الناسخ والمنسوخ للقاسم بن سلام محققا

باب مؤاخذة العباد بما تخفي النفوس
501 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا إسماعيل (1) عن ابن أبي نجيح (2) عن مجاهد في قوله: وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ (3) قال: من الشك واليقين (4).
502 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا هشيم قال:
أخبرنا يزيد بن أبي زياد (5) عن مقسم (6) عن ابن عباس في هذه الآية قال:
نزلت في كتمان الشهادة وإقامتها (7).
503 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا حجاج (8) عن
__________
(1) هو إسماعيل بن إبراهيم بن عليّة.
(2) هو عبد الله بن يسار بن أبي نجيح.
(3) قلت: وقد سقطت الواو في المخطوط من أول الآية سورة البقرة آية 284.
(4) رواه الطبري فى جامع البيان ج 6 ص 115 أثر (6489) تحقيق محمود وأحمد محمد شاكر ورواه النحاس في ناسخه «باب ذكر الآية التي هى تتمة الثلاثين» المخطوط ورقة 90.
(5) يزيد بن أبي زياد الهاشمي: مولاهم، الكوفي، ضعيف، كبر فتغير، صار يتلقّن، وكان شيعيا من الخامسة، مات سنة ست وثلاثين ومائة (التقريب 2/ 365).
(6) مقسم: بكسر أوله، ابن بجرة، بضم الموحدة وسكون الجيم، أبو القاسم، مولى عبد الله ابن الحارث، ويقال له: مولى ابن عباس للزومه له، صدوق، وكان يرسل، من الرابعة، مات سنة إحدى ومائة (التقريب 2/ 273).
(7) رواه الطبري فى جامع البيان ج 6 أثر (6454) تحقيق محمود وأحمد شاكر.
وروى نحوه أيضا أبو جعفر الطحاوي في مشكل الآثار من طريق يزيد بن أبي زياد ج 2 ص 247.
(8) هو حجاج بن المنهال الأنماطي.

(1/274)


حماد بن سلمة عن حميد (1) عن عكرمة قال: إنما هي في الشهادة (2).
504 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا أبو أحمد الزبيري (3) عن سفيان عن الشيباني (4) عن عكرمة. فيها قال: نزلت في الشهادة.
505 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا حجاج (5) عن ابن جريج وعثمان بن عطاء عن عطاء الخراساني عن ابن عباس قال: لما نزلت هذه الآية جاء أبو بكر وعمر وعبد الرحمن بن عوف (6) ومعاذ بن جبل وناس من الأنصار فقالوا: يا رسول الله والله ما نزلت آية أشد علينا من هذه وإن أحدنا ليحدث نفسه بأشياء ما يحب أن تثبت في قلبه وأن له الدنيا وما عليها قال: فنسخ الله الآية وأنزل: آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ (7) إلى آخر السورة (8).
506 - وقال عطاء الخراساني قال قتادة: عن ابن مسعود: نسختها الآية التي بعدها لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها
__________
(1) حميد بن أبي حميد الطويل: أبو عبيدة البصري، ثقة، مدلس، من الخامسة، مات سنة اثنتين وأربعين ومائة وله خمس وسبعون (التقريب 1/ 202).
(2) روى نحوه الطبري فى جامع البيان ج 6 ص 103 أثر (6452)، تحقيق محمود وأحمد محمد شاكر.
(3) هو محمد بن عبد الله بن الزبير- أبو أحمد الزبيري.
(4) هو سليمان بن أبي سليمان الشيباني.
(5) هو حجاج بن محمد المصيصي.
(6) عبد الرحمن بن عوف: بن عبد عوف بن عبد الحارث بن زهرة القرشي الزهرى، أحد العشرة، أسلم قديما، ومناقبه شهيرة، مات سنة اثنتين وثلاثين (التقريب 1/ 494).
(7) سورة البقرة آية 285.
(8) روى نحوه الطبري فى جامع البيان ج 6 الأثران (6461، 6462) ص 107، 108 تحقيق محمود وأحمد شاكر وروى نحوه الحاكم وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
انظر: (المستدرك مع التلخيص 2/ 287).

(1/275)


مَا اكْتَسَبَتْ (1). قال: قال ما كسبت من خير وما اكتسبت من شر (2).
507 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا عباد بن العوام عن سفيان بن حسين عن الزهري عن سالم عن ابن عمر أنه قرأ هذه الآية فبكى فبلغ ذلك ابن عباس فقال: رحم الله أبا عبد الرحمن فعل أصحابه حتى نزلت لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها (3).
508 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا ابن طارق (4) عن ابن لهيعة (5) عن يزيد بن أبي حبيب عن ابن شهاب عن سعيد بن مرجانة (6) عن ابن عباس وابن عمر مثله ولم يقل عن سالم.
قال أبو عبيد: وكان إبراهيم بن سعد (7) يحدثه عن الزهري عمن سمع
__________
(1) سورة البقرة آية 286.
(2) روى نحوه الطبري فى تفسيره ولم يذكر في روايته تفسيرا ل «كسبت» و «اكتسبت».
جامع البيان ج 6 أثر (6478) / ص 112 تحقيق محمود وأحمد شاكر.
(3) روى نحوه الطبري فى جامع البيان ج 6 أثر (6462) ص 108 تحقيق محمود وأحمد شاكر وروى نحوه النحاس في ناسخه ذكر الآية التي هي تتمة الثلاثين ورقة 91 من المخطوط.
وروى نحوه الحاكم وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
انظر: (المستدرك مع التلخيص ج 2، كتاب التفسير سورة البقرة ص 287).
وقال ابن حجر في الفتح: أخرج الطبري بإسناد صحيح عن الزهري أنه سمع سعيد بن مرجانة يقول: كنت عند ابن عمر ثم ذكر الأثر (الفتح 8/ 206).
(4) هو: عمر بن طارق لم أتمكن من ترجمته.
(5) هو عبد الله بن لهيعة.
(6) سعيد بن عبد الله بن مرجانة، ومرجانة أمه، أبو عثمان الحجازي، ثقة فاضل، من الثالثة، مات قبل المائة بثلاث سنين، وله سبع وسبعون سنة (التهذيب 4/ 78 - التقريب 1/ 304).
(7) إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري، أبو إسحاق المدني، نزيل بغداد، ثقة، حجة، تكلّم فيه بلا قادح، من الثامنة، مات سنة خمس وثمانين ومائة. (التقريب 1/ 35).

(1/276)


سعيد بن مرجانة عن ابن عباس وابن عمر وأما معمر (1) فكان يرسله عن الزهري.
509 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا مروان بن شجاع (2) عن خصيف (3) عن مجاهد قال: لما نزلت هذه الآية شق على المسلمين فأنزل الله: آمَنَ الرَّسُولُ إلى آخر السورة (4).
510 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا حجاج (5) عن حماد بن سلمة عن حميد (6) عن الحسن في هذه الآية قال: نسختها آمَنَ الرَّسُولُ الآية (7).
511 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا ابن مهدي عن سفيان عن إبراهيم بن مهاجر عن إبراهيم قال: نسخها لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها (8).
__________
(1) هو معمر بن راشد الأزدي.
(2) مروان بن شجاع الجزري أبو عمرو الأموي، مولاهم، نزل بغداد، صدوق، له أوهام، من الثانية، مات سنة أربع وثمانين ومائة (التقريب 2/ 239). قلت: وقول ابن حجر: من الثانية لعله تحريف من أحد النساخ إذ الصواب «الثامنة».
(3) خصيف:- بالصاد المهملة مصغرا- ابن عبد الرحمن الجزري، أبو عون، صدوق، سيئ الحفظ، خلط بآخره، ورمي بالإرجاء، من الخامسة، مات سنة سبع وثلاثين ومائة.
(التقريب 1/ 224).
(4) أورد نحوه السيوطي في الدّر المنثور قال: أخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد عن مجاهد ثم ذكره نحوه/ ج 2/ ص 132.
قلت: لم أجد هذا الأثر في سنن سعيد بن منصور ولعله ضمن الأجزاء المفقودة.
(5) هو حجاج بن محمد المصيصي.
(6) هو حميد بن أبي حميد الطويل.
(7) روى نحوه الطبري فى جامع البيان ج 6 أثر (6474) ص 111 تحقيق محمود وأحمد محمد شاكر.
قلت: لعل المراد في رواية أبى عبيد الآية التي تلي قوله تعالى: آمَنَ الرَّسُولُ وهي لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها كما ورد ذلك صريحا في رواية الطبري للأثر إذ قال الحسن: «محتها لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها الآية ...
(8) روى نحوه الطبري عن إبراهيم بن مهاجر عن مجاهد: جامع البيان ج 6 ص 111 أثر (6472) تحقيق محمود وأحمد شاكر.

(1/277)


512 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في هذه الآية قال: لم تنسخ ولكن الله إذا جمع
الخلائق يقول: إني أخبركم بما كتمتم في أنفسكم فأما، المؤمنون فيخبرهم ثم يغفر لهم وأما أهل الشرك (1) والريب فيخبرهم بما أخفوا من التكذيب فذلك قوله: يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ (2).
513 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا حجاج (3) عن حماد بن سلمة عن علي بن زيد بن جدعان (4) عن أمة أو قال: عن أمية (5) شك أبو عبيد عن عائشة قالت (6): سألت عائشة عن هذه الآية وعن قوله:
__________
(1) هكذا في المخطوط، وقد كتب على هامشه: في نسخة الشك وهو الصواب.
(2) روى نحوه الطبري فى جامع البيان ج 6 أثر (6481) ص 113 تحقيق محمود وأحمد محمد شاكر.
(3) هو حجاج بن محمد المصيصي.
(4) علي بن زيد بن عبد الله بن زهير بن عبد الله بن جدعان، التيمي البصري، أصله حجازي، ضعيف، من الرابعة، مات سنة إحدى وثلاثين ومائة. (التقريب 2/ 37).
قال الحافظ بن كثير: علي بن زيد بن جدعان ضعيف، يغرب في رواياته.
(تفسير ابن كثير ج 1 ص 340).
(5) أمية: بنت عبد الله، أم محمد، روت عن عائشة وعنها ربيبها علي بن زيد بن جدعان، وهي امرأة أبيه (التهذيب 12/ 402).
قلت: والصواب أمية وهذا اسمها ومن اعتبرها أما لعلي بن جدعان فقد أخطأ. قال ابن حجر:
ووقع في بعض النسخ من الترمذي عن علي بن زيد بن جدعان عن أمه وهو غلط فقد روى علي بن زيد عن امرأة أبيه أم محمد عدة أحاديث. (انظر: التهذيب المرجع السابق).
قلت: ولقد روى الطبري أثر عائشة هذا وصرح باسم أمية فزال بذلك ما شك فيه أبو عبيد ولله الحمد والمنّة.
(6) القائلة هي أمية.

(1/278)


مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ (1) فقالت ما سألنى عن هذه أحد مذ سألت رسول الله- صلى الله عليه- عنها قبلك فقال: هذا متابعة الله العبد فيما يصاب من مصيبة أو يشاك من شوكة في نفسه وأهله وماله حتى إنه ليضع البضاعة في كفه فيفتقدها (2) فيفزع لذلك حتى يخرج المؤمن من ذنوبه كما يخرج التّبر (3) الأحمر من الكير (4) (5).
514 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا حجاج (6) عن ابن جريج وعثمان بن عطاء عن عطاء الخراساني قال: قالت عائشة في هذه الآية: أما ما أعلنت فإن الله يحاسبك به وأما ما أخفيت فما عجل لك من العقوبة في الدنيا (7).
__________
(1) سورة النساء آية 123.
(2) هكذا في المخطوط وفي هامشه تصويب «كمه» بدل» كفه»، و «فيفقدها» بدل «يفتقدها».
(3) التّبر: هو الذهب والفضة قبل أن يضربا دنانير ودراهم، فإذا ضربا كانا عينا.
(النهاية 1/ 179).
(4) الكير: كير الحداد وهو المبني من الطين (النهاية 4/ 217).
(5) روى نحوه الطبري فى جامع البيان ج 6 أثر (6495) ص 117، تحقيق محمود وأحمد محمد شاكر. ورواه الإمام أحمد المسند ج 6 ص 218 ط. دار الفكر.
ورواه الترمذي في سننه وقال: هذا حديث حسن غريب- انظر: سنن الترمذي/ ج 5، كتاب التفسير ص 221 تحقيق إبراهيم عطوة عوض.
ورواه الطيالسي ج 7 الحديث (1584) ص 221.
قلت: وفي هذا الحديث بعض الاختلاف في شيء من ألفاظه- فعند الترمذي وأحمد «منذ» بدل «مذ»، وعند الترمذي والسيوطي في الدر المنثور «معاتبة» بدل «متابعة». وفي المسند والطبري «كمه» بدل «كفه»، وعند الترمذي «كم قميصه».
(6) هو حجاج بن محمد المصيصي.
(7) لم أتمكن من تخريجه.
قال أبو جعفر الطبري عند تأويل قوله: وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله الآية:
وأولى الأقوال التي ذكرناها بتأويل الآية قول من قال: إنها محكمة وليست بمنسوخة، وذلك أن

(1/279)


.
__________
النسخ لا يكون في حكم إلا بنفيه بآخر هو له ناف من كل وجوهه، وليس في قوله جل وعز:
لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ نفي الحكم الذي أعلم عباده بقوله: أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ لأن المحاسبة ليست بموجبة عقوبة ولا مؤاخذة بما
حوسب عليه العبد من ذنوبه اهـ.
(جامع البيان ج 6 ص 118 تحقيق محمود وأحمد شاكر).
وقال النحاس في ناسخه: وإنما التأويل أنه لما أنزل الله تعالى: وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ اشتد عليهم ووقع في قلوبهم منه شيء عظيم فنسخ ذلك قوله تعالى: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها أي: نسخ ما وقع في قلوبهم أي: أزاله ورفعه: الناسخ والمنسوخ للنحاس/ ورقة 85، 86 من المخطوط.
وقال الشوكاني في فتح القدير: وبمجموع ما تقدم يظهر لك ضعف ما أخرجه سعيد بن منصور، وابن جرير وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في هذه الآية أنه قال: نزلت في كتمان الشهادة، فإنها لو كانت كذلك لم يشتد الأمر على الصحابة، وعلى كل حال فبعد هذه الأحاديث المصرحة بالنسخ والناسخ لم يبق مجال لمخالفتها (فتح القدير 1/ 306).
قلت: وما قاله الشوكانى من حمل الآية على العموم وإبطال قصرها على كتمان الشهادة هو عين الصواب، لكن الأولى حمل النسخ في الروايات المصرحة به على نسخ وإزالة ما وجده الصحابة رضوان الله عليهم من الشدة والحرج عند نزول آية وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ إزالته بقوله:
لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها الآية. كما أشار إلى ذلك النحاس في ناسخه بما قد ذكرناه عند.

(1/280)