المفردات في غريب القرآن كتاب الجيم
جبَ
قال الله تعالى: وَأَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِ
[يوسف/ 10] ، أي: بئر لم تطو، وتسميته بذلك إمّا لكونه محفورا
في جَبُوب، أي: في أرض غليظة، وإمّا لأنه قد جبّ، والجَبُّ:
قطع الشيء من أصله كجبّ النّخل، وقيل: زمن الجِبَاب، نحو: زمن
الصّرام، وبعير أَجَبُّ: مقطوع السنام «1» ، وناقة جَبَّاء،
وذلك نحو: أقطع وقطعاء، للمقطوع اليد، وخصي مَجْبُوب:
مقطوع الذّكر من أصله، والجُبَّة التي هي اللباس منه، وبه شبّه
ما دخل فيه الرمح من السنان، والجُبَاب: شيء يعلو ألبان الإبل،
وجَبَّتِ المرأة النساء حسنا: إذا غلبتهن، استعارة من الجبّ
الذي هو القطع، وذلك كقولهم: قطعته في المناظرة والمنازعة،
وأمّا الجُبْجُبَة «2» فليست من ذلك، بل سميت به لصوتها
المسموع منها.
جبت
قال الله تعالى: يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ
[النساء/ 51] ، الجِبْتُ «3» والجبس: الفسل «4» الذي لا خير
فيه «5» ، وقيل:
التاء بدل من السين، تنبيها على مبالغته في الفسولة، كقول
الشاعر:
87-
عمرو بن يربوع شرار النّاس
«6» أي: خساس الناس، ويقال لكلّ ما عبد من
__________
(1) انظر: البصائر 1/ 358.
(2) قال في اللسان (والجبجبة) وعاء يتخذ من أدم يسقى فيه
الإبل، وينقع فيه الهبيد.
(3) قال الجوهري: وهذا ليس من محض العربية، لاجتماع الجيم
والتاء في كلمة من غير حرف ذولقي.
(4) في اللسان: الفسل: الرذل والنذل الذي لا مروة له.
(5) انظر: البصائر 1/ 359.
(6) هذا عجز بيت، وشطره الأول:
يا قبّح الله بني السّعلاة
وهو لعلباء بن أرقم، وهو في اللسان (نوت) ، والبصائر 1/ 359،
والخصائص 2/ 53، والجمهرة 3/ 32.
(1/182)
دون الله: جبت، وسمي الساحر والكاهن جبتا.
جبر
أصل الجَبْر: إصلاح الشيء بضرب من القهر، يقال: جَبَرْتُهُ
فَانْجَبَرَ واجْتَبَرَ، وقد قيل:
جَبَرْتُهُ فَجَبَرَ «1» ، كقول الشاعر:
88-
قد جبر الدين الإله فجبر
«2» هذا قول أكثر أهل اللغة، وقال بعضهم: ليس قوله (فجبر)
مذكورا على سبيل الانفعال، بل ذلك على سبيل الفعل، وكرّره،
ونبّه بالأول على الابتداء بإصلاحه، وبالثاني على تتميمه،
فكأنه قال: قصد جبر الدين وابتدأ به فتمّم جبره، وذلك أنّ
«فعل» تارة يقال لمن ابتدأ بفعل، وتارة لمن فرغ منه.
وتَجَبَّرَ بعد الأكل يقال إمّا لتصور معنى الاجتهاد
والمبالغة، أو لمعنى التكلف، كقول الشاعر:
89-
تجبّر بعد الأكل فهو نميص
«3» وقد يقال الْجَبْرُ تارة في الإصلاح المجرد، نحو قول عليّ
رضي الله عنه: (يا جَابِر كلّ كسير، ويا مسهّل كلّ عسير) ومنه
قولهم للخبز:
جَابِر بن حبّة «4» ، وتارة في القهر المجرد نحو قوله عليه
السلام: «لا جَبْر ولا تفويض» «5» والجَبْر في الحساب: إلحاق
شيء به إصلاحا لما يريد إصلاحه، وسمي السلطان جَبْراً كقول
الشاعر:
90-
وأنعم صباحا أيها الجبر
«6» لقهره الناس على ما يريده، أو لإصلاح أمورهم.
والإجبار في الأصل: حمل الغير على أن يجبر الآخر لكن تعورف في
الإكراه المجرّد، فقيل: أَجْبَرْتُهُ على كذا، كقولك: أكرهته.
وسمي الذين يدّعون أنّ الله تعالى يكره العباد على المعاصي في
تعارف المتكلمين مُجْبِرَة، وفي قول المتقدمين جَبْرِيَّة
وجَبَرِيَّة. والجبّار في
__________
(1) انظر: الأفعال للسرقسطي 2/ 260.
(2) الشطر للعجاج وبعده:
وعور الرحمن من ولى العور
وهو في ديوانه ص 4، وتهذيب اللغة 11/ 60، والأفعال 2/ 260،
واللسان (جبر) ، والبصائر 1/ 360.
(3) هذا عجز بيت لامرئ القيس، وشطره:
ويأكلن من قوّ لعاعا وربة
وهو في ديوانه ص 93، واللسان (جبر) .
(4) انظر: اللسان (جبر) ، والبصائر 1/ 361.
(5) ليس هذا بحديث بل من قول المتكلمين في مذهب أهل السنة، وهو
قول جعفر الصادق. انظر نثر الدر 1/ 363 [.....]
(6) هذا عجز بيت، وشطره:
واسلم براووق حبيت به
وهو لابن أحمر في ديوانه ص 94، والبصائر 1/ 361، واللسان (جبر)
.
(1/183)
صفة الإنسان يقال لمن يجبر نقيصته بادّعاء
منزلة من التعالي لا يستحقها، وهذا لا يقال إلا على طريق الذم،
كقوله عزّ وجل: وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ [إبراهيم/ 15] ،
وقوله تعالى:
وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا [مريم/ 32] ، وقوله عزّ
وجل: إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ [المائدة/ 22] ، وقوله
عزّ وجل:
كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ
جَبَّارٍ [غافر/ 35] ، أي: متعال عن قبول الحق والإيمان له.
يقال للقاهر غيره: جَبَّار، نحو:
وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ [ق/ 45] ، ولتصور القهر
بالعلو على الأقران قيل: نخلة جبّارة وناقة جبّار «1» . وما
روي في الخبر: «ضرس الكافر في النار مثل أحد، وكثافة جلده
أربعون ذراعا بذراع الجبّار» «2» فقد قال ابن قتيبة: هو الذراع
المنسوب إلى الملك الذي يقال له: ذراع الشاة «3» . فأمّا في
وصفه تعالى نحو: الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ
[الحشر/ 23] ، فقد قيل: سمي بذلك من قولهم: جَبَرْتُ الفقير،
لأنّه هو الذي يجبر الناس بفائض نعمه، وقيل: لأنه يجبر الناس،
أي: يقهرهم على ما يريده «4» .
ودفع بعض أهل اللغة «5» ذلك من حيث اللفظ، فقال: لا يقال من:
«أفعلت» فعّال، فجبّار لا يبنى من: أجبرت، فأجيب عنه بأنّ ذلك
من لفظ الجبر المروي في قوله: «لا جَبْرَ ولا تفويض» لا من لفظ
الإجبار «6» ، وأنكر جماعة من المعتزلة ذلك من حيث المعنى
فقالوا: يتعالى الله عن ذلك، وليس ذلك بمنكر فإنّ الله تعالى
قد أجبر الناس على أشياء لا انفكاك لهم منها حسبما تقتضيه
الحكمة الإلهية، لا على ما تتوهمه الغواة والجهلة، وذلك
كإكراههم على المرض والموت والبعث، وسخّر كلا منهم لصناعة
يتعاطاها، وطريقة من الأخلاق والأعمال يتحرّاها، وجعله
__________
(1) غريب الحديث لابن قتيبة 1/ 615.
(2) قوله عليه السلام: «ضرس الكافر في النار مثل أحد» هذا
الشطر صحيح متفق على صحته. وأخرجه البخاري في صحيحه. انظر: فتح
الباري 11/ 415، وأخرجه أحمد 2/ 328، وابن حبان (انظر: الإحسان
9/ 284) ، ومسلم (2851) ، وعارضة الأحوذي 10/ 47. وقوله:
«وكثافة جلده ... » قال ابن حجر: وأخرجه البزار عن أبي هريرة
بسند صحيح بلفظ: «غلظ جلد الكافر وكثافة جلده اثنان وأربعون
ذراعا بذراع الجبّار» وأخرجه البيهقي، وعند ابن المبارك في
الزهد بسند صحيح: «وكثافة جلده سبعون ذراعا» . انظر: فتح
الباري 11/ 423، والزهد لابن المبارك ص 87، وشرح السنة 15/
250.
(3) قال ابن حجر: وجزم ابن حبان لما أخرجه في صحيحه بأنّ
الجبار ملك كان باليمن. انظر: فتح الباري 15/ 423.
(4) انظر: الأسماء والصفات للبيهقي ص 48.
(5) وهو ابن قتيبة في غريب الحديث 2/ 145.
(6) قال ابن الأثير: يكون من اللغة الأخرى، يقال: جبرت وأجبرت
بمعنى قهرت. وانظر: النهاية 1/ 236، ومعاني الفراء 3/ 81،
والغريبين 1/ 312.
(1/184)
مجبرا في صورة مخيّر، فإمّا راض بصنعته لا
يريد عنها حولا، وإمّا كاره لها يكابدها مع كراهيته لها، كأنه
لا يجد عنها بدلا ولذلك قال تعالى: فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ
بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ
[المؤمنون/ 53] ، وقال عزّ وجل: نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ
مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا [الزخرف/ 32] ، وعلى
هذا الحدّ وصف بالقاهر، وهو لا يقهر إلا على ما تقتضي الحكمة
أن يقهر عليه، وقد روي عن أمير المؤمنين رضي الله عنه: (يا
بارئ المسموكات وجبّار القلوب على فطرتها شقيّها وسعيدها) .
وقول ابن قتيبة «1» : هو من: جبرت العظم، فإنه جبر القلوب على
فطرتها من المعرفة، فذكر لبعض ما دخل في عموم ما تقدّم.
وجَبَرُوت: فعلوت من التجبر، واسْتَجْبَرْتُ حاله: تعاهدت أن
أجبرها، وأصابته مصيبة لا يَجْتَبِرُهَا أي: لا يتحرّى لجبرها
من عظمها، واشتق من لفظ جبر العظم الجَبِيرَة:
للخرقة التي تشد على المَجْبُور، والجِبَارة للخشبة التي تشدّ
عليه، وجمعها جَبَائِر، وسمّي الدّملوج «2» جبارة تشبيها بها
في الهيئة، والجبار:
لما يسقط من الأرش.
جبل
الجَبَل جمعه: أَجْبَال وجِبَال، وقال عزّ وجل:
أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً وَالْجِبالَ أَوْتاداً
[النبأ/ 6- 7] ، وقال تعالى: وَالْجِبالَ أَرْساها [النازعات/
32] ، وقال تعالى:
وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ
[النور/ 43] ، وقال تعالى: وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ
وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها [فاطر/ 27] ، وَيَسْئَلُونَكَ
عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ: يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً [طه/ 105] ،
وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ [الشعراء/
149] ، واعتبر معانيه، فاستعير منه واشتق منه بحسبه، فقيل:
فلان جبل لا يتزحزح تصورا لمعنى الثبات فيه.
وجَبَلَهُ الله على كذا، إشارة إلى ما رّكب فيه من الطبع الذي
يأبى على الناقل نقله، وفلان ذو جِبِلَّة، أي: غليظ الجسم،
وثوب جيد الجبلة، وتصور منه معنى العظم، فقيل للجماعة العظيمة:
جِبْلٌ. قال الله تعالى: وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا
كَثِيراً
[يس/ 62] ، أي: جماعة تشبيها بالجبل في العظم وقرئ: جِبِلًّا
«3» مثقّلا.
قال التوزي «4» : جُبْلًا «5» وجَبْلًا وجُبُلًّا «6»
وجِبِلًّا.
__________
(1) غريب الحديث 2/ 145.
(2) هو الحجر الأملس.
(3) وهي قراءة ابن كثير وحمزة والكسائي ورويس وخلف، بضمتين
وتخفيف اللام.
(4) اسمه عبد الله بن محمد، توفي 230 هـ. راجع أخباره في إنباه
الرواة 2/ 126.
(5) وبها قرأ أبو عمرو وابن عامر.
(6) وبها قرأ روح عن يعقوب.
(1/185)
وقال غيره: جُبُلًّا جمع جِبِلَّة، ومنه
قوله عزّ وجل: وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ
الْأَوَّلِينَ [الشعراء/ 184] ، أي: المجبولين على أحوالهم
التي بنوا عليها، وسبلهم التي قيّضوا لسلوكها المشار إليها
بقوله تعالى: قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ [الإسراء/
84] ، وجَبِلَ: صار كالجبل في الغلظ.
جَبن
قال تعالى: وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ
[الصافات/ 103] ، فالجَبِينَان جانبا الجبهة، والجُبْن: ضعف
القلب عمّا يحق أن يقوى عليه. ورجل جَبَان وامرأة جبان،
وأَجْبَنْتُهُ: وجدته جبانا «1» وحكمت بجبنه،
والجُبْنُ: ما يؤكل. وتَجَبَّنَ اللبن: صار كالجبن.
جبه
الجَبْهَة: موضع السجود من الرأس، قال الله تعالى: فَتُكْوى
بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ [التوبة/ 35] ، والنّجم يقال
له: جبهة تصورا أنه كالجبهة للمسمّى بالأسد، ويقال لأعيان
الناس جبهة، وتسميتهم بذلك كتسميتهم بالوجوه، وروي عن النبي
صلّى الله عليه وسلم أنه قال: «ليس في الجبهة صدقة» «2» أي:
الخيل.
جبى
يقال: جَبَيْتُ الماء في الحوض: جمعته، والحوض الجامع له:
جَابِيَة، وجمعها جَوَابٍ.
قال الله تعالى: وَجِفانٍ كَالْجَوابِ [سبأ/ 13] ، ومنه
استعير: جبيت الخراج جِبَايَةً، ومنه قوله تعالى: يُجْبى
إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ [القصص/ 57] ، والاجتباء:
الجمع على طريق الاصطفاء. قال عزّ وجل: فَاجْتَباهُ رَبُّهُ
[القلم/ 50] ، وقال تعالى: وَإِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ
قالُوا: لَوْلا اجْتَبَيْتَها [الأعراف/ 203] ، أي:
يقولون: هلّا جمعتها، تعريضا منهم بأنك تخترع هذه الآيات وليست
من الله.
واجتباء الله العبد: تخصيصه إياه بفيض إلهيّ يتحصل له منه
أنواع من النعم بلا سعي من العبد، وذلك للأنبياء وبعض من
يقاربهم من الصديقين والشهداء، كما قال تعالى: وَكَذلِكَ
يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ [يوسف/ 6] ، فَاجْتَباهُ رَبُّهُ
فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ [القلم/ 50] ،
__________
(1) انظر: صفحة 82 حاشية 1. [.....]
(2) الحديث عن عليّ بن أبي طالب أنّ النبيّ صلّى الله عليه
وسلم قال: «ليس في الخضراوات صدقة، ولا في العرايا صدقة ولا في
أقلّ من خمسة أوسق صدقة، ولا في العوامل صدقة، ولا في الجبهة
صدقة» . أخرجه الدارقطني، وفيه الصقر بن حبيب وأحمد بن الحارث،
وكلاهما ضعيف.
وله طرق أخرى، وقال البيهقي: وهذه الأحاديث يشدّ بعضها بعضا.
انظر: سنن الدارقطني 2/ 95، والدر المنثور 2/ 51.
(1/186)
وَاجْتَبَيْناهُمْ وَهَدَيْناهُمْ إِلى
صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ [الأنعام/ 87] ، وقوله تعالى: ثُمَّ
اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى [طه/ 122] ، وقال
عزّ وجل: يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ
مَنْ يُنِيبُ [الشورى/ 13] ، وذلك نحو قوله تعالى: إِنَّا
أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ [ص/ 46] .
جث
يقال: جَثَثْتُهُ فَانْجَثَّ، وجَثَثْتُهُ فَاجْتَثَّ «1» ،
قال الله عزّ وجل: اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ
[إبراهيم/ 26] ، أي: اقتلعت جثّتها، والمِجَثَّة:
ما يجثّ به، وجثَّة الشيء: شخصه الناتئ، والجُثُّ: ما ارتفع من
الأرض، كالأكمة، والجَثِيثَة سميت به لما بان جثته بعد طبخه،
والجَثْجَاث: نبت.
جثم
فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ
[الأعراف/ 78] ، استعارة للمقيمين، من قولهم: جَثَمَ الطائرُ
إذا قعد ولطئ بالأرض، والجُثْمَان: شخص الإنسان قاعدا، ورجل
جُثَمَة وجَثَّامَة كناية عن النئوم والكسلان.
جثى
جَثَا على ركبتيه يَجْثُو جُثُوّاً وجِثِيّاً فهو جَاثٍ، نحو:
عتا يعتو عتوّا وعتيّا، وجمعه: جُثِيّ نحو: باك وبكيّ، وقوله
عزّ وجل: وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا [مريم/ 72] ،
يصح أن يكون جمعا نحو: بكي، وأن يكون مصدرا موصوفا به،
والجاثية في قوله عزّ وجل: وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً
[الجاثية/ 28] فموضوع موضع الجمع، كقولك: جماعة قائمة وقاعدة.
جحد
الجُحُود: نفي ما في القلب إثباته، وإثبات ما في القلب نفيه،
يقال: جَحَدَ جُحُوداً وجَحْداً قال عزّ وجل: وَجَحَدُوا بِها
وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ [النمل/ 14] ، وقال عزّ وجل:
بِآياتِنا يَجْحَدُونَ [الأعراف/ 51] . وتَجَحَّدَ تَخَصَّصَ
بفعل ذلك، يقال: رجل جَحِدٌ: شحيح قليل الخير يظهر الفقر، وأرض
جَحْدَة: قليلة النبت، يقال: جَحَداً له ونَكَداً، وأَجْحَدَ:
صار ذا جحد.
جحم
الجُحْمَة: شدة تأجج النار، ومنه: الجحيم، وجَحَمَ وجهه من شدة
الغضب، استعارة من جحمة النار، وذلك من ثوران حرارة القلب،
وجَحْمَتَا الأسد: عيناه لتوقدهما.
جد
الجَدُّ: قطع الأرض المستوية، ومنه: جَدَّ في سيره يَجِدُّ
جَدّاً، وكذلك جَدَّ في أمره وأَجَدَّ: صار ذا جِدٍّ، وتصور
من: جَدَدْتُ الأرض: القطع
__________
(1) انظر: اللسان (جث) ، والبصائر 1/ 367.
(1/187)
المجرد، فقيل: جددت الثوب إذا قطعته على
وجه الإصلاح، وثوب جديد: أصله المقطوع، ثم جعل لكل ما أحدث
إنشاؤه، قال تعالى:
بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ [ق/ 15] ، إشارة إلى
النشأة الثانية، وذلك قولهم:
أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ [ق/ 3] ،
وقوبل الجديد بالخلق لما كان المقصود بالجديد القريب العهد
بالقطع من الثوب، ومنه قيل لليل والنهار: الجَدِيدَان
والأَجَدَّان «1» ، قال تعالى:
وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ
[فاطر/ 27] ، جمع جُدَّة، أي: طريقة ظاهرة، من قولهم:
طريق مَجْدُود، أي: مسلوك مقطوع «2» ، ومنه:
جَادَّة الطريق، والجَدُود والجِدَّاء من الضأن:
التي انقطع لبنها. وجُدَّ ثدي أمه على طريق الشتم «3» ، وسمي
الفيض الإلهي جَدّاً، قال تعالى: وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ
رَبِّنا [الجن/ 3] ، أي: فيضه، وقيل: عظمته، وهو يرجع إلى
الأوّل، وإضافته إليه على سبيل اختصاصه بملكه، وسمي ما جعل
الله للإنسان من الحظوظ الدنيوية جَدّاً، وهو البخت، فقيل:
جُدِدْتُ وحُظِظْتُ وقوله عليه السلام: «لا ينفع ذا الجَدِّ
منك الجَدُّ» «4» ، أي: لا يتوصل إلى ثواب الله تعالى في
الآخرة بالجدّ، وإنّما ذلك بالجدّ في الطاعة، وهذا هو الذي
أنبأ عنه قوله تعالى: مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا
لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ [الإسراء/ 18] ، وَمَنْ
أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ
فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً [الإسراء/ 19] ، وإلى
ذلك أشار بقوله: يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ
[الشعراء/ 88] .
والجَدُّ: أبو الأب وأبو الأم. وقيل: معنى «لا ينفع ذا الجدّ»
: لا ينفع أحدا نسبه وأبوّته، فكما نفى نفع البنين في قوله:
يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ [الشعراء/ 88] ، كذلك
نفى نفع الأبوّة في هذا الحديث.
جدث
قال تعالى: يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً
[المعارج/ 43] ، جمع الجَدَث،
__________
(1) انظر: جنى الجنتين ص 33، والبصائر 1/ 370، والمجمل 1/ 169،
ويقال: لا أفعله ما اختلف الجديدان.
(2) قال ابن مالك في مثلّثه:
قطع وحظّ وجلال جدّ ... وضدّ هزل واجتهاد جدّ
والبئر والشخص العظيم جدّ ... وسنوات القحط والإجداب
(3) يقال ذلك إذا دعي عليه بالقطيعة.
(4) الحديث عن المغيرة بن شعبة أنّ رسول الله صلّى الله عليه
وسلم كان يقول في دبر كل صلاة: «لا إله إلا الله وحده لا شريك
له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع
لما أعطيت ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجدّ منك الجدّ»
وهو صحيح أخرجه البخاري في باب الذكر بعد الصلاة (انظر: الفتح
2/ 325) ، والاعتصام 13/ 264، - ومسلم برقم (593) ، وانظر: شرح
السنة 3/ 225. وللسيوطي رسالة في معناه، انظرها في الحاوي
للفتاوي 1/ 383.
(1/188)
يقال: جدث وجدف «1» ، وفي سورة يس: فَإِذا
هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ [يس/ 51] .
جدر
الجِدَار: الحائط، إلا أنّ الحائط يقال اعتبارا بالإحاطة
بالمكان، والجدار يقال اعتبارا بالنتوّ والارتفاع، وجمعه
جُدُر. قال تعالى: وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ
[الكهف/ 82] ، وقال:
جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقامَهُ [الكهف/ 77] ، وقال
تعالى: أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ [الحشر/ 14] ، وفي الحديث:
«حتى يبلغ الماء الجدر» «2» ، وجَدَرْتُ الجدار: رفعته، واعتبر
منه معنى النتوّ فقيل: جَدَرَ الشجر: إذا خرج ورقه كأنه حمّص،
وسمي النبات الناتئ من الأرض جَدَراً، الواحد: جَدَرَة،
وأَجْدَرت الأرض:
أخرجت ذلك، وجُدِرَ «3» الصبي وجُدِّرَ: إذا خرج جدريّه تشبيها
بجدر الشجر.
وقيل: الجُدَرِيُّ والجُدَرَةُ: سلعة تظهر في الجسد، وجمعها
أَجْدَار، وشاة جَدْرَاء «4» والجَيْدَر: القصير. اشتق ذلك من
الجدار، وزيد فيه حرف على سبيل التهكم حسبما بينّاه في «أصول
الاشتقاق» . والجَدِيرُ: المنتهى لانتهاء الأمر إليه انتهاء
الشيء إلى الجدار، وقد جَدُرَ بكذا فهو جَدِير، وما أَجْدَرَهُ
بكذا وأَجْدِرْ به.
جدل
الجِدَال: المفاوضة على سبيل المنازعة والمغالبة، وأصله من:
جَدَلْتُ الحبل، أي:
أحكمت فتله ومنه: الجَدِيل «5» ، وجدلت البناء:
أحكمته، ودرع مَجْدُولَة، والأَجْدَل: الصقر المحكم البنية.
والمِجْدَل: القصر المحكم البناء، ومنه: الجِدَال، فكأنّ
المتجادلين يفتل كلّ واحد الآخر عن رأيه. وقيل: الأصل في
__________
(1) انظر: المجمل 1/ 179.
(2) الحديث عن عبد الله بن الزبير أنّ رجلا خاصم الزبير في
شراج الحرّة التي يسقون بها، فقال الأنصاري: سرّح الماء يمرّ،
فأبى عليه الزبير، فقال النبي صلّى الله عليه وسلم للزبير: اسق
يا زبير ثم أرسل إلى جارك، قال: فغضب الأنصاري فقال: يا رسول
الله إن كان ابن عمتك؟ فتلوّن وجه رسول الله، ثم قال: اسق ثم
احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر، فقال الزبير: فو الله إني
لأحسب هذه الآية نزلت في ذلك: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ
حَتَّى يُحَكِّمُوكَ.... والحديث صحيح أخرجه الشيخان وأحمد
وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة، انظره في فتح الباري
8/ 254، ومعالم السنن 4/ 181، وسنن ابن ماجة 2/ 829، والمسند
1/ 165، وأبو داود 3637.
(3) انظر: الأمثال 2/ 269، واللسان (جدر) .
(4) في اللسان: وشاة جدراء: تقوّب جلدها عن داء يصيبها، وليس
من جدريّ.
(5) الجديل والجدالة: الأرض. راجع: المحكم 1/ 179.
(1/189)
الجِدَال: الصراع وإسقاط الإنسان صاحبه على
الجَدَالَة، وهي الأرض الصلبة. قال الله تعالى:
وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل/ 125] ،
الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ [غافر/ 35] ، وَإِنْ
جادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ [الحج/ 68] ، قَدْ
جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا [هود/ 32] ، وقرئ: (جدلنا)
«1» . ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا [الزخرف/ 58] ، وَكانَ
الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا [الكهف/ 54] ، وقال
تعالى:
وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللَّهِ [الرعد/ 13] ، يُجادِلُنا فِي
قَوْمِ لُوطٍ [هود/ 74] ، وَجادَلُوا بِالْباطِلِ [غافر/ 5] ،
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ [الحج/ 3] ، وَلا
جِدالَ فِي الْحَجِّ [البقرة/ 197] ، يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا
[هود/ 32] .
جذ
الجَذُّ: كسر الشيء وتفتيته، ويقال لحجارة الذهب المكسورة
ولفتات الذهب: جذاذ، ومنه قوله تعالى: فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً
[الأنبياء/ 58] ، عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ
[هود/ 108] ، أي: غير مقطوع عنهم ولا محترم وقيل: ما عليه
جذّة، أي: متقطع من الثياب.
جذع
الجِذْعُ جمعه جُذُوع، قال: فِي جُذُوعِ النَّخْلِ [طه/ 71] .
جَذَعْتُهُ: قطعته قطع الجذع، والجَذَع من الإبل: ما أتت لها
خمس سنين، ومن الشاة: ما تمّت له سنة. ويقال للدهم الإزالة:
الجذع، تشبيها بالجذع من الحيوان.
جذو
الجَذْوَة والجِذْوَة: الذي يبقى من الحطب بعد الالتهاب،
والجمع: جذى. قال عزّ وجلّ: أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ
[القصص/ 29] ، قال الخليل: يقال: جَذَا يَجْذُو، نحو: جثا يجثو
«2» ، إلا أنّ جذا أدلّ على اللزوم. يقال: جذا القراد في جنب
البعير: إذا شدّ التزامه به، وأَجَذَتِ الشجرة: صارت ذات جذوة.
وفي الحديث:
«كمثل الأرزة المجذية» «3» .
ورجل جَاذٍ: مجموع الباع، كأنّ يديه جذوة، وامرأة جَاذِيَة.
جرح
الجرح: أثر دام في الجلد، يقال: جَرَحَه
__________
(1) وهي قراءة شاذة، قرأ بها ابن عباس. انظر. تفسير القرطبي 9/
28، وإعراب القرآن للنحاس 2/ 88.
(2) انظر: العين 6/ 171.
(3) الحديث: «ومثل المنافق مثل الأرزة المجذية على الأرض حتى
يكون انجعافها مرّة» . والحديث متفق عليه.
راجع: فتح الباري 10/ 103، ومسلم (2810) ، ومسند أحمد 3/ 454،
وشرح السنة 5/ 248. والمجذية:
الثابتة. [.....]
(1/190)
جَرْحاً، فهو جَرِيح ومجروح. قال تعالى:
وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ
[المائدة/ 45] ، وسمي القدح في الشاهد جرحا تشبيها به، وتسمى
الصائدة من الكلاب والفهود والطيور جَارِحَة، وجمعها جَوَارِح،
إمّا لأنها تجرح، وإمّا لأنها تكسب. قال عزّ وجلّ: وَما
عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ [المائدة/ 4] ،
وسميت الأعضاء الكاسبة جوارح تشبيها بها لأحد هذين، والاجتراح:
اكتساب الإثم، وأصله من الجِرَاحة، كما أنّ الاقتراف من: قرف
القرحة «1» ، قال تعالى: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا
السَّيِّئاتِ
[الجاثية/ 21] .
جرد
الجَرَاد معروف، قال تعالى: فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ
الطُّوفانَ وَالْجَرادَ وَالْقُمَّلَ [الأعراف/ 133] ، وقال:
كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ [القمر/ 7] ، فيجوز أن يجعل
أصلا فيشتق من فعله: جَرَدَ الأرض، ويصح أن يقال: إنما سمّي
ذلك لجرده الأرض من النبات، يقال: أرض مَجْرُودَة، أي:
أكل ما عليها حتى تجرّدت. وفرس أَجْرَد:
منحسر الشعر، وثوب جَرْدٌ: خلق، وذلك لزوال وبره وقوّته،
وتَجَرَّدَ عن الثوب، وجَرَّدْتُهُ عنه، وامرأة حسنة المتجرد.
وروي: «جرّدوا القرآن» «2» أي: لا تلبسوه شيئا آخر ينافيه،
وانْجَرَدَ بنا السير «3» ، وجَرِدَ الإنسان «4» : شري جلده من
أكل الجراد.
جرز
قال عزّ وجل: صَعِيداً جُرُزاً
[الكهف/ 8] ، أي: منقطع النبات من أصله، وأرض مَجْرُوزَة: أكل
ما عليها، والجَرُوز: الذي يأكل ما على الخوان، وفي المثل: لا
ترضى شانئة إلا بِجَرْزَة «5» ، أي: باستئصال، والجَارِز:
الشديد من السّعال، تصوّر منه معنى الجرز، والجَرْزُ:
قطع بالسيف، وسيف جُرَاز «6» .
جرع
جَرِعَ الماء يَجْرَعُ، وقيل: جَرَعَ «7» ، وتَجَرَّعَهُ:
__________
(1) في اللسان: قرف القرحة فتقرّفت، أي: قشرها، وذلك إذا يبست.
(2) هذا من كلام ابن مسعود رضي الله عنه، قال: (جرّدوا القرآن
ليربوا فيه صغيركم، ولا ينأى عنه كبيركم، فإنّ الشيطان يخرج من
البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة) . أخرجه ابن أبي شيبة 6/
150.
وراجع غريب الحديث لأبي عبيد 4/ 46، والفائق 1/ 205، والنهاية
1/ 256.
(3) أي: امتدّ.
(4) في اللسان: جرد الرجل بالكسر جردا فهو جرد، شري جلده من
أكل الجراد.
(5) أي: من شدة بغضها لا ترضى للذين تبغضهم إلا بالاستئصال،
انظر: المجمل 1/ 182، ومجمع الأمثال 2/ 212.
(6) جراز كغراب، أي: قطّاع.
(7) راجع: الأفعال 2/ 300.
(1/191)
إذا تكلّف جرعه. قال عزّ وجلّ:
يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ [إبراهيم/ 17] ،
والجُرْعَة: قدر ما يتجرّع، وأفلت بجُرَيْعَة الذّقن «1» ،
بقدر جرعة من النفس. ونوق مَجَارِيع: لم يبق في ضروعها من
اللبن إلا جرع، والجَرَعُ والجَرْعَاء: رمل لا ينبت شيئا كأنّه
يتجرع البذر.
جرف
قال عزّ وجل: عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ
[التوبة/ 109] ، يقال للمكان الذي يأكله السيل فيجرفه- أي:
يذهب به-: جُرْف، وقد جَرَفَ الدهر ماله، أي: اجتاحه تشبيها
به، ورجل جُرَاف: نكحة، كأنه يجرف في ذلك العمل.
جرم
أصل الجَرْم: قطع الثّمرة عن الشجر، ورجل جَارِم، وقوم جِرَام،
وثمر جَرِيم. والجُرَامَة:
رديء التمر المَجْرُوم، وجعل بناؤه بناء النّفاية، وأَجْرَمَ:
صار ذا جرم، نحو: أثمر وألبن، واستعير ذلك لكل اكتساب مكروه،
ولا يكاد يقال في عامّة كلامهم للكيس المحمود، ومصدره: جَرْم،
وقول الشاعر في صفة عقاب:
91-
جريمة ناهض في رأس نيق
«2» فإنه سمّى اكتسابها لأولادها جرما من حيث إنها تقتل
الطيور، أو لأنّه تصورها بصورة مرتكب الجرائم لأجل أولادها،
كما قال بعضهم: ما ذو ولد- وإن كان بهيمة- إلا ويذنب لأجل
أولاده.
- فمن الإجرام قوله عزّ وجل: إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا
كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ [المطففين/ 29] ،
وقال تعالى: فَعَلَيَّ إِجْرامِي [هود/ 35] ، وقال تعالى:
كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ
[المرسلات/ 46] ، وقال تعالى: إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ
وَسُعُرٍ [القمر/ 47] ، وقال عزّ وجل: إِنَّ الْمُجْرِمِينَ،
فِي عَذابِ جَهَنَّمَ خالِدُونَ [الزخرف/ 74] .
- ومن جَرَم، قال تعالى: لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي أَنْ
يُصِيبَكُمْ [هود/ 89] ، فمن قرأ بالفتح «3» فنحو: بغيته مالا،
ومن ضمّ «4» فنحو:
__________
(1) الجريعة: تصغير الجرعة، وهو آخر ما يخرج من النفس.
وقال أبو زيد: يراد أنه كان قريبا من الهلاك كقرب الجرعة من
الذقن. راجع: الغريبين 1/ 341، والنهاية 1/ 261، والمجمل 1/
184.
(2) الشطر لأبي خراش الهذلي، وعجزه:
ترى لعظام ما جمعت صليبا
وهو في ديوان الهذليين 2/ 133، واللسان (جرم) ، والمجمل 1/
184، وشمس العلوم 1/ 310، وديوان الأدب 1/ 399.
(3) أي: فتح الياء وهو قراءة الجميع.
(4) وهو الأعمش وقراءته شاذة.
(1/192)
أبغيته مالا، أي أغثته.
وقوله عزّ وجلّ: وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى
أَلَّا تَعْدِلُوا [المائدة/ 8] ، وقوله عزّ وجل: فَعَلَيَّ
إِجْرامِي
[هود/ 35] ، فمن كسر «1» فمصدر، ومن فتح «2» فجمع جرم.
واستعير من الجرم- أي: القطع- جَرَمْتُ صوف الشاة، وتَجَرَّمَ
الليل «3» .
والجِرْمُ في الأصل: المجروم، نحو نقض ونفض للمنقوض والمنفوض،
وجعل اسما للجسم المجروم، وقولهم: فلان حسن الجرم، أي: اللون،
فحقيقته كقولك: حسن السخاء.
وأمّا قولهم: حسن الجرم، أي: الصوت «4» .
فالجرم في الحقيقة إشارة إلى موضع الصوت لا إلى ذات الصوت،
ولكن لمّا كان المقصود بوصفه بالحسن هو الصوت فسّر به، كقولك:
فلان طيب الحلق، وإنما ذلك إشارة إلى الصوت لا إلى الحلق نفسه.
وقوله عزّ وجل: لا جَرَمَ
«5» قيل: إنّ «لا» يتناول محذوفا، نحو «لا» في قوله تعالى: لا
أُقْسِمُ [القيامة/ 1] ، وفي قول الشاعر:
92-
لا وأبيك ابنة العامري «6»
ومعنى جرم: كسب، أو جنى. و: أَنَّ لَهُمُ النَّارَ [النحل/ 62]
، في موضع المفعول، كأنه قال: كسب لنفسه النار.
وقيل: جَرَمَ وجَرِمَ بمعنى، لكن خصّ بهذا الموضع «جرم» كما
خصّ عمر بالقسم، وإن كان عمر وعمر «7» بمعنى، ومعناه: ليس بجرم
أنّ لهم النار، تنبيها أنهم اكتسبوها بما ارتكبوه إشارة إلى
قوله تعالى: وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها [الجاثية/ 15] .
__________
(1) اتفق جميع القراء على كسر الهمزة من إِجْرامِي.
(2) وهي قراءة شاذة.
(3) أي: ذهب. [.....]
(4) قال ابن مالك:
كسب وأرض ذات حرّ جرم ... وعرب والقطع، أمّا الجرم
فالجسم والصوت، وأمّا الجرم ... فالذّنب لا عوملت بالإذناب
(5) الآية: لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ من سورة النحل:
رقم (62) .
(6) الشطر لامرئ القيس، وعجزه:
لا يدعي القوم أنّي أفرّ
وهو في ديوانه ص 68.
(7) قال الزمخشري: العمر: الحياة والبقاء، وفيه لغات ثلاث:
عمر، وعمر، وعمر، ولا يستعمل في القسم من اللغات الثلاث إلا
المفتوحة، لأنها أخف اللغات، ووزنها أخف الأوزان الثلاثية
كلها، والقسم كثير الاستعمال عندهم فاختاروا له أخفّها، انظر:
أعجب العجب ص 38- 39.
(1/193)
وقد قيل في ذلك أقوال، أكثرها ليس بمرتضى
عند التحقيق «1» .
وعلى ذلك قوله عزّ وجل: فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ
بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ
[النحل/ 22] ، لا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ
وَما يُعْلِنُونَ [النحل/ 23] ، وقال تعالى: لا جَرَمَ
أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخاسِرُونَ [النحل/ 109] .
جرى
الجَرْي: المرّ السريع، وأصله كمرّ الماء، ولما يجري بجريه.
يقال: جَرَى يَجْرِي جِرْيَة وجَرَيَاناً. قال عزّ وجل:
وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي [الزخرف/ 51] ، وقال
تعالى:
جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ [الكهف/
31] ، وقال: وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ [الروم/ 46] ، وقال تعالى:
فِيها عَيْنٌ جارِيَةٌ [الغاشية/ 12] ، وقال: إِنَّا لَمَّا
طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ
[الحاقة/ 11] ، أي: السفينة التي تجري في البحر، وجمعها:
جَوَارٍ، قال عزّ وجلّ: وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ
[الرحمن/ 24] ، وقال تعالى: وَمِنْ آياتِهِ الْجَوارِ فِي
الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ [الشورى/ 32] ، ويقال للحوصلة:
جِرِّيَّة «2» ، إمّا لانتهاء الطعام إليها في جريه، أو لأنها
مجرى الطعام.
والإِجْرِيَّا: العادة التي يجري عليها الإنسان، والجَرِيُّ:
الوكيل والرسول الجاري في الأمر، وهو أخصّ من لفظ الرسول
والوكيل، وقد جَرَيْتُ جَرْياً. وقوله عليه السلام: «لا
يستجرينّكم الشّيطان» «3» يصح أن يدّعى فيه معنى الأصل.
أي: لا يحملنّكم أن تجروا في ائتماره وطاعته، ويصح أن تجعله من
الجري، أي: الرسول والوكيل «4» . ومعناه: لا تتولوا وكالة
الشيطان ورسالته، وذلك إشارة إلى نحو قوله عزّ وجل:
فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ [النساء/ 76] ، وقال عزّ
وجل: إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ [آل
عمران/ 175] .
جزع
قال تعالى: سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا
[إبراهيم/ 21] ، الجَزَع: أبلغ من الحزن، فإنّ الحزن عام
والجزع هو: حزن يصرف الإنسان
__________
(1) انظر: معاني القرآن للفراء 2/ 8- 9.
(2) انظر: المجمل 1/ 185.
(3) الحديث عن مطرّف قال: قال أبي: انطلقت في وفد بني عامر إلى
رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فقلنا: أنت سيدنا فقال:
«السيّد الله عزّ وجل» ، قلنا: وأفضلنا فضلا وأعظمنا طولا،
قال: «فقولوا بقولكم أو بعض قولكم ولا يستجرينّكم الشيطان»
أخرجه أبو داود. انظر: معالم السنن 4/ 112، وأحمد في المسند 3/
241، والبيهقي في الأسماء والصفات ص 39.
(4) راجع: معالم السنن للخطابي 4/ 112.
(1/194)
عمّا هو بصدده، ويقطعه عنه، وأصل الجَزَع:
قطع الحبل من نصفه، يقال: جَزَعْتُهُ فَانْجَزَعَ، ولتصوّر
الانقطاع منه قيل: جِزْعُ الوادي، لمنقطعه، ولانقطاع اللون
بتغيّره قيل للخرز المتلوّن جَزْع، ومنه استعير قولهم: لحم
مُجَزَّع، إذا كان ذا لونين. وقيل للبسرة إذا بلغ الإرطاب
نصفها: مجزّعة. والجَازِع: خشبة تجعل في وسط البيت فتلقى عليها
رؤوس الخشب من الجانبين، وكأنما سمي بذلك إمّا لتصور الجزعة
لما حمل من العبء، وإمّا لقطعه بطوله وسط البيت.
جزء
جُزْءُ الشيء: ما يتقوّم به جملته، كأجزاء السفينة، وأجزاء
البيت، وأجزاء الجملة من الحساب قال تعالى: ثُمَّ اجْعَلْ عَلى
كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً [البقرة/ 260] ، وقال عزّ وجل:
لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ [الحجر/ 44] ، أي:
نصيب، وذلك جزء من الشيء، وقال تعالى: وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ
عِبادِهِ جُزْءاً [الزخرف/ 15] ، وقيل: ذلك عبارة عن الإناث،
من قولهم: أَجْزَأَتِ المرأة: أتت بأنثى «1» .
وجَزَأَ الإبل: مَجْزَءاً وجَزْءاً: اكتفى بالبقل عن شرب
الماء. وقيل: اللّحم السمين أجزأ من المهزول «2» ، وجُزْأَة
السكين: العود الذي فيه السيلان، تصوّرا أنه جزء منه.
جزا
الجَزَاء: الغناء والكفاية، وقال تعالى: لا يَجْزِي والِدٌ
عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً
[لقمان/ 33] ، والجَزَاء: ما فيه الكفاية من المقابلة، إن خيرا
فخير، وإن شرا فشر.
يقال: جَزَيْتُهُ كذا وبكذا. قال الله تعالى:
وَذلِكَ جَزاءُ مَنْ تَزَكَّى [طه/ 76] ، وقال:
فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى [الكهف/ 88] ، وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ
سَيِّئَةٌ مِثْلُها [الشورى/ 40] ، وقال تعالى: وَجَزاهُمْ
بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً [الإنسان/ 12] ، وقال عزّ
وجل:
جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً [الإسراء/ 63] ، أُوْلئِكَ
يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا [الفرقان/ 75] ، وَما
تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [الصافات/ 39] ،
والجِزْيَة: ما يؤخذ من أهل الذمة، وتسميتها بذلك للاجتزاء بها
عن حقن دمهم. قال الله تعالى: حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ
عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ [التوبة/ 29] ، ويقال:
جازيك فلان، أي: كافيك.
ويقال: جَزَيْتُهُ بكذا وجَازَيْتُهُ، ولم يجئ في القرآن إلا
جزى دون جازى، وذاك أنّ المجازاة
__________
(1) وردّ هذا الزمخشري في تفسيره. راجع: الكشاف 3/ 413.
(2) انظر: المجموع المغيث 1/ 324.
(1/195)
هي المكافأة، وهي المقابلة من كل واحد من
الرجلين، والمكافأة هي: مقابلة نعمة بنعمة هي كفؤها. ونعمة
الله تتعالى عن ذلك، ولهذا لا يستعمل لفظ المكافأة في الله عزّ
وجل «1» ، وهذا ظاهر.
جسس
قال الله تعالى: وَلا تَجَسَّسُوا
[الحجرات/ 12] ، أصل الجَسِّ: مسُّ العرق وتعرّف نبضه للحكم به
على الصحة والسقم، وهو أخص من الحسّ، فإنّ الحس تعرّف ما يدركه
الحس. والجَسُّ: تعرّف حال ما من ذلك، ومن لفظ الجسّ اشتق
الجاسوس «2» .
جسد
الجَسَد كالجسم لكنه أخصّ، قال الخليل رحمه الله: لا يقال
الجسد لغير الإنسان من خلق الأرض «3» ونحوه، وأيضا فإنّ الجسد
ما له لون، والجسم يقال لما لا يبين له لون، كالماء والهواء.
وقوله عزّ وجلّ: وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ
الطَّعامَ [الأنبياء/ 8] ، يشهد لما قال الخليل، وقال: عِجْلًا
جَسَداً لَهُ خُوارٌ [طه/ 88] ، وقال تعالى: وَأَلْقَيْنا عَلى
كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنابَ [ص/ 34] .
وباعتبار اللون قيل للزعفران: جِسَاد، وثوب مِجْسَد: مصبوغ
بالجساد «4» ، والمِجْسَد: الثوب الذي يلي الجسد، والجَسَد
والجَاسِد والجَسِد من الدم ما قد يبس.
جسم
الجسم: ما له طول وعرض وعمق، ولا تخرج أجزاء الجسم عن كونها
أجساما وإن قطع ما قطع، وجزّئ ما قد جزئ. قال الله تعالى:
وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ [البقرة/ 247] ،
وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ [المنافقون/ 4] ،
تنبيها أن لا وراء الأشباح معنى معتدّ به، والجُسْمَان قيل: هو
الشخص، والشخص قد يخرج من كونه شخصا بتقطيعه وتجزئته بخلاف
الجسم.
جعل
جَعَلَ: لفظ عام في الأفعال كلها، وهو أعمّ من فعل وصنع وسائر
أخواتها، ويتصرّف على خمسة أوجه:
الأول: يجري مجرى صار وطفق فلا يتعدّى، نجو جعل زيد يقول كذا
«5» ، قال الشاعر:
__________
(1) راجع: البصائر 1/ 381.
(2) وهذا الفصل منقول حرفيا في البصائر، انظر: 1/ 382.
(3) انظر: العين 6/ 47.
(4) انظر: العين 6/ 48. [.....]
(5) وهذا الباب نقل السيوطي جلّه في الإتقان 2/ 210.
(1/196)
93-
فقد جعلت قلوص بني سهيل ... من الأكوار مرتعها قريب «1»
والثاني: يجري مجرى أوجد، فيتعدّى إلى مفعول واحد نحو قوله عزّ
وجل: وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ [الأنعام/ 1] ، وَجَعَلَ
لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ [النحل/ 78] .
والثالث: في إيجاد شيء من شيء وتكوينه منه، نحو: وَاللَّهُ
جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً [النحل/ 72] ،
وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً [النحل/ 81] ،
وَجَعَلَ لَكُمْ فِيها سُبُلًا [الزخرف/ 10] .
والرابع: في تصيير الشيء على حالة دون حالة، نحو: الَّذِي
جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً [البقرة/ 22] ، وقوله: جَعَلَ
لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالًا [النحل/ 81] ، وَجَعَلَ
الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً [نوح/ 16] ، وقوله تعالى: إِنَّا
جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا [الزخرف/ 3] .
والخامس: الحكم بالشيء على الشيء، حقا كان أو باطلا، فأمّا
الحقّ فنحو قوله تعالى: إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ
مِنَ الْمُرْسَلِينَ [القصص/ 7] ، وأمّا الباطل فنحو قوله عزّ
وجل: وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ
وَالْأَنْعامِ نَصِيباً [الأنعام/ 136] ، وَيَجْعَلُونَ
لِلَّهِ الْبَناتِ [النحل/ 57] ، الَّذِينَ جَعَلُوا
الْقُرْآنَ عِضِينَ [الحجر/ 91] .
والجِعَالَة الجُعَالَة: خرقة ينزّل بها القدر، والجُعْل
والجَعَالَة والجَعِيلَة: ما يجعل للإنسان بفعله فهو أعمّ من
الأجرة والثواب، وكلب مُجْعِل، كناية عن طلب السفاد، والجُعَل:
دويبة.
جفن
الجَفْنَة خصت بوعاء الأطعمة، وجمعها جِفَان، قال عزّ وجل:
وَجِفانٍ كَالْجَوابِ [سبأ/ 13] ، وفي حديث «وأنت الجفنة
الغرّاء» «2» أي: المطعام، وقيل للبئر الصغيرة جفنة تشبيها
بها، والجِفْن خصّ بوعاء السيف والعين، وجمعه أجفان، وسمي
الكرم جفنا تصوّرا أنّه وعاء العنب.
جفأ
قال تعالى: فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً
[الرعد/ 17] ، وهو ما يرمي به الوادي أو القدر من الغثاء إلى
جوانبه. يقال: أَجْفَأَتِ القدر زبدها: ألقته، إِجْفَاء،
وأَجْفَأَتِ الأرض: صارت
__________
(1) البيت لرجل من بحتر بن عتود، وهو في الخزانة 9/ 352، ومغني
اللبيب ص 310، وشفاء العليل بشرح التسهيل 1/ 345، والأشموني 1/
259.
(2) الحديث، عن عبد الله بن الشخير أنّه وفد إلى النبي في رهط
بني عامر، قال: فأتيناه فسلّمنا عليه فقلنا: أنت ولينا وأنت
سيدنا، وأنت أطول علينا طولا، وأنت أفضلنا علينا فضلا، وأنت
الجفنة الغرّاء، فقال: «قولوا قولكم ولا يستجرنّكم الشيطان» .
أخرجه أحمد في المسند 4/ 250.
(1/197)
كالجفاء في ذهاب خيرها، وقيل: أصل ذلك
الواو لا الهمز «1» ، ويقال: جفت القدر وأجفت، ومنه: الجفاء،
وقد جفوته أجفوه جفوة وجفاء، ومن أصله أخذ: جفا السرج عن ظهر
الدابة:
رفعه عنه.
جلَ
الجَلَالَة: عظم القدر، والجلال بغير الهاء:
التناهي في ذلك، وخصّ بوصف الله تعالى، فقيل: ذُو الْجَلالِ
وَالْإِكْرامِ [الرحمن/ 27] ، ولم يستعمل في غيره، والجليل:
العظيم القدر. ووصفه تعالى بذلك «2» إمّا لخلقه الأشياء
العظيمة المستدلّ بها عليه، أو لأنه يجلّ عن الإحاطة به، أو
لأنه يجلّ أن يدرك بالحواس.
وموضوعه للجسم العظيم الغليظ، ولمراعاة معنى الغلظ فيه قوبل
بالدقيق، وقوبل العظيم بالصغير، فقيل: جَلِيل ودقيق، وعظيم
وصغير، وقيل للبعير: جليل، وللشاة: دقيق، اعتبارا لأحدهما
بالآخر، فقيل: ما له جليل ولا دقيق وما أجلّني ولا أدقّني «3»
. أي: ما أعطاني بعيرا ولا شاة، ثم صار مثلا في كل كبير وصغير.
وخص الجُلَالةَ بالناقة الجسيمة، والجِلَّة بالمسانّ منها،
والجَلَل:
كل شيء عظيم، وجَلَلْتُ كذا: تناولت، وتَجَلَّلْتُ البقر:
تناولت جُلَالَه، والجَلَل: المتناول من البقر، وعبّر به عن
الشيء الحقير، وعلى ذلك قوله: كلّ مصيبة بعده جلل.
والجَلَل: ما معظم الشيء، فقيل: جَلَّ الفرس، وجل الثمن،
والمِجَلَّة: ما يغطى به الصحف، ثمّ سميت الصحف مَجَلَّة.
وأمّا الجَلْجَلَة فحكاية الصوت، وليس من ذلك الأصل في شيء،
ومنه: سحاب مُجَلْجِل أي: مصوّت. فأمّا سحاب مُجَلِّل فمن
الأول، كأنه يُجَلِّل «4» الأرض بالماء والنبات.
جلب
أصل الجَلْب: سوق الشيء. يقال: جَلَبْتُ جَلْباً، قال الشاعر:
94-
وقد يجلب الشيء البعيد الجوالب
«5» وأَجْلَبْتُ عليه: صحت عليه بقهر. قال الله عزّ وجل:
وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ [الإسراء/ 64] ،
والجَلَب المنهي عنه في قوله
__________
(1) ولهذا ذكر ابن فارس هذه المادة في باب (جفو) ، انظر:
المجمل 1/ 192.
(2) راجع: الأسماء والصفات ص 39.
(3) انظر: أساس البلاغة ص 62، والبصائر 1/ 386، والمجمل 1/
173.
(4) أي: يعمّ.
(5) هذا عجز بيت، وصدره:
أتيح لها من أرضه وسمائه
[استدراك] وهو في معجم مقاييس اللغة (جلب) ، والمجمل 1/ 194،
والبصائر 1/ 386 بلا نسبة فيهما من المحققين.
وهو للبحتري في ديوانه 1/ 155.
(1/198)
عليه السلام: «لا جَلَب» «1» قيل: هو أن
يجلب المصّدّق أغنام القوم عن مرعاها فيعدها، وقيل:
هو أن يأتي أحد المتسابقين بمن يجلب على فرسه، وهو أن يزجره
ويصيح به ليكون هو السابق.
والجُلْبَة: قشرة تعلو الجرح، وأجلب فيه، والجِلْبُ: سحابة
رقيقة تشبه الجلبة.
والجَلابيب: القمص والخمر، الواحد: جِلْبَاب.
جلت
قال تعالى: وَلَمَّا بَرَزُوا لِجالُوتَ وَجُنُودِهِ
[البقرة/ 250] ، وذلك أعجميّ لا أصل له في العربية.
جلد
الجِلْد: قشر البدن، وجمعه جُلُود. قال الله تعالى: كُلَّما
نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها
[النساء/ 56] ، وقوله تعالى: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ
الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ
جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ
جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ [الزمر/ 23] .
والجُلُود عبارة عن الأبدان، والقلوب عن النفوس. وقوله عزّ
وجل: حَتَّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ
وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ [فصلت/
20] ، وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا [فصلت/
21] ، فقد قيل: الجلود هاهنا كناية عن الفروج «2» ، وجلَدَهُ:
ضرب جلده، نحو: بطنه وظهره، أو ضربه بالجلد، نحو: عصاه إذا
ضربه بالعصا، وقال تعالى: فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً
[النور/ 4] .
والجَلَد: الجلد المنزوع عن الحوار، وقد جَلُدَ جَلَداً فهو
جَلْدٌ وجَلِيد، أي: قويّ، وأصله لاكتساب الجلد قوّة، ويقال:
ما له معقول ولا مَجْلُود «3» ، أي: عقل وجَلَد.
وأرض جَلْدَة تشبيها بذلك، وكذا ناقة جلدة، وجَلَّدْتُ كذا،
أي: جعلت له جلدا. وفرس مُجَلَّد: لا يفزع من الضرب، وإنما هو
تشبيه بالمجلّد الذي لا يلحقه من الضرب ألم، والجَلِيد:
الصقيع، تشبيها بالجلد في الصلابة.
جلس
أصل الجَلْس: الغليظ من الأرض، وسمي النجد جلسا لذلك، وروي
«أنّه عليه السلام أعطاهم معادن القبلية غوريّها وجَلْسِيّها»
«4» .
__________
(1) الحديث عن عمران بن حصين عن النبي صلّى الله عليه وسلم
قال: «لا جلب ولا جنب ولا شغار في الإسلام، ومن انتهب نهبة
فليس منا» أخرجه النسائي والترمذي، وقال الترمذي: هذا حديث حسن
صحيح، وأخرجه أحمد والضياء عن أنس إلى قوله: «في الإسلام»
انظر: عارضة الأحوذي 5/ 52، وسنن النسائي 6/ 111، والمسند 2/
92.
(2) انظر: المنتخب من كنايات الأدباء للجرجاني ص 9.
(3) انظر: الصاحبي لابن فارس ص 395، وراجع مادة (بقي) في
الحاشية 5 ص 139.
(4) الحديث عن عوف المزني أنّ النبي صلّى الله عليه وسلم أقطع
بلال بن الحارث معادن القبليّة جلسيّها وغوريّها وحيث يصلح
الزرع- من قدس، ولم يعطه حق مسلم، وكتب له النبي صلّى الله
عليه وسلم بذلك كتابا.
أخرجه أبو داود في باب إقطاع الأرضين بطريقين أحدهما عن ابن
عباس وهو حسن، والآخر عن عوف وهو ضعيف. راجع معالم السنن 3/
41، وهو في المستدرك 3/ 17، ومعالم السنن 8/ 280.
ومعادن القبلية: من ناحية الفرع. قوله: غوريها وجلسيها يريد
أنه أقطعه وهادها ورباها.
(1/199)
وجَلَسَ أصله أن يقصد بمقعده جلسا من
الأرض، ثم جعل الجُلُوس لكل قعود، والمَجْلِس: لكلّ موضع يقعد
فيه الإنسان. قال الله تعالى: إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا
فِي الْمَجالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ
[المجادلة/ 11] .
جلو
أصل الجَلْو: الكشف الظاهر، يقال: أَجْلَيْتُ القوم عن منازلهم
فَجَلَوْا عنها. أي: أبرزتهم عنها، ويقال: جلاه، نحو قول
الشاعر:
95-
فلما جلاها بالأيام تحيّزت ... ثبات عليها ذلّها واكتئابها
«1» وقال الله عزّ وجل: وَلَوْلا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ
عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا
[الحشر/ 3] ، ومنه: جَلَا لي خَبَرٌ، وخَبَرٌ جَلِيٌّ، وقياس
جليّ «2» ، ولم يسمع فيه جال. وجَلَوْتُ العروس جِلْوَة،
وجَلَوْتُ السيف جَلَاءً، والسماء جَلْوَاء أي: مصحية، ورجل
أَجْلَى: انكشف بعض رأسه عن الشعر، والتَّجَلِّي قد يكون
بالذات نحو: وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى [الليل/ 2] ، وقد يكون
بالأمر والفعل، نحو: فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ
[الأعراف/ 143] . وقيل: فلان ابن جلا «3» أي: مشهور،
وأَجْلَوْا عن قتيل إِجْلَاءً.
جمَ
قال الله تعالى: وَتُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا
[الفجر/ 20] ، أي: كثيرا، من: جَمَّة الماء، أي: معظمه ومجتمعه
الذي جُمَّ فيه الماء عن السيلان، وأصل الكلمة من الجَمَام،
أي:
الراحة للإقامة وترك تحمّل التعب، وجُمَام «4» المكوك دقيقا،
وجمام القدح ماء: إذا امتلأ حتى عجز عن تحمل الزيادة.
ولاعتبار معنى الكثرة قيل الجُمَّة لقوم يجتمعون في تحمل
مكروه، ولما اجتمع من شعر الناصية، وجَمَّةُ البئر: مكان يجتمع
فيه الماء كأنه أجمّ أياما، وقيل للفرس: جَمُوم الشدّ، تشبيها
به، والجَمَّاء الغفير، والجَمُّ الغفير: الجماعة من الناس،
وشاة جَمَّاء: لا قرن لها، اعتبارا بجمّة الناصية.
__________
(1) البيت لأبي ذؤيب الهذلي، وهو في ديوان الهذليين 1/ 79،
والمجمل 1/ 193.
(2) يسمى قياس العلة، وهو ما كانت العلة موجبة فيه للحكم،
كقياس الضرب على التأفيف للوالدين في التحريم لعلة الإيذاء
راجع شرح الورقات للمحلّي ص 20. [.....]
(3) اللسان: جلا.
(4) جمام المكوك بتثليث الجيم، وهو ما علا رأسه فوق طفافه ولا
يقال: جمام بالضم إلا في الدقيق وأشباهه.
(1/200)
جمح
قال تعالى: وَهُمْ يَجْمَحُونَ
[التوبة/ 57] ، الجَمُوح أصله في الفرس إذا غلب فارسه بنشاطه
في مروره وجريانه، وذلك أبلغ من النشاط والمرح، والجُمَاح: سهم
يجعل على رأسه كالبندقة يرمي به الصبيان «1» .
جمع
الجَمْع: ضمّ الشيء بتقريب بعضه من بعض، يقال: جَمَعْتُهُ
فَاجْتَمَعَ، وقال عزّ وجل:
وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ [القيامة/ 9] ، وَجَمَعَ
فَأَوْعى [المعارج/ 18] ، جَمَعَ مالًا وَعَدَّدَهُ [الهمزة/
2] ، وقال تعالى:
يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنا بِالْحَقِّ
[سبأ/ 26] ، وقال تعالى: لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ
خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ [آل عمران/ 157] ، قُلْ لَئِنِ
اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ [الإسراء/ 88] ، وقال تعالى:
فَجَمَعْناهُمْ جَمْعاً [الكهف/ 99] ، وقال تعالى: إِنَّ
اللَّهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ
[النساء/ 140] ، وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ
[النور/ 62] ، أي: أمر له خطر يجتمع لأجله الناس، فكأنّ الأمر
نفسه جمعهم. وقوله تعالى: ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ
النَّاسُ
[هود/ 103] ، أي: جمعوا فيه، نحو:
وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ [الشورى/ 7] ، وقال تعالى: يَوْمَ
يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ [التغابن/ 9] ، ويقال
للمجموع: جَمْعُ وجَمِيعُ وجَمَاعَةُ، وقال تعالى: وَما
أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ
[آل عمران/ 166] ، وقال عزّ وجل:
وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ [يس/ 32] ،
والجُمَّاع يقال في أقوام متفاوتة اجتمعوا.
قال الشاعر:
96-
جمع غير جمّاع
«2» وأَجْمَعْتُ كذا أكثر ما يقال فيما يكون جمعا يتوصل إليه
بالفكرة، نحو: فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ [يونس/
71] ، قال الشاعر:
97-
هل أغدون يوما وأمري مجمع
«3» وقال تعالى: فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ [طه/ 64] ، ويقال:
أَجْمَعَ المسلمون على كذا:
اجتمعت آراؤهم عليه، ونهب مجمع: ما يوصل إليه بالتدبير
والفكرة، وقوله عزّ وجل:
__________
(1) انظر: المجمل 1/ 197.
(2) البيت:
حتى تجلّت ولنا غاية ... من بين جمع غير جمّاع
وهو لأبي قيس بن الأسلت الأنصاري في المفضليات ص 285، وأساس
البلاغة ص 64، واللسان (جمع) .
(3) هذا عجز بيت، وشطره:
يا ليت شعري والمنى لا تنفع
وهو في اللسان (جمع) ، ومعاني الفراء 1/ 473، والنوادر ص 133،
والخصائص 2/ 136.
(1/201)
إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ [آل
عمران/ 173] ، قيل: جمعوا آراءهم في التدبير عليكم، وقيل:
جمعوا جنودهم. وجَمِيعٌ وأَجْمَعُ وأَجْمَعُونَ يستعمل لتأكيد
الاجتماع على الأمر، فأمّا أجمعون فتوصف به المعرفة، ولا يصح
نصبه على الحال. نحو قوله تعالى: فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ
كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ [الحجر/ 30] ، وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ
أَجْمَعِينَ [يوسف/ 93] ، فأمّا جميع فإنّه قد ينصب على الحال
فيؤكّد به من حيث المعنى، نحو: اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً
[البقرة/ 38] ، وقال: فَكِيدُونِي جَمِيعاً [هود/ 55] ،
وقولهم: يوم الجمعة، لاجتماع الناس للصلاة، قال تعالى: إِذا
نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى
ذِكْرِ اللَّهِ [الجمعة/ 9] ، ومسجد الجامع، أي: الأمر الجامع،
أو الوقت الجامع، وليس الجامع وصفا للمسجد، وجَمَّعُوا: شهدوا
الجمعة، أو الجامع أو الجماعة.
وأتانٌ جامع «1» : إذا حملت، وقِدْر جِمَاع جامعة: عظيمة،
واستجمع الفرس جريا: بالغ، فمعنى الجمع ظاهر. وقولهم: ماتت
المرأة بِجُمْع: إذا كان ولدها في بطنها، فلتصور اجتماعهما،
وقولهم: هي منه بِجُمْعٍ: إذا لم تفتضّ: فلاجتماع ذلك العضو
منها وعدم التشقق فيه، وضربه بِجُمْعِ كفّه: إذا جمع أصابعه
فضربه بها، وأعطاه من الدراهم جمع الكف.
أي: ما جمعته كفّه. والجوامع: الأغلال، لجمعها الأطراف.
جمل
الجَمَال: الحسن الكثير، وذلك ضربان:
أحدهما: جمال يخصّ الإنسان في نفسه أو بدنه أو فعله.
والثاني: ما يوصل منه إلى غيره. وعلى هذا الوجه ما روي عنه
صلّى الله عليه وسلم: «إنّ الله جميل يحبّ الجمال» «2» تنبيها
أنّه منه تفيض الخيرات الكثيرة، فيحبّ من يختص بذلك.
وقال تعالى: وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ [النحل/
6] ، ويقال: جَمِيلٌ وجَمَال على التكثير. قال الله تعالى:
فَصَبْرٌ جَمِيلٌ [يوسف/ 83] ، فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلًا
[المعارج/ 5] ، وقد جَامَلْتُ فلانا، وأَجْمَلْتُ في
__________
(1) قال ابن فارس: يقال للأتان أول ما تحمل: جامع. راجع المجمل
1/ 198.
(2) الحديث صحيح، وقد أخرجه مسلم والترمذي عن ابن مسعود،
والطبراني في الكبير عن أبي أمامة، والحاكم عن ابن عمر، وابن
عساكر عن جابر وابن عمر. انظر: الفتح الكبير 1/ 331، ورواية
البيهقي عن ابن مسعود عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال:
«لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، ولا يدخل
النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان» ، فقال رجل: يا رسول
الله، الرجل يحبّ أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا؟ فقال رسول
الله صلّى الله عليه وسلم: «إنّ الله جميل يحبّ الجمال، الكبر
من بطر الحق وغمص الناس» وكذا رواه البيهقي بهذه الرواية
(انظر: الأسماء والصفات ص 60) ، وصحيح مسلم كتاب الإيمان 1/ 93
باب تحريم الكبر، والمستدرك 4/ 181 و 1/ 26.
(1/202)
كذا، وجمالك، أي: أجمل، واعتبر منه معنى
الكثرة، فقيل لكلّ جماعة غير منفصلة: جُمْلَة، ومنه قيل للحساب
الذي لم يفصّل والكلام الذي لم يبيّن: مُجْمَل، وقد أجملت
الحساب، وأجملت في الكلام. قال تعالى: وَقالَ الَّذِينَ
كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً
واحِدَةً
[الفرقان/ 32] ، أي: مجتمعا لا كما أنزل نجوما مفترقة. وقول
الفقهاء: المُجْمَل: ما يحتاج إلى بيان، فليس بحدّ له ولا
تفسير، وإنما هو ذكر بعض أحوال الناس معه، والشيء يجب أن تبيّن
صفته في نفسه التي بها يتميز، وحقيقة المجمل:
هو المشتمل على جملة أشياء كثيرة غير ملخّصة.
والجَمَلُ يقال للبعير إذا بزل «1» ، وجمعه جِمَال وأَجْمَال
وجِمَالة قال الله تعالى: حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ
الْخِياطِ [الأعراف/ 40] ، وقوله:
جِمالَتٌ صُفْرٌ
«2» [المرسلات/ 33] ، جمع جِمَالة، والجِمَالَة جمع جَمَل،
وقرئ:
جمالات «3» بالضم، وقيل: هي القلوص، والجَامِل: قطعة من الإبل
معها راعيها، كالباقر، وقولهم: اتّخذ الليل جملا «4» فاستعارة،
كقولهم: ركب الليل، وتسمية الجمل بذلك يجوز أن يكون لما قد
أشار إليه بقوله: وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ [النحل/ 6] ، لأنهم
كانوا يعدّون ذلك جمالا لهم. وجَمَلْتُ الشحم: أذبته،
والجَمِيل: الشحم المذاب، والاجتمال:
الادهان به، وقالت امرأة لبنتها: تَجَمَّلِي وتعفّفي «5» ، أي:
كلي الجميل، واشربي العفافة «6» .
جنَ
أصل الجِنِّ: ستر الشيء عن الحاسة، يقال:
جَنَّه الليل وأَجَنَّهُ وجَنَّ عليه، فَجَنَّهُ: ستره،
وأَجَنَّه جعل له ما يجنّه، كقولك: قبرته وأقبرته، وسقيته
وأسقيته، وجَنَّ عليه كذا: ستر عليه، قال عزّ وجل: فَلَمَّا
جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً [الأنعام/ 76] ،
والجَنَان: القلب، لكونه مستورا عن الحاسة، والمِجَنُّ
والمِجَنَّة: الترس الذي يجنّ صاحبه. قال عزّ وجل: اتَّخَذُوا
أَيْمانَهُمْ جُنَّةً
[المجادلة/ 16] ، وفي الحديث:
«الصّوم جنّة» «7» .
__________
(1) بزل البعير يبزل: فطر نابه أي: انشق.
(2) وهي قراءة نافع وأبي جعفر وابن كثير وأبي عمرو وابن عامر
ويعقوب بخلفه وشعبة عن عاصم، وقرأ حفص وحمزة والكسائي وخلف:
جمالة.
(3) وبها قرأ رويس عن يعقوب، وهي قراءة صحيحة متواترة. راجع:
الإتحاف ص 430.
(4) انظر: أساس البلاغة ص 64.
(5) راجع: المجمل لابن فارس 1/ 198.
(6) العفافة: وهو ما بقي في الضرع من اللبن.
(7) الحديث يروى: «الصيام جنّة» وهو صحيح متفق عليه. وأخرجه
مالك في الموطأ، باب جامع الصيام، انظر: تنوير الحوالك 1/ 287،
وفتح الباري 4/ 87، ومسلم رقم (1151) ، وانظر: شرح السنة
للبغوي 6/ 225. [.....]
(1/203)
والجَنَّةُ: كلّ بستان ذي شجر يستر بأشجاره
الأرض، قال عزّ وجل: لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ
آيَةٌ جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ [سبأ/ 15] ،
وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ [سبأ/ 16] ،
وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ [الكهف/ 39] ، قيل: وقد تسمى
الأشجار الساترة جَنَّة، وعلى ذلك حمل قول الشاعر:
98-
من النّواضح تسقي جنّة سحقا
«1» وسميت الجنّة إمّا تشبيها بالجنّة في الأرض- وإن كان
بينهما بون-، وإمّا لستره نعمها عنّا المشار إليها بقوله
تعالى: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ
أَعْيُنٍ [السجدة/ 17] . قال ابن عباس رضي الله عنه: إنما قال:
جَنَّاتٍ
«2» بلفظ الجمع لكون الجنان سبعا:
جنة الفردوس، وعدن، وجنة النعيم، ودار الخلد، وجنة المأوى،
ودار السلام، وعليّين.
والجنين: الولد ما دام في بطن أمه، وجمعه:
أَجِنَّة. قال تعالى: وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ
أُمَّهاتِكُمْ [النجم/ 32] ، وذلك فعيل في معنى مفعول، والجنين
القبر «3» ، وذلك فعيل في معنى فاعل. والجِنّ يقال على وجهين:
أحدهما للروحانيين المستترة عن الحواس كلها بإزاء الإنس، فعلى
هذا تدخل فيه الملائكة والشياطين، فكلّ ملائكة جنّ، وليس كلّ
جنّ ملائكة، وعلى هذا قال أبو صالح «4» : الملائكة كلها جنّ،
وقيل: بل الجن بعض الروحانيين، وذلك أنّ الروحانيين ثلاثة:
- أخيار: وهم الملائكة.
- وأشرار: وهم الشياطين.
- وأوساط فيهم أخيار وأشرار: وهم الجن، ويدلّ على ذلك قوله
تعالى: قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ إلى قوله: وَأَنَّا مِنَّا
الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقاسِطُونَ [الجن/ 1- 14] .
والجِنَّة: جماعة الجن. قال تعالى: مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ
[الناس/ 6] ، وقال تعالى:
وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً [الصافات/
158] . والجِنَّة: الجنون، وقال تعالى:
__________
(1) هذا عجز بيت، وصدره:
كأنّ عينيّ في غربي مقتّلة
وهو لزهير بن أبي سلمى في ديوانه ص 40، والمجمل 1/ 175.
(2) وذلك في قوله تعالى: كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ
نُزُلًا الكهف: 107.
(3) قال ابن فارس: والجنين: المقبور، وكذا في اللسان، والجنن:
القبر لستره الميت.
(4) عبد الله بن صالح، أبو صالح المصري، كاتب الليث، صدوق كثير
الغلط، ثبت في كتابه، وكانت فيه غفلة، شيخ الكلبي، يروي عن ابن
عباس، وفيه ضعف. مات سنة 122 هـ. انظر: تقريب التهذيب ص 308.
(1/204)
ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ [سبأ/ 46]
أي: جنون.
والجُنون: حائل بين النفس والعقل، وجُنَّ فلان قيل: أصابه
الجن، وبني فعله كبناء الأدواء نحو: زكم ولقي «1» وحمّ، وقيل:
أصيب جنانه، وقيل: حيل بين نفسه وعقله، فجن عقله بذلك وقوله
تعالى: مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ [الدخان/ 14] ، أي: ضامّة من يعلمه
من الجن، وكذلك قوله تعالى: أَإِنَّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا
لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ [الصافات/ 36] ، وقيل:
99-
جنّ التلاع والآفاق
«2» أي: كثر عشبها حتى صارت كأنها مجنونة، وقوله تعالى:
وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ
[الحجر/ 27] فنوع من الجنّ، وقوله تعالى: كَأَنَّها جَانٌّ
[النمل/ 10] ، قيل:
ضرب من الحيّات.
جنب
أصل الجَنْب: الجارحة، وجمعه: جُنُوب، قال الله عزّ وجل:
فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ [التوبة/ 35] ، وقال
تعالى: تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ [السجدة/ 16] ،
وقال عزّ وجلّ: قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ [آل
عمران/ 191] .
ثم يستعار من الناحية التي تليها كعادتهم في استعارة سائر
الجوارح لذلك، نحو: اليمين والشمال، كقول الشاعر:
100-
من عن يميني مرّة وأمامي
«3» وقيل: جنب الحائط وجنبه، وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ
[النساء/ 36] ، أي: القريب، وقيل:
كناية عن المرأة «4» ، وقيل: عن الرفيق في السفر «5» .
قال تعالى: يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ
[الزمر/ 56] ، أي: في أمره وحدّه الذي حدّه لنا.
وسار جَنْبَيْهِ وجَنْبَتَيْهِ، وجَنَابَيْهِ وجَنَابَتَيْهِ،
وجَنَبْتُهُ: أصبت جنبه، نحو: كبدته وفأدته.
وجُنِبَ: شكا جنبه، نحو: كبد وفئد، وبني من الجنب الفعل على
وجهين:
أحدهما: الذهاب على ناحيته.
والثاني: الذهاب إليه.
__________
(1) أي: أصابته اللقوة، وهو داء في الوجه يعوجّ منه الشّدق.
(2) البيت بتمامه:
فإذا جادت الدّجى وضعوا القدح ... وجنّ التلاع والآفاق
وهو للأعشى في ديوانه ص 129.
(3) هذا عجز بيت، وشطره:
فلقد أراني للرماح دريئة
وهو لقطري بن الفجاءة، في مغني اللبيب ص 199، وشرح ابن عقيل 1/
243، وخزانة الأدب 10/ 163.
(4) أخرجه ابن جرير 5/ 81 عن عليّ وابن عباس.
(5) أخرجه ابن جرير 5/ 81 عن مجاهد.
(1/205)
فالأول نحو: جَنَبْتُهُ، وأَجْنَبْتُهُ،
ومنه:
وَالْجارِ الْجُنُبِ [النساء/ 36] ، أي:
البعيد، قال الشاعر:
101-
فلا تحرمنّي نائلا عن جنابة
«1» أي: عن بعد. ورجل جَنِبٌ وجَانِبٌ. قال عزّ وجل: إِنْ
تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ
[النساء/ 31] ، وقال عزّ وجل: وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ
[الحج/ 30] ، واجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [الزمر/ 17] عبارة عن
تركهم إياه، فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [المائدة/
90] ، وذلك أبلغ من قولهم: اتركوه. وجنب بنو فلان: إذا لم يكن
في إبلهم اللبن، وجُنِبَ فلان خيرا، وجنب شرا «2» . قال تعالى
في النار: وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ
يَتَزَكَّى [الليل/ 17- 18] ، وذلك إذا أطلق فقيل: جنب فلان
فمعناه: أبعد عن الخير، وذلك يقال في الدعاء في الخير، وقوله
عزّ وجل: وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ
[إبراهيم/ 35] ، من: جنبته عن كذا أي: أبعدته، وقيل: هو من
جنبت الفرس، كأنما سأله أن يقوده عن جانب الشرك بألطاف منه
وأسباب خفيّة. والتجنيب: الرّوح في الرّجلين، وذلك إبعاد إحدى
الرجلين عن الأخرى خلقة.
وقوله تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا
[المائدة/ 6] ، أي: إن أصابتكم الجنابة، وذلك بإنزال الماء أو
بالتقاء الختانين، وقد جَنُبَ وأَجْنَبَ واجْتَنَبَ
وتَجَنَّبَ، وسميت الجنابة بذلك لكونها سببا لتجنب الصلاة في
حكم الشرع، والجَنُوب يصح أن يعتبر فيها معنى المجيء من جانب
الكعبة «3» ، وأن يعتبر فيها معنى الذهاب عنه، لأنّ المعنيين
فيها موجودان، واشتق من الجنوب جَنَبَتِ الريحُ: هبّت جنوبا،
فَأَجْنَبْنَا:
دخلنا فيها، وجُنِبْنَا: أصابتنا، وسحابة مَجْنُوبَة:
هبّت عليها.
جنح
الجَنَاح: جناح الطائر، يقال: جُنِحَ «4» الطائر، أي: كسر
جناحه، قال تعالى: وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ [الأنعام/
38] ، وسمّي جانبا الشيء جَناحيه، فقيل: جناحا السفينة، وجناحا
العسكر، وجناحا الوادي، وجناحا الإنسان لجانبيه، قال عزّ وجل:
وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ
__________
(1) هذا شطر بيت، وعجزه:
فإني امرؤ وسط القباب غريب
وهو لعلقمة بن عبدة، في ديوانه ص 48، والمفضليات ص 394،
والمجمل 1/ 199، واللسان (جنب) ، والأساس ص 65.
(2) انظر: البصائر 1/ 398.
(3) والجنوب: ريح تخالف الشمال تأتي عن يمين القبلة، راجع:
اللسان (جنب) .
(4) انظر الأفعال 2/ 288.
(1/206)
[طه/ 22] ، أي: جانبك وَاضْمُمْ إِلَيْكَ
جَناحَكَ [القصص/ 32] ، عبارة عن اليد، لكون الجناح كاليد،
ولذلك قيل لجناحي الطائر يداه، وقوله عزّ وجل: وَاخْفِضْ
لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ [الإسراء/ 24] ،
فاستعارة، وذلك أنه لما كان الذلّ ضربين:
ضرب يضع الإنسان، وضرب يرفعه- وقصد في هذا المكان إلى ما يرفعه
لا إلى ما يضعه- فاستعار لفظ الجناح له، فكأنه قيل: استعمل
الذل الذي يرفعك عند الله من أجل اكتسابك الرحمة، أو من أجل
رحمتك لهما، وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ
[القصص/ 32] ، وجَنَحَتِ العير في سيرها: أسرعت، كأنها استعانت
بجناح، وجَنَحَ الليل: أظلّ بظلامه، والجِنْحُ: قطعة من الليل
مظلمة. قال تعالى:
وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها
[الأنفال/ 61] ، أي: مالوا، من قولهم: جنحت السفينة، أي: مالت
إلى أحد جانبيها، وسمي الإثم المائل بالإنسان عن الحق جناحا ثم
سمّي كلّ إثم جُنَاحاً، نحو قوله تعالى: لا جُناحَ عَلَيْكُمْ
«1» في غير موضع، وجوانح الصدر:
الأضلاع المتصلة رؤوسها في وسط الزور، الواحدة: جَانِحَة، وذلك
لما فيها من الميل.
جند
يقال للعسكر الجُنْد اعتبارا بالغلظة، من الجند، أي: الأرض
الغليظة التي فيها حجارة ثم يقال لكلّ مجتمع جند، نحو:
«الأرواح جُنُودٌ مُجَنَّدَة» «2» . قال تعالى: إِنَّ جُنْدَنا
لَهُمُ الْغالِبُونَ
[الصافات/ 173] ، إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ [الدخان/ 24] ،
وجمع الجند: أَجْنَاد وجُنُود، قال تعالى: وَجُنُودُ إِبْلِيسَ
أَجْمَعُونَ [الشعراء/ 95] ، وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ
إِلَّا هُوَ [المدثر/ 31] ، اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ
عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ
رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها [الأحزاب/ 9] ، فالجنود
الأولى من الكفار، والجنود الثانية التي لم تروها الملائكة.
جنف
أصل الجَنَف ميل في الحكم، فقوله تعالى:
فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً [البقرة/ 182] ، أي: ميلا
ظاهرا، وعلى هذا: غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ
[المائدة/ 3] ، أي: مائل إليه.
جنى
جَنَيْتُ الثمرة واجْتَنَيْتُهَا، والجَنْيُ: المجتنى من الثمر
والعسل، وأكثر ما يستعمل الجني فيما
__________
(1) سورة البقرة: آية 236، وهو في سورة البقرة متعدّد المواضع.
[.....]
(2) الحديث صحيح، أخرجه البخاري في الأنبياء: باب الأرواح جنود
مجندة تعليقا، ومسلم في البر والصلة برقم (2638) . وانظر: فتح
الباري 6/ 263، وشرح السنة 13/ 57.
(1/207)
كان غضّا، قال تعالى: تُساقِطْ عَلَيْكِ
رُطَباً جَنِيًّا
[مريم/ 25] ، وقال تعالى: وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ
[الرحمن/ 54] ، وأَجْنَى الشجر:
أدرك ثمره، والأرض: كثر جناها، واستعير من ذلك جَنَى فلان
جِنَاية كما استعير اجترم.
جهد
الجَهْدُ والجُهْد: الطاقة والمشقة، وقيل:
الجَهْد بالفتح: المشقة، والجُهْد: الوسع.
وقيل: الجهد للإنسان، وقال تعالى: وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ
إِلَّا جُهْدَهُمْ [التوبة/ 79] ، وقال تعالى: وَأَقْسَمُوا
بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ [النور/ 53] ، أي: حلفوا
واجتهدوا في الحلف أن يأتوا به على أبلغ ما في وسعهم.
والاجتهاد: أخذ النفس ببذل الطاقة وتحمّل المشقة، يقال:
جَهَدْتُ رأيي وأَجْهَدْتُهُ: أتعبته بالفكر، والجِهادُ
والمجاهدة: استفراغ الوسع في مدافعة العدو، والجِهَاد ثلاثة
أضرب:
- مجاهدة العدو الظاهر. - ومجاهدة الشيطان.
- ومجاهدة النفس.
وتدخل ثلاثتها في قوله تعالى: وَجاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ
جِهادِهِ [الحج/ 78] ، وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ
وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [التوبة/ 41] ، إِنَّ
الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ
وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [الأنفال/ 72] ، وقال صلّى
الله عليه وسلم: «جاهدوا أهواءكم كما تجاهدون أعداءكم» «1» .
والمجاهدة تكون باليد واللسان، قال صلّى الله عليه وسلم
«جاهدوا الكفار بأيديكم وألسنتكم» «2» .
جهر
جَهْر يقال لظهور الشيء بإفراط حاسة البصر أو حاسة السمع.
أمّا البصر فنحو: رأيته جِهَارا، قال الله تعالى:
لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً
[البقرة/ 55] ، أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً [النساء/ 153] ،
ومنه: جَهَرَ «3» البئر واجْتَهَرَهَا: إذا أظهر ماءها.
وقيل: ما في القوم أحد يجهر عيني «4» .
__________
(1) الحديث ذكره المؤلف في كتاب الذريعة ص 34، ولم أجده بهذا
اللفظ في كتب الحديث. ولكن أخرج أحمد في المسند 6/ 22 عن فضالة
بن عبيد أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «والمجاهد من
جاهد نفسه في طاعة الله عز وجل» ، وأخرجه الترمذي في الزهد 4/
165 وفي الجهاد برقم (1621) وقال: حسن صحيح، وأخرجه أبو داود
في الجهاد برقم (2500) .
(2) الحديث أخرجه ابن حبان برقم (1618) وصححه، والحاكم 2/ 81
ووافقه الذهبي، وصححه النووي أيضا في رياض الصالحين ص 515،
وأخرجه أبو داود في الجهاد، ورقمه (2504) ، والنسائي 6/ 7،
وأحمد 3/ 124، وانظر شرح السنة 12/ 378، والفتح الكبير 2/ 62.
(3) راجع: كتاب الأفعال 2/ 300، والبصائر 1/ 404.
(4) في المجمل: وجهرت الشيء: إذا كان عظيما في عينك.
(1/208)
والجوهر: فوعل منه، وهو ما إذا بطل بطل
محموله، وسمي بذلك لظهوره للحاسة.
وأمّا السمع، فمنه قوله تعالى: سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ
الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ
[الرعد/ 10] ، وقال عزّ وجلّ: وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ
فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى
[طه/ 7] ، إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ
وَيَعْلَمُ ما تَكْتُمُونَ [الأنبياء/ 110] ، وَأَسِرُّوا
قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ [الملك/ 13] ، وَلا تَجْهَرْ
بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها [الإسراء/ 110] ، وقال: وَلا
تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ
[الحجرات/ 2] ، وقيل: كلام جوهري، وجَهِير، ورجل جهير يقال
لرفيع الصوت، ولمن يجهر لحسنه.
جهز
قال تعالى: فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ
[يوسف/ 70] ، الجَهَاز: ما يعدّ من متاع وغيره، والتجهيز: حمل
ذلك أو بعثه، وضرب البعير بجهازه: إذا ألقى متاعه في رجله
فنفر، وجَهِيزَة «1» : امرأة محمّقة. وقيل للذئبة التي ترضع
ولد غيرها: جهيزة.
جهل
الجهل على ثلاثة أضرب:
- الأول: وهو خلوّ النفس من العلم، هذا هو الأصل، وقد جعل ذلك
بعض المتكلمين معنى مقتضيا للأفعال الخارجة عن النظام، كما جعل
العلم معنى مقتضيا للأفعال الجارية على النظام.
- والثاني: اعتقاد الشيء بخلاف ما هو عليه.
- والثالث: فعل الشيء بخلاف ما حقّه أن يفعل، سواء اعتقد فيه
اعتقادا صحيحا أو فاسدا، كمن يترك الصلاة متعمدا، وعلى ذلك
قوله تعالى: قالُوا: أَتَتَّخِذُنا هُزُواً؟ قالَ: أَعُوذُ
بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ
[البقرة/ 67] ، فجعل فعل الهزو جهلا، وقال عزّ وجلّ:
فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ
[الحجرات/ 6] .
والجاهل تارة يذكر على سبيل الذم، وهو الأكثر، وتارة لا على
سبيل الذم، نحو:
يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ [البقرة/
273] ، أي: من لا يعرف حالهم، وليس يعني المتخصص بالجهل
المذموم، والمَجْهل: الأمر والأرض والخصلة التي تحمل الإنسان
على الاعتقاد بالشيء خلاف ما هو عليه، واستجهلت الرّيح الغصن:
حرّكته، كأنها حملته على تعاطي الجهل، وذلك استعارة حسنة.
جهنم
جَهَنَّم اسم لنار الله الموقدة، قيل: وأصلها فارسيّ
__________
(1) وفي المثل: (أحمق من جهيزة) . وهي أمّ شبيب الخارجي، وكان
أبو شبيب من مهاجرة الكوفة، اشترى جهيزة من السبي، وكانت حمراء
طويلة، فأرادها على الإسلام فأبت، فواقعها، فحملت، فتحرك الولد
في بطنها، فقالت: في بطني شيء ينقز، فقيل: أحمق من جهيزة.
(1/209)
معرّب جهنام «1» ، وقال أبو مسلم: كهنّام
«2» ، والله أعلم.
جيب
قال الله تعالى: وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى
جُيُوبِهِنَ
[النور/ 31] ، جمع جَيْب.
جوب
الجَوْبُ: قطع الجَوْبَة، وهي كالغائط من الأرض، ثم يستعمل في
قطع كلّ أرض، قال تعالى: وَثَمُودَ الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ
بِالْوادِ
[الفجر/ 9] ، ويقال: هل عندك جَائِبَة خبر «3» ؟
وجوابُ الكلام: هو ما يقطع الجوب فيصل من فم القائل إلى سمع
المستمع، لكن خصّ بما يعود من الكلام دون المبتدأ من الخطاب،
قال تعالى: فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا
[النمل/ 56] ، والجواب يقال في مقابلة السؤال، والسؤال على
ضربين:
طلب مقال، وجوابه المقال.
وطلب نوال، وجوابه النّوال.
فعلى الأول: أَجِيبُوا داعِيَ اللَّهِ
[الأحقاف/ 31] ، وقال: وَمَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللَّهِ
[الأحقاف/ 32] .
وعلى الثاني قوله: قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فَاسْتَقِيما
[يونس/ 89] ، أي: أعطيتما ما سألتما.
والاستجابة قيل: هي الإجابة، وحقيقتها هي التحري للجواب
والتهيؤ له، لكن عبّر به عن الإجابة لقلة انفكاكها منها، قال
تعالى:
اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ [الأنفال/ 24] ، وقال:
ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر/ 60] ، فَلْيَسْتَجِيبُوا
لِي [البقرة/ 186] ، فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ [آل عمران/
195] ، وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحاتِ [الشورى/ 26] وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا
لِرَبِّهِمْ [الشورى/ 38] ، وقال تعالى: وَإِذا سَأَلَكَ
عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ
إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي [البقرة/ 186] ، الَّذِينَ
اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ
الْقَرْحُ [آل عمران/ 172] .
جود
قال تعالى: وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِ
__________
(1) قال السمين: وما قاله غير مشهور في النقل، بل المشهور
عندهم أنها عربية، وأنّ منعها للعلمية والتأنيث. انظر عمدة
الحفاظ: جهنم.
(2) في اللسان: قيل: هو تعريب كهنّام بالعبرانية. وأبو مسلم هو
محمد بن بحر الأصفهاني من المفسرين المعتزلة توفي سنة 223.
وانظر ترجمته في طبقات المفسرين للداوودي 2/ 109، ولسان
الميزان 5/ 89.
(3) انظر: المجمل 1/ 202، وأساس البلاغة ص 68.
(1/210)
[هود/ 44] ، قيل: هو اسم جبل بين الموصل
والجزيرة، وهو في الأصل منسوب إلى الجود، والجود: بذل
المقتنيات مالا كان أو علما، ويقال: رجل جَوَاد، وفرس جواد،
يجود بمدّخر عدوه، والجمع: الجِيَاد، قال تعالى: بِالْعَشِيِّ
الصَّافِناتُ الْجِيادُ [ص/ 31] ، ويقال في المطر الكثير:
جَوْد، ووصف تعالى بالجواد. وفي الفرس جَوْدَة، وفي المال جود،
وجَادَ الشيء جَوْدَة، فهو جَيِّد، لمّا نبّه عليه قوله تعالى:
أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى [طه/ 50] .
جأر
قال تعالى: فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ
[النحل/ 53] ، وقال تعالى: إِذا هُمْ يَجْأَرُونَ [المؤمنون/
64] ، لا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ [المؤمنون/ 65] ، جَأَرَ: إذا
أفرط في الدعاء والتضرّع تشبيها بجؤار الوحشيات، كالظباء
ونحوها.
جار
الجار: من يقرب مسكنه منك، وهو من الأسماء المتضايفة، فإنّ
الجار لا يكون جارا لغيره إلا وذلك الغير جار له، كالأخ
والصديق، ولمّا استعظم حقّ الجار عقلا وشرعا عبّر عن كل من
يعظم حقّه أو يستعظم حقّ غيره بالجار، قال تعالى: وَالْجارِ
ذِي الْقُرْبى وَالْجارِ الْجُنُبِ [النساء/ 36] ، ويقال:
استجرته فأجارني، وعلى هذا قوله تعالى: وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ
[الأنفال/ 48] ، وقال عزّ وجلّ: وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجارُ
عَلَيْهِ
[المؤمنون/ 88] ، وقد تصوّر من الجار معنى القرب، فقيل لمن
يقرب من غيره:
جَارَهُ، وجَاوَرَه، وتَجَاوَرَ، قال تعالى: لا يُجاوِرُونَكَ
فِيها إِلَّا قَلِيلًا [الأحزاب/ 60] ، وقال تعالى: وَفِي
الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ [الرعد/ 4] ، وباعتبار القرب
قيل: جار عن الطريق، ثم جعل ذلك أصلا في العدول عن كلّ حق،
فبني منه الجور، قال تعالى: وَمِنْها جائِرٌ
[النحل/ 9] ، أي: عادل عن المحجّة، وقال بعضهم: الجائر من
الناس: هو الذي يمنع من التزام ما يأمر به الشرع.
جوز
قال تعالى: فَلَمَّا جاوَزَهُ هُوَ
[البقرة/ 249] ، أي: تجاوز جوزه، وقال: وَجاوَزْنا بِبَنِي
إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ [الأعراف/ 138] ، وجَوْزُ الطريق: وسطه،
وجاز الشيء كأنه لزم جوز الطريق، وذلك عبارة عمّا يسوغ،
وجَوْزُ السماء:
وسطها، والجوزاء قيل: سميت بذلك لاعتراضها في جوز السماء، وشاة
جوزاء أي: ابيضّ وسطها، وجُزْتُ المكان: ذهبت فيه،
وأَجَزْتُهُ:
أنفذته وخلّفته، وقيل: استجزت فلانا فأجازني:
إذا استسقيته فسقاك، وذلك استعارة، والمَجَاز
(1/211)
من الكلام ما تجاوز موضعه الذي وضع له،
والحقيقة ما لم يتجاوز ذلك.
جاس
قال تعالى: فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ
[الإسراء/ 5] ، أي: توسّطوها وتردّدوا بينها، ويقارب ذلك جازوا
وداسوا، وقيل: الجَوْس:
طلب ذلك الشيء باستقصاء، والمجوس معروف.
جوع
الجُوع: الألم الذي ينال الحيوان من خلّو المعدة من الطعام،
والمَجَاعة: عبارة عن زمان الجدب، ويقال: رجل جائع وجوعان: إذا
كثر جوعه.
جاء
جاء يجيء ومَجِيئا، والمجيء كالإتيان، لكن المجيء أعمّ، لأنّ
الإتيان مجيء بسهولة، والإتيان قد يقال باعتبار القصد وإن لم
يكن منه الحصول، والمجيء يقال اعتبارا بالحصول، ويقال «1» :
جاء في الأعيان والمعاني، ولما يكون مجيئه بذاته وبأمره، ولمن
قصد مكانا أو عملا أو زمانا، قال الله عزّ وجلّ: وَجاءَ مِنْ
أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى [يس/ 20] ، وَلَقَدْ
جاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّناتِ [غافر/ 34] ،
وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ [هود/ 77] ،
فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ [الأحزاب/ 19] ، إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ
[يونس/ 49] ، بَلى قَدْ جاءَتْكَ آياتِي [الزمر/ 59] ، فَقَدْ
جاؤُ ظُلْماً وَزُوراً [الفرقان/ 4] ، أي: قصدوا الكلام
وتعدّوه، فاستعمل فيه المجيء كما استعمل فيه القصد، قال تعالى:
إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ
[الأحزاب/ 10] ، وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا
[الفجر/ 22] ، فهذا بالأمر لا بالذات، وهو قول ابن عباس رضي
الله عنه «2» ، وكذا قوله تعالى: فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ
[يونس/ 76] ، يقال: جاءه بكذا وأجاءه، قال الله تعالى:
فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ [مريم/ 23] ،
قيل: ألجأها، وإنما هو معدّى عن جاء، وعلى هذا قولهم: (شرّ ما
أجاءك إلى مخّه عرقوب) «3» ، وقول الشاعر:
102-
أجاءته المخافة والرّجاء
«4»
__________
(1) انظر: البصائر 1/ 412.
(2) وهو مرويّ عن الحسن البصريّ. راجع تفسير القرطبي، والبصائر
1/ 412.
(3) قال الميداني: يضرب للمضطر جدا، والمعنى: ما ألجأك إليها
إلا شرّ، أي: فاقة وفقر، وذلك أن العرقوب لا مخّ له، وإنما
يحوج إليه من لا يقدر على شيء. انظر: مجمع الأمثال 1/ 358، وفي
اللسان: عراقيب الأمور: عظامها، وصعابها وما دخل من اللبس
فيها، وأمثال أبي عبيد ص 312.
(4) هذا عجز بيت لزهير بن أبي سلمى، وشطره:
وسار جاء معتمدا إلينا
وهو في ديوانه ص 13.
(1/212)
وجاء بكذا: استحضره، نحو: لَوْلا جاؤُ
عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ [النور/ 13] ، وَجِئْتُكَ مِنْ
سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ [النمل/ 22] ، وجاء بكذا يختلف معناه
بحسب اختلاف المجيء به.
جال
جالوت «1» اسم ملك طاغ رماه داود عليه السلام فقتله، وهو
المذكور في قوله تعالى: وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ [البقرة/ 251]
.
جوَّ
الجوّ: الهواء، قال الله تعالى: فِي جَوِّ السَّماءِ ما
يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ [النحل/ 79] ، واسم اليمامة جوّ
«2» . والله أعلم.
تمّ كتاب الجيم
__________
(1) الصحيح في جالوت أنه أعجمي غير مشتق. انظر المسائل
الحلبيات ص 353. [.....]
(2) انظر: المجمل 1/ 175.
(1/213)
|