النكت الدالة على البيان في أنواع العلوم والأحكام

سورة يوسف
ذكر تسمية الجد أبا:
قوله تعالى إخبارا عن يعقوب: (وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ)
حجة في تسمية الجد أبا، لأن إسحاق جد يوسف وإبراهيم جد أبيه.
ذكر الشراة:
قوله إخبارا عن إخوة يوسف: (إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (8)
مع كل ما ذكرهم به من الغدر بأخيهم وإلقائه في الجب، وكذبهم بعد رجوعهم إلى أبيهم رد على الشراة، فيما يزعمون أن الذنوب كفر، إذ ليس يقدرون أن يكفروهم وهم أنبياء، وقد فعلوا تلك الأفاعيل كلها، ثم أخبر عنهم في آخر

(1/609)


السورة بعد ندامتهم: (قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا)
ولم يقولوا كفرنا، ولا رد الله عليهم ولا أبوهم قولهم.
* * *
وقوله: (وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ (9)
وهم رجال وقول النابغة.
.............................. وما أحاشي من الأقوام من أحد
إلا سليمان..............،

(1/610)


ذكر ما روي أن البلاء موكل بالمنطق إخباراً عن يعقوب:
قال: (قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ)
يؤكد أن البلاء موكل بالمنطق، لأنهم لم يعتلوا على أبيهم إلا بالشيء نفسه الذي سمعوه ينطق به لا غيره.
ذكر البكاء:
وقوله: " (وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ (16)
دليل على أن البكاء يكون من الفرح، ويكون كذبا وصدقا؛ إذ بكاؤهم لا يخلو من أن يجمع المعنيين، أو أحدهما.

(1/611)


ذكر البيوع:
* * *
قوله تعالى: (وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ)
دليل على أن الشراء قد يكون بمعنى البيع، إذ " شروه " لا محالة باعوه.
وفيه حجة أن بيع الأحرار ظلم، وما أخذ من أثمانهم حرام؛ لأن الثمن البخس هو الحرام المأخوذ بظلم، قال الله تبارك وتعالى: (وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ) . ثم قال: (وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ)
أي أخذه بالثمن.
تسمية المخلوق بالرب:
* * *
قوله: (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ)
حجة في أن

(1/612)


تسمية المخلوق بالرب غير منكر ولا حاط درجة الناسكين.
وفيه بيان أن يوسف، صلى الله عليه وسلم، كان يضع نفسه مع صاحبه موضع المماليك ويسميه ربا. (1)
وفيه بيان أن محافظة الحسن إلى الإنسان من أخلاق الأنبياء وذوي الفضل، وأن حرمة نسائهم أعظم من غيرهن؛ إذ في مواقعة المعصية معهن سوى تحريم الزنا خيانة وإضاعة حرمة.
تسمية المخلوقين بالسادة:
* * *
قوله: (وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ)
حجة في أن تسمية المخلوقين بالسادة جائز لا يضر ناسكا ولا غيره.
ذكر إباحة الانتصار:
قوله إخبارا عن امرأة العزيز، ((قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (25)
__________
(1) هذا بناء على أن المراد بقوله: (إنه ربي) عزيز مصر، وهو قول مجاهد والضحاك. وهناك قول بأن المراد بالرب هنا هو الله سبحانه وهو قول الزجاج.
وانظر في ذكر هذين القولين في تفسير الآية تفسير الطبري (12/ 182) وتفسير للماوردي (2/ 258) ، وزاد المسير (4/ 253) ، تفسير القرطبي (9/ 165) ، التفسير الكبير (5/ 54) ، وروح البيان للألوسي (12/ 212) .

(1/613)


حجة في إباحة الانتصار ومقابلة الظالم بمثل فعله.
قوله إخبارا عنها: (فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ) .
دليل على صحة استفزاز المرء بالمواجيد حتى يفعل ما لايشعر به.
غير أنه في الباطل، لأن ما أبهتهن من رؤية يوسف لم يكن بتأمل حق، وهذه حجة الصوفية وهي عليهم، لأنهن رأين رؤية عين، وهم لا يرون رؤية عين.
ذكر المعاقبة:
قوله إخبارا عنها: (قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ (32) قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ (33) فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (34) .

(1/614)


حجة في أشياء:
فمنها: ما دل آخر الكلام على أوله من أن النسوة كلهن اشتركن في مراودة يوسف وإن كان الخطاب في أول الكلام من امرأة العزيز بالوعيد له إن عصى أمرها. وهو نظير ما مضى في سورة يونس في قوله إخبارا عن دعوة موسى، صلى الله عليه وسلم: (رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (88) قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا) .
ومنها رد على المعتزلة والجهمية: فيما يزعمون أن الإنسان مالك نفسه، لا يحتاج إلى عصمة ربه عن المعاصي.
وهذا نبي الله يوسف - صلى الله عليه وسلم - يدعو بصرف كيدهن
عنه علما منه أن العصمة هي التي تنجيه وتحول بينه وبينه المعصية، فأخبر الله عن إجابة دعوته وصرف عنه كيدهن كما ترى.

(1/615)


ومنها: أن قول يوسف، صلى الله عليه وسلم: (رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ)
وإبلاء الله - جل وعلا - إياه اتعاظ لغيره أن لا يختار على سؤال العافية شيئا، وقد روي عن معاذ بن جبل أن النبي، صلى الله عليه وسلم، مر برجل وهو يقول: اللهم إني أسألك الصبر، فقال: " سألت الله البلاء، فاسأل الله العافية، وأنه، صلى الله عليه وسلم، عاد رجلا قد صار مثل الفرخ، فقال: " ما كنت في داعيا به، فقال: كنت أقول: اللهم ما كنت معذبي به في الآخرة فعجله لي في الدنيا، فقد صرت كما ترى، فقال: " ألا قلت: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ".
وروي في بعض الأخبار: أن يوسف، صلى الله عليه وسلم، لو سأل العافية ولم يسأل السجن لأعطي.

(1/616)


قوله: (يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ (41)
قد صح من حيث لا ارتياب فيه أن البلاء موكل بالمُنْطَقِ، وذلك أن هذين لم يكونا رأيا ما قالا، وكأنهما تحالما وبليا.
قوله: (وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ) .
نظير ما مضى في إباحة تسمية المخلوق بأسامي الخالق، ألا ترى
أنه أخبر به عن نبيه، صلى الله عليه وسلم، ثم ذكره هو جل وعز، وكذلك قوله (وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ) .
وكذلك قوله: (وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي) (قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ)
، وكل هذا حجة واضحة في إباحة ذلك، وقد لخصناه في سورة آل عمران.

(1/617)


قوله: (قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ)
قد حقق ما قلناه في: (قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ) .

ذكر تطرية النفس:
قوله إخبارا عن يوسف، صلى الله عليه وسلم: (قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55)
حجة في تطرية النفس بالحق عند الحاجة إليها، ولا يكون من التزكية النهي عنها بقوله: (فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ) .
وفيه أيضا حجة في تسمية المخلوقين بأسامي الخالق، إذ الحفيظ والعليم جميعا من أساميه جل وعز.
خصوص في ذكر العموم وذكر الطاعة ونيل الدنيا:
* * *
قوله: (وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (56) .

(1/618)


دليل علي أشياء:
فمنها: الخصوص في ذكر العموم، إذ لا محالة تمكين يوسف لم يكن
في جميع الأرض بل كان بأرض مصر ومخاليفها دون سائر الأرض.
ومنها: أن الطاعة تثمر الرزق في الدنيا ويعطى المؤمن الأجر عليها
في الدنيا ولا ينقص ذلك من ثوابه عند الله شيئا، كما يعطى الكافر بالشيء يسكن له في الدنيا ولا يكون له في الآخرة نصيب.
ومنها: أن نيل الدنيا إذا لم يشغل عن الآخرة غير مذموم، ويكون المعطى به موصوفا غير مسخوط عليه، وأنه وإن كان كذلك، فأجر الآخرة خير منه، لقوله - تبارك وتعالى - من قائل: (وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (57) .
تطرية:
قوله إخبارا عن يوسف، صلى الله عليه وسلم: (قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (59)
أوضح حجة وأبلغها نهاية في تطرية النفس عند الحاجة وتسميتها بأسامي الخالق، ألا تراه يقول في سورة المؤمنين: (وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (29)

(1/619)


فقد سمى يوسف، صلى الله عليه وسلم، نفسه بخير المنزلين في المعنى الذي أراده، ولم يكن منكرا عليه ولا مستقبحاً منه.
وفيه حجة لمن يقول إذا أراد مدح إنسان: فلان خير من فعل كذا، وفلان أحسن الناس وجها، وإن كان في الناس من هو خير منه وأحسن، إذا أضمر القائل ناس عصره، وعزل من تقدمهم من الأفضل بنيته، فلا يكون كاذبا ولا آثما بما يدل عليه ظاهر قوله.
وقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: " ألا أخبركم بخير الناس منزلة، رجل آخذ بعنان فرسه يجاهد في سبيل الله كلما سمع صيحة طار إليها "
فلا يكون هذا الرجل خيرا من الأنبياء وصحابة الأنبياء، ولكنه خير أشكاله.
ويدخل في هذا المعنى أن الخبر المروي في علي - رضي الله عنه -:
" أنه خير البشر" (1) .
__________
(1) أخرجه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد (192/3) . وابن الجوزي في الموضوعات (1/ 347) وقال: لا يصح عن رسول الله.
والذهبي في المغني في الضعفاء (155/1) في ترجمة الحر بن سعيد النخعي (167/1) وفي ترجمة الحسن بن محمد بن يحى العلوي، وفي الميزان (1/ 472) وقال: إنه باطل. وأورده الشوكاني في الفوائد المجموعة ص (347، 348) وقال عنه: موضوع.

(1/620)


" وخير من ترك بعد النبي، صلى الله عليه وسلم، أو خير من خلف بعده " بكلا اللفظي لو صح أيضا كان يكون على هذا المعنى، فلا يكون خيرا من الأنبياء والذين هم من البشر، ولكنه خير من البشر الذين هم دونه، ولا خير من أبي بكر وعمر وعثمان الذين خلفوا بعد النبي، صلى الله عليه وسلم، ولكنه خير ممن بعدهم من المخلفين، فإما أن يقروا بهذا في علي - رضي الله عنه - وإما أن يكفروا بالله، فيزعمون أن يوسف خير من ربه - جل وتعالى - والآخذ بعنان فرسه خير من نبيه، صلى الله عليه وسلم، وهذا عظيم القول، وما بيناه واضح غير مشكل ولا ملتبس عند من تدبره.
ذكر الاحتراز من العين:
وقوله إخبارا عن يعقوب - صلى الله عليه وسلم -: (وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (67) وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا)
حجة في الاحترازات خشية العين، لأن يعقوب، صلى الله عليه وسلم، نبي

(1/621)


وقد فكر في هذا وربه - جل وعلا - وإن كان قد بين أن احترازهم لم يغن عنهم شيئا، فلم ينكر وصاة أبيهم بذلك، وقال نبينا، صلى الله عليه وسلم: " العين حق ولو كان شيء يسبق القدر لسبقته العين ".
وفيه حجة على من ينفي القدر؛ لأن العين وإن كان حقا فليست تصيب إلا بقدر.
ذكر المعاريض:
* * *
قوله: (فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ (70)
إلى قوله: (قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ (79) .

(1/622)


حجة في جواز المعاريض، بل في إباحة الكذب فيما دعا إلى الصلاح والخير، ودفع الحرج فيه. وزوال المأثم في تكريره، وهو يؤيد حديث رسول الله، صلى الله عليه وسلم: " لا يصلح الكذب إلا في ثلاث
أحدها: في الإصلاح بين الناس "
ودليل في أن الوصول إلى الحقوق وصلاح ذات البين مباح بالحيل.
وأن الحيل المنهي عنها المعدودة من أبي حنيفة - رضى الله عنه - ذماً هي فيما أحل حراما أو حرم حلالا.

(1/623)


وأن البلاء موكل بالقول فيما تشمئز منه النفوس أو يكون صفرا من المنافع، لأن يعقوب، صلى الله عليه وسلم، حيث قال: (وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ)
قاله بقلب وجل ونفس مشمئزة.
والمتحاملين ليوسف، صلى الله عليه وسلم، كذبا في رؤياهما تطربا وعبثا. فأما ما دعا إلى الصلاح من المواطئة على الأمور التي تجدي المنافع فبعيد من البلوى وجدير بأن يبلغ صاحبه إلى الحظ الأوفى.
ذكر المحبة:
* * *
قوله: (قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ (85)
حجة في أن الحبة والشوق يبليان ويهلكان، والحرض: البالي

(1/624)


الخالة بمنزلة الأم:
* * *
قوله: (فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ)
دليل على أن الخالة بمنزلة الأم، لأن أم يوسف، صلى الله عليه وسلم، كانت ميتة.
وإنما آوى إليه أباه وخالته، وكان يعقوب جمع بين أختين
" ليا، وراحيل " أحلهما الله له.
معنى العرش:
* * *
قوله: (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ)
حجة في أن العرش هو

(1/625)


السرير - لا محالة - وأن عرش الله أيضا - جل جلاله - هو سريره الذي استوى عليه لا العلم كما يزعم الجهلة من الجهمية.
: معنى خروا له سجداً:
* * *
قوله: (وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا)
يعني أبويه وإخوته وكان تحيتهم إذ ذاك، فأبدل الله هذه الأمة بها السلام.
* * *
وقوله: (وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا)
يعني قوله في أول السورة: (إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (4) .
فكانت الكواكب إخوته، والشمس والقمر أبويه - أباه وخالته - هذا قوله بعض المفسرين أو معنى قوله.
وأما الذي عندي في: (وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا) أي: خر يوسف وإخوته

(1/626)


وأبوه وخالته سجدا لله حيث جمع شملهم بعد تبديده.
وسجود الشمس والقمر والكواكب له في المنام تأويله: ما أعطاه الله
من الملك ومكنه من السلطان في البلاد والأمر والنهي والاجتباء، والنبوة، وتعليم الأحاديث، وقد أخبر ببعض ذلك عن أبيه في تأويل الرؤيا في أول السورة.

(1/627)