المفردات في غريب القرآن كتاب الخاء
خبت
الخَبْتُ: المطمئن من الأرض، وأَخْبَتَ الرّجل: قصد الخبت، أو
نزله، نحو: أسهل وأنجد، ثمّ استعمل الإخبات استعمال اللّين
والتّواضع، قال الله تعالى: وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ [هود/
23] ، وقال تعالى: وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ
[الحج/ 34] ، أي: المتواضعين، نحو: لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ
عِبادَتِهِ [الأعراف/ 206] ، وقوله تعالى: فَتُخْبِتَ لَهُ
قُلُوبُهُمْ [الحج/ 54] ، أي: تلين وتخشع، والإخبات هاهنا قريب
من الهبوط في قوله تعالى: وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ
خَشْيَةِ اللَّهِ [البقرة/ 74] «1» .
خبث
الخُبْثُ والخَبِيثُ: ما يكره رداءة وخساسة، محسوسا كان أو
معقولا، وأصله الرّديء الدّخلة «2» الجاري مجرى خَبَثِ الحديد،
كما قال الشاعر:
133-
سبكناه ونحسبه لجينا ... فأبدى الكير عن خبث الحديد
«3» وذلك يتناول الباطل في الاعتقاد، والكذب في المقال،
والقبيح في الفعال، قال عزّ وجلّ:
وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ
[الأعراف/ 157] ، أي: ما لا يوافق النّفس من المحظورات، وقوله
تعالى: وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ
تَعْمَلُ الْخَبائِثَ [الأنبياء/ 74] ، فكناية عن إتيان
الرّجال. وقال تعالى: ما كانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ
عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ
الطَّيِّبِ [آل عمران/ 179] ، أي: الأعمال الخبيثة من الأعمال
الصالحة، والنّفوس الخبيثة من النّفوس الزّكيّة. وقال تعالى:
وَلا تَتَبَدَّلُوا
__________
(1) وهذا الباب منقول بتمامه في البصائر 2/ 521.
(2) الدّخلة: البطانة الداخلة.
(3) البيت في البصائر 2/ 522، والمستطرف 1/ 38 دون نسبة،
والتمثيل والمحاضرة ص 288.
(1/272)
الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ [النساء/ 2] ، أي:
الحرام بالحلال، وقال تعالى: الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ
وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ [النور/ 26] ، أي:
الأفعال الرّديّة والاختيارات المبهرجة لأمثالها، وكذا:
الْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ، وقال تعالى: قُلْ لا يَسْتَوِي
الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ [المائدة/ 100] ، أي: الكافر والمؤمن،
والأعمال الفاسدة والأعمال الصّالحة، وقوله تعالى: وَمَثَلُ
كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ [إبراهيم/ 26] ،
فإشارة إلى كلّ كلمة قبيحة من كفر وكذب ونميمة وغير ذلك، وقال
صلّى الله عليه وسلم: «المؤمن أطيب من عمله، والكافر أخبث من
عمله» «1» ويقال: خبيث مُخْبِث، أي: فاعل الخبث.
خبر
الخُبْرُ: العلم بالأشياء المعلومة من جهة الخَبَر،
وخَبَرْتُهُ خُبْراً وخِبْرَة، وأَخْبَرْتُ: أعلمت بما حصل لي
من الخبر، وقيل الخِبْرَة المعرفة ببواطن الأمر، والخَبَار
والخَبْرَاء: الأرض اللّيِّنة «2» ، وقد يقال ذلك لما فيها من
الشّجر، والمخابرة: مزارعة الخبار بشيء معلوم، والخَبِيرُ:
الأكّار فيه، والخبر «3» : المزادة العظيمة، وشبّهت بها
النّاقة فسمّيت خبرا، وقوله تعالى: وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما
تَعْمَلُونَ [آل عمران/ 153] ، أي: عالم بأخبار أعمالكم، وقيل
أي:
عالم ببواطن أموركم، وقيل: خبير بمعنى مخبر، كقوله:
فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [المائدة/ 105] ،
وقال تعالى: وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ [محمد/ 31] ، قَدْ
نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ [التوبة/ 94] ، أي: من
أحوالكم التي نخبر عنها.
خبز
الخُبْز معروف قال الله تعالى: أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي
خُبْزاً [يوسف/ 36] ، والخُبْزَة: ما يجعل في الملّة،
والخَبْزُ: اتّخاذه، واختبزت:
إذا أمرت بخبزه، والخِبَازَة صنعته، واستعير الخبز للسّوق
الشّديد، لتشبيه هيئة السّائق بالخابز.
خبط
الخَبْط: الضّرب على غير استواء، كخبط البعير الأرض بيده،
والرّجل الشّجر بعصاه، ويقال للمخبوط: خَبَطٌ «4» ، كما يقال
للمضروب: ضرب، واستعير لعسف السّلطان فقيل: سلطان خَبُوط،
واختباط المعروف: طلبه بعسف تشبيها بخبط الورق، وقوله تعالى:
يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِ
[البقرة/
__________
(1) لم أجده في الحديث، لكن جاء نحوه عن عليّ بن أبي طالب قال:
فاعل الخير خير منه، وفاعل الشر شرّ منه. نهج البلاغة ص 665.
(2) انظر: المجمل 2/ 310.
(3) الخبر بكسر الخاء وفتحها، انظر: اللسان (خبر) ، والمجمل 2/
310.
(4) في اللسان: الخبط بالتحريك، فعل بمعنى مفعول، وهو من علف
الإبل. انظر: خبط 7/ 282.
(1/273)
275] ، فيصحّ أن يكون من خبط الشّجر، وأن
يكون من الاختباط الذي هو طلب المعروف، يروى عنه صلّى الله
عليه وسلم: «اللهمّ إنّي أعوذ بك أن يتخبّطني الشّيطان من
المسّ» «1» .
خبل
الخَبَالُ الفساد الذي يلحق الحيوان فيورثه اضطرابا، كالجنون
والمرض المؤثّر في العقل والفكر، ويقال: خَبَلٌ وخَبْلٌ
وخَبَال، ويقال:
خَبَلَهُ وخَبَّلَهُ فهو خَابِل، والجمع الخُبَّل، ورجل
مُخَبَّل، قال الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا
تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالًا
[آل عمران/ 118] ، وقال عزّ وجلّ: ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالًا
[التوبة/ 47] ، وفي الحديث: «من شرب الخمر ثلاثا كان حقّا على
الله تعالى أن يسقيه من طينة الخبال» «2» قال زهير:
134-
هنالك إن يستخبلوا المال يخبلوا
«3» أي: إن طلب منهم إفساد شيء من إبلهم أفسدوه.
خبو
خَبَتِ النار تَخْبُو: سكن لهبها، وصار عليها خباء من رماد، أي
غشاء، وأصل الخِبَاء الغطاء الذي يتغطّى به، وقيل لغشاء
السّنبلة خباء، قال عزّ وجلّ: كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ
سَعِيراً [الإسراء/ 97] .
خبء
يُخْرِجُ الْخَبْءَ
[النمل/ 25] ، يقال ذلك لكلّ مدّخر مستور، ومنه قيل: جارية
مُخْبَأَة، والخُبأة: الجارية التي تظهر مرّة، وتخبأ أخرى،
والخِبَاءُ: سمة في موضع خفيّ.
ختر
الخَتْرُ: غدر يَخْتِرُ فيه الإنسان، أي: يضعف ويكسر لاجتهاده
فيه، قال الله تعالى: كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ
[لقمان/ 32] .
ختم
الخَتْمُ والطّبع يقال على وجهين: مصدر خَتَمْتُ وطبعت، وهو
تأثير الشيء كنقش الخاتم
__________
(1) الحديث أخرجه أبو داود في الصلاة باب الاستعاذة برقم
(1552) ، والنسائي 8/ 282، وانظر: جامع الأصول 4/ 361. وفيهما
(عند الموت) بدل (من المس) . وأخرجه أحمد في المسند 2/ 356.
(2) الحديث عن جابر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم:
«كلّ مسكر حرام، وإنّ على الله عهدا لمن يشرب المسكر أن يسقيه
من طينة الخبال» ، قالوا: وما طينة الخبال؟ قال: «عرق أهل
النار، أو عصارة أهل النار» أخرجه مسلم في باب الأشربة رقم
2002، وقريب منه في مسند الطيالسي 1/ 339، والترمذي 1863، وابن
ماجة (3377) وسنده صحيح، وانظر: شرح السنة 11/ 356.
(3) هذا شطر بيت، وعجزه:
وإن يسألوا يعطوا وإنّ ييسروا يغلوا
وهو في ديوانه ص 122، والمجمل 2/ 312. [.....]
(1/274)
والطّابع. والثاني: الأثر الحاصل عن
النّقش، ويتجوّز بذلك تارة في الاستيثاق من الشيء، والمنع منه
اعتبارا بما يحصل من المنع بالختم على الكتب والأبواب، نحو:
خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ [البقرة/ 7] ، وَخَتَمَ عَلى
سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ [الجاثية/ 23] ، وتارة في تحصيل أثر عن
شيء اعتبارا بالنقش الحاصل، وتارة يعتبر منه بلوغ الآخر، ومنه
قيل: ختمت القرآن، أي:
انتهيت إلى آخره، فقوله: خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ
[البقرة/ 7] ، وقوله تعالى: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ
اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ وَخَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ
[الأنعام/ 46] ، إشارة إلى ما أجرى الله به العادة أنّ الإنسان
إذا تناهى في اعتقاد باطل، أو ارتكاب محظور- ولا يكون منه
تلفّت بوجه إلى الحقّ- يورثه ذلك هيئة تمرّنه على استحسان
المعاصي، وكأنما يختم بذلك على قلبه، وعلى ذلك: أُولئِكَ
الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ
وَأَبْصارِهِمْ [النحل/ 108] ، وعلى هذا النّحو استعارة
الإغفال في قوله عزّ وجلّ: وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا
قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا [الكهف/ 28] ، واستعارة الكنّ في قوله
تعالى: وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ
يَفْقَهُوهُ [الأنعام/ 25] ، واستعارة القساوة في قوله تعالى:
وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً [المائدة/ 13] ، قال
الجبّائيّ «1» : يجعل الله ختما على قلوب الكفّار، ليكون دلالة
للملائكة على كفرهم فلا يدعون لهم «2» ، وليس ذلك بشيء فإنّ
هذه الكتابة إن كانت محسوسة فمن حقّها أن يدركها أصحاب
التّشريح، وإن كانت معقولة غير محسوسة فالملائكة باطّلاعهم على
اعتقاداتهم مستغنية عن الاستدلال. وقال بعضهم: ختمه شهادته
تعالى عليه أنه لا يؤمن، وقوله تعالى:
الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ [يس/ 65] ، أي: نمنعهم
من الكلام، وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ
[الأحزاب/ 40] ، لأنه خَتَمَ النّبوّة، أي: تمّمها بمجيئه.
وقوله عزّ وجلّ: خِتامُهُ مِسْكٌ
[المطففين/ 26] ، قيل: ما يختم به، أي:
يطبع، وإنما معناه: منقطعه وخاتمة شربه، أي:
سؤره في الطيّب مسك، وقول من قال يختم بالمسك «3» أي: يطبع،
فليس بشيء، لأنّ الشّراب يجب أن يطيّب في نفسه، فأمّا ختمه
بالطّيب فليس ممّا يفيده، ولا ينفعه طيب خاتمه ما لم يطب في
نفسه.
خد
قال الله تعالى: قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ
[البروج/ 4] . الخَدُّ والأخدود: شقّ في الأرض
__________
(1) أبو علي الجبّائي، شيخ المعتزلة في زمانه توفي سنة 303 هـ.
انظر: ترجمته في طبقات المفسرين 2/ 191.
(2) وهذا أيضا قول القاضي عبد الجبار من المعتزلة، وقول الحسن
البصري. انظر الرازي 2/ 51.
(3) وهذا قول قتادة أخرجه عنه عبد الرزاق قال: عاقبته مسك، قوم
يمزج لهم بالكافور، ويختم لهم بالمسك. راجع:
الدر المنثور 8/ 451.
(1/275)
مستطيل غائص، وجمع الأخدود أَخَادِيد، وأصل
ذلك من خَدَّيِ الإنسان، وهما: ما اكتنفا الأنف عن اليمين
والشمال. والخَدّ يستعار للأرض، ولغيرها كاستعارة الوجه،
وتَخَدُّدُ اللّحمِ: زواله عن وجه الجسم، يقال: خَدَّدْتُهُ
فَتَخَدَّدَ.
خدع
الخِدَاع: إنزال الغير عمّا هو بصدده بأمر يبديه على خلاف ما
يخفيه، قال تعالى:
يُخادِعُونَ اللَّهَ
[البقرة/ 9] ، أي: يخادعون رسوله وأولياءه، ونسب ذلك إلى الله
تعالى من حيث إنّ معاملة الرّسول كمعاملته، ولذلك قال تعالى:
إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ
[الفتح/ 10] ، وجعل ذلك خداعا تفظيعا لفعلهم، وتنبيها على عظم
الرّسول وعظم أوليائه. وقول أهل اللّغة: إنّ هذا على حذف
المضاف، وإقامة المضاف إليه مقامه، فيجب أن يعلم أنّ المقصود
بمثله في الحذف لا يحصل لو أتي بالمضاف المحذوف لما ذكرنا من
التّنبيه على أمرين: أحدهما: فظاعة فعلهم فيما تحرّوه من
الخديعة، وأنّهم بمخادعتهم إيّاه يخادعون الله، والثاني:
التّنبيه على عظم المقصود بالخداع، وأنّ معاملته كمعاملة الله،
كما نبّه عليه بقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ ...
الآية [الفتح/ 10] ، وقوله تعالى:
وَهُوَ خادِعُهُمْ
[النساء/ 142] ، قيل معناه:
مجازيهم بالخداع، وقيل: على وجه آخر مذكور في قوله تعالى:
وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ [آل عمران/ 54] «1» ، وقيل:
خَدَعَ الضَّبُّ أي:
استتر في جحره، واستعمال ذلك في الضّبّ أنه يعدّ عقربا تلدغ من
يدخل يديه في جحره، حتى قيل: العقرب بوّاب الضّبّ وحاجبه «2» ،
ولاعتقاد الخديعة فيه قيل: أَخْدَعُ من ضبّ «3» ، وطريق خَادِع
وخَيْدَع: مضلّ، كأنه يخدع سالكه. والمَخْدَع:
بيت في بيت، كأنّ بانيه جعله خادعا لمن رام تناول ما فيه،
وخَدَعَ الريق: إذا قلّ «4» ، متصوّرا منه هذا المعنى،
والأَخْدَعَان «5» تصوّر منهما الخداع لاستتارهما تارة،
وظهورهما تارة، يقال:
خَدَعْتُهُ: قطعت أَخْدَعَهُ، وفي الحديث: «بين يدي السّاعة
سنون خَدَّاعَة» «6» أي: محتالة لتلوّنها بالجدب مرّة، وبالخصب
مرّة.
__________
(1) أي: هذا من باب المشاكلة في اللفظ.
(2) انظر: البصائر 2/ 530، وعمدة الحفاظ: خدع.
(3) انظر الأمثال ص 364.
(4) انظر: المجمل 2/ 279.
(5) هما عرقان خفيان في موضع الحجامة من العنق.
(6) الحديث عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه
وسلم: «قبل الساعة سنون خداعة يكذّب فيها الصادق، ويصدّق فيها
الكاذب، ويخوّن فيها الأمين، ويؤتمن الخائن، وينطق بها
الرويبضة» ويروى عن أنس عن النبي: «وإنّ أمام الدجال سنين
خداعة» .. إلخ. قال ابن كثير: هذا إسناد قوي جيد. انظر: مسند
أحمد 2/ 338، والفتن والملاحم لابن كثير 1/ 57، والدر المنثور
7/ 475.
(1/276)
خدن
قال الله تعالى: وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ
[النساء/ 25] ، جمع خِدْن، أي المصاحب، وأكثر ذلك يستعمل فيمن
يصاحب بشهوة، يقال:
خِدْنُ المرأة وخَدِينُهَا، وقول الشاعر:
135-
خدين العلى
«1» فاستعارة، كقولهم: يعشق العلى، ويشبّب بالنّدى وينسب
بالمكارم.
خذل
قال تعالى: وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولًا
[الفرقان/ 29] ، أي: كثير الخذلان، والخِذْلَان: ترك من يظنّ
به أن ينصر نصرته، ولذلك قيل: خَذَلَتِ الوحشيّة ولدها،
وتَخَاذَلَت رجلا فلان، ومنه قول الأعشى:
136-
بين مغلوب تليل خدّه ... وخَذُول الرّجل من غير كسح
«2» ورجل خُذَلَة: كثيرا ما يخذل.
خذ
قال الله تعالى: فَخُذْ ما آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ
الشَّاكِرِينَ [الأعراف/ 144] ، وخُذُوهُ «3» أصله من: أخذ،
وقد تقدّم.
خر
فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ
[الحج/ 31] ، وقال تعالى: فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ
[سبأ/ 14] ، وقال تعالى: فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ
فَوْقِهِمْ [النحل/ 26] ، فمعنى خَرَّ سقط سقوطا يسمع منه
خرير، والخَرِير يقال لصوت الماء والرّيح وغير ذلك ممّا يسقط
من علوّ.
وقوله تعالى: خَرُّوا سُجَّداً
[السجدة/ 15] ، فاستعمال الخرّ تنبيه على اجتماع أمرين:
السّقوط، وحصول الصّوت منهم بالتّسبيح، وقوله من بعده:
وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ [السجدة/ 15] ، فتنبيه أنّ ذلك
الخرير كان تسبيحا بحمد الله لا بشيء آخر.
خرب
يقال: خَرِبَ المكان خَرَاباً، وهو ضدّ العمارة، قال الله
تعالى: وَسَعى فِي خَرابِها [البقرة/ 114] ، وقد أَخْرَبَه،
وخَرَّبَهُ، قال الله تعالى: يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ
بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ [الحشر/ 2] ، فتخريبهم
بأيديهم إنما كان لئلّا تبقى للنّبيّ صلّى الله عليه وسلم
وأصحابه، وقيل:
كان بإجلائهم عنها. والخُرْبَة: شقّ واسع في
__________
(1) هو في عمدة الحفاظ (خدن) .
(2) البيت في ديوانه ص 41، وعجزه في المجمل 2/ 281. التليل:
الصريع.
(3) الآية خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلى سَواءِ الْجَحِيمِ
الدخان: 47.
(1/277)
الأذن، تصوّرا أنه قد خرب أذنه، ويقال: رجل
أَخْرَب، وامرأة خَرْبَاء، نحو: أقطع وقطعاء، ثمّ شبّه به
الخرق في أذن المزادة، فقيل: خَرِبَة المزادة، واستعارة ذلك
كاستعارة الأذن له، وجعل الخارب مختصّا بسارق الإبل، والخَرْب
«1» :
ذكر الحبارى، وجمعه خِرْبَان، قال الشاعر:
137-
أبصر خربان فضاء فانكدر
«2»
خرج
خَرَجَ خُرُوجاً: برز من مقرّه أو حاله، سواء كان مقرّه دارا،
أو بلدا، أو ثوبا، وسواء كان حاله حالة في نفسه، أو في أسبابه
الخارجة، قال تعالى: فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ
[القصص/ 21] ، وقال تعالى: فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ
فِيها فَاخْرُجْ [الأعراف/ 13] ، وقال: وَما تَخْرُجُ مِنْ
ثَمَراتٍ مِنْ أَكْمامِها [فصلت/ 47] «3» ، فَهَلْ إِلى
خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ [غافر/ 11] ، يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا
مِنَ النَّارِ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنْها [المائدة/ 37] ،
والإِخْرَاجُ أكثر ما يقال في الأعيان، نحو: أَنَّكُمْ
مُخْرَجُونَ
[المؤمنون/ 35] ، وقال عزّ وجلّ:
كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ [الأنفال/
5] ، وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً [الإسراء/
13] ، وقال تعالى: أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ [الأنعام/ 93] ،
وقال: أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ [النمل/ 56] ،
ويقال في التّكوين الذي هو من فعل الله تعالى: وَاللَّهُ
أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ [النحل/ 78] ،
فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى [طه/ 53] ،
وقال تعالى: يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ
[الزمر/ 21] ، والتَّخْرِيجُ أكثر ما يقال في العلوم
والصّناعات، وقيل لما يخرج من الأرض ومن وكر الحيوان ونحو ذلك:
خَرْج وخَرَاج، قال الله تعالى: أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً
فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ [المؤمنون/ 72] ، فإضافته إلى الله
تعالى تنبيه أنه هو الذي ألزمه وأوجبه، والخرج أعمّ من الخراج،
وجعل الخرج بإزاء الدّخل، وقال تعالى: فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ
خَرْجاً [الكهف/ 94] ، والخراج مختصّ في الغالب بالضّريبة على
الأرض، وقيل: العبد يؤدّي خرجه، أي: غلّته، والرّعيّة تؤدّي
إلى الأمير الخراج، والخَرْج أيضا من السحاب، وجمعه خُرُوج،
وقيل: «الخراج بالضّمان» «4» ،
__________
(1) انظر: المجمل 2/ 285، وحياة الحيوان 1/ 412.
(2) الشطر للعجاج، وهو في ديوانه ص 17، ومجاز القرآن 2/ 287.
[.....]
(3) وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو وحمزة والكسائي وخلف ويعقوب
وشعبة عن عاصم بالإفراد ثمرة، وقرأ الباقون ثَمَراتٍ بالجمع.
انظر: الإتحاف ص 382.
(4) الحديث رواه أحمد 6/ 48 وأبو داود في البيوع برقم (3058)
والترمذي برقم (1258) وحسنه عن عائشة مرفوعا،.
والنسائي 7/ 254، وابن ماجة (2242) ، والحاكم 2/ 15. انظر: كشف
الخفاء 1/ 376، والتلخيص الحبير 3/ 22.
(1/278)
أي: ما يخرج من مال البائع فهو بإزاء ما
سقط عنه من ضمان المبيع، والخارجيّ: الذي يخرج بذاته عن أحوال
أقرانه، ويقال ذلك تارة على سبيل المدح إذا خرج إلى منزلة من
هو أعلى منه، وتارة يقال على سبيل الذّمّ إذا خرج إلى منزلة من
هو أدنى منه، وعلى هذا يقال: فلان ليس بإنسان تارة على المدح
كما قال الشاعر:
138-
فلست بإنسيّ ولكن لملأك ... تنزّل من جوّ السماء يصوب
«1» وتارة على الذّمّ نحو: إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ
[الفرقان/ 44] ، والخَرَج: لونان من بياض وسواد، ويقال: ظليم
أَخْرَجُ، ونعامة خَرْجَاء، وأرض مُخَرَّجَة «2» : ذات لونين،
لكون النبات منها في مكان دون مكان، والخَوَارِج لكونهم خارجين
عن طاعة الإمام.
خرص
الخَرْص: حرز الثّمرة، والخَرْص:
المحروز، كالنّقض للمنقوض، وقيل: الخَرْص الكذب في قوله تعالى:
إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ
[الزخرف/ 20] ، قيل: معناه يكذبون. وقوله تعالى: قُتِلَ
الْخَرَّاصُونَ
[الذاريات/ 10] ، قيل: لعن الكذّابون، وحقيقة ذلك: أنّ كلّ قول
مقول عن ظنّ وتخمين يقال:
خَرْصٌ، سواء كان مطابقا للشيء أو مخالفا له، من حيث إنّ صاحبه
لم يقله عن علم ولا غلبة ظنّ ولا سماع، بل اعتمد فيه على
الظّنّ والتّخمين، كفعل الخارص في خرصه، وكلّ من قال قولا على
هذا النحو قد يسمّى كاذبا- وإن كان قوله مطابقا للمقول المخبر
عنه- كما حكي عن المنافقين في قوله عزّ وجلّ: إِذا جاءَكَ
الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ،
وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ، وَاللَّهُ يَشْهَدُ
إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ [المنافقون/ 1] .
خرط
قال تعالى: سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ
[القلم/ 16] ، أي: نلزمه عارا لا ينمحي عنه، كقولهم: جدعت
أنفه، والخرطوم: أنف الفيل، فسمّي أنفه خرطوما استقباحا له.
خرق
الخَرْقُ: قطع الشيء على سبيل الفساد من
__________
(1) البيت لعلقمة بن عبدة من مفضليته التي مطلعها:
طحا بك قلب في الحسان طروب ... بعيد الشّباب عصر حان مشيب
وهو في المفضليات ص 394.
(2) انظر: اللسان (خرج) .
(1/279)
غير تدبّر ولا تفكّر، قال تعالى:
أَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها
[الكهف/ 71] ، وهو ضدّ الخلق، فإنّ الخلق هو فعل الشيء بتقدير
ورفق، والخرق بغير تقدير، قال تعالى: وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ
وَبَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ [الأنعام/ 100] ، أي: حكموا بذلك على
سبيل الخرق، وباعتبار القطع قيل: خَرَقَ الثوبَ، وخَرَّقَه،
وخَرَقَ المفاوز، واخْتَرَقَ الرّيح. وخصّ الخَرْق والخريق
بالمفاوز الواسعة، إمّا لاختراق الريح فيها، وإمّا لتخرّقها في
الفلاة، وخصّ الخرق بمن ينخرق في السخاء «1» . وقيل لثقب الأذن
إذا توسّع: خرق، وصبيّ أَخْرَقُ، وامرأة خَرْقَاء: مثقوبة
الأذن ثقبا واسعا، وقوله تعالى: إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ
الْأَرْضَ
[الإسراء/ 37] ، فيه قولان:
أحدهما: لن تقطع، والآخر: لن تثقب الأرض إلى الجانب الآخر،
اعتبارا بالخرق في الأذن، وباعتبار ترك التقدير قيل: رجل
أَخْرَقُ، وخَرِقُ، وامرأة خَرْقَاء، وشبّه بها الريح في تعسّف
مرورها فقيل: ريح خرقاء. وروي: «ما دخل الخرق في شيء إلّا
شانه» «2» . ومن الخرق استعيرت المَخْرَقَة، وهو إظهار الخرق
توصّلا إلى حيلة، والمِخْرَاق: شيء يلعب به، كأنّه يخرق لإظهار
الشيء بخلافه، وخَرِقَ الغزال «3» : إذا لم يحسن أن يعدو
لخرقه.
خزن
الخَزْنُ: حفظ الشيء في الخِزَانَة، ثمّ يعبّر به عن كلّ حفظ
كحفظ السّرّ ونحوه، وقوله تعالى: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا
عِنْدَنا خَزائِنُهُ [الحجر/ 21] ، وَلِلَّهِ خَزائِنُ
السَّماواتِ وَالْأَرْضِ
[المنافقون/ 7] ، فإشارة منه إلى قدرته تعالى على ما يريد
إيجاده، أو إلى الحالة التي أشار إليها بقوله عليه السلام:
«فرغ ربّكم من الخلق والخلق والرّزق والأجل» «4» ، وقوله
تعالى: فَأَسْقَيْناكُمُوهُ وَما أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِينَ
[الحجر/ 22] ، قيل معناه: حافظين له بالشّكر، وقيل: هو إشارة
إلى ما أنبأ عنه قوله:
أَفَرَأَيْتُمُ الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ أَأَنْتُمْ
أَنْزَلْتُمُوهُ ...
__________
(1) في اللسان: والخرق بالكسر: الكريم المتخرّق في الكرم، وفي
المجمل: الخرق: السخيّ يتخرّق في السخاء.
(2) الحديث رواه العسكري من حديث عبد الرزاق عن أنس مرفوعا:
«ما كان الرفق في شيء قطّ إلا زانه، ولا كان الخرق في شيء قط
إلا شانه» ، وأخرجه مسلم بلفظ: «إنّ الرفق لا يكون في شيء إلا
زانه، ولا نزع من شيء إلا شانه» .
راجع: المقاصد الحسنة ص 114، وصحيح مسلم في البر والصلة رقم
2594.
(3) انظر: المجمل 2/ 285، والأفعال 1/ 490.
(4) الحديث عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلّى الله عليه وسلم
قال: «فرغ إلى ابن آدم من أربع: الخلق والخلق والأجل والرزق»
أخرجه الطبراني في الأوسط 2/ 336، وهو في مجمع الزوائد 7/ 195
كتاب القدر، والفتح الكبير 2/ 266. وفيه عيسى بن المسيب
البجلي، وهو ضعيف عند الجمهور، ووثقه الحاكم والدارقطني في
سننه، وضعفه في غيرها.
وللحديث طرق أخرى وروايات أخرى عند الطبراني وأحمد وابن عساكر،
وانظر: مسند أحمد 2/ 167.
(1/280)
الآية [الواقعة/ 69] ، والخَزَنَةُ: جمع
الخازن، وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها [الزمر/ 71 و 73] ، في صفة
النار وصفة الجنّة، وقوله: لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ
اللَّهِ [الأنعام/ 50] ، أي:
مقدوراته التي منعها الناس، لأنّ الخَزْنَ ضرب من المنع، وقيل:
جوده الواسع وقدرته، وقيل:
هو قوله كن، والخَزْنُ في اللّحم أصله الادّخار، فكنّي به عن
نتنه، يقال: خَزِنَ اللّحم «1» : إذا أنتن، وخنز بتقدّم
النّون.
خزى
خَزِيَ الرّجل: لحقه انكسار، إمّا من نفسه، وإمّا من غيره.
فالذي يلحقه من نفسه هو الحياء المفرط، ومصدره الخَزَايَة «2»
ورجل خَزْيَان، وامرأة خَزْيَى وجمعه خَزَايَا. وفي الحديث:
«اللهمّ احشرنا غير خزايا ولا نادمين» «3» . والذي يلحقه من
غيره يقال: هو ضرب من الاستخفاف، ومصدره الخِزْي، ورجل خز. قال
تعالى: ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا [المائدة/ 33] ،
وقال تعالى: إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى
الْكافِرِينَ [النحل/ 27] ، فَأَذاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ
فِي الْحَياةِ الدُّنْيا [الزمر/ 26] ، لِنُذِيقَهُمْ عَذابَ
الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا [فصلت/ 16] ، وقال: مِنْ
قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزى [طه/ 134] ، وأَخْزَى يقال من
الخزاية والخزي جميعا، وقوله: يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ
النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا [التحريم/ 8] ، فهو من الخزي
أقرب، وإن جاز أن يكون منهما جميعا، وقوله تعالى: رَبَّنا
إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ [آل
عمران/ 192] ، فمن الخزاية، ويجوز أن يكون من الخزي، وكذا
قوله: مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ [هود/ 39] ، وقوله:
وَلا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ [آل عمران/ 194] ،
وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ [الحشر/ 5] ، وقال:
وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي [هود/ 78] ، وعلى نحو ما قلنا في
خزي قولهم: ذلّ وهان، فإنّ ذلك متى كان من الإنسان نفسه يقال
له: الهون والذّلّ، ويكون محمودا، ومتى كان من غيره يقال له:
الهون، والهوان، والذّلّ، ويكون مذموما.
خسر
الخُسْرُ والخُسْرَان: انتقاص رأس المال، وينسب ذلك إلى
الإنسان، فيقال: خَسِرَ فلان، وإلى الفعل فيقال: خسرت تجارته،
قال تعالى:
تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ
[النازعات/ 12] ، ويستعمل ذلك في المقتنيات الخارجة كالمال
والجاه في الدّنيا وهو الأكثر، وفي المقتنيات
__________
(1) انظر: الأفعال 1/ 489، والمجمل 2/ 287، والمنتخب لكراع
النمل 2/ 594.
(2) قال السرقسطي: خزيته خزاية: استحييت منه.
(3) انظر: النهاية 2/ 30. وفي حديث مسلم 1/ 47: مرحبا بالوفد
غير خزايا ولا الندامى.
(1/281)
النّفسيّة كالصّحّة والسّلامة، والعقل
والإيمان، والثّواب، وهو الذي جعله الله تعالى الخسران المبين،
وقال: الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ
الْقِيامَةِ أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ [الزمر/
15] ، وقوله: وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولئِكَ هُمُ
الْخاسِرُونَ
[البقرة/ 121] ، وقوله: الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ
مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ- إلى- أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ
[البقرة/ 27] ، وقوله: فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ
أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ [المائدة/
30] ، وقوله:
وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ
[الرحمن/ 9] ، يجوز أن يكون إشارة إلى تحرّي العدالة في الوزن،
وترك الحيف فيما يتعاطاه في الوزن، ويجوز أن يكون ذلك إشارة
إلى تعاطي ما لا يكون به ميزانه في القيامة خاسرا، فيكون ممّن
قال فيه: وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ [الأعراف/ 9] ، وكلا
المعنيين يتلازمان، وكلّ خسران ذكره الله تعالى في القرآن فهو
على هذا المعنى الأخير، دون الخسران المتعلّق بالمقتنيات
الدّنيويّة والتّجارات البشريّة.
خسف
الخُسُوف للقمر، والكسوف للشمس «1» ، وقال بعضهم: الكسوف فيهما
إذا زال بعض ضوئهما، والخسوف: إذا ذهب كلّه. ويقال خَسَفَهُ
الله وخسف هو، قال تعالى: فَخَسَفْنا بِهِ وَبِدارِهِ
الْأَرْضَ [القصص/ 81] ، وقال: لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ
عَلَيْنا لَخَسَفَ بِنا [القصص/ 82] ، وفي الحديث: «إنّ الشّمس
والقمر آيتان من آيات الله لا يُخْسَفَانِ لموت أحد ولا
لحياته» «2» ، وعين خَاسِفَة: إذا غابت حدقتها، فمنقول من خسف
القمر، وبئر مَخْسُوفَة: إذا غاب ماؤها ونزف، منقول من خسف
الله القمر. وتصوّر من خسف القمر مهانة تلحقه، فاستعير الخسف
للذّلّ، فقيل: تحمّل فلان خسفا.
خسأ
خَسَأْتُ الكلب فَخَسَأَ، أي: زجرته مستهينا به فانزجر، وذلك
إذا قلت له: اخْسَأْ، قال تعالى في صفة الكفّار: اخْسَؤُا
فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ [المؤمنون/ 108] ، وقال تعالى: قُلْنا
لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ
[البقرة/ 65] ، ومنه: خَسَأَ البَصَرُ، أي انقبض عن مهانة،
قال: خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ
[الملك/ 4] .
خشب
قال تعالى: كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ
[المنافقون/ 4] ، شبّهوا بذلك لقلّة غنائهم، وهو جمع الخَشْب
ومن لفظ الخشب قيل خَشَبْتَ
__________
(1) وهذا قول ثعلب: اللسان: خسف.
(2) الحديث أخرجه البخاري في باب الصلاة في كسوف القمر 2/ 547،
وأبواب أخرى للخسوف، والنسائي 3/ 127.
(1/282)
السيف: إذا صقلته بالخشب الذي هو المصقل،
وسيف خَشِيب قريب العهد بالصّقل، وجمل خَشِيب أي: جديد لم
يُرَضْ، تشبيها بالسّيف الخشيب، وتَخَشَّبَتِ الإبل: أكلت
الخشب، وجبهة خَشْبَاء: يابسة كالخشب، ويعبّر بها عمّن لا
يستحي، وذلك كما يشبّه بالصّخر في نحو قول الشاعر:
139-
والصّخر هشّ عند وجهك في الصّلابة
«1» والمَخْشُوب: المخلوط به الخشب، وذلك عبارة عن الشيء
الرّديء.
خشع
الخُشُوع: الضّراعة، وأكثر ما يستعمل الخشوع فيما يوجد على
الجوارح. والضّراعة أكثر ما تستعمل فيما يوجد في القلب ولذلك
قيل فيما روي: روي: «إذا ضرع القلب خَشِعَتِ الجوارح» «2» .
قال تعالى: وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً [الإسراء/ 109] ، وقال:
الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ
[المؤمنون/ 2] ، وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ [الأنبياء/ 90] ،
وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ [طه/ 108] ، خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ
[القلم/ 43] ، أَبْصارُها خاشِعَةٌ
[النازعات/ 9] ، كناية عنها وتنبيها على تزعزعها كقوله: إِذا
رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا [الواقعة/ 4] ، وإِذا زُلْزِلَتِ
الْأَرْضُ زِلْزالَها [الزلزلة/ 1] ، يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ
مَوْراً وَتَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً [الطور/ 9- 10] .
خشى
الخَشْيَة: خوف يشوبه تعظيم، وأكثر ما يكون ذلك عن علم بما
يخشى منه، ولذلك خصّ العلماء بها في قوله: إِنَّما يَخْشَى
اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ
[فاطر/ 28] ، وقال: وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى وَهُوَ يَخْشى
[عبس/ 8- 9] ، مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ
[ق/ 33] ، فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما [الكهف/ 80] ، فَلا
تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي
[البقرة/ 150] ، يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ
أَشَدَّ خَشْيَةً [النساء/ 77] ، وقال: الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ
رِسالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً
إِلَّا اللَّهَ [الأحزاب/ 39] ، وَلْيَخْشَ الَّذِينَ ...
الآية [النساء/ 9] ، أي:
ليستشعروا خوفا من معرّته، وقال تعالى:
__________
(1) البيت لمنصور بن ماذان، وهو في محاضرات الراغب 1/ 285.
وفيها (الوقاحة) بدل (الصلابة) . [.....]
(2) الحديث عن أبي هريرة عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم أنه
رأى رجلا يعبث بلحيته في صلاته، فقال: «لو خشع قلبه لخشعت
جوارحه» أخرجه الحكيم الترمذي في نوادر الأصول 1/ 317، قال
العراقي: بسند ضعيف. والمعروف أنه من قول سعيد بن المسيب، رواه
ابن أبي شيبة في المصنف وفيه رجل لم يسمّ. وروى محمد بن نصر في
كتاب الصلاة من رواية عثمان بن أبي دهرس مرسلا: لا يقبل الله
من عبده عملا حتى يشهد قلبه مع بدنه. ورواه أبو منصور الديلمي
في مسند الفردوس من حديث أبيّ بن كعب، وإسناده ضعيف. راجع:
تخريج أحاديث الإحياء 1/ 339.
(1/283)
وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ
إِمْلاقٍ [الإسراء/ 31] ، أي: لا تقتلوهم معتقدين مخافة أن
يلحقهم إملاق، لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ [النساء/ 25] ، أي:
لمن خاف خوفا اقتضاه معرفته بذلك من نفسه.
خص
التّخصيص والاختصاص والخصوصيّة والتّخصّص: تفرّد بعض الشيء بما
لا يشاركه فيه الجملة، وذلك خلاف العموم، والتّعمّم،
والتّعميم، وخُصَّان «1» الرّجل: من يختصّه بضرب من الكرامة،
والْخاصَّةُ: ضدّ العامّة، قال تعالى: وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا
تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً [الأنفال/
25] ، أي: بل تعمّكم، وقد خَصَّهُ بكذا يخصّه، واختصّه يختصّه،
قال: يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ [آل عمران/ 74] ،
وخُصَاصُ البيت: فرجة، وعبّر عن الفقر الذي لم يسدّ بالخصاصة،
كما عبّر عنه بالخلّة، قال: وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ
وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ
[الحشر/ 9] ، وإن شئت قلت من الخصاص، والخُصُّ: بيت من قصب أو
شجر، وذلك لما يرى فيه من الخصاصة.
خصف
قال تعالى: وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما
[الأعراف/ 22] ، أي: يجعلان عليهما خَصَفَةً، وهي أوراق، ومنه
قيل لجلّة التّمر: خَصَفَة «2» ، وللثّياب الغليظة، جمعه
خَصَفٌ «3» ، ولما يطرق به الخفّ: خَصَفَة، وخَصَفْتُ النّعل
بالمِخْصَف.
وروي: (كان النبيّ صلّى الله عليه وسلم يخصف نعله) «4» ،
وخَصَفْتُ الخصفة: نسجتها، والأخصف والخصيف قيل: الأبرق من
الطّعام، وهو لونان من الطّعام، وحقيقته: ما جعل من اللّبن
ونحوه في خصفة فيتلوّن بلونها.
خصم
الخَصْمُ مصدر خَصَمْتُهُ، أي: نازعته خَصْماً، يقال: خاصمته
وخَصَمْتُهُ مُخَاصَمَةً وخِصَاماً، قال تعالى: وَهُوَ أَلَدُّ
الْخِصامِ [البقرة/ 204] ، وَهُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ
مُبِينٍ [الزخرف/ 18] ، ثم سمّي المُخَاصِم خصما، واستعمل
للواحد والجمع، وربّما ثنّي، وأصل المُخَاصَمَة: أن يتعلّق كلّ
واحد بخصم الآخر، أي جانبه وأن يجذب كلّ واحد خصم الجوالق
__________
(1) والخصّان والخصّان كالخاصة، ومنه قولهم: إنما يفعل هذا
خصّان الناس، أي: خواصّ منهم. انظر: اللسان (خصص) .
(2) انظر: المجمل 2/ 290.
(3) جمعه: خصف وخصاف، انظر: اللسان (خصف) .
(4) الحديث عن عائشة أنها سئلت ما كان رسول الله صلّى الله
عليه وسلم يعمل في بيته؟ قالت: كان يخيط ثوبه ويخصف نعله،
ويعمل ما يعمل الرجال في بيوتهم. أخرجه أحمد في المسند 6/ 121،
وفي الزهد ص 9.
(1/284)
من جانب، وروي: (نسيته في خصم فراشي) «1»
والجمع خُصُوم وأخصام، وقوله: خَصْمانِ اخْتَصَمُوا
[الحج/ 19] ، أي: فريقان، ولذلك قال: اخْتَصَمُوا وقال: لا
تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ [ق/ 28] ، وقال: وَهُمْ فِيها
يَخْتَصِمُونَ [الشعراء/ 96] ، والخَصِيمُ:
الكثير المخاصمة، قال: هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ [النحل/ 4] ،
والخَصِمُ: المختصّ بالخصومة، قال: بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ
[الزخرف/ 58] .
خضد
قال الله: فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ
[الواقعة/ 28] ، أي: مكسور الشّوك، يقال: خَضَدْتُهُ فانخضد،
فهو مخضود وخضيد، والخَضْدُ:
المخضود، كالنّقض في المنقوض، ومنه استعير: خَضَدَ عُنُقَ
البعير، أي: كسر.
خضر
قال تعالى: فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً
[الحج/ 63] ، وَيَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ
[الكهف/ 31] ، فَخُضْرٌ جمع أخضر، والخُضْرَة: أحد الألوان بين
البياض والسّواد، وهو إلى السّواد أقرب، ولهذا سمّي الأسود
أخضر، والأخضر أسود قال الشاعر:
140-
قد أعسف النازح المجهول معسفه ... في ظلّ أخضر يدعو هامه البوم
«2» وقيل: سواد العراق للموضع الذي يكثر فيه الخضرة، وسمّيت
الخضرة بالدّهمة في قوله سبحانه: مُدْهامَّتانِ [الرحمن/ 64] ،
أي:
خضراوان، وقوله عليه السلام: «إيّاكم وخَضْرَاء الدّمن» «3»
فقد فسّره عليه السلام حيث قال:
«المرأة الحسناء في منبت السّوء» ، والمخاضرة:
المبايعة على الخَضْرِ والثمار قبل بلوغها، والخضيرة: نخلة
ينتثر بسرها أخضر.
خضع
قال الله: فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ
__________
(1) الحديث: قالت له أمّ سلمة: أراك ساهم الوجه، أمن علّة؟
قال: «لا، ولكنّ السبعة الدنانير التي أتينا بها أمس نسيتها في
خصم الفراش، فبتّ ولم أقسمها» . أخرجه ابن قتيبة في غريب
الحديث 1/ 329، وفيه عبد الملك بن عمير وهو ثقة إلّا أنه تغيّر
حفظه، وربما دلّس.
راجع: اللسان (خصم) ، والنهاية 2/ 38.
(2) البيت لذي الرّمة، من قصيدة له مطلعها البيت الشهير:
أعن ترسمت من خرقاء منزلة ... ماء الصّبابة من عينيك مسجوم
وهو في ديوانه ص 656، واللسان (عسف) . أعسف: أسير على غير
هداية.
(3) الحديث عن أبي سعيد يرفعه: «إياكم وخضراء الدّمن» ، قيل:
وماذا يا رسول الله؟ قال: «المرأة الحسناء في المنبت السوء» .
أخرجه الدارقطني في الأفراد، والرامهرمزي والعسكري في الأمثال،
وابن عدي في الكامل والقضاعي في مسند الشهاب، والخطيب في إيضاح
الملتبس، والديلمي. وقال الدارقطني: لا يصح من وجه. انظر:
المقاصد الحسنة ص 135، وكشف الخفاء 1/ 272.
(1/285)
[الأحزاب/ 32] ، الخضوع: الخشوع، وقد
تقدّم، ورجل خُضَعَة: كثير الخضوع، ويقال: خَضَعْتُ اللحم، أي:
قطعته، وظليم أَخْضَعُ: في عنقه تطامن «1» .
خط
الخطّ كالمدّ، ويقال لما له طول، والخطوط أضرب فيما يذكره أهل
الهندسة من مسطوح، ومستدير، ومقوّس، وممال، ويعبّر عن كلّ أرض
فيها طول بالخطّ كخطّ اليمن، وإليه ينسب الرّمح الخطّيّ، وكلّ
مكان يَخُطُّهُ الإنسان لنفسه ويحفره يقال له خَطُّ وخِطَّةٌ.
والخَطِيطَة:
أرض لم يصبها مطر بين أرضين ممطورتين كالخطّ المنحرف عنه،
ويعبّر عن الكتابة بالخَطِّ، قال تعالى: وَما كُنْتَ تَتْلُوا
مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ
[العنكبوت/ 48] .
خطب
الخَطْبُ «2» والمُخَاطَبَة والتَّخَاطُب: المراجعة في الكلام،
ومنه: الخُطْبَة والخِطْبَة لكن الخطبة تختصّ بالموعظة،
والخطبة بطلب المرأة قال تعالى: وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما
عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ [البقرة/ 235] ،
وأصل الخطبة: الحالة التي عليها الإنسان إذا خطب نحو الجلسة
والقعدة، ويقال من الخُطْبَة: خاطب وخطيب، ومن الخِطْبَة خاطب
لا غير، والفعل منهما خَطَبَ. والخَطْبُ: الأمر العظيم الذي
يكثر فيه التخاطب، قال تعالى: فَما خَطْبُكَ يا سامِرِيُّ [طه/
95] ، فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ [الذاريات/ 31]
، وفصل الخِطَاب: ما ينفصل به الأمر من الخطاب.
خطف
الخَطْفُ والاختطاف: الاختلاس بالسّرعة، يقال: خَطِفَ
يَخْطَفُ، وخَطَفَ يَخْطِفُ «3» وقرئ بهما جميعا قال: إِلَّا
مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ
«4» ، وذلك وصف للشّياطين المسترقة للسّمع، قال تعالى:
فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ [الحج/ 31]
، يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ [البقرة/ 20] ،
وقال: وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ
[العنكبوت/ 67] ، أي: يقتلون ويسلبون، والخُطَّاف: للطائر الذي
كأنه يخطف شيئا في طيرانه، ولما يخرج به الدّلو، كأنه يختطفه.
وجمعه خَطَاطِيف، وللحديدة التي تدور عليها البكرة، وباز
مُخْطِف: يختطف ما يصيده،
__________
(1) انظر: المجمل 2/ 292.
(2) الخطب مصدر خطب.
(3) راجع: الأفعال 1/ 438 و 468.
(4) سورة الصافات: آية 10، وقراءة (خطف) شاذة.
(1/286)
والخَطِيف «1» : سرعة انجذاب السّير،
وأَخْطَفُ الحشا «2» ، ومُخْطَفُهُ كأنه اخْتُطِفَ حشاه
لضموره.
خطأ
الخَطَأ: العدول عن الجهة، وذلك أضرب:
أحدها: أن تريد غير ما تحسن إرادته فتفعله، وهذا هو الخطأ
التامّ المأخوذ به الإنسان، يقال:
خَطِئَ يَخْطَأُ، خِطْأً، وخِطْأَةً، قال تعالى: إِنَّ
قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً [الإسراء/ 31] ، وقال:
وَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ [يوسف/ 91] .
والثاني: أن يريد ما يحسن فعله، ولكن يقع منه خلاف ما يريد
فيقال: أَخْطَأَ إِخْطَاءً فهو مُخْطِئٌ، وهذا قد أصاب في
الإرادة وأخطأ في الفعل، وهذا المعنيّ بقوله عليه السلام: «رفع
عن أمّتي الخَطَأ والنسيان» «3» وبقوله: «من اجتهد فأخطأ فله
أجر» «4» ، وقوله عزّ وجلّ: وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً
فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ [النساء/ 92] . والثّالث: أن يريد ما لا
يحسن فعله ويتّفق منه خلافه، فهذا مخطئ في الإرادة ومصيب في
الفعل، فهو مذموم بقصده وغير محمود على فعله، وهذا المعنى هو
الذي أراده في قوله:
141-
أردت مساءتي فاجتررت مسرّتي ... وقد يحسن الإنسان من حيث لا
يدري
«5» وجملة الأمر أنّ من أراد شيئا فاتّفق منه غيره يقال: أخطأ،
وإن وقع منه كما أراده يقال:
أصاب، وقد يقال لمن فعل فعلا لا يحسن، أو أراد إرادة لا تجمل:
إنه أخطأ، ولهذا يقال «6» :
أصاب الخطأ، وأخطأ الصّواب، وأصاب الصّواب، وأخطأ الخطأ، وهذه
اللّفظة مشتركة كما ترى، متردّدة بين معان يجب لمن يتحرّى
الحقائق أن يتأمّلها. وقوله تعالى: وَأَحاطَتْ بِهِ
خَطِيئَتُهُ [البقرة/ 81] . والخَطِيئَةُ والسّيّئة يتقاربان،
لكن الخطيئة أكثر ما تقال فيما لا يكون مقصودا إليه في نفسه،
بل يكون القصد سببا
__________
(1) انظر: اللسان (خطف) ، والبصائر 2/ 551، والمجمل 2/ 294.
(2) في المجمل: ومخطف الحشا: إذا كان منطوي الحشا. [.....]
(3) الحديث عن ابن عباس أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلم قال:
«رفع الله عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» أخرجه
أبو القاسم التميمي المعروف بأخي عاصم في فوائده، ورجاله ثقات
غير أنّ فيه انقطاعا. وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير 11/
133، والدارقطني 4/ 171، وابن ماجة 1/ 659، والحاكم 2/ 198،
وصححه ابن حبان والحاكم ووافقه الذهبي، وضعّفه الإمام أحمد،
فقال عبد الله بن أحمد في العلل: سألت أبي عنه فأنكره جدا.
وانظر: كشف الخفاء 2/ 135، والمقاصد الحسنة ص 228، وتخريج
أحاديث اللمع للغماري ص 149.
(4) الحديث عن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلّى الله
عليه وسلم: «إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران، وإذا حكم
فاجتهد فأخطأ فله أجر» . أخرجه البخاري 9/ 193 في كتاب
الاعتصام بالسنة، ومسلم 15/ 1716 كتاب الأقضية، وأبو داود،
معالم السنن 4/ 160، وانظر الابتهاج بتخريج أحاديث المنهاج
للغماري ص 269.
(5) البيت في البصائر 2/ 552 دون نسبة، وفي تفصيل النشأتين ص
109.
(6) انظر تفسير الراغب ورقة 56.
(1/287)
لتولّد ذلك الفعل منه، كمن يرمي صيدا فأصاب
إنسانا، أو شرب مسكرا فجنى جناية في سكره، والسبب سببان: سبب
محظور فعله، كشرب المسكر وما يتولّد عنه من الخطإ غير متجاف
عنه، وسبب غير محظور، كرمي الصّيد، قال تعالى:
وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِنْ
ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ [الأحزاب/ 5] ، وقال تعالى:
وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً
[النساء/ 112] ، فالخطيئة هاهنا هي التي لا تكون عن قصد إلى
فعله، قال تعالى: وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلالًا
[نوح/ 24] ، مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ [نوح/ 25] ، إِنَّا نَطْمَعُ
أَنْ يَغْفِرَ لَنا رَبُّنا خَطايانا [الشعراء/ 51] ،
وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ
خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ [العنكبوت/ 12] ، وقال تعالى:
وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ
الدِّينِ [الشعراء/ 82] ، والجمع الخطيئات والخطايا، وقوله
تعالى: نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ [البقرة/ 58] ، فهي المقصود
إليها، والخاطِئُ «1» هو القاصد للذّنب، وعلى ذلك قوله: وَلا
طَعامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ لا يَأْكُلُهُ إِلَّا
الْخاطِؤُنَ [الحاقة/ 36- 37] ، وقد يسمّى الذّنب خَاطِئَةً في
قوله تعالى: وَالْمُؤْتَفِكاتُ بِالْخاطِئَةِ [الحاقة/ 9] ،
أي:
الذنب العظيم، وذلك نحو قولهم: شعر شاعر.
فأما ما لم يكن مقصودا فقد ذكر عليه السلام أنّه متجافى عنه،
وقوله تعالى: نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ [البقرة/ 58] ،
فالمعنى ما تقدّم.
خطو
خَطَوْتُ أَخْطُو خَطْوَةً، أي: مرّة، والخُطْوَة ما بين
القدمين «2» ، قال تعالى: وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ
الشَّيْطانِ
[البقرة/ 168] ، أي: لا تتّبعوه، وذلك نحو قوله: وَلا
تَتَّبِعِ الْهَوى [ص/ 26] .
خف
الخَفِيف: بإزاء الثّقيل، ويقال ذلك تارة باعتبار المضايفة
بالوزن، وقياس شيئين أحدهما بالآخر، نحو: درهم خفيف، ودرهم
ثقيل.
والثاني: يقال باعتبار مضايفة الزّمان، نحو: فرس خفيف، وفرس
ثقيل: إذا عدا أحدهما أكثر من الآخر في زمان واحد. الثالث:
يقال خفيف فيما يستحليه الناس، وثقيل فيما يستوخمه، فيكون
الخفيف مدحا، والثقيل ذمّا، ومنه قوله تعالى:
الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ
[الأنفال/ 66] ، فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ [البقرة/ 86] ، وأرى
أنّ
__________
(1) قال الأموي: المخطئ من أراد الصواب فصار إلى غيره، والخاطئ
من تعمد لما لا ينبغي. انظر: العباب (خطأ) .
(2) قال ابن المرحّل:
وخطوة بالفتح نقل القدمين ... وخطوة مضمومة ما بين تين
وجمع الأول خطاء، والخطى ... جمع الأخير، وبضمّ ضبطا
(1/288)
من هذا قوله: حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفاً
[الأعراف/ 189] . الرّابع: يقال خفيف فيمن يطيش، وثقيل فيما
فيه وقار، فيكون الخفيف ذمّا، والثقيل مدحا. الخامس: يقال خفيف
في الأجسام التي من شأنها أن ترجحن إلى أسفل كالأرض والماء،
يقال: خَفَّ يَخِفُّ خَفّاً وخِفَّةً، وخَفَّفَه تَخْفِيفاً
وتَخَفَّفَ تَخَفُّفاً، واستخففته، وخَفَّ المتاع: الخفيف منه،
وكلام خفيف على اللسان، قال تعالى: فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ
فَأَطاعُوهُ [الزخرف/ 54] ، أي: حملهم أن يخفّوا معه، أو وجدهم
خفافا في أبدانهم وعزائمهم، وقيل:
معناه وجدهم طائشين، وقوله تعالى: فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ
فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ
فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ [المؤمنون/ 102-
103] ، فإشارة إلى كثرة الأعمال الصّالحة وقلّتها، وَلا
يَسْتَخِفَّنَّكَ [الروم/ 60] ، أي: لا يزعجنّك ويزيلنّك عن
اعتقادك بما يوقعون من الشّبه، وخفّوا عن منازلهم: ارتحلوا
منها في خفّة، والخُفُّ: الملبوس، وخُفُّ النّعامة والبعير
تشبيها بخفّ الإنسان.
خفت
قال تعالى: يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ
[طه/ 103] ، وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها
[الإسراء/ 110] ، المخافتة والخفت: إسرار المنطق، قال:
142-
وشتّان بين الجهر والمنطق الخَفْت
«1»
خفض
الخَفْض: ضدّ الرّفع، والخَفْض الدّعة والسّير اللّيّن وقوله
عزّ وجلّ: وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِ
[الإسراء/ 24] ، فهو حثّ على تليين الجانب والانقياد، كأنّه
ضدّ قوله: أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ [النمل/ 31] ، وفي صفة
القيامة:
خافِضَةٌ رافِعَةٌ
[الواقعة/ 3] ، أي: تضع قوما وترفع آخرين، فخافضة إشارة إلى
قوله:
ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ [التين/ 5] .
خفى
خَفِيَ الشيء خُفْيَةً: استتر، قال تعالى:
ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً [الأعراف/ 55] ،
والخَفَاء: ما يستر به كالغطاء، وخَفَيْتَهُ:
أزلت خفاه، وذلك إذا أظهرته «2» ، وأَخْفَيْتَهُ:
أوليته خفاء، وذلك إذا سترته، ويقابل به الإبداء والإعلان، قال
تعالى: إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ
تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ
[البقرة/ 271] ، وقال تعالى:
__________
(1) البيت:
أخاطب جهرا إذ لهنّ تخافت ... وشتّان بين الجهر والمنطق الخفت
وهو في اللسان (خفت) ، والمجمل 2/ 297 دون نسبة، وخزانة الأدب
6/ 278.
(2) انظر: المجمل 2/ 297.
(1/289)
وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما
أَعْلَنْتُمْ [الممتحنة/ 1] ، بَلْ بَدا لَهُمْ ما كانُوا
يُخْفُونَ [الأنعام/ 28] ، والاسْتِخْفَاءُ: طلب الإخفاء، ومنه
قوله تعالى:
أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ
[هود/ 5] ، والخَوَافي: جمع خافية، وهي: ما دون القوادم من
الرّيش.
خل
الخَلَل: فرجة بين الشّيئين، وجمعه خِلَال، كخلل الدّار،
والسّحاب، والرّماد وغيرها، قال تعالى في صفة السّحاب: فَتَرَى
الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ [النور/ 43] ، فَجاسُوا
خِلالَ الدِّيارِ [الإسراء/ 5] ، قال الشاعر:
143-
أرى خلل الرّماد وميض جمر
«1» وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ [التوبة/ 47] ، أي:
سعوا وسطكم بالنّميمة والفساد. والخِلَال: لما تخلّل به
الأسنان وغيرها، يقال: خَلَّ سِنَّهُ، وخلّ ثوبه بالخلال
يَخُلُّهُ، ولسان الفصيل بالخلال ليمنعه من الرضاع، والرّميّة
بالسّهم، وفي الحديث. «خَلِّلُوا أصابعكم» «2» . والخَلَل في
الأمر كالوهن فيه، تشبيها بالفرجة الواقعة بين الشّيئين،
وخَلَّ لحمه يَخِلُّ خَلًّا وخِلَالًا»
: صار فيه خلل، وذلك بالهزال، قال:
144-
إنّ جسمي بعد خالي لخلّ
«4» والخَلّ «5» : الطّريق في الرّمل، لتخلّل الوعورة، أي:
الصعوبة إيّاه، أو لكون الطّريق متخلّلا وسطه، والخَلَّة: أيضا
الخمر الحامضة، لتخلّل الحموضة إيّاها. والخِلَّة: ما يغطّى به
جفن السّيف لكونه في خلالها، والخَلَّة:
الاختلال العارض للنّفس، إمّا لشهوتها لشيء، أو لحاجتها إليه،
ولهذا فسّر الخلّة بالحاجة
__________
(1) هذا شطر بيت، وعجزه:
فيوشك أن يكون له ضرام
وهو لنصر بن سيار، في فصل المقال ص 233، وتاريخ الطبري 6/ 36،
والأغاني 6/ 124، والجليس الصالح 2/ 283، وعيون الأخبار 2/
128، والحماسة البصرية 1/ 107.
(2) الحديث عن عائشة قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم
يتوضأ ويخلّل بين أصابعه، ويدلك عقبيه، ويقول: «خلّلوا بين
أصابعكم، لا يخلل الله تعالى بينها بالنار، ويل للأعقاب من
النار» أخرجه الدارقطني 1/ 95 وفي سنده عمر بن قيس متروك.
وانظر: الفتح الكبير 2/ 90.
وأخرج النسائي 1/ 79 عن لقيط قال: قال رسول الله صلّى الله
عليه وسلم: «إذا توضأت فأسبغ الوضوء. وخلّل بين الأصابع» .
(3) انظر: اللسان (خلل) 11/ 219.
(4) هذا عجز بيت، وشطره:
فاسقنيها يا سواد بن عمرو
والبيت للشنفرى، وهو في الصحاح (خلّ) ، واللسان (خلل) ،
والمجمل 2/ 276، وأمالي القالي 2/ 277، وقيل: لتأبط شرا وهو في
العشرات ص 95.
(5) انظر: اللسان 11/ 214، والمجمل 2/ 276.
(1/290)
والخصلة، والخُلَّةُ: المودّة، إمّا لأنّها
تتخلّل النّفس، أي: تتوسّطها، وإمّا لأنّها تخلّ النّفس،
فتؤثّر فيها تأثير السّهم في الرّميّة، وإمّا لفرط الحاجة
إليها، يقال منه: خاللته مُخَالَّة وخِلَالًا فهو خليل، وقوله
تعالى: وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا [النساء/ 125]
، قيل: سمّاه بذلك لافتقاره إليه سبحانه في كلّ حال الافتقار
المعنيّ بقوله: إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ
فَقِيرٌ [القصص/ 24] ، وعلى هذا الوجه قيل:
(اللهمّ أغنني بالافتقار إليك ولا تفقرني بالاستغناء عنك) «1»
. وقيل: بل من الخلّة، واستعمالها فيه كاستعمال المحبّة فيه،
قال أبو القاسم البلخيّ «2» : هو من الخلّة لا من الخلّة، قال:
ومن قاسه بالحبيب فقد أخطأ، لأنّ الله يجوز أن يحبّ عبده، فإنّ
المحبّة منه الثناء ولا يجوز أن يخالّه، وهذا منه اشتباه، فإنّ
الخلّة من تخلّل الودّ نفسه ومخالطته، كقوله:
145-
قد تخلّلت مسلك الرّوح منّي ... وبه سمّي الخليل خليلا
«3» ولهذا يقال: تمازج روحانا. والمحبّة: البلوغ بالودّ إلى
حبّة القلب، من قولهم: حببته: إذا أصبت حبّة قلبه، لكن إذا
استعملت المحبّة في الله فالمراد بها مجرّد الإحسان، وكذا
الخلّة، فإن جاز في أحد اللّفظين جاز في الآخر، فأمّا أن يراد
بالحبّ حبّة القلب، والخلّة التّخلّل، فحاشا له سبحانه أن يراد
فيه ذلك. وقوله تعالى: لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ [البقرة/
254] ، أي: لا يمكن في القيامة ابتياع حسنة ولا استجلابها
بمودّة، وذلك إشارة إلى قوله سبحانه: وَأَنْ لَيْسَ
لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى [النجم/ 39] ، وقوله: لا بَيْعٌ
فِيهِ وَلا خِلالٌ
[إبراهيم/ 31] ، فقد قيل: هو مصدر من خاللت، وقيل:
هو جمع، يقال: خليل وأَخِلَّة وخِلَال والمعنى كالأوّل.
خلد
الخُلُود: هو تبرّي الشيء من اعتراض الفساد، وبقاؤه على الحالة
التي هو عليها، وكلّ ما يتباطأ عنه التغيير والفساد تصفه العرب
بالخلود، كقولهم للأثافي: خوالد، وذلك لطول مكثها لا لدوام
بقائها. يقال: خَلَدَ يَخْلُدُ خُلُودا «4» ، قال تعالى:
لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ [الشعراء/ 129] ، والخَلْدُ: اسم
للجزء الذي
__________
(1) وهذا من قول عمرو بن عبيد، انظر: جواهر الألفاظ ص 5.
[.....]
(2) اسمه عبد الله بن أحمد، أبو القاسم البلخي الكعبي، من رؤوس
المعتزلة، توفي 317 هـ، انظر: وفيات الأعيان 3/ 45.
(3) البيت في البصائر 2/ 557 ولم ينسبه، وهو لبشار بن برد في
أدب الدنيا والدين ص 146، وتفسير الراغب ورقة 170.
(4) انظر: الأفعال 1/ 443.
(1/291)
يبقى من الإنسان على حالته، فلا يستحيل ما
دام الإنسان حيّا استحالة سائر أجزائه «1» ، وأصل المُخَلَّد:
الذي يبقى مدّة طويلة ومنه قيل: رجل مُخَلَّد لمن أبطأ عنه
الشيب، ودابة مُخَلَّدَة: هي التي تبقى ثناياها حتى تخرج
رباعيتها، ثم استعير للمبقيّ دائما. والخُلُودُ في الجنّة:
بقاء الأشياء على الحالة التي عليها من غير اعتراض الفساد
عليها، قال تعالى: أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها
خالِدُونَ
[البقرة/ 82] ، أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها
خالِدُونَ [البقرة/ 39] ، وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً
مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها [النساء/ 93]
، وقوله تعالى: يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ
[الواقعة/ 17] ، قيل:
مبقون بحالتهم لا يعتريهم استحالة، وقيل:
مقرّطون بخلدة، والخَلَدَة: ضرب من القرطة «2» ، وإِخلادُ
الشيء: جعله مبقى، والحكم عليه بكونه مبقى، وعلى هذا قوله
سبحانه: وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ
[الأعراف/ 176] ، أي:
ركن إليها ظانّا أنه يخلد فيها.
خلص
الخالص كالصافي إلّا أنّ الخالص هو ما زال عنه شوبه بعد أن كان
فيه، والصّافي قد يقال لما لا شوب فيه، ويقال: خَلَّصْته
فَخَلَصَ، ولذلك قال الشاعر:
146-
خلاص الخمر من نسج الفدام
«3» قال تعالى: وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ
خالِصَةٌ لِذُكُورِنا [الأنعام/ 139] ، ويقال: هذا خالص
وخالصة، نحو: داهية وراوية، وقوله تعالى: فَلَمَّا
اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا [يوسف/ 80] ، أي:
انفردوا خالصين عن غيرهم. وقوله: وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ
[البقرة/ 139] ، إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ
[يوسف/ 24] ، فإخلاص المسلمين أنّهم قد تبرّؤوا ممّا يدّعيه
اليهود من التشبيه، والنصارى من التثليث، قال تعالى:
مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [الأعراف/ 29] ، وقال: لَقَدْ
كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ
[المائدة/ 73] ، وقال:
وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ [النساء/ 146] ، وهو
__________
(1) انظر: البصائر 2/ 558.
(2) القرطة والأقراط والقراط جمع: قرط، وهو نوع من حليّ الأذن،
وهذا قول ابن قتيبة في غريب القرآن ص 447.
(3) هذا عجز بيت، وشطره الأول:
وضاقت خطة فخلصت منها
والعجز في عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ للسمين مادة
(خلص) ، وعقد الخلاص ص 305 دون نسبة، وهو للمتنبي في الوساطة
بين المتنبي وخصومه ص 120، والتبيان شرح الديوان 4/ 148.
والفدام: ما يوضع في فم الإبريق ليصفّى به ما فيه.
(1/292)
كالأوّل، وقال: إِنَّهُ كانَ مُخْلَصاً
وَكانَ رَسُولًا نَبِيًّا [مريم/ 51] ، فحقيقة الإخلاص:
التّبرّي عن كلّ ما دون الله تعالى.
خلط
الخَلْطُ: هو الجمع بين أجزاء الشيئين فصاعدا، سواء كانا
مائعين، أو جامدين، أو أحدهما مائعا والآخر جامدا، وهو أعمّ من
المزج، ويقال اختلط الشيء، قال تعالى:
فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ [يونس/ 24] ، ويقال للصّديق
والمجاور والشّريك: خَلِيطٌ، والخليطان في الفقه من ذلك، قال
تعالى:
وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى
بَعْضٍ
[ص/ 24] ، ويقال الخليط للواحد والجمع، قال الشاعر:
147-
بان الخليط ولم يأووا لمن تركوا
«1» وقال: خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً
[التوبة/ 102] ، أي: يتعاطون هذا مرّة وذاك مرّة، ويقال: أخلط
فلان في كلامه: إذا صار ذا تخليط، وأخلط الفرس في جريه كذلك،
وهو كناية عن تقصيره فيه.
خلع
الخَلْعُ: خلع الإنسان ثوبه، والفرس جلّه وعذاره، قال تعالى:
فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ
[طه/ 12] ، قيل: هو على الظاهر، وأمره بخلع ذلك عن رجله، لكونه
من جلد حمار ميّت «2» ، وقال بعض الصوفية: هذا مثل وهو أمر
بالإقامة والتمكّن، كقولك لمن رمت أن يتمكّن: انزع ثوبك وخفّك
ونحو ذلك، وإذا قيل: خَلَعَ فلان على فلان، فمعناه: أعطاه
ثوبا، واستفيد معنى العطاء من هذه اللفظة بأن وصل به على فلان،
لا بمجرّد الخلع.
خلف
خَلْفُ: ضدّ القُدَّام، قال تعالى: يَعْلَمُ ما بَيْنَ
أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ [البقرة/ 255] ، وقال تعالى: لَهُ
مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ [الرعد/ 11]
، وقال تعالى: فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ
لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً [يونس/ 92] ، وخَلَفَ ضدّ تقدّم وسلف،
والمتأخّر لقصور منزلته يقال له: خَلْفٌ، ولهذا قيل: الخلف
الرديء، والمتأخّر لا لقصور منزلته يقال له: خلف، قال تعالى:
فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ [الأعراف/ 169] ، وقيل: سكت
ألفا ونطق
__________
(1) هذا شطر بيت لزهير، وعجزه:
وزوّدوك اشتياقا أية سلكوا
وهو مطلع قصيدته الكافية في ديوانه ص 47.
(2) أخرجه ابن جرير 16/ 144 عن كعب وعكرمة وقتادة، وأخرجه ابن
بطّة، وقال ابن عراق في تنزيه الشريعة المرفوعة 1/ 228: وهذا
لا يصحّ.
(1/293)
خلفا «1» . أي: رديئا من الكلام، وقيل
للاست إذا ظهر منه حبقة «2» : خُلْفَة، ولمن فسد كلامه أو كان
فاسدا في نفسه، يقال: تَخَلَّفَ فلان فلانا:
إذا تأخّر عنه وإذا جاء خلف آخر، وإذا قام مقامه، ومصدره
الخِلَافةَ بالكسر، وخَلَفَ خَلَافَةً بفتح الخاء: فسد «3» ،
فهو خالف، أي: رديء أحمق، ويعبّر عن الرديء بخلف نحو: فَخَلَفَ
مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ [مريم/ 59] ، ويقال
لمن خلف آخر فسدّ مسدّه: خَلَف، والخِلْفَةُ يقال في أن يخلف
كلّ واحد الآخر، قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ
وَالنَّهارَ خِلْفَةً [الفرقان/ 62] ، وقيل: أمرهم خلفة، أي:
يأتي بعضه خلف بعض، قال الشاعر:
148-
بها العين والآرام يمشين خلفة
«4» وأصابته خلفة: كناية عن البطنة، وكثرة المشي، وخَلَفَ
فلانٌ فلانا، قام بالأمر عنه، إمّا معه وإمّا بعده، قال تعالى:
وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ
يَخْلُفُونَ [الزخرف/ 60] ، والخِلافةُ النّيابة عن الغير إمّا
لغيبة المنوب عنه، وإمّا لموته، وإمّا لعجزه، وإمّا لتشريف
المستخلف. وعلى هذا الوجه الأخير استخلف الله أولياءه في
الأرض، قال تعالى: هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي
الْأَرْضِ
[فاطر/ 39] ، وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ
[الأنعام/ 165] ، وقال: وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً
غَيْرَكُمْ [هود/ 57] ، والخلائف: جمع خليفة، وخلفاء جمع خليف،
قال تعالى: يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي
الْأَرْضِ [ص/ 26] ، وَجَعَلْناهُمْ خَلائِفَ [يونس/ 73] ،
جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ [الأعراف/ 69] ،
والاختلافُ والمخالفة: أن يأخذ كلّ واحد طريقا غير طريق الآخر
في حاله أو قوله، والخِلَاف أعمّ من الضّدّ، لأنّ كلّ ضدّين
مختلفان، وليس كلّ مختلفين ضدّين، ولمّا كان الاختلاف بين
النّاس في القول قد يقتضي التّنازع استعير ذلك للمنازعة
والمجادلة، قال:
فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ [مريم/ 37] ، وَلا يَزالُونَ
مُخْتَلِفِينَ [هود/ 118] ، وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ
وَأَلْوانِكُمْ [الروم/ 22] ، عَمَّ يَتَساءَلُونَ عَنِ
النَّبَإِ الْعَظِيمِ الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ
[النبأ/ 1- 2- 3] ، إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ
[الذاريات/ 8] ، وقال:
__________
(1) هذا مثل يضرب للرجل يطيل الصمت، ثم يتكلم بالخطإ. راجع:
مجمل اللغة 2/ 300، والبصائر 2/ 561، ومجمع الأمثال 1/ 33،
وأمثال أبي عبيد ص 55.
(2) الحبق والحبق والحباق: الضراط.
(3) انظر: الأفعال 1/ 446.
(4) الشطر لزهير، وعجزه:
وأطلاؤها ينهضن في كل مجثم
وهو في ديوانه ص 75، وشرح المعلقات 1/ 100، واللسان (خلف) .
(1/294)
مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ [النحل/ 13] ،
وقال: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا
مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ [آل عمران/ 105] ، وقال:
فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ
مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ [البقرة/ 213] ، وَما كانَ النَّاسُ
إِلَّا أُمَّةً واحِدَةً فَاخْتَلَفُوا [يونس/ 19] ، وَلَقَدْ
بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْناهُمْ
مِنَ الطَّيِّباتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جاءَهُمُ
الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ
الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ [يونس/ 93] ،
وقال في القيامة: وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ
ما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ [النحل/ 92] ، وقال:
لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ [النحل/ 39] ،
وقوله تعالى: وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ
[البقرة/ 176] ، قيل معناه: خلفوا، نحو كسب واكتسب، وقيل: أتوا
فيه بشيء خلاف ما أنزل الله، وقوله تعالى: لَاخْتَلَفْتُمْ فِي
الْمِيعادِ [الأنفال/ 42] ، فمن الخلاف، أو من الخلف، وقوله
تعالى: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ
إِلَى اللَّهِ [الشورى/ 10] ، وقوله تعالى: فَأَحْكُمُ
بَيْنَكُمْ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ [آل عمران/ 55]
، وقوله تعالى:
إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ [يونس/ 6] ، أي: في
مجيء كلّ واحد منهما خلف الآخر وتعاقبهما، والخُلْفُ: المخالفة
في الوعد.
يقال: وعدني فأخلفني، أي: خالف في الميعاد بِما أَخْلَفُوا
اللَّهَ ما وَعَدُوهُ [التوبة/ 77] ، وقال: إِنَّ اللَّهَ لا
يُخْلِفُ الْمِيعادَ [الرعد/ 31] ، وقال: فَأَخْلَفْتُمْ
مَوْعِدِي [طه/ 86] ، قالُوا ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ
بِمَلْكِنا [طه/ 87] ، وأخلفت فلانا: وجدته مُخْلِفاً،
والإخلاف: أن يسقي واحد بعد آخر، وأَخْلَفَ الشجرُ: إذا اخضرّ
بعد سقوط ورقه، وأَخْلَفَ الله عليك، يقال لمن ذهب ماله، أي:
أعطاك خلفا، وخَلَفَ اللهُ عليك، أي: كان لك منه خليفة، وقوله:
لا يلبثون خلفك «1» : بعدك، وقرئ:
خِلافَكَ «2» أي: مخالفة لك، وقوله: أَوْ تُقَطَّعَ
أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ
[المائدة/ 33] ، أي: إحداهما من جانب والأخرى من جانب آخر.
وخَلَّفْتُهُ: تركته خلفي، قال فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ
بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ
[التوبة/ 81] ، أي: مخالفين، وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ
خُلِّفُوا
[التوبة/ 118] ، قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ [الفتح/ 16] ،
والخالِفُ:
المتأخّر لنقصان أو قصور كالمتخلف، قال:
فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ [التوبة/ 83] ، والخَالِفةُ:
عمود الخيمة المتأخّر، ويكنّى بها عن
__________
(1) سورة الإسراء آية 76، وهي قراءة نافع وابن كثير وأبي عمرو
وأبي بكر وأبي جعفر.
(2) وهي قراءة الباقي. [.....]
(1/295)
المرأة لتخلّفها عن المرتحلين، وجمعها
خَوَالِف، قال: رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ
[التوبة/ 87] ، ووجدت الحيّ خَلُوفاً، أي:
تخلّفت نساؤهم عن رجالهم، والخلف: حدّ الفأس الذي يكون إلى جهة
الخلف، وما تخلّف من الأضلاع إلى ما يلي البطن، والخِلَافُ:
شجر كأنّه سمّي بذلك لأنّه فيما يظنّ به، أو لأنّه يخلف مخبره
منظره، ويقال للجمل بعد بزوله:
مخلف عام، ومخلف عامين. وقال عمر رضي الله عنه: (لولا
الخِلِّيفَى لأذّنت) «1» أي:
الخلافة، وهو مصدر خلف.
خلق
الخَلْقُ أصله: التقدير المستقيم، ويستعمل في إبداع الشّيء من
غير أصل ولا احتذاء، قال: خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ
[الأنعام/ 1] ، أي: أبدعهما، بدلالة قوله: بَدِيعُ السَّماواتِ
وَالْأَرْضِ [البقرة/ 117] ، ويستعمل في إيجاد الشيء من الشيء
نحو:
خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ [النساء/ 1] ، خَلَقَ
الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ [النحل/ 4] ، خَلَقْنَا الْإِنْسانَ
مِنْ سُلالَةٍ [المؤمنون/ 12] ، وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ
[الأعراف/ 11] ، خَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ [الرحمن/ 15] ،
وليس الخَلْقُ الذي هو الإبداع إلّا لله تعالى، ولهذا قال في
الفصل بينه تعالى وبين غيره: أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا
يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ
[النحل/ 17] ، وأمّا الذي يكون بالاستحالة، فقد جعله الله
تعالى لغيره في بعض الأحوال، كعيسى حيث قال:
وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي
[المائدة/ 110] ، والخلق لا يستعمل في كافّة النّاس إلا على
وجهين: أحدهما في معنى التّقدير كقول الشاعر:
149-
فلأنت تفري ما خلقت وبع ... ض القوم يخلق ثمّ لا يفري «2»
والثاني: في الكذب نحو قوله: وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً
[العنكبوت/ 17] ، إن قيل: قوله تعالى:
فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ
[المؤمنون/ 14] ، يدلّ على أنّه يصحّ أن يوصف غيره بالخلق؟
قيل: إنّ ذلك معناه: أحسن المقدّرين، أو يكون على تقدير ما
كانوا يعتقدون ويزعمون
__________
(1) قال ابن الأثير في النهاية: وفي حديث عمر: (لو أطقت الأذان
مع الخلّيفى لأذّنت) .
الخلّيفى بالكسر والتشديد: الخلافة، وهو وأمثاله مصدر يدل على
معنى الكثرة، يريد به كثرة اجتهاده في ضبط أمور الخلافة،
وتصريف أعنّتها. النهاية 2/ 69، ورواه أبو الشيخ في الأذان
والبيهقي، راجع: المقاصد الحسنة ص 348.
(2) البيت لزهير من قصيدة مطلعها:
لمن الديار بقنّة الحجر ... أقوين من حجج ومن شهر
وهو في ديوانه ص 29، وديوان الأدب 2/ 123.
(1/296)
أنّ غير الله يبدع، فكأنه قيل: فاحسب أنّ
هاهنا مبدعين وموجدين، فالله أحسنهم إيجادا على ما يعتقدون،
كما قال: خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ
[الرعد/ 16] ، وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ
اللَّهِ [النساء/ 119] ، فقد قيل:
إشارة إلى ما يشوّهونه من الخلقة بالخصاء، ونتف اللّحية، وما
يجري مجراه، وقيل معناه:
يغيّرون حكمه، وقوله: لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ [الروم/
30] ، فإشارة إلى ما قدّره وقضاه، وقيل معنى: لا تَبْدِيلَ
لِخَلْقِ اللَّهِ نهي، أي: لا تغيّروا خلقة الله، وقوله:
وَتَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ
[الشعراء/ 166] ، فكناية عن فروج النساء «1» . وكلّ موضع
استعمل الخلق في وصف الكلام فالمراد به الكذب، ومن هذا الوجه
امتنع كثير من النّاس من إطلاق لفظ الخلق على القرآن «2» ،
وعلى هذا قوله تعالى:
إِنْ هذا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ [الشعراء/ 137] ، وقوله:
ما سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هذا إِلَّا
اخْتِلاقٌ
[ص/ 7] ، [والخلق يقال في معنى المخلوق، والخَلْقُ والخُلْقُ
في الأصل واحد، كالشّرب والشّرب، والصّرم والصّرم، لكن خصّ
الخلق بالهيئات والأشكال والصّور المدركة بالبصر، وخصّ الخلق
بالقوى والسّجايا المدركة بالبصيرة] «3» . قال تعالى:
وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ
[القلم/ 4] ، وقرئ: إِنْ هذا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ «4»
. والْخَلَاقُ: ما اكتسبه الإنسان من الفضيلة بخلقه، قال
تعالى: ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ [البقرة/ 102] ،
وفلان خليق بكذا، أي: كأنّه مخلوق فيه، ذلك كقولك: مجبول على
كذا، أو مدعوّ إليه من جهة الخلق. وخَلَقَ الثوبُ وأَخْلَقَ،
وثوب خَلَقٌ ومُخْلَق وأخلاق، نحو حبل أرمام وأرمات، وتصوّر من
خَلُوقَة الثوب الملامسة، فقيل: جبل أَخْلَق، وصخرة خَلْقَاء،
وخَلَقْتُ الثوب: ملّسته، واخلولق السحاب منه، أو من قولهم: هو
خليق بكذا، والخلوق: ضرب من الطّيب.
خلا
الخلاء: المكان الذي لا ساتر فيه من بناء ومساكن وغيرهما،
والخلوّ يستعمل في الزمان والمكان، لكن لما تصوّر في الزمان
المضيّ فسّر أهل اللغة: خلا الزمان، بقولهم: مضى الزمان وذهب،
قال تعالى: وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ
__________
(1) قال مجاهد في الآية: تركتم أقبال النساء إلى أدبار الرجال
وأدبار النساء. راجع: الدر المنثور 6/ 317.
(2) قال السمين: قوله هذا يشعر بأن لا مانع من إطلاق الخلق على
القرآن إلا ذلك، وليس الأمر كذلك، بل القرآن كلامه غير مخلوق.
انظر عمدة الحفاظ: خلق.
(3) ما بين القوسين ذكره المؤلف في الذريعة ص 39.
(4) سورة الشعراء: آية 137، وبها قرأ ابن كثير وأبو عمرو
ويعقوب وأبو جعفر والكسائي. انظر: الإتحاف ص 333.
(1/297)
خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ
[آل عمران/ 144] ، وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ
[الرعد/ 6] ، تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ [البقرة/ 141] ، قَدْ
خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ [آل عمران/ 137] ، إِلَّا خَلا
فِيها نَذِيرٌ [فاطر/ 24] ، مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ
قَبْلِكُمْ
[البقرة/ 214] ، وَإِذا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ
الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ [آل عمران/ 119] ، وقوله: يَخْلُ
لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ
[يوسف/ 9] ، أي: تحصل لكم مودّة أبيكم وإقباله عليكم. وخَلَا
الإنسان: صار خَالِياً، وخَلَا فلان بفلان: صار معه في
خَلَاءٍ، وخَلَا إليه: انتهى إليه في خلوة، قال تعالى:
وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ [البقرة/ 14] ، وخلّيت
فلانا: تركته في خَلَاءٍ، ثم يقال لكلّ ترك تخلية، نحو:
فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ [التوبة/ 5] ، وناقة خَلِيَّة: مُخْلَاة
عن الحلب، وامرأة خَلِيَّة:
مخلاة عن الزّوج، وقيل للسّفينة المتروكة بلا ربّان خَلِيَّة،
والخَلِيُّ: من خلّاه الهمّ، نحو المطلّقة في قول الشاعر: 150-
مطلّقة طورا وطورا تراجع
«1» والخَلَاءُ: الحشيش المتروك حتّى ييبس، ويقال: خَلَيْتُ
الخَلَاءَ: جززته، وخَلَيْتُ الدّابة:
جززت لها، ومنه استعير: سيف يَخْتَلِي، أي:
يقطع ما يضرب به قطعه للخلا.
خمد
قوله تعالى: جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ
[الأنبياء/ 15] ، كناية عن موتهم، من قولهم:
خَمَدَتِ النار خُمُودا: طفئ لهبها، وعنه استعير:
خمدت الحمّى: سكنت، وقوله تعالى: فَإِذا هُمْ خامِدُونَ [يس/
29] .
خمر
أصل الخمر: ستر الشيء، ويقال لما يستر به: خِمَار، لكن الخمار
صار في التعارف اسما لما تغطّي به المرأة رأسها، وجمعه خُمُر،
قال تعالى:
وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ [النور/ 31]
واختمرت المرأة وتَخَمَّرَت، وخَمَّرَتِ الإناء: غطّيته، وروي
«خمّروا آنيتكم» «2» ، وأَخْمَرْتُ العجين: جعلت فيه
__________
(1) هذا عجز بيت للنابغة الذبياني، وشطره:
تناذرها الراقون من سوء سمّها
وهو من قصيدته العينية التي مطلعها:
عفا ذو حسا من فرقنى فالفوارع ... فجبنا أريك فالقلاع الدوافع
وهو في ديوانه ص 80.
(2) الحديث عن جابر بن عبد الله رفعه قال: «خمّروا الآنية،
وأوكوا الأسقية، وأجيفوا الأبواب، واكفتوا صبيانكم عند المساء،
فإنّ للجن انتشارا وخطفة، وأطفئوا المصابيح عند الرقاد، فإنّ
الفويسقة ربما اجترّت الفتيلة، فأحرقت أهل البيت» أخرجه
البخاري 6/ 253 في بدء الخلق: باب: إذا وقع الذباب في شراب
أحدكم فليغمسه، وانظر: شرح السنة 11/ 391.
(1/298)
الخمير، والخميرة سمّيت لكونها مخمورة من
قبل.
ودخل في خِمَار الناس، أي: في جماعتهم الساترة لهم، والخَمْر
سمّيت لكونها خامرة لمقرّ العقل، وهو عند بعض الناس اسم لكلّ
مسكر. وعند بعضهم اسم للمتخذ من العنب والتمر، لما روي عنه
صلّى الله عليه وسلم: «الخمر من هاتين الشّجرتين: النّخلة
والعنبة» «1» ، ومنهم من جعلها اسما لغير المطبوخ، ثم كميّة
الطّبخ التي تسقط عنه اسم الخمر مختلف فيها، والخُمَار: الداء
العارض من الخمر، وجعل بناؤه بناء الأدواء كالزّكام والسّعال،
وخُمْرَةُ الطيّب: ريحه، وخَامَرَهُ وخَمَرَهُ: خالطه ولزمه،
وعنه استعير:
151-
خامري أمّ عامر
«2»
خمس
أصل الخَمْس في العدد، قال تعالى:
وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ
[الكهف/ 22] ، وقال: فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا
خَمْسِينَ عاماً
[العنكبوت/ 14] ، والخميس: ثوب طوله خمس أذرع، ورمح مَخْمُوس
كذلك. والخمس من أظماء الإبل، وخَمَسْتُ القومَ أَخْمُسُهُمْ:
أخذت خمس أموالهم، وخَمَسْتُهُمْ أَخْمُسُهُمْ: كنت لهم خامسا،
والخميس في الأيّام معلوم.
خمص
قوله تعالى: فِي مَخْمَصَةٍ
[المائدة/ 3] ، أي: مجاعة تورث خَمْصَ البطن، أي: ضموره، يقال:
رجل خامص، أي: ضامر، وأَخْمَص القدم: باطنها وذلك لضمورها.
خمط
الخمط: شجر لا شوك له، قيل: هو شجر الأراك، والخَمْطَة: الخمر
إذا حمضت، وتَخَمَّط:
إذا غضب، يقال: تَخَمَّطَ الفحل هدر «3» .
خنزير
قوله تعالى: وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ
[المائدة/ 60] ، قيل: عنى الحيوان المخصوص، وقيل: عنى من
أخلاقه وأفعاله مشابهة لأخلاقها، لا من خلقته خلقتها، والأمران
__________
(1) الحديث أخرجه مسلم عن أبي هريرة، في باب الأشربة، برقم
(1985) ، وانظر: شرح السنة 11/ 353. قال البغوي: معناه: إن
معظم الخمر يكون منهما، وهو الأغلب على عادات الناس فيما
يتخذونه من الخمور، وفي الحديث: «والخمر ما خامر العقل»
البخاري 10/ 39. قال: فيه دليل واضح على بطلان قول من زعم أن
الخمر إنما هي من عصير العنب، أو الرطب، بل كل مسكر خمر. اهـ
مختصرا. راجع: شرح السنة 11/ 351- 353.
(2) البيت:
لا تقبروني إنّ قبري محرّم ... عليكم ولكن خامري أم عامر
وهو للشنفرى، في اللسان (عمر) ، وأمالي القالي 3/ 36، وعيون
الأخبار 3/ 200، والبرصان والعرجان ص 166.
(3) انظر: المجمل 2/ 303.
(1/299)
مرادان بالآية، فقد روي «أنّ قوما مسخوا
خلقة» «1» ، وكذا أيضا في الناس قوم إذا اعتبرت أخلاقهم وجدوا
كالقردة والخنازير، وإن كانت صورهم صور الناس.
خنس
قوله تعالى: مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ
[الناس/ 4] ، أي: الشيطان الذي يَخْنُسُ، أي:
ينقبض إذا ذكر الله تعالى، وقوله تعالى: فَلا أُقْسِمُ
بِالْخُنَّسِ
[التكوير/ 15] ، أي: بالكواكب التي تخنس بالنهار، وقيل: الخنّس
هي زحل والمشتري والمرّيخ لأنها تخنس في مجراها «2» ، أي:
ترجع، وأَخْنَسْتُ عنه حَقَّه: أخّرته.
خنق
قوله تعالى: وَالْمُنْخَنِقَةُ
[المائدة/ 3] ، أي: التي خُنِقَتْ حتى ماتت، والمِخْنَقَة:
القلادة.
خاب
الخَيْبَة: فوت الطلب، قال: وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ
[إبراهيم/ 15] ، وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرى [طه/ 61] ، وَقَدْ
خابَ مَنْ دَسَّاها [الشمس/ 10] .
خير
الخَيْرُ: ما يرغب فيه الكلّ، كالعقل مثلا، والعدل، والفضل،
والشيء النافع، وضدّه:
الشرّ. قيل: والخير ضربان: خير مطلق، وهو أن يكون مرغوبا فيه
بكلّ حال، وعند كلّ أحد كما وصف عليه السلام به الجنة فقال:
«لا خير بخير بعده النار، ولا شرّ بشرّ بعده الجنة» «3» . وخير
وشرّ مقيّدان، وهو أن يكون خيرا لواحد شرّا لآخر، كالمال الذي
ربما يكون خيرا لزيد وشرّا لعمرو، ولذلك وصفه الله تعالى
بالأمرين فقال في موضع: إِنْ تَرَكَ خَيْراً [البقرة/ 180] ،
وقال في موضع آخر: أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ
مِنْ مالٍ وَبَنِينَ نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ
[المؤمنون/ 55- 56] ، وقوله تعالى: إِنْ تَرَكَ خَيْراً
[البقرة/ 180] ، أي: مالا. وقال بعض العلماء: لا يقال للمال
خير حتى يكون كثيرا، ومن مكان طيّب، كما روي أنّ عليّا رضي
الله عنه دخل على مولى له فقال: ألا أوصي يا أمير المؤمنين؟
قال: لا، لأنّ الله تعالى قال: إِنْ تَرَكَ خَيْراً [البقرة/
180] ، وليس لك مال
__________
(1) وذلك ما أخرجه الطيالسي ص 39 وأحمد 1/ 395 عن ابن مسعود
قال: سألنا رسول الله صلّى الله عليه وسلم عن القردة
والخنازير، أهي من نسل اليهود؟ فقال: «لا، إنّ الله لم يلعن
قوما قط فمسخهم فكان لهم نسل، ولكن هذا خلق، فلما غضب الله على
اليهود فمسخهم جعلهم مثلهم» انظر: الدر المنثور 3/ 109، وفيه
مجهول.
(2) راجع هذه الأقوال في الدر المنثور 8/ 431.
(3) لم أجده، وبمعناه قال الشاعر:
تفنى اللذاذة ممّن نال شهوتها ... من الحرام ويبقى الإثم
والعار
تبقى عواقب سوء من مغبّتها ... لا خير في لذّة من بعدها النّار
[.....]
(1/300)
كثير «1» ، وعلى هذا قوله: وَإِنَّهُ
لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ
[العاديات/ 8] ، أي: المال الكثير وقال بعض العلماء: إنما سمّي
المال هاهنا خيرا تنبيها على معنى لطيف، وهو أنّ الذي يحسن
الوصية به ما كان مجموعا من المال من وجه محمود، وعلى هذا
قوله: قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوالِدَيْنِ
[البقرة/ 215] ، وقال: وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ
اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ [البقرة/ 273] ، وقوله: فَكاتِبُوهُمْ
إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً [النور/ 33] ، قيل: عنى به
مالا من جهتهم «2» ، وقيل: إن علمتم أنّ عتقهم يعود عليكم
وعليهم بنفع، أي: ثواب «3» . والخير والشرّ يقالان على وجهين:
أحدهما: أن يكونا اسمين كما تقدّم، وهو قوله: وَلْتَكُنْ
مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ [آل عمران/ 104] .
والثاني: أن يكونا وصفين، وتقديرهما تقدير (أفعل منه) ، نحو:
هذا خير من ذاك وأفضل، وقوله: نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها
[البقرة/ 106] ، وقوله: وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ
[البقرة/ 184] ، فخير هاهنا يصحّ أن يكون اسما، وأن يكون بمعنى
أفعل، ومنه قوله: وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ
التَّقْوى [البقرة/ 197] ، تقديره تقدير أفعل منه. فالخير
يقابل به الشرّ مرة، والضّرّ مرة، نحو قوله تعالى: وَإِنْ
يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ،
وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
[الأنعام/ 17] ، وقوله: فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ
[الرحمن/ 70] ، قيل: أصله خَيِّرَات، فخفّف، فالخيرات من
النساء الخيّرات، يقال: رجل خَيْرٌ «4» وامرأة خَيْرَةٌ، وهذا
خير الرجال، وهذه خيرة النساء، والمراد بذلك المختارات، أي:
فيهنّ مختارات لا رذل فيهنّ. والخير: الفاضل المختصّ بالخير،
يقال: ناقة خِيَار، وجمل خيار، واستخار اللهَ العبدُ فَخَارَ
له، أي: طلب منه الخير فأولاه، وخَايَرْتُ فلانا كذا
فَخِرْتُهُ، والخِيَرَة: الحالة التي تحصل للمستخير والمختار،
نحو القعدة والجلسة لحال القاعد والجالس. والاختيارُ:
طلب ما هو خير وفعله، وقد يقال لما يراه الإنسان خيرا، وإن لم
يكن خيرا، وقوله: وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى
الْعالَمِينَ
[الدخان/ 32] ، يصحّ أن يكون إشارة إلى إيجاده تعالى إياهم
خيرا، وأن يكون إشارة إلى تقديمهم على غيرهم. والمختار في عرف
المتكلّمين يقال لكلّ
__________
(1) الخبر ذكره البيهقي في سننه 6/ 270 وعبد الرزاق 9/ 62
والحاكم 2/ 273، وفيه انقطاع.
(2) وهذا قول ابن عباس وعطاء. راجع: الدر المنثور 5/ 190.
(3) أخرج عبد الرزاق وغيره عن أنس بن مالك قال: سألني سيرين
المكاتبة، فأبيت عليه، فأتى عمر بن الخطاب، فأقبل عليّ
بالدّرة، وقال: كاتبه، وتلا: فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ
فِيهِمْ خَيْراً فكاتبته. راجع: الدر المنثور 5/ 190.
(4) يقال: رجل خير وخيّر، كميت وميّت. راجع: البصائر 2/ 74.
(1/301)
فعل يفعله الإنسان لا على سبيل الإكراه،
فقولهم: هو مختار في كذا، فليس يريدون به ما يراد بقولهم فلان
له اختيار، فإنّ الاختيار أخذ ما يراه خيرا، والمختار قد يقال
للفاعل والمفعول.
خوار
قوله تعالى: عِجْلًا جَسَداً لَهُ خُوارٌ
[الأعراف/ 148] . الخُوَار مختصّ بالبقر، وقد يستعار للبعير،
ويقال: أرض خَوَّارَة، ورمح خَوَّار، أي: فيه خَوَرٌ.
والخَوْرَان: يقال لمجرى الرّوث «1» ، وصوت البهائم.
خوض
الخَوْضُ: هو الشّروع في الماء والمرور فيه، ويستعار في
الأمور، وأكثر ما ورد في القرآن ورد فيما يذمّ الشروع فيه، نحو
قوله تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ: إِنَّما
كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ
[التوبة/ 65] ، وقوله: وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا
[التوبة/ 69] ، ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ
[الأنعام/ 91] ، وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي
آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ
[الأنعام/ 68] ، وتقول: أَخَضْتُ دابّتي في الماء، وتخاوضوا في
الحديث:
تفاوضوا.
خيط
الخَيْطُ معروف، وجمعه خُيُوط، وقد خِطْتُ الثوب أَخِيطُهُ
خِيَاطَةً، وخَيَّطْتُهُ تَخْييطاً. والخِيَاطُ:
الإبرة التي يخاط بها، قال تعالى: حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي
سَمِّ الْخِياطِ [الأعراف/ 40] ، حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ
الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ
الْفَجْرِ
[البقرة/ 187] ، أي: بياض النهار من سواد اللّيل، والخيطة في
قول الشاعر:
152-
تدلّى عليها بين سبّ وخيطة
«2» فهي مستعارة للحبل، أو الوتد. وروي (أنّ عديّ بن حاتم عمد
إلى عقالين أبيض وأسود فجعل ينظر إليهما ويأكل إلى أن يتبيّن
أحدهما من الآخر، فأخبر النّبيّ عليه الصلاة والسلام بذلك
فقال: إنّك لعريض القفا، إنما ذلك بياض
__________
(1) انظر: مجمل اللغة 2/ 306.
(2) هذا شطر بيت، وعجزه:
بجرداء مثل الوكف يكبو غرابها
وهو لأبي ذؤيب الهذلي، انظر: ديوان الهذليين 1/ 79، واللسان
(خيط) ، والمجمل 2/ 308، والصحاح (خيط) . والسّب: الخيط.
قال ابن منظور: والخيطة: خيط يكون مع حبل مشتار العسل، فإذا
أراد الخليّة ثم أراد الحبل جذبه بذلك الخيط وهو مربوط إليه.
وأورد الجوهري هذا البيت مستشهدا به على الوتد.
(1/302)
النهار وسواد الليل) «1» . وخيّط الشّيب في
رأسه «2» : بدا كالخيط، والخَيْط: النّعام، وجمعه خِيطَان،
ونعامة خَيْطاء: طويلة العنق، كأنما عنقها خيط.
خوف
الخَوْف: توقّع مكروه عن أمارة مظنونة، أو معلومة، كما أنّ
الرّجاء والطمع توقّع محبوب عن أمارة مظنونة، أو معلومة،
ويضادّ الخوف الأمن، ويستعمل ذلك في الأمور الدنيوية
والأخروية.
قال تعالى: وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ
[الإسراء/ 57] ، وقال: وَكَيْفَ أَخافُ ما أَشْرَكْتُمْ وَلا
تَخافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ [الأنعام/ 81] ،
وقال تعالى: تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ
رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً [السجدة/ 16] ، وقال: وَإِنْ
خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا
[النساء/ 3] ، وقوله: وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما
[النساء/ 35] ، فقد فسّر ذلك بعرفتم «3» ، وحقيقته: وإن وقع
لكم خوف من ذلك لمعرفتكم. والخوف من الله لا يراد به ما يخطر
بالبال من الرّعب، كاستشعار الخوف من الأسد، بل إنما يراد به
الكفّ عن المعاصي واختيار الطّاعات، ولذلك قيل: لا يعدّ خائفا
من لم يكن للذنوب تاركا. والتَّخويفُ من الله تعالى:
هو الحثّ على التّحرّز، وعلى ذلك قوله تعالى:
ذلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبادَهُ
[الزمر/ 16] ، ونهى الله تعالى عن مخافة الشيطان، والمبالاة
بتخويفه فقال: إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ
أَوْلِياءَهُ فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ
مُؤْمِنِينَ [آل عمران/ 175] ، أي: فلا تأتمروا لشيطان
وائتمروا لله، ويقال: تخوّفناهم أي: تنقّصناهم تنقّصا اقتضاه
الخوف منه. وقوله تعالى: وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ
وَرائِي [مريم/ 5] ، فخوفه منهم: أن لا يراعوا الشّريعة، ولا
يحفظوا نظام الدّين، لا أن يرثوا ماله كما ظنّه بعض الجهلة،
فالقنيّات الدّنيويّة أخسّ عند الأنبياء عليهم السّلام من أن
يشفقوا عليها. والخِيفَةُ: الحالة التي عليها الإنسان من
الخوف، قال تعالى: فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى
قُلْنا: لا تَخَفْ [طه/ 67] ، واستعمل استعمال الخوف في قوله:
وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ [الرعد/ 13] ، وقوله:
تَخافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ [الروم/ 28] ، أي:
كخوفكم، وتخصيص لفظ الخيفة تنبيها أن الخوف منهم حالة لازمة لا
تفارقهم، والتَّخَوُّفُ:
ظهور الخوف من الإنسان، قال:
__________
(1) الحديث أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود وأحمد 4/ 377،
والنسائي 4/ 148.
انظر: فتح الباري، كتاب التفسير 8/ 182، ومسلم 1091، وأبا داود
2349.
(2) راجع: المجمل 2/ 308، واللسان (خيط) .
(3) قال أبو عبيدة في مجاز القرآن 1/ 126: قوله: وَإِنْ
خِفْتُمْ: أيقنتم.
(1/303)
أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ [النحل/
47] .
خيل
الخَيَال: أصله الصّورة المجرّدة كالصّورة المتصوّرة في
المنام، وفي المرآة وفي القلب بعيد غيبوبة المرئيّ، ثم تستعمل
في صورة كلّ أمر متصوّر، وفي كلّ شخص دقيق يجري مجرى الخيال،
والتّخييل: تصوير خيال الشيء في النّفس، والتّخيّل: تصوّر ذلك،
وخلت بمعنى ظننت، يقال اعتبارا بتصوّر خيال المظنون. ويقال
خَيَّلَتِ السّماءُ: أبدت خيالا للمطر، وفلان مَخِيل بكذا، أي:
خليق.
وحقيقته: أنه مظهر خيال ذلك. والخُيَلَاء: التّكبّر عن تخيّل
فضيلة تراءت للإنسان من نفسه، ومنها يتأوّل لفظ الخيل لما قيل:
إنه لا يركب أحد فرسا إلّا وجد في نفسه نخوة، والْخَيْلُ في
الأصل اسم للأفراس والفرسان جميعا، وعلى ذلك قوله تعالى:
وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ [الأنفال/ 60] ، ويستعمل في كلّ واحد
منهما منفردا نحو ما روي: (يا خيل الله اركبي) «1» ، فهذا
للفرسان، وقوله عليه السلام: «عفوت لكم عن صدقة الخيل» «2»
يعني الأفراس. والأخيل:
الشّقراق «3» ، لكونه متلوّنا فيختال في كلّ وقت أنّ له لونا
غير اللون الأوّل، ولذلك قيل:
153-
كأبي براقش كلّ لو ... ن لونه يتخيّل «4»
خول
قوله تعالى: وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ
[الأنعام/ 94] ، أي: ما أعطيناكم،
__________
(1) الحديث، رواه أبو الشيخ في الناسخ والمنسوخ، وله قصة،
والعسكري عن أنس، وابن عائذ في المغازي عن قتادة، وعند ابن
إسحاق ومن طريقه البيهقي في الدلائل في غزوة بني لحيان، وقال
أبو داود في السنن: باب النداء عند النفير: يا خيل الله اركبي.
انظر: المقاصد الحسنة ص 473، وكشف الخفاء 2/ 379.
(2) الحديث عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صلّى الله
عليه وسلم: «قد عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق، فهاتوا صدقة
الرقة» . أخرجه الدارقطني وأحمد وأبو داود والترمذي والنسائي
وابن ماجة.
قال في مجمع الزوائد: رواته كلهم ثقات، وقال الترمذي: سألت
محمدا عن هذا الحديث فقال: عندي صحيح. راجع: سنن الدارقطني 2/
126، ومسند أحمد 1/ 121، وابن ماجة رقم 1790، وشرح السنة 6/
47، وعارضة الأحوذي 3/ 101.
(3) قال الدميري: الأخيل: طائر أخضر على أجنحته لمع تخالف
لونه، وسمّي بذلك لخيلان فيه، وقيل: الأخيل:
الشقراق، وهو طائر صغير أخضر وفي أجنحته سواد، والعرب تتشاءم
به. انظر: حياة الحيوان 1/ 29 و 605.
(4) البيت للأسدي. وقبله:
إن يبخلوا أو يجبنوا ... أو يغدروا لا يحفلوا
يغدوا عليك مرجلي ... ن، كأنهم لم يفعلوا
كأبي براقش، كل لو ... ن لونه يتخيّل
وهو في اللسان (برقش) ، وحياة الحيوان للدميري 1/ 229، وشرح
مقامات الحريري 1/ 260، وأبو براقش طائر كالعصفور يتلون
ألوانا.
(1/304)
والتّخويل في الأصل: إعطاء الخَوَل، وقيل:
إعطاء ما يصير له خولا، وقيل: إعطاء ما يحتاج أن يتعهّده، من
قولهم: فلان خَالُ مَالٍ، وخَايِلُ مالٍ، أي: حسن القيام به.
والخَال: ثوب يعلّق فيخيّل للوحوش، والخَال في الجسد: شامة
فيه.
خون
الخِيَانَة والنّفاق واحد، إلا أنّ الخيانة تقال اعتبارا
بالعهد والأمانة، والنّفاق يقال اعتبارا بالدّين، ثم يتداخلان،
فالخيانة: مخالفة الحقّ بنقض العهد في السّرّ. ونقيض الخيانة:
الأمانة، يقال: خُنْتُ فلانا، وخنت أمانة فلان، وعلى ذلك قوله:
لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ
[الأنفال/ 27] ، وقوله تعالى: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا
لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا
تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما
[التحريم/ 10] ، وقوله: وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ
مِنْهُمْ [المائدة/ 13] ، أي: على جماعة خائنة منهم. وقيل: على
رجل خائن، يقال: رجل خائن، وخائنة، نحو: راوية، وداهية. وقيل:
(خائنة) موضوعة موضع المصدر، نحو: قم قائما «1» ، وقوله:
يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ [غافر/ 19] ، على ما تقدّم «2»
، وقال تعالى: وَإِنْ يُرِيدُوا خِيانَتَكَ فَقَدْ خانُوا
اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ [الأنفال/ 71] ،
وقوله:
عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ
[البقرة/ 187] ، والاختيان: مراودة الخيانة، ولم يقل: تخونون
أنفسكم، لأنه لم تكن منهم الخيانة، بل كان منهم الاختيان، فإنّ
الاختيان تحرّك شهوة الإنسان لتحرّي الخيانة، وذلك هو المشار
إليه بقوله تعالى: إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ
[يوسف/ 53] .
خوى
أصل الخَوَاء: الخلا، يقال خَوَى بطنه من الطعام يَخْوِي خَوًى
«3» ، وخَوَى الجوز خَوًى تشبيها به، وخَوَتِ الدار تَخْوِي
خَوَاءً، وخَوَى النجم وأَخْوَى: إذا لم يكن منه عند سقوطه
مطر، تشبيها بذلك، وأخوى أبلغ من خوى، كما أن أسقى أبلغ من
سقى. والتّخوية: ترك ما بين الشيئين خاليا.
تمّ كتاب الخاء
__________
(1) قال السمين: قوله: عَلى خائِنَةٍ في خائنة ثلاثة أوجه:
أحدها: أنها اسم فاعل، والهاء للمبالغة، كراوية ونسّابة، أي:
على شخص خائن.
الثاني: أنّ التاء للتأنيث، وأنّث على معنى: طائفة، أو نفس، أو
فعلة خائنة.
الثالث: أنها مصدر كالعاقبة والعافية، ويؤيد هذا الوجه قراءة
الأعمش: (على خيانة) . انظر: الدر المصون 3/ 224، وعمدة
الحفاظ: خون. [.....]
(2) راجع: مادة (بقي) .
(3) انظر: الأفعال 1/ 505.
(1/305)
|