النكت الدالة على البيان في أنواع العلوم والأحكام سورة هود
* * *
قوله: (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ
يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى
وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ)
دليل على استنزال الرزق والعيش الطيب بالاستغفار والتوبة.
ومثله إخبارا عن نوح، صلى الله عليه وسلم: (فَقُلْتُ
اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10)
يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11)
وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ
جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (12) .
فلو أن رجلا ممن لا يولد له اشتهى أن يكون له ولد فاستغفر
محتسبا مستعطفا به أولادا لولد له، وإن كان ميناثا (1) فأحب
الذكور من الأولاد لم يعدمهم، فإن الله صادق في قوله لا يخلف
ميعاده.
ذكر الزنادقة:
* * *
قوله: (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ
سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ
مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (13)
__________
(1) الميثاء: هو الذي يلد الإناث فقط، ومنه قولهم: امرأة
مئناث، ورجل مئناث إذا ولدا الإناث فقط وضده مذكار: الذي يلد
الذكور.
انظر لسان العرب (2/ 113) مادة أنث، والقاموس المحيط (1/ 167)
مادة أنث.
(1/601)
، وكذلك في سورة يونس: (أَمْ يَقُولُونَ
افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ) ، وقوله في سورة
بني إسرائيل: (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ
عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ
بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88)
وكذلك قوله في سورة البقرة: (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ
مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ
مِثْلِهِ)
حجة على الزنادقة والمعطلين؛ إذ عجز جميعهم عن إيراده، وقدرتهم
على الأشعار والخطب ودقة الكلام في الحكمة والفلسفة والأسجاع
العويصة - شاهد بصحته ودليل على منزله أنه حق واحد منفرد بما
لا يشارك فيه.
المعتزلة:
وقوله: إخبارا عن نوح عليه السلام: (وَلَا يَنْفَعُكُمْ
نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ
اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ
تُرْجَعُونَ (34)
حجة على المعتزلة والقدرية، خانقة لهم جدا لا يجدون عنها محيصا
ولا عن
(1/602)
غيرها، وكيف يضربون عن هذه الآية وأخواتها
ويفزعون إلى قوله: (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ
اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا) ،.
وقد دللنا في سورة الأنعام على أنهم وضعوها غير موضعها بما
يغني عن إعادته في هذا الموضع.
* * *
قوله: (وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ
قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ)
حجة عليهم، فلولا أن القضاء سابق في سعادة المبادرين إلى
الإيمان من قومه وبالشقاوة لمن تخلف عنه، ما كان لذلك معنى،
ولكنه لما تكامل إيمان من قسم له أوحى إليه أنه لن يؤمن غيرهم.
* * *
قوله: (قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ
اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ)
حجة عليهم.
* * *
وقوله: (وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ)
حجة عليهم وعلى الجهمية في أن الاستواء الاستقرار.
(1/603)
معنى القوم:
قوله إخبارا عن هود، صلى الله عليه وسلم: (فَإِنْ تَوَلَّوْا
فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ
وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّونَهُ
شَيْئًا) .
* * *
وقوله: (يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا)
وما قال: (ومن قوم موسى)
وكل ما في القرآن من ذكر القوم دليل على أن القوم وإن انفرد به
الرجال في حال فهو يجمع الرجال والنساء في أكثر الأحوال،
لإحاطة العلم بأن ذكر القوم في هذه الأمكنة قد جمع الرجال
والنساء، وأن كل أمة سميت بالقوم وبعث إليها نبي، فهو مبعوث
إلى الرجال والنساء.
فأما الموضع الذي يكون القوم فيه رجالا دون النساء فقوله: (يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ
عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ
نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ) .
قال زهير:
وما أدري ولست إخال أدري
أقوم آل حصن أم نساء
(1/604)
قوله تعالى: (فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ
مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلَاءِ مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا كَمَا
يَعْبُدُ آبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ
نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ (109)
حجة على المعتزلة في إيفائه إياهم نصيبهم من عبادة الأوثان،
والله أعلم.
وكذلك قوله: (وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ
رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ)
وهذه واضحة قاطعة كل ارتياب لهم لو تدبروها، فقد جمعت أيضا
الأعمال منه لكل، وقد دخل فيه الكافر والمؤمن والعامل بالخير
والشر.
الصلوات الخمس:
* * *
وقوله: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا
مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ)
دليل على أن الصلوات الخمس تمحو الخطايا كما قال رسول الله،
صلى الله عليه وسلم: " مثل الصلوات الخمس كمثل نهر جار على باب
أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات، فماذا عسى يبقى من درنه؟.
(1/605)
و (طرفي النهار) : الفجر والعصر، (وزلفا من
الليل) : المغرب والعشاء.
وقال في موضع آخر: (أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ)
فهي: الظهر (إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ)
فقد دخل فيه العصر والمغرب والعشاء ثم قال ((وَقُرْآنَ
الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (78) .
فهذا ذكر الصلوات الخمس في القرآن.
وقد ذكر الفجر وعشاء الآخرة بلفظهما في سورة النور فقال:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ
مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ
مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ
وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ
بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ) .
وقال في سورة البقرة: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ
وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (238)
(1/606)
وروي عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنها:
العصر؛ لأن قبلها صلاتين وبعدها صلاتين.
المعتزلة:
* * *
قوله: (وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ
رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ
رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ
أَجْمَعِينَ (119) .
حجة عليهم واضحة.
قوله (وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ) .
قالوا: في هذه السورة.
(1/607)
وقال الحسن: في الدنيا وهو أشبه - والله
أعلم - لأن الحق جاءه في السور كلها.
(1/608)
|