الناسخ والمنسوخ للقاسم بن سلام محققا

باب الجهاد وناسخه ومنسوخه
قال أبو عبيد: وجدنا نسخ الجهاد في أربع خلال: منها اثنتان في القتال وثالثة في الأسارى ورابعة في المغانم. فأما اللتان في القتال فإن الأولى منهما إذن الله عز وجل لنبيه- صلّى الله عليه- وللمسلمين في جهاد المشركين بعد أن كان ذلك ممنوعا منهما (1) عنه قبل الهجرة ثم أذن الله عز وجل فيه بعدها.
354 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا محمد بن كثير عن معمر بن راشد عن الزهري قال: أول آية نزلت في القتال قول الله عز وجل:
أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (2) إلى قوله:
إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (3) قال: ثم ذكر القتال في آي كثير من القرآن (4).
355 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: (5) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (6) وقوله عز وجل: وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ (7) وقوله
__________
(1) هكذا في المخطوط والصواب «منهيا» من النهي.
(2) سورة الحج آية 39.
(3) سورة الحج آية 40.
(4) روى نحوه الحاكم قولا لابن عباس وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي: المستدرك 2/ 390.
وروى الإمام أحمد نحوه أيضا من قول ابن عباس. المسند 1/ 216.
(5) العبارة ابتداء من آية لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ إلى آخر الآية وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ كتبها الناسخ فى هامش المخطوط وأشار إلى ذلك فأعدناها إلى موضعها.
(6) سورة الغاشية آية 22.
(7) سورة ق آية 45.

(1/190)


عز وجل: فَاعْفُ عَنْهُمْ (1) وقوله عز وجل: قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ (2). قال: نسخ هذا كلّه قوله: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ (3) وقوله عز وجل: قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ إلى قوله: وَهُمْ صاغِرُونَ (4) (5).
قال أبو عبيد: ثم ندب الله عز وجل المؤمنين إلى الجهاد وحضهم عليه بأكثر من الإذن حتى عاتب (6) أهل التخلف عنه وإن كان تخلفهم باستئذان منهم النبي- صلى الله عليه- في ذلك.
356 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ (7) قال: هذا تعيير للمنافقين حين استأذنوه في القعود عن الجهاد من غير عذر، وعذر الله المؤمنين، فقال:
وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ (8) (9).
__________
(1) سورة المائدة آية (13).
(2) سورة الجاثية آية 14.
(3) سورة التوبة آية 5.
(4) سورة التوبة آية 29.
(5) رواه البيهقي فى السنن الكبرى ج 9، كتاب السير «باب ما جاء في نسخ العفو عن المشركين» ص 11.
قلت: والأثر صحيح، ورجاله ثقات، بل إسناده من أصح الطرق عن ابن عباس. انظر المقدمة أثر (3).
(6) كتبت في المخطوط: حتى عاب، وفوقها تصويب حتى عاتب، فأثبتنا الصواب.
(7) سورة التوبة آية 45.
(8) سورة النور آية 62.
(9) رواه الطبري فى جامع البيان ج 14 أثر (16768) ص 275 تحقيق محمود محمد شاكر.
ورواه النحاس في ناسخه «باب ذكر الآية السادسة من التوبة» ورقة 179 من المخطوط.

(1/191)


357 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا حجاج (1) عن ابن جريج وعثمان بن عطاء عن عطاء الخراساني عن ابن عباس في هذه الآية قال الله عز وجل: إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قال:
نسختها وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ الآية قال:
فجعل الله عز وجل النبي- صلى الله عليه- بأعلى النظرين في ذلك (2).
قال أبو عبيد: ثم وكّد الله عز وجل الجهاد على المؤمنين حتى أوجب على كل رجل منهم مجاهدة عشرة من الكفار، فلما صار إلى التخفف (3) عنهم ووصفهم بالضعف نسخ ذلك بأن ألزم كل رجل من أهل الإيمان لقاء رجلين من أهل الشرك ولم يرض منهم بأقل منه.
__________
(1) هو حجاج بن محمد المصيصي.
(2) روى نحوه البيهقي من طريق يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس: السنن الكبرى ج 9 كتاب السير باب الاستئذان في القفول بعد النبي ص 173.
وروى نحوه ابن الجوزي في نواسخ القرآن من طريقين، أحدهما طريق عثمان بن عطاء عن أبيه، والثاني من طريق عكرمة، ثم قال ابن الجوزي بعد ايراده لأثر ابن عباس: قلت فالصحيح أنه ليس للنسخ هاهنا مدخل لإمكان العمل بالآيتين، وذلك أنه إنما عاب على المنافقين أن يستأذنوه فى القعود عن الجهاد من غير عذر وأجاز للمؤمنين الاستئذان لما يعرض لهم من حاجة، وكان المنافقون إذا كانوا معه فعرضت لهم حاجة ذهبوا من غير استئذان وإلى هذا ذهب أبو جعفر بن جرير وأبو سليمان الدمشقي-.
نواسخ القرآن ج 2 ذكر الآية السابعة من سورة التوبة ص 475، 477 تحقيق محمد أشرف علي.
قلت: وللسلف مصطلح في الناسخ والمنسوخ أشمل وأوسع من مدلول الخلف ومصطلحهم فهم يطلقون على الاستثناء وتخصيص النص العام وتبيين المجمل وتقييد المطلق وأيضا رفع حكم شرعي ثابت بالدليل بحكم شرعي آخر ثبت بدليل متراخ عن دليل الحكم الأول يطلقون على ذلك كله نسخا، وإذا عرفت ذلك تبين لك أن مراد ابن عباس في وقوع النسخ في آية الاستئذان تلك ليس إلا تخصيص آية النور لآية التوبة.
(3) هكذا في المخطوط «التخفف» بلا ياء.

(1/192)


358 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا حجاج (1) عن ابن جريج وعثمان بن عطاء عن عطاء الخراساني عن ابن عباس في قوله: إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ (2) الآية قال: فنسخها قوله عز وجل: الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً إلى قوله: مَعَ الصَّابِرِينَ (3) (4).
359 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في هذه الآية، قال: أمر الله عز وجل الرجل من المؤمنين أن يقاتل عشرة من الكفار فشق ذلك عليهم فرحمهم فقال: فَإِنْ يَكُنْ (5) مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ الآية.
360 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم (6) عن ابن أبي نجيح عن عطاء (7) عن ابن عباس قال: أيما رجل فرّ من
__________
(1) هو حجاج بن محمد المصيصي.
(2) سورة الأنفال آية 65.
(3) سورة الأنفال آية 66.
(4) روى نحوه الطبري من طريق علي بن أبي طلحة: جامع البيان ج 14 أثر (16272) ص 52 تحقيق محمود محمد شاكر.
وروى نحوه البيهقي فى السنن الكبرى ج 9، كتاب السّير «باب تحريم الفرار من الزحف» ص 76 وروى نحوه البخاري في الصحيح ج 5، كتاب التفسير ص 201 «باب قوله تعالى الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ. سورة الأنفال. قلت: وليس في رواية البيهقي ولا البخاري ذكر النسخ إنما الذي فيهما:
التخفيف، والمعنى متقارب».
(5) إن تكن: فيها قراءتان سبعيتان بالياء والتاء- انظر حاشية الجمل على الجلالين 2/ 256.
(6) هو إسماعيل بن إبراهيم علية.
(7) هو عطاء بن أبي رباح.

(1/193)


ثلاثة فلم (1) يفرّ فإن فرّ من اثنين فقد فرّ (2).
قال أبو عبيد: معنى هذا الحديث تأويل هذه الآية، ثم زاد الله الجهاد بعد هذا كله تغليظا وتوكيدا بأن قطع الموادعات التي كانت بين رسول الله- صلى الله عليه- وبين من عاهد من المشركين، فأمره أن يؤذنهم في براءة بالحرب بعد انقضاء المدة التي وقتها لهم وهي الأربعة الأشهر.
361 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا حجاج (3) عن ابن جريج وعثمان بن عطاء عن عطاء الخراساني عن ابن عباس في قوله: وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ (4) قال: نسختها قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ إلى قوله: وَهُمْ صاغِرُونَ (5).
__________
(1) هكذا في المخطوط (فلم) ولعل الصواب «لم».
(2) روى نحوه البيهقي فى السنن الكبرى ج 9، كتاب السّير «باب تحريم الفرار من الزحف وصبر الواحد مع الاثنين» ص 76.
(3) هو حجاج المصيصي.
(4) سورة الأنفال آية 61.
(5) رواه البيهقي فى السنن الكبرى ج 9، كتاب السّير «باب ما جاء في نسخ العفو عن المشركين ونسخ النهي عن القتال» ص 11.
قال أبو جعفر الطبري بعد إيراده للروايات القائلة بنسخ آية: وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ والمروية عن قتادة وعكرمة والحسن وابن زيد: فأما ما قاله قتادة ومن قال مثل قوله من أن هذه الآية منسوخة فقول لا دلالة عليه من كتاب ولا سنة ولا فطرة عقل، وقد دللنا في غير موضع من كتابنا هذا وغيره على أن الناسخ لا يكون إلا ما نفى حكم المنسوخ من كل وجه، فأما ما كان بخلاف ذلك فغير كائن ناسخا وقول الله في براءة: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ غير ناف حكمه حكم قوله وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لأن قوله وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ إنما عني به بنو قريظة وكانوا يهودا أهل كتاب وقد أذن الله جل ثناؤه للمؤمنين بصلح أهل الكتاب ومتاركتهم الحرب على أخذ الجزية منهم، وأما قوله فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ فإنما عني به مشركو العرب من عبدة الأوثان الذين لا يجوز قبول الجزية منهم فليس فى إحدى الآيتين نفي حكم الأخرى بل كل واحدة منهما محكمة فيما أنزلت فيه. أ. هـ.
(جامع البيان 14/ 42 - 43 تحقيق محمود شاكر).

(1/194)


362 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله عز وجل:
فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ (1) قال: حدّ الله عز وجل للذين عاهدوا رسول الله- صلى الله عليه- أربعة أشهر يسيحون فيها حيث شاءوا وأجلّ من ليس له عهد انسلاخ الأشهر الحرم خمسين ليلة، وقال: فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ. قال: وأمره إذا انسلخ الأشهر الحرم أن يضع السيف فيمن عاهد إن لم يدخلوا في الإسلام ونقض ما سمى لهم من العهد والميثاق فأذهب الشرط الأول ثم قال: إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ يعني أهل مكة، فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (2) (3).
363 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا حجاج (4) عن ابن جريج عن مجاهد في هذه الآية قال: فأرسل رسول الله- صلى الله عليه- أبا بكر وعليا فطافا في الناس بذي المجاز (5) وأمكنتهم التي كانوا فيها يتبايعون فيها كلها والموسم كله فآذنوا أصحاب العهد أن يأمنوا أربعة أشهر فهي الأشهر الحرم المنسلخات المتواليات من عشر ذي الحجة إلى عشر يخلون (6) من ربيع الآخر ثم
__________
(1) سورة التوبة آية 2.
(2) سورة التوبة آية 7.
(3) روى نحوه الطبري فى جامع البيان ج 14 الأثران (16357)، (16494) ص 98، 143، تحقيق محمود شاكر.
(4) هو حجاج بن محمد المصيصي.
(5) ذو المجاز: موضع سوق بعرفة على بعد فرسخ منها كانت تقوم في الجاهلية ثمانية أيام.
(معجم البلدان 5/ 55).
(6) في المخطوط «يخلو» بلا نون، والصواب ما أثبتناه لأنه فعل مضارع مرفوع بثبوت النون.
وقد جاء الفعل مقرونا بالنون عند الطبري.

(1/195)


لا عهد لهم، قال: وهي الحرم من أجل أنهم أأمنوا فيها حتى يسيحونها، وآذن الله الناس كلهم بالقتال إن لم يؤمنوا (1).
364 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا أبو اليمان (2) عن شعيب بن أبي حمزة عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب: أن النبي- صلى الله عليه- أمرّ أبا بكر على تلك الحجة وأمره أن يؤذّن ببراءة، قال ابن شهاب:
فأخبرني حميد بن عبد الرحمن (3) عن أبي هريرة قال: بعثني أبو بكر- رضي الله عنه- في مؤذنين بعثهم يوم النحر: ألا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان، قال حميد: ثم أردف النبي- صلى الله عليه- عليا- رضي الله عنه- وأمره أن يؤذّن بذلك (4).
365 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا ابن أبي عدي (5) عن شعبة عن المغيرة (6) عن الشعبي عن المحرّر بن أبي هريرة عن أبيه:
نحو ذلك، وزاد فيه ومن كان بينه وبين رسول الله- صلى الله عليه- عهد فأجله أربعة أشهر، فإذا مضت الأربعة الأشهر فإن الله بريء من المشركين ورسوله (7).
__________
(1) روى نحوه الطبري فى جامع البيان ج 14 أثر (16364) ص 100 تحقيق محمود محمد شاكر.
(2) هو الحكم بن نافع البهراني، أبو اليمان.
(3) هو حميد بن عبد الرحمن بن عوف الزهري.
(4) روى نحوه البخاري في الصحيح ج 5، كتاب التفسير سورة براءة «باب قوله وَأَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ» الآية ص 202، 203.
وروى نحوه مسلم في صحيحه ج 2، كتاب الحج «باب لا يحج البيت مشرك ولا يطوف بالبيت عريان» ص 982 تحقيق عبد الباقي.
(5) هو محمد بن إبراهيم بن أبي عدي.
(6) هو مغيرة بن مقسم الضبي.
(7) روى الزيادة بلفظ مقارب الطبري في تفسيره فى جامع البيان ج 14 أثر (16370) ص 104 تحقيق محمود شاكر.

(1/196)


366 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا حجاج (1) عن ابن جريج وعثمان بن عطاء عن عطاء الخراساني عن ابن عباس إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ إلى قوله فَما جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا (2) وفي قوله لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ (3) قال: ثم نسخت هذه الآيات بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ (4) إلى قوله: وَنُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (5)، (6).
قال أبو عبيد: فكانت براءة هي الناسخة للهدنة والقاطعة للعهود والمشخصة (7) الناس للجهاد، بذلك وصفتها العلماء.
367 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا أبو معاوية (8) عن الأعمش عن إبراهيم قال: خرج عبد الرحمن بن يزيد (9) وهو يريد أن يجاعل في بعث خرج عليه ثم أصبح يتجهز فقلت: ألم تكن أردت أن تجاعل قال: بلى،
__________
(1) هو حجاج بن محمد المصيصي.
(2) سورة النساء آية 90.
(3) سورة الممتحنة آية 8.
(4) سورة التوبة آية 1.
(5) سورة التوبة آية 11.
(6) رواه البيهقي فى السنن الكبرى ج 9، كتاب السّير «باب ما جاء في نسخ العفو عن المشركين» ص 11.
(7) المشخصة: قال في اللسان: الشخوص السير من بلد إلى بلد. وقد شخص يشخص شخوصا وأشخصته أنا وشخص من بلد إلى بلد شخوصا، أى: ذهب: اللسان ج 7 ص 46.
وقال أبو عبيد في غريبه: شخوص المسافر، إنما هو خروجه من مكانه وحركته من موضعه.
غريب الحديث ج 3 ص 58.
قلت: والمشخصة الناس للجهاد: المسيرة لهم من بلادهم ابتغاء الجهاد والغزو.
(8) هو محمد بن خازم أبو معاوية.
(9) عبد الرحمن بن يزيد بن قيس النخعي، أبو بكر الكوفي، ثقة، من كبار الثالثة، مات سنة ثلاث وثمانين.
(التقريب 1/ 502).

(1/197)


ولكن قرأت البارحة سورة براءة فسمعتها تحث على الجهاد (1).
368 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا حجاج (2) وأبو اليمان (3) كلاهما عن حريز بن عثمان (4) عن عبد الرحمن بن ميسرة (5) أو ابن بلال (6) عن أبي راشد الحبراني (7) أنه وافى المقداد بن الأسود (8) بحمص على تابوت من توابيت الصيارفة وقد فضل عنه عظما، قال: فقلت يا أبا الأسود قد أعذر الله إليك أو قال: قد عذرك الله- يعني في القعود عن الغزو- فقال:
__________
(1) لم أتمكن من تخريجه.
(2) هو حجاج بن محمد المصيصي.
(3) هو الحكم بن نافع البهراني، أبو اليمان.
(4) حريز (بفتح أوله وكسر الراء وآخره زاي)، ابن عثمان الرحبى (بفتح الراء والحاء المهملة بعدها موحدة)، الحمصي، ثقة ثبت، من الخامسة مات سنة ثلاث وستين ومائة وله ثلاث وثمانون سنة.
(التقريب 1/ 159).
(5) عبد الرحمن بن ميسرة الحضرمي، أبو سلمة الحمصي، مقبول، من الرابعة.
(التقريب 1/ 500).
(6) هو عبد الله بن أبي بلال الخزاعي الشامي، ذكره ابن حبان في الثقات.
(التهذيب 5/ 165).
وقوله (أو ابن بلال) شك من الراوي، والصواب طرح ذلك الشك واعتماد عبد الرحمن بن ميسرة إذ قد ذكر ابن حجر في التهذيب رواية حريز بن عثمان عن عبد الرحمن بن ميسرة هذا، أضف إلى ذلك أن الحاكم لما أورد الأثر في مستدركه لم يدع للشك مجالا، بل أقتصر على عبد الرحمن وحده.
(7) أبو راشد الحبراني (بضم المهملة وسكون الموحدة)، الشامي، ثقة، من الثالثة.
(التقريب 2/ 421).
(8) المقداد بن الأسود: هو المقداد بن عمرو بن ثعلبة بن مالك بن ربيعة البهراني، ثم الكندي، ثم الزهري، حالف أبوه كنده، وتبناه الأسود بن عبد يغوث الزهري، فنسب إليه، صحابي مشهور، من السابقين، لم يثبت أنه كان ببدر فارسا غيره، مات سنة ثلاث وثلاثين، وهو ابن سبعين.
(التقريب 2/ 272).

(1/198)


أبت علينا سورة براءة انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا (1) (2).
369 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم (3) عن أيوب (4) عن ابن سيرين أن أبا أيوب (5) شهد بدرا مع رسول الله- صلى الله عليه- ثم لم يتخلف عن غزاة للمسلمين إلا عاما واحدا فإنه استعمل على الجيش رجل شاب، ثم قال بعد ذلك: وما على من استعمل علي، وكان يقول: قال الله عز وجل: انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا فلا أجدني إلا خفيفا أو ثقيلا (6).
370 - حدثنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا يزيد (7) عن حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن أنس أن أبا طلحة (8) قرأ هذه الآية
__________
(1) سورة التوبة آية 41.
(2) روى نحوه الطبري فى جامع البيان ج 14 أثر (16756) ص 268 تحقيق محمود محمد شاكر.
وروى نحوه البيهقي فى السنن الكبرى ج 9، كتاب السّير «باب أصل فرض الجهاد» ص 21.
وروى نحوه الحاكم في مستدركه وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال الذهبي في التلخيص: صحيح.
(المستدرك 2/ 118).
(3) هو إسماعيل بن إبراهيم بن علية.
(4) هو أيوب السختياني.
(5) أبو أيوب: خالد بن زيد بن كليب الأنصاري، من كبار الصحابة، شهد بدرا ونزل النبي- صلّى الله عليه وسلم- حين قدم المدينة عليه، مات غازيا بالروم سنة خمسين.
(التقريب 1/ 213).
(6) روى نحوه الطبري فى جامع البيان ج 14، أثر (16754) 267 تحقيق محمود محمد شاكر.
(7) هو يزيد بن هارون.
(8) هو زيد بن سهل الأنصاري.

(1/199)


انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا فقال: ها أرى الله ألا يستنفرنا إلا شبابا (1) وشيوخا، جهزوني فجهزوه فركب البحر فمات في غزاته تلك، قال: فما وجدنا له جزيرة ندفنه أو قال يدفنونه فيها إلا بعد سابعة (2).
371 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا حجاج (3) عن ابن جريج عن مجاهد في هذه الآية قال: قالوا فينا الثقيل وذو الحاجة والضعيف والمتيسر عليه أمره فأنزل الله انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا (4).
372 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا يزيد (5) عن إسماعيل بن أبي خالد عن أبي صالح (6) انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا قال الشاب والشيخ (7).
__________
(1) وعندى أن فى العبارة تحريفا وتكريرا إذ صوابها «ما أرى الله إلا يستنفرنا شبابا ....
(2) روى نحوه البيهقي بسنده عن أنس- رضي الله عنه- أن أبا طلحة- رضي الله عنه- قرأ هذه الآية انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا قال: أري ربنا يستنفرنا شيوخا وشبابا، جهزوني، أي بني جهزوني، فقال بنوه: قد شهدت مع رسول الله- صلّى الله عليه وسلم- وأبي بكر وعمر- رضى الله عنهما- فنحن نغزو، فقال: جهزوني، فركب البحر فمات فلم يجدوا له جزيرة إلا بعد سبعة أيام فدفنوه بها ولم يتغير.
السنن الكبرى ج 9، كتاب السّير «باب أصل فرض الجهاد» ص 21.
(3) هو حجاج بن محمد المصيصي.
(4) أورده السيوطي إلا أن عنده «المنتشر» بدل «المتيسر». وعزاه إلى ابن أبي حاتم وأبي الشيخ (الدر المنثور 4/ 208).
(5) هو يزيد بن هارون.
(6) أبو صالح السمّان الزيات المدني، اسمه ذكوان، ثقة ثبت، من الثالثة مات سنة إحدى ومائة (التقريب 1/ 238).
(7) رواه الطبري فى جامع البيان ج 14 أثر (16746) ص 265 تحقيق محمود محمد شاكر.

(1/200)


373 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا خالد بن عمرو عن سفيان عن منصور (1) عن إبراهيم فيها قال: مشاغيل وغير مشاغيل (2).
قال أبو عبيد: ثم نزل مع براءة آى كثير كلها تحض على الجهاد وتوجبه على الناس منها قوله: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ (3) وقوله:
فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ (4) وقوله: وَما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ (5) في آيات يطول ذكرها، ثم جاءت السنة عن رسول الله- صلى الله عليه- ببيان ذلك وتصديقه في آثار متتابعة منها:
374 - قوله: «لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية وإذا استنفرتم فانفروا» (6).
__________
(1) هو منصور بن المعتمر.
(2) رواه الطبري في تفسيره من قول الحكم فى جامع البيان ج 14 أثر (16747) ص 265 تحقيق محمود محمد شاكر.
(3) سورة البقرة آية 216.
(4) سورة محمد آية 35.
وقد كتبت الآية في المخطوط (ولا تهنو) بالواو خطأ.
(5) سورة النساء آية 75.
وقد كتبت في المخطوط «مالكم» بإسقاط الواو خطأ.
(6) رواه البخاري في الصحيح قال: حدثنا عمرو بن علي حدثنا يحيي حدثنا سفيان قال:
حدثني منصور عن مجاهد عن طاوس عن ابن عباس- رضي الله عنه- أن النبي- صلّى الله عليه وسلم- قال يوم الفتح: «لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية، وإذا استنفرتم فانفروا» صحيح البخارى ج 3، كتاب الجهاد والسّير «باب وجوب النفير وما يجب من الجهاد والنية» ص 210.
ورواه مسلم في صحيحه ج 3، كتاب الإمارة «باب المبايعة بعد فتح مكة على الإسلام والجهاد والخير وبيان معنى لا هجرة بعد الفتح» ص 1487 تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي.

(1/201)


375 - وقوله الجهاد ماض إلى يوم القيامة لا يروه جور جائر ولا عدل عادل.
376 - وقوله: «حتى يقاتل آخر عصابة من أمتي الدجال» (1).
377 - وقوله: «الخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة» (2) إنما تأويله عندنا خيل الغزاة في سبيل الله. والحديث في هذا أكثر من أن يحاط به ثم تكلمت العلماء بعد من لدن الصحابة ومن بعدهم في وجوب الجهاد واختلفوا فيه.
378 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا علي بن معبد (3) عن أبي المليج الرقّي عن ميمون بن مهران قال: كنت عند ابن عمر فجاء رجل إلى عبد الله بن عمرو بن العاص فسأله عن الفرائض وابن عمر جالس حيث
__________
(1) روى نحوه أبو داود في سننه قال: حدثنا سعيد بن منصور حدثنا معاوية حدثنا جعفر بن برقان عن يزيد بن نشبة عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله- صلّى الله عليه وسلم-: «ثلاثة من أصل الإيمان الكف عمن قال: لا إله إلا الله ولا نكفره بذنب ولا نخرجه من الإسلام بعمل، والجهاد ماض منذ بعثنى الله إلى أن يقاتل آخر أمتي الدجال لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل ... الحديث». سنن أبي داود ج 3 كتاب الجهاد باب في الغزو مع أئمة الجور ص 18 تحقيق محمد محيى الدين عبد الحميد. وقال محمد حامد الفقي في تعليقه على الحديث: في إسناده يزيد بن أبي نشبة: مجهول وأخرجه سعيد بن منصور، وفيه ضعف. انظر: المنتقى للمجد بن تيمية ج 2 كتاب الجهاد والسّير «باب الجهاد فرض كفاية» ص 754 تحقيق محمد حامد الفقي.
وقال الزيلعي فى نصب الراية بعد إيراده للحديث: قال المنذري في مختصره: يزيد بن أبي نشبة في معنى المجهول. نصب الراية ج 3، كتاب السّير ص 377. قلت: وبهذا يتبين أن الحديثين [375، 376] هما حديث واحد.
(2) رواه البخاري قال: حدثنا حفص بن عمر. حدثنا شعبة عن حصين وابن أبي السفر عن الشعبي عن عروة بن الجعد عن النبي- صلّى الله عليه وسلم- قال: «الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة». صحيح البخارى ج 3، كتاب الجهاد والسّير «باب الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة» ص 215.
ورواه مسلم أيضا بزيادة «الأجر والغنيمة» وفي رواية أخرى عند مسلم «فقيل له يا رسول الله بم ذاك؟ قال: «الأجر والمغنم إلى يوم القيامة» صحيح مسلم ج 3، كتاب الإمارة «باب الخيل في نواصيها الخير إلى يوم القيامة» ص 1493 تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي.
(3) علي بن معبد بن شداد الرّقى.

(1/202)


يسمع كلامه فقال: الفرائض شهادة ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصيام رمضان والجهاد في سبيل الله قال: فكأن ابن عمر غضب من ذلك ثم قال: الفرائض شهادة ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصيام رمضان، وترك الجهاد (1).
379 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا إسحاق بن سليمان الرازي عن حنظلة بن أبي سفيان عن عكرمة بن خالد قال: قال رجل لابن عمر: ألا تغزو قال: سمعت رسول الله- صلّى الله عليه- يقول: «بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت» (2).
380 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا يزيد (3) عن إسماعيل بن أبي خالد عن رجل عن ابن عمر مثل ذلك غير مرفوع (4).
__________
(1) روى نحوه عبد الرزاق فى المصنف ج 5، كتاب الجهاد أثر (9279) ص 173 تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي.
وقال ابن حجر في الفتح، كتاب الإيمان «باب دعاؤكم إيمانكم حديث» «بني الإسلام علي خمس»: لم يذكر الجهاد لأنه فرض كفاية ولا يتعين إلا في بعض الأحوال ... وأغرب ابن بطال فزعم أن هذا الحديث كان أول الإسلام قبل فرض الجهاد، وفيه نظر بل هو خطأ لأن فرض الجهاد كان قبل وقعة بدر، وبدر كانت في رمضان في السنة الثانية، وفيها فرض الصيام والزكاة بعد ذلك والحج بعد ذلك على الصحيح.
(فتح الباري 1/ 49 - 50).
قلت: وابن عمر إنما غضب لإدخال عبد الله بن عمرو بن العاص الجهاد ضمن أركان الإسلام مخالفا بذلك حديثا صريحا أورده البخاري في صحيحه بسنده عن ابن عمر رضى الله عنهما قال: قال رسول الله- صلّى الله عليه وسلم-: «بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والحج وصوم رمضان» صحيح البخاري ج 1 ص 8، كتاب الإيمان «باب قول النبى- صلّى الله عليه وسلم-» «بني الإسلام على خمس».
(2) روى نحوه البخاري في صحيحه وليس في روايته ذكر لسؤال السائل. ج 1، كتاب الإيمان «باب بني الإسلام على خمس» ص 8.
(3) هو يزيد بن هارون.
(4) روى نحوه عبد الرزاق المصنف ج 5، كتاب الجهاد «باب وجوب الغزو» أثر (9279) ص 173 تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي.

(1/203)


381 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا حجاج (1) عن ابن جريج قال: قلت لعطاء (2) أواجب الغزو على الناس؟ فقال هو وعمرو بن دينار: ما علمناه (3).
382 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا حجاج عن ابن جريج قال: قال معمر (4) كان مكحول (5) يستقبل القبلة ثم يحلف عشرة أيمان:
أن الغزو واجب، ثم يقول إن شئتم زدتكم (6).
383 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح عن العلاء بن الحارث (7) أو غيره عن ابن شهاب قال:
كتب الله الجهاد على الناس غزوا أو قعدوا فمن قعد، فهو عدة إن استعين به أعان وإن استنفر نفر وإن استغني عنه قعد (8).
__________
(1) هو حجاج بن محمد المصيصي.
(2) هو عطاء بن أبي رباح.
(3) رواه عبد الرزاق فى المصنف، كتاب الجهاد ج 5 «باب وجوب الغزو» أثر (9271) ص 171 تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي.
(4) هو معمر بن راشد.
(5) مكحول: الشامي، أبو عبد الله، الفقيه الدمشقي، قال الزهري: العلماء أربعة فذكرهم فقال: مكحول بالشام، وقال أبو حاتم: ما أعلم بالشام أفقه من مكحول، وقال في التقريب: ثقة، فقيه، كثير الإرسال مشهور، من الخامسة، مات سنة بضع عشرة ومائة.
(التهذيب 10/ 289 - التقريب 2/ 273).
(6) رواه الصنعاني فى المصنف ج 5، كتاب الجهاد «باب وجوب الغزو» أثر (9281) ص 174 تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي.
قال عبد الرزاق في مصنفه بعد إيراده لهذا الأثر: سمعت الأوزاعي أو أخبرت عنه أنه سمعه من مكحول.
(7) العلاء بن الحارث بن عبد الوارث الحضرمي، أبو وهب الدمشقي، صدوق فقيه، لكن رمي بالقدر، وقد اختلط، من الخامسة، مات سنة ست وثلاثين ومائة وهو ابن سبعين سنة.
(التهذيب 8/ 177 - التقريب 2/ 91).
(8) روى نحوه ابن أبي حاتم، تفسير آية البقرة كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ ج 1 ورقة 148 من المخطوط.

(1/204)


قال أبو عبيد: وأحسب قول الأوزاعي مثل قول ابن شهاب.
384 - وأما: سفيان الثوري فكان يقول: ليس بفرض ولكن لا يسع الناس أن يجمعوا على تركه ويجزئ فيه بعضهم عن بعض (1).
قال أبو عبيد: وهذا هو القول عندنا في الجهاد لأنه حق لازم للناس غير أن بعضهم يقضي ذلك عن بعض وإنما وسعهم هذا للآية الأخرى، قوله:
وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً (2) فإنها فيما يقال ناسخة لفرض الجهاد.
385 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا حجاج (3) عن ابن جريج وعثمان بن عطاء عن عطاء الخراساني عن ابن عباس فى قوله: فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً (4) وفي قوله: انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا قال: نسختها وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً الآية. قال: تنفر طائفة وتمكث طائفة مع النبي- صلّى الله عليه- قال: فالماكثون هم الذين يتفقهون في الدين وينذرون إخوانهم إذا رجعوا إليهم من الغزو بما نزل من قضاء الله وكتابه وحدوده (5).
386 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في هذه الآية قال: يعني السرايا كانت ترجع وقد نزل بعدهم قرآن تعلّمه القاعدون من النبي- صلّى الله عليه- فتمكث السرايا يتعلمون ما أنزل على النبي- صلّى الله عليه- بعدهم، وتبعث سرايا أخرى، قال: فذلك قوله: لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ (6).
__________
(1) لم أتمكن من تخريجه.
(2) سورة التوبة آية 122.
(3) هو حجاج بن محمد المصيصي.
(4) سورة النساء آية 71.
(5) روى نحوه البيهقي فى السنن الكبرى ج 9، كتاب السّير «باب النفير وما يستدل على أن الجهاد فرض على الكفاية» ص 47.
(6) روى نحوه الطبري فى جامع البيان ج 14 أثر (17471) ص 567 تحقيق محمود محمد شاكر.

(1/205)


387 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا حجاج (1) عن ابن جريج عن مجاهد نحو ذلك.
قال أبو عبيد: فلولا هذه الآية لكان الجهاد حتما واجبا على كل مؤمن في خاصّة نفسه وماله كسائر الفرائض، ولكن هذه الآية جعلت للناس الرخصة في قيام بعضهم بذلك عن بعض، ومع هذا أنّا قد وجدنا في الحقوق الواجبة نظائر للجهاد، منها عيادة المريض وحضور الجنائز وردّ السلام وتشميت العاطس فهذه كلها لازمة للمسلمين غير أن بعضهم يقوم بذلك دون بعض ولكن الفضيلة والتبريز (2) لقاضيها دون المقضي عنه فكذلك الجهاد إن شاء الله (3) على أن الله عز وجل قد كان اشترط فيه شرطا حين أمر به فجعله محظورا في بعض الشهور فقال عز وجل: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ (4) وقال عز وجل: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ (5) هو في التفسير أن القتال فيه عند الله عظيم كبير، ثم اختلف العلماء في نسخ تحريمها وإباحة القتال فيها.
__________
(1) هو حجاج بن محمد المصيصى.
(2) قال في مختار الصحاح: برّز الشيء تبريزا: أظهره وبينه/ ص 48.
قلت: لعل مراد أبي عبيد: أن حصول الفضيلة وظهور الإيمان يحصل لمن قام بما ذكر دون غيره.
(3) قال ابن حجر في الفتح: وللناس في الجهاد حالان: إحداهما في زمن النبي- صلّى الله عليه وسلم- والأخرى بعده، فأما الأولى: فأول ما شرع الجهاد بعد الهجرة النبوية إلى المدينة اتفاقا، ثم بعد أن شرع هل كان فرض عين أو كفاية؟ قولان مشهوران للعلماء ... والتحقيق أنه كان عينا على من عينه النبي- صلّى الله عليه وسلم- في حقه ولو لم يخرج. الحال الثاني: بعده- صلّى الله عليه وسلم- فهو فرض كفاية على المشهور إلا أن تدعو الحاجة إليه كأن يدهم العدو، ويتعين على من عينه الإمام.
انظر: (فتح الباري ج 6، كتاب الجهاد «باب وجوب النفير» ص 37 - 38).
(4) سورة التوبة آية 36.
(5) سورة البقرة آية 217.

(1/206)


388 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا حجاج (1) عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: ما لهم إذ ذاك لم يكن يحل لهم أن يغزوا في الشهر الحرام ثم غزوهم بعد قال: فحلف لي بالله ما يحل للناس أن يغزوا في الحرم ولا في الشهر الحرام إلا أن يقاتلوا وما نسخت (2).
389 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا حجاج (3) عن ليث بن سعد عن أبي الزبير عن جابر قال: لم يكن رسول الله- صلّى الله عليه- يغزو في الشهر الحرام إلا أن يغزى وإذا حضر ذلك أقام حتى ينسلخ (4).
390 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا عبد الله بن صالح عن الليث عن أبي الزبير (5) عن جابر بن عبد الله عن النبي- صلّى الله عليه- مثله غير أنه قال: إلا أن يغزى أو يغزو.
391 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا أبو الأسود (6) عن ابن لهيعة عن مخرمة بن بكير (7) عن أبيه بكير بن عبد الله بن الأشج عن سعيد بن المسيب أنه سئل: هل يصلح للمسلمين أن يقاتلوا الكفار في الشهر الحرام؟ قال: نعم، قال: وقال ذلك سليمان بن يسار (8) (9).
__________
(1) هو حجاج بن محمد المصيصي.
(2) روى نحوه الطبري فى جامع البيان ج 4 أثر (4099) ص 314 تحقيق محمود وأحمد شاكر.
(3) هو حجاج بن محمد المصيصي.
(4) روى نحوه الطبري فى جامع البيان ج 4 أثر (4081) ص 300 تحقيق محمود وأحمد شاكر.
(5) محمد بن مسلم المكي أبو الزبير.
(6) هو النضر بن عبد الجبار أبو الأسود.
(7) مخرمة بن بكير بن عبد الله بن الأشج، أبو المسور المدني، صدوق، وروايته عن أبيه وجادة من كتابه، وقد سمع من أبيه قليلا، مات سنة تسع وخمسين ومائة (التقريب 2/ 234).
(8) سليمان بن يسار: الهلالي، المدني، مولى ميمونة، وقيل أم سلمة، ثقة فاضل، أحد الفقهاء السبعة، من كبار الثالثة، مات بعد المائة (التقريب 1/ 331).
(9) روى ابن أبي حاتم في تفسيره المخطوط نحوا من هذا الأثر منسوبا إلى سفيان الثوري تفسير ابن أبي حاتم ج 1 ورقة 249 من المخطوط.

(1/207)


قال أبو عبيد: والناس اليوم بالثغور (1) جميعا على هذا القول يرون الغزو مباحا في الشهور كلها حلالها وحرامها لا فرق بين ذلك عندهم، ثم لم أر أحدا من علماء الشام ولا العراق ينكره عليهم، وكذلك أحسب قول أهل الحجاز.
والحجة في إباحته عند علماء الثغور قول الله تبارك وتعالى: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ.
قال أبو عبيد: فهذه الآية هي الناسخة عندهم لتحريم القتال في الشهر الحرام (2)، فهذا ناسخ القتال ومنسوخه.
__________
(1) الثغور: جمع ثغر- بالفتح ثم السكون- وهو كل موضع قريب من أرض العدو.
(معجم البلدان 2/ 79).
(2) قال أبو جعفر الطبري بعد إيراده للآثار المتعلقة بالقتال في الأشهر الحرم: والصواب من القول في ذلك ما قاله عطاء بن ميسرة من أن النهي عن قتال المشركين في الأشهر الحرم منسوخ بقول الله جل ثناؤه: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً.
وإنما قلنا ذلك ناسخ لقوله: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ. لتظاهر الأخبار عن رسول الله- صلّى الله عليه وسلم- أنه غزى هوازن بحنين وثقيفا بالطائف وأرسل أبا عامر إلى أوطاس لحرب من بها من المشركين في بعض الأشهر الحرم وذلك في شوال وبعض ذي القعدة وهو من الأشهر الحرم فكان معلوما بذلك أنه لو كان القتال فيهن حراما ومعصية كان أبعد الناس من فعله صلّى الله عليه وسلم.
(جامع البيان ج 4 ص 314 تحقيق محمود وأحمد شاكر).

(1/208)