المفردات في غريب القرآن كتاب الهاء
هبط
الهُبُوط: الانحدار على سبيل القهر كهبوط الحجر، والهَبُوط
بالفتح: المنحدر. يقال:
هَبَطْتُ أنا، وهَبَطْتُ غيري، يكون اللازم والمتعدّي على لفظ
واحد. قال تعالى: وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ
اللَّهِ
[البقرة/ 74] يقال: هَبَطْتُ وهَبَطْتُهُ هَبْطاً، وإذا استعمل
في الإنسان الهُبُوط فعلى سبيل الاستخفاف بخلاف الإنزال، فإنّ
الإنزال ذكره تعالى في الأشياء التي نبّه على شرفها، كإنزال
الملائكة والقرآن والمطر وغير ذلك. والهَبُوطُ ذكر حيث نبّه
على الغضّ نحو: وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ
عَدُوٌّ [البقرة/ 36] ، فَاهْبِطْ مِنْها فَما يَكُونُ لَكَ
أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها [الأعراف/ 13] ، اهْبِطُوا مِصْراً
فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ [البقرة/ 61] وليس في قوله:
فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ [البقرة/ 61] تعظيم وتشريف، ألا
ترى أنه تعالى قال:
وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَباؤُ
بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ [البقرة/ 61] ، وقال جلّ ذكره: قُلْنَا
اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً [البقرة/ 38] ويقال: هَبَطَ
المَرَضُ لحم العليل: حطّه عنه، والهَبِيط:
الضّامر من النّوق وغيرها إذا كان ضمره من سوء غذاء، وقلّة
تفقّد.
هبا
هَبَا الغبار يَهْبُو: ثار وسطع، والهَبْوَة كالغبرة،
والهَبَاء: دقاق التّراب وما نبت في الهواء فلا يبدو إلّا في
أثنا ضوء الشمس في الكوّة. قال تعالى:
فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً
[الفرقان/ 23] ، فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا. [الواقعة/ 6] .
هجد
الهُجُود: النّوم، والهَاجِد: النّائم، وهجّدته فتهجّد: أزلت
هجوده نحو: مرّضته. ومعناه:
أيقظته فتيقّظ، وقوله: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ
[الإسراء/ 79] أي: تيقّظ بالقرآن، وذلك حثّ على إقامة الصلاة
في الليل المذكور في قوله:
(1/832)
قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا نِصْفَهُ
[المزمل/ 2- 3] والمتهجّد: المصلّي ليلا، وأهجد البعير: ألقى
جرانه على الأرض متحرّيا للهجود.
هجر
الهَجْرُ والهِجْرَان: مفارقة الإنسان غيره، إمّا بالبدن، أو
باللّسان، أو بالقلب. قال تعالى:
وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ
[النساء/ 34] كناية عن عدم قربهنّ، وقوله تعالى: إِنَّ قَوْمِي
اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً
[الفرقان/ 30] فهذا هَجْر بالقلب، أو بالقلب واللّسان. وقوله:
وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلًا [المزمل/ 10] يحتمل الثلاثة،
ومدعوّ إلى أن يتحرّى أيّ الثلاثة إن أمكنه مع تحرّي المجاملة،
وكذا قوله تعالى:
وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا [مريم/ 46] ، وقوله تعالى:
وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ [المدثر/ 5] ، فحثّ على المفارقة
بالوجوه كلّها. والمُهاجرَةُ في الأصل:
مصارمة الغير ومتاركته، من قوله عزّ وجلّ:
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا
[الأنفال/ 74] ، وقوله: لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ
أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ
[الحشر/ 8] ، وقوله:
وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ
[النساء/ 100] ، فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِياءَ حَتَّى
يُهاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ [النساء/ 89] فالظاهر منه
الخروج من دار الكفر إلى دار الإيمان كمن هاجر من مكّة إلى
المدينة، وقيل: مقتضى ذلك هجران الشّهوات والأخلاق الذّميمة
والخطايا وتركها ورفضها، وقوله: إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي
[العنكبوت/ 26] أي: تارك لقومي وذاهب إليه. وقوله: أَلَمْ
تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها [النساء/
97] ، وكذا المجاهدة تقتضي مع العدى مجاهدة النّفس كما روي في
الخبر: «رجعتم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر» «1» ، وهو
مجاهدة النّفس. وروي:
(هاجروا ولا تهجّروا) «2» أي: كونوا من المهاجرين، ولا
تتشبّهوا بهم في القول دون الفعل، والهُجْرُ: الكلام القبيح
المهجور لقبحه.
وفي الحديث: «ولا تقولوا هُجْراً» «3» وأَهْجَرَ فلان: إذا أتى
بهجر من الكلام عن قصد،
__________
(1) عن جابر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «رجعنا
من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر» قال العراقي: رواه
البيهقي في الزهد، وفيه ضعف. انظر: تخريج أحاديث الإحياء 4/
1537 والزهد للبيهقي ص 165.
(2) هذا من حديث عمر فإنه قال: (هاجروا ولا تهجّروا، واتقوا
الأرنب أن يحذفها أحدكم بالعصا، ولكن ليذك لكم الأسل الرماح
والنبل) . انظر: غريب الحديث 3/ 310، والنهاية 5/ 245.
(3) شطر الحديث: عن أبي سعيد الخدري أنّ رسول الله صلّى الله
عليه وسلم قال: «نهيتكم عن لحوم الأضحى بعد ثلاث، فكلوا
وتصدّقوا وادّخروا، ونهيتكم عن الانتباذ، فانتبذوا، وكلّ مسكر
حرام، ونهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، ولا تقولوا هجرا»
أخرجه مالك في الموطأ، باب ادخار لحوم الأضاحي. انظر: شرح
الزرقاني 3/ 76. وأخرجه الطبراني في الأوسط 3/ 343.
(1/833)
وهَجَرَ المريض: إذا أتى ذلك من غير قصد،
وقرئ: مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سامِراً تَهْجُرُونَ
[المؤمنون/ 67] «1» ، وقد يشبّه المبالغ في الهجر بالمُهْجِر،
فيقال: أَهْجَرَ: إذا قصد ذلك، قال الشاعر:
456-
كما جدة الأعراق قال ابن ضرّة ... عليها كلاما جار فيه وأهجرا
«2» ورماه بهاجرات فمه أي: فضائح كلامه، وقوله: فلان هِجِّيراه
كذا: إذا أولع بذكره، وهذي به هذيان المريض المهجر، ولا يكاد
يستعمل الهِجِّير إلّا في العادة الذّميمة اللهمّ إلّا أن
يستعمله في ضدّه من لا يراعي مورد هذه الكلمة عن العرب.
والهَجِيرُ والهاجرة: الساعة التي يمتنع فيها من السّير
كالحرّ، كأنها هجرت النّاس وهجرت لذلك، والهِجَار: حبل يشدّ به
الفحل، فيصير سببا لهجرانه الإبل، وجعل على بناء العقال
والزّمام، وفحل مهجور، أي: مشدود به، وهِجَار القوس: وترها،
وذلك تشبيه بهجار الفحل.
هجع
الهُجُوع: النّوم ليلا. قال تعالى: كانُوا قَلِيلًا مِنَ
اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ
[الذاريات/ 17] وذلك يصحّ أن يكون معناه: كان هُجُوعهم قليلا
من أوقات الليل، ويجوز أن يكون معناه: لم يكونوا يهجعون.
والقليل يعبّر به عن النّفي والمشارف لنفيه لقلّته، ولقيته بعد
هَجْعَةٍ. أي:
بعد نومة، وقولهم: رجل هُجَعٌ كقولك: نوم للمستنيم إلى كل شيء.
هدد
الهَدُّ: هدم له وقع، وسقوط شيء ثقيل، والهَدَّة: صوت وقعه.
قال تعالى: وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا
[مريم/ 90] وهدّدت البقرة: إذا أوقعتها للذّبح، والهِدُّ:
المهدود كالذّبح للمذبوح، ويعبّر به عن الضّعيف والجبان، وقيل:
مررت برجل هَدَّكَ من رجل «3» ، كقولك: حسبك، وتحقيقه:
يَهُدُّكَ ويزعجك وجود مثله، وهَدَّدْتُ فلانا وتَهَدَّدْتُهُ:
إذا زعزعته بالوعيد، والهَدْهَدَة: تحريك الصّبيّ لينام،
والهُدْهُدُ: طائر معروف. قال تعالى:
ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ [النمل/ 20] وجمعه:
هَدَاهِد، والهُدَاهِد بالضّمّ واحد، قال الشاعر:
__________
(1) وبها قرأ نافع.
(2) البيت للشماخ من قصيدة مطلعها:
أتعرف رسما دارسا قد تغيّرا ... بذروة أقوى بعد ليلى وأقفرا
وهو في ديوانه ص 135، والمجمل 4/ 899، وفصل المقال ص 24.
(3) انظر المجمل 4/ 890.
(1/834)
457-
كهداهد كسر الرّماة جناحه ... يدعو بقارعة الطريق هديلا
«1»
هدم
الهدم: إسقاط البناء. يقال: هَدَمْتُهُ هَدْماً.
والهَدَمُ: ما يهدم، ومنه استعير: دم هَدْمٌ. أي:
هدر، والهِدْمُ بالكسر كذلك لكن اختصّ بالثّوب البالي، وجمعه:
أهدام، وهدّمت البناء على التّكثير. قال تعالى: لَهُدِّمَتْ
صَوامِعُ [الحج/ 40] .
هدى
الهداية دلالة بلطف، ومنه: الهديّة، وهوادي الوحش. أي:
متقدّماتها الهادية لغيرها، وخصّ ما كان دلالة بهديت، وما كان
إعطاء بأهديت.
نحو: أهديت الهديّة، وهديت إلى البيت. إن قيل: كيف جعلت
الهداية دلالة بلطف وقد قال الله تعالى: فَاهْدُوهُمْ إِلى
صِراطِ الْجَحِيمِ
[الصافات/ 23] ، وَيَهْدِيهِ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ
[الحج/ 4] . قيل: ذلك استعمل فيه استعمال اللّفظ على التّهكّم
مبالغة في المعنى كقوله: فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ [آل
عمران/ 21] وقول الشاعر:
457-
تحيّة بينهم ضرب وجيع
«2» وهداية الله تعالى للإنسان على أربعة أوجه:
الأوّل: الهداية التي عمّ بجنسها كلّ مكلّف من العقل، والفطنة،
والمعارف الضّروريّة التي أعمّ منها كلّ شيء بقدر فيه حسب
احتماله كما قال: رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ
خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى
[طه/ 50] .
الثاني: الهداية التي جعل للناس بدعائه إيّاهم على ألسنة
الأنبياء، وإنزال القرآن ونحو ذلك، وهو المقصود بقوله تعالى:
وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا
[الأنبياء/ 73] .
الثالث: التّوفيق الذي يختصّ به من اهتدى، وهو المعنيّ بقوله
تعالى: وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً [محمد/ 17] ،
وقوله: وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ [التغابن/
11] ، وقوله: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ
يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ [يونس/ 9] ، وقوله:
وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا
[العنكبوت/ 69] ، وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا
هُدىً [مريم/ 76] ، فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا
[البقرة/ 213] ، وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ
مُسْتَقِيمٍ
__________
(1) البيت للراعي من قصيدة عدّتها اثنان وتسعون بيتا، ومطلعها:
ما بال دفّك بالفراش مذيلا ... أقذى بعينك أم أردت رحيلا
وهو في ديوانه ص 238، والجمهرة 3/ 394، والمعاني الكبير 1/
297، واللسان (هدد) .
(2) العجز لعمرو بن معديكرب، وشطره:
[وخيل قد دلفت لها بخيل] .
وهو في ديوانه ص 149، وشرح أبيات سيبويه 2/ 200، والمقتضب 2/
20، وتفسير الطبري 1/ 310.
(1/835)
[البقرة/ 213] .
الرّابع: الهداية في الآخرة إلى الجنّة المعنيّ بقوله:
سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بالَهُمْ [محمد/ 5] ، وَنَزَعْنا ما
فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ [الأعراف/ 43] إلى قوله: الْحَمْدُ
لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا «1» .
وهذه الهدايات الأربع مترتّبة، فإنّ من لم تحصل له الأولى لا
تحصل له الثّانية بل لا يصحّ تكليفه، ومن لم تحصل له الثّانية
لا تحصل له الثّالثة والرّابعة، ومن حصل له الرّابع فقد حصل له
الثلاث التي قبلها، ومن حصل له الثالث فقد حصل له اللّذان قبله
«2» . ثمّ ينعكس، فقد تحصل الأولى ولا يحصل له الثاني ولا يحصل
الثالث، والإنسان لا يقدر أن يهدي أحدا إلّا بالدّعاء وتعريف
الطّرق دون سائر أنواع الهدايات، وإلى الأوّل أشار بقوله:
وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ [الشورى/ 52] ،
يَهْدُونَ بِأَمْرِنا [السجدة/ 24] ، وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ
[الرعد/ 7] أي: داع، وإلى سائر الهدايات أشار بقوله تعالى:
إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ [القصص/ 56] وكلّ هداية
ذكر الله عزّ وجلّ أنه منع الظالمين والكافرين فهي الهداية
الثالثة، وهي التّوفيق الذي يختصّ به المهتدون، والرّابعة التي
هي الثّواب في الآخرة، وإدخال الجنّة. نحو قوله عزّ وجلّ:
كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً إلى قوله: وَاللَّهُ لا
يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ «3» [آل عمران/ 86] وكقوله:
ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى
الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ
[النحل/ 107] وكلّ هداية نفاها الله عن النبيّ صلّى الله عليه
وسلم وعن البشر، وذكر أنهم غير قادرين عليها فهي ما عدا
المختصّ من الدّعاء وتعريف الطريق، وذلك كإعطاء العقل،
والتّوفيق، وإدخال الجنة، كقوله عزّ ذكره:
لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ
يَشاءُ [البقرة/ 272] ، وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ
عَلَى الْهُدى [الأنعام/ 35] ، وَما أَنْتَ بِهادِ الْعُمْيِ
عَنْ ضَلالَتِهِمْ [النمل/ 81] ، إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ
فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ [النحل/ 37] ، وَمَنْ
يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ [الزمر/ 36] ، وَمَنْ
يَهْدِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍّ [الزمر/ 37] ، إِنَّكَ
لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ
يَشاءُ [القصص/ 56] وإلى هذا المعنى أشار بقوله تعالى:
أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ
__________
(1) الآية: وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي
مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ، وَقالُوا: الْحَمْدُ لِلَّهِ
الَّذِي هَدانا لِهذا.
(2) قد نقل ابن القيم هذه الهدايات الأربع في عدة مواضع من
كتبه. انظر مثلا: بدائع الفوائد 2/ 35- 37. [.....]
(3) الآية: كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ
إِيمانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجاءَهُمُ
الْبَيِّناتُ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ.
(1/836)
[يونس/ 99] ، وقوله: مَنْ يَهْدِ اللَّهُ
فَهُوَ الْمُهْتَدِ
[الإسراء/ 97] ، أي: طالب الهدى ومتحرّيه هو الذي يوفّقه
ويَهْدِيهِ إلى طريق الجنّة لا من ضادّه، فيتحرّى طريق الضّلال
والكفر كقوله: وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ
[التوبة/ 37] ، وفي أخرى الظَّالِمِينَ [التوبة/ 109] ، وقوله:
إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ [الزمر/
3] الكاذب الكفّار: هو الذي لا يقبل هدايته، فإنّ ذلك راجع إلى
هذا وإن لم يكن لفظه موضوعا لذلك، ومن لم يقبل هِدَايَتَهُ لم
يهده، كقولك: من لم يقبل هَدِيَّتِي لم أهد له، ومن لم يقبل
عطيّتي لم أعطه، ومن رغب عنّي لم أرغب فيه، وعلى هذا النحو:
وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [التوبة/ 109]
وفي أخرى: الْفاسِقِينَ [التوبة/ 80] وقوله: أَفَمَنْ يَهْدِي
إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي
إِلَّا أَنْ يُهْدى
[يونس/ 35] ، وقد قرئ: يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى «1» أي: لا
يهدي غيره ولكن يهدى. أي: لا يعلم شيئا ولا يعرف أي لا هداية
له، ولو هدي أيضا لم يهتد، لأنها موات من حجارة ونحوها، وظاهر
اللّفظ أنه إذا هدي اهْتَدَى لإخراج الكلام أنها أمثالكم كما
قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ
عِبادٌ أَمْثالُكُمْ [الأعراف/ 194] وإنّما هي أموات، وقال في
موضع آخر:
وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَمْلِكُ لَهُمْ
رِزْقاً مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ شَيْئاً وَلا
يَسْتَطِيعُونَ [النحل/ 73] ، وقوله عزّ وجلّ: إِنَّا
هَدَيْناهُ السَّبِيلَ [الإنسان/ 3] ، وَهَدَيْناهُ
النَّجْدَيْنِ [البلد/ 10] ، وَهَدَيْناهُمَا الصِّراطَ
الْمُسْتَقِيمَ [الصافات/ 118] فذلك إشارة إلى ما عرّف من طريق
الخير والشّرّ «2» ، وطريق الثواب والعقاب بالعقل والشرع وكذا
قوله: فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ
[الأعراف/ 30] ، إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ
اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ [القصص/ 56] ، وَمَنْ يُؤْمِنْ
بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ [التغابن/ 11] فهو إشارة إلى
التّوفيق الملقى في الرّوع فيما يتحرّاه الإنسان وإياه عنى
بقوله عزّ وجلّ: وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً [محمد/
17] وعدّي الهِدَايَةُ في مواضع بنفسه، وفي مواضع باللام، وفي
مواضع بإلى، قال تعالى:
وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ
مُسْتَقِيمٍ
[آل عمران/ 101] ، وَاجْتَبَيْناهُمْ وَهَدَيْناهُمْ إِلى
صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ [الأنعام/ 87] وقال: أَفَمَنْ يَهْدِي
إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ
[يونس/ 35] وقال: هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى وَأَهْدِيَكَ
إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى [النازعات/ 18- 19] .
وما عدّي بنفسه نحو: وَلَهَدَيْناهُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً
__________
(1) قرأ حمزة والكسائي وخلف يهدي.
(2) مجاز القرآن 2/ 299.
(1/837)
[النساء/ 68] ، وَهَدَيْناهُمَا الصِّراطَ
الْمُسْتَقِيمَ [الصافات/ 118] ، اهْدِنَا الصِّراطَ
الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة/ 6] ، أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا
مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ [النساء/ 88] ، وَلا لِيَهْدِيَهُمْ
طَرِيقاً [النساء/ 168] ، أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ [يونس/
43] ، وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطاً مُسْتَقِيماً [النساء/
175] .
ولمّا كانت الهِدَايَةُ والتّعليم يقتضي شيئين:
تعريفا من المعرّف، وتعرّفا من المعرّف، وبهما تمّ الهداية
والتّعليم فإنه متى حصل البذل من الهَادِي والمعلم ولم يحصل
القبول صحّ أن يقال: لم يَهْدِ ولم يعلّم اعتبارا بعدم القبول،
وصحّ أن يقال: هَدَى وعلّم اعتبارا ببذله، فإذا كان كذلك صحّ
أن يقال: إنّ الله تعالى لم يهد الكافرين والفاسقين من حيث إنه
لم يحصل القبول الذي هو تمام الهداية والتّعليم، وصحّ أن يقال:
هَدَاهُمْ وعلّمهم من حيث إنه حصل البذل الذي هو مبدأ
الْهِدَايَةِ. فعلى الاعتبار بالأول يصحّ أن يحمل قوله تعالى:
وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [التوبة/ 109] ،
وَالْكافِرِينَ [التوبة/ 37] وعلى الثاني قوله عزّ وجلّ:
وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى
الْهُدى
[فصلت/ 17] والأولى حيث لم يحصل القبول المفيد فيقال: هداه
الله فلم يهتد، كقوله: وَأَمَّا ثَمُودُ الآية، وقوله: لِلَّهِ
الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إلى قوله:
وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى
اللَّهُ «1» [البقرة/ 142- 143] فهم الّذين قبلوا هداه واهتدوا
به، وقوله تعالى: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة/
6] ، وَلَهَدَيْناهُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً [النساء/ 68] فقد
قيل: عني به الهِدَايَةُ العامّة التي هي العقل، وسنّة
الأنبياء، وأمرنا أن نقول ذلك بألسنتنا وإن كان قد فعل ليعطينا
بذلك ثوابا كما أمرنا أن نقول: اللهمّ صلّ على محمد وإن كان قد
صلّى عليه بقوله: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ
عَلَى النَّبِيِّ [الأحزاب/ 56] وقيل: إن ذلك دعاء بحفظنا عن
استغواء الغواة واستهواء الشّهوات، وقيل: هو سؤال للتّوفيق
الموعود به في قوله: وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً
[محمد/ 17] وقيل: سؤال للهداية إلى الجنّة في الآخرة، وقوله
عزّ وجلّ: وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ
هَدَى اللَّهُ [البقرة/ 143] فإنه يعني به من هداه بالتّوفيق
المذكور في قوله عزّ وجلّ: وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ
هُدىً.
والهُدَى والهِدَايَةُ في موضوع اللّغة واحد لكن قد خصّ الله
عزّ وجلّ لفظة الهدى بما تولّاه
__________
(1) الآيتان: لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ
يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ
أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ
وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَما جَعَلْنَا
الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ
يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ
وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى
اللَّهُ.
(1/838)
وأعطاه، واختصّ هو به دون ما هو إلى
الإنسان نحو: هُدىً لِلْمُتَّقِينَ [البقرة/ 2] ، أُولئِكَ
عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ [البقرة/ 5] ، هُدىً لِلنَّاسِ
[البقرة/ 185] ، فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ
تَبِعَ هُدايَ [البقرة/ 38] ، قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ
الْهُدى [الأنعام/ 71] ، وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ
[آل عمران/ 138] ، وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى
الْهُدى [الأنعام/ 35] ، إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ فَإِنَّ
اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ [النحل/ 37] ، أُولئِكَ
الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى [البقرة/ 16] .
والاهْتِدَاءُ يختصّ بما يتحرّاه الإنسان على طريق الاختيار،
إمّا في الأمور الدّنيويّة، أو الأخرويّة قال تعالى: وَهُوَ
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها [الأنعام/
97] ، وقال: إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ
وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا
يَهْتَدُونَ سَبِيلًا
[النساء/ 98] ويقال ذلك لطلب الهداية نحو: وَإِذْ آتَيْنا
مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ
[البقرة/ 53] ، وقال: فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي
وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ
[البقرة/ 150] ، فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا [آل
عمران/ 20] ، فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ
فَقَدِ اهْتَدَوْا [البقرة/ 137] .
ويقال المُهْتَدِي لمن يقتدي بعالم نحو:
أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلا
يَهْتَدُونَ [المائدة/ 104] تنبيها أنهم لا يعلمون بأنفسهم ولا
يقتدون بعالم، وقوله: فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي
لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّما أَنَا مِنَ
الْمُنْذِرِينَ [النمل/ 92] فإن الِاهْتِدَاءَ هاهنا يتناول
وجوه الاهتداء من طلب الهداية، ومن الاقتداء، ومن تحرّيها،
وكذا قوله: وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ
فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ [النمل/
24] وقوله: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ
صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى [طه/ 82] فمعناه: ثم أدام طلب الهداية،
ولم يفترّ عن تحرّيه، ولم يرجع إلى المعصية. وقوله:
الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ إلى قوله:
وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ
«1» [البقرة/ 157] أي:
الذين تحرّوا هدايته وقبلوها وعملوا بها، وقال مخبرا عنهم:
وَقالُوا يا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما
عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنا لَمُهْتَدُونَ
[الزخرف/ 49] .
والهَدْيُ مختصّ بما يُهْدَى إلى البيت. قال الأخفش «2» :
والواحدة هَدْيَةٌ، قال: ويقال للأنثى هَدْيٌ كأنه مصدر وصف
به، قال الله تعالى:
فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ
__________
(1) الآيتان: الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا:
إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ أُولئِكَ
عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ
هُمُ الْمُهْتَدُونَ.
(2) ليس هذا النقل في معاني القرآن له.
(1/839)
[البقرة/ 196] ، هَدْياً بالِغَ
الْكَعْبَةِ
[المائدة/ 95] ، وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلائِدَ [المائدة/
2] ، وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً [الفتح/ 25] .
والهَدِيَّةُ مختصّة باللُّطَف الذي يُهْدِي بعضنا إلى بعضٍ.
قال تعالى: وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ
[النمل/ 35] ، بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ
[النمل/ 36] والمِهْدَى الطّبق الذي يهدى عليه، والْمِهْدَاءُ:
من يكثر إِهْدَاءَ الهديّة، قال الشاعر:
467-
وإنّك مهداء الخنا نطف الحشا
«1» والْهَدِيُّ يقال في الهدي، وفي العروس يقال:
هَدَيْتُ العروسَ إلى زوجها، وما أحسن هَدِيَّةَ فلان
وهَدْيَهُ، أي: طريقته، وفلان يُهَادِي بين اثنين: إذا مشى
بينهما معتمدا عليهما، وتَهَادَتِ المرأة: إذا مشت مشي الهدي.
هرع
يقال هَرِعَ وأَهْرَعَ: ساقه سوقا بعنف وتخويف. قال الله
تعالى: وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ
[هود/ 78] وهَرَعَ برمحه فَتَهَرَّعَ:
إذا أشرعه سريعا، والهَرِعُ: السّريع المشي والبكاء، قيل:
والْهَرِيعُ والْهَرْعَةُ: القملة الصّغيرة.
هرت
قال تعالى: وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ
هارُوتَ وَمارُوتَ
[البقرة/ 102] قيل: هما الملكان. وقال بعض المفسّرين: هما اسما
شيطانين «2» من الإنس أو الجنّ، وجعلهما نصبا بدلا من قوله
تعالى: وَلكِنَّ الشَّياطِينَ بدل البعض من الكلّ كقولك: القوم
قالوا إنّ كذا زيد وعمرو. والْهَرْتُ: سعة الشِّدْق، يقال: فرس
هَرِيتُ الشِّدْق، وأصله من: هَرِتَ ثوبه: إذا مزّقه، ويقال:
الْهَرِيتُ: المرأة المفضاة.
هرن
هَارُونُ اسم أعجميّ، ولم يرد في شيء من كلام العرب.
هزز
الْهَزُّ: التّحريك الشّديد، يقال: هَزَزْتُ الرّمح فَاهْتَزَّ
وهَزَزْتُ فلانا للعطاء. قال تعالى: وَهُزِّي
__________
(1) البيت يروى:
وإنّك مهداء الخنا نطف النثا ... شديد السباب رافع الصوت غالبه
وهو للحسيل بن عرفطة في البيان والتبيين 3/ 202، والحيوان 3/
494.
(2) وبهذا قال أبو مسلم الأصفهاني، وكذا القرطبي، حيث قال:
وذلك أنّ اليهود قالوا: إنّ الله أنزل جبريل وميكائيل بالسحر،
فنفى الله ذلك، وفي الكلام تقديم وتأخير. التقدير: وما كفر
سليمان، وما أنزل على الملكين، ولكنّ الشياطين كفروا يعلّمون
الناس السحر ببابل هاروت وماروت، فهاروت وماروت بدل من
الشياطين. وهذا أولى ما حملت عليه الآية.
ولم يرتض الألوسي هذا، فقال: وممّا يقضي منه العجب ما قاله
القرطبي: إنّ هاروت وماروت بدل من الشياطين. وأعجب من هذا
قوله: وهذا أولى ما حملت عليه الآية. انظر: تفسير الرازي 3/
230، وتفسير القرطبي 2/ 50، وروح المعاني 1/ 342.
(1/840)
إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ [مريم/ 25]
، فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ
[النمل/ 10] ، واهْتَزَّ النّبات: إذا تحرّك لنضارته، قال
تعالى: فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ
وَرَبَتْ
[الحج/ 5] واهْتَزَّ الكوكب في انقضاضه، وسيف هَزْهَازٌ، وماء
هُزَهِزٌ ورجل هُزَهِزٌ: خفيف.
هزل
قال تعالى: إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ وَما هُوَ بِالْهَزْلِ
[الطارق/ 13- 14] الْهَزْلُ: كلّ كلام لا تحصيل له، ولا ريع
تشبيها بِالهُزَالِ.
هزؤ
الهُزْءُ: مزح في خفية، وقد يقال لما هو كالمزح، فممّا قصد به
المزح قوله: اتَّخَذُوها هُزُواً وَلَعِباً
[المائدة/ 58] ، وَإِذا عَلِمَ مِنْ آياتِنا شَيْئاً
اتَّخَذَها هُزُواً [الجاثية/ 9] ، وَإِذا رَأَوْكَ إِنْ
يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً [الفرقان/ 41] ، وَإِذا رَآكَ
الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً
[الأنبياء/ 36] ، أَتَتَّخِذُنا هُزُواً [البقرة/ 67] ، وَلا
تَتَّخِذُوا آياتِ اللَّهِ هُزُواً [البقرة/ 231] ، فقد عظّم
تبكيتهم، ونبّه على خبثهم من حيث إنه وصفهم بعد العلم بها،
والوقوف على صحّتها بأنهم يَهْزَءُونَ بها، يقال: هَزِئْتُ به،
واسْتَهْزَأْتُ، والاسْتِهْزَاءُ: ارتياد الْهُزُؤِ وإن كان قد
يعبّر به عن تعاطي الهزؤ، كالاستجابة في كونها ارتيادا
للإجابة، وإن كان قد يجري مجرى الإجابة. قال تعالى: قُلْ
أَبِاللَّهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ
[التوبة/ 65] ، وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ
[هود/ 8] ، ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ
يَسْتَهْزِؤُنَ [الحجر/ 11] ، إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللَّهِ
يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها
[النساء/ 140] ، وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ
[الأنعام/ 10] والِاسْتِهْزَاءُ من الله في الحقيقة لا يصحّ،
كما لا يصحّ من الله اللهو واللّعب، تعالى الله عنه. وقوله:
اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ
يَعْمَهُونَ [البقرة/ 15] أي: يجازيهم جزاء الهزؤ.
ومعناه: أنه أمهلهم مدّة ثمّ أخذهم مغافصة «1» ، فسمّى إمهاله
إيّاهم استهزاء من حيث إنهم اغترّوا به اغترارهم بالهزؤ، فيكون
ذلك كالاستدراج من حيث لا يعلمون، أو لأنهم استهزءوا فعرف ذلك
منهم، فصار كأنه يهزأ بهم كما قيل: من خدعك وفطنت له ولم
تعرّفه فاحترزت منه فقد خدعته. وقد روي: [أنّ
الْمُسْتَهْزِئِينَ في الدّنيا يفتح لهم باب من الجنّة فيسرعون
نحوه فإذا انتهوا إليه سدّ عليهم فذلك قوله: فَالْيَوْمَ
الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ [المطففين/
34] «2» وعلى هذه
__________
(1) غافص الرجل مغافصة وغفاصا: أخذه على غرّة بمساءة. اللسان
(غفص) .
(2) عن ابن عباس في قوله تعالى: اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ
في الآخرة، يفتح لهم باب في جهنم من الجنة، ثم يقال لهم:
تعالوا، فيقبلون يسبحون في النار، والمؤمنون على الأرائك
ينظرون إليهم، فإذا انتهوا إلى الباب سدّ عنهم فيضحك المؤمنون
منهم. أخرجه البيهقي في الأسماء والصفات ص 616.
(1/841)
الوجوه قوله عزّ وجلّ: سَخِرَ اللَّهُ
مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ [التوبة/ 79] .
هزم
أصل الهَزْمِ: غمز الشيء اليابس حتى ينحطم، كَهَزْمِ الشّنّ،
وهَزْمِ القثّاء والبطّيخ، ومنه: الهَزِيمَةُ لأنه كما يعبّر
عنه بذلك يعبّر عنه بالحطم والكسر. قال تعالى: فَهَزَمُوهُمْ
بِإِذْنِ اللَّهِ
[البقرة/ 251] ، جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ
الْأَحْزابِ
[ص/ 11] وأصابته هَازِمَةُ الدّهر. أي: كاسرة كقولهم: فاقرة،
وهَزَمَ الرّعد: تكسّر صوته، والْمِهْزَامُ: عود يجعل الصّبيان
في رأسه نارا فيلعبون به، كأنّهم يَهْزِمُونَ به الصّبيان.
ويقولون للرّجل الطّبع: هَزَمَ واهْتَزَمَ.
هشش
الْهَشُّ: يقارب الهزّ في التّحريك، ويقع على الشيء اللّيّن
كَهَشِّ الورق، أي: خبطه بالعصا.
قال تعالى: وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي
[طه/ 18] وهَشَّ الرّغيف في التّنّور يَهِشُّ، وناقة هَشُوشٌ:
ليّنة غزيرة اللّبن، وفرس هَشُوشٌ «1» :
ضدّ الصّلود، والصّلود: الذي لا يكاد يعرق.
ورجل هَشُّ الوجه: طلق المحيّا، وقد هَشَشْتُ، وهَشَّ للمعروف
يَهِشُّ، وفلان ذو هَشَاشٍ.
هشم
الْهَشْمُ: كسر الشيء الرّخو كالنّبات. قال تعالى: فَأَصْبَحَ
هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ
[الكهف/ 45] ، فَكانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ
[القمر/ 31] يقال: هَشَمَ عظمه، ومنه:
هَشَمْتُ الخبز، قال الشاعر:
468-
عمرو العلا هَشَمَ الثّريد لقومه ... ورجال مكّة مسنتون عجاف
«2» والْهَاشِمَةُ: الشّجّة تَهْشِمُ عظم الرأس، واهْتَشَمَ
كلّ ما في ضرع الناقة: إذا احتلبه ويقال: تَهَشَّمَ فلان على
فلان: تعطّف.
هضم
الْهَضْمُ: شدخ ما فيه رخاوة، يقال: هَضَمْتُهُ فَانْهَضَمَ،
وذلك كالقصبة الْمَهْضُومَةِ التي يزمّر بها، ومزمار مُهْضَمٌ.
قال تعالى: وَنَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ
[الشعراء/ 148] أي: داخل بعضه في بعض كأنما شدخ، والْهَاضُومُ:
ما يَهْضِمُ الطّعام وبطن هَضُومٌ، وكشح مِهْضَمٌ وامرأة
هَضِيمَةٌ الكشحين، واستعير الْهَضْمُ للظّلم. قال تعالى: فَلا
يَخافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً
[طه/ 112] .
__________
(1) الفرس الهش: خلاف الصّلود، وفرس هش: كثير العرق. الصحاح
(هش) .
(2) البيت لابنة هاشم بن عبد مناف، وقيل: للمطرود الخزاعي. وهو
في اللسان (هشم) ، وتهذيب اللغة 6/ 95.
(1/842)
هطع
هَطَعَ الرجل ببصره: إذا صوّبه، وبعير مُهْطِعٌ:
إذا صوّب عنقه. قال تعالى: مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ
لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ
[إبراهيم/ 43] ، مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ
[القمر/ 8] .
هلل
الْهِلَالُ: القمر في أوّل ليلة والثّانية، ثم يقال له القمر،
ولا يقال: له هِلَالٌ، وجمعه: أَهِلَّةٌ، قال الله تعالى:
يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ
لِلنَّاسِ وَالْحَجِ
[البقرة/ 189] وقد كانوا سألوه عن علّة تَهَلُّلِهِ وتغيّره.
وشبّه به في الهيئة السّنان الذي يصاد به وله شعبتان كرمي
الهلال، وضرب من الحيّات، والماء المستدير القليل في أسفل
الرّكيّ، وطرف الرّحا، فيقال لكلّ واحد منهما: هِلَالٌ،
وأَهَلَّ الهلال: رؤي، واسْتَهَلَّ: طلب رؤيته. ثم قد يعبّر عن
الْإِهْلَالِ بِالاسْتِهْلَالِ نحو: الإجابة والاستجابة،
والإهْلالُ: رفع الصّوت عند رؤية الهلال، ثم استعمل لكلّ صوت،
وبه شبّه إِهْلَالُ الصّبيّ، وقوله: وَما أُهِلَّ بِهِ
لِغَيْرِ اللَّهِ
[البقرة/ 173] أي: ما ذكر عليه غير اسم الله، وهو ما كان يذبح
لأجل الأصنام، وقيل: الْإِهْلَالُ والتَّهَلُّلُ: أن يقول لا
إله إلّا الله، ومن هذه الجملة ركّبت هذه اللّفظة كقولهم:
التّبسمل والبسملة «1» ، والتّحولق والحوقلة إذا قال بسم الله
الرحمن الرحيم، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله، ومنه
الْإِهْلَالُ بالحجّ، وتَهَلَّلَ السّحاب ببرقه: تلألأ، ويشبّه
في ذلك بالهلال، وثوب مُهَلَّلٌ: سخيف النّسج، ومنه شعر
مُهَلْهَلٌ.
هَلْ: حرف استخبار، إما على سبيل الاستفهام، وذلك لا يكون من
الله عزّ وجلّ: قال تعالى: قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ
فَتُخْرِجُوهُ لَنا
[الأنعام/ 148] وإمّا على التّقرير تنبيها، أو تبكيتا، أو
نفيا. نحو: هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ
لَهُمْ رِكْزاً
[مريم/ 98] . وقوله:
هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا
[مريم/ 65] ، فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ
[الملك/ 3] كلّ ذلك تنبيه على النّفي. وقوله تعالى: هَلْ
يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ
الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ
[البقرة/ 210] ، لْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ
الْمَلائِكَةُ
[النحل/ 33] ، هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ [الزخرف/
66] ، هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ [سبأ/ 33]
، هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ [الأنبياء/ 3] قيل:
ذلك تنبيه على قدرة الله، وتخويف من سطوته.
هلك
الْهَلَاكُ على ثلاثة «2» أوجه:
__________
(1) وهذا يسمّى في اللغة النحت. انظر الصاحبي ص 461، والمزهر
1/ 482.
(2) في المطبوعة: ذكر أن الهلاك على ثلاثة أوجه، ثم عدّها
أربعة، وتبعه في ذلك الفيروزآبادي في البصائر. لكن نجد أن
السمين قال: الهلاك على أربعة أوجه، وذكرها. انظر: عمدة الحفاظ
(هلك) . [.....]
(1/843)
افتقاد الشيء عنك، وهو عند غيرك موجود
كقوله تعالى: هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ
[الحاقة/ 29] .
- وهَلَاكِ الشيء باستحالة وفساد كقوله:
وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ
[البقرة/ 205] ويقال: هَلَكَ الطعام.
والثالث: الموت كقوله: إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ
[النساء/ 176] وقال تعالى مخبرا عن الكفّار:
وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ
[الجاثية/ 24] .
ولم يذكر الله الموت بلفظ الهلاك حيث لم يقصد الذّمّ إلّا في
هذا الموضع، وفي قوله:
وَلَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّناتِ فَما
زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذا هَلَكَ
قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا
[غافر/ 34] ، وذلك لفائدة يختصّ ذكرها بما بعد هذا الكتاب.
والرابع: بطلان الشيء من العالم وعدمه رأسا، وذلك المسمّى فناء
المشار إليه بقوله:
كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ
[القصص/ 88] ويقال للعذاب والخوف والفقر: الهَلَاكُ، وعلى هذا
قوله: وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما
يَشْعُرُونَ
[الأنعام/ 26] ، وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ
[مريم/ 74] ، وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها
[الأعراف/ 4] ، فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها [الحج/
45] ، أَفَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ
[الأعراف/ 173] ، أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا
[الأعراف/ 155] . وقوله:
فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ [الأحقاف/ 35]
هو الهلاك الأكبر الذي دلّ النبيّ صلّى الله عليه وسلم بقوله:
«لا شرّ كشرّ بعده النّار» «1» ، وقوله تعالى: ما شَهِدْنا
مَهْلِكَ أَهْلِهِ
[النمل/ 49] . والْهُلْكُ بالضّمّ: الْإِهْلَاكُ،
وَالتَّهْلُكَةُ: ما يؤدّي إلى الهلاك، قال تعالى: وَلا
تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [البقرة/ 195]
وامرأة هَلُوكٌ: كأنها تَتَهَالَكُ في مشيها كما قال الشاعر:
469-
مريضات أو بات التّهادي كأنّما ... تخاف على أحشائها أن تقطّعا
«2» وكنّي بِالْهَلُوكِ عن الفاجرة لتمايلها، والهَالِكِيُّ:
كان حدّادا من قبيلة هَالِكٍ، فسمّي كلّ حدّاد هالكيّا،
والْهُلْكُ: الشيء الهالك.
هلم
هَلُمَّ دعاء إلى الشيء، وفيه قولان:
__________
(1) لم أجده، وقد تقدّم ص 300.
(2) البيت لمسلم بن الوليد في الحماسة البصرية 2/ 220،
والحيوان 4/ 259.
البيت نسبه المؤلف في المحاضرات للسعيد، وبعده:
تسيب انسياب الأيم أخضره الندى ... يرّفع من أطرافه ما ترفعا
انظر: محاضرات الأدباء 2/ 139، والحيوان للجاحظ 4/ 259، وعمدة
الحفاظ (هلك) ، وتفسير الراغب ورقة 129.
(1/844)
أحدهما: أنّ أصله هَا لُمَّ «1» . من:
قولهم:
لممت الشيء. أي: أصلحته، فحذف ألفها فقيل: هلمّ.
وقيل أصله هل أمّ «2» ، كأنه قيل: هل لك في كذا أمّه. أي:
قصده، فركّبا. قال عزّ وجلّ:
وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا [الأحزاب/ 18]
، فمنهم من تركه على حالته في التّثنية والجمع، وبه ورد
القرآن، ومنهم من قال: هَلُمَّا، وهَلُمُّوا، وهَلُمِّي،
وهَلْمُمْنَ «3» .
همم
الهَمُّ الحَزَنُ الذي يذيب الإنسان. يقال:
هَمَمْتُ الشّحم فَانْهَمَّ، والهَمُّ: ما هممت به في نفسك،
وهو الأصل، ولذا قال الشاعر:
470-
وهمّك ما لم تمضه لك منصب
«4» قال الله تعالى: إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا
[المائدة/ 11] ، وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها
[يوسف/ 24] ، إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ [آل عمران/
122] ، لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ
[النساء/ 113] ، وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا
[التوبة/ 74] ، وَهَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ [التوبة/ 13]
، وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ [غافر/ 5]
وأَهَمَّنِي كذا. أي: حملني على أن أَهِمَّ به. قال الله
تعالى: وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ
[آل عمران/ 154] ويقال: هذا رجل هَمُّكَ من رجل «5» ،
وهِمَّتُكَ من رجل، كما تقول: ناهيك من رجل. والْهَوَامُّ:
حشرات الأرض، ورجل هِمٌّ، وامرأة هِمَّةٌ. أي: كبير، قد
هَمَّهُ العمر. أي: أذابه.
همد
يقال: هَمَدَتِ النّارُ: طفئت، ومنه: أرض هَامِدَةٌ: لا نبات
فيها، ونبات هَامِدٌ: يابس. قال تعالى: وَتَرَى الْأَرْضَ
هامِدَةً [الحج/ 5] والإِهْمَادُ: الإقامة بالمكان كأنّه صار
ذا هَمَدٍ، وقيل:
الإِهْمَادُ السّرعة، فإن يكن ذلك صحيحا فهو كالإشكاء في كونه
تارة لإزالة الشكوى، وتارة لإثبات الشّكوى.
همر
الهَمْرُ: صبّ الدّمع والماء، يقال: هَمَرَهُ فَانْهَمَرَ. قال
تعالى: فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ
[القمر/ 11] وهَمَرَ ما في الضّرع:
حلبه كلّه، وهَمَرَ الرجل في الكلام، وفلان يُهَامِرُ
__________
(1) وهذا قول الخليل.
(2) وهذا مذهب الفراء. انظر: اللسان (هلم) .
(3) قال سيبويه: هلمّ في لغة أهل الحجاز يكون للواحد،
والاثنين، والجمع، والذكر، والأنثى بلفظ واحد. وأهل نجد
يصرّفونها. اللسان: هلم، والعين 4/ 56.
(4) العجز في الدر المصون 3/ 382، وعمدة الحفاظ (همّ) دون
نسبة، وهو لحذيفة بن أنس الهذلي، وشطره:
[وكان لهم في أهل نعمان بغية]
وقيل: هو لساعدة بن جؤية الهذلي. انظر شرح أشعار الهذليين 2/
559.
(5) انظر: المجمل 4/ 892.
(1/845)
الشيء أي: يجرفه، ومنه: هَمَرَ له من ماله:
أعطاه، والهَمِيرَةُ: العجوز.
همز
الْهَمْزُ كالعصر. يقال: هَمَزْتُ الشيء في كفّي، ومنه:
الْهَمْزُ في الحرف، وهَمْزُ الإنسان:
اغتيابه. قال تعالى: هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ
[القلم/ 11] يقال: رجل هَامِزٌ، وهَمَّازٌ، وهُمَزَةٌ.
قال تعالى: وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ
[الهمزة/ 1] وقال الشّاعر:
471-
وإن اغتيب فأنت الْهَامِزُ اللُّمَزَهْ
«1» وقال تعالى: وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ
الشَّياطِينِ
[المؤمنون/ 97] .
همس
الْهَمْسُ: الصوت الخفيّ، وهَمْسُ الأقدام:
أخفى ما يكون من صوتها. قال تعالى: فَلا تَسْمَعُ إِلَّا
هَمْساً
[طه/ 108] .
هنا
هُنَا يقع إشارة إلى الزمان، والمكان القريب، والمكان أملك به،
يقال: هُنَا، وهُنَاكَ، وهُنَالِكَ، كقولك: ذا، وذاك، وذلك.
قال الله تعالى:
جُنْدٌ ما هُنالِكَ [ص/ 11] ، إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ
[المائدة/ 24] ، هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ
[يونس/ 30] ، هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ [الأحزاب/ 11]
، هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ [الكهف/ 44] ،
فَغُلِبُوا هُنالِكَ [الأعراف/ 119] .
هن
هَنٌ: كناية عن الفرج وغيره مما يستقبح ذكره، وفي فلان
هَنَاتٌ. أي: خصال سوء، وعلى هذا ما روي: «سيكون هَنَاتٌ» «2»
، قال تعالى: إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ [المائدة/ 24] .
هنأ
الْهَنِيءُ: كلّ ما لا يلحق فيه مشقّة، ولا يعقب وخامة. وأصله
في الطّعام يقال: هَنِئَ الطّعامُ فهو هَنِيءٌ. قال عزّ وجلّ:
فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً
[النساء/ 4] ، كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ
[الحاقة/ 24] ، كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ
تَعْمَلُونَ [المرسلات/ 43] ، والهِنَاءُ:
ضرب من القطران، يقال: هَنَأْتُ الإبلَ، فهي مَهْنُوءَةٌ.
هود
الْهَوْدُ: الرّجوع برفق، ومنه: التَّهْوِيدُ، وهو
__________
(1) العجز لزيادة الأعجم، وصدره:
تدلي بودّي إذا لاقيتني كذبا
وهو في مجاز القرآن 2/ 311، وتفسير الطبري 30/ 161، وتفسير
القرطبي 20/ 182، واللسان (همز) .
(2) عن عرفجة بن أسعد أنه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه
وسلم يقول: «إنّه ستكون هنات وهنات، فمن أراد أن يفرّق أمر هذه
الأمة وهم جميع فاضربوه بالسيف، كائنا من كان» أخرجه أحمد 2/
24، ومسلم في الإمارة رقم 59.
(1/846)
مشي كالدّبيب، وصار الْهَوْدُ في التّعارف
التّوبة.
قال تعالى: إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ
[الأعراف/ 156] أي: تبنا، قال بعضهم: يَهُودُ في الأصل من
قولهم: هُدْنَا إليك، وكان اسم مدح، ثم صار بعد نسخ شريعتهم
لازما لهم وإن لم يكن فيه معنى المدح، كما أنّ النصارى في
الأصل من قوله: مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ [الصف/ 14] ثم
صار لازما لهم بعد نسخ شريعتهم. ويقال:
هَادَ فلان: إذا تحرّى طريقة الْيَهُودِ في الدّين، قال الله
عزّ وجلّ: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا
[البقرة/ 62] والاسم العلم قد يتصوّر منه معنى ما يتعاطاه
المسمّى به. أي: المنسوب إليه، ثم يشتقّ منه. نحو: قولهم تفرعن
فلان، وتطفّل: إذا فعل فعل فرعون في الجور، وفعل طفيل في إتيان
الدّعوات من غير استدعاء، وتَهَوَّدَ في مشيه: إذا مشى مشيا
رفيقا تشبيها باليهود في حركتهم عند القراءة، وكذا: هَوَّدَ
الرّائض الدابّة: سيّرها برفق، وهُودٌ في الأصل جمع هَائِدٍ.
أي: تائب وهو اسم نبيّ عليه السلام.
هار
يقال: هَارَ البناء، وتَهَوَّرَ: إذا سقط نحو:
انْهَارَ. قال تعالى: عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بِهِ
فِي نارِ جَهَنَّمَ
[التوبة/ 109] وقرئ:
(هَائِرٌ) «1» . يقال: بئر هَائِرٌ، وهَارٌ، وهَارٍ، ومُهَارٌ،
ويقال: انْهَارَ فلان: إذا سقط من مكان عال، ورجل هَارٍ
وهَائِرٌ: ضعيف في أمره تشبيها بالبئر الهَائِرِ، وتَهَوَّرَ
الليل: اشتدّ ظلامه، وتَهَوَّرَ الشّتاءُ: ذهب أكثره، وقيل:
تَهَيَّرَ، وقيل: تَهَيَّرَهُ فهذا من الياء، ولو كان من الواو
لقيل تهوّره.
هيت
هَيْتَ: قريب من هلمّ، وقرئ: هَيْتَ لَكَ
«2» : أي: تهيّأت لك، ويقال: هَيْتَ به وتَهَيَّتْ: إذا قالت:
هَيْتَ لك. قال الله تعالى:
وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ
[يوسف/ 23] .
يقال: هَاتِ، وهَاتِيَا، وهَاتُوا. قال تعالى:
قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ [البقرة/ 111] قال الفرّاء: ليس في
كلامهم هاتيت، وإنما ذلك في ألسن الحيرة «3» ، قال: ولا يقال
لا تهات. وقال الخليل «4» : المُهَاتَاةُ والهتاءُ مصدر هات.
هيهات
هَيْهَاتَ كلمة تستعمل لتبعيد الشيء، يقال:
هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ، وهَيْهَاتاً، ومنه قوله عزّ وجلّ:
__________
(1) وهي قراءة شاذة.
(2) وبها قرأ ابن كثير. الإتحاف ص 263.
(3) انظر: اللسان (هيت) .
(4) العين 4/ 80.
(1/847)
هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ
[المؤمنون/ 36] قال الزجاج: البعد لما توعدون «1» ، وقال غيره:
غلط الزجاج واستهواه اللام، فإن تقديره بعد الأمر والوعد لما
توعدون. أي: لأجله، وفي ذلك لغات: هَيْهَاتَ وهَيْهَاتِ
وهَيْهَاتاً وهَيْهَا، وقال الفسويّ «2» : هَيْهَاتِ بالكسر،
جمع هَيْهَاتَ بالفتح.
هاج
يقال: هَاجَ البقل يَهِيجُ: اصفرّ وطاب، قال عزّ وجلّ: ثُمَّ
يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا [الزمر/ 21] وأَهْيَجَتِ الأرضُ:
صار فيها كذلك، وهَاجَ الدّم والفحل هَيْجاً وهَيَاجاً،
وهَيَّجَتِ الشّرّ والحرب، والْهَيْجَاءُ: الحرب وقد يقصر،
وهَيَّجْتُ البعيرَ: أَثَرْتُهُ.
هيم
يقال: رجل هَيْمَانُ، وهَائِمٌ: شديد العطش، وهَامَ على وجهه:
ذهب، وجمعه: هِيمٌ، قال تعالى: فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ
[الواقعة/ 55] والْهُيَامُ: داء يأخذ الإبل من العطش، ويضرب به
المثل فيمن اشتدّ به العشق، قال:
أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ
[الشعراء/ 225] أي: في كلّ نوع من الكلام يغلون في المدح
والذّمّ، وسائر الأنواع المختلفات، ومنه: الْهَائِمُ على وجهه
المخالف للقصد الذاهب على وجهه، وهَامَ: ذهب في الأرض، واشتدّ
عشقه، وعطش، والْهِيمُ: الإبل العطاش، وكذلك الرّمال تبتلع
الماء، والْهِيَامُ من الرمل:
اليابس، كأنّ به عطشا.
هان
الْهَوَانُ على وجهين:
أحدهما: تذلّل الإنسان في نفسه لما لا يلحق به غضاضة، فيمدح به
نحو قوله: وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى
الْأَرْضِ هَوْناً
[الفرقان/ 63] ونحو ما روي عن النبيّ صلّى الله عليه وسلم:
«المؤمن هَيِّنٌ ليّن» «3» .
الثاني: أن يكون من جهة متسلّط مستخفّ به
__________
(1) عبارة الزّجاج: فمن قال: هيهات ما قلت، فمعناه: البعد ما
قلت، ومن قال: هيهات لما قلت، فمعناه: البعد لقولك. وبذا يظهر
تصرف المؤلف بالعبارة. انظر: معاني القرآني للزجاج 4/ 13.
[.....]
(2) هو أبو علي الفارسي، وعبارته: ألا ترى أنّ من فتح هيهات في
الواحد قال في جمعه: هيهات فكسر، فجعله في كسر التاء في جمعه
بمنزلة ما كان الواحد منه منصوبا. المسائل الحلبيات ص 309.
(3) عن مكحول مرسلا قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم:
«المؤمنون هينون لينون كالجمل الأنف، إن قيد انقاد، وإن أنيخ
على صخرة استناخ» . أخرجه ابن المبارك في الزهد ص 130، والبغوي
في شرح السنة 13/ 86، وأحمد في الزهد ص 463 من قول مكحول،
ومثله أبو نعيم في الحلية 5/ 180.
وقال العجلوني: أخرجه البيهقي والقضاعي والعسكري عن ابن عمر
مرفوعا. انظر: كشف الخفاء 2/ 290.
(1/848)
فيذمّ به. وعلى الثاني قوله تعالى:
الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ
[الأنعام/ 93] ، فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ
[فصلت/ 17] ، وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ
[البقرة/ 90] ، وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ [آل عمران/ 178] ،
فَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ [الحج/ 57] ، وَمَنْ يُهِنِ
اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ
[الحج/ 18] ويقال: هانَ الأمْرُ على فلان:
سهل. قال الله تعالى: هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ [مريم/ 21] ،
وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ
[الروم/ 27] ، وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً [النور/ 15]
والْهَاوُونَ: فاعول من الهون، ولا يقال هارون، لأنه ليس في
كلامهم فاعل.
هوى
الْهَوَى: ميل النفس إلى الشهوة. ويقال ذلك للنّفس المائلة إلى
الشّهوة، وقيل: سمّي بذلك لأنّه يَهْوِي بصاحبه في الدّنيا إلى
كلّ داهية، وفي الآخرة إلى الهَاوِيَةِ، وَالْهُوِيُّ: سقوط من
علو إلى سفل، وقوله عزّ وجلّ: فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ
[القارعة/ 9] قيل: هو مثل قولهم: هَوَتْ أمّه أي: ثكلت. وقيل:
معناه مقرّه النار، والْهَاوِيَةُ:
هي النار، وقيل: وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ
[إبراهيم/ 43] أي: خالية كقوله: وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى
فارِغاً [القصص/ 10] وقد عظّم الله تعالى ذمّ اتّباع الهوى،
فقال تعالى: أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ
[الجاثية/ 23] ، وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى
[ص/ 26] ، وَاتَّبَعَ هَواهُ [الأعراف/ 176] وقوله: وَلَئِنِ
اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ
[البقرة/ 120] فإنما قاله بلفظ الجمع تنبيها على أنّ لكلّ واحد
هوى غير هوى الآخر، ثم هوى كلّ واحد لا يتناهى، فإذا اتّباع
أهوائهم نهاية الضّلال والحيرة، وقال عزّ وجلّ:
وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ [الجاثية/
18] ، كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ
[الأنعام/ 71] أي: حملته على اتّباع الهوى. وَلا تَتَّبِعُوا
أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا [المائدة/ 77] ، قُلْ لا
أَتَّبِعُ أَهْواءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ [الأنعام/ 56] ، وَلا
تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ
[الشورى/ 15] ، وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ
بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ [القصص/ 50] والهُوِيُّ:
ذهاب في انحدار، والْهَوِيُّ: ذهاب في ارتفاع، قال الشاعر:
472-
يَهْوِي محارمها هويّ الأجدل
«1» والْهَوَاءُ: ما بين الأرض والسماء، وقد حمل
__________
(1) العجز في البصائر 5/ 360 دون نسبة من المحقق، وأساس
البلاغة (هوى) ، دون نسبة أيضا. وشطره الأول:
وإذا رميت به الفجاج رأيته وهو لأبي كبير الهذلي، في ديوان
الهذليين 2/ 94، والمجمل 4/ 893. [استدراك] .
(1/849)
على ذلك قوله: وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ
[إبراهيم/ 43] إذ هي بمنزلة الهواء في الخلاء. ورأيتهم يتهاوون
في المَهْوَاةِ أي: يتساقطون بعضهم في أثر بعض، وَأَهْواهُ،
أي: رفعه في الهواء وأسقطه، قال تعالى: وَالْمُؤْتَفِكَةَ
أَهْوى [النجم/ 53] .
هيأ
الْهَيْئَةُ: الحالة التي يكون عليها الشيء، محسوسة كانت أو
معقولة، لكن في المحسوس أكثر. قال تعالى: أَنِّي أَخْلُقُ
لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ [آل عمران/ 49] ،
وَالمُهايأَةُ:
ما يَتَهَيَّأُ القوم له فيتراضون عليه على وجه التّخمين، قال
تعالى: وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً
[الكهف/ 10] ، وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً
[الكهف/ 16] وقيل: هَيَّاكَ أن تفعل كذا. بمعنى: إيّاك، قال
الشاعر:
473-
هيّاك هيّاك وحنواء العنق
«1»
ها
هَا للتنبيه في قولهم: هذا وهذه، وقد ركّب مع ذا وذه وأولاء
حتى صار معها بمنزلة حرف منها، و (ها) في قوله تعالى: ها
أَنْتُمْ
[آل عمران/ 66] استفهام، قال تعالى: ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ
حاجَجْتُمْ [آل عمران/ 66] ، ها أَنْتُمْ أُولاءِ
تُحِبُّونَهُمْ [آل عمران/ 119] ، هؤُلاءِ جادَلْتُمْ
[النساء/ 109] ، ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ
أَنْفُسَكُمْ [البقرة/ 85] ، لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى
هؤُلاءِ [النساء/ 143] .
و «هَا» كلمة «2» في معنى الأخذ، وهو نقيض:
هات. أي: أعط، يقال: هَاؤُمُ، وهَاؤُمَا، وهَاؤُمُوا، وفيه لغة
أخرى: هَاءِ، وهَاءَا، وهَاءُوا، وهَائِي، وهَأْنَ، نحو:
خَفْنَ وقيل: هَاكَ، ثمّ يثنّى الكاف ويجمع ويؤنّث قال تعالى:
هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ [الحاقة/ 19] وقيل: هذه أسماء
الأفعال، يقال: هَاءَ يَهَاءُ نحو: خاف يخاف «3» ، وقيل:
__________
(1) في اللسان:
يا خال هلّا قلت إذا أعطيتها ... هيّاك هيّاك وحنواء العنق
أعطيتنيها فانيا أضراسها ... لو تعلف البيض به لم ينفلق
ولم ينسبهما.
(2) قال الأزهري: والعرب تقول أيضا: ها، إذا أجابوا داعيا،
يصلون الهاء بألف تطويلا للصوت. انظر: تهذيب اللغة 6/ 485.
(3) قال ابن جني: وفيها لغة رابعة، وهي قولك للرجل: هأ بوزن
هع، وللمرأة هائي، بوزن هاعي، وللاثنين والاثنتين:
هاءا، بوزن هاعا، وللمذكّرين: هاءوا، بوزن: هاعوا، وللنساء:
هأن، بوزن هعن، فهذه اللغة تتصرف تصرف خف، وخافي، وخافا،
وخافوا، وخفن، وهي لغة مع ما ذكرناه قليلة. انظر: سر صناعة
الإعراب 1/ 319.
(1/850)
هَاءَى يُهَائِي، مثل: نادى ينادي، وقيل:
إِهَاءُ نحو: إخالُ.
هُوَ «1» : كناية عن اسم مذكّر، والأصل: الهاء، والواو زائدة
صلة للضمير، وتقوية له، لأنها الهاء التي في: ضربته، ومنهم من
يقول: هُوَّ مثقّل، ومن العرب من يخفّف ويسكّن، فيقال: هُو.
تمّ كتاب الهاء
__________
(1) هذا الفصل زيادة في نسخة المحمودية رقم (218) .
(1/851)
|