تحفة الأقران في ما قرئ بالتثليث من حروف القرآن حرف الجيم
فمن ذلك قوله تعالى: في سورة "الأنبياء": (فَجَعَلَهُمْ
جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ) .
قرئ بضمّ الجيم من (جذاذ) وكسرها وفتحها:
فأمَّا قراءة الضمّ فقرأ بها السبعة إلا الكسائي، ووجهها أنها
جمع
جُذاذة، كزُجاج وزُجاجة، قاله اليزيدي.
وأمّا قراءة الكسر فقرأ بها الكسائي، ووجهها أنها جمع جَذيذ،
ككريم
وكِرام.
وأما قراءة الفتح فقرأ بها ابن عبَّاس رضي الله عنهما، وأبو
نَهيك.
وأبو السَّمّال، ووجهها أنها مصدر بمعنى المجذوذ، كالحصاد
بمعنى
المحصود.
(1/61)
وقيل: ضمّ الجيم وكسرها وفتحها لغة،
وأجودها الضمّ، كالحُطام
والرُّفات.
وقال قطرب: هو مصدر في لغاته الثلاث، لا يُثنى ولا يُجمع.
والجَذّ في اللغة: القطع، يقال: جَذَذْتُ الشيء: قطعته وكسرته.
قال الشاعر:
بنو المُهَلَّبِ جَذَّ اللهُ دابِرَهم. . . أمسَوا رَماداً فلا
أصلٌ ولاطَرَفُ
والجُذاذ: ما تكسّر من الشيء، ويقال للحجارة من الذهب جذاذة.
لأنها تقطع، و (عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) أي غير مقطوع.
تتميم:
إنْ قيل: لأيّ شيء جيء بضمير من يَعْقِلُ في قوله تعالى:
(فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا) والأصنامُ لا تَعْقِلُ؟
قيل: إنّما كان ذلك لأنّها عندهم بمنزلة من يَعْقِل.
وقوله تعالى: (إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ) استثناء من الضمير في
قوله:
(فَجَعَلَهُمْ) أي: إلاّ كبيراً لهم لم يجعله جذاذاً.
فإن قيل: فالضمير في (لَهُمْ) على أيّ شيء يعود؟
قيل: يحتمل أن يعود على الصنم، والاعتذار ما تقدّم، ويحتمل أن
(1/62)
يعود على عُبّادها.
ومن ذلك قوله تعالى في سورة " القصص ": (لَعَلِّي آتِيكُمْ
مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ
تَصْطَلُونَ (29)
قرئ بكسر الجيم من (جَذْوَةٍ) وضمها وفتحها.
فأما قراءة الكسر فقرأ بها السبعة إلا حمزة وعاصماً.
وأما قراءة الضمّ فقرأ بها حمزة، والأعمش، وطلحة، وأبو حيوة.
وأما قراءة الفتح فقرأ بها عاصم. وكلّها لغات بمعنى واحد،
وكذلك
جمعها مثلّث يقال: جذاً بضمّ الجيم وفتحها وكسرها.
واختُلف في (الجذوة) ، فقيل: هي الجمرة، وعليه الأكثر.
وقال أبو عبيدة: والجذوة: القطعة الغليظة من الخشب، كان في
طرفها نار أو لم يكن.
(1/63)
|