الناسخ والمنسوخ للقاسم بن سلام محققا

باب المواريث ناسخها ومنسوخها
قال أبو عبيد: وجدنا نسخ المواريث في ثلاثة مواضع منها موضع كان الميراث فيه ممنوعا فنسخته الإباحة وموضعان كان الميراث فيهما مباحا فنسخهما المنع فأما الذي كان ممنوعا فنسخ بالإباحة فالميراث بين المهاجرين والأعراب.
410 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا حجاج (1) عن ابن جريج وعثمان بن عطاء عن عطاء الخراساني عن ابن عباس في قول الله عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا (2). قال: كان المهاجري لا يتولى الأعرابي ولا يرثه وهو مؤمن، ولا يرث الأعرابي المهاجر فنسختها وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ (3) (4).
411 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس مثل ذلك أو نحوه.
قال أبو عبيد: فهذا نسخ ميراث المهاجرين والتاركين للهجرة، وأما الميراثان اللذان كانا مباحين فنسخا بالمنع فميراث الحلفاء من محالفيهم وميراث الأدعياء من متبنيهم.
__________
(1) حجاج بن محمد المصيصي.
(2) سورة الأنفال آية 72.
(3) سورة الأنفال آية 75.
(4) روى نحوه ابن الجوزي نواسخ القرآن ج 2 سورة الأنفال الآية السابعة ص 456 تحقيق محمد أشرف علي.

(1/224)


412 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا عبد الرحمن عن سفيان عن منصور (1) عن مجاهد في قوله: وَالَّذِينَ عَقَدَتْ (2) أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ (3) قال: كان حلف فى الجاهلية فأمروا أن يعطوهم نصيبهم من المشورة والعقل والنصر ولا ميراث (4).
413 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا معاذ (5) عن ابن عون (6) عن عيسى بن الحارث (7) عن عبد الله بن الزبير (8) في قوله: وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ قال: نزلت هذه الآية في العصبات كان الرجل يعاقد الرجل يقول ترثني وأرثك فنزلت: وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ (9).
__________
(1) هو منصور بن المعتمر.
(2) قال أبو جعفر الطبري: اختلفت القراء في قراءة ذلك: فقرأه بعضهم (والذين عقدت أيمانكم) بمعنى: والذين عقدت أيمانكم الحلف بينكم وبينهم، وهي قراءة عامة الكوفيين.
وقرأ ذلك آخرون: (والذين عاقدت أيمانكم) بمعنى: والذين عاقدت أيمانكم وأيمانهم الحلف بينكم وبينهم.
قال أبو جعفر: والذي نقول به في ذلك: إنهما قراءتان معروفتان مستفيضتان في قراءة أمصار المسلمين بمعنى واحد- جامع البيان ج 8 ص 272 تحقيق محمود وأحمد شاكر.
(3) سورة النساء آية 33.
(4) رواه الطبري فى جامع البيان ج 8 أثر (9278) ص 278 تحقيق محمود وأحمد شاكر.
(5) هو معاذ بن معاذ.
(6) هو عبد الله بن عون.
(7) عيسى بن الحارث: قال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل: عيسى بن الحارث روى عنه أبو شيبة جد بني أبي شيبة، نبأنا عبد الرحمن قال: سألت أبا زرعة عنه فقال: لا بأس به.
(الجرح والتعديل 6/ 274).
(8) عبد الله بن الزبير بن العوام، القرشى الأسدي، أبو بكر، وأبو خبيب- بالمعجمة مصغرا- كان أول مولود في الإسلام بالمدينة من المهاجرين ولى الخلافة تسع سنين، قتل في ذى الحجة سنة ثلاث وسبعين.
(التقريب 1/ 415).
(9) روى نحوه الطبري بسند مثله فى جامع البيان ج 14 أثر (16354) ص 91 تحقيق محمود محمد شاكر.

(1/225)


414 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا حجاج (1) عن ابن جريج وعثمان بن عطاء عن عطاء الخراساني عن ابن عباس وَالَّذِينَ عَقَدَتْ (2) أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ قال: كان الرجل قبل الإسلام يعاقد الرجل يقول:
ترثني وأرثك فنسختها وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ (3).
415 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في هذه الآية مثل ذلك وزاد فيه قال: نسختها وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ إلى قوله:- إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً (4) قال: إلا أن يوصوا لأوليائهم الذين عاقدوهم وصية (5).
__________
(1) هو حجاج بن محمد المصيصي.
(2) وقرئت «عقدت».
(3) روى نحوه الطبري فقال: حدثني المثنى قال: حدثنا عبد الله بن صالح قال: حدثني معاوية عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، ثم ذكر الأثر بنحوه- جامع البيان ج 8 أثر (9268) / ص 275 تحقيق محمود وأحمد شاكر.
(4) سورة الأحزاب آية (6).
(5) قال أبو جعفر الطبري بعد إيراده للآثار المبينة لآية وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ وأولى الأقوال بالصواب في تأويل قوله وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ قول من قال: والذين عقدت أيمانكم على المحالفة وهم الحلفاء وذلك أنه معلوم عند جميع أهل العلم بأيام العرب وأخبارها أن عقد الحلف بينها كان يكون بالأيمان والعهود والمواثيق ... وأما قوله فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ فإن أولى التأويلين به ما عليه الجميع مجمعون من حكمه الثابت وذلك ايتاء أهل الحلف الذي كان في الجاهلية دون الإسلام بعضهم بعضا أنصباءهم من النصرة والنصيحة والرأي دون الميراث وذلك لصحة الخبر عن رسول الله- صلّى الله عليه وسلم- أنه قال: «لا حلف في الإسلام وما كان من حلف في الجاهلية فلم يزده الإسلام إلا شدّة» قال محمود شاكر في الحاشية:
الحديث بإسناده صحيح- قال أبو جعفر: فإذا كان ما ذكرنا عن رسول الله- صلّى الله عليه وسلم صحيحا وكانت الآية إذا اختلف في حكمها منسوخ هو أم غير منسوخ؟ غير جائز القضاء عليه بأنه منسوخ- مع اختلاف المختلفين فيه ولوجوب حكمها ونفي النسخ عنها وجه صحيح- إلا بحجة يجب التسليم لها لما قد بينا في غير موضع من كتبنا الدلالة على صحة القول بذلك، فالواجب أن يكون الصحيح من القول في تأويل قوله: وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ هو ما ذكرنا من التأويل وهو أن قوله:

(1/226)


قال أبو عبيد: فهذا نسخ الحلفاء فأما الذي في الأدعياء:
416 - فإن عبد الله بن صالح حدثنا عن الليث عن ابن شهاب قال:
أخبرني سعيد بن المسيب في قول الله عز وجل: وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ قال: قال ابن المسيب: إنما أنزل الله عز وجل ذلك في الذين كانوا يتبنّون رجالا ويورثونهم فأنزل الله عز وجل فيهم أن يجعل لهم نصيبا من الوصية ورد الميراث إلى الموالي من ذوي الرحم والعصبة وأبى الله عز وجل أن يجعل للمدّعين ميراثا ممن ادّعاهم ولكن جعل لهم نصيبا من الوصية مكان ما تعاقدوا عليه في الميراث الذي رد عليه فيه أمرهم (1).
417 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا عبد الله بن صالح عن الليث عن عقيل (2) عن ابن شهاب قال: أخبرني عروة بن الزبير وأبو عائذ الله بن ربيعة (3) عن عائشة أن أبا حذيفة بن عتبة وكان ممن شهد بدرا
__________
عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ من الحلف، وقوله: فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ من النصرة والمعونة والنصيحة والرأي، على ما أمر به من ذلك رسول الله- صلّى الله عليه وسلم- في الأخبار التى ذكرناها عنه دون قول من قال:
معنى قوله: فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ من الميراث وأن ذلك كان حكما ثم نسخ بقوله: وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ ثم قال ابن جرير: وإذا صح ما قلنا في ذلك وجب أن تكون الآية محكمة لا منسوخة.
انظر: تفسير الطبري ج 8 ص 281، 288 ت محمود واحمد محمد شاكر.
(1) روى نحوه الطبري فى جامع البيان ج 8 أثر (9288) ص 280 تحقيق محمود وأحمد شاكر.
(2) هو عقيل بن خالد الأيلي.
(3) أبو عائذ الله بن ربيعة: ويقال عبد الله بن ربيعة، روى عنه الزهري قرنه بعروة في قصة سالم مولى أبي حذيفة، قال الذهلي: أبو عائذ الله مجهول لا يعرف، وقال في التقريب: أبو عائذ الله بن ربيعة أو ابن عبد الله بن ربيعة هو إبراهيم بن عبد الله وإلا فمجهول، قاله الذهلي، من الثالثة.
(التهذيب 12/ 145 - التقريب 2/ 444).

(1/227)


مع رسول الله- صلّى الله عليه- تبنّى سالما وأنكحه ابنة أخيه هندا بنت الوليد ابن عتبة وهو مولى لامرأة من الأنصار كما تبنى رسول الله- صلّى الله عليه- زيد ابن حارثة وكان من تبنى رجلا في الجاهلية دعاه الناس إليه وورث من ميراثه حتى أنزل الله عز وجل في ذلك ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ (1) قال: فردّوا إلى آبائهم ومن لم يعلم له أب كان مولى وأخا في الدين (2).
418 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا حجاج (3) عن ابن جريج في هذه الآية قال: أخبرني موسى بن عقبة عن سالم عن ابن عمر أن زيد بن حارثة (4) ما كانوا (5) يدعونه إلا زيد بن محمد حتى نزل القرآن ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ (6).
419 - قال ابن جريج: قال مجاهد في هذه الآية: نزلت في زيد بن حارثة كان تبناه محمد- صلّى الله عليه وسلم-.
__________
(1) سورة الأحزاب آية (5).
(2) أورده السيوطي في الدر المنثور وعزاه إلى عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه ج 6/ ص 563.
(3) هو حجاج بن محمد المصيصي.
(4) زيد بن حارثة: ابن شراحيل الكلبي، أبو أسامة، مولى رسول الله- صلّى الله عليه وسلم-، صحابي جليل، مشهور، من أول الناس إسلاما استشهد يوم مؤتة في حياة النبي- صلّى الله عليه وسلم- سنة ثمان وهو ابن خمس وخمسين (التقريب 1/ 273).
(5) في المخطوط «ما كان» وعلى هامشه أثبت الصواب «ما كانوا» فأعدته إلى موضعه من النص.
(6) روى نحوه البخاري في صحيحه ج 6، كتاب التفسير سورة الأحزاب «باب ادعوهم لآبائهم» ص 22.
وروى نحوه مسلم في صحيحه ج 4، كتاب فضائل الصحابة «باب فضائل زيد بن حارثة وأسامة» ص 1884 تحقيق عبد الباقي.

(1/228)


420 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس فى قوله إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ (1) قال: إلا تأخذوا في الميراث بما أمركم الله عز وجل به تكن فتنة في الأرض وفساد كبير (2).
__________
(1) سورة الأنفال آية 73.
(2) رواه الطبري فى جامع البيان ج 14 أثر (16349) ص 86 تحقيق محمود محمد شاكر.

(1/229)