النكت الدالة على البيان في أنواع العلوم والأحكام سورة الفرقان
المعتزلة.
* * *
وقوله: (وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا
نَفْعًا)
حجة على من يرد مشيئة العباد إلى أنفسهم، إذ لو كانت المشيئة
إليهم
لكانوا مالكين لضرهم ونفعهم، وقد نفاهما الله تعالى عنهم كما
نفى عنهم
الموت والحياة والنشور.
قوله عز وجل: (وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً)
حجة على القدرية والمعتزلة كيف ما صرفوا جعلنا بمعنى الخلق أم
بمعنى الصيرورة.
(3/503)
المعتزلة.
* * *
وقوله: (وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا
أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ
اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا
(21)
تتعلق به الجهمية والمعتزلة في نفي الرؤية، وهذا جهل
(3/504)
مفرط أن يكون الله - جل وتعالى - ينكر على
الكفار استدعاء رؤيته في
الدنيا فيفهمون به رؤية المؤمنين في الآخرة، ونحن مقرون بأن
الكفار
لا يرونه في الآخرة أيضاً، فكيف يحتج علينا لعدمنا رؤيته في
الآخرة
بعدم رؤيتهم في الدنيا.
وكان بعض من يتحذلق منهم من يزعم أن قوله: (يَوْمَ يَرَوْنَ
الْمَلَائِكَةَ)
دله على أن الله لا يُرى في القيامة من أجل أنهم استدعوا
من نزول الملائكة ورؤية الرب، فأجابهم الله عن واحد.
وهذا إن لم يكن في إفراط حاله من جهل الأول فهو مثله، ومن الذي
قال: إن الكافر يَرى ربه في الآخرة حتى يتدقق عليه بهذا
التدقيق، أو
يعلم أن الملائكة الذين يرونهم الكفار ملائكة العذاب، ورؤية
الرب
مخصوص بها المؤمنون دونهم.
ولو كان كما زعم أيضاً - ومعاذ الله أن يكون كذلك - ما كان في
(3/505)
سكوته عما سكت دليل على ما ادعاه الأحمق،
فكيف والكافر لاحظ له
في الرؤية بحال.
* * *
وقوله: (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ
الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا (25) الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ
لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا
(26)
دليل على أن الله - تبارك وتعالى - خاطب الكفار على ما هو في
سجايا عقولهم، إذا الملك في كل وقت حق له، وكل ما سُمي به من
خلقه فهو مملوك، مملك بما أعطاه الله ومكنه منه، ولكنه لما كان
في
عقولهم أن المتفرد بملك يوم من حيث يعرفونه مستولي على السلطان
وحده خاطبهم به.
(3/506)
وقوله: (وَكَانَ يَوْمًا عَلَى
الْكَافِرِينَ عَسِيرًا (26)
دليل على أنه على المؤمنين يسير، وهي بشارة لهم، إذ محال أن
يخص
الكفار بصفة عقوبة لهم، إلا والمؤمنون بضد تلك الصفة.
(3/507)
وقوله: (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ
إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا (30)
حجة على من يعدل عنه في الاحتجاج به، ويعيب على من يدعو إليه.
المعتزلة.
* * *
قوله: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ
الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا (31)
حجة عليهما - أعني القدرية والمعتزلة - في الجعل كيف صرفوه
(3/508)
ذكر حفظ الشىء.
* * *
وقوله تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ
عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ
بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا (32) .
دليل على من أدركه حفظ شيء حفظه قليلاً، أو شيئًا بعد شيء
ليرسخ في قلبه، ويأمن من نسيانه.
ودليل على أن التعليق بالأسباب تعلق بالمسبب لا يؤثر في توكل
المتوكلين، كما يزعم جهلة المتصوفة أن طلب المكاسب مؤثر في
التوكل، لا يعلمون أن الله - جل جلاله - كان قادرًا على تثبيت
القرآن جملة واحدة في قلب محمد - صلى الله عليه وسلم - ولكنه
لما
جعل سببه الحفظ بصفة أجراه عليها، وهذا نظير ما مضى في سورة
الكهف: (وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ)
.
الهوى.
* * *
وقوله تعالى: (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ)
(3/509)
دليل على أن الهوى أشد شيء ضررا على الدين،
إذ كان
يبلغ بالمرء أن يتخذه هواه، وكانت قريش تهوى حجرا فتتخذه صنما.
ثم يرون آخر هو أحسن في أعينهم منه فيتركون الأول ويعبدون
الثاني على
مقدار هواهم فيه.
المبالغة.
* * *
وقوله: (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ
يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ
أَضَلُّ سَبِيلًا (44)
نظير ما مضى في سورة البقرة من قوله: (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ) .
وذلك أنهم كانوا لا محالة يسمعون بآذانهم، ويعقلون عقلا تلزمهم
به
الحجة، ولكنهم لما عدموا العقل الذي ينجيهم، والسماع الذي أريد
منهم نُسبوا إلى افتقاد السماع والعقل، وهو حجة على المرجئة
والقدرية
واضحة.
(3/510)
وقوله: (إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ
بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (44)
تأكيد لما قلناه من جواز المبالغة في الشيء، ورد على من يأباه
من
متنطعي المريدين، والمعتزلة والقدرية، إذ كانوا كالأنعام وأضل
(3/511)
سبيلاً، وهم مع ذلك مخاطبون معاقبون،
والأنعام غير مخاطبين ولا معاقبين.
قضاء النوافل.
* * *
قوله: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً
لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا (62)
حجة في قضاء النوافل.
البيتوتة.
* * *
قوله: (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا
وَقِيَامًا (64)
(3/512)
دليل على أن البيتوتة هو ضد الطول بالنهار،
لا أنه النوم.
وكيف يكون نومًا وهو يقول: سجدا وقيامًا.
ودليل على أن وَاوَ النسق وإن أخرت في اللفظ فهي مقدمة في
المعنى
لأن القيام لا محالة قبل السجود، ففيه أكبر الدليل على أن
الذراعين وإن
أخرا في اللفظ على الوجه في الوضوء فَغُسلا قبله لم يكن بمنكر،
وإن
(3/513)
اخترنا أن لا يقدمها، ويأتي به على نسق
اللفظ.
الدعاء.
* * *
وقوله: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا
عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65)
دليل على أن الدعاء عبادة يثاب عليه الداعي، ألا ترى أن الله -
جل
وتعالى - جعله في جملة ما مدح به عباده في هذا المدح، ويؤيده
قوله:
(وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ
الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي) ، فسماه عبادة.
(3/514)
وروى النعمان بن بشير، عن النبي - صلى الله
عليه وسلم - أنه
قال: " الدعاء هو العبادة " ثم قرأ هذه الآية.
(3/515)
السرف.
* * *
وقوله: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ
يَقْتُرُوا)
هو - والله أعلم - على ما بيناه في سورة بني إسرائيل، فيكون من
أنفق في معصية مواقعا سرف الخطأ، إذ لا خطأ أخطأ من المعصية.
ومن منع من حق فقد قتر، ولا يقع اسم التقتير إلا على ما يكون
(3/516)
المرء مطالبا بالإنفاق فيه فيحبسه عنه، لا
أنه الاقتصار من الكثير على يسير
يجزي.
* * *
وقوله: (وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (67)
أي عدلا في طاعة كان، أو مباح بعد أن لا يجحف إجحافا
بينا والله أعلم. وقد اختلف فيه أهل التفسير وما قلناه - والله
أعلم -
يجمع معاني أقاويلهم.
خصوص.
* * *
وقوله: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ
أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ)
ْدليل على أن قوله في سورة التغابن: (إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ
وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ) خصوص لا محالة بمن، إذ قد
جعل دعاءهم هاهنا في
إعطائه إياهم الصالحين منهم في جملة ما أثنى عليهم به، ولو
كانوا كلهم
صالحهم وطالحهم على العموم فتنة ما كان الدعاء به ثناء.
(3/517)
ذكر المنزلة الرفيعة.
* * *
وقوله تعالى: (وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74)
دليل على أن حب المنزلة الرفيعة، والإشارة به إلى محبه في
الدين ليس
بمنكر، إذا أحبه المحب جلالة للإسلام، وظهورا لنعمة الله عليه
فيه.
بل هو طاعة إذ قد أثنى الله على طالبيه فيما دعوه به كما قرى.
وفي ذلك توهين الحديث المروي: " كفى بالرجل شرَّا أن يشار إليه
بالأصابع "، أو يكون مصروفَا إلى من افتتن به.
(3/518)
سورة الشعراء
رد على من يقول بخلق القرآن.
* * *
قوله: (وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ
الظَّالِمِينَ (10)
دليل على أن الله - جل وتعالى - متكلم، وأن القرآن كلامه، ولا
يكون كلامه مخلوقا.
وليس لهم فيما في أول السورة من قوله: (وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ
ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ
مُعْرِضِينَ (5) متعلق، إذ كل من لم يكن له عهد بشيء ثم عهد
برؤية أو
(3/520)
سماع كان ذلك العهود محدثَا عنده لا أنه
محدث بمعنى المخلوق.
ونحن لا ننكر أن الله - جل وتعالى - قبل أن ينادي موسى - صلى
الله
عليه - كان غير مناديه، ولكنه لما ناداه بكلامه، والكلام نعت
من نعته لم
يجز أن يكون مخلوقَا.
ونحن لم نزعم أن القرآن خالق حتى يلزمنا بوقوع اسم المحدث عليه
أنه
مخلوق، والخالق لايكون مخلوقَا، ولا شيء من نعوته.
فمن أقر منهم بأنه متكلم فالحجة عليه بهذا واضحة، ومن أنكر
كلامه
فقد ألزمناه الحجة بقوله إخبارَا عن متخذي العجل: (أَلَمْ
يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ) ، وأشباهه في فصول كتابنا
هذا، ونفس النداء دليل
أيضا على الكلام بلا إشكال. ودللناهم في باب الجعل على ما فيه
شفاء وبُلغة، فلم يبقَ لهم حجة إلا وقد كسرناها كسرا لا يلبس -
(3/521)
بنعمة الله - على عالم ولا جاهل.
جمع الاسم: (إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ (15)
* * *
وقوله: (قَالَ كَلَّا فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ
مُسْتَمِعُونَ (15)
حجة على من ينكر السمع واضحة.
* * *
وقوله: (مَعَكُم) بلفظ الجمع، وهما اثنان يحتمل معنيين:
أحدهما: أن يكون شملهما ومن آمن معهما، ومنع المبعوث إليه.
بمعنى أنه لا يغيب عنهم يسمع ما يقولون، ويقال لهم.
جمع الاسم.
(3/522)
وقوله: (فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ
الْعَالَمِينَ (16)
غير مثنى، أي كل واحد منا رسول - والله أعلم - وهو مثل قوله:
: (وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ (4) أي كل واحد
منهم ظهير، وهو من فصيح كلام العرب واستغنائهم بجمع الاسم عن
جمع النعت.
وقوله إخبارا عن السحرة: (إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا
رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ (51)
قد أكد ما قلنا: أن قوله في سورة الأعراف إخبار عن موسى - صلى
الله عليه وسلم -: (وَأَنَا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ) أنه أول
قومه إيمانَا،
(3/523)
وكذاك السحرة أول من آمن بموسى لما يلقف
حبالهم وعصيهم، إذ
الأنبياء كلهم قبل موسى - صلى الله عليه وسلم - كانوا مؤمنين
أن الله
- جل جلاله - لا يُرى في الدنيا.
مال الكافر.
* * *
وقوله: (فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (57)
وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (58) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا
بَنِي إِسْرَائِيلَ (59)
دليل على أن مَن قُهر مِن الكفار كان مالهم فيئاً لمن قاتلهم
(3/524)
ناضَّة أو غير ناضَّة.
(3/525)
المعاينة والتجربة.
* * *
وقوله تعالى: (قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ
(61) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62)
دليل على أن المعاينة والتجربة أقوى في نفوس البشر، وقلوبهم
إليها
(3/526)
أشد طمأنينة، صالحة كانت النفس أو طالحة،
لأنها على ذلك مجبولة
لا تقدر أن تغيره من أنفسها. لأن موسى خاف عصاه حين تحولت
ثعبانا في بُدوِّ أمره. وخاف حبال السحرة وعصيهم يوم ألقوها،
فلما
تمكن في النبوة، وكثرت آيات الله الجميلة عنده، وعاينها منه
وقتَا
بعد وقت، أيقن أنه لا يسلمه لشدة وقد سلمه منها مرة بعد أخرى.
فقال ما قال ثقة بربه وتوكلا عليه.
* * *
وقوله: (فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ
(77)
ولم يقل: أعداء، نظير قوله: (إِنَّا رَسُولُ رَبِّ
الْعَالَمِينَ (16)
مع أن العدو أظن لفظَا للجمع أيضاً مثل العدل.
المعتزلة.
وقوله إخبارَا عن إبراهيم - صلى الله عليه: (الَّذِي خَلَقَنِي
فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ
(79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي
يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81)
(3/527)
رد على المعتزلة والقدرية فيما يزعمون أن
أفعال العباد لا صنع فيها بتة
ولا يقولون: إن أفعالهم وإن كانت منسوبة إليهم فهم في الحقيقة
مهيضون إليها وميسرون لها.
أفيشك أحد أن إبراهيم - صلى الله عليه - كان يتناوله مأكوله.
ومشروبه بيده، ويرفعه إلى فيه، ويبتلعه بحلقه، ويكون فعله بها
منسوبا إليه، وقد قال كما ترى: إن الله مطعمه وساقيه.
ويقال للميت: مات في اللفظ، ولا يقال: موت، وهو في الحقيقة
ممات.
فيما ينكر أن تكون هداية إبراهيم وغيره وإن كانت منسوبة إليهم.
فالله هاديهم كما هو مطعمهم وساقيهم، وضلال من ضل وإن كان
منسوبًا إليه فالله مضله وخاذله، كما هو مميته ومحييه، وتكون
معرفة
العدل عنده دونهم منفردًا به - جل جلاله -.
(3/528)
تخويف المؤمنين.
* * *
قوله: (وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي
يَوْمَ الدِّينِ (82)
تخويف للمؤمنين شديد أن يعملوا ولا يتكلوا، إذ كان خليله - صلى
الله عليه وسلم - طامعًا في غفران خطيئته غير حاتمٍ بها على
ربه.
فمن بعده من المؤمنين أحرى أن يكون أشد خوفَا من خطاياهم.
(3/529)
حب الإنسان الثناء الحسن.
* * *
وقوله: (وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ (84)
يؤكد ما قلنا من جواز حب الإنسان الثناء الحسن.
ْالشفاعة.
قوله إخبارًا عن أهل النار: (فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ
(100) وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ (101)
دليل على أن الله - جل جلاله - يُشفع غير رسول الله - صلى الله
عليه وسلم - قوما من المؤمنين بعضهم في بعض، وأن الصديق يشفع
لصديقه.
(3/530)
المعتزلة.
وقوله إخبارا عنهم: (فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ
مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (102)
دليل على أن من يخلد في النار فبكفره لا بذنبه، إذ لو خلف
بذنبه
لقالوا - والله أعلم -: فنكون من الصالحين.
وهو رد على المعتزلة في باب الوعيد لو تميزوه.
(3/531)
قوله: (كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ
الْمُرْسَلِينَ (105)
دليل على أن الله - جل جلاله - قد بعث إليهم قبل نوح غيره
فكذبوه. وَكذلك عاد وثمود أرسل إليهم قبل هود وصالح صلى الله
عليهما غيرهما لقوله: (كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ (123) ،
(كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ (141) ، وكذا أصحاب الأيكة
بعث إليها غير شعيب - صلى
الله عليه - لقوله: (كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ
الْمُرْسَلِينَ (176) .
تبصر البيان.
* * *
وقوله: (إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ (137) وَمَا
نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (138)
(3/532)
دليل على أن كل من عمي عن الحجة وترك تبصر
البيان، وعول على
عقل غيره أهلكه، إذ لا يعلم أحد ممن هلك من القرون الخالية إلا
صادَّا
عن بيان الرسل، معولا على الآباء الماضين، واختيار عقولهم على
عقول
أنفسهم.
ألا ترى أن عادا كيف أهملوا موعظة هود - صلى الله عليه -
وتركوا
الإصغاء إليه، مستنيمين إلى ما كان آباؤهم يقولون، ويأملون
أنهم إذا
ماتوا لم يبعثوا ولم يحاسبوا.
(3/533)
قياس.
وقوله إخبار عن ثمود وأصحاب الأيكة لرسولهم: (مَا أَنْتَ
إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا)
دليل على أن القياس ظاهر على هلاكهم، حين قدروا في قياسهم أن
بشرين لا يجوز أن يستويان في البشرية، ويفترقانه في المرتبة.
إما أن
يبعثوا رسلا كما بعث غيرهم، وإما أن يكون محالا عندهم أن يبعث
من لم ينابهم في البشرية.
وكما قال غيرهم: (وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ
الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ
إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا (7) أَوْ يُلْقَى
إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا.
فرأوا أن من أكل أكللهم، ومشى في أسواقهم، وليس له شيء مفرد
يأكله ويسكنه لا يجوز أن يخالفهم فيما هم بسبيله من ذلك.
فالقياس يورد هذه الموارد، وما أعلم أحدا من المتقدمين من
أصحاب
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والتابعين ثبت عنهم قول
(3/534)
بقياس.
وعامة ما روي عنهم مما يحمله الناس منهم على القياس ليس بقياس
سيجده الناظر في كتابنا المترجم بشرح النصوص إذا تأمله في
فصوله.
الكاهن.
* * *
وقوله: (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ
الشَّيَاطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ
(222) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ (223)
يصحح الحديث المروي في الكاهن: " أن وليه من الشيطان يلقي إليه
السمع، فيخلط معه أكثر من مائة كذبة ".
(3/535)
وفيه دليل على أن الكهنة كذابون أفاكون لا
يغتر بتلك الكلمة من أقاويلهم.
(3/536)
الانتصار.
وقوله مستثنى من الشعراء: (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا
وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ
الَّذِينَ ظَلَمُوا
دليل على أن من تجنب الكذب المحض في شعره، ولم يتشبع به فقوله
للشعر مباح لا حرج عليه، وأن البادي بالهجو ظالم، والمجيب
منتصر.
وأن الانتصار يكون باللسان، كما يكون باليد.
ودليل على أن قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " من دعا
على مَن ظلمه فقد انتصر" ليس بمنع للدعاء، وكيف يمنع شيء
(3/537)
أذن الله فيه في هذه الآية، وفي قوله:
(وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا
عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41) .
وغيره. ولكنه أخبر - صلى الله عليه وسلم - أنه قد انتصر
بدعائه، وأحال به على ما ينصفه ولا يظلمه.
(3/539)
سورة النمل
المعتزلة.
* * *
وقوله: (إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ
زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ (4)
حجة قاطعة مسكتة على المعتزلة والقدرية إذ قد أخبر عن نفسه -
جل
جلاله - أنه مُزين أعمال الكفار نصَّا بِلا تأويل. ففيه دليل
على أن ما أخبر
من تزيين الشيطان فهو تبع لتزيينه، كما أن مشيئة عباده في
المعصية تابعة
لمشيئته فيهم، إذ محال أن تكون مشيئة الخالق تبعَا لمشيئة
مخلوق، أو تزيينه
تبعا لتزيين الشيطان، فإما أن يجعلوهما تبعَا ويكفروا، أو
يجحدوا هذه
الآية فيكفروا أيضاً، وإما أن يفرقوا بما قلناه ويسلموا،
ويكلوا علم
العدل فيه إلى من لم يستعبدهم بمعرفته، ولم يلزمهم مزاحمته في
سره.
(3/540)
وقوله: (إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ
إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ
آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (7)
دليل على أن طلب النار مباح، ولا يكون في عداد المسألة. وجائز
للمرء أن يسافر بحرمته إذا خشي عليها الضيعة.
رد على من يقول بخلق القرآن.
* * *
وقوله: (يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ
الْحَكِيمُ (9)
دليل واضح على أن القرآن كلام الله غير مخلوق، وقد فسرناه قبل
هذا في سورة أخرى.
معرفة القلب دون إقرار اللسان.
* * *
وقوله: (فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا
هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (13)
ولم يقل: هذه، لأنه - والله أعلم - رد على الجائي من
(3/541)
الآيات. ثم قال: (وَجَحَدُوا بِهَا)
برده على الآيات. وفيه دليل على أن معرفة القلب دون إقرار
اللسان
وتوطين النفس على الشيء لا ينفع، ولا الإقرار ينفع دون الضمير
حتى
يجتمعا معا، وتستوطن الأنفس عليه ويأخذ في العمل معه.
ذكر الرافضة.
* * *
وقوله: (وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ)
يحتج بها جهلة الرافضة - وإن كانوا جهالا كلهم - يريدون أن
يدفعوا
(3/542)
به إجماع المسلمين ورواية الصادقين أن
الأنبياء لا يتوارثون الأموال.
ليتطرقوا به إلى أن أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - ظلم فاطمة
-
رضي الله عنها - في ترك إعطائها فدك، ولا يعلمون أن سليمان
ورث داود - صلى الله عليهم - نبوته لا ماله، وأن النبي - صلى
الله عليه وسلم -
(3/543)
لو لم يكن خاتم النبيين أيضًا ما كان
للإناث حظ في النبوة، فكيف وهو مع ذلك خاتم الأنبياء - صلى
الله عليه وسلم - وعلى زوجه.
أولا يعتبرون - ويحهم - أن عليا - رضوان الله عليه - إن كان
مضطهدًا على زعمهم مدة خلافة أبي بكر وعمر وعثمان، رضي الله
عنهم - ومعاذ الله أن يكون كذلك - أجرى حين وَلي فدك مجرى
ما أجروه، ولم يورث الحسن والحسين، وزينب، وأم كلثوم ما
حرموا أولئك بزعمهم أُمهم وهم بعدها، فقد استوى إذَا علي في
الظلم معهم إن كان الأمر كما قالوا، حاشاه وحاشاهم.
(3/545)
المعتزلة.
وقوله إخبارا عن سليمان: (فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا
وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي
أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ
صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ
الصَّالِحِينَ (19)
رد على المعتزلة والقدرية، إذ كان - صلى الله عليه - يسأل الله
أن
يلهمه الشكر، وينهضه للعمل الصالح، ويدخله برحمته في صالح
عباده. وهل يخلو من أن يكون دعا بما هو مستغن، فينسب إلى أن
دعاءه حشو، ومعاذ الله.
أو دعا وهو يوقن أنه لا يقدر على شيء بتة إلا به، أو بمعونته،
فإذا
عدمه لم يقدر.
فكيف يزعمون أن العبد على عمله منفردا به، ونبي الله - صلى
الله
عليه وسلم - يبرأ من الحول والقوة هذا التبرؤ، ويستلهم الله -
جل
جلاله - ما لا يتم أمره إلا به لحظة.
قبول خبر الواحد.
وقوله إخبارَا عن الهدهد: (فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ
أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ
بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22) إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ
وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ)
(3/547)
مع ما ذكره به خبره.
دليل واضح بلا إشكال على قبول خبر الواحد من أي جنس كان من
الناس وغيرهم إذا عرف صدقه.
ألا ترى أن سليمان - صلى الله عليه - إنما كف عن عذابه حيث
أتاه
بسلطان مبين، الذي كان استثنى فهلا عذبه لو لم يقبل خبره، وقال
له: أنت واحد لا أقبل خبرك عن سبأ حتى يخبر به
معك غيرك من الطير.
وليس في قوله: (قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ
الْكَاذِبِينَ (27)
ما يوهن ما قلناه، ألا ترى ائتمنه في حمل كتابه، ورد جوابه وهو
(3/548)
واحد.
المعتزلة.
وقوله في تمام القصة: (وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا
عَرْشٌ عَظِيمٌ (23) وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ
لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ
أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا
يَهْتَدُونَ (24) أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ
الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا
تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (25) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا
هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (26)
حجة على المعتزلة والجهمية فيما يزعمون أن مَن وصف الله بصفة
قد
وصف بها مخلوق فقد شبهه بخلقه. أفتزعم أن عرش ملكة سبأ
عرش الله، أو تشبيه بعرش الله من حيث تكون صفته فى السمك
والطول، والعرض والجوهر، والتركيب، سيما وقد وُصِف
(3/549)
بعرش عظيم كما وصف عرش الله.
ومن قولهم: إن من قال: إن لله يدان، لزمه أن يقول: موصولة
بذراع، وذراع بعضد ومنكب.
أَوَلا يعتبرون أن الله جل وتعالى - لما كانت ليديه صفة
يعرفهما من
نفسه، لم يلزم واصفه بهما أن يقول: إنما كذلك، كما لا يلزم
المسمي عرش ملك سبا بعرش عظيم أن يقول: هو مثل عرش القَه
العظيم، ولكنه وفاق وقع بين الاسم والاسم، بأنه سرير وذلك سرير
مجسدان غير أنهما مختلفان في الخلقة.
الغنائم.
* * *
وقوله: (أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ
يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (38)
دليل على أن من أخذ من الكفار قهرَا قبل إسلامهم، وجميع
أمتعتهم
إذ كان قبل الاقتدار عليهم.
(3/550)
فإن قال قائل: أن ما لك تكرر هذا قد ذكرته
في سورة الشعراء
ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " أُحلت لي الغنائم
ولم تحل
لنبي قبلي "، وهو أحد الخصال التي فضل بها على النبيين قبله.
قيل: قد يجوز أن يكون أراد - صلى الله عليه وسلم - الغنائم
التي هي
مأكولة من الحيوان، وأنواع الأطعمة أحل له ولأُمته أكلها،
وكانت
من قبل على عهد الأنبياء سواه تجيء نار من السماء فتأكلها.
(3/551)
ولا تكون الأرضون والذهب والفضة، وسائر
الأمتعة غير المأكول
داخلا فيها، لأن الله - جل وتعالى - يقول نصَا: ()
فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (57) وَكُنُوزٍ
وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (58) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي
إِسْرَائِيلَ (59)
كما قال في النبي - صلى الله عليه وسلم - وأُمته:
(وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ
وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ
قَدِيرًا (27)
ذكر الظلم..
وقوله: (فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا)
دليل على أن الظلم يورث أهله الهلاك، ويعقب ديارهم الخراب
(3/552)
ثواب لا إله إلا اللَّه.
* * *
قوله: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا)
أجمع أأهل التفسير على أن الحسنة في هذا الموضع لا إله إلا
الله.
(وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ)
أجمعوا على أنه الشرك.
فقوله: (وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ (89)
يوم النفخ في الصور.
(3/553)
|