الناسخ والمنسوخ للقاسم بن سلام محققا

باب الاستئذان وما فيه من ناسخه ومنسوخه من الكتاب والسنة
401 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا حجاج (1) عن ابن جريج عن مجاهد في قوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ (2) قال: عبيدكم المملوكون (3).
402 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا عبد الرحمن عن سفيان عن أبي حصين (4) عن أبي عبد الرحمن السلمي (5) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ قال: هي خاصة للنساء لا للرجال (6) يستأذنون على كل حال بالليل والنهار (7).
قال أبو عبيد: يعني أن الإماء ينبغى لهن أن يستأذن على مواليهن في هذه الحالات الثلاث المسماة هاهنا وهي قوله: مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ يقول: فأما ذكور المماليك فإن عليهم الاستئذان في الأحوال كلها، ولا نعلم أحدا من العلماء أخبر عن هذه الآية نسخا بل أغلظوا شأنها.
__________
(1) هو حجاج بن محمد المصيصي.
(2) سورة النور آية 58.
(3) رواه الطبري فى جامع البيان ج 18 ص 124 ط دار المعرفة.
(4) هو عثمان بن عاصم بن حصين أبو حصين الأسدي.
(5) هو عبد الله بن حبيب أبو عبد الرحمن السلمي.
(6) كتب في المخطوط: «في الأصل للنساء والرجال».
قلت وهو الصواب باعتبار الوقف على قوله «للنساء» ثم استأنف الكلام «والرجال يستأذنون .... ».
(7) روى نحوه الطبري فى جامع البيان ج 18 ص 124 ط دار المعرفة.

(1/219)


403 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا يحيى بن سعيد (1) عن عبد الملك بن أبي سليمان قال: حدثنا عطاء (2) قال: سمعت ابن عباس يقول: ثلاث آيات من كتاب الله عز وجل تركهن الناس لا أرى أحدا يعمل بهن قال: حفظت آيتين ونسيت واحدة (3) قال الله عز وجل: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ الآية وقال: يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ (4) قال: ثم يقول الرجل بعد هذه للرجل: أنا أكرم منك، وليس أحد أكرم من أحد إلا بالتقوى (5).
404 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا عبد الرحمن عن سفيان عن موسى بن أبي عائشة قال: سألت الشعبي عن هذه الآية يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ قلت: أمنسوخة هي قال: لا.
قال أبو عبيد: وفي غير حديث عبد الرحمن قال: فقلت: قد تركها الناس، فقال: الله المستعان (6).
__________
(1) هو يحيى بن سعيد القطان.
(2) هو عطاء بن أبي رباح.
(3) القائل عطاء كما ورد التصريح به عند النحاس.
(4) يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ سورة الحجرات آية 13.
(5) روى نحوه الطبري فى جامع البيان/ ج 18/ ص 124 ط دار المعرفة.
وروى نحوه عبد الرزاق وفي روايته «ثلاث آيات محكمات» المصنف ج 10، كتاب الجامع «باب وجوب الاستئذان» أثر (19419) ص 379 تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي.
وروى نحوه النحاس في ناسخه الآية الثالثة من سورة النور ورقة 210 من المخطوط.
(6) روى نحوه الطبرى فى جامع البيان ج 18 ص 125 ط دار المعرفة.
وروى نحوه النحاس في ناسخه الآية الثالثة من سورة النور ورقة 211 من المخطوط.

(1/220)


405 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا عبد الرحمن عن أبي عوانة (1) عن أبي بشر (2) عن سعيد بن جبير في هذه الآية قال: يقولون هي منسوخة، لا والله ما نسخها شيء ولكنها مما تهاون به الناس (3).
قال أبو عبيد: وقد تحدثوا مع هذا الحديث عن ابن عباس يحمله بعضهم على الترخيص فيه.
406 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا نعيم بن حماد عن عبد العزيز بن محمد (4) عن عمرو بن أبي عمرو (5) عن عكرمة عن ابن عباس قال: أتاه ناس من أهل العراق فسألوه عن هذه الآية: لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ فقال: إن الله عز وجل رفيق رحيم بالمؤمنين يحب الستر عليهم، قال: وكان الناس ليس لهم ستور ولا حجال (6) فربما دخلت الخادم والولد أو يتيمة الرجل على أهله، فأمروا بالاستئذان في تلك العورات، فجاءهم الله عز وجل بالستور والخير فلم أر أحدا يعمل بذلك (7).
__________
(1) أبو عوانة: وضاح (بتشديد المعجمة ثم مهملة) ابن عبد الله اليشكري الواسطي البزار، أبو عوانة مشهور بكنيته، ثقة ثبت، من السابعة، مات سنة خمس أو ست وسبعين ومائة.
(التقريب 2/ 331).
(2) أبو بشر: جعفر بن إياس بن أبي وحشية.
(3) لم أتمكن من تخريجه.
(4) هو عبد العزيز بن محمد الداروردي.
(5) عمرو بن أبي عمرو: اسمه ميسرة مولى المطلب بن عبد الله بن حنطب المخزومي، أبو عثمان المدني، قال عبد الله بن أحمد عن أبيه: ليس به بأس، وقال ابن معين: في حديثه ضعف ليس بالقوي، وقال أبو زرعة: ثقة، وقال أبو حاتم: لا بأس به، مات سنة مائة وأربع وأربعين، وقال في التقريب:
ثقة ربما وهم (التهذيب 1/ 82.- التقريب 2/ 75).
(6) حجال: جمع «حجلة» بفتحتين، وهي بيت يزيّن بالثياب والأسرّة والسّور.
(مختار الصحاح محمد بن أبي بكر الرازي ص 124).
(7) روى نحوه أبو داود السجستاني في سننه ج 4، كتاب الأدب «باب الاستئذان في العورات الثلاث» ص 349 تحقيق محمد محيى الدين عبد الحميد.
وروى نحوه النحاس في ناسخه الآية الثالثة من سورة النور ورقة 210 من المخطوط، ثم عقب النحاس بعد إيراده للأثر بقوله: وهذا القول متنه حسن وليس فيه دليل على نسخ الآية ولكن على أنها كانت حال ثم زالت، فإن كان مثل تلك الحال فحكمها قائم كما كان.

(1/221)


قال أبو عبيد: وليس وجه هذا عندي أن يكون على الرخصة من أجل أن ابن عباس لم يخبرنا أنه نسخها قرآن ولا أن السنة جاءت برخصة فيها، إنما قال:
لم أر أحدا يعمل بذلك وقد حكى عنه عطاء هذا اللفظ على وجه الإنكار والاستبطاء للناس ألا تسمع قوله: ثلاث آيات من كتاب الله- عز وجل- تركهن الناس لا أرى أحدا يعمل بهن، فرواية عطاء عندنا مفسرة للذي روى عكرمة، وليس المذهب في الآية إلا أن تكون محكمة قائمة لم ينسخها كتاب ولا نقلت الآثار التي انتهت إلينا عن رسول الله- صلى الله عليه- ولا عن أحد من الصحابة ولا التابعين بعدهم بالتسهل في ذلك إلا شيء يروى عن الحسن.
407 - فإنه كان يقول في الخادم التي تبيت مع أهل الرجل: أنه لا بأس أن تدخل بغير إذن. قال أبو عبيد: أحسبني سمعته من هشيم يحدثه عن يونس (1) عن الحسن (2) فهذا ما جاء في المماليك، وأما من لم يبلغ الحلم من الأحرار.
408 - فإن حجاجا (3) حدثنا عن ابن جريج عن مجاهد في قول الله عز وجل: وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ قال: الذين لم يحتملوا من أحراركم (4).
409 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا معاذ بن معاذ عن ابن عون (5) عن ابن سيرين في هذه الآية: وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ
__________
(1) يونس بن عبيد.
(2) روى نحوه الطبري في تفسيره قال: حدثنا ابن أبي الشوارب قال: حدثنا يزيد بن زريع قال: حدثنا يونس عن الحسن ثم ذكر نحوا مما أورده أبو عبيد. جامع البيان ج 18/ ص 124 ط دار المعرفة.
(3) هو حجاج بن محمد المصيصي.
(4) رواه الطبري فى جامع البيان جزء 18 ص 124 ط دار المعرفة.
(5) هو عبد الله بن عون.

(1/222)


قال: كان أهلنا يأمرونا إذا جاء أحدنا ليدخل أن يقول: السلام عليكم، أيدخل فلان؟ (1).
__________
(1) روى نحوه ابن أبي شيبة: المصنف، كتاب الأدب «باب في الرجل يدخل منزله ما يقول» ج 8 ص 456 أثر (5871) تحقيق مختار أحمد الندوي.
قال مكي بن أبى طالب القيسي في إيضاحه: وأكثر العلماء على أن الآية محكمة وحكمها باق والاستئذان في هذه الثلاثة الأوقات واجب اهـ. الإيضاح في ناسخ القرآن ومنسوخه ص 320 تحقيق أحمد حسن فرحات.
وقال ابن الجوزي: «وهذا- أى النسخ- ليس بشيء لأن معنى الآية وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ أى من الأحرار الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا أي في جميع الأوقات في الدخول عليكم، كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ يعني كما استأذن الأحرار الكبار الذين بلغوا قبلهم، فالبالغ يستأذن في كل وقت والطفل والمملوك يستأذنان في العورات الثلاث «اهـ» نواسخ القرآن: ابن الجوزي سورة النور الآية السادسة
ج 2 ص 538 تحقيق محمد أشرف علي.

(1/223)