النكت الدالة على البيان في أنواع العلوم والأحكام سورة القصص
شكوى الضر إلى الله.
قوله تعالى إخبارا عن موسى - صلى الله عليه -: (فَسَقَى
لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي
لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24)
دليل على أن شكوى الضر إلى الله مباحة، وسؤاله الغوث جائز.
وليس على من أصابه ذلك أن ينتظر إتيانه من الله قبل المسألة
اعتمادَا
على أن الله - جل جلاله - يعلم حاله فيأتيه برزقه.
لأنه وإن كان كذلك فلم يحظر المسألة بل ندب إليها، وعمل بها
نبيه -
صلى الله عليه وسلم - كما ترى فقال: (وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ
فَضْلِهِ) ، وقال: (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) ، مع أن
المسألة
(3/554)
له ولغيره بإباحته إذ أوى فيهما السائل إلى
التعبد لا إلى النظر إلى غيره بغير
نفع أو ضر ليست بموثرة في درجات المتوكلين، بل هي زيادة في
درجاتهم لإقامة تعبد بينهم وبين متعبدهم، والقلوب ساكنة سكون
طاقتها، وإقامة الاجتهاد في رعايتها، إذ قد عفا لهما عما ليس
في طبع بشريتها من هواجس الخاطر عليها من حيث لا يملكه، ولم
يستعبد من صرفه بأكبر من كراهته.
ذكر من تطوع بعمل لآخر.
* * *
وقوله تعالى: (فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى
اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ
أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا)
دليل على أن من تطوع بعمل لآخر فعليه أن يعطيه أجره، إلا أن
يمتنع من أخذه، ويحتمل أن لا يكون فرضا، ولكنه في أخلاق المروة
والديانة أن يعرض عليه فإن امتنع العامل كان صاحبه قد قضى ما
عليه
من حق المروة والديانة.
(3/555)
الاحتراز من الفتنة.
وقوله تعالى إخبارَا عنها: (اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ
اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26)
دليل على أن ظاهر عمل الطاعة في الإنسان يستدل به على عدالته
وأمانته.
ودليل على أن الاحتراز من الفتنة من أخلاق الأنبياء، إذ جعل
موسى
- صلى الله عليه - إياها خلفه، ومشيه أمامها دليل على أنه
احترز من فتنة
تلحقه.
(3/556)
وفيه دليل أيضاً على أن تَأَمُّلَ خَلْقِ
امرأةِ من وراء الثوب مذموم كتأمله
بَاديَا، وإن كان باديا أعظم، لأن الله - جل جلاله - عالم
بخفيات
القلوب، وعارف بما تكن الصدور.
وقد روي في الخبر أن امرأة حسناء كانت تصلي خلف رسول الله -
صلى الله عليه وسلم - فتقدم قوم إلى أوائل الصفوف وتباعدوا
عنها خشية
الفتنة على أنفسهم، وتأخر آخرون إلى أواخر الصفوف طمعا في
ملاحظتها
فأنزل الله تبارك وتعالى -: (وَلَقَدْ عَلِمْنَا
الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا
الْمُسْتَأْخِرِينَ (24) ، وروي عن حذيفة بن اليمان - رضي الله
عنه -
(3/557)
أنه قال " من تأمل خَلْق امرأة من وراء
الثوب وهو صائم أفسد صومه "
- ومعنى أفسد صومه - والله أعلم - أنه لم ينزهه عن محارم
(3/558)
الله لا أنه مفطر بالنظر، لأن الصائم عليه
أن ينزه صومه من كل ما عليه
فيه مأثم، ألا ترى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "
إذا
كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث يومئذ ولا يجهل، فإن امرؤ قاتله أو
شاتمه
فليقل: إني صائم إني صائم ".
فالمتأمل خلق المرأة في حال صومه مدخل عليه بمقدار ما عليه من
خطر التأمل خللاً من الفساد، وهاتكا بعض التنزه، وصومه جائز لا
إعادة عليه كما أن المصلي تنثلم
(3/559)
صلاته بوسواسه فينقص منها تسعها، وثمنها
وسبعها على ما جاء في
الخبر، أي ينقص ثوابه عليها ولا إعادة عليه فيها.
(3/560)
ذكر أن أن تجعل الإجارة ثمنًا للبضع
ومهورًا للنساء
وقوله إخبارًا عن شعيب - صلى الله عليه - (قَالَ إِنِّي
أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى
أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا
فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ)
دليل على أن ولي البنت في التزويج أبوها. وعلى أن الإجارة
جائز أن تجعل ثمنًا للبضع ومهورًا للنساء، وعلى أن الأب جائز
الحكم
(3/561)
في صدقات بناته، لأن إجارة موسى - صلى الله
عليه - كانت لشعيب
لابنته المزوجة منه. وعلى أن الإجارة على ما لا يمكن أن يخلص
من
المجهول، وليس في وسع الأجير والمستأجر جائزة حلال لا يفسدها
المجهول الذي لا يمكن تعريتها منه، إذ لو جهد الراعي أو صاحب
الغنم أن يسميا موضع المرعى، والمسرح ومقداره، والسقي وأوراده
ما
قدروا عليه بوجه من الوجوه. ولا الظئر تقدر على تسمية كيفية
رضاع المولود، وإمساكه، وتعاهد تنظيفه عند إحداثه، لأنهما
لا يضبطان، وقد أجاز الله ذلك في قوله: (فَإِنْ أَرْضَعْنَ
لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) ، وليس توصل من يجيز سائر
المجهولات المقدور على
(3/562)
استخلاصها منها في الإجارة بهاتين الآيتين
بمستقيم، وَلا قاصد فيه
طريق الحق، لأن الله قد تجاوز لعباده عما لا يقدرون عليه، ولم
يكلفهم فوق وسعهم وطاقتهم بقوله: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ
نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) ، ومن يقدر على شيء غير متجاوز عن
إمهال ما فيه من الفساد.
فكل إجارة يمكن تعريتها من المجهول فغير محمولة على ما لا يمكن
تعريته منه، فمن استأجر فهي باطل تفسخ، فإن عمل العامل وهو
لا يعلم بفسادها فله أجر مثله لا الأجر المسمى، فإن أراد إنسان
أن يجيز
إجارة على عمل بعينه بأجل شهر أو شهرين اعتمادًا على قصة موسى
في
سببه فقد أغفل كل الإغفال، إذ موسى - صلى الله عليه، - لم يعقد
إجارته إلا على ثماني حِجَج، وجعل الأمر في إتمام العشر إليه،
إن أتمه كان محسنَا، وإلا فالثماني هي الأجل المضروب بينه وبين
مستأجره، ومن يستأجر الأجير شهرا أو شهرين فلم تنعقد إجارته
على أحد الأجلين فيكون مخيرَا في الأجر، وما كان هذا سبيله
(3/563)
فهو فاسد لا يجوز. فعمل موسى - صلى الله
عليه - أجله المضروب له من
الثمانية الحجج، وأَوفَى السنتين الباقيتين لتتمة إحسانه.
سعة لسان العرب.
* * *
وقوله تعالى: (وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ)
دليل على إباحة وضع الكلمة موضع غيرها، لأن الجناح للطائر وليس
لابن آدم جناح، فكأنه كناية عن الاستقرار والسكون، وذهاب الفزع
الذي قد خامره من تحويل عصاه ثعبانا، ومثله: (وَاخفِض لَهُمَا
جَنَاحَ اَلذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ) وليس للذل جناح، ولكنه
كناية عنِ اللين
والتواضع. والله أعلم.
(3/564)
قوله: (فَلَمَّا جَاءَهُمْ مُوسَى
بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا سِحْرٌ
مُفْتَرًى وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا
الْأَوَّلِينَ (36)
دليل على أن ما أقيم عليه البرهان حق، وإن لم يسبق به قول
متقدم.
وأن الراد لما لم يسبق به قول متشبه بهؤلاء القوم.
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " مَن تشبه بقوم فهو
منهم "، وقال ابن مسعود: " الجماعة ما وافق طاعة الله، وإن كنت
(3/565)
وحدك ".
قوله إخبارا عن فرعون: (يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ
لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى
الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى
إِلَهِ مُوسَى)
حجة على من يزعم أن الله بنفسه في الأرض، حال في كل مكان.
وينكر كينونته بنفسه في السماء وعلمه في الأرض. إذ محال أن
يقول
فرعون هذا القول إلا وقد دَلَه موسى - صلى الله عليه - أن إلهه
في
السماء دون الأرض.
فإن كان فرعون أنكر كينونته في السماء وثبته في الأرض فقد وافق
(3/567)
القوم فرعون في قوله.
وإن كان أنكره في السماء والأرض معا فقد خالفوا موسى - صلى
الله عليه - مع خلافهم لجميع الأنبياء والناس، وأهل الملل كافة
سواهم.
ولا أعلم في الأرض باطلاً إلا وهذا أوحش منه، نعوذ بالله من
الضلالة.
بناء القبور بالأجر.
قال محمد بن علي: ولا أحسب كراهية من كره بناء القبور وغيرها
بالآجر إلا لهذا، لأن الآجر فيما يزعمون من بِدَع فرعون
اللعين.
وهو من عمله، وبنى به، ولعمري إن الاقتداء ببدع الفراعنة ما
قل منها وما كثر غير محمود ولا مرضي من أخلاق المؤمنين. فأحب
اجتناب البناء به على كل حال، خلاف أغلبه من غير أن أحرمه إذا
عريت نِية الباني به من نيته.
(3/568)
وقوله: (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً
يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ)
دليل على أن الإمامة تكون في الشر كما تكون في الخير، لأن
معناها
أن يصير المرء قدوة يؤتم فيما يكون به بسبيله ومقيمَا عليه،
ومثله قوله
(فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ
لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ (12) .
وفيه رد على المعتزلة،، لأن جعله لهم أئمة لا يخلو من أن يكون
خلقَا أو صيرورة، وكلاهما حجة عليهم خانقة.
(3/569)
قياس.
* * *
وقوله: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ
هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ
الظَّالِمِينَ (50) .
حجة في إبطال الاستحسان والتقليد والقياس، إذ كل ذلك أهواء غير
مؤدية إلى حقائق الحق.
وفيه دليل على أن الهوى قد يكون في الحق أيضاً إذا كان فيه
هُدى
من الله. وهدى الله في هذا الموضع حجته، ولا حجة له غير كتابه،
ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وإطباق جماعة المسلمين على
شيء واحد.
وقوله (وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ
يَتَذَكَّرُونَ (51)
إلى قوله (وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ)
(3/570)
دليل على أن من لحق محمدا - صلى الله عليه
وسلم - وكان على شريعة
من مَضَى قبله لم يغير ولم يبدل فآمن به، وبما جاء به - ضُوعِف
له الأجر
مرتين.
المعتزلة.
* * *
وقوله: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ
اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ)
حجة على المعتزلة والقدرية خانقة لهم من جهتين:
إحداهما: نسبة الهداية إليه - جل وتعالى - جملة كما هو في سائر
القرآن.
(3/571)
والأخرى: أن قولهم في تأويل الهداية أنها
البيان لا الاضطرار إليها خطأ
لا محالة بهذه الآية من حيث لا ينكرون أنصفوا واستبصروا.
فإنا لا نشك وَلا هُم أن الله - جل جلاله - قد بين لكل من
خاطبه
بالإيمان طريق الهداية، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد
بينها
لكل من أرسل إليه، وأحبها له، وأنه لم يحرص على إيمان عمر إلا
وقد
بين له طريق الهداية مرة بعد أخرى.
فهل تكون الهداية التي لم يقدر عليها محمد - صلى الله عليه
وسلم -
لعمه إلا هداية الاضطرار والإجبار، لا هداية البيان التي قد
كان فرغ
منها، وأدى أمر الله إلى أهله فيها.
ونحن مع هذا البيان الذي لا إشكال فيه نسامحهم في هداية
الاضطرار
والإجبار في هذا الموضع، لتكون أشد لخزيهم، وأبلغ في كسر
قولهم.
ونسألهم عنها سؤالا فنقول: إن كانت الهداية لا تكون عندكم إلا
بيانا،
(3/572)
والإنسان لا محالة غير مهتد لما لم يبين
له، فهل يكون قوله: (إِنًكَ لَا تهدِى
مَن أَحببتَ) إلا خاصَّا في البيان بشاهد العيان، إذ كل من كفر
لم يبين
له، ولا الله شاء أن يبين له على دعواهم طريق الهداية وليس لله
على أبي
طالب حجة إن كان ابن أخيه لم يبين له، ولا الله شاء أن يبين
هدايته، وهو لا يقدر عليها إلا بالبيان أو بالاضطرار والإجبار،
فأي
قول أوحش وأبين غلطا من قول يؤدي نفس قَلبه على قائله إلى هذه
الفضيحة العظيمة، والقبح الظاهر. نعوذ بالله من غضبه.
اختصار الكلام.
وقوله تعالى: وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ
وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ
وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (73)
حجة في اختصار الكلام، والإشارة إلى المعنى، لأنه - جل جلاله -
(3/573)
ذكر الليل والنهار، ثم ذكر السكون فيه ولم
يقل: في الليل.
وذكر الابتغاء من فضله ولم يقل: في النهار استغناء - والله
أعلم - بما
ذكره في موضع آخر.
* * *
قوله: (وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ)
الهاء - والله اْعلم - راجعة على (من) .
(لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ) .
كان بعض أهل الإعراب يزعم أنه من المقلوب: كان العصبة تنوء
(3/574)
بالمفاتيح، على ما تفعل العرب مثل مصراع
الأعشى.
كأننا رعن قف يرفع الآلا
(3/575)
ومعناه: يرفعه الآل.
قال: ويحتمل عندي أن لا يكون مقلوبا فيوضع (تَنُوءُ) موضع
تثقل، ويجعل (الباء) في العصبة معنى (على) فيكون: ما إن مفاتحه
لتثقل على العصبة. والله أعلم كيف هو.
(3/576)
سورة العنكبوت
ذكر ضمان أوزار الناس.
* * *
قوله: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا
اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ
بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ
لَكَاذِبُونَ (12)
دليل على أن ضمان أوزار الناس بعضهم على بعض باطل، وأن أحدا
لا يجازى إلا بما عمل.
* * *
قوله: (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ
أَثْقَالِهِمْ)
يحتمل أن تكون أثقالهم ما جنوه على أنفسهم، (وَأَثْقَالًا مَعَ
أَثْقَالِهِمْ)
(3/577)
ذكر المعتزلة
) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ
الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ
إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20) يُعَذِّبُ مَنْ
يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ (21)
دليل على المعتزلة والقدرية، لأنه ذكر بدو الخلق، وإنشائهم
عامة، ولم يذكرهم بعمل صالح ولا طالح، بل ذكر مشيئته في
رحمة بعضهم، وعذاب بعضهم كما ترى.
فهل يكون الكافر على هذا إلا مرادا بالعذاب، والمؤمن إلا مرادا
بالرحمة.
سعة لسان العرب.
(3/578)
وقوله تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا
بِآيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ
رَحْمَتِي)
حجة في الإخبار عن لفظ الغائب بلفظ الحاضر، ألا ترى أنه قال:
(بِآيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ) ثم قال: (أُولَئِكَ يَئِسُوا
مِنْ رَحْمَتِي) ، ولم يقل: من رحمته.
جواز ترك الخبر قبل إتمامه.
* * *
وقوله: (فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا
اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ)
حجة في جواز ترك الخبر قبل إتمامه، والأخذ في غيره ثم الرجوع
إليه، ولا يكون ذلك عيبا على قائله، وَلا خطأ من فصاحته. ألا
ترى أنه - جل جلاله - ابتدأ الخبر عن إبراهيم - صلى الله عليه
-
بقوله: (وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا
اللَّهَ وَاتَّقُوهُ) ، ثم حال بين
(3/579)
إتمامه بقوله: (أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ
يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ
عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (19) ، وبقوله: (قُلْ سِيرُوا فِي
الْأَرْضِ)
حتى رجع في تمام قصة إبراهيم
- صلى الله عليه - فقال: (فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ) .
وفي هذا دخول الخلد على قول أبي عبيدة - رضي الله عنه - في
اختياره
في سورة النمل: (أَلَّا يَسْجُدُوا) بالتثقيل اعتمادا على أن
لا يحول
(3/580)
بين قصة الهدهد وملكة سبأ حائل من غيره.
حجة على المعتزلة والقدرية.
(وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ
بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالُوا لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ إِنَّا
مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ
الْغَابِرِينَ (33) إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ
الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا
يَفْسُقُونَ (34)
حجة على المعتزلة والقدرية فيما لا يجعلون مشيئة العباد تبعا
لمشيئة الله
(3/581)
وتزيين الشيطان تبعا لتزيينه، وإضلاله وصده
عن سبيل الله تبعا لإضلاله
وصده. لا يعتبرون أن الله - جل جلاله - أخبر عن نفسه بإنجاء
لوط ومن
أنجى معه فقال: (فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا
امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ (57) .
وعن إمطاره على من كفر من قومه مطر السوء، ثم أخبر في هذه
الآية عن رسله إليهم أنهم قالوا له: (إِنَّا مُنَجُّوكَ)
ولم يقولوا: إن الله منجيك، وقالوا: (إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَى
أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ) وليس يخلو
بتة من أن تكون الرسل مأمورين بإنزال الحجارة، وإنجاء لوط،
فكانوا هم المنزلين ذلك بأمر ربهم، أو غير مأمورين. فلما لم
يجز أن لا يكونوا مأمورين، لأنهم لا يكذبون، وبأنفسهم من غير
أمر لا يقدرون - حصل أنهم قالوا ذلك بأمره، وفعلوه بتسليط، وقد
أخبر الله به عنهم وعن نفسه.
أفليس إن جعلنا فعل الله تبعا لفعلهم كفرنا، وإن جعلنا فعلهم
تبعا
لفعل الله صح لنا.
إن الله وإن أخبر بالفعل عن فاعل فهو مؤهله ومقويه عليه،
وفاعله
بإرادته ومشيئته كما نجى الرسل لوطا ومن معه، وأنزلوا الرجس
على من
هلك من قومه بإرادة الله ومشيئته. وكذا قال تبارك وتعالى:
(فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) ثم قال:
(فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ)
(3/582)
ثم قال: (قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ
اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ) ، فعلم أن الإرادة والمشيئة والقوة
لله، وأن الفعل منسوب إلى فاعله، فإن كان مطيعا فيه أجر بفضله،
وإن كان عاصيا عوقب بعدله. والنظر في كيفيته ذلك
العدل، ومعرفته من الخلق له كهيئة ما عنده مزاحمة في ملكه،
وتأميل
إدراك ما لا سبيل إليه من كشف سره.
* * *
قوله تعالى: (وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ
مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ
فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ (38)
لا متعلق لهم فيه، لأنه على ما علمتك من أن تزيينه تبع
لتزيينه.
وصدوده تبع لصدوده.
وقال المفسرون في (وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ (38) : أي في
ضلالتهم معجبين
بها.
(3/583)
قوله: (وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا
لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ (43)
دليل على فضيلة العلماء، وجواز لضرب الأمثال.
معنى الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر.
* * *
وقوله تعالى: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى
عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ)
آية يحملها الناس على غير وجهها، فيرون أن نهي الصلاة عن
الفحشاء والمنكر هو أن تحول دونها حتى لا يعمل بشيء منها، وليس
كذلك إنما نهيهما ما يجده المصلي من الزاجر في نفسه عن الفحشاء
والمنكر، وتصورها في عينه بصورة القبح، فلا تعلم مصليا يقيم
الصلاة لله قائما فيها بأمر الله محتسبا ما وعده الله من
الثواب عليها إلا وهو يجد هذا في نفسه، والفواحش والمناكر عنده
ممقوتة، ممقوت
(3/584)
فاعلها وإن كان يقع فيها.
وكذا لفظ ظاهر الكلام: (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى) ولم يقل: إن
الصلاة تحول بين الفحشاء والمنكر.
وقد نهى الله - جل وتعالى - عن الفواحش والمناكير قبل نهي
الصلاة
ولم يحل بين جميع من نهاه وبينها.
والنهي في اللغة: زجر عن الفعل والترك لفعل غيره.
وقول من قال: " من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد
بها
(3/585)
من الله إلا بعداً " صحيح كما قال، ولكنهم
المنافقون الذين لا يأتون
الصلاة إلا وهم كسالى يراؤون الناس، كما قال الله - عز وجل -
فهؤلاء لا تنهاهم صلاتهم عن شيء، لأنهم لا يقيمونها ديانة، ولا
ائتمارا ولا احتساب ثواب، ولا يؤمنون بأمرها ومن حرم الفواحش
(3/586)
والمناكير،، وكيف تنهاهم صلاتهم عما
لايحذرون عاقبته، ولا يخشون
عقوبته، إنما تنهى المؤمن الذي قد آمن بالله وبما أنزل في
كتابه، وأيقن بالوعد
، ألا ترى أنه قال لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: (وَأَقِمِ
الصَّلَاةَ)
فبدأ به، (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ
وَالْمُنْكَرِ)
فإنما تنهى من قد دخل مع النبي - صلى الله عليه وسلم -
الإيمان، وبري من الكفر والنفاق. ومن كان هكذا من
وإن كان في جملة المخلطين فهو غير فاقد نهي الصلاة عن
والمنكر، والزاجر الذي ذكرناه من قبله، ويوشك المنهي إذا
نهي الناهي أن يوفقه الله فيستحي من ناهيه، ويترك ما ينهاه
وينزجر عما يزجره عنه وإن لم يتركه جملة واحدة.
قال: أليس قد روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قيل له: إن
فلانَا
يصلي بالليل ويسرق. فقال: " صلاته تنهاه ".
(3/587)
وهذا يدل على أن النهي هو المنع الحائل
قيل: لو كان الحديث صحيحا ما كان إلا حجة لقولنا، فكيف وهو
سقيم،. فأما ما فيه من تأييد قولنا، فإن (لعل) يتوقع بها ما
يكون منها، وهو
ما قلناه: إن المنهي إذا كثر عليه نهي الناهي يوشك أن ينتهي،
ولو كانت
الصلاة تحول بين المعاصي لحالت بين هذا السارق وبين سرقته،
ولكفته
صلاة النهار قبل أن يصلي بالليل، بل كانت تجزيه صلاة واحدة.
وأما سقمه فإن مداره على الأعمش وقد اختلف عليه، فروى زياد بن
عبد الله البكائي عنه،
(3/589)
عن أبي صالح عن جابر وروى عنه وكيع فقال:
أرى أبا صالح
ذكره عن أبي هريرة فشك فيه وقال عن أبي هريرة ولم يقل: عن
جابر، ورواه سعد بن الصلت عنه فقال: عن أبي سفيان
- ليس عن أبي صالح - عن جابر. وأبو سفيان لم يسمع من جابر -
ورواه بغير لفظ أبي صالح فقال: أتى رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - رجل فقال: إن فلانا يقرأ الليل كله وإذا أصبح سرق.
قال: " ستنهاه قراءته "
فلو صح لكان معناه أنه سيقرأ في جملة ما يقرأه: (وَالسَّارِقُ
وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا) فينزجر بها يومًا،
وكذا - والله أعلم - قوله: (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ
الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ)
أي تنهاه ما يتلو فيها من القرآن - والله أعلم.
(3/590)
وكان بعض أهل التفسير يذهب إلى أن مدة قيام
المرء في الصلاة إلى
الفراغ منها مشغول بها عن الفحشاء والمنكر، فذلك نهيه عنها عن
الفحشاء والمنكر.
* * *
قوله: (وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ (47)
دليل على كل من لم يؤمن بهذأ القرآن أو شيء منه فهو كافر.
ذكر معنى النبى الأمى.
* * *
قوله: (وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا
تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (48)
دليل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يدرس الكتب
المنزلة
قبله. ولا كان كاتبا، وأن معنى الأمي فيه أنه لا يكتب ولا يحسب
ليكون
ذلك أتم في آيات نبوته، ولتنقطع حجة المبطلين عليه بأن يقولوا:
حفظ
هذا الكتاب من كتاب قبله، أو انتسخه.
وكذا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
(3/591)
" إنا أُمة أُمية لا نكتب ولا نحسب، الشهر
هكذا وهكذ! " وكسر الإبهام في الثالثة كأنه أشار بأصابع يديه
مرتين ليكون عشرين، وأشار في الثانية بخمسة وأربعة ليكون تسعا
وعشرين. يريد أن الشهر يكون كذلك أيضا.
وقال لعلي بن أبي طالب - رضي الله عنه - حين أنكر سهيل بن عمرو
إملاءه، هذا ما قضى عليه محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم
-: " أرني موضعه " فمحاه وأمره أن يكتب محمد بن
(3/592)
عبد اللَّه.
فدل أنه كان لا يقرأ ولا يكتب. وليس كما يقول المتحذلقون في
الجهل
أنه كان يكتب ويقرأ.
والأمي في نعته منسوب إلى مكة، لأنها أم القرى.
* * *
وقوله: (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ
الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ) .
(3/593)
دليل على أن القرآن من كبار آيات النبي -
صلى الله عليه وسلم - لآن
المشركين قالوا: (لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ
رَبِّهِ) : فقال: (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا
عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ)
* * *
وقوله: (وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ
رَبِّهِ)
دليل واضح على أن الله - جل جلاله - في السماء لا في الأرض
وأن الذي في الأرض علمه المحيط بما فيها.
(3/594)
المعتزلة.
* * *
وقوله: (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلَا أَجَلٌ
مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً
وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (53)
حجة على المعتزلة والقدرية واضحة، لأن العذاب في هذا الموضع
لا يخلو من أن يكون هلاك بهِلاك موت أو غيره من أنواع العذاب
وأيهما كان فلا يتقدم أجل المضروب. وهم يزعمون أن الإنسان قد
يموت بغير أجله، وينكرون أن الله - جل جلاله - ضرب أجلا - لأحد
في هلاك مخافة ما يلزمهم في الكتاب السابق بشيء من الأشياء.
اختصار
(3/595)
وقوله: (وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ
تَعْمَلُونَ (55)
فيه لا محالة اختصار، وهو أشد ما يكون من الاختصار كأنه -
والله
أعلم - ذوقوا جزاء ما كنتم تعملون، أو عقوبة ما كنتم تعملون،
أو ما
يقارب هذا المعنى، لأنهم كانوا يعملون المعاصي، والمعاصي لا
تُذاق. فأي لسان أشرف من لسان العرب، وأعلى مرتبة أن يجوز فيه
هذا الاختصار الشديد والإشارة إلى المعنى.
اختيار الأرض.
* * *
وقوله: (يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي
وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ (56)
دليل على جواز اختيار الأرض، والنقلة من موضع إلى موضع فرارا
من المعصية، وصيانة للدين، وخلاصا ممن لا يساعد على الآخرة
ويدعو
إلى الدنيا
(3/596)
سورة الروم
المعتزلة.
* * *
وقوله: (الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ
وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ
سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ
وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ
يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5)
حجة على المعتزلة والقدرية في باب العدل الذي يدعون معرفته
لجهلهم.
فيقال لهم: ما وجه نصرة الله الروم على فارس وكلاهما كافر،
الروم
بالتنصر، وفارس بالتمجس، في فطرة عقولكم التي تعدون بها
طوركم، ولا تسلمون فيها لربكم منفردا بها دونكم.
فإن قيل: فما معنى فرح المؤمنين بنصره غيرهم،
(3/598)
قيل: فرحهم - والله أعلم - بأخذ القمار
الذي وجب لهم عند ذلك.
وذلك أنهم كانوا قامروا المشركين قبل تحريم القمار على نصرة
الروم على
فارس، وغلبهم عليه في بضع سنين، فلما أظهرهم الله عليهم فيها
استوجبوا قمارهم، وبان صدقهم، وعلا كتابهم المنزل على نبيهم -
صلى الله عليه - بأن لا ينزل فيه إلا ما يكون حقا ففرحوا بذلك.
(3/599)
قوله: (وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ
اللَّهُ وَعْدَهُ)
حجة عليهم في باب الوعيد، لأنه - جل جلاله - قد أكد في إنجاز
وعده، وأخبر عن الوفاء به في غير موضع من كتابه.
ولم يفعل ذلك في باب الوعيد، لأن ترك إنجازه كرم كما قد بينا
ذكره
قبل هذا لا خُلف.
ذكر الصلاة.
* * *
قوله: (فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ
تُصْبِحُونَ (17) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (18) .
فى ليل على أنها الصلاة كما قال ابن عباس، رضي الله عنه.
(3/600)
إذ لو كان تسبيحا على ظاهر قوله لاستحال أن
يكون الله منزها في هذه
الأوقات دون سائرها، منزه عن السوء في جميع الأوقات. وقدِ اتفق
المسلمون لا اختلاف بينهم على أن الله لم يأمر أحدا بأن
يسبح في هذه الأوقات، ولا غيرها تسبيح قول، ولا تسبيح بعد ذلك
إلا الصلاة.
والصلاة تسمى في لغة العرب تسبيحا، قالت عائشة - رضي الله
عنها -: " والله ما سبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
سُبحة
الضحى قط، وإني لأسبحها ".
(3/601)
واتفق المفسرون فيما أعلم على أن قوله في
يونس: (فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143)
أنه من المصلين.
وهذا من المواضع التي يترك فيها الظاهر بشاهد من الكتاب والسنة
(3/602)
والإجماع.
الاختلاف.
* * *
وقوله: (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ
الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ
مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ (19)
اختلف المفسرون فيه، فقال الضحاك بن مزاحم: " يخرج الرجل
الحي من النطفة الميتة، ويخرج النطفة الميتة من الرجل الحي ".
وقال الحسن وقتادة: " يخرج المؤمن من الكافر، ويخرج الكافر من
المؤمن ".
(3/603)
كأن الحي عندهما المؤمن، والميت الكافر.
فإن كان ما قالا فهو حجة على المعتزلة والقدرية، وبراءة لهما
مما نُسِبا
إليه من القدر، لأن إخراج المؤمن من الكافر، والكافر من المؤمن
لا يكون
إلا عند إلاد الأم بهما، فأما ما يستوجبانه من الاسم بعد
البلوغ بما
يصيران إليه من الإيمان والكفر فلا معتبر فيه.
ولا يخلو من أن يكون ولدا كما سميا، أو على غير ما سميا ثم
انتقلا. فلما كان إزالة الاسم عنهما قبل إحداث الإيمان والكفر
بعد
البلوغ، وعند الخروج مزيلا للفظ نص القرآن، ثبت أنهما ولدا
كذلك
فلم يستطيعا النقلة عما ولدا عليه بعد البلوغ، ولحوق الخطاب
بهما،
(3/604)
ويؤيده قصة المولود الذي قتله الخضر - صلى
الله عليه، وولادته
(3/605)
لا محالة على الكفر، إذ لا يجوز على الخضر
أن يقتل طفلا لا يدري - على زعم الجهلة - يكون بعد البلوغ
مسلما أو كافرا.
وفي تسمية الكافر بالميت دليل علي إجازة الإفراط في ذم الإنسان
ومدحه بما يكون ظاهره خلاف باطنه ولا يكون كذبا. وبيان على أن
الإرادة في تسميته بالميت زوال منفعة الحياة التي تنجيه عنه
وإن كان ذا
روح.
وتسمية المؤمن بالحي مدح له، حيث كان بضد الكافر من المسارعة
إلى
الإيمان، وما ينجيه من عذاب الرحمن، لأنه ذو روح.
وإن كان كما قال الضحاك ففيه حجة على وقوع اسم الميتة على
الشيء
لايكون دليلا على نجاسته حتى تقوم حجة ثابتة بنجاسته، لأن رسول
الله
- صلى الله عليه وسلم - قد دل على طهارة النطفة.
(3/606)
وفي نفس قوله: (وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ
مَوْتِهَا)
دليل على ذلك، لأن الأرض طاهرة، ومعناه أنها أحييت بالنبات بعد
أن كانت جردا لا نبات فيها.
وبلغني أن بعض مثبتي القياس كان يجعل قوله: (وَكَذَلِكَ
تُخْرَجُونَ (19)
وماضاهى من القرآن حجة في تثبيته.
وهو عندي جهل بين، وذلك أن القياس عندهم تحريم غير المسمى
وتحليله من أجل علة في المسمى أوجبت به مسلكه. وليس إخراج الله
من
مات من قبره وإعادة الروح فيه من أجل أنه أخرج الحي من الميت،
والميت
من الحي، وإحياء الأرض بعد موتها، ولكنه بيان لذوي العقول أن
الذي
فعل ذلك قادر على إحياء الموتى وإخراجهم من قبورهم. وبطلوا
القياس
كلهم مقرون بأن المحرم للأنواع الستة قادر على تحريم غيرها،
ولكنها لم
يحرمها في الدنيا ولا حاجة بأحد إلى تحريمها يوم الحشر كما دل
على أن من
أحيى الأرض بعد موتها قادر على إحياء أهل القبور، وإنما يحييهم
يوم
(3/607)
النشور.
سعة لسان العرب.
* * *
قوله: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ)
خارج على سعة اللسان، لأن المخلوق من تراب آدم وحده.
والمخلوق له من نفسه زوجته قال الله - تبارك وتعالى - (وَمِنْ
آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا
لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا) ، فلما كان البشر جميعاً من نسله
سماهم بذلك على سعة اللسان. والله أعلم.
حجة الشافعي - رضي الله عنه - فيما يسقط (أن) من كلامه.
(3/608)
(وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ
خَوْفًا وَطَمَعًا)
حجة للشافعي - رضي الله عنه - فيما يسقط (أن) من كلامه في
هذا الموضع كقوله: ولو صلت أَمَةٌ مكشوفة الرأس فعليها تستتر.
ولم
يقل: أن تستتر.
ألا ترى أنه قال: (خَوْفًا وَطَمَعًا) ولم يقل: أن يريكم.
ولا يسلك به مسلك ما تقدمه من قوله: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ
خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ) ، ولا جعل خبر الابتداء على لفظ
المصادر والأسماء كما قال:
(وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) ، (وَمِنْ
آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ) ، ولكنه جاء
به على لفظ المستقبل من الأفعال وأسقط
(أن) فكلاهما لغتان فصيحتان واردتان معا في القرآن. إلا أن ما
كان
على لفظ الأفعال الماضية فلابد من إثبات (أن) فيها، وما كان
على
لفظ المستقبل فالمتكلم بالخيار إن شاء أثبت وإن شاء أسقط، فإذا
أسقط
(3/609)
كانت حجته ما ذكرناه من قوله: (وَمِنْ
آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا) .
وإذا أثبت كانت حجته: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ
السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ) ، وإذا لم يجز له إلا
الإثبات كانت حجته: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ
أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا) ، وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ
مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ (20)
.
المعتزلة.
* * *
وقوله تعالى: (ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ
إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ (25)
حجة على المعتزلة والقدرية في إضافة الفعل إلى فاعل ذلك الفعل
مفعول به. ألا ترى أنه قال قبل هذا: (وَيُحْيِي الْأَرْضَ
بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ (19) ، ثم قال هاهنا:
(إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ (25)
فما ينكرون ويحهم أن تكون أفعال المعاصي يفعلها
(3/610)
العاصون وتنسب إليهم، وتكون محكوم عليهم
بها جارون على محتوم
القضاء عليهم فيها، فلا يبقى عليهم عند ذلك إلا الإقرار بعزوب
علمهم عن عدل عادل، لا يضرهم جهله. ولو كان جل وتعالى
لا يكون عادلا إلا فيما تعقله الخليقة من عدله دون أن يكون له
عدل
لا يعقله، كانت فيه صفة تحيط الخلق نكتها، ولجاز لمن يزاحمه في
معرفة عدله - ولا يعده منكرا من نفسه - أن يزاحمه في معرفة
قدرته.
فيقول: لا أقبل من قدرته إلا ما يتسع لها عقلي، وإلا صرفته في
باب
المحال، كما أصرف ما لا أعقله من عدله في باب الجور فلا أنسبه
إليه.
فيلزمه أن يقول: لما كان محالا في عقلي أن يكون عادل يجمع على
نفس
واحدة حكما لشيء وقضى عليه به ثم يطالبه بتركه، ويعاقبه على
فعله.
فلم أنسب هذا إليه، ولم أبالِ بمخالفة آي القرآن فيه، وشهادة
الرسول
وجماعة الأمة غيره عليه، فهو فيه أيضاً محال أن يكون للنار
موضعا
يكون فيه والجنة عرضها كعرض السماء والأرض قد أخذت جميع
الموضع.
ومحال أن يكون مدبر واحد يدبر جميع الأشياء لا يشغله شيء عن
شيء، وما أشبه هذا من القدرة التي هي من صفة الرب تبارك
وتعالى، ولا يتسع لها عقول الخلق، وإلا فما الفرق، هذا مع ما
بينا
عليهم من نظائر نفس ما ينكرونه من العدل مفرقا في فصول كتابنا
هذا، والمجرد في الرد عليهم.
(3/611)
وقوله: (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ
ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) .
معناه - والله أعلم - وهو أقل عنده من أن لايقدر عليه - لا أن
إبداء
الخلق أصعب عليه من إعادته، بمعنى أن إعادته أيسر عليه. هذا
كفر لمن
يكفر به - وأحسبه كذلك، لأن الله - جل وتعالى - قدرته على
الأشياء
كلها واحدة لا يتعاظمه شيء، ولا يلحقه صعوبة في خلق شيء
سبحانه.
ولكنه على ما أعلمتك خرج مخرج الاختصار. وهو أعلم بما أراد به
جل وعز.
(3/612)
ومن المفسرين من قال: هو أهون على الخلق
إعادته بقوله: كن
فيكون. أهون عليه من ابتدائه مِن نطفة ثم مِن علقة ثم مِن
مضغة.
قياس.
* * *
وقوله: (بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ
بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ)
حجة على من يقول بالتقليد والقياس والاستحسان. وحجة على
المعتزلة والقدرية.
وهو من المواضع التي يحسن فيها حذف (هاء) المفعول كأنه: من
أضله الله.
(3/613)
خصوص.
* * *
وقوله: (فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا)
خصوص لا محالة، يعني فطر المسلمين عليها دون المشركين.
(لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ)
كان بعض المفسرين يقول: " لا تبديل لدين الله " يذهب به -
والله
أعلم - إلى أن قوله: (ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) قد دل عليه.
(3/614)
اختصار
* * *
قوله: (مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ)
فيه اختصار - والله أعلم - لأنه لم يتقدم الكلام بشيء تكون
(مُنِيبِينَ) حالا منه، فكأنه أدخلهم في الخطاب الذي خاطب به
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من إقامة وجوههم للدين
منيبين
إليه، أو في خطاب سواه من الأمر بالتوبة، أو ما شاء جل وعز.
فإن توهم متوهم، أنه حال من الناس الذي فطرهم على الإسلام
غلط عندي، لأنه لو كان كذلك: (مُنِيبِينَ إِلَيْهِ
وَاتَّقُوهُ)
والله ولي الصواب.
(3/615)
(وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا
مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31)
يحتمل أن يكون دليلا على أن من لم يقمها أشرك، ويحتمل أن يكون
نهيا مبتدأ - والله أعلم أيهما هو.
قوله: - (لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا
فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (34)
حجة في جواز خطاب الغائب بلفظ الحاضر. ألا ترى أنه قال في
ابتداء الآية: (وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا
رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ
رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (33)
لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ)
فهو - والله أعلم - يقول لهؤلاء بأعيانهم لا لغيرهم: فتمتعوا
فسوف
تعلمون، لأنه لم يفرغ من تمام المعنى بعد، والدليل عليه قوله:
أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ
بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ (35) .
والذي يزيل الريب كله عنه قوله في آخر العنكبوت: (فَإِذَا
رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ
الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ
يُشْرِكُونَ (65) لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ
وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (66) .
(3/616)
ذكر الهدايا.
(وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ
النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ)
يزعم مجاهد أنها: الهدايا، وكذلك قال الضحاك إلا أنه فسره
فقال: " هو رجل يعطي الناس ليثاب، فليس له أجر، ولا عليه
وِزر، ونهُي عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - خاصة ". فكأنه
يعطي الناس ليثاب أكثر من عطيته. فهو يقع عليه اسم الربا
بالزيادة
وليس بمحرم، وإن كان من دناءات المطامع، فقال الله في هذا:
(3/617)
(فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ)
أي لايزيد كما يزيد الزكاة، ثم بينه فقال: (وَمَا آتَيْتُمْ
مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ
الْمُضْعِفُونَ (39)
أي أولئك الذين يعطون كذلك يضعفون لأنفسهم ثواب عطاياهم التي
أرادوا بها وجه الله.
ولعل الضحاك أراد فيما قال نهي عنه - صلى الله عليه وسلم - في
سورة المدثر: (وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (6) .
لأنه كذلك فسره هناك فقال: "
لا تعطِ لِتُعطى أكثر منه ". فنهي النبي - صلى الله عليه وسلم
- عن
دناءات الأخلاق والمطامع.
وقد حث الله تعالى على التأسي برسول الله - صلى الله عليه وسلم
-
تأسياً عاماً في قوله: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ
اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) ،
(3/618)
وروي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:
" إن الله يحب معالي
الأمور، ومعالي الأخلاق ويكره سفسافها) ، وصح عنه - صلى الله
عليه وسلم -
(3/619)
جملة أنه قال: " العائد في هبته كالكلب
يعود في قيئه ".
(3/620)
وقد قال أهل العلم من التابعين والأئمة في
الهِبة للثواب لذي الرحم
والأجنبين أشياء. وروي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فيها
ما روي، فلا أدري ما أقول فيها إذا فعلها الإنسان. واختار أن
لا يفعله اقتداء بالقرآن، وتأسياً برسول الله - صلى الله عليه
وسلم -
في أخلاقه، وما أخبر عن الله - عز وجل - من كراهة سفسافها.
* * *
وقوله: (وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ
مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ (49)
دليل على جواز التأكيد في القرآن وزيادة البيان، وهو رد على من
قال: ليس ذلك في القرآن.
(3/621)
قوله: (وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا
فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا)
(الهاء) - والله أعلم - راجعة على النبت، أو علي الأثر الذي
قال:
(فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي
الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي
الْمَوْتَى) أي يحييها بإخراج النبات من الزرع والحشيش وغيره.
إيمان.
* * *
وقوله تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ
وَالْإِيمَانَ)
حجة على المعتزلة فيما يزعمون أن الإيمان مكتسب غير موهوب.
(3/622)
قوله: (كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى
قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (59)
حجة عليهم واضحة.
(3/623)
|