المفردات في غريب القرآن كتاب الدّال
دب
الدَّبُّ والدَّبِيبُ: مشي خفيف، ويستعمل ذلك في الحيوان، وفي
الحشرات أكثر، ويستعمل في الشّراب والبلى «1» ، ونحو ذلك مما
لا تدرك حركته الحاسّة، ويستعمل في كلّ حيوان وإن اختصّت في
التّعارف بالفرس، قال تعالى:
وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ
الآية [النور/ 45] ، وقال: وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ
[البقرة/ 164] ، وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا
عَلَى اللَّهِ رِزْقُها [هود/ 6] ، وقال تعالى: وَما مِنْ
دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ
[الأنعام/ 38] ، وقوله تعالى: وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ
النَّاسَ بِما كَسَبُوا ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ
[فاطر/ 45] ، قال أبو عبيدة: عنى الإنسان خاصّة «2» ، والأولى
إجراؤها على العموم. وقوله: وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ
عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ
تُكَلِّمُهُمْ [النمل/ 82] ، فقد قيل: إنها حيوان بخلاف ما
نعرفه يختصّ خروجها بحين القيامة، وقيل: عنى بها الأشرار الذين
هم في الجهل بمنزلة الدوابّ، فتكون الدابة جمعا لكلّ شيء
يَدِبُّ، نحو: خائنة جمع خائن، وقوله: إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ
عِنْدَ اللَّهِ
[الأنفال/ 22] ، فإنّها عامّ في جميع الحيوانات، ويقال: ناقة
دَبُوب: تدبّ في مشيها لبطئها، وما بالدار دُبِّيٌّ، أي: من
يدبّ، وأرض مَدْبُوبَة:
كثيرة ذوات الدّبيب فيها.
دبر
دُبُرُ الشّيء: خلاف القُبُل «3» ، وكنّي بهما عن، العضوين
المخصوصين، ويقال: دُبْرٌ ودُبُرٌ، وجمعه أَدْبَار، قال تعالى:
وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ
__________
(1) يقال: دبّ البلى في الثوب، أي: سرى.
(2) وعبارة أبي عبيدة: ومجاز دابة هاهنا إنسان. انظر: مجاز
القرآن 2/ 156.
(3) أكثر هذا الباب منقول من المجمل 2/ 344.
(1/306)
دُبُرَهُ [الأنفال/ 16] ، وقال:
يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ [الأنفال/ 50] ، أي:
قدّامهم وخلفهم، وقال: فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ
[الأنفال/ 15] ، وذلك نهي عن الانهزام، وقوله:
وَأَدْبارَ السُّجُودِ [ق/ 40] : أواخر الصلوات، وقرئ:
وَإِدْبارَ النُّجُومِ
«1» (وأَدْبَار النّجوم) «2» ، فإدبار مصدر مجعول ظرفا، نحو:
مقدم الحاجّ، وخفوق النجم، ومن قرأ: (أدبار) فجمع. ويشتقّ منه
تارة باعتبار دبر الفاعل، وتارة باعتبار دبر المفعول، فمن
الأوّل قولهم: دَبَرَ فلانٌ، وأمس الدابر، وَاللَّيْلِ إِذْ
أَدْبَرَ
[المدثر/ 33] ، وباعتبار المفعول قولهم: دَبَرَ السهم الهدف:
سقط خلفه، ودَبَرَ فلان القوم: صار خلفهم، قال تعالى: أَنَّ
دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ
[الحجر/ 66] ، وقال تعالى: فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ
الَّذِينَ ظَلَمُوا [الأنعام/ 45] ، والدابر يقال للمتأخر،
وللتابع، إمّا باعتبار المكان، أو باعتبار الزمان، أو باعتبار
المرتبة، وأَدبرَ: أعرض وولّى دبره، قال: ثُمَّ أَدْبَرَ
وَاسْتَكْبَرَ [المدثر/ 23] ، وقال: تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ
وَتَوَلَّى [المعارج/ 17] ، وقال عليه السلام: «لا تقاطعوا ولا
تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا» «3» ، وقيل: لا يذكر أحدكم
صاحبه من خلفه، والاستدبار:
طلب دبر الشيء، وتدابر القوم: إذا ولّى بعضهم عن بعض،
والدِّبَار مصدر دابرته، أي: عاديته من خلفه، والتدبيرُ:
التفكّر في دبر الأمور، قال تعالى: فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً
[النازعات/ 5] ، يعني: ملائكة موكّلة بتدبير أمور، والتدبير:
عتق العبد عن دبر، أو بعد موته. والدِّبَار «4» : الهلاك الذي
يقطع دابرتهم، وسمّي يوم الأربعاء في الجاهلية دِبَاراً «5» ،
قيل: وذلك لتشاؤمهم به، والدَّبِير من الفتيل: المَدْبُور، أي:
المفتول إلى خلف، والقبيل بخلافه. ورجل مُقَابَل مُدَابَر، أي:
شريف من جانبيه. وشاة مُقَابَلَة مُدَابَرَة:
مقطوعة الأذن من قبلها ودبرها. ودابرة الطائر:
أصبعه المتأخّرة، ودابرة الحافر ما حول الرّسغ، والدَّبُور من
الرّياح معروف، والدَّبْرَة من المزرعة، جمعها دَبَار، قال
الشاعر:
154-
على جربة تعلو الدّبار غروبها
«6»
__________
(1) سورة الطور: آية 49، وهي قراءة جميع القرّاء.
(2) وهي قراءة شاذة، قرأ بها المطوّعي عن الأعمش. انظر:
الإتحاف ص 401.
(3) الحديث أخرجه مسلم في صحيحه برقم (2564) . والبخاري في
الفرائض 12/ 4.
(4) قال الأصمعي: والدّبار: الهلاك، بالفتح مثل الدّمار. انظر:
اللسان (دبر) .
(5) بكسر الدال وضمها.
(6) هذا عجز بيت، وشطره:
تحدّر ماء البئر عن جرشيّة
وهو لبشر بن أبي خازم، في ديوانه ص 14، واللسان (دبر) ،
والمفضليات ص 330، والعجز في معجم مقاييس اللغة 1/ 450.
(1/307)
والدَّبْر: النّحل والزّنابير ونحوهما مما
سلاحها في أدبارها، الواحدة دَبْرَة. والدَّبْرُ: المال الكثير
الذي يبقى بعد صاحبه، ولا يثنّى ولا يجمع.
ودَبَرَ «1» البعير دَبَراً، فهو أَدْبَرُ ودَبِرٌ: صار بقرحه
دُبْراً، أي: متأخّرا، والدَّبْرَة: الإدبار.
دثر
قال الله تعالى: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ
«2» أصله المتدثّر فأدغم، وهو المتدرّع دِثَاره، يقال:
دَثَرْتُهُ فَتَدَثَّرَ، والدِّثَار: ما يتدثّر به، وقد
تَدَثَّرَ الفحل الناقة: تسنّمها، والرّجل الفرس: وثب عليه
فركبه، ورجل دَثُور: خامل مستتر، وسيف داثر:
بعيد العهد بالصّقال، ومنه قيل للمنزل الدارس:
داثر، لزوال أعلامه، وفلان دِثْرُ مالٍ، أي: حَسَنُ القيام به.
دحر
الدَّحْر: الطّرد والإبعاد، يقال: دَحَرَهُ دُحُوراً، قال
تعالى: اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً
[الأعراف/ 18] ، وقال: فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً
مَدْحُوراً [الإسراء/ 39] ، وقال: وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ
جانِبٍ دُحُوراً [الصافات/ 8- 9] .
دحض
قال تعالى: حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ
[الشورى/ 16] ، أي: باطلة زائلة، يقال:
أدحضت فلانا في حجّته فَدَحَضَ، قال تعالى:
وَيُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ
الْحَقَّ [الكهف/ 56] ، وأدحضت حجّته فَدَحَضَتْ، وأصله من دحض
الرّجل، وعلى نحوه في وصف المناظرة:
155-
نظرا يزيل مواقع الأقدام ... «3» ودحضت الشمس مستعار من ذلك.
دحا
قال تعالى: وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها
[النازعات/ 30] ، أي: أزالها عن مقرّها، كقوله: يَوْمَ
تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ [المزمل/ 14] ، وهو من قولهم:
دحا المطر الحصى عن وجه الأرض، أي: جرفها، ومرّ الفرس يَدْحُو
دَحْواً: إذا جرّ يده على وجه الأرض، فيدحو ترابها، ومنه:
أُدْحِيُّ النّعام، وهو أُفْعُول من دحوت، ودِحْيَة «4» : اسم
رجل.
__________
(1) دبر البعير بالكسر، يدبر، والدّبرة: قرحة الدابة والبعير.
(2) سورة المدثر: آية 1. انظر: اللسان (دبر) .
(3) هذا عجز بيت، وشطره الأول:
يتقارضون إذا التقوا في منزل
وهو في الصناعتين ص 194، واللسان (قلم) ، والموازنة للآمدي ص
38. [.....]
(4) هو دحية بن خليفة الكلبي، وانظر: ترجمته في الإصابة 1/
473.
(1/308)
دخر
قال تعالى: وَهُمْ داخِرُونَ
[النحل/ 48] ، أي: أذلّاء، يقال: أدخرته فَدَخَرَ، أي:
أذللته فذلّ، وعلى ذلك قوله: إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ
عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ [غافر/ 60]
، وقوله: يَدَّخِرُ أصله:
يذتخر، وليس من هذا الباب.
دخل
الدّخول: نقيض الخروج، ويستعمل ذلك في المكان، والزمان،
والأعمال، يقال: دخل مكان كذا، قال تعالى: ادْخُلُوا هذِهِ
الْقَرْيَةَ
[البقرة/ 58] ، ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ
تَعْمَلُونَ [النحل/ 32] ، ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ
خالِدِينَ فِيها [الزمر/ 72] ، وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ
تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ
[المجادلة/ 22] ، وقال: يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ
[الإنسان/ 31] ، وَقُلْ: رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ
[الإسراء/ 80] ، فمدخل من دخل يدخل، ومدخل من أدخل،
لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ [الحج/ 59] ، وقوله:
مُدْخَلًا كَرِيماً [النساء/ 31] ، قرئ بالوجهين «1» ، وقال
أبو عليّ الفسويّ «2» : من قرأ: «مدخلا» بالفتح فكأنه إشارة
إلى أنهم يقصدونه، ولم يكونوا كمن ذكرهم في قوله: الَّذِينَ
يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ إِلى جَهَنَّمَ [الفرقان/ 34] ،
وقوله: إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ
[غافر/ 71] ، ومن قرأ «مدخلا» فكقوله:
لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ [الحج/ 59] ،
وادَّخَلَ: اجتهد في دخوله، قال تعالى: لَوْ يَجِدُونَ
مَلْجَأً أَوْ مَغاراتٍ أَوْ مُدَّخَلًا
[التوبة/ 57] ، والدَّخَلُ: كناية عن الفساد والعداوة
المستبطنة، كالدّغل، وعن الدّعوة في النّسب، يقال: دَخِلَ
دَخَلًا «3» ، قال تعالى: تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلًا
بَيْنَكُمْ [النحل/ 92] ، فيقال:
دُخِلَ «4» فلان فهو مدخول، كناية عن بله في عقله، وفساد في
أصله، ومنه قيل: شجرة مدخولة. والدِّخَالُ في الإبل: أن يدخل
إبل في أثناء ما لم تشرب لتشرب معها ثانيا. والدَّخَلَ طائر،
سمّي بذلك لدخوله فيما بين الأشجار الملتفّة، والدَّوْخَلَّة
«5» : معروفة، ودَخَلَ بامرأته:
كناية عن الإفضاء إليها، قال تعالى: مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي
دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ
فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ [النساء/ 23] .
__________
(1) قرأ نافع وأبو جعفر بفتح الميم، والباقون بضمها. انظر:
الإتحاف ص 189.
(2) في كتابه الحجة للقراء السبعة 3/ 154.
(3) قال في الأفعال 3/ 327: ودخل أمره يدخل دخلا: فسد.
(4) انظر: الأفعال 3/ 327.
(5) قال ابن منظور: الدّوخلة: سفيفة من خوص، كالزنبيل والقوصرة
يترك فيها الرطب.
(1/309)
دخن
الدّخان كالعثان «1» : المستصحب للهيب، قال: ثُمَّ اسْتَوى
إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ [فصلت/ 11] ، أي: هي مثل
الدّخان، إشارة إلى أنه لا تماسك لها، ودَخَنَتِ النار
تَدْخُنُ: كثر دخانها «2» ، والدُّخْنَة منه، لكن تعورف فيما
يتبخّر به من الطّيب. ودَخِنَ الطّبيخ: أفسده الدّخان «3» .
وتصوّر من الدّخان اللّون، فقيل:
شاة دَخْنَاء، وذات دُخْنَةٍ، وليلة دَخْنَانَة، وتصوّر منه
التّأذّي به، فقيل: هو دَخِنُ الخُلُقِ، وروي:
«هدنة على دَخَنٍ» «4» أي: على فساد دخلة.
در
قال تعالى: وَأَرْسَلْنَا السَّماءَ عَلَيْهِمْ مِدْراراً
[الأنعام/ 6] ، يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً [نوح/
11] ، وأصله من الدَّرِّ والدِّرَّة، أي: اللّبن، ويستعار ذلك
للمطر استعارة أسماء البعير وأوصافه، فقيل: لله دَرُّه، ودَرَّ
دَرُّكَ. ومنه استعير قولهم للسّوق: دِرَّةٌ، أي: نفاق «5» ،
وفي المثل: سبقت درّته غراره «6» ، نحو: سبق سيله مطره «7» .
ومنه اشتقّ: استدرّت المعزى، أي:
طلبت الفحل، وذلك أنها إذا طلبت الفحل حملت، وإذا حملت ولدت،
فإذا ولدت درّت، فكنّي عن طلبها الفحل بالاستدرار.
درج
الدّرجة نحو المنزلة، لكن يقال للمنزلة: درجة إذا اعتبرت
بالصّعود دون الامتداد على البسيطة، كدرجة السّطح والسّلّم،
ويعبّر بها عن المنزلة الرفيعة: قال تعالى: وَلِلرِّجالِ
عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ [البقرة/ 228] ، تنبيها لرفعة منزله
الرجال عليهنّ في العقل والسّياسة، ونحو ذلك من المشار إليه
بقوله: الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ ...
الآية [النساء/ 34] ، وقال: لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ
[الأنفال/ 4] ، وقال: هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللَّهِ [آل عمران/
163] ، أي: هم ذوو درجات
__________
(1) قال ابن منظور: العثان والعثن: الدخان، والجمع: عواثن على
غير قياس، وكذلك جمع الدّخان دواخن، والدواخن والعواثن لا يعرف
لهما نظير. اللسان (عثن) .
(2) انظر: الأفعال 3/ 290.
(3) انظر: الأفعال 3/ 330.
(4) الحديث عن حذيفة وفيه: قلت: يا رسول الله، أيكون بعد هذا
الخير شرّ كما كان قبله شر؟ قال: نعم، قلت: فما العصمة يا رسول
الله؟ قال: السيف، قلت: وهل بعد السيف بقيّة؟ قال: «نعم، تكون
إمارة على أقذاء، وهدنة على دخن ... » إلى آخر الحديث، أخرجه
أبو داود برقم (4244) في كتاب الفتن، وأحمد في المسند 5/ 386،
والحاكم 4/ 423 وصححه ووافقه الذهبي، وانظر: شرح السنة 15/ 9-
10.
(5) انظر: المجمل 2/ 317.
(6) الغرار: قلّة اللبن، والدّرة: كثرته، أي: سبق شرّه خيره.
ومثله: سبق مطره سيله، يضرب لمن يسبق تهديده فعله.
انظر: مجمع الأمثال 1/ 336، وأساس البلاغة ص 322، والأمثال ص
308.
(7) انظر أمثال أبي عبيد ص 305.
(1/310)
عند الله، ودرجات النجوم تشبيها بما تقدّم.
ويقال لقارعة الطّريق: مَدْرَجَة، ويقال: فلان يتدرّج في كذا،
أي: يتصعّد فيه درجة درجة، ودَرَجَ الشيخ والصّبيّ دَرَجَاناً:
مشى مشية الصاعد في درجه. والدَّرْجُ: طيّ الكتاب والثّوب،
ويقال للمطويّ: دَرْجٌ. واستعير الدَّرْج للموت، كما استعير
الطيّ له في قولهم: طوته المنيّة، وقولهم: من دبّ ودرج، أي: من
كان حيّا فمشى، ومن مات فطوى أحواله، وقوله:
سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ
[الأعراف/ 182] ، قيل معناه: سنطويهم طيّ الكتاب، عبارة عن
إغفالهم نحو: وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ
ذِكْرِنا [الكهف/ 28] ، والدَّرَجُ: سفط يجعل فيه الشيء،
والدُّرْجَة: خرقة تلفّ فتدخل في حياء «1» الناقة، وقيل:
سَنَسْتَدْرِجُهُمْ معناه: نأخذهم درجة فدرجة، وذلك إدناؤهم من
الشيء شيئا فشيئا، كالمراقي والمنازل في ارتقائها ونزولها.
والدُّرَّاج: طائر يدرج في مشيته.
درس
دَرَسَ الدّار معناه: بقي أثرها، وبقاء الأثر يقتضي انمحاءه في
نفسه، فلذلك فسّر الدُّرُوس بالانمحاء، وكذا دَرَسَ الكتابُ،
ودَرَسْتُ العلم:
تناولت أثره بالحفظ، ولمّا كان تناول ذلك بمداومة القراءة عبّر
عن إدامة القراءة بالدّرس، قال تعالى: وَدَرَسُوا ما فِيهِ
[الأعراف/ 169] ، وقال: بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ
وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ
[آل عمران/ 79] ، وَما آتَيْناهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَها
[سبأ/ 44] ، وقوله تعالى:
وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ
[الأنعام/ 105] ، وقرئ:
دَارَسْتَ «2» أي: جاريت أهل الكتاب، وقيل: وَدَرَسُوا ما
فِيهِ [الأعراف/ 169] ، تركوا العمل به، من قولهم: دَرَسَ
القومُ المكان، أي: أبلوا أثره، ودَرَسَتِ المرأةُ: كناية عن
حاضت، ودَرَسَ البعيرُ: صار فيه أثر جرب.
درك
الدَّرْكُ كالدّرج، لكن الدّرج يقال اعتبارا بالصّعود، والدّرك
اعتبارا بالحدور، ولهذا قيل:
درجات الجنّة، ودَرَكَات النار، ولتصوّر الحدور في النار سمّيت
هاوية، وقال تعالى: إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ
الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ [النساء/ 145] ، والدّرك «3» أقصى
قعر البحر.
ويقال للحبل الذي يوصل به حبل
__________
(1) الحياء: رحم الناقة، وإنما سمّي حياء باسم الحياء، من
الاستحياء، لأنه يستر من الآدمي ويكنى عنه من الحيوان، ويستفحش
التصريح بذكره واسمه الموضوع له. راجع: اللسان (حيا) 14/ 219.
[.....]
(2) وبها قرأ ابن كثير وأبو عمرو. راجع: الإتحاف ص 214.
(3) بفتح الراء، وهو أشهر، وتسكينها. القاموس.
(1/311)
آخر ليدرك الماء دَرَكٌ، ولما يلحق الإنسان
من تبعة دَرَكٌ «1» كالدّرك في البيع «2» . قال تعالى: لا
تَخافُ دَرَكاً وَلا تَخْشى [طه/ 77] ، أي:
تبعة. وأَدْرَكَ: بلغ أقصى الشيء، وأَدْرَكَ الصّبيّ:
بلغ غاية الصّبا، وذلك حين البلوغ، قال:
حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ [يونس/ 90] ، وقوله: لا
تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ [الأنعام/
103] ، فمنهم من حمل ذلك على البصر الذي هو الجارحة، ومنهم من
حمله على البصيرة، وذكر أنه قد نبّه به على ما روي عن أبي بكر
رضي الله عنه في قوله: (يا من غاية معرفته القصور عن معرفته)
إذ كان غاية معرفته تعالى أن تعرف الأشياء فتعلم أنه ليس بشيء
منها، ولا بمثلها بل هو موجد كلّ ما أدركته. والتَّدَارُكُ في
الإغاثة والنّعمة أكثر، نحو قوله تعالى: لَوْلا أَنْ
تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ [القلم/ 49] ، وقوله:
حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيها جَمِيعاً
[الأعراف/ 38] ، أي: لحق كلّ بالآخر. وقال: بَلِ ادَّارَكَ
عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ [النمل/ 66] ، أي:
تدارك، فأدغمت التاء في الدال، وتوصّل إلى السكون بألف الوصل،
وعلى ذلك قوله تعالى:
حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيها [الأعراف/ 38] ، ونحوه:
اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ [التوبة/ 38] ، واطَّيَّرْنا
بِكَ [النمل/ 47] ، وقرئ:
بل أدرك علمهم في الآخرة «3» ، وقال الحسن: معناه جهلوا أمر
الآخرة «4» ، وحقيقته انتهى علمهم في لحوق الآخرة فجهلوها.
وقيل معناه:
بل يدرك علمهم ذلك في الآخرة، أي: إذا حصلوا في الآخرة، لأنّ
ما يكون ظنونا في الدّنيا، فهو في الآخرة يقين.
درهم
قال تعالى: وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ
[يوسف/ 20] ، الدّرهم: الفضّة المطبوعة المتعامل بها.
درى
الدّراية: المعرفة المدركة بضرب من الحيل، يقال: دَرَيْتُهُ،
ودَرَيْتُ به، دِرْيَةً، نحو: فطنة، وشعرة، وادَّرَيْتُ قال
الشاعر:
156-
وماذا يدّري الشّعراء منّي ... وقد جاوزت رأس الأربعين
«5» والدَّرِيَّة: لما يتعلّم عليه الطّعن، وللناقة التي
ينصبها الصائد ليأنس بها الصّيد، فيستتر من ورائها فيرميه،
والمِدْرَى: لقرن الشاة، لكونها دافعة به عن نفسها، وعنه
استعير المُدْرَى لما
__________
(1) الدّرك: التبعة، يسكّن ويحرّك، يقال: ما لحقك من درك فعليّ
خلاصه. انظر: اللسان (درك) .
(2) ومنه: ضمان الدرك في عهدة البيع.
(3) سورة النمل: آية 66، وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو وأبي
جعفر ويعقوب.
(4) أخرجه ابن جرير 20/ 7 عن ابن زيد.
(5) البيت لسحيم بن وثيل الرياحي. وهو في البصائر 2/ 597،
والمجمل 2/ 354، واللسان (درى) .
(1/312)
يصلح به الشّعر، قال تعالى: لا تَدْرِي
لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً
[الطلاق/ 1] ، وقال:
وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ [الأنبياء/ 111] ،
وقال: ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ [الشورى/ 52] ، وكلّ
موضع ذكر في القرآن وَما أَدْراكَ
، فقد عقّب ببيانه «1» ، نحو وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ نارٌ
حامِيَةٌ [القارعة/ 10- 11] ، وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ
الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ [القدر/ 2- 3] ، وَما أَدْراكَ
مَا الْحَاقَّةُ [الحاقة/ 3] ، ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ
الدِّينِ [الانفطار/ 18] ، وقوله: قُلْ لَوْ شاءَ اللَّهُ ما
تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ [يونس/ 16] ، من
قولهم: دريت، ولو كان من درأت لقيل: ولا أدرأتكموه. وكلّ موضع
ذكر فيه: وَما يُدْرِيكَ لم يعقّبه بذلك، نحو: وَما يُدْرِيكَ
لَعَلَّهُ يَزَّكَّى [عبس/ 30] ، وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ
السَّاعَةَ قَرِيبٌ
[الشورى/ 17] ، والدّراية لا تستعمل في الله تعالى، وقول
الشاعر:
157-
لا همّ لا أدري وأنت الدّاري
«2» فمن تعجرف أجلاف العرب «3» .
درأ
الدَّرْءُ: الميل إلى أحد الجانبين، يقال:
قوّمت دَرْأَهُ، ودَرَأْتُ عنه: دفعت عن جانبه، وفلان ذو
تَدَرُّؤٍ، أي: قويّ على دفع أعدائه، ودَارَأْتُهُ: دافعته.
قال تعالى: وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ
[الرعد/ 22] ، وقال: وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ [النور/ 8]
، وفي الحديث:
«ادْرَءُوا الحدود بالشّبهات» «4» تنبيها على تطلّب
__________
(1) راجع: الإتقان للسيوطي 1/ 190، وقد نقل هذه القاعدة عن
المؤلف ونسبها إليه، وذكرها قبله المبرد في ما اتفق لفظه ص 73.
(2) هذا شطر بيت، وعجزه:
كلّ امرئ منك على مقدار
وهو في اللسان (درى) ، والصحاح (درى) ، والبصائر 2/ 97 بلا
نسبة، وهو للعجاج في ديوانه ص 26، والممتع في التصريف لابن
عصفور 1/ 29، وتذكرة النحاة لأبي حيان ص 540، وهذا الكلام ذكره
المؤلف في الذريعة ص 82.
(3) وذلك لأن أسماء الله توقيفية- أي: يتوقف في إثباتها على
الشارع- فلا يصح أن نسمي الله اسما لم يسمّ به نفسه، أو لم يأت
في السنة.
(4) الحديث أخرجه الحارثي في مسند أبي حنيفة له عن ابن عباس
مرفوعا، وأبو سعد السمعاني في ذيل تاريخ بغداد، وفي سنده من لا
يعرف.
وعند الترمذي عن عائشة قال رسول الله: «ادرؤوا الحدود عن
المسلمين ما استطعتم» وفيه يزيد بن زياد ضعيف، وأخرجه الحاكم
في المستدرك 4/ 384 وقال: صحيح الإسناد، وتعقبه الذهبي فقال
يزيد بن زياد قال فيه النسائي:
متروك. وعند الدارقطني عن علي رفعه: «ادرؤوا الحدود، ولا ينبغي
للإمام أن يعطل الحدود» وفيه المختار بن نافع، قال البخاري:
منكر الحديث. راجع الدارقطني 3/ 84، والبيهقي في السنن 8/ 38.
فالحديث ضعيف؟؟؟
عدة طرق تقويه. راجع الابتهاج بتخريج أحاديث المنهاج ص 264،
والتلخيص الحبير 5674، وشرح السنة 10/ 330.
(1/313)
حيلة يدفع بها الحدّ، قال تعالى: قُلْ
فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ [آل عمران/ 168] ،
وقوله: فَادَّارَأْتُمْ فِيها
[البقرة/ 72] ، هو تفاعلتم، أصله: تَدَارَأْتُم، فأريد منه
الإدغام تخفيفا، وأبدل من التاء دال فسكّن للإدغام، فاجتلب لها
ألف الوصل فحصل على افّاعلتم.
قال بعض الأدباء: ادّارأتم افتعلتم، وغلط من أوجه:
أولا: أنّ ادّارأتم على ثمانية أحرف، وافتعلتم على سبعة أحرف.
والثاني: أنّ الذي يلي ألف الوصل تاء، فجعلها دالا.
والثالث: أنّ الذي يلي الثاني دال، فجعلها تاء.
والرابع: أنّ الفعل الصحيح العين لا يكون ما بعد تاء الافتعال
منه إلّا متحرّكا، وقد جعله هاهنا ساكنا.
الخامس: أنّ هاهنا قد دخل بين التاء والدّال زائد. وفي افتعلت
لا يدخل ذلك.
السادس: أنه أنزل الألف منزل العين، وليست بعين.
السابع: أنّ افتعل قبله حرفان، وبعده حرفان، وادّارأتم بعده
ثلاثة أحرف.
دس
الدَّسُّ: إدخال الشيء في الشيء بضرب من الإكراه. يقال:
دَسَسْتُهُ فَدَسَّ وقد دُسَّ البعير بالهناء «1» ، وقيل: ليس
الهناء بالدّسّ «2» ، قال الله تعالى: أَمْ يَدُسُّهُ فِي
التُّرابِ
[النحل/ 59] .
دسر
قال تعالى: وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ
[القمر/ 13] ، أي: مسامير، الواحد دِسَار، وأصل الدَّسْرِ:
الدّفع الشّديد بقهر، يقال:
دَسَرَهُ بالرّمح، ورجل مِدْسَر، كقولك: مطعن، وروي: «ليس في
العنبر زكاة، إنّما هو شيء دسره البحر» «3» .
دسى
قال تعالى: وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها
[الشمس/ 10] ، أي: دسّسها في المعاصي، فأبدل من إحدى السّينات
ياء، نحو: تظنّيت، وأصله تظنّنت.
دع
الدَّعُّ: الدفع الشديد وأصله أن يقال للعاثر:
دع دع، كما يقال له: لعا، قال تعالى:
__________
(1) الهناء: ضرب من القطران. انظر: اللسان (هنيء) .
(2) انظر: المجمل 2/ 317، والأمثال ص 230.
(3) يروى عن ابن عباس قال: (ليس العنبر بركاز، هو شيء دسره
البحر) أخرجه البخاري والبيهقي وابن أبي شيبة.
وانظر: فتح الباري 3/ 363، وشرح الموطأ للزرقاني 2/ 102.
[.....]
(1/314)
يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ
دَعًّا
[الطور/ 13] ، وقوله: فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ
[الماعون/ 2] ، قال الشاعر:
158-
دَعَّ الوصيّ في قفا يتيمه
«1»
دعا
الدُّعَاء كالنّداء، إلّا أنّ النّداء قد يقال بيا، أو أيا،
ونحو ذلك من غير أن يضمّ إليه الاسم، والدُّعَاء لا يكاد يقال
إلّا إذا كان معه الاسم، نحو: يا فلان، وقد يستعمل كلّ واحد
منهما موضع الآخر. قال تعالى: كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما
لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعاءً وَنِداءً [البقرة/ 171] ، ويستعمل
استعمال التسمية، نحو: دَعَوْتُ ابني زيدا، أي: سمّيته، قال
تعالى: لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ
بَعْضِكُمْ بَعْضاً [النور/ 63] ، حثّا على تعظيمه، وذلك
مخاطبة من كان يقول: يا محمد، ودَعَوْتَهُ: إذا سألته، وإذا
استغثته، قال تعالى: قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ
[البقرة/ 68] ، أي: سله، وقال: قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ
أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ
اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ بَلْ إِيَّاهُ
تَدْعُونَ
[الأنعام/ 40- 41] ، تنبيها أنّكم إذا أصابتكم شدّة لم تفزعوا
إلّا إليه، وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً [الأعراف/ 56] ،
وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ
صادِقِينَ [البقرة/ 23] ، وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعا
رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ [الزمر/ 8] ، وَإِذا مَسَّ
الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ [يونس/ 12] ، وَلا
تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ
[يونس/ 106] ، وقوله: لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً
وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً [الفرقان/ 14] ، هو أن يقول: يا
لهفاه، ويا حسرتاه، ونحو ذلك من ألفاظ التأسّف، والمعنى: يحصل
لكم غموم كثيرة. وقوله: ادْعُ لَنا رَبَّكَ [البقرة/ 68] ، أي:
سله. والدُّعاءُ إلى الشيء: الحثّ على قصده قالَ رَبِّ
السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ
[يوسف/ 33] ، وقال: وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ
[يونس/ 25] ، وقال:
يا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ وَتَدْعُونَنِي
إِلَى النَّارِ تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ
بِهِ [غافر/ 41- 42] ، وقوله: لا جَرَمَ أَنَّما تَدْعُونَنِي
إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ [غافر/ 43] ، أي: رفعة وتنويه.
والدَّعْوَةُ مختصّة بادّعاء النّسبة «2» ، وأصلها للحالة التي
عليها الإنسان، نحو: القعدة والجلسة.
__________
(1) الرجز لأبي نواس في ديوان المعاني 1/ 357، وهو بتمامه:
يدعّه بضفتي حيزومه ... دعّ الوصيّ جانبي يتيمه
وهو في ربيع الأبرار 1/ 49، وتفسير الماوردي، 4/ 112، وإعراب
ثلاثين سورة ص 204.
(2) قال ابن فارس: والدّعوة في النسب بالكسر. قال أبو عبيدة:
يقال في النسب دعوة، بالكسر، وإلى الطعام دعوة، بالفتح. انظر:
المجمل 2/ 326.
(1/315)
وقولهم: «دَعْ دَاعِي اللّبن» «1» أي:
غُبْرَةً «2» تجلب منها اللّبن. والادِّعاءُ: أن يدّعي شيئا
أنّه له، وفي الحرب الاعتزاء، قال تعالى: وَلَكُمْ فِيها ما
تَدَّعُونَ نُزُلًا
[فصلت/ 31- 32] ، أي: ما تطلبون، والدَّعْوَى: الادّعاء، قال:
فَما كانَ دَعْواهُمْ إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا [الأعراف/ 5] ،
والدَّعْوَى: الدّعاء، قال: وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ
لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ [يونس/ 10] .
دفع
الدَّفْعُ إذا عدّي بإلى اقتضى معنى الإنالة، نحو قوله تعالى:
فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ
[النساء/ 6] ، وإذا عدّي بعن اقتضى معنى الحماية، نحو: إِنَّ
اللَّهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا
[الحج/ 38] ، وقال: وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ
بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ
[الحج/ 40] ، وقوله:
لَيْسَ لَهُ دافِعٌ مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعارِجِ
[المعارج/ 2- 3] ، أي: حام، والمُدَفَّع: الذي يدفعه كلّ أحد
«3» ، والدُّفْعَة من المطر، والدُّفَّاع من السّيل.
دفق
قال تعالى: ماءٍ دافِقٍ
[الطارق/ 6] : سائل بسرعة. ومنه استعير: جاءوا دُفْقَةً، وبعير
أَدْفَقُ: سريع، ومَشَى الدِّفِقَّى، أي: يتصبّب في عدوه
كتصبّب الماء المتدفّق، ومشوا دفقا.
دفىء
الدِّفْء: خلاف البرد، قال تعالى: لَكُمْ فِيها دِفْءٌ
وَمَنافِعُ [النحل/ 5] ، وهو لما يدفئ، ورجل دفآن، وامرأة
دفأى، وبيت دفيء.
دك
الدَّكُّ: الأرض الليّنة السّهلة، وقد دَكَّهُ دَكّاً، قال
تعالى: وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً
واحِدَةً [الحاقة/ 14] ، وقال: دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا
[الفجر/ 21] ، أي: جعلت بمنزلة الأرض اللّيّنة. وقال الله
تعالى: فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا
[الأعراف/ 143] ، ومنه: الدُّكَّان. والدّكداك «4» : رمل
ليّنة.
وأرض دَكَّاء: مسوّاة، والجمع الدُّكُّ، وناقة دكّاء:
لا سنام لها، تشبيها بالأرض الدّكّاء.
دلَ
الدّلالة: ما يتوصّل به إلى معرفة الشيء، كدلالة الألفاظ على
المعنى، ودلالة الإشارات،
__________
(1) هذا حديث وقد أخرجه أبو عبيد في غريبه 2/ 9، وأحمد في
مسنده 4/ 76، وعنده عن ضرار بن الأزور قال: بعثني أهلي بلقوح
إلى النبي صلّى الله عليه وسلم، فحلبتها فقال: «دع داعي اللبن»
، ثم صار مثلا.
(2) غبر كل شيء: بقيّته، وقد غلب ذلك على بقية اللبن في الضرع،
وعلى بقية دم الحيض. انظر: اللسان (غبر) .
(3) انظر: اللسان (دفع) ، والمجمل 2/ 330.
(4) انظر: المجمل 2/ 218.
(1/316)
والرموز، والكتابة، والعقود في الحساب،
وسواء كان ذلك بقصد ممن يجعله دلالة، أو لم يكن بقصد، كمن يرى
حركة إنسان فيعلم أنه حيّ، قال تعالى: ما دَلَّهُمْ عَلى
مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ
[سبأ/ 14] . أصل الدّلالة مصدر كالكتابة والإمارة، والدّالّ:
من حصل منه ذلك، والدليل في المبالغة كعالم، وعليم، وقادر،
وقدير، ثم يسمّى الدّالّ والدليل دلالة، كتسمية الشيء بمصدره.
دلو
دَلَوْتُ الدَّلْوَ: إذا أرسلتها، وأدليتها أي:
أخرجتها، وقيل: يكون بمعنى أرسلتها (قاله أبو منصور في الشامل)
«1» ، قال تعالى: فَأَدْلى دَلْوَهُ [يوسف/ 19] ، واستعير
للتّوصّل إلى الشيء، قال الشاعر:
159-
وليس الرّزق عن طلب حثيث ... ولكن ألق دلوك في الدِّلَاءِ
«2» وبهذا النحو سمّي الوسيلة المائح، قال الشاعر:
160-
ولي مائح لم يورد الناس قبله ... معلّ وأشطان الطّويّ كثير
«3» قال تعالى: وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ [البقرة/
188] ، والتَّدَلِّي: الدّنوّ والاسترسال، قال تعالى: ثُمَّ
دَنا فَتَدَلَّى
[النجم/ 8] .
دلك
دُلُوك الشمس: ميلها للغروب. قال تعالى:
أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ [الإسراء/ 78] ، هو من
قولهم: دَلَكْتُ الشمس: دفعتها بالرّاح، ومنه: دلكت الشيء في
الرّاحة، ودَالَكْتُ الرّجلَ: إذا ماطلته، والدَّلُوك: ما
دلكته من طيب، والدَّلِيك: طعام يتّخذ من الزّبد والتّمر «4» .
دمدم
فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ
[الشمس/ 14] ،
__________
(1) أبو منصور الجبان الرازي، واسمه محمد بن علي، كنيته أشهر
من اسمه، شيخ وقته في اللغة، وكتابه «الشامل» في اللغة كثّر
فيه الألفاظ اللغوية، وقابل الشواهد، وهو كتاب كبير في ثلاثة
عشر مجلدا، رتّبه على الحروف، كان يجالس علاء الدين ابن بويه،
وكان الصاحب كافي الكفاة يعزّه ويجله وتعاصر مع ابن سينا
واجتمعا في مجلس العلاء. انظر: إنباه الرواة 4/ 176، ومعجم
الأدباء 18/ 260، وبغية الوعاة 1/ 185.
(2) البيت لأبي الأسود الدّيلي. وهو في البصائر 2/ 606،
والمحاسن والمساوئ للبيهقي ص 286، وتفسير الراغب ورقة 126.
(3) البيت للعجير السلولي. وهو في اللسان (ميح) ، وتفسير
الراغب ورقة 126.
ورواية اللسان:
ولي مائح لم يورد الماء قبله ... يعلّي، وأشطان الدلاء كثير
وعنى بالمائح لسانه، لأنه يميح من قلبه، وعنى بالماء الكلام،
وأشطان الدلاء، أي: أسباب الكلام كثير لديه غير متعذر عليه.
(4) انظر: المجمل 2/ 334.
(1/317)
أي: أهلكهم، وأزعجهم، وقيل: الدّمدمة حكاية
صوت الهرّة، ومنه: دَمْدَمَ فلان في كلامه، ودَمَمْتُ الثوب:
طليته بصبغ مّا، والدِّمَام: يطلى به، وبعير مَدْمُوم بالشّحم،
والدَّامَّاء، والدُّمَمَة:
جحر اليربوع، والدَّامَاء بالتخفيف، والدَّيْمُومَة:
المفازة.
دم
أصل الدّم دمي، وهو معروف، قال الله تعالى: حُرِّمَتْ
عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ [المائدة/ 3] ، وجمعه
دِمَاء، وقال: لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ [البقرة/ 84] ، وقد
دَمِيَتِ الجراحةُ، وفرس مَدْمِيٌّ: شديد الشّقرة، كالدّم في
اللّون، والدُّمْيَة صورة حسنة، وشجّة دامية.
دمر
قال: فَدَمَّرْناهُمْ تَدْمِيراً
[الفرقان/ 36] ، وقال: ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ [الشعراء/
172] ، وَدَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ
وَما كانُوا يَعْرِشُونَ [الأعراف/ 137] ، والتدمير: إدخال
الهلاك على الشيء، ويقال: ما بالدّار تَدْمُرِيٌّ «1» ، وقوله
تعالى: دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ
[محمد/ 10] ، فإنّ مفعول دمّر محذوف.
دمع
قال تعالى: تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ
حَزَناً
[التوبة/ 92] . فالدّمع يكون اسما للسائل من العين، ومصدر
دَمَعَتِ العينُ دَمْعاً ودَمَعَاناً.
دمغ
قال تعالى: بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ
فَيَدْمَغُهُ
[الأنبياء/ 18] ، أي: يكسر دِمَاغَهُ، وحجّة دَامِغَة كذلك.
ويقال للطّلعة تخرج من أصل النّخلة فتفسده إذا لم تقطع: دامغة،
وللحديدة التي تشدّ على آخر الرّحل: دامغة، وكلّ ذلك استعارة
من الدَّمْغ الذي هو كسر الدّماغ.
دنر
قال تعالى: مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ
[آل عمران/ 75] ، أصله: دنّار، فأبدل من إحدى النّونين ياء،
وقيل: أصله بالفارسية دين آر، أي:
الشريعة جاءت به.
دنا
الدّنوّ: القرب بالذّات، أو بالحكم، ويستعمل في المكان
والزّمان والمنزلة. قال تعالى: وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها
قِنْوانٌ دانِيَةٌ
[الأنعام/ 99] ، وقال تعالى: ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى
[النجم/ 8] ، هذا بالحكم. ويعبّر بالأدنى تارة عن الأصغر،
فيقابل بالأكبر نحو: وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ
__________
(1) أي: أحد، وانظر: المجمل 2/ 335.
(1/318)
«1» ، وتارة عن الأرذل فيقابل بالخير، نحو:
أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ
[البقرة/ 61] ، وعن الأوّل فيقابل بالآخر، نحو: خَسِرَ
الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ
[الحج/ 11] ، وقوله: وَآتَيْناهُ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً
وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ [النحل/ 122] ،
وتارة عن الأقرب، فيقابل بالأقصى نحو: إِذْ أَنْتُمْ
بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى
[الأنفال/ 42] ، وجمع الدّنيا الدّني، نحو الكبرى والكبر،
والصّغرى والصّغر. وقوله تعالى: ذلِكَ أَدْنى أَنْ يَأْتُوا
بِالشَّهادَةِ
[المائدة/ 108] ، أي: أقرب لنفوسهم أن تتحرّى العدالة في إقامة
الشهادة، وعلى ذلك قوله تعالى: ذلِكَ أَدْنى أَنْ تَقَرَّ
أَعْيُنُهُنَّ [الأحزاب/ 51] ، وقوله تعالى: لَعَلَّكُمْ
تَتَفَكَّرُونَ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ [البقرة/ 220] ،
متناول للأحوال التي في النشأة الأولى، وما يكون في النشأة
الآخرة، ويقال: دَانَيْتُ بين الأمرين، وأَدْنَيْتُ أحدهما من
الآخر. قال تعالى: يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَ
[الأحزاب/ 59] ، وأَدْنَتِ الفرسُ: دنا نتاجها.
وخصّ الدّنيء بالحقير القدر، ويقابل به السّيّئ، يقال: دنيء
بيّن الدّناءة. وما روي «إذا أكلتم فدنّوا» «2» من الدّون، أي:
كلوا ممّا يليكم.
دهر
الدّهر في الأصل: اسم لمدّة العالم من مبدأ وجوده إلى انقضائه،
وعلى ذلك قوله تعالى:
هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ [الدهر/ 1]
، ثمّ يعبّر به عن كلّ مدّة كثيرة، وهو خلاف الزمان، فإنّ
الزّمان يقع على المدّة القليلة والكثيرة، ودَهْرُ فلان: مدّة
حياته، واستعير للعادة الباقية مدّة الحياة، فقيل: ما دهري
بكذا، ويقال: دَهَرَ فلانا نائبة دَهْراً، أي: نزلت به، حكاه
(الخليل) «3» ، فالدّهر هاهنا مصدر، وقيل:
دَهْدَرَهُ دَهْدَرَةً، ودَهْرٌ دَاهِرٌ ودَهِيرٌ. وقوله عليه
الصلاة والسلام: «لا تسبّوا الدّهر فإنّ الله هو الدّهر» «4»
قد قيل معناه: إنّ الله فاعل ما يضاف إلى الدّهر من الخير
والشّرّ والمسرّة والمساءة، فإذا سببتم الذي تعتقدون أنه فاعل
ذلك فقد سببتموه تعالى عن ذلك «5» . وقال بعضهم «6» : الدّهر
__________
(1) سورة المجادلة: آية 7. وقرأ الحسن (ولا أكبر) وهي قراءة
شاذة، وهي محل الاستشهاد.
(2) في النهاية: «سمّوا الله ودنّوا، وسمّتوا» ، وكذا في غريب
الحديث لابن قتيبة 3/ 745.
أي: إذا بدأتم بالأكل كلوا مما بين أيديكم، وسمّتوا، أي: ادعوا
للمطعم بالبركة. النهاية 2/ 137.
(3) انظر: العين 4/ 23، وفي عبارة المؤلف بعض التصرف. [.....]
(4) الحديث أخرجه مسلم عن أبي هريرة، وأحمد في المسند 5/ 399
والبخاري. فتح الباري 8/ 574.
(5) وهذا قول أبي عبيد في غريب الحديث 2/ 47.
(6) هو محمد بن داود الظاهري. انظر فتح الباري 8/ 574.
(1/319)
الثاني في الخبر غير الدّهر الأوّل، وإنما
هو مصدر بمعنى الفاعل، ومعناه: أنّ الله هو الدّاهر، أي:
المصرّف المدبّر المفيض لما يحدث، والأول أظهر «1» . وقوله
تعالى إخبارا عن مشركي العرب: ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا
الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ
[الجاثية/ 24] ، قيل: عني به الزمان.
دهق
قال تعالى: وَكَأْساً دِهاقاً
[النبأ/ 34] ، أي: مفعمة، ويقال: أَدْهَقْتُ الكأسَ فَدَهَقَ،
ودَهَقَ لي من المال دَهْقَةً، كقولك: قبض قبضة.
دهم
الدُّهْمَة: سواد الليل، ويعبّر بها عن سواد الفرس، وقد يعبّر
بها عن الخضرة الكاملة اللّون، كما يعبّر عن الدُّهْمَة
بالخضرة إذا لم تكن كاملة اللّون، وذلك لتقاربهما باللون. قال
الله تعالى: مُدْهامَّتانِ
[الرحمن/ 64] ، وبناؤهما من الفعل مفعالّ، يقال: ادهامّ
ادهيماما، قال الشاعر في وصف الليل:
161-
في ظلّ أخضر يدعو هامه البوم
«2»
دهن
قال تعالى: تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ
[المؤمنون/ 20] ، وجمع الدّهن أدهان. وقوله تعالى:
فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ
[الرحمن/ 37] ، قيل: هو درديّ الزّيت، والمُدْهُن: ما يجعل فيه
الدّهن، وهو أحد ما جاء على مفعل من الآلة «3» ، وقيل للمكان
الذي يستقرّ فيه ماء قليل:
مُدْهُن، تشبيها بذلك، ومن لفظ الدّهن استعير الدَّهِين للناقة
القليلة اللّبن، وهي فعيل في معنى فاعل، أي: تعطي بقدر ما تدهن
به. وقيل:
بمعنى مفعول، كأنه مَدْهُون باللبن. أي: كأنها دُهِنَتْ باللبن
لقلّته، والثاني أقرب من حيث لم يدخل فيه الهاء، ودَهَنَ المطر
الأرض: بلّها بللا يسيرا، كالدّهن الذي يدهن به الرّأس،
ودَهَنَهُ بالعصا: كناية عن الضّرب على سبيل التّهكّم، كقولهم:
مسحته بالسّيف، وحيّيته بالرّمح.
والإِدْهَانُ في الأصل مثل التّدهين، لكن جعل عبارة عن
المداراة والملاينة، وترك الجدّ، كما جعل التّقريد وهو نزع
القراد عن البعير عبارة عن ذلك، قال: أَفَبِهذَا الْحَدِيثِ
أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ
[الواقعة/ 81] ، قال الشاعر:
__________
(1) نقله ابن حجر عنه في الفتح 8/ 575.
(2) الشطر تقدّم في باب (خضر) .
(3) وقد جمع ابن مالك ما شذّ من اسم الآلة في لاميته فقال:
شذّ المدقّ ومسعط ومكحلة ... ومدهن منصل والآتي من نخلا
أي: المنخل.
(1/320)
162-
الحزم والقوّة خير من ال ... إدهان والفكّة والهاع «1»
وداهنت فلانا مداهنة، قال: وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ
فَيُدْهِنُونَ [القلم/ 9] .
دأب
الدَّأْب: إدامة السّير، دَأَبَ في السّير دَأْباً. قال تعالى:
وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ
[إبراهيم/ 33] ، والدّأب: العادة المستمرّة دائما على حالة،
قال تعالى: كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ [آل عمران/ 11] ، أي:
كعادتهم التي يستمرّون عليها.
داود
داود اسم أعجميّ.
دار
الدَّار: المنزل اعتبارا بدورانها الذي لها بالحائط، وقيل:
دارة، وجمعها ديار، ثم تسمّى البلدة دارا، والصّقع دارا،
والدّنيا كما هي دارا، والدّار الدّنيا، والدّار الآخرة، إشارة
إلى المقرّين في النّشأة الأولى، والنّشأة الأخرى. وقيل: دار
الدّنيا، ودار الآخرة، قال تعالى: لَهُمْ دارُ السَّلامِ
عِنْدَ رَبِّهِمْ [الأنعام/ 127] ، أي:
الجنة، ودارَ الْبَوارِ «2» أي: الجحيم. قال تعالى: قُلْ إِنْ
كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ [البقرة/ 94] ، وقال:
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ
[البقرة/ 243] ، وَقَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا [البقرة/
246] ، وقال: سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ [الأعراف/ 145] ،
أي:
الجحيم، وقولهم: ما بها دَيَّار «3» ، أي: ساكن وهو فيعال، ولو
كان فعّالا لقيل: دوّار، كقولهم: قوّال وجوّاز. والدَّائرَةُ:
عبارة عن الخطّ المحيط، يقال: دَارَ يدور دورانا، ثم عبّر بها
عن المحادثة.
والدّوّاريّ: الدّهر الدّائر بالإنسان من حيث إنه يُدَوِّرُ
بالإنسان، ولذلك قال الشاعر:
163-
والدّهر بالإنسان دوّاريّ
«4» والدّورة والدّائرة في المكروه، كما يقال: دولة في
المحبوب، وقوله تعالى: نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ
[المائدة/ 52] ، والدّوّار: صنم كانوا يطوفون حوله. والدّاريّ:
المنسوب إلى الدّار، وخصّص بالعطّار «5» تخصيص الهالكيّ
__________
(1) البيت لأبي قيس بن الأسلت الأنصاري، شاعر جاهلي أدرك
الإسلام، فقيل: أسلم، وقيل: لم يسلم. وهو في المفضليات ص 285،
واللسان (هيع) .
الفكّة: الضعف، الهاع: شدة الحرص.
(2) الآية وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ سورة
إبراهيم: آية 28.
(3) الأمثال ص 386.
(4) الرجز للعجاج، وهو في ديوانه 1/ 310، ومجمل اللغة 2/ 339.
(5) قال في اللسان: والدّاري: العطّار، يقال: إنه نسب إلى
دارين، فرضة بالبحرين فيها سوق كان يحمل إليها مسك من ناحية
الهند. اللسان (دور) .
(1/321)
بالقين «1» ، قال صلّى الله عليه وسلم:
«مثل الجليس الصّالح كمثل الدّاريّ» «2» ويقال للازم الدّار:
داريّ.
وقوله تعالى: وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ عَلَيْهِمْ
دائِرَةُ السَّوْءِ [التوبة/ 98] ، أي: يحيط بهم السّوء إحاطة
الدّائرة بمن فيها، فلا سبيل لهم إلى الانفكاك منه بوجه. وقوله
تعالى: إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها
بَيْنَكُمْ
[البقرة/ 282] ، أي: تتداولونها وتتعاطونها من غير تأجيل.
دول
الدَّوْلَة والدُّولَة واحدة، وقيل: الدُّولَة في المال،
والدَّوْلَة في الحرب والجاه. وقيل:
الدُّولَة اسم الشيء الذي يتداول بعينه، والدَّوْلَة المصدر.
قال تعالى: كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ
مِنْكُمْ [الحشر/ 7] ، وتداول القوم كذا، أي: تناولوه من حيث
الدّولة، وداول الله كذا بينهم. قال تعالى: وَتِلْكَ
الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ [آل عمران/ 140] ،
والدّؤلول:
الدّاهية والجمع الدّآليل والدّؤلات «3» .
دوم
أصل الدّوام السكون، يقال: دام الماء، أي: سكن، «ونهي أن يبول
الإنسان في الماء الدائم» «4» . وأَدَمْتُ القدر ودوّمتها:
سكّنت غليانها بالماء، ومنه: دَامَ الشيءُ: إذا امتدّ عليه
الزمان، قال تعالى: وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ
فِيهِمْ
[المائدة/ 117] ، إِلَّا ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً [آل
عمران/ 75] ، لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها
[المائدة/ 24] ، ويقال:
دُمْتَ تَدَامُ، وقيل: دِمْتَ تدوم، نحو: متّ تموت «5» ،
ودوّمت الشمس في كبد السّماء، قال الشاعر:
164-
والشمس حيرى لها في الجوّ تدويم
«6» ودَوَّمَ الطّير في الهواء: حلّق، واستدمت
__________
(1) في اللسان: الهالكيّ: الحداد، قال ابن الكلبي: أول من عمل
الحديد من العرب الهالك بن عمرو بن أسد بن خزيمة، وكان حدّادا،
نسب إليه الحديد، فقيل: الهالكي، ولذلك قيل لبني أسد: القيون.
انظر: اللسان (هلك) .
(2) انظر: النهاية 2/ 140، والفائق 1/ 443، وأخرجه أحمد 4/ 404
بلفظ: كمثل العطار.
(3) انظر: المجمل 2/ 340. [.....]
(4) الحديث: «نهى أن يبال في الماء الراكد» أخرجه مسلم
والنسائي وأبو داود.
انظر: الفتح الكبير 3/ 266، وسنن أبي داود برقم 69.
وعند النسائي والبخاري عن أبي هريرة عن رسول الله صلّى الله
عليه وسلم قال: «لا يبولنّ أحدكم في الماء الدائم ثم يتوضأ
منه» .
انظر: فتح الباري 1/ 346، سنن النسائي بشرح السندي 1/ 49، وهذه
الرواية هي التي تتناسب مع المادة المذكورة.
(5) قال الفارسي في الحجة 3/ 26: وهما شاذان.
(6) هذا عجز بيت، وشطره:
معروريا رمض الرّضراض يركضه
وهو لذي الرمّة في ديوانه ص 660، وأساس البلاغة ص 139، والمجمل
2/ 340.
اعرورى الرمض: ركبه، والرمض: حرّ الشمس على الحجارة، الرضراض:
الحصى الصغار.
(1/322)
الأمر: تأنّيت فيه، والظّلّ الدَّوْم:
الدّائم، والدِّيمَة: مطر تدوم أياما.
دين
يقال: دِنْتُ الرّجل: أخذت منه دَيْناً، وأَدَنْتُهُ:
جعلته دائنا، وذلك بأن تعطيه دينا. قال (أبو عبيد) «1» :
دِنْتُهُ: أقرضته، ورجل مَدِين، ومديون، ودِنْتُهُ: استقرضت
منه «2» ، قال الشاعر:
165-
نَدِينُ ويقضي الله عنّا وقد نرى ... مصارع قوم لا يَدِينُونَ
ضيّعا
«3» وأَدَنْتُ مثل دِنْتُ، وأَدَنْتُ، أي: أقرضت،
والتَّدَايُنُ والمداينة: دفع الدَّيْن، قال تعالى:
إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى [البقرة/
282] ، وقال: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ
[النساء/ 11] ، والدِّينُ يقال للطاعة والجزاء، واستعير
للشريعة، والدِّينُ كالملّة، لكنّه يقال اعتبارا بالطاعة
والانقياد للشريعة، قال إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ
الْإِسْلامُ [آل عمران/ 19] ، وقال:
وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ
وَهُوَ مُحْسِنٌ [النساء/ 125] ، أي: طاعة، وَأَخْلَصُوا
دِينَهُمْ لِلَّهِ [النساء/ 146] ، وقوله تعالى: يا أَهْلَ
الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ [النساء/ 171] ، وذلك حثّ
على اتّباع دين النّبيّ صلّى الله عليه وسلم الذي هو أوسط
الأديان كما قال:
وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً [البقرة/ 143] ،
وقوله: لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ [البقرة/ 256] قيل: يعني
الطاعة، فإنّ ذلك لا يكون في الحقيقة إلّا بالإخلاص، والإخلاص
لا يتأتّى فيه الإكراه، وقيل: إنّ ذلك مختصّ بأهل الكتاب
الباذلين للجزية. وقوله: أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ
[آل عمران/ 83] ، يعني: الإسلام، لقوله: وَمَنْ يَبْتَغِ
غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ [آل عمران/
85] ، وعلى هذا قوله تعالى:
هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ
[الصف/ 9] ، وقوله: وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ [التوبة/
29] ، وقوله: وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ
وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ [النساء/ 125] ، فَلَوْلا
إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ
[الواقعة/ 86] ، أي: غير مجزيّين. والمدين والمدينة: العبد
والأمة: قال (أبو زيد) : هو من قولهم: دِينَ فلان يُدَانُ: إذا
حمل على مكروه «4» ، وقيل «5» : هو من دنته: إذا جازيته
بطاعته، وجعل بعضهم المدينة من هذا الباب.
دون
يقال للقاصر عن الشيء: دون، قال بعضهم:
__________
(1) في الغريب المصنف ورقة 330 من النسخة التركية، وتهذيب
اللغة 14/ 182 نقلا عن أبي عبيد.
(2) انظر: المجمل 2/ 342.
(3) البيت للعجير السلولي، وهو في المجمل 2/ 342، واللسان
(دين) ، والغريب المصنف ورقة 330.
(4) انظر: المجمل 2/ 342، وتهذيب اللغة 14/ 183.
(5) وهو قول أبي عبيدة في مجاز القرآن 2/ 252.
(1/323)
هو مقلوب من الدّنوّ، والأدون: الدّنيء
وقوله تعالى: لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ
[آل عمران/ 118] ، أي: ممّن لم يبلغ منزلته منزلتكم في
الدّيانة، وقيل: في القرابة. وقوله:
وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ
[النساء/ 48] ، أي: ما كان أقلّ من ذلك، وقيل: ما سوى ذلك،
والمعنيان يتلازمان. وقوله تعالى: أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ:
اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ [المائدة/
116] ، أي: غير الله، وقيل: معناه إلهين متوصّلا بهما إلى
الله. وقوله لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ
[الأنعام/ 51] ، وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ
وَلا نَصِيرٍ «1» أي:
ليس لهم من يواليهم من دون أمر الله. وقوله:
قُلْ أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُنا وَلا
يَضُرُّنا [الأنعام/ 71] ، مثله. وقد يغرى بلفظ دون، فيقال:
دونك كذا، أي: تناوله، قال القتيبيّ:
يقال: دَانَ يَدُونُ دَوْناً: ضعف «2» .
تمّ كتاب الدال
__________
(1) سورة العنكبوت: آية 22، وفي المطبوعة (وما لهم) وهو تصحيف.
(2) انظر: المجمل 2/ 341.
(1/324)
|