النكت في القرآن الكريم {ومن سورة
لقمان}
* * *
قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ
أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ
أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ
عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [لقمان: 27] .
يقال: مد النهر ومده نهر آخر، قال الفراء: تقول العرب: دجلة
تمد بئارها وأنهارنا، والله يمدنا بها، ونقول أمددتك بألف
فمدوك. قرأ أبو عمرو {وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ} بالنصب، ورفع
الباقون، فالنصب على العطف على {مَا} من وقوله: {وَلَوْ
أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ}
، والرفع: على القطع مما قبله، ويكون رفعاً بالابتداء،
{يَمُدُّهُ} في موضع نصب على الحال، والخبر محذوف، كأنه قال:
والبحر يمده من بعده سبعة أبحر مداد، ثم حذف؛ لأن المعنى
مفهوم، أو يضمر (يكون مداداً) وإلى هذا ذهب الفراء، ولا يجوز
أن تعطفه على المضمر في وقوله: {فِي الْأَرْضِ} كأنه في
التقدير: ولو أن ما أستقر في الأرض من شجرة أقلام هو والبحر؛
لأن البحر لا يكون أقلاماً. وموضع {مَا} رفع بإضمار فعل، كأنه
في التقدير: ولو وقع، أن ما في الأرض؛ لأن {لَوْ} بالفعل أولى،
لما فيها من معنى الشرط، ولا يجوز أن تعطف البحر
(1/392)
على موضعها؛ لأنها مفتوحة، وقد ذهب عنها
معنى الابتداء.
{ومن سورة السجدة}
* * *
قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا
تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ} [السجدة: 23] .
يسأل علام تعود (الهاء) في قوله: {مِنْ لِقَائِهِ} ؟
وفي هذا أجوبة:
أحدها: أن المعنى: فلا تكن في مرية من لقاء موسى الكتاب، فهو
يعود على الكتاب، هذا قول الزجاج.
والثاني: أنها تعود على الأذى، والمعنى: فلا تكن في مرية من
لقاء الأذى، كما لقي موسى، وهو قول الحسن.
والثالث: أنها تعود علة موسى، والتقدير: فلا تكن يا محمد في
مرية من لقاء موسى.
وقيل: يعود على الابتداء، والمعنى: فلا تكن في مرية من لقاء
إيتائك الكتاب كما أوتي موسى.
{ومن سورة الأحزاب}
* * *
قوله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ
تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [الأحزاب: 33]
قرأ نافع وعاصم {وَقَرْنَ} بفتح القاف، وقرأ الباقون
{وَقِرْنَ} بالكسر، فأما من قرأ {وَقَرْنَ} فهي قراءة نظير،
وذلك أنه لا يخلو أن يكون من (الوقار) أو من (القرار) فلا يجوز
أن يكون من (الوقار) لأنه إنما يقال: وقر يقر: وعد يعد، فإذا
(1/393)
أمرت قلت: (قِرْنْ) كما قرأت الجماعة، وهذا
يدل على ميزان قولك: عدن، ولا يجوز أن يكون من (القرار) لأنه
إنما يقال: قر في المكان يقِرُّ بكسر القاف، وقرت عينه تقر،
فلو كان من (القرار) لقيل: اقررن، ثم يستثقل تكرير (الراء)
فتنتقل حركتها إلى القاف، ثم تحذف إحدى الرائين لالتقاء
الساكنين، وتحذف همزة الوصل للاستغناء عنها فيبقى (قرن) كما
قرأت الجماعة، فهذان الوجهان يجوزان في قراءة من كسر، وأما
الفتح فبعيد إلا أنه قد حكي: قررت في المكان أقر، وهي لغى
حكاها الكسائي، فيجوز على هذا أن يكون الأصل (أقررن) ثم فعل
باقررن، ثم ألقيت فتحة الراء على القاف، وحذفت لالتقاء
الساكنين، وحذفت الهمزة للاستغناء عنها، كما فعل فيما تقدم،
وأكثر ما يجيء هذا في (فعلت) نحو: ظَلْتْ ظِلْتُ ومَسْتُ
ومِسْتُ وأًحْسَسْتُ وأَحِست، وأنشد أبو زيد:
خلا أن العتاق من المطايا ... حسين به فهن إليه شوس
إلا أن الفراء حكى: هن ينحطن من الجبل، في معنى: ينحططن.
وقيل في التبرج: التبختر، وقيل: التكسر، وهو قول قتادة، وقيل
الظهور.
* * *
قوله تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ
رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ
النَّبِيِّينَ} [الأحزاب: 40]
قرأ عاصم {خَاتَمَ النَّبِيِّينَ} بفتح التاء وهي قراءة الحسن،
وقرأ الباقون بالكسر.
كأن المعنى عنده: هو آخر النبيين، ويروي عن علقمة أنه قرأ
{خِتَامُهُ مِسْكٌ} [المطففين: 26] ، أي: آخره مسك.
قال المبرد: (خاتم) فعل ماض على وزن (فاعل) وهو في معنى: ختم
النبيين، فنصب في هذا الوجه على أنه مفعول، وفي حرف عبد الله
"وِلَكِنْ نَبِيَّاً خَتَمَ النَّبِيَّينَ"، وقراءة من
(1/394)
كسر يدل على هذا المعنى؛ لأنه اسم فاعل من
ختم، كضارب من ضرب.
والنبيين: في مذهب من كسر في موضع جر بالإضافة، وكذا في مذهب
من فتح، إلا عند المبرد فإنه في موضع نصب على ما قدمناه.
ويجوز في {رَسُولَ اللَّهِ} وجهان: النصب والرفع.
فالنصب: على أنه خبر {كَانَ} أي: ولكن كان محمد رسول الله.
والرفع: على معنى: ولكن هو رسول الله.
وهذه الآية نزلت في زيد بن حارثة، وذلك أن النبي - صلى الله
عليه وسلم - تبناه فكان يقال زيد ابن رسول الله، وكان النبي -
عليه السلام - خطب زينب بنت جحش امرأة زيد بعد أن طلقها زيد
فامتنعت.
فأنزل الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ}
[الأحزاب: 36] ، إلى آخر القصة، وأنزل: {ادْعُوهُمْ
لِآبَائِهِمْ} [الأحزاب: 5] ، فلما نزلت هذه الآية قال زيد:
أنا ابن حارثة، وأذن الله تعالى لنبيه في تزويج زينب.
قال قتادة: أولاد النبي - عليه السلام -: القاسم، وبه كان
يكنى، وإبراهيم، والطيب، والمطهر، قال غيره: وعبد الله، قيل:
الطيب والمطهر وعبد الله أسماء كانت لواحد.
* * *
قوله تعالى: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا
لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ} [الأحزاب: 50]
نصب (امرأة) بإضمار فعل تقدير: وأحللنا لك امرأة مؤمنة إن
وهبت.
ومما يسأل عنه أن يقال: لم قال: {إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا
لِلنَّبِيِّ} . ولم يقل: إن وهبت نفسها لك؟
والجواب: أنه لو قال ذلك لتوهم أنه يجوز لغيره، فذكر النبي -
صلى الله عليه وسلم - ليزول اللبس.
(1/395)
قال علي بن الحسين: هذه امرأة من الأزد يقال لها: أم شريك،
وقال الشعبي: هي امرأة من الأنصار، وقيل: هي زينب بنت جحش،
وقال ابن عباس: لم يكن عند النبي - عليه السلام - امرأة وهبت
نفسها له.
* * *
قوله تعالى: {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا
يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ}
[الأحزاب: 51] .
كلهن: توكيد للمضمر في {يَرْضَيْنَ} ، أي: ويرضين كلهن، ولا
يجوز نصبه على توكيد المضمر في {آتَيْتَهُنَّ} ؛ لأن المعنى
ليس عليه، لا يريد: آتيتهن كلهن، وإنما يريد: يرضين كلهن. |