النكت الدالة على البيان في أنواع العلوم والأحكام سورة الجاثية
رد على من يقول بخلق القرآن:
قوله - تعالى -: (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ
يُؤْمِنُونَ (6)
حجة على من يقول بخلق القرآن من الجهمية، والمعتزلة، ويحتج
بقوله:
(مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ) .
فهلا يزعمون - ويحهم - أن الله مخلوق، إذ قد سمى نفسه، وآياته
حديثًا، كما ترى.
وقولهم - في الحديث - غلط غير مشكل، إنما معنى الحديث في
اللغة ما يحدث عند الناس، مما لم يكن لهم به عهد، ولا عرفوه،
وكان توحيد الله، وخلع الأنداد، وتلاوة القرآن مما لم يكن لهم
به عهد، فحدث عندهم، وكان ما عهدوا من آبائهم، ومن سلف قبلهم
ترك توحيد الله، وجعل الشركاء معه.
وعهد الشعر، والخطب، فكان توحيد الله، وتلاوة كلامه - معًا -
حديثين عندهما، لا أنهما أحدثا بالخلق.
(4/139)
المعتزلة:
* * *
قوله: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ
وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ) الآية.
حجة على المعتزلة، والقدرية واضحة غير مشكلة، وعظة لمتبعي
الهوى، وتقريع لهم شديد، ودليل واضح على أن العلم - مع الخذلان
- غير نافع، وبعث على الاستهداء من عند الله، وطرح
الكيف بين يديه، والتبرؤ من الحول والقوة إليه
ذكر الدهرية:
وقوله - تعالى - إخبارًا عن مشركي العرب: (وَقَالُوا مَا هِيَ
إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا
يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ
عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (24)
حجة على الدهرية فيما يزعمون: أن مهلكهم العمر،
(4/140)
يأتي عليهم فيخلقهم، ويفنيهم، فأخبر الله -
تبارك وتعالى، عنهم -
أن هذا ظن يظنونه، وليس كذلك، بل الله مهلكهم، وقال على إثره:
(قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ
يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ)
قيل: فما وجه حديث رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "لا يقولن
أحدكم يا خيبة الدهر، فإن الله هو الدهر".
قيل: وجهه أن القوم كانوا - في جاهليتهم - يقدرون أن المصائب
التي تصيبهم، هي من فعل العمر بهم ولا يعلمون أن لهم صانعا
يفعل بهم
ذلك، ويصيبهم بالسراء والضراء، وكانوا يسمون عمر الدنيا الدهر.
فلما أسلموا كانت ألسنتهم جارية بعادتهم، فكانوا يسبون الدهر
عند
الشدائد تصيبهم، والمصائب تنزل بهم، فنهاهم رسول الله، صلى
اللَّه عليه وسلم، أن يسبوا الدهر، الذي لا صنع له فيهم، وهو
مدبَّر
معهم، فقال: "لا تسبوا الدهر، فإن الله هو الدهر" أي فإن الذي
يفعل ذلك بكم هو الله - جل وعلا - فسماه بالدهر، لدوامه لأنه
الأول، والآخر، لا انقطاع له، ولا زوال لملكه، سبحانه.
(4/141)
ذكر المعتزلة:
وقوله - تعالى - (هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ
بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ
تَعْمَلُونَ (29)
حجة على المعتزلة، والقدرية إذ، النسخ لا يكون إلا
مما قد فرغ منه مرة، ولو كانت كتابة ابتداء كان - والله أعلم -
(إنا
كنا نكتب ما كنتم تعملون) .
الوعيد:
وقوله - تعالى -: (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ
هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (30) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا
أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ)
إلى آخر القصة، حجة عليهم في بالب الوعيد لو تدبروه، لأنه قال
- في أول القصة -: (وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ
أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا) ، ثم أخبر بمثوى كل فريق،
ومجازاته فقال: ((فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ) ، ولم يقل: (ولم يذنبوا) ، والمؤمن إذا صلى،
وصام، وتوضأ، واغتسل من الجنابة فقد
(4/142)
عمل الصالحات، ولا ترى مؤمنا - وإن أذنب -
إلا وقد فعل كل هذا
وزيادة، وقال - في الفرقة الأخرى -: (وَأَمَّا الَّذِينَ
كَفَرُوا)
فحق الوعيد عليهم بتعريتهم من الإيمان، فمن أوجب الله له
الفوز.
ووعده الإدخال في رحمته فقد أمن مثوى الآخرين، وجزاءهم.
فإن أوجدونا في القرآن - كله - أن الله لم يوجب الرحمة،
والفوز.
والجنة إلا لمن لم يعصه طرفة عين، أو عصاه فمات تائبًا، فالقول
قولهم، وإلا فليقروا أن الخلود لا يجب على من آمن، وعمل
الصالحات، وليعلموا أن هذا العادل - الذين يدعون الفلسفة في
معرفة عدله - لا يضيع إيمان مؤمن، وصالح عمله بذنب أذنبه.
فيسوي بينه وبين الكافر، الذي لم يؤمن طرفة عين، ولا عمل من
صالح عمله شيئًا، وما بال القضاء بالذنوب يُنفى عن الله - جل
وتعالى - محاماة على عدله عندهم، ولا يُنفى عنه التسوية بين
المؤمن.
والكافر في الخلود، وما بال إيمان الكافر - إذا آمن لحظة -
يستعلي على كفره جميع عمره، وإحسان المؤمن - عمره - لا يستعلي
على ذنب أذنبه؟! ومع إحسانه إيمانه. ألِأَنَّ الذنب أعظم من
(4/143)
الكفر، وأوزن في الميزان منه؟! ، إن هذا
منهم إلى تجوير الله - تعالى عن
قولهم - أقرب منه إلى تعديله، وكذا قال: (أَفَمَنْ كَانَ
مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ (18) أَمَّا
الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) ، وكذا (وَأَمَّا
الَّذِينَ فَسَقُوا)
والفساق - في هذه الآية - هم الكفار، لقوله في آخر
الآية: (وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي
كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (20) .
لأن المؤمن - وإن ساء عمله - لم يكذب بعذاب النار، وقال
: (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا
لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36) ، ومثله في القرآن كثير. فإن
احتجوا بقوله: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ
ثُمَّ اسْتَقَامُوا) .
قيل: استقامتهم هو على ما قالوا، ألا ترى أنه لم يقل: "
استقاموا " على غيره، وكذا رُوي عن رسول الله، صلى الله عليه
وسلم، أنه تلا هذه الآية، فقال: " قد قالها الناس، ثم كفر
أكثرهم،
(4/144)
فمن قالها حتى يموت فهو ممن استقام عليها.
فالمذنب حقيق بالعقوبة، موعد بها، غير حقيق بالخلود مع الكفار،
فإن عفا
عنه ربه، وغفر له، فهو أهل العفو والمغفرة، وإن جازاه
على سيء عمله، وعاقبه عليه أنجزه ما وعده من الخير على العمل
الصالح، حيث يقول: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا
يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ) الآية، وما بال العفو يكون -
عندهم - خُلْفًا " لقوله:
(وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8) ، وقد
دللنا على أن العفو
كرم لا خلف، ولا يكون خلود المؤمن مع الكافر - في النَّار -
إذا
مات بغير توبة من ذنب عمله خلفًا، لقوله: (فَمَنْ يَعْمَلْ
مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7)
فمتى يرى هذا الخير - ليت شعري - إذا خلد في النار؟! إن الخطأ
في قولهم أبين، وأظهر من أن يحتاج فيه إلى هذا الإغراق كله.
(4/145)
سورة الأحقاف
قوله - تعالى -: (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ
كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا) .
دليل على أن النساء قد يلدن لستة أشهر، وقد سبقنا إلى هذا علي
وابن عباس رضي الله عنهما.
* * *
قوله: (حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ
سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ
الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ
أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي)
رد على القدرية، والمعتزلة فيما أخبر عنه من إيزاع
الشكر، والتوفيق للعمل الصالح، ولو كان مستطيعًا بنفسه لكان
دعاؤه محالاً، ثم أثنى عليه ربه، وأضاف العمل - الذي هو أعانه
عليه - إليه، فقال: (أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ
أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ)
فالعمل حسنه، وسيئه مضاف إلى عامله،
(4/146)
وإن كان معانًا على الحسن، مقضيًا عليه
بالسيء، ولو كانت الاستطاعة
مستغنية بنفسها ما عمل أحد عملاً سيئًا - أبدًا - إذ ليس يخلو
العمل
السيء من أن يكون عامله عارفًا بعقوبته، أوجاهلا بها، فإن كان
جاهلاً بها فالحجة - بعد - لم تلزمه حتى يعرف عقوبة العمل الذي
أمر
باجتنابه وتوعد عليه، وإن كان عالمًا بعقوبته فليس يخلو:
من أن يكون فعله له بعقل، أو غير عقل. فإن كان بغير عقل
فلا حجة عليه - أيضاً - لرفع القلم عنه، وإن كان يعقل - وهو
مستطيع لأن لا يعمله - فليس في فطرة العقول أن يهلك عاقل نفسه.
ولا يطرحها في النار.
وإن كان شاكًا في عقوبة ذنبه، لأنه لم يعاينها، فهذا بعد لم
يؤمن
بالله، ولا دخل في جملة الموحدين، فضلاً عن النظر في القضاء
والقدر.
أفلا يعتبرون أنه عالم ما يُعاقَب عليه بعقل وإيقان، ولكنه لا
يستطيع
الحيد عما قُضي عليه قبل خلقه، ومعرفة العدل في ذلك منفرد به
خالقه
جل وعز.
ثم قال: (وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا) إلى
تمام قوله: (أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ)
(4/147)
وهو - والله أعلم - ما قال (وَلَكِنْ حَقَّ
الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ
وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (13)
فهو واضح لا إشكال فيه.
(4/148)
سورة محمد
ذكر المفاداة:
قوله - تعالى -: (فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا
فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا
الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً)
دليل على أن المفاداة والمن لا يجوز قبل النكاية والإثخان.
ودليل على جواز المفادة وردّ من قد أُخرج إلى دار الإسلام -
منهم - إلى دار الكفر، والمن عليه قبل الإسلام، لأنه إذا أسلم
استغنى عن المن عليه، وحرم المفادة به.
التقوى:
وقوله - تعالى -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ
تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ
(7)
(4/149)
دليل على أن من استشعر التقوى في مقاصده،
وأخلص
النية للَّه - في أعماله - لم يسلمه الله إلى عدوه، ولم يعله
عليه، وكان
الظفر له على من ناوأه.
* * *
قوله: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا
خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ
مَاذَا قَالَ آنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى
قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ (16) .
حجة على المعتزلة، والقدرية في الإخبار بالطابع عنه، وباتباع
الهوى عنهم.
المرجئة:
قوله - تعالى: (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى
وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ (17) ،
(4/150)
حجة عليهم في إعطاء التقوى، وعلى المرجئة
في زيادة الهدى.
ذكر المبالغة فى الشىء:
* * *
قوله: (أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ
وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ (23) .
حجة عليهم واضحة، وهي حجة لمن أراد المبالغة في شيء يذمه، أو
يمدحه، أن يفرط فيه - في اللفظ - ولا يكون كذبًا، إذ معنى
الصمم، والعمى لا محالة هو ما حال بينهم وبين استماع الموعظة.
والانتفاع بها، والعمى عن طريق الهداية، أفهم، كانوا يستمعون
ما
يخاطبون في أمر دنياهم، ويهتدون الطرق في طلبها، وكل ما دعا
إليها.
المعتزلة:
وقوله - تعالى -: (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى
أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى
الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ (25)
(4/151)
حجة عليهم، لأن الشيطان
هو الذي دللنا على أن الله قيضه ليزيبن لهم، ويملي بقوله:
(وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ
أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ) ، ألا ترى أنهم قد حيل
بينهم وبين الهدى، بعد ما تبين لهم بشيء قيض الله لهم، وهذا مع
ما قد أخبر بالتزيين والإملاء لهم عن نفسه في موضع آخر
والتسويل والتزيين واحد.
ذكر الأشرار:
* * *
وقوله: (وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ)
دليل على أن للأشرار ظواهر - نكير تدل على ما يخبون من الشر -
لا تخفى على ذوي الأبصار، والمتوسمين من الأخيار.
(4/152)
ذكر أن الهدنة لاتجوز مع قوة الإسلام:
* * *
قوله: (فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ)
دليل على أن الهدنة لا
تجوز مع قوة الإسلام، وكثرة أهله، واستعلائهم على أعدائهم.
ولا يضرب لها مدة صغيرة، ولا كبيرة. واحتجاج الشافعي رضي
اللَّه عنه على جوازها - مع قوة الإسلام - أربعة أشهر، لقوله -
عز
وجل -: (بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ
عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (1) فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ
أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ)
ليس ببين، لأن الهدنة هي على ترك القتال، والأجل المضروب في
سورة براءة للإسلام، فكان من جاء مسلما" فيها قُبل إسلامه، ومن
جاء بعد انصرامها - من هؤلاء القوم بأعيانهم مسلمًا - لم يقبل
منه.
وإن شُبّه كل أحد قوله: (إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ
الْمُشْرِكِينَ) قيل
نفس البراءة محتملة لنقض العهد، الذي عوهدوا عليه، والدليل على
ذلك
الغلظة على المسيَّرين، وسورة محمد، صلى الله عليه وسلم،أيضاً
مدنية مثل براءة، يأمر بالقتال، والإثخان في العدو، وينهى
(4/153)
في آخرها - نهيًا عن السلم نصًّا بلفظ
النهي، فكيف يجوز أن يترك النهي
الزاجر بالإخبار عن شيء يحتمل أن يكون الله - بجوده - قد غيره
بالبراءة، إعزازًا للإسلام، وإذلالاً للكفر، والله أعلم كيف
هو.
(4/154)
|