ، ويقال للرئيس: أمّ الجيش كقول الشاعر:
24-
وأمّ عيال قد شهدت نفوسهم
«8» وقيل لفاتحة الكتاب: أمّ الكتاب لكونها مبدأ الكتاب، وقوله تعالى: فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ
[القارعة/ 9] أي: مثواه النار فجعلها أمّا له، قال: وهو نحو مَأْواكُمُ النَّارُ [الحديد/ 15] ، وسمّى الله تعالى أزواج النبيّ صلّى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين فقال: وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ [الأحزاب/ 6] لما تقدّم في الأب، وقال: ابْنَ أُمَ
[طه/ 94] ولم يقل: ابن أب، ولا أمّ له يقال على سبيل الذم، وعلى سبيل المدح،
__________
(1) من أول الباب إلى هاهنا نقله الفيروزآبادي حرفيا في البصائر 2/ 111، وانظر العين 8/ 433.
(2) وانظر: المخصص 13/ 181. [.....]
(3) وهذا مرويّ عن قتادة كما أخرجه عنه عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر. راجع الدر المنثور 3/ 316.
أخرجه عبد الرزاق في المصنف 5/ 28، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة، وهو صحابي، وابن جرير 1/ 548 من كلام ابن عباس.
(4) راجع: الجمهرة 1/ 20، واللسان (أمم) 12/ 32.
(5) هذا عجز بيت لتأبّط شرّا، وصدره:
يرى الوحشة الأنس الأنيس ويهتدي
وهو في ديوانه ص 156، والجمهرة 1/ 11، وشرح الحماسة للتبريزي 1/ 49، والمخصص 13/ 181.
(6) وأمّ المساكين كنية زينب بنت خزيمة أمّ المؤمنين رضي الله عنها، سميت بذلك لكثرة معروفها. راجع سير أعلام النبلاء 2/ 218.
(7) أبو الأضياف هو إبراهيم الخليل عليه السلام، فهو أول من أضاف الضيف.
(8) الشطر للشنفرى، وعجزه:
إذا أطعمتهم أو تحت وأقلّت
وهو في الجمهرة 1/ 21، والمفضليات ص 110، واللسان (أمم) .

(1/85)


وكذا قوله: ويل أمّه «1» ، وكذا: هوت أمّه «2» والأمّ قيل: أصله: أمّهة، لقولهم جمعا: أمهات، وفي التصغير: أميهة «3» .
وقيل: أصله من المضاعف لقولهم: أمّات وأميمة. قال بعضهم: أكثر ما يقال أمّات في البهائم ونحوها، وأمهات في الإنسان.
والأُمّة: كل جماعة يجمعهم أمر ما إمّا دين واحد، أو زمان واحد، أو مكان واحد سواء كان ذلك الأمر الجامع تسخيرا أو اختيارا، وجمعها:
أمم، وقوله تعالى: وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ [الأنعام/ 38] أي: كل نوع منها على طريقة قد سخرها الله عليها بالطبع، فهي من بين ناسجة كالعنكبوت، وبانية كالسّرفة «4» ، ومدّخرة كالنمل ومعتمدة على قوت وقته كالعصفور والحمام، إلى غير ذلك من الطبائع التي تخصص بها كل نوع.
وقوله تعالى: كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً [البقرة/ 213] أي: صنفا واحدا وعلى طريقة واحدة في الضلال والكفر، وقوله: وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً [هود/ 118] أي: في الإيمان، وقوله: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ [آل عمران/ 104] أي: جماعة يتخيّرون العلم والعمل الصالح يكونون أسوة لغيرهم، وقوله: إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ [الزخرف/ 22] أي: على دين مجتمع. قال:
25-
وهل يأثمن ذو أمّة وهو طائع
«5» وقوله تعالى: وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ [يوسف/ 45] أي: حين، وقرئ (بعد أمه) «6» أي: بعد نسيان. وحقيقة ذلك: بعد انقضاء أهل عصر أو أهل دين.
وقوله: إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ [النحل/ 120] أي: قائما مقام جماعة في عبادة الله، نحو قولهم: فلان في نفسه قبيلة. وروي:
«أنه يحشر زيد بن عمرو بن نفيل أمّة وحده» «7» .
__________
(1) قال ابن منظور: وقوله: ويل أمّه فهو مدح خرج بلفظ الذم.
(2) قال ابن بري: قوله: هوت أمّه يستعمل على جهة التعجب كقولهم: قاتله الله ما أسمعه!.
(3) لأنّ الجمع والتصغير يردّان الأشياء لأصولها، فأصلها هاء على هذا. وهذا قول الخليل في العين 8/ 424.
(4) هي دويبّة غبراء تبني بيتا حسنا تكون فيه، وهي التي يضرب بها المثل فيقال: أصنع من سرفة.
(5) هذا عجز بيت للنابغة الذبياني، وصدره:
حلفت فلم أترك لنفسك ريبة
وهو في ديوانه ص 81، والغريبين 1/ 93، واللسان (أمم) .
(6) وهي مروية عن شبيل بن عزرة الضبعي، وهي قراءة شاذة. راجع القرطبي 9/ 201، وإعراب القرآن للنحاس 2/ 143.
(7) الحديث في مسند الطيالسي ص 32 عن سعيد بن زيد أنه قال للنبيّ صلّى الله عليه وسلم: إنّ أبي كان كما رأيت وكما بلغك فاستغفر له، قال: «نعم فإنه يبعث يوم القيامة أمة وحده» . راجع الإصابة 1/ 70، وأخرجه أبو يعلى، وإسناده حسن، انظر:
مجمع الزوائد 9/ 420.

(1/86)


وقوله تعالى: لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ [آل عمران/ 113] أي: جماعة، وجعلها الزجاج هاهنا للاستقامة، وقال: تقديره:
ذو طريقة واحدة «1» ، فترك الإضمار أولى.
والأُمِّيُّ: هو الذي لا يكتب ولا يقرأ من كتاب، وعليه حمل: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ [الجمعة/ 2] قال قطرب: الأُمِّيَّة: الغفلة والجهالة، فالأميّ منه، وذلك هو قلة المعرفة، ومنه قوله تعالى:
وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلَّا أَمانِيَّ [البقرة/ 78] أي: إلا أن يتلى عليهم.
قال الفرّاء: هم العرب الذين لم يكن لهم كتاب، والنَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ [الأعراف/ 157] قيل: منسوب إلى الأمّة الذين لم يكتبوا، لكونه على عادتهم كقولك: عامّي، لكونه على عادة العامّة، وقيل: سمي بذلك لأنه لم يكن يكتب ولا يقرأ من كتاب، وذلك فضيلة له لاستغنائه بحفظه، واعتماده على ضمان الله منه بقوله: سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى [الأعلى/ 6] . وقيل: سمّي بذلك لنسبته إلى أمّ القرى.
والإِمام: المؤتمّ به، إنسانا كأن يقتدى بقوله أو فعله، أو كتابا، أو غير ذلك محقّا كان أو مبطلا، وجمعه: أئمة. وقوله تعالى: يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ [الإسراء/ 71] أي: بالذي يقتدون به، وقيل: بكتابهم «2» ، وقوله:
وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً [الفرقان/ 74] . قال أبو الحسن: جمع آم «3» ، وقال غيره: هو من باب درع دلاص، ودروع دلاص «4» ، وقوله:
وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً
[القصص/ 5] وقال:
وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ [القصص/ 41] جمع إمام.
وقوله تعالى: وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ [يس/ 12] فقد قيل: إشارة إلى اللوح المحفوظ، والأَمُّ: القصد المستقيم، وهو التوجه نحو مقصود، وعلى ذلك: وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ
[المائدة/ 2] وقولهم: أَمَّهُ: شجّه، فحقيقته إنما هو أن يصيب أمّ دماغه، وذلك على حدّ ما يبنون من إصابة الجارحة لفظ فعلت منه «5» ، وذلك نحو: رأسته، ورجلته، وكبدته،
__________
(1) معاني القرآن 1/ 458. [.....]
(2) انظر: الغريبين 1/ 95.
(3) أبو الحسن الأخفش، وقال: الإمام هاهنا جماعة، كما قال: فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي راجع: معاني القرآن للأخفش 2/ 423.
(4) قال في اللسان: ودرع دلاص: برّاقة ملساء لينة، والجمع دلص، وقد يكون الدلاص جمعا مكسّرا.
ويقال: درع دلاص، وأدرع دلاص، للواحد والجمع على لفظ واحد.
(5) وفي ذلك يقول شيخنا حفظه الله:
فعل صوغها من الأعيان ... مطّرد عند ذوي الأذهان
نحو ظهرته كذا رقبته ... وقس كذلك إلى يددته.

(1/87)


وبطنته: إذا أصيب هذه الجوارح.
و «أَمْ» إذا قوبل به ألف الاستفهام فمعناه:
أي «1» نحو: أزيد أم عمرو، أي: أيّهما، وإذا جرّد عن ذلك يقتضي معنى ألف الاستفهام مع بل، نحو: أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ [ص/ 63] أي: بل زاغت.
و «أمَّا» حرف يقتضي معنى أحد الشيئين، ويكرّر نحو: أَمَّا أَحَدُكُما فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ [يوسف/ 41] ، ويبتدأ بها الكلام نحو: أمّا بعد فإنه كذا.

أمد
قال تعالى: تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً [آل عمران/ 30] . والأَمَد والأبد يتقاربان، لكن الأبد عبارة عن مدّة الزمان التي ليس لها حدّ محدود، ولا يتقيد، لا يقال: أبد كذا.
والأَمَدُ: مدّة لها حدّ مجهول إذا أطلق، وقد ينحصر نحو أن يقال: أمد كذا، كما يقال: زمان كذا، والفرق بين الزمان والأمد أنّ الأمد يقال باعتبار الغاية، والزمان عامّ في المبدأ والغاية، ولذلك قال بعضهم: المدى والأمد يتقاربان.

أمر
الأَمْرُ: الشأن، وجمعه أُمُور، ومصدر أمرته:
إذا كلّفته أن يفعل شيئا، وهو لفظ عام للأفعال والأقوال كلها، وعلى ذلك قوله تعالى: إِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ [هود/ 123] ، وقال: قُلْ: إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ، يَقُولُونَ: لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ [آل عمران/ 154] ، أَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ [البقرة/ 275] ويقال للإبداع: أمر، نحو: أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ [الأعراف/ 54] ، ويختص ذلك بالله تعالى دون الخلائق وقد حمل على ذلك قوله تعالى: وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها [فصلت/ 12] وعلى ذلك حمل الحكماء قوله:
قُلِ: الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي [الإسراء/ 85] أي: من إبداعه، وقوله: إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [النحل/ 40] فإشارة إلى إبداعه، وعبّر عنه بأقصر لفظة، وأبلغ ما يتقدّم فيه فيما بيننا بفعل الشيء، وعلى ذلك قوله: وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ [القمر/ 50] ، فعبّر عن سرعة إيجاده بأسرع ما يدركه وهمنا.
والأمر: التقدم بالشيء سواء كان ذلك بقولهم: افعل وليفعل، أو كان ذلك بلفظ خبر نحو: وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ [البقرة/ 228] ، أو كان بإشارة أو غير ذلك، ألا ترى أنّه قد سمّى ما رأى إبراهيم في المنام من ذبح ابنه أمرا حيث قال: إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ماذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ [الصافات/ 102] فسمّى ما رآه في
__________
(1) راجع: الجنى الداني ص 225، ومغني اللبيب ص 61- 62.

(1/88)


المنام من تعاطي الذبح أمرا «1» .
وقوله تعالى: وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ [هود/ 97] فعامّ في أقواله وأفعاله، وقوله:
أَتى أَمْرُ اللَّهِ [النحل/ 1] إشارة إلى القيامة، فذكره بأعمّ الألفاظ، وقوله: بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً [يوسف/ 18] أي:
ما تأمر النفس الأمّارة بالسوء.
وقيل: أَمِرَ القومُ: كثروا، وذلك لأنّ القوم إذا كثروا صاروا ذا أمير من حيث إنهم لا بدّ لهم من سائس يسوسهم، ولذلك قال الشاعر:
26-
لا يصلح النّاس فوضى لا سراة لهم
«2» وقوله تعالى: أَمَرْنا مُتْرَفِيها
[الإسراء/ 16] أي: أمرناهم بالطاعة، وقيل: معناه:
كثّرناهم.
وقال أبو عمرو: لا يقال: أمرت بالتخفيف في معنى كثّرت، وإنما يقال: أمّرت وآمرت.
وقال أبو عبيدة: قد يقال: أمرت «3» بالتخفيف نحو: «خير المال مهرة مأمورة وسكّة مأبورة» «4» وفعله: أمرت.
وقرئ: (أَمَّرْنَا) «5» أي: جعلناهم أمراء، وكثرة الأمراء في القرية الواحدة سبب لوقوع هلاكهم، ولذلك قيل: لا خير في كثرة الأمراء، وعلى هذا حمل قوله تعالى: وَكَذلِكَ جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها [الأنعام/ 123] ، وقرئ: (آمَرْنَا) «6» بمعنى: أكثرنا.
والائْتِمَارُ: قبول الأمر، ويقال للتشاور: ائتمار لقبول بعضهم أمر بعض فيما أشار به.
قال تعالى: إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ [القصص/ 20] . قال الشاعر:
27-
وآمرت نفسي أيّ أمريّ أفعل
«7»
__________
(1) قال قتادة: رؤيا الأنبياء عليهم السلام حقّ، إذا رأوا شيئا فعلوه. انظر: الدر المنثور 7/ 105.
(2) الشطر للأفوه الأودي، وتتمته:
ولا سراة إذا جهالهم سادوا
وهو في الحماسة البصرية 2/ 69، وأمالي القالي 2/ 228، والاختيارين ص 77. وديوانه ص 10.
(3) راجع: مجاز القرآن 1/ 373، والغريبين 1/ 85، وتفسير القرطبي 10/ 233.
(4) الحديث أخرجه أحمد في مسنده 3/ 468، وفيه: «خير مال المرء له مهرة مأمورة أو سكة مأبورة» . ورجال إسناده ثقات، واختلف في صحبة سويد، قال ابن حبان: يروي المراسيل لكن جاء في رواية: سمعت رسول الله يقول، ففيها إثبات السماع: انظر: الإصابة 2/ 101، ومجمع الزوائد 5/ 261.
المأمورة: الكثيرة، والسكة: الطريقة من النخل، المأبورة: الملقّحة.
(5) وهي قراءة الحسن ومجاهد وأبي عثمان النهدي وأبي رجاء وأبي العالية، وهي قراءة شاذة.
(6) وهي قراءة يعقوب، ورويت عن ابن كثير وأبي عمرو وعاصم من غير طريق الطيبة. راجع: الإتحاف ص 282.
(7) هذا عجز بيت لكعب بن زهير، وشطره الأول:
أنخت قلوصي واكتلأت بعينها
وهو في ديوانه ص 55، والحجة في القراءات للفارسي 1/ 319، وأساس البلاغة (كلأ) .

(1/89)


وقوله تعالى: لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً
[الكهف/ 71] أي: منكرا، من قولهم: أَمِرَ الأَمْرُ، أي: كَبُرَ وكَثُرَ كقولهم: استفحل الأمر.
وقوله: وَأُولِي الْأَمْرِ [النساء/ 59] قيل:
عنى الأمراء في زمن النبيّ عليه الصلاة والسلام.
وقيل: الأئمة من أهل البيت «1» ، وقيل: الآمرون بالمعروف، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: هم الفقهاء وأهل الدين المطيعون لله.
وكل هذه الأقوال صحيحة، ووجه ذلك: أنّ أولي الأمر الذين بهم يرتدع الناس أربعة:
الأنبياء، وحكمهم على ظاهر العامة والخاصة وعلى بواطنهم، والولاة، وحكمهم على ظاهر الكافّة دون باطنهم، والحكماء، وحكمهم على باطن الخاصة دون الظاهر، والوعظة، وحكمهم على بواطن العامة دون ظواهرهم.

أمن
أصل الأَمْن: طمأنينة النفس وزوال الخوف، والأَمْنُ والأَمَانَةُ والأَمَانُ في الأصل مصادر، ويجعل الأمان تارة اسما للحالة التي يكون عليها الإنسان في الأمن، وتارة اسما لما يؤمن عليه الإنسان، نحو قوله تعالى: وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ [الأنفال/ 27] ، أي: ما ائتمنتم عليه، وقوله: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [الأحزاب/ 72] قيل: هي كلمة التوحيد، وقيل: العدالة «2» ، وقيل: حروف التهجي، وقيل: العقل، وهو صحيح فإنّ العقل هو الذي بحصوله يتحصل معرفة التوحيد، وتجري العدالة وتعلم حروف التهجي، بل بحصوله تعلّم كل ما في طوق البشر تعلّمه، وفعل ما في طوقهم من الجميل فعله، وبه فضّل على كثير ممّن خلقه.
وقوله: وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً
[آل عمران/ 97] أي: آمنا من النار، وقيل: من بلايا الدنيا التي تصيب من قال فيهم: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا [التوبة/ 55] .
ومنهم من قال: لفظه خبر ومعناه أمر، وقيل:
يأمن الاصطلام «3» ، وقيل: آمن في حكم الله، وذلك كقولك: هذا حلال وهذا حرام، أي: في حكم الله.
والمعنى: لا يجب أن يقتصّ منه ولا يقتل فيه إلا أن يخرج، وعلى هذه الوجوه: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً [العنكبوت/ 67] . وقال تعالى: وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً [البقرة/ 125] . وقوله: أَمَنَةً نُعاساً
[آل عمران/ 154] أي: أمنا، وقيل: هي جمع كالكتبة.
__________
(1) وهذا قول الشيعة.
(2) راجع الأقوال في هذه الآية في الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي 6/ 669. [.....]
(3) الاصطلام: الاستئصال، واصطلم القوم: أبيدوا.

(1/90)


وفي حديث نزول المسيح: «وتقع الأمنة في الأرض» «1» .
وقوله تعالى: ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ
[التوبة/ 6] أي: منزله الذي فيه أمنه.
وآمَنَ: إنما يقال على وجهين:
- أحدهما متعديا بنفسه، يقال: آمنته، أي:
جعلت له الأمن، ومنه قيل لله: مؤمن.
- والثاني: غير متعدّ، ومعناه: صار ذا أمن.
والإِيمان يستعمل تارة اسما للشريعة التي جاء بها محمّد عليه الصلاة والسلام، وعلى ذلك:
الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ [المائدة/ 69] ، ويوصف به كلّ من دخل في شريعته مقرّا بالله وبنبوته. قيل: وعلى هذا قال تعالى: وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ [يوسف/ 106] .
وتارة يستعمل على سبيل المدح، ويراد به إذعان النفس للحق على سبيل التصديق، وذلك باجتماع ثلاثة أشياء: تحقيق بالقلب، وإقرار باللسان، وعمل بحسب ذلك بالجوارح، وعلى هذا قوله تعالى: وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ [الحديد/ 19] .
ويقال لكلّ واحد من الاعتقاد والقول الصدق والعمل الصالح: إيمان. قال تعالى: وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ [البقرة/ 143] أي:
صلاتكم، وجعل الحياء وإماطة الأذى من الإيمان «2» .
قال تعالى: وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ [يوسف/ 17] قيل: معناه: بمصدق لنا، إلا أنّ الإيمان هو التصديق الذي معه أمن، وقوله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ [النساء/ 51] فذلك مذكور على سبيل الذم لهم، وأنه قد حصل لهم الأمن بما لا يقع به الأمن، إذ ليس من شأن القلب- ما لم يكن مطبوعا عليه- أن يطمئن إلى الباطل، وإنما ذلك كقوله: مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ [النحل/ 106] ، وهذا كما يقال:
إيمانه الكفر، وتحيته الضرب، ونحو ذلك.
وجعل النبيّ صلّى الله عليه وسلم أصل الإيمان ستة أشياء في
__________
(1) هذا جزء من حديث طويل وفيه: «ثمّ تقع الأمنة على الأرض حتى ترتع الأسود مع الإبل، والنمار مع البقر، والذئاب مع الغنم، وتلعب الصبيان بالحيّات لا تضرّهم» . والحديث أخرجه ابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود برقم (4324) وابن جرير وابن حبان عن أبي هريرة، وقال ابن كثير بعد ذكر إسناده: وهذا إسناد جيد قوي. انظر: الدر المنثور 2/ 736، والفتن الملاحم لابن كثير 1/ 105.
(2) كما قال عليه الصلاة والسلام فيما أخرجه مسلم وغيره: «الإيمان بضع وسبعون شعبة، وأفضلها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان» .

(1/91)


خبر جبريل حيث سأله فقال: ما الإيمان؟ والخبر معروف «1» .
ويقال: رجل أَمْنَةٌ وأَمَنَةٌ: يثق بكل أحد، وأَمِينٌ وأَمَانٌ يؤمن به. والأَمُون: الناقة يؤمن فتورها وعثورها.
آمين يقال بالمدّ والقصر، وهو اسم للفعل نحو:
صه ومه. قال الحسن: معناه: استجب، وأَمَّنَ فلان: إذا قال: آمين. وقيل: آمين اسم من أسماء الله تعالى «2» . وقال أبو علي الفسوي «3» :
أراد هذا القائل أنّ في آمين ضميرا لله تعالى، لأنّ معناه: استجب.
وقوله تعالى: أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ [الزمر/ 9] تقديره: أم من، وقرئ: (أمن) «4» وليسا من هذا الباب.

إِنَّ وأَنَ
إِنَّ أَنَّ ينصبان الاسم ويرفعان الخبر، والفرق بينهما أنّ «إِنَّ» يكون ما بعده جملة مستقلة، و «أَنَّ» يكون ما بعده في حكم مفرد يقع موقع مرفوع ومنصوب ومجرور، نحو: أعجبني أَنَّك تخرج، وعلمت أَنَّكَ تخرج، وتعجّبت من أَنَّك تخرج. وإذا أدخل عليه «ما» يبطل عمله، ويقتضي إثبات الحكم للمذكور وصرفه عمّا عداه، نحو: إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ
[التوبة/ 28] تنبيها على أنّ النجاسة التامة هي حاصلة للمختص بالشرك، وقوله عزّ وجل: إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ [البقرة/ 173] أي: ما حرّم ذلك إلا تنبيها على أنّ أعظم المحرمات من المطعومات في أصل الشرع هو هذه المذكورات.
وأَنْ على أربعة أوجه:
الداخلة على المعدومين من الفعل الماضي أو المستقبل، ويكون ما بعده في تقدير مصدر، وينصب المستقبل نحو: أعجبني أن تخرج وأن خرجت.
والمخفّفة من الثقيلة نحو: أعجبني أن زيدا منطلق.
والمؤكّدة ل «لمّا» نحو: فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ [يوسف/ 96] .
والمفسّرة لما يكون بمعنى القول، نحو:
وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا [ص/ 6] أي: قالوا: امشوا.
__________
(1) وقد أخرجه البخاري ومسلم قال: «أن تؤمن بالله وحده وملائكته وكتبه ورسله وبالبعث بعد الموت والجنة والنار، وبالقدر خيره وشره» ، راجع البخاري 1/ 106، ومسلم (9) في الإيمان، وشرح السنة 1/ 9.
(2) أخرجه عبد الرزاق 2/ 99 عن أبي هريرة.
(3) هو أبو علي الفارسي الحسن بن أحمد المتوفى 377 هـ. وقوله هذا في المسائل الحلبيات ص 116.
(4) وهي قراءة نافع وابن كثير وحمزة. انظر: الإتحاف ص 375.

(1/92)


وكذلك «إِنْ» على أربعة أوجه:
للشرط نحو: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ [المائدة/ 118] ، والمخفّفة من الثقيلة ويلزمها اللام نحو: إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا [الفرقان/ 42] ، والنافية، وأكثر ما يجيء يتعقّبه «إلا» ، نحو: إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا [الجاثية/ 32] ، إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ [المدثر/ 25] ، إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ [هود/ 54] .
والمؤكّدة ل «ما» النافية، نحو: ما إن يخرج زيد.

أنث
الأنثى: خلاف الذكر، ويقالان في الأصل اعتبارا بالفرجين، قال عزّ وجلّ: وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى [النساء/ 124] ، ولمّا كان الأنثى في جميع الحيوان تضعف عن الذكر اعتبر فيها الضعف، فقيل لما يضعف عمله: أنثى، ومنه قيل: حديد أنيث «1» ، قال الشاعر:
28-
... عندي ... جراز لا أفلّ ولا أنيث «2»
وقيل: أرض أنيث: سهل، اعتبارا بالسهولة التي في الأنثى، أو يقال ذلك اعتبارا بجودة إنباتها تشبيها بالأنثى، ولذا قال: أرض حرّة وولودة.
ولمّا شبّه في حكم اللفظ بعض الأشياء بالذّكر فذكّر أحكامه، وبعضها بالأنثى فأنّث أحكامها، نحو: اليد والأذن، والخصية، سميت الخصية لتأنيث لفظ الأنثيين، وكذلك الأذن. قال الشاعر:
29-
ضربناه تحت الأنثيين على الكرد
«3» وقال آخر:
30-
وما ذكر وإن يسمن فأنثى
«4» يعني: القراد، فإنّه يقال له إذا كبر: حلمة، فيؤنّث «5» .
وقوله تعالى: إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِناثاً
__________
(1) انظر: المجمل 1/ 104، واللسان (أنث) 2/ 113.
(2) البيت لصخر الغيّ الهذلي وشطره الأول:
فيعلمه بأنّ العقل عندي
وهو في ديوان الهذليين 2/ 223، واللسان (أنث) ، والبحر المحيط 3/ 352.
(3) هذا عجز بيت للفرزدق، وشطره:
وكنّا إذا القيسيّ نبّ عوده
وهو في ديوانه ص 160، والحجة في القراءات للفارسي 2/ 56، والمحكم 6/ 465.
(4) الشطر لم أجد قائله، وعجزه:
شديد الأزم ليس له ضروس
وهو في اللسان والصحاح (ضرس) ، والتكملة للفارسي ص 364، والاقتضاب ص 418، وحياة الحيوان للدميري 1/ 338، والمسائل البصريات 1/ 381 ويروى [يكبر] بدل [يسمن] .
(5) قال الأصمعي: يقال للقراد أول ما يكون صغيرا قمقامة، ثم يصير حمنانة ثم يصير قرادا ثم يصير حلما.

(1/93)


[النساء/ 117] فمن المفسرين من اعتبر حكم اللفظ فقال: لمّا كانت أسماء معبوداتهم مؤنثة نحو: اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَناةَ الثَّالِثَةَ [النجم/ 19- 20] قال ذلك:
ومنهم- وهو أصحّ- من اعتبر حكم المعنى، وقال: المنفعل يقال له: أنيث، ومنه قيل للحديد الليّن: أنيث، فقال: ولمّا كانت الموجودات بإضافة بعضها إلى بعض ثلاثة أضرب:
- فاعلا غير منفعل، وذلك هو الباري عزّ وجلّ فقط.
- ومنفعلا غير فاعل، وذلك هو الجمادات.
- ومنفعلا من وجه كالملائكة والإنس والجن، وهم بالإضافة إلى الله تعالى منفعلة، وبالإضافة إلى مصنوعاتهم فاعلة، ولمّا كانت معبوداتهم من جملة الجمادات التي هي منفعلة غير فاعلة سمّاها الله تعالى أنثى وبكّتهم بها، ونبّههم على جهلهم في اعتقاداتهم فيها أنها آلهة، مع أنها لا تعقل ولا تسمع ولا تبصر، بل لا تفعل فعلا بوجه، وعلى هذا قول إبراهيم عليه الصلاة والسلام: يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً
[مريم/ 42] .
وأمّا قوله عزّ وجل: وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً [الزخرف/ 19] فلزعم الذين قالوا: إنّ الملائكة بنات الله.
إنس
الإنس: خلاف الجن، والأنس: خلاف النفور، والإنسيّ منسوب إلى الإنس يقال ذلك لمن كثر أنسه، ولكلّ ما يؤنس به، ولهذا قيل:
إنسيّ الدابة للجانب الذي يلي الراكب «1» ، وإنسيّ القوس: للجانب الذي يقبل على الرامي.
والإنسيّ من كل شيء: ما يلي الإنسان، والوحشيّ: ما يلي الجانب الآخر له.
وجمع الإنس أَناسيُّ، قال الله تعالى:
وَأَناسِيَّ كَثِيراً [الفرقان/ 49] .
وقيل ابن إنسك للنفس «2» ، وقوله عزّ وجل:
فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً
[النساء/ 6] أي:
أبصرتم أنسا بهم، وآنَسْتُ ناراً [طه/ 10] ، وقوله: حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا
[النور/ 27] أي:
تجدوا إيناسا.
والإِنسان قيل: سمّي بذلك لأنه خلق خلقة لا قوام له إلا بإنس بعضهم ببعض، ولهذا قيل:
الإنسان مدنيّ بالطبع، من حيث لا قوام لبعضهم إلا ببعض، ولا يمكنه أن يقوم بجميع أسبابه، وقيل: سمّي بذلك لأنه يأنس بكلّ ما يألفه «3» ، وقيل: هو إفعلان، وأصله: إنسيان، سمّي بذلك لأنه عهد الله إليه فنسي.
__________
(1) الغريب المصنف ورقة 73، مخطوطة تركيا.
(2) راجع: المجمل 1/ 104. [.....]
(3) المقتضب 4/ 13.

(1/94)


أنف
أصل الأنف: الجارحة، ثم يسمّى به طرف الشيء وأشرفه، فيقال: أنف الجبل وأنف اللحية «1» ، ونسب الحمية والغضب والعزّة والذلة إلى الأنف حتى قال الشاعر:
31-
إذا غضبت تلك الأنوف لم أرضها ... ولم أطلب العتبى ولكن أزيدها
«2» وقيل: شمخ فلان بأنفه: للمتكبر، وترب أنفه للذليل، وأَنِفَ فلان من كذا بمعنى استنكف، وأَنَفْتُهُ: أصبت أنفه. وحتى قيل الأَنَفَة: الحمية، واستأنفت الشيء: أخذت أنفه، أي: مبدأه، ومنه قوله عزّ وجل: ماذا قالَ آنِفاً
[محمد/ 16] أي: مبتدأ.

أنمل
قال الله تعالى: عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ
[آل عمران/ 119] الأنامل جمع الأنملة، وهي المفصل الأعلى من الأصابع التي فيها الظفر، وفلان مؤنمل الأصابع «3» أي: غليظ أطرافها في قصر. والهمزة فيها زائدة بدليل قولهم: هو نمل الأصابع، وذكّرها هاهنا للفظه.

أنى
أَنَّى للبحث عن الحال والمكان، ولذلك قيل: هو بمعنى كيف وأين «4» ، لتضمنه معناهما، قال الله عزّ وجل: أَنَّى لَكِ هذا [آل عمران/ 37] ، أي: من أين، وكيف. و:
أنا
أَنَا ضمير المخبر عن نفسه، وتحذف ألفه في الوصل في لغة، وتثبت في لغة «5» ، وقوله عزّ وجل: لكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي [الكهف/ 38] فقد قيل: تقديره: لكن أنا هو الله ربي، فحذف الهمزة من أوله، وأدغم النون في النون، وقرئ:
لكنّ هو الله ربي، فحذف الألف أيضا من آخره «6» .
ويقال: أُنِيَّة الشيء وأَنِيَّتُه، كما يقال: ذاته، وذلك إشارة إلى وجود الشيء، وهو لفظ محدث
__________
(1) راجع: أساس البلاغة ص 11، والمجمل 1/ 104، والعباب (أنف) ص 33.
(2) البيت في محاضرات الراغب 1/ 315 دون نسبة، وسيكرر ثانية، وهو في مجمع البلاغة للمؤلف 1/ 524.
(3) انظر: اللسان (نمل) 11/ 679. وكان القياس ورودها في مادة (نمل) لأنّ الهمزة زائدة.
(4) راجع: حروف المعاني للزجاجي ص 61، والعين 8/ 399.
(5) وفي ذلك يقول العلامة محمد بن حنبل الحسني الشنقيطي رحمه الله:
مدّ أنا من قبل همز انفتح ... أو همزة مضمومة قد اتّضح
وقبل غير همزة أو همزة ... مكسورة مدّ أنا لا تثبت
(6) وهي قراءة نافع وابن كثير وأبي عمرو وعاصم وحمزة والكسائي وخلف، ويعقوب بخلفه، بحذف الألف وصلا، وإثباتها وقفا. انظر: الإتحاف ص 290.

(1/95)


ليس من كلام العرب، وآناء الليل: ساعاته، الواحد: إِنْيٌ وإنىً وأَناً «1» ، قال عزّ وجلّ:
يَتْلُونَ آياتِ اللَّهِ آناءَ اللَّيْلِ [آل عمران/ 113] وقال تعالى: وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ [طه/ 130] ، وقوله تعالى: غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ
[الأحزاب/ 53] أي: وقته، والإنا إذا كسر أوّله قصر، وإذا فتح مدّ، نحو قول الحطيئة:
32-
وآنيت العشاء إلى سهيل ... أو الشّعرى فطال بي الأناء
«2» أَنَى وآن الشيء: قرب إناه، وحَمِيمٍ آنٍ
[الرحمن/ 44] بلغ إناه من شدة الحر، ومنه قوله تعالى: مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ
[الغاشية/ 5] وقوله تعالى: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا
[الحديد/ 16] أي: ألم يقرب إناه.
ويقال «3» : آنَيْتُ الشيء أُنِيّاً، أي: أخّرته عن أوانه، وتَأَنَّيْتُ: تأخّرت، والأَنَاة: التؤدة.
وتَأَنَّى فلان تَأَنِّياً، وأَنَى يَأْنِي فهو آنٍ، أي:
وقور. واستأنيته: انتظرت أوانه، ويجوز في معنى استبطأته، واستأنيت الطعام كذلك، والإِنَاء: ما يوضع فيه الشيء، وجمعه آنِيَة، نحو: كساء وأكسية، والأَوَانِي جمع الجمع.

أهل
أهل الرجل: من يجمعه وإياهم نسب أو دين، أو ما يجري مجراهما من صناعة وبيت وبلد، وأهل الرجل في الأصل: من يجمعه وإياهم مسكن واحد، ثم تجوّز به فقيل: أهل الرجل لمن يجمعه وإياهم نسب، وتعورف في أسرة النبيّ عليه الصلاة والسلام مطلقا إذا قيل:
أهل البيت لقوله عزّ وجلّ: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ [الأحزاب/ 33] ، وعبّر بأهل الرجل عن امرأته.
وأهل الإسلام: من يجمعهم، ولمّا كانت الشريعة حكمت برفع حكم النسب في كثير من الأحكام بين المسلم والكافر قال تعالى: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ [هود/ 46] ، وقال تعالى: وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ [هود/ 40] .
وقيل: أَهَلَ الرّجل يَأْهَلُ أُهُولًا، وقيل: مكان مأهول «4» : فيه أهله، وأُهِلَ به: إذا صار ذا ناس وأهل، وكلّ دابّة ألف مكانا يقال: أَهِلٌ وأَهْلِيٌّ.
__________
(1) قال الراجز:
آلاء آناء وأثنا جمعا ... مثل عصا به ونحي ومعى
(2) البيت في ديوانه بشرح ابن السكيت ص 83، واللسان: (أنى) ، وشمس العلوم 1/ 107، والأضداد ص 27، والأفعال 1/ 78، والمقصور والممدود للفرّاء ص 20.
(3) انظر العين 8/ 400.
(4) قال الزمخشري: تقول: حبذا دار مأهولة وثريدة مأكولة.

(1/96)


وتَأَهَّلَ: إذا تزوّج، ومنه قيل: آهَلَكَ الله في الجنة «1» ، أي: زوّجك فيها وجعل لك فيها أهلا يجمعك وإياهم، ويقال: فلان أَهْلٌ لكذا، أي:
خليق به، ومرحبا وأهلا في التحية للنازل بالإنسان، أي: وجدت سعة مكان عندنا، ومن هو أهل بيت لك في الشفقة «2» .
وجمع الأهل: أَهْلُونَ وأَهَال وأَهَلَات.

أوب
الأَوْبُ: ضرب من الرجوع، وذلك أنّ الأوب لا يقال إلا في الحيوان الذي له إرادة، والرجوع يقال فيه وفي غيره، يقال: آب أَوْباً وإِيَاباً ومَآباً.
قال الله تعالى: إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ [الغاشية/ 25] وقال: فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ مَآباً [النبأ/ 39] ، والمآب: المصدر منه واسم الزمان والمكان.
قال الله تعالى: وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ [آل عمران/ 14] ، والأوَّاب كالتوّاب، وهو الراجع إلى الله تعالى بترك المعاصي وفعل الطاعات، قال تعالى: أَوَّابٍ حَفِيظٍ [ق/ 32] ، وقال: إِنَّهُ أَوَّابٌ [ص/ 30] ومنه قيل للتوبة: أَوْبَة، والتأويب يقال في سير النهار «3» وقيل: آبت يد الرّامي إلى السهم «4» وذلك فعل الرامي في الحقيقة وإن كان منسوبا إلى اليد، ولا ينقض ما قدّمناه من أنّ ذلك رجوع بإرادة واختيار، وكذا ناقة أَؤُوب: سريعة رجع اليدين.

أيد
قال الله عزّ وجل: أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ
[المائدة/ 110] فعّلت من الأيد، أي: القوة الشديدة.
وقال تعالى: وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ
[آل عمران/ 13] أي: يكثر تأييده، ويقال: إِدْتُهُ أَئِيدُهُ أَيْداً نحو: بعته أبيعه بيعا، وأيّدته على التكثير. قال عزّ وجلّ: وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ [الذاريات/ 47] ، ويقال: له أيد، ومنه قيل للأمر العظيم مؤيد.
وإِيَاد الشيء: ما يقيه، وقرئ: (أَأْيَدْتُكَ) «5» ، وهو أفعلت من ذلك.
قال الزجاج رحمه الله «6» : يجوز أن يكون فاعلت، نحو: عاونت، وقوله عزّ وجل: وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما
[البقرة/ 255] أي: لا يثقله، وأصله من الأود، آد يؤود أودا وإيادا: إذا أثقله،
__________
(1) انظر: المجمل 1/ 105، وأساس البلاغة ص 11.
(2) انظر: المشوف المعلم 1/ 86.
(3) قال ابن المنظور: والتأويب في كلام العرب: سير النهار كله إلى الليل. [.....]
(4) انظر: المجمل 1/ 106.
(5) وهي قراءة شاذة. وفي اللسان (قرئ) : آيدتك على فاعلت.
(6) معاني القرآن 2/ 219.

(1/97)


نحو: قال يقول قولا، وفي الحكاية عن نفسك:
أدت مثل: قلت، فتحقيق آده «1» : عوّجه من ثقله في ممرِّه.

أيك
الأَيْكُ: شجر ملتف، وأصحاب الأيكة قيل:
نسبوا إلى غيضة كانوا يسكنونها، وقيل: هي اسم بلد.

آل
الآل: مقلوب من الأهل «2» ، ويصغّر على أهيل إلا أنّه خصّ بالإضافة إلى الأعلام الناطقين دون النكرات، ودون الأزمنة والأمكنة، يقال: آل فلان، ولا يقال: آل رجل ولا آل زمان كذا، أو موضع كذا، ولا يقال: آل الخياط بل يضاف إلى الأشرف الأفضل، يقال: آل الله وآل السلطان.
والأهل يضاف إلى الكل، يقال: أهل الله وأهل الخياط، كما يقال: أهل زمن كذا وبلد كذا.
وقيل: هو في الأصل اسم الشخص، ويصغّر أُوَيْلًا، ويستعمل فيمن يختص بالإنسان اختصاصا ذاتيا إمّا بقرابة قريبة، أو بموالاة، قال الله عزّ وجل: وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ [آل عمران/ 33] ، وقال: أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ [غافر/ 46] . قيل: وآل النبي عليه الصلاة والسلام أقاربه، وقيل: المختصون به من حيث العلم، وذلك أنّ أهل الدين ضربان:
- ضرب متخصص بالعلم المتقن والعمل المحكم فيقال لهم: آل النبي وأمته.
- وضرب يختصون بالعلم على سبيل التقليد، يقال لهم: أمة محمد عليه الصلاة والسلام، ولا يقال لهم آله، فكلّ آل للنبيّ أمته وليس كل أمة له آله.
وقيل لجعفر الصادق «3» رضي الله عنه: الناس يقولون: المسلمون كلهم آل النبي صلّى الله عليه وسلم، فقال:
كذبوا وصدقوا، فقيل له: ما معنى ذلك؟ فقال:
كذبوا في أنّ الأمّة كافتهم آله، وصدقوا في أنهم إذا قاموا بشرائط شريعته آله.
وقوله تعالى: رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ [غافر/ 28] أي: من المختصين به وبشريعته، وجعله منهم من حيث النسب أو المسكن، لا من حيث تقدير القوم أنه على شريعتهم.
__________
(1) قال ابن منظور: وآد العود يؤوده أودا: إذا حناه.
(2) قال سيبويه: أصل الآل أهل، وقال الكسائي: أصله أول، وفي ذلك يقول بعضهم:
قال الإمام سيبويه العدل ... الأصل في آل لديهم أهل
فأبدلوا إلها همزة والهمزا ... قد أبدلوها ألفا ويعزى
إلى الكسائي أنّ الأصل أول ... والواو منها ألفا قد أبدلوا
وشاهد لأول أهيل ... وشاهد لآخر أويل
(3) أحد سادات أهل البيت توفي 148 هـ. راجع: الوفيات لابن قنفذ ص 127، وشذرات الذهب 1/ 220.

(1/98)


وقيل في جبرائيل وميكائيل: إنّ إيل اسم الله تعالى «1» ، وهذا لا يصح بحسب كلام العرب، لأنه كان يقتضي أن يضاف إليه فيجرّ إيل، فيقال:
جبرإيل.
وآل الشخص: شخصه المتردد. قال الشاعر:
33-
ولم يبق إلّا آل خيم منضّد
«2» والآل أيضا: الحال التي يؤول إليها أمره، قال الشاعر:
34-
سأحمل نفسي على آلة ... فإمّا عليها وإمّا لها
«3» وقيل لما يبدو من السراب: آل، وذلك لشخص يبدو من حيث المنظر وإن كان كاذبا، أو لتردد هواء وتموّج فيكون من: آل يؤول.
وآلَ اللبن يَؤُولُ: إذا خثر «4» ، كأنّه رجوع إلى نقصان، كقولهم في الشيء الناقص: راجع.
التأويل من الأول، أي: الرجوع إلى الأصل، ومنه: المَوْئِلُ للموضع الذي يرجع إليه، وذلك هو ردّ الشيء إلى الغاية المرادة منه، علما كان أو فعلا، ففي العلم نحو: وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ [آل عمران/ 7] ، وفي الفعل كقول الشاعر:
35-
وللنّوى قبل يوم البين تأويل
«5» وقوله تعالى: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ [الأعراف/ 53] أي: بيانه الذي غايته المقصودة منه.
وقوله تعالى: ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [النساء/ 59] قيل: أحسن معنى وترجمة، وقيل: أحسن ثوابا في الآخرة.
والأَوْلُ: السياسة التي تراعي مآلها، يقال:
أُلْنَا وإِيلَ علينا «6» .
__________
(1) قيل ذلك ولكنه اسم الله في اللغة السريانية. وقد روي عن ابن عباس أنه قال: جبريل كقولك: عبد الله، جبر:
عبد، وإيل: الله. وجاء مرفوعا فيما أخرجه الديلمي عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «اسم جبريل عبد الله، وإسرافيل عبد الرحمن» . راجع: الدر المنثور 1/ 225، والعين 8/ 357.
(2) العجز لزهير بن أبي سلمى من قصيدة له يمدح بها هرم بن سنان، وصدره:
أربّت بها الأرواح كلّ عشية
انظر: ديوانه ص 19.
(3) الرجز في اللسان (أول) 11/ 39 بلا نسبة، وهو للخنساء في ديوانها ص 121، والخصائص 2/ 271.
(4) انظر: اللسان 11/ 35.
(5) العجز لعبدة بن الطبيب وأوله:
وللأحبّة أيّام تذكّرها
من قصيدته المفضلية وهو في المفضليات ص 136.
(6) وهذا من كلام عمر بن الخطاب، وقاله زياد بن أبيه في خطبته أيضا. انظر نثر الدر 2/ 40، وأمثال أبي عبيد ص 106.

(1/99)


وأَوَّل قال الخليل «1» : تأسيسه من همزة وواو ولام، فيكون فعّل، وقد قيل: من واوين ولام، فيكون أفعل، والأول أفصح لقلّة وجود ما فاؤه وعينه حرف واحد، كددن، فعلى الأول يكون من: آل يؤول، وأصله: آول، فأدغمت المدة لكثرة الكلمة.
وهو في الأصل صفة لقولهم في مؤنّثه:
أَوْلَى، نحو: أخرى.
فالأوّل: هو الذي يترتّب عليه غيره، ويستعمل على أوجه:
أحدها: المتقدّم بالزمان كقولك: عبد الملك أولا ثم المنصور.
الثاني: المتقدّم بالرئاسة في الشيء، وكون غيره محتذيا به. نحو: الأمير أولا ثم الوزير.
الثالث: المتقدّم بالوضع والنسبة، كقولك للخارج من العراق: القادسية أولا ثم فيد، وتقول للخارج من مكة: فيد أوّلا ثم القادسية.
الرابع: المتقدّم بالنظام الصناعي، نحو أن يقال: الأساس أولا ثم البناء.
وإذا قيل في صفة الله: هو الأوّل فمعناه: أنه الذي لم يسبقه في الوجود شيء «2» ، وإلى هذا يرجع قول من قال: هو الذي لا يحتاج إلى غيره، ومن قال: هو المستغني بنفسه. وقوله تعالى: وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام/ 163] ، وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ [الأعراف/ 143] فمعناه: أنا المقتدى بي في الإسلام والإيمان، وقال تعالى: وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ [البقرة/ 41] أي: لا تكونوا ممّن يقتدى بكم في الكفر. ويستعمل «أوّل» ظرفا فيبنى على الضم، نحو جئتك أوّل، ويقال:
بمعنى قديم، نحو: جئتك أولا وآخرا، أي:
قديما وحديثا. وقوله تعالى: أَوْلى لَكَ فَأَوْلى
[القيامة/ 34] كلمة تهديد «3» وتخويف يخاطب بها من أشرف على هلاك فيحثّ بها على التحرز، أو يخاطب بها من نجا ذليلا منه فينهى عن مثله ثانيا، وأكثر ما يستعمل مكرّرا، وكأنه حثّ على تأمّل ما يؤول إليه أمره ليتنبّه للتحرز منه.

أيم
الأَيَامَى: جمع أَيِّم، وهي المرأة التي لا بعل لها، وقد قيل للرجل الذي لا زوج له، وذلك على طريق التشبيه بالمرأة فيمن لا غناء عنه لا على التحقيق.
والمصدر: الأَيْمَة، وقد آمَ الرجل وآمَتِ المرأة، وتَأَيَّمَ وتَأَيَّمَتْ، وامرأة أَيِّمَة ورجل أَيِّم، والحرب مَأْيَمَة، أي: يفرق بين الزوج والزوجة، والأَيِّم: الحيّة.
__________
(1) العين 8/ 368.
(2) وقال الحليمي: الأوّل هو الذي لا قبل له. راجع الأسماء والصفات للبيهقي ص 25. [.....]
(3) راجع: حروف المعاني للزجاجي ص 12.

(1/100)


أين
أَيْنَ لفظ يبحث به عن المكان، كما أنّ «متى» يبحث به عن الزمان، والآن: كل زمان مقدّر بين زمانين ماض ومستقبل، نحو: أنا الآن أفعل كذا، وخصّ الآن بالألف واللام المعرّف بهما ولزماه، وافعل كذا آونة، أي: وقتا بعد وقت، وهو من قولهم: الآن.
وقولهم: هذا أوان ذلك، أي: زمانه المختص به وبفعله.
قال سيبويه «1» رحمه الله تعالى: الآن آنك، أي: هذا الوقت وقتك.
وآن يؤون، قال أبو العباس «2» رحمه الله:
ليس من الأوّل، وإنما هو فعل على حدته.
والأَيْنُ: الإعياء، يقال: آنَ يَئِينُ أَيْناً، وكذلك: أنى يأني أينا: إذا حان.
وأمّا بلغ إناه فقد قيل: هو مقلوب من أنى، وقد تقدّم.
قال أبو العباس: قال قوم: آنَ يَئِينُ أَيْناً، والهمزة مقلوبة فيه عن الحاء، وأصله: حان يحين حينا، قال: وأصل الكلمة من الحين.

أوَّه
الأَوَّاه: الذي يكثر التأوّه، وهو أن يقول: أَوَّه أَوَّه، وكل كلام يدل على حزن يقال له: التَّأَوُّه، ويعبّر بالأوّاه عمّن يظهر خشية الله تعالى، وقيل في قوله تعالى: أَوَّاهٌ مُنِيبٌ [هود/ 75] أي:
المؤمن الداعي، وأصله راجع إلى ما تقدّم.
قال أبو العباس «3» رحمه الله: يقال: إيها: إذا كففته، وويها: إذا أغريته، وواها: إذا تعجّبت منه.
أي
أَيُّ في الاستخبار موضوع للبحث عن بعض الجنس والنوع وعن تعيينه، ويستعمل ذلك في الخبر والجزاء، نحو: أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى [الإسراء/ 110] ، وأَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ [القصص/ 28] والآية: هي العلامة الظاهرة، وحقيقته لكل شيء ظاهر، وهو ملازم لشيء لا يظهر ظهوره، فمتى أدرك مدرك الظاهر منهما علم أنه أدرك الآخر الذي لم يدركه بذاته، إذ كان حكمهما سواء، وذلك ظاهر في المحسوسات والمعقولات، فمن علم ملازمة العلم للطريق المنهج ثم وجد العلم علم أنه وجد الطريق، وكذا إذا علم شيئا مصنوعا علم أنّه لا بدّ له من صانع.
واشتقاق الآية إمّا من أيّ فإنها هي التي تبيّن أيّا من أيّ، أو من قولهم: أوى إليه.
والصحيح أنها مشتقة من التأيي الذي هو
__________
(1) راجع: أخباره في إنباه الرواة 2/ 346.
(2) هو أحمد بن يحيى، المعروف بثعلب، المتوفى سنة 291.
(3) انظر مجالس ثعلب 1/ 228.

(1/101)


التثبت «1» والإقامة على الشيء.
يقال: تأيّ، أي: ارفق «2» ، أو من قولهم:
أوى إليه. وقيل للبناء العالي آية، نحو: أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ [الشعراء/ 128] . ولكلّ جملة من القرآن دالة على حكم آية، سورة كانت أو فصولا أو فصلا من سورة، وقد يقال لكل كلام منه منفصل بفصل لفظي: آية.
وعلى هذا اعتبار آيات السور التي تعدّ بها السورة.
وقوله تعالى: إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ [الجاثية/ 3] ، فهي من الآيات المعقولة التي تتفاوت بها المعرفة بحسب تفاوت منازل الناس في العلم، وكذلك قوله:
بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الظَّالِمُونَ [العنكبوت/ 49] ، وكذا قوله تعالى: وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [يوسف/ 105] ، وذكر في مواضع آية وفي مواضع آيات، وذلك لمعنى مخصوص «3» ليس هذا الكتاب موضع ذكره.
وإنما قال: وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً [المؤمنون/ 50] ولم يقل: آيتين «4» ، لأنّ كل واحد صار آية بالآخر. وقوله عزّ وجل: وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً [الإسراء/ 59] فالآيات هاهنا قيل: إشارة إلى الجراد والقمل والضفادع، ونحوها من الآيات التي أرسلت إلى الأمم المتقدمة، فنبّه أنّ ذلك إنما يفعل بمن يفعله تخويفا، وذلك أخسّ المنازل للمأمورين، فإنّ الإنسان يتحرّى فعل الخير لأحد ثلاثة أشياء:
- إمّا أن يتحراه لرغبة أو رهبة، وهو أدنى منزلة.
- وإمّا أن يتحراه لطلب محمدة.
- وإمّا أن يتحراه للفضيلة، وهو أن يكون ذلك الشيء فاضلا في نفسه، وذلك أشرف المنازل.
فلمّا كانت هذه الأمة خير أمة كما قال تعالى:
كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آل عمران/ 110] رفعهم عن هذه المنزلة، ونبّه أنه لا يعمّهم بالعذاب وإن كانت الجهلة منهم كانوا يقولون:
فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ [الأنفال/ 32] .
وقيل: الآيات إشارة إلى الأدلة، ونبّه أنه يقتصر معهم على الأدلة، ويصانون عن العذاب الذي يستعجلون به في قوله عزّ وجل:
__________
(1) قال ابن منظور: يقال: قد تأييت أي: تلبّثت وتحبّست.
(2) والتأيّي: التنظر والتؤدة، يقال: تأيّا الرجل: إذا تأنّى في الأمر.
(3) وقد بسط الكلام على ذلك الإسكافي في درّة التنزيل وغرّة التأويل، انظر: ص 435- 436.
(4) قال ابن عرفة: ولم يقل آيتين لأن قصتهما واحدة.

(1/102)


يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ [العنكبوت/ 54] .
وفي بناء آية ثلاثة أقوال: قيل: هي فعلة «1» ، وحقّ مثلها أن يكون لامه معلّا دون عينه، نحو:
حياة ونواة، لكن صحّح لامه لوقوع الياء قبلها، نحو: راية. وقيل: هي فعلة «2» إلا أنها قلبت كراهة التضعيف كطائي في طيّئ. وقيل: هي فاعلة، وأصلها: آيية، فخفّفت فصار آية، وذلك ضعيف لقولهم في تصغيرها: أُيَيَّة، ولو كانت فاعلة لقيل: أويّة «3» .
وأَيَّانَ عبارة عن وقت الشيء، ويقارب معنى متى، قال تعالى: أَيَّانَ مُرْساها [الأعراف/ 187] ، أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ [الذاريات/ 12] من قولهم: أي، وقيل: أصله: أيّ أوان، أي:
أيّ وقت، فحذف الألف ثم جعل الواو ياء فأدغم فصار أيّان. و:
وإِيَّا لفظ موضوع ليتوصل به إلى ضمير المنصوب إذا انقطع عمّا يتصل به، وذلك يستعمل إذا تقدّم الضمير، نحو: إِيَّاكَ نَعْبُدُ [الفاتحة/ 4] أو فصل بينهما بمعطوف عليه أو بإلا، نحو:
نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ [الإسراء/ 31] ، ونحو:
وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ [الإسراء/ 23] .

وإي
وإِي كلمة موضوعة لتحقيق كلام متقدّم «4» ، نحو:
إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ [يونس/ 53] .
و «أَيَا» و «أَيْ» و «أ» من حروف النداء، تقول: أي زيد، وأيا زيد وأزيد. و:
أَيْ كلمة ينبّه بها أنّ ما يذكر بعدها شرح وتفسير لما قبلها.

أوى
المَأْوَى مصدر أَوَى يَأْوِي أَوِيّاً ومَأْوًى، تقول:
أوى إلى كذا: انضمّ إليه يأوي أويّا ومأوى، وآوَاهُ غيره يُؤْوِيهِ إِيوَاءً.
__________
(1) وهذا قول الخليل، واختاره المبرد في المقتضب 1/ 289.
(2) وهذا أصح الأقوال، وهو قول سيبويه، انظر: الكتاب 4/ 398، والمسائل الحلبيات ص 335.
(3) وفي هذا يقول العلامة سيدنا بن الشيخ سيديّ الكبير الشنقيطي:
في آية خلف على أقوال ... ما وزنها من قبل ذا الإعلال
فقيل: أيّة وقيل: أييه ... وقيل: بل أيية أو أييه
كتوبة نبقة وسمره ... قصبة وذا الخليل شهّره
وعندهم أنّ المعلّ الأول ... كما هم في غاية قد جعلوا
وقيل: بل آيية كفاعلة ... وحذف العين ولا موجب له
(4) ولا تقع إلا قبل القسم.

(1/103)


قال عزّ وجلّ: إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ [الكهف/ 10] ، وقال: سَآوِي إِلى جَبَلٍ [هود/ 43] ، وقال تعالى: آوى إِلَيْهِ أَخاهُ [يوسف/ 69] ، وقال: تُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ [الأحزاب/ 51] ، وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ [المعارج/ 13] ، وقوله تعالى: جَنَّةُ الْمَأْوى [النجم/ 15] ، كقوله: دارُ الْخُلْدِ [فصلت/ 28] في كون الدار مضافة إلى المصدر، وقوله تعالى: مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ
[آل عمران/ 197] اسم للمكان الذي يأوي إليه.
وأَوَيْتُ له: رحمته، أَوِيّاً وأَيَّةً ومَأْوِيَةً، ومَأْوَاةً «1» .
وتحقيقه: رجعت إليه بقلبي وآوى إِلَيْهِ أَخاهُ [يوسف/ 69] أي: ضمّه إلى نفسه.
يقال: أواه وآواه. والماوية في قول حاتم طيئ:
36-
أماوي إنّ المال غاد ورائح
«2» مأويّة فقد قيل: هي من هذا الباب، فكأنها سميت بذلك لكونها مأوى الصورة.
وقيل: هي منسوبة للماء، وأصلها مائية، فجعلت الهمزة واوا.
أ
الألفات التي تدخل لمعنى على ثلاثة أنواع:
- نوع في صدر الكلام.
- ونوع في وسطه.
- ونوع في آخره «3» .
فالذي في صدر الكلام أضرب:
- الأوّل: ألف الاستخبار، وتفسيره بالاستخبار أولى من تفسيره بالاستفهام، إذ كان ذلك يعمّه وغيره نحو: الإنكار والتبكيت والنفي والتسوية.
فالاستفهام نحو قوله تعالى: أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها [البقرة/ 30] ، والتبكيت إمّا للمخاطب أو لغيره نحو: أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ [الأحقاف/ 20] ، أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً [البقرة/ 80] ، آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ [يونس/ 91] ، أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ [آل عمران/ 144] ، أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ [الأنبياء/ 34] ، أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً [يونس/ 2] ، آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ [الأنعام/ 144] .
والتسوية نحو: سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ
__________
(1) انظر: الأفعال 1/ 119، واللسان (أوى) 14/ 53.
(2) هذا شطر بيت، وعجزه:
ويبقى من المال الأحاديث والذكر
وهو في ديوانه ص 50. [.....]
(3) وقد عدّ الفيروزآبادي للألف في القرآن ولغة العرب: أربعين وجها، راجع البصائر 2/ 5.
وقال ابن خالويه: وهي تنقسم سبعة وسبعين قسما. راجع: الألفات له ص 15.

(1/104)


صَبَرْنا [إبراهيم/ 21] ، سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ [البقرة/ 6] «1» ، وهذه الألف متى دخلت على الإثبات تجعله نفيا، نحو: أخرج؟ هذا اللفظ ينفي الخروج، فلهذا سأل عن إثباته نحو ما تقدّم.
وإذا دخلت على نفي تجعله إثباتا، لأنه يصير معها نفيا يحصل منهما إثبات، نحو: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ [الأعراف/ 172] «2» ، أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ [التين/ 8] ، أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ [الرعد/ 41] ، أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ [طه/ 133] أَوَلا يَرَوْنَ [التوبة:
126] ، أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ [فاطر/ 37] .
- الثاني: ألف المخبر عن نفسه «3» ، نحو:
أسمع وأبصر.
- الثالث: ألف الأمر، قطعا كان أو وصلا، نحو: أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ [المائدة/ 114] ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ [التحريم/ 11] ونحوهما.
- الرابع: الألف مع لام التعريف «4» ، نحو:
العالمين.
- الخامس: ألف النداء، نحو: أزيد، أي: يا زيد.
والنوع الذي في الوسط: الألف التي للتثنية، والألف في بعض الجموع في نحو: مسلمات ونحو مساكين.
والنوع الذي في آخره: ألف التأنيث في حبلى وبيضاء «5» ، وألف الضمير في التثنية، نحو:
اذهبا.
والذي في أواخر الآيات الجارية مجرى أواخر الأبيات، نحو: وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا [الأحزاب/ 10] ، فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا [الأحزاب/ 67] ، لكن هذه الألف لا تثبت معنى، وإنما ذلك لإصلاح اللفظ.
تمّ كتاب الألف
__________
(1) انظر: بصائر ذوي التمييز 2/ 10.
(2) انظر: البصائر 2/ 10.
(3) انظر: بصائر ذوي التمييز 2/ 7.
(4) راجع: الألفات ص 51، والبصائر 2/ 9.
(5) انظر: البصائر 2/ 8.

(1/105)